نشرت فى الدستور
24-8-2005
…. كيف تعمل العقاقير النفسية (1)؟؟
السؤال هو “كيف تعمل” وليس “ماذا تعمل؟”، هذه العقاقير الساحرة الخطيرة، وهو سؤال ينبغى أن يشاركنا العامة، وخاصة المرضى وأهلهم، فى الإجابة عليه، أو بتعبير أدق: فى العجز عن الإجابة عليه.
عندما كنت ممتحنا جدا (فقد اعتذرت عن كل أنواع الامتحانات برغم إلحاح زملائى الأفاضل على دعوتى لكل الامتحانات فى أغلب الجامعات) كنت أسأل جميع الممتحَـنين، حتى الدكتوراه، هل تعرف بشكل جازم طريقة عملMode of action أى من العقاقير التى نستعملها، وكانت الإجابة الصحيحة هى النفى التام، لكنه – الممتحّن (بفتح الحاء)، – والحق يقال – يعرف فروضا كثيرة تحاول أن تجيب على السؤال، كما يعرف ملاحظات كثيرة عن أثر هذا العقار فى ارتفاع أو انخفاض تلك المادة الكيميائية العصبية فى الدم أو البول أو حتى المخ، لكن كل هذا لا يرتقى بفروض كيفية التأثير إلى أن تكون حقيقة علمية، ولا حتى أن تكون نظرية. فتظل العقاقير شديدة الأهمية، رائعة الفاعلية، لكنها تظل مجهولة تماما فيما يتعلق بالربط بين تأثيرها الجيد جدا والضرورى، وبين ما نتصوره من تغيير كيميائى هنا، أو نتيجة معملية هناك.
بكل ذوق، دخل على شاب سمهرى رقيق، مندوب شركة يابانية حديثة العهد بمصر، يدعونى للمشاركة فى سيمينار فى أحد الفنادق (خمسة نجوم، أو أكثر) لمناقشة مفعول عقار جديد من نوع كذا، يعالج كيت (وأنا أعالج هذا “الكيت” بعقار آخر رخيص جدا ونافع جدا جدا، منذ خمسين عاما). راح الشاب يسهب فى ذكر طريقة عمل هذه المادة (على الموصل النيورونى كذا …وأيضا على المادة الفلانية الخ)!! قاطعته بقسوة لا يستحقها سائلا: ما ثمنه، تردد قليلا ثم قال ما جعلنى أحسبها فاستنتج أن ثمن القرص هو 18 جنيها مصريا، فيتكلف المريض من 18 إلى 36 جنيها يوميا. قلت له يا بنى أخرج إلى صالة الانتظار وشاهد المنتظرين من جرجا وبنى مزار وأبو حماد والزاوية الحمراء وعزبة القصيرين، ونحن فى عيادة خاصة، وقل لى من وجوههم دون أن تسألهم : من يستطيع دفع هذا المبلغ منهم. ثم أردفت : حين تنجح شركتك مع غيرها من الشركات العملاقة أن تسحب الأدوية الرخيصة من السوق برشوة كبيرة، وأكون ما زلت حيا وقادر، سوف أعتزل الطب لأنى أحب الزراعة والسفر والعوم. شكرا.
وللحديث بقية .