الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (72) الإدراك (33) “العين الداخلية” (4) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” Information Processing الاسراع بتشخيص الفصام قد يعوق رصد عملياته

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (72) الإدراك (33) “العين الداخلية” (4) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” Information Processing الاسراع بتشخيص الفصام قد يعوق رصد عملياته

نشرة “الإنسان والتطور”

2 – 5 – 2012

السنة الخامسة

 العدد: 1706

 24-4-2012

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (72)

الإدراك (33)

“العين الداخلية” (4) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات”

Information Processing

الاسراع بتشخيص الفصام قد يعوق رصد عملياته

مقدمة:

مازلنا مع رشاد الذى عاودته نوبه المرض، وشخص هذه المرة “فصام بارنوى”، ومع ذلك لم ينفصم بمعنى التفسخ والميل إلى التدهور، بل احتدت يقظته (درايته) الداخلية، وسبق أن نشرنا حالته كاملة (نشرة 21- 4- 2009)، (نشرة 22 – 4 – 2009) ومازلنا ننصح بالرجوع إليها لمن شاء.

نُعيد الآن نشر بعض شكواه وهو يعلمنا الحركية الإمراضية التى حلت بعملية اعتمال المعلومات حتى صار يرصد صعوبة تمثيلها assimilation أو تخزينها فى أى مستوى من الذاكرة لحين اجترارها لاستكمال تشكيلها بنبض الحلم استيعاب الصحو النابض أيضا.

اتبعت أمس منهج أن أستكمل أو أحذف أو أعدل بعض التعليقات التى وردت فى النشر السابق (نشرة 21- 4- 2009)، (نشرة 22 – 4 – 2009) لخدمة الفرض الحالى: وهو التعرف على عملية “اعتمال المعلومات” ومن خلال تنشيط “العين الداخلية” ومن ثم التعرف على ما هية الإدراك وأبعاده، وقد اتبعت منهج الانتقاء تجنبا للإعادة الحرْفية، تاركا الأمر لمن يريد أن يرجع إلى المقابلة الكاملة بالرابط السابق، كذلك قمت بتعديل التعليق بما يفيد الفرض الحالى فى إظهار نشاط العين الداخلية وطبيعة الإدراك، وقد يجد القارئ بعض الأقواس فى متن نص المقابلة، وقد أضفتها حالا بما لا يخل بالسياق حتى أعوض المحذوف نسبيا لأوصّل الرسالة.

(ملحوظة: ننصح بالبدء بقراءة أول الحوار أمس حتى يكون التتبع أكثر ترابطا)

وصْل ما انقطع

كان آخر ما جاء فى الحوار أمس هو النقاش حول أن ما يخبره (يراه/يعيشه/يصله) رشاد هو “حقيقة”، لكنه مصدرها يأتى من داخله وليس كما يحكى أنه من خارجه، ونقتطف آخر الحوار دون التعقيب لنستطيع أن نكمل:

تعقيب د. يحيى الحالى على المقابلة هو تعقيب للنشرة ولم يطرح أصلا فى الدرس.

وهو ببنط أسود أصغر وهامش كبير دون ذكر اسم الأستاذ، ويبدأ بعلامة النجمة (*).

رشاد: يعنى الحقيقة دى جاية منين؟ حد قاصدها ولا هى جاية لوحديها؟

د.يحيى: طبعا حد قاصدها، بس الحدّ ده جواك

رشاد: يعنى حد قاصدها.

د.يحيى: بس من جواك، من كتر ما أنت مش عارف إنه جواك، والدكاترة برضه مش مصدقين الاحتمال ده، بتروح الحاجات طالعه بره، وترجع لك كإنها جاية من بره، مع إنها مقصودة من جواك

رشاد: مين يعنى

د. يحيى: أظن اسمه رشاد برضه، فى الغالب يعنى.

رشاد:  طب إزاى يادكتور؟  يعنى حد قاصدها؟

د.يحيى: مش حاقول لك، قصدى مش عارف، مش متأكد، ما هو لازم نقبل إن فيه حاجات كتير حا نشتغل فيها واحنا مش عارفين كل حاجة عنها، بس نشتغل فى اللى اتفقنا عليه، ونركن الباقى على جنب، مثلا لما نقول إن حد قاصدها، يبقى حد قاصدها،  (مش مهم نعرفه دلوقتى) ما هو يا رشاد ما فيش حاجة بتحصل بالصدفه كده قوى.

(*) من هنا تبدأ خطوات محاولة إرجاع الواقع الخارجى إلى أصله فى الواقع الداخلى، وينبغى طرح التفسير باعتباره “احتمالا” يساعد رشاد أن يقبله، (مش عارف، مش متأكد) بمعنى عرضه على أنه احتمال فعلا (فرض) وهذا ليس مجاملة للمريض ولا استدارجا، لأن الفرض يظل فرضا، ولا ينتقص من فاعليته أنه فرض، وعادة ما يصل المريض هذا الموقف شريطة أن يكون الطبيب صادقا فعلا وليس مجرد أنه يأخذه “على قدر عقله” وهنا أيضا تتجلى مظاهر المنهج الفينومينولوجى من حيث “تعليق،الحكم” (حانشتغل فيها واحنا مش عارفين كل حاجة عنها بس نشتغل فى اللى اتفقنا عليه ونركن الباقى) طبعا لم يكن فى ذهنى ساعتها ولا فى أى وقت أننى أمارس المنهج الفينومينولوجى ولا كنت أعرف تفاصيله (وحتى الآن).

رشاد: لأ طبعاً، يعنى هو القاصد “نفسى”، تقصد تقول كده؟

د.يحيى: يعنى إيه نفسى، سبب نفسى يعنى إيه، أنا مش فاهم، يا عم سيبك دلوقتى من كلام الدكاترة، “نفسى” و”مش نفسى”، هو النفسى يعنى مش حقيقة؟ نفسى يعنى بيتهيأ لك قصدك؟ طبعا لأ، حا يتهيأ لك ليه يعنى؟

(*) يستعمل الأطباء تعبير “نفسى” مرادفا لتعبير متوهَّم، وخاصة حين يستبعدون الأعراض والأمراض الجسدية، لانتفاء سبب عضوى لها، وقد استعمل رشاد كلمة نفسى هنا نفس استعمال الأطباء (غير النفسيين خاصة) الذين يكررون القول: “..إنت ما عندكش حاجة، ده نفسى”.

وهذا تعبير خاطئ، ومعطِّل غالبا، وكثيرا ما أقول للمريض أن ما هو نفسى هو “حاجة”، وبالتالى “أنا مش أخصائى المافيش حاجة”.

 (*) المقصود بـ “بيتهيألك” أن ما يحكيه هو من صنع الخيال، وهو ليس كذلك حسب الفرض الذى يستعمله الحوار، وهذا من أهم ما يميز “الإدرك الداخلى” عن التخيل الذى هو نوع من التفكير.

رشاد: طيب، إمال مين طيب اللى عمل كده

د.يحيى: اللى جواك

رشاد: اللى جوايا؟

د.يحيى: آه، واحد زيك بالظبط، ما هو فيه كتير زيك جواك، إيه المانع

رشاد: ما تبتدى معايا بقى يادكتور

د.يحيى: هه ؟!!

رشاد: باقول ما تبتدى بقى

د.يحيى: ما احنا أبتدينا وخلـّصنا.

(*) من هنا يبدأ استعمال فرض مساعد وهو “تعدد الذوات” الذى هو حقيقة داخلية أيضا (وخارجية أحيانا) ومن الطبيعى أن ندهش أنه بعد كل ذلك يقول رشاد: “ما تبتدى معايا بقى با دكتور” فيجرنا ذلك إلى مسألة أخرى وهى معايشة الزمن عموما وفى العلاج خصوصا، فهذا التعبير إنما يشير إلى وصول الرسالة التمهيدية ببدء الحوار على المستوى الأعمق، كما يمكن أن يشير إلى تقريب المسافة بين الطبيب والمريض وتصديق الأخير للأول، استكمالا لتصديق الأول للأخير.

(*) أما تعبير “ما احنا ابتدينا وخلصنا” الذى رد به الطبيب فهو إشارة إلى الاطمئنان إلى وصول الرسالة، رسالةٍ ما، مما يعتبر هدف المرحلة الأولى حتى لو لم تستغرق سوى لحظات، حيث تصبح البداية هى النهاية حين تكون بداية نوعية حاسمة بمعنى أنها دليل بدء توجيه المعرفة إلى وجهتها بشكل غير مباشر، لكن بيقين علاجى، يغرى بالاستمرار فى هذا الاتجاه، وهذا ما نعنيه بأن البداية هى النهاية وبالتالى

 “ما احنا ابتدينا وخلصنا”

رشاد: خلـّـصنا ازاى؟!!!

د.يحيى: آه،.. إمال ايه؟ مش كل حاجة بانت اهه؟

رشاد: بالسرعة دى ؟

د.يحيى: مش انت اللى قلت فيه خْرام، وشقوق، ومش عارف إيه، إنت قلت للدكتورة (د.م) كل حاجة

رشاد: مظبوط

د.يحيى: تبقى الحاجات اللى انت قلتها موجودة، ليه مش موجودة؟ هوا عشان أنا دكتور ومش شايف الخرم، يبقى ما فيش خرم.

رشاد: هو بصراحة الموضوع ده شاغلنى جامد

د.يحيى: ياجدع انت ما هو لازم يشغلك، إذا كنت إنت شايف حاجة كل الناس بينكروها عليك، يبقى لازم تنشغل ياابنى، ولاّ إيه! كل الناس بما فيهم الدكاترة،: كلهم عمالين يأكدوا لك: ده بيتهيأ لك، ده بيتهيأ لك!! ليه يعنى، ما دام حصل، يبقى حصل.

رشاد: حصل، بس مع نفسى انا برضه باعتبر برضه إنه بيتهيأ لى، مع إنه حصل مع نفسى

د.يحيى: ما هو انت بتسمع كلامهم، تقوم بتبقى وصى على نفسك، وانا باقول لك دلوقتى ماينفعش كده على طول الخط، خلينا نبتدى بداية تانية ياشيخ

رشاد: ماشى

د.يحيى: إنت بتقول للدكتورة (د.م)  “مخى اتخرم كذا خرم”، طبعاً اتخرم، سواء من نظرات الناس، أو هوه لما اتخرم حسيت بنظرات الناس

رشاد: تمام

د.يحيى: وبتقول برضه “مخى انفتح وانشق نصّين

رشاد: مظبوط

(*) لا داعى لإعادة التأكيد وباستمرار أن الناس يمكن أن يوجدوا فى الواقع الداخلى تماما مثل وجودهم فى الواقع الخارجى، كما أن إثارة التساؤل حول العلاقة المتبادلة بين السبب والنتيجة ( اتخرم من نظرات الناس، ولا لما حسيت بنظرات الناس) هو مهم فى محاولة تبصير المريض بمختلف الاحتمالات، دون الحرص على الحصول على إجابة محددة منه.

………………….

………………….

د.يحيى: طيب نمسك بقى واحده واحده، …….. عايز أقف على الحتة بتاعت مش عارف أوصف، أصل انا ساعات أهتم باللى مش عارفه أكتر من اللى أنا عارفة؟

رشاد: تهتم باللى عارفه؟

د.يحيى: لأ باهتم بقلة المعرفة، هى الدكتورة عملت حاجة جيدة جداً، عشان هى صغنطوطة ومابتفهمش الحمد لله، فهى عملت حاجة كويسة جداً، اللى مافهمتهوش مافهمتهوش، مااستعجلتشى وترجمته للى قالوا لها عليه، .. إنت برضه عملت كده، اللى قدرت تعبّر عنه عبرت عنه بكلام سواء بكلامك، أو بالكلام إللى سمعته من الدكاترة، وبعد ده كله قلت إنك برضه مش فاهم، زى ما يكون إنت مش فاهم شوية حاجات كتير، برغم إنها موجودة

رشاد: فعلا برغم إنها موجودة

د.يحيى: الدكتورة مافهمتش شوية حاجات برضه، برغم إنها سمعتها منك بوضوح، أنا راخر ما فهمتش شوية حاجات برغم خبرتى، إيه رأيك نخلى اللى احنا مش فاهمينه على جنب، ونشتغل فى اللى بيتهيأ لنا إن احنا فاهمينه ولو نص نص …..

(*) مرة أخرى هذا المنطلق هو أقرب ما يكون إلى فكرة “تعليق الحكم” فى المنهج الفينومينولوجى، وله علاقة تكاد تكون مباشرة بما كشفته اللعبة العلاجية التى سبق نشرها قديما ثم فى ملف الإدراك “ياخبر!! دانا لما مابفهمشى يمكن ….”(نشرة 3-4-2012)، (نشرة 4-4-2012)، برجاء الرجوع إليها، خاصة فيما يتعلق بموضوع الإدراك.

رشاد: تمام

د.يحيى: فيه حاجة أبسط من كده!!

رشاد: لأ

د.يحيى: الحمد لله رب العالمين بس خلاص (يلتفت إلى الدكتورة (د.م) عايزة حاجة تانية يا (د.م)، أظن تعرفى قد إيه بنتعطل لما نستعجل ونحط اليافطة إياها، التشخيص مثلا، ولا إسم العرَض، يقوم يتهيأ لنا إن بالشكل ده فهمنا كل حاجة، مش كده يا رشاد ؟

رشاد: مش فاهم

د.يحيى: ما انت عارف، بيسمو حالتك “فصام”، مش هما قالو لك كده برضه

رشاد: آه

د.يحيى: … يجى واحد فى السرير اللى جنبك تلاقيهم معلقين عليه نفس اليافطة، وهوه فين وانت فين، مش يبقى فيه غلط فى الموضوع ده برضه؟

رشاد: مش عارف

د.يحيى: ياجدع خليك شجاع وقول

رشاد: ماقدرش أنا أتهم دكتور

د.يحيى: ما هوش اتهام، ما هو الدكتور غلبان زيى وزيك، بس الفرق إنه هو مكسل يدوّر من أول وجديد

رشاد: آه

د.يحيى: إنت أول كلمة قلتها النهاردة “عايز أعرف الحقيقة”، أنا تصورت فى البداية إنك عايز الحقيقة الكلية، زى ما يكون حانخش فى ماتش فلسفة، يعنى حقيقة الحياة، حقيقة الوجود، وكلام من ده، لكن بصيت لقيتك بتتكلم عن الحقيقة بتاعة مخك، الحقيقة إللى انت حاسس بيها إنها حصلت فى مخك

رشاد: تمام

د.يحيى: حد من الدكاترة يقدر ينكر إنك اتغيرت، وإنك حاسس إنك اتغيرت

رشاد: لأ طبعاً

د.يحيى: بصراحة، ساعات بينكروها، أى والله

رشاد: بينكروها؟!!

د.يحيى: اى والله العظيم بس بينهم وبين نفسهم، يقول لك ما هو قدامى أهوه زى ما هو، إتغير فين بقى؟ دا “نفسى”، دا بيتهيأ له.

رشاد: ما هما ماشافوش من البداية أصلاً

د.يحيى: انا مش فاهم قوى إحنا وصلنا لحد فين، أنا خايف تكون بتفهم كلامى غلط، أو بتوافقنى وخلاص

رشاد: لأ بس الواحد بيبقى عارف

د.يحيى: أهو انا كبير قوى أهه، وخبره وسن وبتاع، يعنى عمال باجتهد معاك بجد وباحترم كل كلمة قلتها وبتقولها، أقول لك شوية علم وتشاركنا: كان عندنا واحد خواجة ضيف علينا هنا فى القصر العينى قريب، هو أكبر منى فى السن، فسر الحالات اللى زيك كده على إن فيه مخ على ناحية بيعرف كله على بعضه، والناحية التانية فيه مخ تانى بيوصف الحاجات دى بالألفاظ والمنطق، قام الخواجة، هو اسمه “كْروه”(1) افترض إن المرض بتاعك ده عبارة عن إن المخ اللى بيوصف مش عارف يوصف اللى عرفه المخ التانى بالظبط، يقوم تحصل الربكة دى، أهو ده اللى وصلنى وانت بتوصف حالتك تمام التمام، وبعدين انت لمّا تلقط ده تلحق تقول أنا مش عارف اللى جارى، مش قادر أوصفه، شفت العلم الصعب ده أنا لخصتهولك فى سطر واحد، بدل ما اقول إيه اللخبطة دى، وإنك بتقول كلام متناقض وكده، يعنى قصدى إن فيه حاجات غريبه فعلا حاصلة، ومادام جديده عليك تبقى غريبه عليك زى ما هى غريبه عليّا، زى ما هى غريبه على الدكتورة (د.م) ، نقوم نخليها (تخلى الحاجات دى) على جنب وما نستعجلشى، إنت لما قلت عايز اعرف الحقيقة، انا افتكرتك حا تتفلسف، وبعدين رجعت قلت ما يمكن راجع من الأول زى العيال الصغيرين ما بيدوروا على ربنا او على الحقيقه، لكن لما كملنا وصلنى إن الحقيقة اللى انت كنت تقصدها هى اللى انت حاسس بيها وهمّ بينكروها عليك، وفى نفس الوقت ما اقدرناش نلم الموضوع أو نوصفه فى وصفة كويسة، خلينى أسألك من أول جديد هوا انت كنت تقصد إيه بالحقيقة اللى عايز تعرفها؟

(*) أحيانا أجد أنه أسهل علىّ أن أشرح الفروض والنظريات العلمية للمرضى أيا كان تعليمهم أو ثقافتهم من أن أشرحها أو أقدمها للأطباء الأكبر، ناهيك عن العلماء جدا، وكثيرا ما اتهم بأننى استسهل الإيحاء لمرضاى لأنهم اضعف وأقل حجة، وأقبل هذا الاتهام عن طيب خاطر، لكننى أظل مصدقا لتصديقهم منتظرا التقييم بناتج العلاج، وليس بالبراهين المنهجية التقليدية، أو المنطق التفكيرى الظاهر.

(ثم نرجع إلى رد رشاد على آخر سؤال للطبيب “خلينى أسألك إنت كنت تقصد إيه بالحقيقة اللى عايز تعرفها؟”)

رشاد: اللى هو اذا كان فيه حد أذانى ولا لأ

د.يحيي: يا خبر ابيض، دا احنا كنا رحنا بعيد قوى ، معلشى نرجع، ما يجراش حاجة.

رشاد: ما هو انا شكّيت لما كذا واحد قال ما فيش أذية ولا حاجة

د.يحيي: كذا إيه؟؟

رشاد: كذا واحد قالى “اللى انت شايفها حقيقه هى فى نفس الوقت مش حقيقه”

د.يحيي: طب هما قالولك لأ مافيش حد بيأذي، انا قلت لك آه فيه حد بيأذيك، حا نعمل إيه؟

رشاد: بس رجعت بعد كده فكرت وقلت دا “نفسي”

د.يحيي: “نفسى” من بتاع الدكاترة يعنى “بيتهيأ لك”؟ يعنى انت اللى قلت فى الآخر زى ما هما بيقولوا مش انا

رشاد: آه، بس انت قلت لى فيه حد بداخلك

د.يحيي: آه يبقى مش “نفسي”، دى حقيقه بقى بداخلك

رشاد: دى حقيقه .. انا كنت اقصد حد تانى مش انا؟

د.يحيي: ما هو انت بتبقى مش انت، ما هو عشان تأذى نفسك وكلام من ده، لازم تبقى حد تانى، ما انا يمكن أقول لك بعد شوية ازاى ده بيحصل

رشاد: مش انا؟ إمال مين؟ واحد تانى يعني؟ وجوايا؟!!

د.يحيي: يبقى “انت” اللى هو “مش انت”، إستحملنى حبه، إشمعنى يعنى انت بتقول كلام ملخبط، أنا من حقى انا كمان ان انا اقول كلام ملخبط، (رشاد يضحك)، جميل انت، جميل والله العظيم يا رشاد

رشاد: الله يكرمك

د.يحيي: اسمى ايه

رشاد: اسم حضرتك ؟

د.يحيي: آه

رشاد: الدكتور يحيى

د.يحيي: يحيى ايه

رشاد: لأ صعب شويه (كنت قد قلت له مكررا اسمى كاملا فى البداية)

د.يحيي: أحسن، نبقى لسه حبايب، هوه ابويا ماله انا ولا عيلتى عشان نحشر أساميهم فى علاقتنا

رشاد: هو الواحد بيهمه نـَـفسه الاول بيهمه نفسه طبعا الاول

د.يحيي: اضحكَك على ابويا بقى .. ابويا كان مدرس عربى ودين وحاجات كده فكان فيه واحد سكرتير الامم المتحدة، وقعت بيه الطياره فى الكونغو، سنه حاجة وخمسين كده، فأبويا نَدَهْلِى وانا كنت فى تانية طب،  وقال لى “تعالى” قلتله “نعم”، قام سألنى السؤال اللى انا سألتهولك عن الدكتورة (د.م) ، قال لى بقى “داج همرشولد” ده (دا اسم الراجل اللى وقعت بيه الطيارة) حايروح النار؟ قلت له انا إيش عرفني؟ قام كمّل ابويا لى وقال لى: وعم سعيد البواب ده هوه اللى حايروح الجنة؟ مارديتشى، ولعلمك أبويا كان بيقوم كل ليلة يصلى بالليل صلاة القيام تمان ركعات فى ساعتين، ومن يوميها بقى فتحت مخي، وماباقاش حد يستجرى يبقى “وصى على الحقيقة” بالنسبة لىّ، عرفت بقى يا رشاد ليه حودت وكلمتك فى حكاية اختلاف دينك عن دين الدكتورة (د.م.) (هى مسيحية)

(*) لا أنصح بحكى مثل هذه الحكايات الشخصية للمرضى إلا بعد إزاحة الحواجز من ناحية، وأيضا بغرض توظيفها فى العلاج أو توثيق العلاقة من ناحية أخرى، فالطيببة التى قدمت الحالة مسيحية، وأنا حريص على أن يعرف أى مريض دين معالجه، وبالعكس (لذلك أنا ضد حذف خانة الديانة من البطاقة الشخصية) وفى خبرتى وجدت أن مواجهة “الحقيقة” العارية هكذا تساعدنا على تعميق العلاقة بشكل مباشر معلن، وبالتالى تصبح هذه خطوة مفيدة فى قبول كسر الجمود الذى قام به المرض، أو الذى قد نحتاج إلى كسره كخطوة علاجية نحو قبول “الحقيقة” بما فى ذلك حقيقة اختلاف دياناتنا.

رشاد: … ياه!!!

(تعقيبا على آخر ما قاله د. يحيى لرشاد من أن الدكتورة “د.م” مسيحية)

د. يحيى: نكمل بقى، إنت بتقول للدكتورة (د.م)  إن فيه مِجرى، بتتفتح فى مخك، هى نطقتها صح كده بكسر الميم، بس ما هو نفس المعنى ، ولاّ حتى بفتحها حاجة كده زى مجرى العيون، بس اما تتقال بالعامى توصّل المعنى اللى بتقصده فى الغالب

رشاد: مظبوط.

وبعد

أتوقف هنا اليوم لأن رشاد سيبدأ فى شرح ما وصلنى على أنه دليل على قدرة العين الداخلية على رؤية طبيعة الخلل الذى يحدث فى عملية اعتمال المعلومات فى بداية الذهانات عموما، والفصام خاصة.

[1] -*Crow TJ. A Darwinian approach to the origins of psychosis. Br J Psychiatry

1995;167:12–25.

*Crow TJ. Aetiology of schizophrenia: an evolutionary theory. Int Clin Psychopharmacol

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *