نشرت فى الدستور
15-6-2005
دع البله وابدأ النظر
أدع القلق؟ لمن ؟
كلما سمعت تعبير “دع القلق وابدأ الحياة”، استشطت غيظا. “بأمارة إيه “
أدع القلق”، أدعه لمن ؟ أستورد ناسا من الصين يقلقون بدلا منى؟ إذا كان بالحياة ما يُقلق، كيف لا أقلق؟ كيف لا أقلق على ما يجرى حولى، كيف لا أقلق على ما ينتظرنى؟ والألعن تلك الدعوة أنه “لا تخف” !! يا صلاة النبى!!، كل ما يجرى هكذا فى العراق، وفى سجن أبو غريب أو معتقل جوانتاناموا أو الأزهر أو ميدان عبد المنعم رياض،أو أقسام بوليسنا، ناهيك عما لا نعرف مما هو أبشع وأخطر، كل ذلك وتقول لى “لا تخف”؟ ثم ينبهنى الأطباء النفسيون أننى مواطن “نكدى”، لأنهم اكتشفتوا بأبحاثهم إياها أن 20% من المصريين مصابون بالاكتئاب (إخص عليهم!!!)
هذه ليست دعوة للقلق أو دفاعا عن الغم، ولكنها دعوة لتحويلهما إلى غضب، إلى فعل مسؤول، ثم إنها ليست دفاعا عن الخوف الذى يقعدك مطرحك مرعوبا من السلطة ومن المجهول، لكنها تنبيه إلى أنه ما دام هناك ما يخيف، فلنتحمل مسئوليته بجسارة أكبر منه، فنقتحمه ونحن خائفون شجعانا.
البله الذى أدعوك أن تدعه هو البلاهة السياسية، والبلاهة الاستهلاكية، والبلاهة المكلمية (الكلام على العمال على البطال)، أما “النظر” الذى ستواجه به إذا أنت رفضت البلاهة، فهو دعوة إلى النظر فإعادة النظر فى كل شىء، بما فى ذلك ما يصلك من الأطباء النفسيين أمثالى فى الإذاعة والتليفزيون وهذه الصفحة بما فيها كلامى هذا.
مسألة الصحة النفسية البلهاء فى مجتمع الرفاهية ، والدواء المطمئن جدا فى مجتمع الغم الأزلى، هى مسائل تحتاح منك ومنا إلى النظر وإعادة النظر ، هى دعوة ليست للسخط أو التبرير، لكنا لليقظة والألم الخلاّق.
آسف، ولكن : ألم يئن الأوان أن نقول لكل أنواع البلاهة المستوردة والمصنعة محليا “كفاية”