الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الحلقة: (71) لعبة الحياة (2) (الفصل الثالث)

الحلقة: (71) لعبة الحياة (2) (الفصل الثالث)

نشرة “الإنسان والتطور”

23-6-2010

السنة الثالثة

العدد: 1027

photo_Agow-2

الحلقة: (71)

لعبة الحياة (2)

(الفصل الثالث)

شرح على المتن

بصراحة، مازالت عندى مقاومة شديدة لكتابة شرح على متن هذه القصيدة بشكل خاص، ومع ذلك فأنا مضطر،

لم يبق على نهاية الكتاب إلا قصيدتين، ثم الختام،

لتكن ورطة، هى كذلك، فلتتم بما يمكن،

والسلام.

إذا وصلنا أن الحياة هى الحياة، فهى لا تحتاج إلى مزيد من شرح،

 لكن ما دمنا فى مجال استغلال المتن، للدخول إلى بعض ما يعيننا فى مهنتنا، وبالذات فى موقف العلاج النفسى، فلتستمر المحاولة ضد كل مقاومة.

المرض النفسى، كما كررنا مرارا، هو توقف مؤلم، أو منسحب، أو متجمد، وكل هذا هو “ضد الحياة”، كما بينا فى الحلقة السابقة، إذن يمكن أن نتصور أن العلاج، والعلاج النفسى ضمنا هو “إحياء” بكل معنى الكلمة، “..ومن أحياها، فكأنما أحيا الناس جميعا”، إذن قد يجدر بالطبيب النفسى، المعالج النفسى، أن تكون عنده بعض ملامح عن ماذا يعنى “بالحياة”، ما دامت وظيفته هى الإحياء، شريطة ألا ينسى أن لديه شخصياً نفس الفرصة لتنشيط الحياة فى نفسه من جديد، حتى وإن كانت نشطة بشكل ما، إلى درجة ما.

-1-

الحياه هىّ الحياهْ

أغلى حاجه فيها هيَّا:

 “إنى عايشْ”

لا يوجد تفسير للحياة إلا أنها الحياة،

كثيرا ما طرح علىّ مريض هذا السؤال: ماذا علىّ أن أقرر الآن؟ فأجدنى أطرح نفس السؤال على نفسى دون أن أدرى، وقد كنت أرد على كثير من مرضاى، دون تجاوز الأمور الحياتية اليومية التى علينا أن نقررها سويا، أو يقررها هو مؤتنسا بعلاقتنا (حتى لا يزعل الخواجات)، كثيرا ما كنت أجد نفسى أقول له (ولنفسى) :

عليك أن تقرر: “إما أن تحيا، أو لا”، ولم أكن أقول عادة “إما أن تحيا أو تموت”، خشية أن أثير عنده هذا الاحتمال وكأنه بديل حقيقى، أو بصراحة: لأننا عادة ما يكون انطلاقنا – ونحن لا ندرى– هو من أن عمق مهنتنا هى أنها تسهم فى إحياء الموتى، (بفضل الله والفن العلاجى/ العلم).

فهل لميت (مع المبالغة) أن يعيد اختيار موته؟

لم يبق إلا أن تعرض عليه، وعلينا اختيار “الحياة”.

أغلى شىء فى الحياة هو الحياة نفسها:

 “أغلى حاجة فيها هيَّا

“إنى عايش”

لا تُقَيَّم الحياة بما يملؤها من مكاسب، أو ملذات، أو أملاك، أو حتى قيم، وربما إنتاج،

“الحياة حياة” قبل كل هذا وبعد كل هذا،

نتعلم من أجدادنا من ملايين السنين أن بقاء الأحياء الأدنى (التى كثيرا ما أشعر بالخجل حين نصفها أنها أدنى) هو “أن تبقى”، بلا أى سبب لاحق،

لا يبقى العصفور فى عشه حيا، لأنه عش جميل، أو ملجأ آمن، ولا يبقى الأسد حيًّا، لأنه ينتظر من السيدة حرمه اللبؤة أن تقوم بتمشيط شعر لبدته قبل اللقاء السعيد،

العصفور والأسد يعيشان الحياة أولا، ثم تُملأ الحياة بما تستحق أن تُملأ به، فيبقى النوع ، ويقاوم الانقراض جيلا بعد جيل(1)

حين تنحرف المسيرة، وتصبح الحياة “هى ما تحوى”، وليس “ما تُفرز بما هى”، يصبح التهديد بالانقراض أقرب!

حين اكتسب الإنسان الوعى، أصبح يقيس الحياة، ويخطط لها، ويحسب مبررات استمرارها، بمقاييس منحازة إلى منطقه الظاهر، وليس إلى كلية وجوده طولا وعرضا، وأيضا بمقاييس من خارجها، من خارج الحياة، بعضها من صنعه، ليست كلها لصالحه.

الحياة يلزمها بداهة نسيج متيِن من البنية الأساسية كى تنبض، لكن لا ينبغى أبدا أن يحل هذا النسيج التحتى مهما كان ضروريا محلها برغم أنه من أساسياتها، أو من شروطها، أو من ضروراتها ..إلخ

يظل مجرد حقيقة “أنى أحيا”، هى الحقيقة البادئة التى لو امتلأنا بها، وأمكن أن نبعثها فى مريضنا، لأصبحت نقطة انطلاق واعدة منفتحة.

 لا شك أن حياتنا المعاصرة قد أنستنا هذا تماما، أو غالبا، أو إلى حد كبير،

 لو أحسنتَ الإنصات إلى صوت عصفور الكناريا على فرع شجرة، لوجدته يردد نفس هذين البيتين:

الحياة هى الحياة

أحلى حاجة فيها، هيَّا:

“إنى عايش”

ما رأيك لو نتوقف عند هذا المقطع، ونحاول أن نردده لعلنا نصدقه بما هو، دون إبداء أسباب

(يمكن أن تفعل ذلك وأنت تسمع غناء هذا العصفور بعد أن تنزل صوت غنائه من جوجل!!

 الصوت موجود فعلا: حاوِلْ).

…….

هيا نجرب

…….

الحياة هى الحياة

أحلى حاجة فيها، هيَّا:

إنى عايش

…….

الحياة هى الحياة

أحلى حاجة فيها، هيَّا:

إنى عايش

…….

الحياة هى الحياة

أحلى حاجة فيها هيَّا:

إنى عايش

…….

ما رأيك؟

وحتى نلتقى الأربعاءٍ القادم أقترح أن تعود إلى قراءة القصيدة على بعضها من نشرة الأربعاء الماضى..

[1] مرة أخرى واحد  فى الألف من كل الأحياء هوالذى نجح فى هذا الامتحان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *