الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الحلقة: (74) لعبة الحياة (5)

الحلقة: (74) لعبة الحياة (5)

نشرة “الإنسان والتطور”

14-7-2010

السنة الثالثة

العدد: 1048

Aghwar_Elnafs 7-7-2010

الحلقة: (74)

لعبة الحياة (5)

مقدمة:

مازلنا مع مقدمة الفصل الثالث، والمقاومة تزيد لدرجة احتمال ألا أكمل الشرح على هذا المتن، خاصة وأن ما تبقى به جرعة شخصية مفرطة لست متأكدا من موقعها فى خدمة “فقه العلاقات البشرية.

ما علينا: المتن:

الحياة‏ ‏دى ‏مش‏ ‏كلام‏ ‏مرصوص‏ ‏على ‏صفحات‏ ‏جرايد‏،‏

‏ ‏أو‏ ‏حكاوى ‏فى ‏القهاوى ‏والدواوير‏ ‏والمقاعد‏،(1)

أو‏ ‏شـلـل‏ ‏مرصوصة‏ ‏تعرف‏ ‏فى ‏الصياعة‏ ‏واللكــــاعة‏،‏

‏أو‏ ‏برامج‏ ‏فى ‏الإذاعة‏.‏

‏هكذا يبدأ النص فى تعرية “ما ليس حياة”، أو ما هو تشويه للحياة، أو تزييف لها، أو ما لا يستحق أن يوصف بأنه “حياة”.

وبقدر ما يبدو فى المتن من شجب ورفض وتحذير من صور الاغتراب المختلفة، ينبغى الحذر من تصور أننا لا نحتاج إلى بعضٍ من كل هذا حتى يمكن أن نستمر بدرجة ما، فيما يسمى الحياة العادية أو الواقعية، صحيح أن الكلام والحكاوى وكثير من الندوات والحوارات مغتربة، لكن صحيح أيضا أن الكلام لا يمكن أن يقاس بالمسطرة كما يقول صلاح جاهين. المصيبة فى صور الاغتراب المعاصر هو المبالغة فيها وكأنها قيمة مطلوبة لذاتها، وليست اضطرارا مرحليا على درب النمو، وأيضا أنها شائعة ولحوح، وأنها متنوعة، وخادعة، ومتميزة أحيانا وبراقة.

 عندى تحفظ فى مجال العلاج النفسى أن يغلب على المعالج مثل هذا الموقف الذى يعرى هذا الاغتراب هكذا حتى يبدو ما أقدمه له وكأنها دعوة مطلقة مثالية للتخلى عن كل ذلك أو أغلب ذلك، وهذا خطأ.

 ماذا يفعل الناس بدون الكلام الذى يطل عليهم يوميا على صفحات الصحف حتى لو كان أغلبه لغواً، ومعظمه كذبا؟ ونفس الشىء بالنسبة لوسائل الإعلام تسلية أو إخبارية، ما ذا يفعلون إن لم “يدردشوا” .و”يدشوا” من هنا وهناك، ثم يفوتوّن ويتغافلون عن هذا أو ذاك شعوريا أو لا شعوريا حتى يواصلوا حياتهم الصعبة بما يمكن،

 صحيح أن هذا ليس هو غاية المراد حين نتكلم عن “الحياة التى هى الحياة” أو التى هى أغنية عمل حى، أو التى هى تواصل شائك رائع جميل مهدد مستمر، لكن علينا أن ننتبه طول الوقت أننا نحتاج جرعة مهمة من هذا الاغتراب العادى الذى تنقده هذه الفقرة بحدة وسخرية.

العلاج الجمعى الذى يركز طول الوقت، أو معظم الوقت، على المواجهة الآنية حالا، (“أنا-انت  &هنا والآن”)، هو النموذج الأمثل للتدريب على مواجهة هذه العينات من الاغتراب للتخفيف منها واحتمال حسن توقيتها.

ولا بأس من أن ننبه مكررا أن هذه القاعدة (“أنا-انت  &هنا والآن”،) هى فقط للتفاعل أثناء العلاج الجمعى، وأنه يستحيل تعميمها، بل إنه ينصح بعدم تعميمها فى الحياة العادية.

 الحياة العادية هى خلفية ضرورية تكاد تملأ كل الصفحة يمينا ويسارا حتى نستطيع أن نقرأ المتن الضيق – غير المغترب – فى وسطها كما ينبغى بالجرعة المناسبة.

الأمر يختلف فى العلاج النفسى الفردى، إذ أن الكلام عادة هو أساس للحوار أثناء هذا العلاج بما يحوى من كل احتمالات الاغتراب عن “هنا والآن”، ولكن بالتدريج يمكن أن تقل جرعة الاغتراب بشكل أو بآخر، ورويدا رويدا يصبح الكلام قادرا على التفعيل الممكن فى مسيرة تعديل السلوك وإعادة تشكيل النص البشرى.

****

ينتقل المتن بعد ذلك إلى نقد معاد لانفصال كثير ممن يسمون المثقفون حين يقول:

الحياة‏ ‏دى ‏مش‏ ‏ثقافة‏ ‏عليا‏ ‏جدا‏” ‏فوق‏ ‏هامات‏ ‏البشر‏”.‏

أو‏ ‏جوايز‏ ‏يمنحوها‏ ‏للى ‏فاز‏ ‏لما‏ ‏انتشر‏.‏

حين ينفصل المثقف بمعنى الصفوة المطلعة العارفة الفاهمة المبدعة أحيانا عن  القاعدة العريضة لجموع الناس، تصبح له وظيفة أخرى لا مانع أن تكون إيجابية غير تمثيل وعى عموم ناسه والدفع بهم إلى ما يمكن من فرص لائقة بالجنس البشرى من تطور ونمو وإبداع، المثقف من الصفوة التى يمثلها مثلا المجلس الأعلى للثقافة عندنا هو إنسان نافع ويساهم فى الحفاظ على ما يميز فكر ناسه، بل والفكر عامة فى مرحلة تاريخية بذاتها، وربط ذلك بما سبق فى التاريخ، وأحيانا التخطيط لما يمكن مستقبلا، لكن هذا كله لا يمثل العينة المثلى لما نسميه الحياة،

 فالحياة هى الحياة بذلك، وبدون ذلك، صحيح أن هؤلاء النفر من البشر قد امتلكوا وسائل أرقى وأنفع بكثير من سائر الناس، لكن الصحيح أكثر أن الحياة هى قبل ذلك وبعد ذلك.

لن أعرج إلى موقفى من الجوائز لأسباب شخصية، فقط أذكّر أن الجائزة أية جائزة هى “إعلان لتناسب معين بين مانحها والحاصل عليها فى فترة تاريخية معينة”.

 وبشكل عام، فإنها عادة ما تعطى لمن يستحقها، فلا يصح أن نأخذ حكاية “اللى فاز لما انتشر” على أنها القاعدة، ومع ذلك فالخطأ وارد، والانتشار أحيانا يعمل نوعا من “تأثير الهالة” ليحل محل “تقدير العمل أو الشخص”،

 قرأت حذر بهاء طاهر من حكاية “أكثر المبيعات انتشارا من الكتب” Best Seller  وذلك قبيل ترجمته كتاب كويلهو “السيميائى” ثم حين تخطى هذا الحذر واطمأن إلى قيمة الكتاب قام بترجمته بحب شديد ومدحه مدحا لم أجد له مبررا فى نقدى له مقارنة برحلة ابن فطومة لنجيب محفوظ (2)

المهم أن الانتشار، والثللية قد يشاركان فى ذهاب بعض الجوائز إلى غير أهلها، لكن هذه ليست هى القاعدة،

علاقة هذه الفقرة فيما يخص العلاج النفسى هى أن شهرة المعالج ونتائجه المعلنة قد تعطيه “هالة” تؤثر على العلاج النفسى إيجابا وسلبا،

 فمن ناحية هى تجعل المريض جاهزا قبل العلاج لاحترام التعاقد والأمل فى الشفاء مثلما سمع وشاع عن هذا المعالج وقدراته أو حتى “كاريزميته”، ولكن على الناحية الأخرى فإن هذه الشهرة قد تأتى من مصادر غير مهنية ، بمعنى أنها ليست نتيجة حذقه الحقيقى لمهنته، ولا لنتائج تقاس نوعيا بما نريد أن نروج له ونحن نتكلم عن “الحياة الحياة”، وإنما هى نتيجة لنجوميته الإعلامية، أو قد ترجع إلى سماته الشخصية المرتبطة بما يسمى “الذكاء الاجتماعى” وهذا أيضا له وعليه.

ننتقل بعد ذلك إلى الفقرة التالية

-4-

الحياة هى الحياة

الحياةْ مش هيصهْ سايبه  منعكشهْ

الحياهْ حركة جميلةْ مُدهـِشـَه.

بس بتخوّف ساعاتْ

لما بنْعرِِّى الحاجاتْ

تشير هذه الفقرة إلى عدة أبعاد معا يمكن تعدادها كالتالى :

1- إن الحياة ليست بلا نظام، مهما بدت كذلك.

 ونحن ننسب “اللانظام” أحيانا للقضاء والقدر، وللمصادفة أو للحفظ، والأمر ليس كذلك غالبا، الحياة هى مجموعة برامج بيولوجية وجودية مرتبة ومتداخلة ومتكاملة طولا وعرضا حتى لو لم تبدو كذلك فى ظاهرها.

 الحياة نظام مضطرد لبرامج منظمة (بما فى ذلك النظام الذى فى  العشوائية أو الفوضى، أو الشواش)

البرنامج الحيوى البيولوجى لا يظهر منه إلا ظاهره حتى لو كان فى واقع الأمر ليس معروفا كله (الحياةْ مش هيصهْ سايبه  منعكشهْ)

2- إن الحياة حركة (وقد سبق الكلام على بعد الحركة فى نشرة: 7 / 7 / 2010 لعبة الحياة 4)

 إن للحياة – بما هى- تنتمى إلى منظومة جمالية فى جماع تناسقها المرتبط بالحركة الإيقاعية غالبا (الحياة حركة جميلة مدهشة)

3- طالما أن الحياة حركة: فثمة دهشة، وثم خوف، وما دامت الحركة صادقة ومضطردة فهى تقتحم المعلوم كما تفتح آفاق المجهول متى لزم الأمر، وهو لازم، لأنها حركة إلى مجهول (بس بتخوف ساعات)

4- هذه الحركة تؤدى إلى، وتتضمن، اتساع مساحة الوعى، ومن ثم تعميق البصيرة (لما بنعرى الحاجات)

وإلى الحلقة القادمة

أرجو أن تقل المقاومة

أو تزيد!!

ماذا أفعل؟

 

[1] –  المقاعد هنا لا تعنى الكراسى التى نجلس عليها ولكنها تشير إلى حجرة فى بيوت الفلاحين فى بلدنا لاستقبال مجالس الأئتناس والشاى، وأحيانا تعنى حجرة المقعد حجرة أعلى المنزل لنفس الغرض وربما كان تحديد اسم “المقعد” لمجرد نفس أنها حجرة للنوم.

[2] – وأعتقد أنه مدحه لما رصده من وجه شبه بينه وبين قصته القصيرة “انا الملك جئت”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *