“يومياً” الإنسان والتطور
22-5-2008
العدد: 265
أحلام فترة النقاهة
“نص على نص”
حلم 57
درت حول الحصن مرتين.. حصن حجرى نوافذه صغيرة كالثقوب، ومن كل نافذة يطل وجه أعرفه بل وأحبه.. والبعض طال غيابه والآخر رحل عن دنيانا من أزمنة مختلفة، فنظرت بشوق وأسى وخيل إلى أن كل وجه يسألنى من أعماقه أن أحرره، ونظرت إلى باب الحصن الحجرى بلا أمل، ثم ذهبت إلى دار السلطة وطلبت العون، وغادرتها مجبور الخاطر قابضا على عمود من الصلب، ورجعت إلى الحصن، ولوحت بالعامود فتهللت الوجوه واصطفت على الباب وضربت ضربة هائلة فتحطم وتهاوى، واختفت الوجوه من النوافذ وتعالى هتاف فرحة وسرور، ووقفت خافق القلب منتظرا لقاء الأحبة بلهفة وشوق.
تقاسيم على اللحن الأساسى
…… لم يخرج أحد من الحصن وكأننى لم أر أى وجه من الوجوه التى أعرفها وأحبها فلماذا استجابت دار السلطة لشفاعتى؟ ولماذا أعطتنى عمود الصلب؟ ثم لماذا لم يخرج أحد؟،
هل كانت السلطة تريد إطلاق سراح المعتقلين من الموتى والأحياء، أم أنها كانت تريد التخلص منهم جميعا تحت الأنقاض؟ وما سر هذه الضحكات الدالة عل السرور والفرح والحصن يتهاوى؟ هل ارتاحوا أخيرا منا ومنهم؟
التفت مرة أخرى إلى عمود الصلب فخيل لى أنه أفعى يتلوى، وأنه يقرأ افكارى، بل ويسجلها، ثم راح يصدر شعاعا سريا إلى السماء يوسع به ثقب الأوزون الذى لاح لى بعد أن حل الظلام كأنه طاقة القدر.
القيت بالعمود بعيدا فانفجر إنفجارا نوويا لم يترك شيئا ولا أحدا إلا أباده، وأنا معهم،
وما زلت أحكى،
هل…؟
****
حلم 58
أخيرا جاء الترام الجديد وأصبح درة المواصلات فى حى العباسية وكنت من أول من استقلوه وجذبتنى إليه ألوانه الخضراء والبيضاء وزخارف جدرانه وفخامة مقاعده. كنت أقعد وأقف وأنا أتعجب من جماله، وأقول لنفسى هذا متحف جميل لا ترام، ولكنى لاحظت مع مرور الزمن أن سلوك ركابه دون مستوى جماله بكثير. والحق أنى رأيت فعالا يندى لها الجبين خجلا، وذات يوم رأيت شابا من الخواجات ينقض على طفلة يريد أن يلتهمها ولكنى حلت بينه وبينها مذكرا إياه بأنها طفلة وقبل أن يشتبك معى صعدت سيدة جميلة فى أواسط العمر فهرع الشاب إليها وهو يهتف ’Like you ‘ وقالت السيدة إنها راجعة لتوها من أوروبا حيث شاركت فى الاحتفال بظهور سيرتها الذاتية وعرضت علينا نسخة فإذا على الغلاف صورة امرأة عارية تماما!.
تقاسيم على الحلم الأساسى
..هو هو: شارع محمد على، الترام مازال يخترقه مزهوّا مجلجلا برغم أننا تعودنا عليه، لكن غلبنى حنين إلى عربة السوارس من باب الوفاء أو الوداع، قفزت إليها دونه،
البغل نشيط يدق بحوافره فتتراقص عضلاته وهو لا يهتم لا بالترام ولا بالسيارات ولا بالمارة، العربجى يطرقع بالكرباج لكنه لا يلمس البغل، المرأة البدينة تحكم لف الملاءة حول جسدها الذى يزداد جمالا ببدانته المتسقة مع روحها المرحة، ضحكتها تلعلع بسبب وبغير سبب، وأحيانا تطلقها حتى قبل أن يكمل العربجى جملته، رحت أتابع المواقف وأنا فى مؤخر العربة وسمعت المرأة تقول للعربجى “إيش عرّف الخواجات فى النسوان”؟ فيرد العربجى “الخواجات خواجات، سبقونا فى كل شئ خصوصا الحرية”، تتقصع المرأة وتزداد ضحكتها لمعانا وهى تقول “.. شالله يا حرية ” لا يرد العربجى يصيح بالبغل “هس” بعد أن لوح للعربة ثلاثة أشخاص ينتظرون على الرصيف، تعجبت أن من بينهم ذلك الشاب الخواجة الذى كاد يلتهم الطفلة ثم راح يغازل السيدة صاحبة الصورة العارية على الغلاف، لم تكن الطفلة ولا السيدة من الواقفين، كيف يترك هذا الشاب الخواجة الترام بكل جماله وحداثته ليقف فى انتظار سوارس، ارتفعت ضحكة المرأة البدينة الجميلة حتى ملأت ملاءتها اللف وارتج ثدياها فى إثارة واضحة وراحت تغنى وهى تشير إلى الخواجة “جونى يا جونى، تعابوسنى وْعـَ..ّّ.نِى”،
احمر وجه الشاب الخواجة أكثر والتفت الناحية الأخرى، ولم يركب، وأسرع الخطى نحو محطة الترام الذى كان قد غادر المحطة.