الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الغنيوة الثانية (الفصل الثالث) الخلاص (3)

الغنيوة الثانية (الفصل الثالث) الخلاص (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

8-9-2010

السنة الرابعة

العدد: 1104

25-8-2010

 الغنيوة الثانية (الفصل الثالث)

الخلاص  (3)

فى الحلقة السابقة أوضحت تطور فكرى، من واقع الممارسة والنمو، ومن ثم ما طرأ على المتن الشعرى فى هذه القصيدة بالذات، الأمر الذى لم يحدث فى غيرها تقريبا أبدا، وقد بينت كيف أن رفضى أن أدعى (بل أن أفخر) أننى “زرع شيطانى”، جاء نتيجة ما وصلنى بعد حدّة بصيرتى أن هذا ليس هو طريق النمو السوى، وقد تأكد لى ذلك من خلال قراءتى النقدية لرواية العطر لزوسكند من ناحية، ومن خبرتى المتراكمة عبر حوالى الثلاثين سنة التالية لكتابة أصل المتن باكرا، وقد غامرت وعدلت المتن بما وصلنى مؤخرا، مع إثبات النص الأول، وبررت ذلك بأنه لما كان هذا الشرح إنما يهدف إلى توظيف المتن لشرح أبعاد العلاج النفسى، فماذا يضيرنى من تحديثه حتى على حساب شاعريته؟

 قلت فى الحلقة السابقة رفضا لفكرة “أنا زرع شيطانى” ما نصّه:

. . . .

. . . .

 

ثالثا: إن أى استغناء عن الناس (ربما بدءًا بالأم) يستحيل أن يكون استغناء مطلقا، إنه لا يعدو أن يكون مظهرا دفاعيا مؤقتا على أحسن الفروض، أما إذا تمادى فهو الذبول، أو التأله أو الجنون الانسحابى أو المتفسخ.

رابعا: إن العلاقة العلاجية فى العلاج النفسى تكاد تدور بداية ونهاية حول محاولة كسر هذا الوهم (الاستغناء حتى الإنسحاب) دون استبداله بالاعتمادية الرضيعية التى ربما تُقبل كمرحلة عابرة قصيرة تماما لازمة أحيانا لإعادة البداية (الولادة)

خامسا: إن هذا التراوح بين حركية النمو ما بين “الاستقلال”، وضرورة “قبول الاحتياج” هو من ضمن “برنامج الخروج والدخول” الذى اشرنا إليه سابقا فى أكثر من موضع.

وبعد

فإننى سوف أخصص هذه الحلقة الأخيرة لشرح متن هذه القصيدة بما يفيد توضيح النقلة فى المعالج والمفاهيم بما يفيد العلاج النفسى، مع التركيز فى هذه النشرة على دلالة ما وراء تغيير المتن، من واقع الخبرة المهنية والنمو الذاتى، حتى ولو كان ذلك على حساب الشاعرية، الأمر الذى نفاه كثيرون ممن قرأوا النص القديم مقابل النص الجديد، حتى رأى بعضهم أن الجديد أفضل (شاعرية)، فى حين قال آخرون أن كلاهما شعرُ مرحَلًتِه، وأن التغيير قدّم شعرا آخر، وليس شعرا أقل، ليكن، فليست هذه هى القضية الآن. أتصور أن النقلة التى حدثت هى مقبولة من حيث المبدأ، وبالذات لما تسمح به من إضافات مهنية محددة مفيدة:

أولا: أنه مادام  الطبيب النفسى (والمعالج النفسى) هو الأداة الأولى فى العلاج، فإن رصد تغيره (ولو من خلال مجالات أخرى) مهم نظراً لحتم تأثيره على مسار العلاج.

ثانيا: إن التغير الذى حدث فى المتن له دلالة تدعو لمناقشة الموقف القديم مقارنة  بالموقف الجديد، وتبريرات التغير من وجهة نظر مسار العلاج النفسى

والآن إلى شرح المتن المقارن:

1973- 1974 حول منتصف العقد 2001-2010
‏- 2 – ‏‏- ‏علشان‏ ‏يامّه‏ ‏مش‏ ‏على ‏بالِكْ‏، ‏أنا‏ ‏حاحكيلِكْ‏:‏أنا‏ ‏زرع‏ ‏شطانى،‏

ولا‏ ‏حدّ فْ يوم جه ورَّانى

ولا شفت ازاى أو كام أو مين

 

ولا حد‏ ‏عـرف‏ ‏أنا‏ ‏باعمل‏ ‏إيه‏،‏

أو‏ ‏ليه‏ ‏أو‏ ‏فين‏.‏

‏- 2 – ‏‏- ‏علشان‏ ‏يامه‏ ‏مش‏ ‏على ‏بالك‏، ‏أنا‏ ‏حاحكيلـك‏:‏أنا‏ ‏خدت‏ ‏الدنيا‏ ‏معاكــى ‏بيكى،‏

من‏ ‏ورا‏ ‏ضهرك‏،‏

مش‏ ‏زرع‏ ‏شطانى،‏

مع‏ ‏إن‏ ‏ماحدش‏ ‏ورانى،‏

ولا‏ ‏حد‏ ‏عـرف‏ ‏أنا‏ ‏باعمل‏ ‏إيه‏،‏

أو‏ ‏ليه‏ ‏أو‏ ‏فين‏.

ماذا يعنى هذا التراجع عن الفخر بالجهود المستقلة لتشكيل الذات ودفع نموها؟

فى العلاج، كما فى النمو، لا أحد يعرف ماذا تعطى الأم، أو ماذا  يعطى المعالج للمريض تحديدا، وفى نفس الوقت فإن مجرد الالتقاء المنتظم يجعل احتمال الأخذ المتبادل وارد دون تحديد، اللقاء العلاجى هو فرصة لتواصل عبر عملية متعددة المستويات، لا يظهر منها إلا الانتظام فى الالتقاء حيث يغلب ظهور “الكلام” كوسيلة أولى، تبدو وحيدة، للتواصل، لكن على مسار النمو خاصة فى المراحل الأولى: يتم التواصل بأى لغة وكل لغة عبر أكثر من قناة تواصل. الطفل بأخذ دون اسئذان كل ما يستطيع أن يأخذه، وفى مرحلة معينة من العلاج يكون الكلام والتفسير الكلامى هو أضعف ما يستطيع تلقيه، برغم أنه أظهره يحتد ذلك أكثر فى العلاج الجمعى حيث تتعدد الرسائل وتتعدد قنوات التواصل فى شبكية أكثر تقاطعا وتداخلا.

تعبير “انا خدت الدنيا معاكى بيكى من ورا ضهرك” يمكن أن ينطبق على إعادة تفسيرات نتائج التحليل النفسى الكلاسكى الفرويدى، حيث زعم بعض محبيه (وأيضا بعض مبغضيه) أن المريض كان يشفى بالرغم من التداعى الحر وليس بسببه، بالرغم من التفسير والتأويل التحليلى وليس بسببه أو على الأقل بالإضافة إليه (أحيانا)، هذا النوع من الأخذ يحدث تلقائيا على مستوى آخر من الوعى، ليس بالضرورة “اللاشعور”، لكنه مستوى آخر والسلام “من ورا ضهرك”، وايضا من وراء ظهر المتلقى نفسه.

المقارنة بين “ولا حد فْ يوم جه ورانى” وبين: “مع” إن ما حدش ورانى” لها دلالتها التى أفضل الا أطيل فى شرحها، فالتعبير الأول هو نفىٌ مطلق، والتعبير الثانى احتمالىّ أكثر.

1973- 1974 حول منتصف العقد 2001-2010
‏- 4 – ‏………………….أنا‏ ‏حابقى “‏أنا‏”.

إزاى ؟

ما‏ ‏اعرفش‏.

أنا لازم “أكون” و “أعيش”

 

 

غـصـبـن‏ ‏عنهم‏.‏

غـصـبـن‏ ‏عني‏.‏

غـصـبـن‏ ‏عنك‏.‏

 

‏- 4 – ‏………………….أنا‏ ‏حابقى “‏أنا‏”. ‏

إزاى؟

ما‏ ‏اعرفش‏. ‏

أنا‏ ‏عارف‏ ‏إنى ‏حاكون‏، ‏وأصير‏،‏

ربنا‏ ‏ستار‏، ‏ربنا‏ ‏دا‏ ‏كبير‏.‏

بكره‏ ‏تشوفى،

‏لأ‏ ‏دلوقتي

غـصـبـن‏ ‏عنهم‏.‏

غـصـبـن‏ ‏عني‏.‏

غـصـبـن‏ ‏عنك‏.‏

 

 نلاحظ أن الجزء الأول من هذا المقطع لم يتغير، وقد يكون هذا دليلا على أن كل ما نعرفه عن عملية التغيير هو غامض بشكل أو بآخر، وإن كانت نتيجة التغيير تكون أوضح عادة،

مسألة “أنا حابقى أنا” ناقشتها طويلا وكثيرا قبل ذلك، حين حذرت من المبالغة فى ما يسمى “البحث عن الذات”، لأؤكد على أفضلية التركيز على عملية “تخليق الذات“، حتى على حساب “تحقيق الذات“، لا أحد عنده ذات مخبأة وعليه أنيبحث عنها، ولا أحد عنده مشروع ثابت للذات يريد تحقيقه، الإنسان، أى إنسان هو مشروع يحمل برامج منوعة من كل تاريخ أسرته، وتاريخ نوعه، وتاريخ الحياة، وتستمر عملية تخليق الذات إلى ما لا يبدو له نهاية (حتى الموت وصلنى مؤخرا أنه أزمة نمو، وولادة جديدة)، وبالتالى يمكن قراءة هذا النص “أنا حابقى أنا” باعتبار أنه يعنى أنه فى لحظة بذاتها “أتكون “أنا” إلى ما هو “أنا” (ايضا أكرر: بعيدا عن الوعى الظاهر بشكل ما).

الاختلاف الذى طرأ فى التحديث هنا مهم، وهو يرتبط بفكرى الأحدث فالأحدث الذى شرحته تفصيلا فى أطروحتى “الحرية والإبداع” Link حيث بيّنت أن مقولة شكسبير (هملت) “أكون أو لا أكون” هى مجرد مرحلة لا يجوز تقديسها أو الوقوف عندها، وأن حركية النمو تضعنا أمام إشكالة أكثر حيوية ووعداً، وهى إشكالة “أكون أم أصير” (التى هى بدورها خطوة إلى أصير أم أطفَرْ).

الفرق بين الأصل “أنا لازم أكون وأعيش“، وبين التحديث “أنا عارف إنى حاكون وأصير“، هو فرق دقيق ومهم لأنه يبين أن حتمية الكينونة “أنا لازم” هى أقرب إلى مقولة هملت، أما مواكبة ومسيرة النمو (التطور) “أنا عارف إنى حاكون وأصير” فهى أقرب إلى إعلان الاعتراف بسلاسة حركية النمو والتطور ما لم يعقها عائق.

حضور الوعى الكونى هنا (إلى وجه الحق تعالى) هو جزء جوهرى فى الفروق الثقافية التى أعاود تناولها بطريقة أو بأخرى كلما سنحت الفرصة، مثلا تناولتها عدة مرات فى نشرات الإشراف على العلاج النفسى؟؟ نشرة 26-7-2009 (ياه ..!! دى طلعت صعبة بشكل، ولكن..، “فروض وتجميع”) أو مع شرح بعض تفاعلات وتفسيرات العلاج الجمعى انطلاقا مما اسميته الوعى الجمعى Collective Consciousness، وهى مسألة جوهرية بالنسبة لى، وأنا أفضل فى هذا المقام أن أؤجل الحديث عنها مكتفيا بإثبات المبدأ، محيلا من يشاء مؤقتا إلى أطروحتى على الباور بوينت p.p عن الغريزة الهارمونية المتصاعدة (الغريزة الإيمانية).

تكفى هنا التذكرة بأن العلاقات البشرية، حتى تكون بشرية، تحتاج إلى موصِّل جيد من الوعى الجمعى (البشر) فالوعى الكونى (إلى وجه الحق تعالى)، ليتم التعامل بين الوحدات البشرية بكفاءة تطورية، وأن هذه ليست سوى برامج بيولوجية فيزيقية وليست نظريات أو آراء تجريدية ميتافيزيقية، ونجد هنا فى المتن مجرد إشارة إلى أن حركية النمو تحتاج إلى ائتناس بهذا وذاك “ربنا ستار” كما تحتاج إلى إحاطة تضم هذا/إلى/ذاك/إلى هؤلاء/ إليه (ربنا دا كبير).

هذا اليقين “هو حركة فى اتجاه قادم” (بكره تشوفى) لكن المتن الجديد يتحوط ضد التأجيل، وهو يستدرك بسرعة “لأ دلوقتى“،

 يرجعنا ذلك إلى حدس اللحظة (باشلار) من جهة وإلى مبدأ “هنا والآن” الذى هو جوهر ومحور العلاج الجمعى بوجه خاص، إذْ مهما كان اليقين بالحركة، وبأولية ما هو عمليه Process  على المحتوى (= أولوية الدال عن المدلول) وبالمآل المفتوح، فإننا لا نملك إلا “الآن” والـ “هنا”، والتركيز على ذلك واليقين به هو ما يجعلنا نطمئن إلى سلامة سير قوانين البرامج التى تحكم هذه اللحظة فى اتجاه السهم الضام.

أما بقية المقطع فلم يحدث فيه تغيير، وتعبيرات الحتم المتحدى للجميع هنا (غصبن عنه، غصبن عنى، غصبن عنك)  لا تشير إلى أن حركية النمو تحدث قسراً أو تعسفا، وإنما هى تشير إلا الإصرار على تجاوز المعيقات، والتشوهات والدفاعات (الميكانزمات) التى تعوق النمو والتطور، حتى التحليل النفسى الكلاسى هو ليس حلا لمشاكل أو فكا لعقد، بقدر ما هو إزالة إعاقة unblocking

1973- 1974 حول منتصف العقد 2001-2010
‏- 4 – ‏………..………..

حا‏ ‏شعر‏ ‏بالنبضة‏ ‏وبالرعشة‏،

 ‏من‏ ‏أى ‏كلام‏،‏

وحاعيش‏ !!!

‏= ‏والله‏ ‏يا‏ ‏بنى ‏محتاره‏ ‏معاك‏.‏

ما‏ ‏تعيش‏.‏

مين‏ ‏حايشك‏ ‏بس‏ ‏؟

– 5 – ‏

وضحكت عليكو وعشت أهه

أنا اهه.. أنا اهه

أنا اهه دلوقتى الآن حالا

أنا اهه

إزاى دا حصل؟

أنا ما اعرفش

أنا اهه وخلاص،

وباغنى مع نفسى بنفسى

ولاَقِيتْلىِ خلاص

ولاقيت الحب وكل الناس

‏‏‏- 4 – ‏………..………..

حا‏ ‏شعر‏ ‏بالنبضة‏ ‏وبالرعشة‏،

 ‏من‏ ‏أى ‏كلام‏،‏

وحاعيش‏ !!!

‏= ‏والله‏ ‏يا‏ ‏بنى ‏محتاره‏ ‏معاك‏.‏

ما‏ ‏تعيش‏.‏

مين‏ ‏حايشك‏ ‏بس‏؟

– 5 – ‏

‏- ‏ما‏ ‏حايشنيشي

ما‏ ‏انا‏ ‏عايش‏ ‏اهـه‏،‏

بس‏ ‏ادْعِِى ‏لى ،‏

أنا‏ ‏كنت‏ “‏خلاص‏”،‏

بس‏ ‏بفضلك‏ ‏ربنا‏ ‏قالها‏،‏

‏ ‏ولقيت‏ ‏لى “‏خلاص‏”.‏

وعملت‏ ‏منى ‏اللى ‏أنا‏ ‏هوه‏ ،‏

وباجدد‏ ‏روحى ‏من‏ ‏جوه‏، ‏

‏طالع بره، راجع جوّى

 ‏وباغنى ‏مع‏ ‏نفسى ‏بنفسي

‏ ‏فى ‏الناس‏، ‏بالناس‏.‏

المقطع الأول هنا لم يحدث فيه تغيير وهو يعرض لقضية مهمة فى العلاج (كما هى فى الحياة) إذْ هو يرسم الحياة نابضة حاضرة بأبسط، وأروع وأعمق ما هى، (هل تذكر؟ الحياة هى الحياة أحلى حاجة فيها هيا إنى عايش) (نشرة 16-6-2010 “الحياة 1 من 6”)، (نشرة23-6-2010 “الحياة 2 من 6)، بما فى ذلك إحياء “أى كلام” بأن يحل فيه المعنى، و”أى كلام” هنا ليس مساويا لأى كلام الذى نعنى به الرطان الأجوف، المفتقر إلى الهدف، ولكن المقصود به هنا هو أن أبسط الكلام، وحتى بدون كلام، يمكن أن يحمل أهم المعانى

الحياة هى “الحياة” إذن قبل وبعد الوعى بأنها “الحياة”، لكن شريطة ألا تكون قد تشوهت حتى اختبأت وراء ما يشبه الحياة بلا حياة.

أحيانا ألقيها فى وجه المريض (ونفسى طبعا) عارية تماما حين أنبهه – ونفسى- أن “القضية الحقيقية الأوْلى بالمواجهة هى اختيارنا المبدئى: أن نعيش أم لا“، (يا نعيش يا نموت)، ونحن لا نعنى بذلك الموت بمعنى إنهاء الحياة الجسدية، وإنما نعنى: إما أن تمتلىء بالحياة الحياة أو نرضى بأن نصبح مجرد ناقلات جينيات لمن يستطيع أن يعيش –بعدنا- بشرا يوما ما،

 الأم فى هذا المقطع لا تعترض على إلحاح ابنها على أن يعيش الحياة، فهى نفسها تعيش فعلا الحياة دون أن تعلن أو تعى ذلك، دون أن تنقل القضية إلى مسألة معقلنة تحتل بؤرة الوعى فتختفى الحياة ، فهى تتعجب من تساؤلات الابن وإصراره على كشف ما هو طبيعى بتعبيرات وألفاظ غير طبيعية، فهى حين تقول له (فى المتن القديم/الجديد فهو لم يتغير) “ما تعيش، مين حايشك بس“، لا تستهين بتساؤلاته بقدر ما تتعجب منها ولها.

الاختلاف الذى طرأ على هذه الفقرة بعد ذلك له دلالاته برغم أنه ليس اختلافا جوهريا، ذلك أن تعبير “وضحكت عليكو وعشت أهه، أنا أهه أهه” يبدو وكأنه سِرْقة لما هو “حياة” من وراء ما –أو مَنْ- يحول دون ذلك، ولكن مع التحديث الذى حدث فى المتن انقلبت المسألة إلى حفز التحدّى “ماحايشنيشى”، كما انقلب “وعشت أهه” إلى “أنا عايش أهه“، ذلك أنه أحيانا يكون قرار الحياة “أن أعيش” هو مجرد كشف عن أبسط قواعدها ومنتهى حضورها دون أى جهد إضافى واعٍ للبحث “عن الذات”، أو حتى تخليق الحياة فى الذات، (ولعل الحيوانات أسبق منا فى ذلك).

المتن القديم يصر على التنبيه على أن ممارسة الحياة تحدث دون  ضرورة الوعى بها، وهو متن جيد فى ذاته ولم يكن فى حاجة أن ينسخه المتن الجديد، لكننى خفت التزيد والتكثيف لو قارنت بينه وبين التحديث تفصيلا وسوف أكتفى بالتركيز على التحديث، خاصة وقد حضر فيه “الدعاء” الذى اعتبره الوصلة (الإرادية أحيانا) بين الوعى الشخصى والوعى الكونى (إلى وجه الحق تعالى) ويتم التعرف على موضوعيته هنا أبسط وأقرب حيث أن الوصلة كانت من خلال دعاء هذه الأم السلسلة “العائشة” بلا فذلكة “بس ادعى لى“، فطلب الدعاء هنا بدا لى تأكيدا لهذه الوصلة،

ثمّ تأتى النقلة من “أنا أهه وخلاص” إلى “أنا كنت خلاص” وثم إضافة “بس بفضلك ربنا قالها“، لتؤكد نفس الوصلة، التى تنقلنا مباشرة إلى “ولقيت لى خلاص“. “خلاص” الأولى هى نهاية، و”خلاص” الثانية هى بداية إذْ لابد لمرحلة أن تنتهى حتى تبدأ أخرى، وهنا تحضر الأم بصورتها الأصيلة لتحتوى الوجود النامى من جديد فى رحم السماح الحضانة، تحضر حضورها الذى لا ينفصل عن الوعى الكونى (مرورا بالوعى الجمعى) مرة أخرى: “بس بفضلك ربنا قالها“،

التركيز على الرعاية البشرية الوالدية فقط دون وصلة “بعديّة” يبدو مخالفا للطبيعة الإنسانية من منظور معين.

النقلة من “انا كنت خلاص” إلى “ولقيت لى خلاص” فيها كل أبعاد إعادة الولادة.

حدثت إضافة محدودة لن أشير إليها هنا، فليكتشفها القارئ بنفسه ليكتمل المقطع كله مشيرا إلى برنامج “الدخول والخروج” على مستوى الذات وأيضا على مستوى الآخر (الآخرين) “فى الناس بالناس”.

العلاج النفسى الفردى يركز أكثر على مستوى الذات فى حضور آخر ….. (يقابل الأم) أما العلاج الجمعى فهو ينتقل إلى نفس الحركية “الدخول والخروج” ولكن على مستوى الوعى الجمعى بالناس فى الناس.

 1973- 1974 حول منتصف العقد 2001-2010
‏- 6 – ‏………..………..

عايز‏؟

‏دوَّرْ‏ ‏واتخانق‏.‏

وساعتها‏ ‏حاتلقى ‏الحب

وحا تعرف معنى لأى كلام

و‏”‏تكون‏”،‏‏ ‏و‏”‏تعيش‏”،‏

وتغنى ‏الغنوة‏ ‏الحـلـوه‏. ‏

“إيه؟!”  ماانت‏ ‏عارفها‏، ‏

طب بص:

تلقاها جواك

‏- 6 – ‏………..………..

عايز‏؟

‏ ‏دور‏ ‏واتخانق‏.‏

وساعتها‏ ‏حاتلقى ‏عمار‏ ‏فى ‏عمار‏.‏

وحا‏ ‏تعرف‏ ‏معنى ‏لأى ‏كلام‏،

‏و‏”‏تكون‏”،‏‏ ‏و‏”‏تعيش‏”،‏

وتغنى ‏الغنيوه‏ ‏الحـلـوه‏. ‏

إيه؟

 ماانت‏ ‏عارفها‏، ‏

جواك‏، ‏براك‏، ‏ماليه‏ ‏الدنيا‏،

المعنى/الناس/ثانية بثانية

وخلاص!!

لأّه!

 لسّهْ شويَّة

الختام جاء خطابا نقديا، وحفزاً إلى السعى، وعوده إلى التأكيد أن المسألة يمكن أن تكون شديدة البساطة “وحا تعرف معنى لأى كلام” وفى نفس الوقت غائرة الجوهر “وتكون، وتعيش“.

أما مقولة “وتغنى الغنيوة الحلوة” فهى تشير أكثر فى المتن الأول إلى التصالح (الهارمونى) الداخلى مع الذات، لكن التحديث جاء  ينبهنا نقدا إلى انها ليست قاصرة على ذلك، إذْ لو أنها اقتصرت على أن “الغنوة” هى “جواك” فنحن مازلنا عند مستوى “أكون” و”تحقيق الذات” بعد البحث عنها وكلام من هذا، أما التعديل فقد نقلنا إلى الامتداد فى حركية الهارمونى الأوسع التى تتكشف لنا عبر رحلة النمو (العلاج) “ما انت عارفها“، “جواك – براك، ماليه الدنيا”

ثم يأتى التفصيل ليؤكد على الأهمية الجوهرية لحضور المعنى فيما هو علاج، وهو من أولويات العلاج المعرفى، وأيضا العلاج بالمعنى Logo therapy ، وفى هذا ما يدعم ما سبق الإشارة إليه من ان الحياة لا تكون حياة إلا بتعمير الدنيا بما هى  وبناسها.

ثم يركز المتن الجديد على “حدس اللحظة” فى نفس الوقت الذى يؤكد فيه أنه لا يتم نمو بعيدا عن الناس “المعنى/الناس/ثانية بثانية”

إذا تم هذا وتحقق لأى منا على هذا المستوى فهل تكون رحلته قد نجحت وأنه وصل “وخلاص”؟

الاستدراك الأخير يرد على ذلك بالنفى “لأه“،

 ثم تقفل القصيدة أنه “لسه شوية”.

وهذه الشوية تظل نشطة مفتوحة أبدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *