نشرت فى الدستور
31-8-2005
كيف تعمل العقاقير النفسية (2)
من قديم، والجميع يعرف أن الطب هو “فن اللأمْ” Art of heating، هو ليس علما مثل الكيمياء، أو الرياضة البحتة،هو فن يستعمل كل ما يتيسر له من علوم ومعلومات وتكنولوجيا، لكنه يظل فنا، تماما مثلما يستعمل الفنان التشكيلى بعض معطيات الكمبيوتر سواء فى ضبط النسب، أم تنظيم التشكيل، أم خلط الألوان، لكن أبداً لا يمكن أن يحل الكمبيوتر محل إبداعية الفنان، ولا أن تحل معلومات النت بكل فيضانها محل لمسة إنسانية ماهرة توفق هذا مع ذاك بحدس غامض. الطبيب فنان يفن لإعادة الهارمونى الذى اختل (المرض)، وذلك، بتشكيل الوعى البشرى المتعثر لينتظم من جديد فى هارمونية فاعلة أو جديدة (الصحة)
من هنا كان الطب، وسوف يظل (المفروض يعنى، بعد إذن الشركات) سوف يظل فنا تُحكم كفاءته بنتائجه، بغض النظر عن تفاصيل الخطوات التى أدت إليها، ليس معنى هذا أن علينا أن نهمل هذه التفاصيل، وإنما علينا أن نضع أعيننا طول الوقت على نوعية نتيجة العلاج، لأنها هى التى تمنع عودة المرض:
استعمال العقاقير النفسية، وهى ضرورة رائعة، ينبغى أن يكون مثل استعمال الألوان فى تشكيل اللوحة، حتى لو كانت اللوحة “أبيض واسود”، فان الظلال فيها تحتاج إلى انتقاء مناسب، من فنان ماهر، لكن تظل نتائج اللوحة تتوقف على كفاءة الاستعمال، وأيضا على ضمان أصالة الألوان حتى لا تتطاير بمرور الزمن.
لو أردنا أن يعود الطبيب يمارس فن اللأم، فإن ذلك يتطلب نوعاً آخر من التدريب، وطريقة أخرى فى التقييم، ومحكات أخرى للقياس،….. الخ
النتائج العملية (لا المعملية) لصالح المريض حتى يشفى ولا ينتكس هى المقياس الأول والأخير. ظل المعالجون القدامى يغلون أوراق نبات السنكونا، يعالجون بما يخرج منها حمى تأتى المريض يوما بعد يوم، ويحققون بذلك نجاحا رائعا، ظلوا كذلك عشرات السنين، وكان هذا طبّا حقيقيا يمارسونه بكفاءة قبل أن يعرفوا أن سبب هذه الحمى هو طفيل البلازموديوم ملاريا، وأن أوراق السنكونا تحمل مادة الكينين. وحين عرفوا ذلك راحوا يكتبون اسم المرض على أنه ملاريا، وليس الرعاشة، ويستخلصون الكينين وغيره يعالجون به هذا المرض المحدد “الملاريا” .
على نفس القياس يمكن أن نسعى إلى فهم أعمق لكيفية عمل العقاقير النفسية، ليس بدءا بالبحث فى فاعليتها على أى مادة كيميائية دون الأخرى ولكن الأهم والأجدى هو ملاحظة النتائج كَمّا ونوعا، الآن ومستقبلاً.
و للحديث بقية.