نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 8-4-2019
السنة الثانية عشرة
العدد: 4237
مقتطف من كتاب:
دليل الطالب الذكى فى: علم النفس
انطلاقا من “قصر العينى” (1)
الفصل الثالث: “الإدراك” (2)
……………..
……………..
المعلم: … والآن إسمح لى أنا أن أسألك هذه المرة، هل يمكن أن يوجد إحساس دون إدراك؟
الطالب: نعم.
المعلم: كيف؟
الطالب: حين أنظر فى صفحات كتاب باللغة الألمانية مثلا فأرى الحروف ولا أدرك معانى الكلمات.
المعلم: لم يخب ظنى فى ذكائك، فهل يوجد إدراك دون إحساس.
الطالب: إلا هذا، كيف وأن الإدراك هو العملية التى تعطى للإحساس معنى كما قلت، فأين الاحساس الذى ستعطيه المعنى؟
المعلم: معك حق يا إبنى، معك حق، ولكن إذا وجد الإدراك دون إحساس فنحن أمام أحد أمور ثلاث:
1- فإما أن الإنسان يحلم، فهو يرى أشياء فى الحلم دون أن تقع صورتها على ناظريه (إحساس البصر).
2- وإما أن الإنسان يهلوس، والهلوسة هى أن ندرك أشياء دون أن تقع صورها أو تأثيرها على حواسنا أصلا..
3- وإما أننا أمام الظاهرة التى تسمى “الإدراك خارج نطاق الحواس” Extra Sensory Perception ، وهى الظاهرة التى يحلو للعامة الحديث فيها والانبهار أمامها، بشكل يحتاج منى إلى تفسير أقدمه لك حتى تعرفها كطالب علم، وتحذر منها كطبيب مسئول، ولا تنكرها فى نفس الوقت.
الطالب: هل تقصد الظواهر التى يتحدثون عنها مثل “التواصل عن بعد” أو “التليبائى” وقراءة الأفكار وما إلى ذلك.
المعلم: هذه هى تقريبا، ولعلمك لقد دخلتْ دراسة هذه الظواهر المعمل، وصنعت بذور علم اسمه “الباراسيكولوجى”، ودرِستْ فى الدول الشرقية، مادية التفكير، أكثر مما درست فى الدول الغربية أو المتخلفة.
الطالب: تقول علم؟ علم البارا…. ماذا؟
المعلم: الباراسيكولوجى يا إبنى، وهو علم إذا اسئ فهمه أو أسىء استعماله، قد يترتب على ذلك مصائب بلا حصر
الطالب: أية مصائب، كيف يكون علما ومصيبة؟
المعلم: إليك أولاً بعض المعلومات حوله.
أولا: إن وجود هذه الظواهر ثابت عند العامة وعند العلماء على حد سواء.
ثانيا: إن إنكارها رغم ذلك هو ضد العلم بكل معنى الكلمة.
ثالثا: إن العثور على تفسير علمى لها هو أمر طيب ومحتمل.
رابعا: إن الافتقار إلى هذا التفسير لا يلغى الظاهرة.
خامسا: إنها تظهر فى ناس دون سواهم، وتغلب فى الناس البدائين والمجانين ( والحيوانات) على حد سواء.
سادسا: إنها قد توجد بشكل مختلف عند بعض المبدعين والمتصوفة
الطالب: ما هذا؟
كيف تجمع بين المجنون، والبدائى، والمبدع، والحيوان؟
ما هذا؟
المعلم: معك حق، ولدهشتى مثلك رحت أجمع هذه الحقائق والمحاذير إلى بعضها البعض حتى أمكننى محاولة تفسير هذه الظاهره بالفرض التالى:
– إنه قبل نشأة الحواس فى تاريخ التطور كان هناك نوع من الإدراك دون حاجة إلى الحواس.
– إنه بعد نشأة الحواس حل محل هذا النوع من الإدراك إدراك تأويلى أرقى، وراح يتحكم فى ذلك الإدراك البدائى يخفيه.
– إن النكوص إلى النوع البدائى ليس مزية خاصة، وإنما هو إعلان لوجوده الكامن.
– إن الاستفادة الحقيقية من هذه الظاهرة هى التوليف بينها وبين الإدراك الحسى الدقيق، وهذا قد يحدث فى عملية الإبداع الأصيل.
الطالب: انتظر فأنا لا أكاد أتابعك.
المعلم: إيش لو عرفت الباقى! أسمع يا سيدى:
– يمكن إذن أن نقسم هذه الظاهرة (الإدراك خارج نطاق الحواس) إلى نوعين يكاد يناقض أحدهما الآخر.
(أ) الإدراك القبحسى Presensory Perception : وهو الإدراك البدائى الذى ينشط فى بعض أنواع الجنون وبعض أنواع الانشقاق، ويأتى خطره من أنه ظاهرة نكوصية غيبية غير مسئولية، قد تؤدى إلى الإفراط فى الاستسلام بلا مبرر.
(ب) الإدراك البعحسى Metasensory Perception: وهو الإدراك الذى يؤلف بين تأويل المثيرات بالحواس، وبما هو عبر الحواس دون تخطيها وفى نفس الوقت فيؤلف نوعا أرقى من الإدرك يتصف به المبدع وبعض المستمتعين بالإبداع على حد سواء.
الطالب: لقد صعـّبت على الأمر ولكن طريقة كلامك مقنعة ومشوِّقة، ويبدو أن هذا العلم يستأهل الاهتمام.
المعلم: الحمد الله أنك رضيت عنا.
الطالب: ولكن اختلافكم ما زال يربكنى.
المعلم: إذا كان اختلاف الأئمة رحمة للخلق، فاختلاف العلماء ثروة للحقيقة.
الطالب: هل تعلم أنى من جيل “شرشر”، جيل “عادل وسعاد”، وأظن أن هذا على ما سمعت فيما بعد يرجع إلى اختلافكم الذى تتحدث عنه.
المعلم: لقد جئتَ بها مباشرة أيها الذكى، نعم يا بنّى، هذه المدرسة هى مدرسة الجشتالت التى تقول أن الإنسان يستقبل الكل قبل الجزء، وأن الانطباع العام يسبق التحليل الجزئى، وحين تكلمنا عن الشكل والأرضية كنا نتكلم بلغة هذه المدرسة، وحين تكلمنا عن العوامل التى تؤثر فى تكوين الشكل فى عملية الإدراك كنا نتكلم عما أسمته هذه المدرسة عوامل التنظيم Factors of Organization، بل أن هذه المدرسة ذاتها كانت الموحية بطريقة فى العلاج النفسى اسمها علاج الجشتالت Gestalt Therapy.
الطالب: العلاج النفسى؟ أى التحليل النفسى؟
المعلم: ألم اقل لك إن التحليل النفسى أصبح المرادف السهل لكل ما هو نفسى، فهل تصدق أن هذا العلاج الجشتالى يكاد يكون عكس التحليل النفسى التقليدى تقريباً، ومع ذلك فالاثنان علاج نفسى.
الطالب: العلاج النفسى عكس بعضه!! ماهذا؟ فكيف أن كلا منهما يعالج نفس المرض، ونفسى المرضى؟ كيف؟
المعلم: لا عندك، هناك أنواع كثيرة من العلاج النفسى وبعضها قد يكمل بعضها رغم ظاهرها العكسى، كما أن اختلاف أنواع المرضى فضلا عن الاختلافات الفردية تجعل الانتقاء لكل نوع من أنواع العلاج شديد الدقة والأهمية لكل حالة على حدة.
الطالب: شوقتنى يا عمنا إلى الحديث عن العلاج والأمراض، كم أتمنى أن تنتهى هاتيتن السنتين بسرعة لأفض سيرة التشريح والكيمياء وهذا الذى تقول، ولا أتحدث إلا عن الزائدة الدودية والتهاب اللوزتين …؟
[1] – المقتطف: من كتاب (دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من “قصر العينى”) (من 105 ص إلى 108) الفصل الثالث: “الإدراك” (الطبعة الأولى 1980)، (الطبعة الثانية 2018) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب موجود فى الطبعة الورقية فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net