نشرت فى الدستور
9/7/1997
أروى صالح
لم أعرفها شخصيا، لم أرها فى حياتى، عرفت بعض زملائها وزميلاتها، قرأت كتابها الهام “المبتسرون” وعشت معها الصدق المؤلم، والتعرية القاسية، والشريفة، وبعد أيام، نعم أيام، علمت ما حدث، وقرأت النعى الفريد للثلة التاريخية الخاصة وتساءلت، أين نحن؟ إلى أين؟ هل مات الحلم حقيقة؟ هل بقى شىء؟ هل هناك بديل؟
رجعت لأوراقى فوجدتنى عشت نفس الخبرة مع اثنين من أعز أحبابى غادرونى غدرا وشجاعة معا، والثلاثة فعلوها من فوق قمة الوحدة والإباء.
كتبت أودّع الأولى عاتبا شعرا كاد يصلح لأروى الآن وكأنه كُـتب لها خصيصا:
غمست طرف الريشة فى أحبار الوحدة والهجر،،… لم تفتأ تتمرغ فى حضن الشوق، تنتظر المجهول،
ضاقت دائرة الناس رويدا، و”رويدا” ألعن،
وبطاقات الأعذار: “السن ، وأكل العيش، وحكم الصنعة”
يتسع فراغ الحفرة، والقصر الحلم: مهجور الـمـخـدع .
واستجدت لمسه، أو شبه تحية، أو دقة جرس الهاتف، حتـى لو جاءت خطأ صدفة
نظرت للأرض الرحم الأم ، ناداهـا الهدهد ، يعزف أنغاما تعرفها،
طارت مثل يمامة، تبحث عن صدر وليف لم يولــد أبدا، وتهادت فى زفة عــرس.
دارت دورة ، نبتت زهرة، كتبت همسات الرٍّيح بدمع الهـجـر:
”لا يطلب أى منكم ما ليس يحق لـه طلبه !!!”
كذلك وجدتنى كتبت فى الصديق الآخر الذى فعلها أيضا من شاهق بعد أن كان يعلمنى حب الحياة ودروس الحكمة، دون أن يتعلم منها حرفا، كتبت شعرا يقول :
عجـز الطفل الزاحف فوق تلال الحكمة ،أن يضبط خطوه، فى الأرض الرخـــوة.
أن يفهم معنى قول عابر، أن يطرب من ملحة ساخر، أن يدرك نبض حياة راتبة سلسة، أن يقرأ شعرا فى رشفة قدح القهوه، أن يطرب مع غير الصفوة، فيضان البشر الزاخر، راح يصلى دون أذان، والــرحـم القاع بلا جدران.
وأرسلت لأروى شخصيا بعد الوفاة برقية لا أعرف من استلمها، لعلها ترجع لى وكأنى أرسلتها لنفسى، قلت فيها: “مع السلامة، ولو أنى لست موافقا.
الوفاء: أن نصنع ما أملت فيه فى ظروف أصعب مما تصورت”.