الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / لعبة الحياة (4) حركية الحياة، وحتم التواصل للاستمرار

لعبة الحياة (4) حركية الحياة، وحتم التواصل للاستمرار

نشرة “الإنسان والتطور”

7-7-2010

السنة الثالثة

العدد: 1041

 Aghwar_Elnafs 7-7-2010

الحلقة: (73)

لعبة الحياة (4)

حركية الحياة، وحتم التواصل للاستمرار

حركية الحياة هى الحياة، حتى الموت الحقيقى هو بعض مراحل حركية الحياة من بعدٍ معين.

قد يسكن السطح فيخدعنا الركود،

 لكن تظل الحياة تتحرك داخلنا تحت هذا السطح الراكد رغما عنا،

الموت، كما وصلنى مؤخرا، كنقلة من الوعى الشخصى إلى الوعى الكونى، هو أزمة نمو، فهو حركة، فهو حياة.

هذه الحركية ليست خطية، وليست دائرية، وليست لولبية، وليست أمامية، وليست خلفية،

هى كل ذلك فى تكامل وتناوب وإيقاع حيوى متصل،

ثلاثة أبعاد للحركية :

أهم الأبعاد  التى أود التركيز عليها، وهى التى تتجلى لنا فى رحلة العلاج النفسى (الجمعى خاصة) هى:

(1) حركية “برنامج الدخول والخروج” In and Out program، وهو الذى يسمح بالتواصل البشرى على درجات متعدده من الوعى، ويتم النمو طالما يرجح ضلع الخروج باستمرار مع كل دورة ، إلى أبعد من رجوعه، وأورد بعض أمثلة لهذا البعد كما يلى : 

  • الدخول إلى الرحم النفسى  والخروج إلى الآخر (الموضوع/ الناس)،
  • الدخول إلى النوم (الواقع الداخلى) والخروج إلى اليقظة (الواقع الخارجى)،
  • الدخول إلى الحلم والخروج إلى النوم غير الحالم
  • الدخول إلى حضانة الذات والخروج إلى رحابة المطلق

وهذا ما يميز العلاقة الحية ، والمقاومة المتناوبة فى العلاج النفسى، وخاصة العلالج الجمعى

 (2) ثم حركية الملءó البسط = Filling-Unfolding (الإيقاع الحيوى Biorhythm)، حيث دورات هذا الايقاع تمتد من أول التفاعل الكيميائى حتى إطلاق تيار النبض العصبى، كما تتجلى فى

  • دورات النوم اليقظة،
  • ثم دورات النوم الحلم /اللاحلم،
  • ثم دورات تناوب الذوات،
  • ثم دورات الملء البسط الإبداعى.

وفى العلاج يتم التعامل مع هذه الحركية بضبط جرعة النوم والاحلام (وليس تفسيرها) مع  العقاقير المتقطعة، مع ضبط جرعات النشاط والتلقى طول الوقت

(3) وأخيرا حركية الجدل الولافى Synthesis وهى أبسط ، وفى نفس الوقت هى أعمق من أن تُخْتَصَر فى تعبير “التوليف بين أضداد”، حيث هى جماع كل حركية الحياة بكل البرامج السابقة وغيرها لتخليق الخطوة التالية التى يعلنها تغير نوعِىُّ، إلى غير نهاية.

وفى العلاج نرى نتئج هذه الحركية أكثر من أننا نرصد تفاصيلها ، وتظهر النتائج فى صورة التغيير النوعى الذى يمنع النكسة ، أو يرحب بها بشروطه، فيتواصل النمو

الوعى بحركية الحياة

الوعى بحركية الحياة ليس ضروريا لإقرارها، بل إنه قد يعيقها (بس انت لو بصيت لرجليك، تقع)،

 لكن نشاط الوعى البشرى لا يتركنا نسير بتلقائية طبيعية راقصين مع الدنيا (هى الشابّة وانت الجدع)، فهو عادة، بل كثيرا، ما يقفز ليقول: “إلى أين؟”، أو “حاسب”، أو “أسرع”، أو”ماذ بعد؟”، أو أى شىء.

الحركة الزائفة

  • ليست كل حركية هى حياة، فثمة حركة زائفة خادعة: تكلمنا محصلتها صفر، وقد ضربنا بذلك أمثلة منها: الحركة فى المحل (محلـّك سر)،
  • والحركة الدائرة المغلقة (سكريبت معاد)،
  • والحركة حول الذات تمركزا،

 وكل هذه حركات ثابته وليست حركية حيوية، وهى أكثر خداعا من السكون الراكد.

تذكرة

تبدأ نشرة اليوم بتذكرة تؤكد على ما جاء فى الحلقة السابقة من أن الحياة لا تحتاج إلى تعريف من خارجها،

“الحياة هى الحياة”.

حين يحتد الوعى بحركية الحياة، على أى مستوى نرعب من أية حركة كانت، بغض النظر عن اتجاهها أو النظر فى مآلها،

 الرعب من الحركة يكون فى أشد صوره حين يكون الجمود جاثما وغير ناجح فى نفس الوقت،

 العلاج النفسى، من منظور النمو، يتواصل كما يلى :

  • تحريك الراكد،
  • وكسر الغلاف،
  • ونقب الجدار،
  • ثم تعديل الاتجاه،
  • فإطلاق الطاقة،
  • فدفع النمو فى الحياة بتنشيط كل الحركيات السالفة الذكر.

والآن إلى المتن:

باترجف‏ ‏من‏ ‏خطوتى ‏الجايَّةْ‏، ‏ولكنْ‏:‏

باترعب‏ ‏أكتر‏ ‏لو‏ ‏انى ‏فضلت‏ ‏ساكنْ

إذا زاد الخوف من الحركة حتى أشلّ، فإنه يصبح معوقا بالغ الإعاقة ،

هذا ما عبرت عنه فى قصيدة صابقة بالفصحى قائلا :

……

أخاف‏ ‏من‏ ‏تموّج‏ ‏الأحشاءِ، ‏

من‏ ‏نثْـرة‏ ‏الأجنّّّّةْ،‏

من‏ ‏دوْرةِ‏ ‏الدماءِ،‏

ومن‏ ‏حَـفِـيفِ‏ ‏ثْـوبىَ ‏الخَـشِـنْ‏

…………………….

أخافُ‏ ‏من‏ ‏نساِئم‏ِِ ‏الصباحْ‏ ‏

من‏ ‏خَـيْـطِ‏ ‏فجرٍ‏ ‏كاذبٍ،‏

أو‏ ‏صَـاِدقٍ‏ ‏

من‏ ‏زَحْـفِ ‏ليلٍ‏ ‏صامت‏ٍٍ ‏

أو‏ ‏صاخبِ‏ ‏

أخافُ‏ ‏من‏ ‏تَـنَـاثُـرِ الذَّرَّات‏ِِ ‏فى ‏مَـدَارِها‏ ‏

أخافُ‏ ‏مِـنْ‏ ‏سَـكوِنَها

هذا الهلع من أية حركة هو الذى يعوق الحركية الإيجابية لدفع الحياة 

الخوف من الحركة فى ذاتها يكون أشد فى الحالات التى استقر فيها السكون حتى تجمد السطح، وأيضا فى الحالات التى أزمنت الحركة الزائفة مثل إعادة النص، أو محلك سر، والحالات التى أصبحت فيها الحركة دائرية مغلقة.

قبول المخاطرة مهما كانت مرعبة، وضرورة ضبط الجرعة:

  التحدى الملقى على المعالج والمريض هو ضرورة قبول فمواجهة هذا الرعب الضرورى والهائل من أية حركة، ثم القدرة على ضبط الجرعة فى كل مرحلة بما يناسبها.

سر نجاح العلاج النفسى هو الاعتراف بحتم الحركة وفى نفس الوقت احترام إرعابها،

إذا نجح العلاج النفسى أن يتعتع هذا السكون بجرعة مناسبة، فهو يخلـّق أزمة نمو علاجية، تحتاج للزمن والاستمرار لاستيعابها.

تحدث هذه التعتعة تلقائيا فى أزمات النمو، ومع إرهاصات بدايات عملية الإبداع

يترتب على الوعى بأى من هذا التحريك (العلاج) أو هذه الحركة (أزمة نمو طبيعية) رعب الخطو إلى المجهول (مهما بدا معلوما من بعيد أو واعدًا بشكل ما)،

يترتب أيضا على هذا التهديد المرعب دعوة إلى التراجع عن هذه الخطوة والرضا بالسكون القائم (واللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش)،

يسرى هذا على المريض وعلى المعالج على حد سواء.

لكن الكائن النامى، معالجا أو مريضا، لا ينخدع بهذا الإغراء بأمن  هذا السكون الخبيث ، فهو  ف\يرعب منه أكثر من خوفه السابق من الحركة،

 رعب السكون هو رعب الموت/العدم، وهو رعب أخطر وأعمق،

باترجف‏ ‏من‏ ‏خطوتى ‏الجايَّةْ‏، ‏ولكنْ‏:‏

باترعب‏ ‏أكتر‏ ‏لو‏ ‏انى ‏فضلت‏ ‏ساكنْ

الرعب من السكون وارد حين يلتقط الوعى من بعد أعمق أنه سكون يحتوى حركة مكتومة حاهزة للتفجر كم حاء فى نص القصيدة بالفصحى :

تفجّر السكونُ فى قوالبِ الجليد،

ولم تدوِّ الفرقعة.

تحرّكتْ أشلائِـىَ المجمَّدة،

تفتـَّت الجبلْ،

فطارت العَرَائسْ،

تكسّرت حواجزُ الأصواتْ،

تخلـّقتْ … تطاولتْ،

فأجهِضتْ،

وضجّت السكينة.

أين حركية المعالج من كل ذلك؟

ماذا لو كان المعالج هو الذى سكن إلى ما هو فيه واستقر؟ هل يستطيع مثل هذا المعالج أن يحرك المريض المتجمد دون أن يتحرك هو نفسه بنفسه لنفسه ؟

السكون/التوقف وارد أكثر بالنسبة للمعالج منه بالنسبة للمريض،

المريض الذى يسكن إلى آليات مرضه –  باستثناء المرض العضوى التشريحى – هو إما حالة اضطراب شخصية، أو بارانويا مزمنة، أو المآل السلبى المرضى لأى ذهان نشط، وخاصة الفصام،

هذه الحالات جميعا، إذا ما أخذت فرصة علاج مكثف، يمكن تحريكها بدرجة ما، مع أنها من حيث المبدأ مستحيلة التحريك،

أما المعالج الذى سكن إلى ما هو فيه فما الذى يضطره أن يتنازل عن آليات تسكينه (ميكانزماته)، خاصة إذا انتمى إلى نظرية (أيديولوجية – يعتبرها علمية) متماسكة وشائعة وقوية؟

رعب المعالج من الحركة أكبر بكثير من رعب المريض، لأنه غير مضطر.

الرعب من الحركة هو رعب من الحياة           

والرعب من السكون هو الرعب من اللاعوده: العدم

ومن المتن بالفصحى :

أخاف أن أموت إن حييتْ

أخاف إن حييت لا أموتْ،

إذا كانت الحياة لا تكون حياة إلا فى حالة حركية

  • متعددة القوانين،
  • متنوعة البرامج،
  • متصاعدة المستويات،
  • ضامة التوجه إلى المجهول الأرقى،

 فإن ذلك يسرى على المريض وعلى المعالج على حد سواء، وهنا يبدأ التحدى، وتتأكد ضرورة الإشراف على العلاج النفسى بكل مستوياته، وباستمرار.

رفض الزيف وحتم المثابرة

 الحركة الحقيقية مرعبة لأنه يصاحبها – أيضا- قدر من الشك الشائك حول مسارها ومصيرها،

 هو شك معرفى أكثر منه شك متذبذب عاجز،

فى هذه الأغنية يقفز الشك المعرفى يؤكد أن المراجعة بالالتفات إلى الوراء هو للتقدم للأمام

كل‏ ‏ما‏ ‏أشكّ‏ ‏فْ‏ ‏خطايَا، ‏

ألتفت‏ ‏ما‏ ‏لقاش‏ ‏ورايَا ‏

إلا‏ ‏إنى،‏

‏ ‏وسط‏ ‏كل‏ ‏الناس‏ ‏باغَنِّي

يعنى ‏بَابْنِى، ‏

‏ ‏أنا‏ ‏وابْـنِي‏.‏

النظر إلى الوراء يؤكد الاطمئنان إلى اتجاه السهم بعد ما تم قطعه على طريق الحياة الممتد أبدا.

هكذا يؤكد المتن أن :

  • الغناء وسط الناس،
  • مع البناء،
  • مع تواصل الأجيال،

هو الضمان أننا نغنى للحياة فعلا إذ نتناغم مع الناس فالكون عرضا فطولا

(هل يا ترى هذا هو ما كانت تقوم به أغانى العمل التى تراجعت حتى كادت تختفى تماما؟)

ضرورة الزمن لتواصل مسيرة حركية الحياة

استمرار الحياة ليست قضيتنا أفرادا،

وربما هى ليست قضيتنا أجيالا،

 الأحياء التى نجحت أن تبقى حتى الآن (واحد فى الألف) نجحت دون أن تطرح على نفسها أى سؤال مما طرحناه هنا والآن، هى فعلت ذلك باحترام قوانين وبرامج البقاء للاستمرار عبر الأجيال، هذا اليقين باستمرارالحياة هو سر النمو، ودفع العلاج، وأساس الإبداع

واللى ‏مش‏ ‏ممكن‏ ‏حايخلص‏ ‏بــيه‏ ‏وبـيّا.‏

يبقى ‏غيرنا‏ ‏يكمله‏.‏

هذا اليقين باستمرار الحياة هو سر النمو، ودفع العلاج، ودعم الإبداع

تعلمت هذا المبدأ من “عم على” السباك، وقد حكيت عن هذا الحادث (وربما كتبته) مرارا.

هو صديق “سباك” عرفته منذ أوائل الستينات، كان يعمل بيده غالبا، ويكاد يرفض أى صبى يساعده ضمانا للإتقان (كما أخبرنى)، (وقد استلهمت من عم على شخصية “عم محفوظ” فى الجزء الأول “الواقعة” من ثلاثيتى : المشى على الصراط)

كان عم على مستغرقا فى عمله فى الحمام، ودخلت أستعجله المرة تلو المرة، نظر إلىّ باسما معترضا ولم يصرح لى بأن هذا الاستعجال قد يفسد ما آله على نفسه من إتقان عمله،

نظر عم على فى وجهى فوجدنى مكفهرا قلقا على ما يبدو، فنصحنى أن أطمئن، وأن ما لا ننجزه الآن سوف ننجزه بعد قليل، وما لا ننجزه اليوم سوف ينجز غدا، وما لا يُنجز غدا سوف يُنجز الأسبوع القادم، وما لا ينجز هذا العام سوف ينجز العام القادم، وما لا ننجزه نحن، فسوف ينجزه أولادنا، وما لا ينجزه أولادنا، فلا داعى لإنجازه أصلا”،

أشعر أن الفصحى أفسدت الرسالة التى أريد توصيلها، فلأنقل الرواية التى عمرها خمس وأربعين سنة بألفاظ “عم على”

” .. إيه فيه إيه؟ مالك يا دكتور؟ هدّى روحك، إللى ما نخلّصوش دلوقتى نخلصة بعد شوية، واللى ما نخلصوش النهارده نخلصه بكره، واللى ما نخلصوش بكره نخلصه الجمعة الجاية، واللى ما يخلصشى السنه دى يخلص السنة الجاية، واللى ما نخلصوش احنا يخلصوه أولادنا، واللى ما يخلصهوش أولادنا إن شالله ما خِلص ..!!”

لم تصلنى من هذه الرسالة أى تأجيل سلبى، بل ما وصلنى منها هو الحرص على الاتقان، والإقلال من اللهفة على النتائج، ما دام العمل جار بأصوله، فقفز منى هذا النص فى هذه القصيدة.

يعنى ‏بَابْنِى، ‏

‏ ‏أنا‏ ‏وابْـنِي‏.‏

واللى ‏مش‏ ‏ممكن‏ ‏حايخلص‏ ‏بــيه‏ ‏وبـيّا.‏

يبقى ‏غيرنا‏ ‏يكمله‏.‏

وإلى الحلقة القادمة

مازلنا فى قصيدة: “لعبة الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *