نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 25-2-2019
السنة الثانية عشرة
العدد: 4195
من حالات الإشراف على العلاج النفسى
مقدمة:
للتذكرة: اليوم ننشر هذه الحالة من المقتطفات الإكلينيكية والعملية من الإشراف المنتظم، وهى الحالة (90) من هذه السلسلة عن الإشراف أى فى الكتاب الخامس (81 – 100)، ونأمل بذلك أن نكمل ما ينقص هذه الحالات من تعقيبات الأصدقاء القراء حتى تسهم فى مزيد من التوضيح والإفادة كما تبين لنا من قبل.
الحالة: (90)
احترام الواقع، والمشاركة الإنسانية
أ. أيمن: هى الحالة اللى حضرتك قلت عليها
د. يحيى: نعم ؟ نعم !
أ. أيمن: الحاله اللى كنت اتكلمت عليها هنا من سنة ونصف
د. يحيى: خير إن شالله
أ. أيمن: هى ست عندها 55 سنة
د. يحيى: خمسة وكام؟
أ. أيمن: 55 سنة، شغالة فى شبكة الشرق الأوسط، وهى متزوجة وعندها تلات أولاد وكانت متزوجة قبل كده مرتين ودى التالتة الحالية يعنى والجوازة الأخيرة بقى دى يعنى بقالها حوالى 19 سنة
د. يحيى: تلات أولاد من مين فيهم
أ. أيمن: فيه ولدين من راجل عراقى، ودى كانت أول جوازه والولد الأخير من الزوج الأخير اللى هى عايشة معاه هى بقالها معايا تقريبا 4 سنين وشوية، يعنى المشكلة اللى موجودة يعنى بسرعة كده هى فى البداية كانت جاية علشان خاطر شوية مخاوف، ومنها الخوف من الجنون، وهى خايفة من إن يجيلها جنون صريح، لأن لها عم فصامى وجدّة فصامية
د. يحيى: عم فصامى وإيه؟
أ. أيمن: ست الولد يعنى ست فصامية برضه هى كانت خايفة إن يجيلها نفس المرض، وفى نفس الوقت خايفة أن هى تموت تسيب الولد الصغير لوحده
د. يحيى: هو عمره قد إيه؟
أ. أيمن: الولد دلوقتى عمره 18 سنة
د. يحيى: وجاله حاجة
أ. أيمن: لأ
د. يحيى: هوّا شاطر؟
أ. أيمن: لا مش شاطر، هو لعبى وشقى وتاعبها، يعنى متدلع قوى يعنى، وكانت خايفة إن هى تموت وتسيبه، المهم بعد البداية بست شهور جالها ورم وبدأ يثبت ان هى حاتموت بيهْ يعنى
د. يحيى: بتقول ده حصل من بدرى فى أول العلاج؟
أ. أيمن: أيوه، يعنى بعد أول مرة شفتها
د. يحيى: يعنى من حوالى أربع سنين
أ. أيمن: آه من أربع سنين
د. يحيى: يبقى مش ورم متوحش برضه، ورم فين، فى صدرها؟
أ. أيمن: آه فى صدرها
د. يحيى: جوزها شغال إيه؟
أ. أيمن: جوزها شغال فى شركه بترول، محاسب فى شركه بترول
د. يحيى: إنت بتشوفها كل أسبوع المدة دى كلها؟
أ. أيمن: فى الأربع سنين تقريبا كل أسبوع، لكن كانت فيه فترات كده بتقطع فيهم يعنى
د. يحيى: بتأخد منها كام
أ. أيمن: باخد منها 30 جنيه
د. يحيى: ليه هى متحولها لك منين؟
أ. أيمن: هى كانت جايه تبع حد يعنى، المشكلة دلوقتى إن الظاهر إن الورم وصل العضم
د. يحيى: وانت عرفت ده إمتى؟
أ. أيمن: فى الجلسة الاخيرة من تلات أربع أسابيع
د. يحيى: ما عرفتش إلا من شهر يعنى
أ. أيمن: هى كل فترة بتعمل مسح ذرى، وبتعمل أشعة وتحاليل كده فجالها وجع فعرفت، وهى كان والدها مات بسرطان فى العضم برضه
د. يحيى: إيه؟!
أ. أيمن: والد المريضة دى مات برضه بسرطان فى العضم
د. يحيى: وبعدين
أ. أيمن: فيه حاجتين: هى أولا طلبت منى أزورها فى المستشفى، هوّا ده ينفع، هى طلبت منى إنى ماسيبهاش
د. يحيى: هى دخلت المستشفى يعنى؟
أ. أيمن: آه، هى حاتخش علشان تعمل اشعات وكده، وطلبت منى أروح لها، فهل ده ينفع أروح ولا لأه، دى حاجة، تانى حاجة ان من الناحية العاطفية وارتباط ده بانها حاتموت برضه عامل لى ازعاج، يعنى، انا بقيت باتخنق كده، وأحيانا يعنى الجلسة الأخيرة كنت تعبان جدا من الجلسة، باتعب معاها دلوقتى، مابقتش عارف أعمل إيه، بقت المشاعر متحركة بشكل غريب كده مش فاهم إيه ده، مش عارف من الناحية العاطفية حاسس أن الجرعة بقت زيادة عليـّـا يعنى
د. يحيى: السؤال بقى؟
أ. أيمن: هل ينفع إنى انا أروح لها فعلا فى المستشفى؟ وحتى فى الجلسة الأخيرة ماعرفتش اعمل حاجة، يعنى كنت باسمع يعنى بس لانى كنت حاسس ان الدنيا بتدهور أكتر من قدرتى، وخلاص يعنى
د. يحيى: علاقتها بجوزها خلال الاربع سنين دول ايه
أ. أيمن: من ناحية ايه بالظبط؟ من الناحية الجنسية ولا من أى ناحية؟
د. يحيى: نبدأ بالجنسية
أ. أيمن: لا من الناحية الجنسية لا، ضعيفه جداً مافيش يعنى، الدنيا بالذات بعد ما جالها الورم، كمان هو فى الفترة اللى فاتت كان منشغل بوالدته وبأخوه والاتنين ماتو، فى سَنَة واحدة وهو بدأ يهتم بيها ويركز معاها بعد كده، وهى عندها مشاكل مع أولادها الاتنين العراقيين، عايشين معاها فى مصر
د. يحيى: ايه؟!
أ. أيمن: أولادها الاثنين العراقيين عايشين معاها فى نفس الشقة، وهو فى مشاكل طول الوقت معاهم
د. يحيى: عمرهم قد ايه؟
أ. أيمن :الولد الكبير 29 سنة والتانى عنده حوالى 24 سنة
د. يحيى: ابوهم فين؟
أ. أيمن: أبوهم فى العراق متجوز وله أ ولاد تانيين
د. يحيى: انت قلت هو ابوهم عراقى
أ. أيمن: أيوه عراقى ومتجوز عراقيه وعايشين هناك، بعد كل ده أنا عايز أعرف أزورها ولاّ إيه؟
د. يحيى: طبعاً تزورها، زيارة إنسانية جيدة، يعنى ما هياش ضد العلاج، لكن ماهياش علاج برضه، لأن الأمور تجاوزت الأعراض النفسية اللى كانت جايه بيها، وانت بتحترم مشاعرك والعلاقة اللى استمرت سنين، بقت عِشْرَة
أ. أيمن: أزورها بصفة إيه؟
د. يحيى: بصفة دكتورها، آه صحيح، طب حتاخد فلوس ولا إيه؟
أ. أيمن: لو رحت مش حأخد حاجة
د. يحيى: هو المفروض تاخد مادمت دكتور 100 جنيه مثلا، ما دام فى العياده 30 جنيه
أ. أيمن: بس معنى كده حاروح أزورها علشان اخد فلوس؟!
د. يحيى: انت مش بتاخد فلوس عشان عايزها، لكن أنا فاهم موقفك وإنك لو أخدت يبقى بتجرح مشاعرك مش بس مشاعرك لكن يمكن تجرحها هى أكتر، أنا متأكد إنك مش عايز تعمل كده، بس ده عشان تخلى الفعل رسمى، وما يبانشى إنك عايز تعمل شهم وبتاع وصاحبها، أنا مقدر موقفك
أ. أيمن: أنا مستصعب جدا إن انا أقولها هاتى
د. يحيى: طبعا، صعب ومشاعرك صعب واللى حصل لها صعب ومرواحك صعب والـ 30 جنيه صعب، انا مش عارف اذا كنت مكانك حاقدر أخد 30 جنيه إزاى، انا بزقـَّك زى ما يكون عايز أو ربك إن المشاعر ما تتقدرتشى بفلوس، ومع ذلك مازلت أظن إن ده أحسن على حسب خبرتى، اى خلط بين الامور بيخلق صعوبه أكتر، إشى بقى شعور بالجميل وإشى دين ومحاولة ردّ الجميل، أنا مش باتكلم على المجتمع انا باتكلم على اللى جواها، أظن فيه طريقة تقلل الحرج شوية، انك تبلغ إدارة المستشفى يضيفوا أتعاب الزيارة على الفاتورة وتتمنى إن ده يوصل لها بطريقة أو بأخرى، ثم إن دلوقتى فيه كلام عن دور العلاج النفسى للمساعدة فى حالات السرطان وبرضه للحالات قرب النهاية بيسموها Terminal، فربنا معاك ومعاها بقى، وأنا ماعنديش حاجة تانية، طيب فيه حد له تعليق على الحالة دى وعلى الكلام اللى قلناه، حد عنده رأى أو حل.
د. أحمد: انا مش فاهم يا دكتور يحيى ليه أربع سنين كتير شويه
د. يحيى: هوّا السيكوثيربيى يقعد 4 سنين ليه يعنى، عموما يعنى من حيث المبدأ؟
د. أحمد: انا ما بتكلمش عموما انا بتكلم على الحالة الحالة دى بالذات
د. يحيى: احنا مش أتفقنا من قبل كده إن التعاقد فى العلاج النفسى بيبقى له مدة تبدأ بست أسابيع مثلا قابلة للتجديد باستمرار، فى حالة زى دى يعنى مثلا، الأمور عماله تفرض نفسها، ويبان الاحتياج للدعم ولأسباب واضحة، فيلزم وعقد جديد يتجدد باستمرار!
د.أحمد: أنا شايف إن لو أنا مكان أيمن حابقى محتاس، يعنى حسيت إن أنا حابقى محتاس وممكن مشاعرى تفرض عليّا تجاوزات
د. يحيى: يقوم أيمن يعمل إيه؟
د.أحمد: يقوم يعمل يحط منبهات، آه وما يسيبشى مشاعره هيّا اللى تقوده
د. يحيى: هو الراجل حاطط وبيقعد ساعة إلا عشرة أسبوعيا بقاله 4 سنين ونصف، وبيستحمل لما ساعات بتغيب، وعمالة تيجى تانى، والظروف عمالة تتفاقم، وجوزها مرة موجود وعشرة مش موجود، وهى فلوس بتدفع زى قلّتها، وأيمن سامح إن المسألة تمتد عشان الظروف المنيلة دى
د.أحمد: آه بس أنا حسيت إن ممكن يحصل تجاوزات
د. يحيى: تجاوزات إيه تانى؟
د.أحمد: أى تجاوزات
د. يحيى: لا بقى!! على كل حال أنا مش فاهم أنا النهاردة مش فاهم الوضع كفاية يا أيمن يابنى، وهو وضع شديد الصعوبة وعواطفك حقيقية ومتقدرش تحوشها، دى عواطف إنسانية عادية خالص متقدرش تلغيها ببساطة انت تستحمل فتتعب والتعب دا ثمن العلاج وده شرف المهنة وشرف الوجود الإنسانى معاً.
وحكاية الفلوس دى حاجة ثانوية لكن هى مجرد تذكرة تهدّى من احتمال ميوعة الشكل، انت بنى آدم يا ابنى ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ويستحسن تعد نفسك وتعدها هى وأهلها لأى احتمال وارد، مهما بلغت قسوته، وإذا كنت حاتكرر الزيارة لابد تستعين بزميل طبيب نفسى، انت معالج نفسى والحالة دخلت فى مراحل فيها أنواع أخرى من التطبيب من أول الجراحة لحد العلاج بالاشعاع، ثم العلاج الكيماوى، وكل دى وسائل معقده، لازم يبقى فيه طبيب معاك يرشدك لمخاطر كل علاج ومضاعفاته أول بأول، وانت تساعده فى الاستعداد لأى احتمال وارد من أول اقناعها بالامتثال للأوامر الطبية الضرورية، لحد التسليم لقضاء الله، واحنا فى مجتمعنا والحمد لله بتنفع أغلبنا حكاية الدعاء والتسليم، الدعاء موجز فى “اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه”، والتسليم “قدَّرَ الله وماشاء فعل” وخد عندك ما لا تتصوره من رحمة ربنا الواسعة التى تحل بالمعالج والمتعالج فى كل مرحلة ومهما بلغت قسوة الظروف والآلام والمعاناة.
أ. أيمن: شكراً، والحمد لله.
د. يحيى: ربنا يلطف بعباده.