نشرت فى جريدة أخبار اليوم
6/8/2011
“أخبار اليوم” تظهر فى “زفتا” – وتشكيل وعى الصغار
كل ما أعرفه عن علاقة أبى بالسياسة هو أنه كان لا يحب الوفد، ولا يقرأ إلا الأهرام، فلماذا هذا الاهتمام الشديد بهذه الصحيفة الجديدة؟ كنا فى زفتا، وقد جاوزتُ الحادية عشر بأيام حين ولدت أخبار اليوم (11 نوفمبر 1944)، ولمحتها فى يد أبى فحسبت أن الأهرام قد تبرج، كنت أتصور أيامها أن الصحف والإذاعة ليس لديها ما تملأ به الورق أو الوقت إلا أخبار الحرب والغم (الحرب العالمية الثانية !!) وقد سألت أبى هل سيغلقون الإذاعة والصحف حين تنتهى الحرب، فنصحنى أن أتعرف على بقية صفحات الأهرام، ولكن الصحيفة التى يمسك بها الآن شىء آخر، صحيفة عناوينها حمراء، وبها صور جميلة، ورسوم ظريفة ساخرة، والحرب لم تنه بعد، هل توجد صحيفة فى حجم الأهرام ليست سوداء؟ وبها رسوم ليست صورا؟ سمعت أنها صحيفة الملك، وكنا فى أشبال الكشافة نحب الملك: “نحن لمصر، نحن للملك، عاشت مصر، وعاش الملك”، كان حبا بعيدا عن السياسة، لم نكن قد وصلنا إلى مرحلة إرجاع “الفضل كله: لبابا جمال، ولا لبابا سادات، ولا لماما سوزان”، سألت أبى عن مشاعره نحو الأهرام بعد تعلقه بهذه المولودة الجديدة، فأرانى إعلانات الأهرام عنها، ولم أفهم كيف ترحب صحيفة عريقة بمنافسة لها هكذا، خطر ببالى أن ذلك مثلما ترحب الأخت الأكبر، بأختها الوليدة.
أنا أكتب ما يعنّ لى فى معظم الصحف من عشرات السنين، لكننى لم أكتب أبدا فى”أخبار اليوم” إلا هذه الأيام، كيف عادوتنى المشاعر التى عشتها منذ نيف وستين عاما هكذا؟ تذكرت كيف كتب رخا تاريخ “4 فبراير” بحروف هى صور النحاس باشا فى أوضاع مختلفة، رفضتها ذلك تماما، صحيح أن أبى لا يحب الوفد، لكنه يحب النحاس باشا، كان ذلك بعد صدور أخبار اليوم بشهرين أو ثلاثة بمناسبة ذكرى حادث 4 فبراير 1942، انزعجت من تشكيل صورة هذا الزعيم الطيب النظيف وهو يتقوس منحنيا فى رقم “4” وحين وصلت إلى ذيل حرف “الراء” فى لفظ “فبراير” وقد وضع رخا رأس النحاس فى آخر ذيل الراء امتلأتُ غيظا وشعرت أننى لو قابلت رخا أيامها لصفعته، أو نزعت سرواله، ولم يصالحنى على “رخا” حبى لرفيعة هانم والسبع أفندى ولا المصرى أفندى، ظللت طول عمرى لا أفهم حادث 4 فبراير هذا!! لماذا رفض الملك؟ ولماذا ضغط الإنجليز؟ ولماذا قَبِل النحاس؟ هل هو نفس الضغط الذى مارسته أمريكا هذه الأيام لخلع مبارك ليحل محله من يعتقدون أنه يمثل الأغلبية فيكون حليفا أضمن؟ حين عرفت نجيب محفوظ شخصيا، منذ 15 سنة تقريبا، وصلنى حبه الغامر ليس فقط لسعد زغلول بل للنحاس باشا، سألته عن حادث 4 فبراير، وأفهمنى بنفس الحب كيف أن النحاس باشا قبل هذا الموقف من أجل مصر، وفهمت، وصدقته، وارتاح بالى.
وضعنى كل هذا الآن أمام سؤال يقول: كيف يتشكل وعى أطفالنا السياسى، ثم شبابنا؟ وارتبط ذلك بسؤال تكرر كثيرا هذه الأيام : متى تشكل وعى شباب 25 يناير حتى فعلوا ما فعلوه هكذا؟
حين طلبوا منى اقتراحا لمواصلة برنامج أسبوعى فى القناة الأولى (طعم البيوت)، قدمت لهم ثلاثين أغنية “أرجوزة” كنت قد كتبتها للأطفال مؤخرا، أمِلا أن نجيب على السؤال “كيف يتكون وعى الشباب” بالذات، وكيف نساهم فى توجيهه؟ وتعجبت أنهم وافقوا ورحبوا، كما تعجبت قبل ذلك بسنوات حين قبلتْ قناة النيل الثقافية أن أقدم ألعابا نفسية، فى برنامج “سر اللعبة” أحرك بها وعى عينة متطوعة من الناس المصريين، وهم يكملون عبارات ناقصة، نكتشف، نحن والمشاهدون، من خلالها أبعادا جديدة لقيم قديمة.
تداخلت عندى مشاعر الطفولة، بأغانى الأطفال، بهذه “الألعاب النفسية”، بهذه الدعوة الكريمة للكتابة فى أخبار اليوم، وتصورت أن بإمكاننا أن نقدم أصعب المفاهيم بأبسط الأساليب بكلمات مكتوبة أيضا فى هذه الزاوية المحدودة، أسبوعا بعد أسبوع.
كنت قد قدمت حلقة الأسبوع الماضى فى برنامج “طعم البيوت” عن “الحرية” انطلاقا من أغنيتها للأطفال، وشعرت وأنا أناقش المذيعة الفاضلة أننا أحوج ما نكون الآن لإعادة النظر فى مفهومها، ونحن نستعد لإكمال هذه الجولة الثورية الحالية، واستعدادا للثورة القادمة.
هل تحتمل هذه الزاوية أن نبدأ بتقليب مفهوم “الحرية” الأسبوع القادم؟
دعونا نحاول، ونتحرك على قدر السماح.