الاهرام 26-1-2004
أخطاء اليوم كوارث المستقبل
أنهيت مقالي(قضيه التطور مسئولية متجددة) فى هذه الزاوية بتاريخ 6 / 10 / 2003 بأن”… الفائدة الحقيقية من التأمل فى مسيرة التطور هى إن نثق بقدره الانسان على قبول التحدى”. كان ذلك تعقيبا على مقال سابق للدكتور مصطفى فهمى الذى عاد لينشر فى اول يوم من هذا العام2004 فى الأهرام أيضا ردا على مقال فى نفس الموضوع. لم اقرا المقال الاصلى لكننى اتفقت مع رد د. فهمى فى كثير مما ذهب اليه كما تحفظت على اقله. أنا مع د. فهمى مائه فى المائة فى شجب استعمال النصوص الدينيه لرفض نظريات التطور كما اننى ايضا ضد من يستعمل نصوصا دينيه لدعمها. كل الاديان التى لم تشوه بهذا العبث- على الناحيتين- كانت ومازالت من أرقى حوافز التطور ذى النهاية المفتوحة. ان ظهور الاديان بهذا الاطراد المتلاحق، بفضل الله ورحمته، ثم نجاحها فى دفع حركه الحضارات وتعميق انسانيه الانسان هو تاكيد رائع على دورها الايجابى فى التطور.
ثم اختلف مع د. مصطفى فى رفضه الشديد(حتى العجب والذهول!!) لاحتمال الجمع بين لامارك، وداروين، وهيكل. اننى مع الراى القائل ان مثل هذا التوفيق وارد وواعد، حتى لو لم يعد التطور داروينيا صرفا. هذا التوفيق بدا منذ حدس الفلاسفه الاوائل حتى ما أورده د. فهمى شخصيا من اشاره الى تطورات رائعة فى التعرف على ماهية الحياة، فالانسان من خلال اصله الفيروسى؟(حسب المعلومات الاحدث التى تؤكد علاقة الفيروسات بالدنا بالتركيب البشرى الارقى). ان قضيه التطور تنتقل بروعه غير مسبوقه الى داخل الخلايا الحية(الدنا بالذات)، فهى لم تعد تقتصر على البحث عن الحلقات المفقوده من خلال العثور على حفريات جديده داله. تزداد اهميه وخطوره هذه النقله ونحن نسترجع مقوله هربرت سبنسر:” ان عادات اليوم هى غرائز المستقبل”. ان هذا يعنى أن الإنسان ربما كان الكائن الوحيد، فيما نعرف، الذى يساهم فى مسيره تطوره(او مسار انقراضه) بوعى نسبي. فاذا انتبهنا كيف انه فى عصر العولمه وعملقة الاتصالات يمكن ان يعم العالم اجمع اى خطا جسيم(أو خير عميم) بشكل كاسح قد لا يمكن ايقافه فى الوقت المناسب، فان المسئولية تتضاعف حتى التهديد بالانقراض اذا ما رجح السلب. ان كثيرا مما يجرى الآن فى العالم من تشريع وتبرير وتسويق ما يمارسه المتغطرسون من العلماء والساسه ورجال الحرب ورجال المال والمافيا هو لغير صالح الحياه والاحياء. يشمل ذلك الاستهانه بافساد البيئه ثم اشعال الحروب واحتكار حق الابداع وتقفيل التاريخ لصالح اوهام التفوق وتسويغ الظلم وتبريره. فاذا كان كله او بعضه قابلا للتوريث فالبشريه فى خطر.
ثم أنى اختلف أيضا مع د. فهمى وهو يرفض مقولة: ان” المنطق يجعلنا نسلم باللامنطق”. ان ذلك التسليم باللامنطق قد يحمل دعوه للبحث فيه حتى نعرف ان هناك منطقا غير المنطق الذى نتعامل به، حتى لو سمى بالنفي(اللامنطق)، تماما مثلما نتحدث الان عن اللاوعى وهو ليس وعيا منفيا ب”لا”، وإنما هو وعى أخر، وهكذا.
إن علينا إن نكتشف كل مستويات وجودنا وطبقات وعينا طبقه وراء طبقه، ومستوى فوق مستوى، لنتكامل بها جميعا، بدلا من ان نسلم للظاهر منها ونرتاح، ثم نضيع.
علينا إن نفعل ذلك سواء كان هذا الظاهر منطقا شائعا، أو منهجا علميا جامدا، أو إيديولوجيا متشنجه، أو تفسيرا دينيا متصلبا وصيا