نشرت فى الدستور
4-1-2007
….. أريد أن أفعل مثلك يا أبى !
(1)
حين قالت البنت لأبيها “أريد أن أفعل مثلك يا أبى” أجابها لتوه “إفعلى يا حبيبتى”، قالها وقد امتلأ زهوا، وانفرجت أساريره، وأقبل عليها فرحا أنه أنجبها، , وأنه أخيرا وجد من يريد أن يقتدى به، اقترب منها وهو يقول لنفسه: فلتجئ أمها لتسمع ما تقوله ابنتها، إبنتنا، إبنتى. انتفخ أكثر وهو يربت على كتفها فى حنو ويضيف: “أعنى، سوف تفعلين مثلى يا حبيبتى، حين تكبرين، أنت ما زلت صغيرة”، قالت البنت “هل حقا يا أبى سوف أستطيع أن أوقفه حين أكبر”، فزع الرجل، وتصور أنه لم يسمع، فاستبان الأمر مترددا: “توقفين ماذا ياحبيتى؟” قالت البنت بهدوء “أوقف عقلى عن التفكير”. لم يصدق الرجل أنه سمع ما سمع، ومع ذلك استطرد وكأنه سمع، قال وصوته يرتفع منه حتى صاح “ما هذا الذى تقولينه يا بنت انت؟ ومن قال لك أننى أوقفت عقلى؟ ” قالت البنت: “لمَ تغضب هكذا يا أبى، لقد اكتشفت أن هذا ليس عيبا، بل يبدو أنه مريح جدا، برغم أنه صعبٌ علىّ، أنت توقفه يا أبى بسهولة عجيبة، يا بختك يا أبى، يا شطارتك” ضبط نفسه – لثوان – فرحا لأن ابنته تراه شاطرا هكذا، لكن سرعان ما غمره غضب كتَمَةُ بسرعة لاهثة، وهو يشك أن أمها قد أوعزت لها أن تسخر منه، ثم استبعد ذلك، فأمها لاتعوزها الحيلة، وهى لا تتردد فى أن تسخر منه مباشرة سرا وعلانية، أمام من يساوى ومن لا يساوى.
(2)
أمسكت البنت بالصحيفة وهى تتأمل صورة السيدة فى صفحة الرأى، كانت قد حاولت أن تقرأ بعض ما كتبته، يبدو الكلام صعبا، فعادت إلى أبيها لعلها تصالحه، ناولته الصحيفة وهى تسأل: من هذه السيدة يا أبى ؟ قال لها إنها نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، قالت يعنى ماذا؟ قال “يعنى حاجة كبيرة جدا جدا”، قالت البنت ” أريد أن أكون مثلها” فرح الرجل وقال لنفسه “عادت البنت إلى عقلها” قال لها “تشطرى يا حبيبتى، وأنت تصبحين مثلها، وربما تصبحين رئيسة المحكمة وليس فقط نائب رئيسها”. قالت البنت “هل حقا يا أبى ترضى أن أكون مثلها” قال “طبعا”، فأكملت : “لكننى لم أفهم كل ما كتبتْ، إنها تقول كلاما غير ما قلته لى حضرتك” قال الرجل “طبعا، هى قانونية كبيرة، أنا رجل على قدر حالى” ، قالت البنت ” خيل إلى أنها تفكر مثلى، أقصد يعنى، ربما ليس تماما، قل لى يا أبى: كيف تستطيع ألا تفكر مثلنا؟”. كان قد حسبَ أنه نسى، أو أنها تأدبت، قال وكأنه يعايرها، ” ألم تقولى أنك لم تفهمى”. قالت البنت ” لقد فهمت بعض الكلام غصبا عنى”، قال الرجل: “وهل يفهم أحد شيئا غصبا عنه، أنت تهذين” قالت البنت “ألم أقل لك يا أبى، إننى أريد أن أوقف عقلى مثل حضرتك، حتى لا أفهم غصبا عنى؟”
(3)
اقتربت البنت من أبيها ثانية وهى تشير إلى صورة السيدة الكاتبة قائلة :”سوف أذاكر وأطلع الأولى فى الإعدادية. قال الرجل :”هكذا تكونين ابنتى بصحيح”، أكملت البنت: “وهل إذا صرت رئيسة محكمة أخلع الحجاب؟” انتفخ وجه الرجل وجحظت عيناه، همَّ أن يصفعها فزِعا، لكنه سرعان ما تدارك نفسه، وبدأ يتكلم، خيل للبنت أنها ارتدّت بضع سنوات، نفس الكلام بالحرف الواحد!!! كيف يكرره هكذا وكأنه قطعة محفوظات؟ كيف حَضَرها هكذا مع أنها تصورت أنها نسيته، نفس البداية ، نفس النهاية، نفس صوته الذى يأتى من بعيد كأنه ليس صوته : “هذا ما قاله الذين يفكرون لنا، ويفسرون لنا أوامر الله سبحانه وتعالى”. قالت البنت “ولكن ما فهمته، أقصد ما لم أفهمه،هو أن هذه السيدة الجميلة تفكر أيضا بما يرضى الله ” ، لم يستطع الرجل أن يتراجع عن المديح الذى سبق أن كاله للسيدة، فـصاح: “وأنا مالى”؟ قالت البنت: ” لهذا أريد أن افعل مثلك يا أبى”.
صاح الرجل يخاطب نفسه، ” هذه وقاحة، لن أُدخل البيت صحيفةً واحدة بعد الآن”، فوجئ أن البنت سمعتْه، فقالت: “طيب والنِّت؟” واصل يخاطب نفسه بصوت مسموع أكثر: “سوف أقطع خط التليفون، “
قالت البنت: ” طيب، وماما سوزان ؟ ما هِيَـ ………..
لم تكمل، إذْ أن أبوها قفز منطورا من المقعد وهو يتلفت بسرعة حوله يمينا ويسارا وللخلف، اندفع كأنه يهم بإغلاق النافذة، لكنه لم يفعل، رجع للبنت فزعا ، ثم توجه نحوها يكاد ينقض عليها، ثم تراجع وهو يصيح:
– اغربى عن وجهى ياقليلة الأدب.