الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (73): هيا “نلعب حبا” فى طريقنا إلى أن نحب

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (73): هيا “نلعب حبا” فى طريقنا إلى أن نحب

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 21-10-2013

السنة السابعة

العدد:  2243

  الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (73)

(من “مجموعة المواجهة”)

هيا “نلعب حبا” فى طريقنا إلى أن نحب

مقدمة:

وأنا أراجع (نشرة 29-9-2009) فى “مجموعة المواجهة” التى نشرت باسم “فقه العلاقات البشرية” اكتشفت معلومات مهمة تصورت أنها يمكن أن تكون أكثر فائدة إذا نشرت بدون المتن أصلاً، خصوصاً ونحْن نراجع المفاهيم الأساسية لبعض ما شاع بيننا كثيراً وطويلاً بعد مراجعة كافية أو فحص عميق، فقلت أجرب فائدة نشر ذلك دون متن شعرى لعله أسهل وأكثر فائدة. أريد رأيكم!

كلمة “الحب” مثل كلمات الحرية والديمقراطية وحتى كلمة “الله”، (وليس حقيقة الله طبعا/- النفرى)، تمثل عندى إشكالة بلا حدود، لن أكرر ما سبق أن قلته عشرات المرات، فالمهم هو أن نفرق بين الحب الحب، والحب كنظام الحب، والحب اللاحب.

العلاقات التجاذبية السريعة، تتم غالبا، خاصة فى بلاد تسمح بعلاقات حرة سهلة (هكذا تسمى)، دون تردد أو خوف، كما أنها  تكسر القيود (إن كانت ثمة قيود) سواء كانت قيودا أخلاقية فوقية، أم دينية، أم تقاليد، لأنها تحدد الغرض منها: رغبة متبادلة، واتفاق معلن، وتخلٍّ جاهز، شىء أشبه بالوجبات السريعة.

هذه العلاقات تقوم بالواجب أحيانا، ولا يمكن شجبها على إطلاقها إلا بمقاييس أخلاقية ترتبط أساسا بالثقافة التى تتم فيها، فلكل ثقافة منظومتها الأخلاقية التى تسمح أو لا تسمح، تقر أو تجُبّ، ونحن إنما نسعى إلى التعرف على الطبيعة البشرية بما تيسر من حدس وتجارب وإبداع، وما أتيح من العلم

أهم ما يميز مثل هذه العلاقات هو أنها لا تدّعى الحب، بل أحيانا تشترط ألا يكون فى هذا التقارب المحدود  حبا (1)

ما دام  الحب الحقيقى غير موجود، فهيا “نلعب حبا”، (مثلما كنا صغارا نلعب “بيوتا” فى الشرفة، ونهدّها بمجرد أن تنادى علينا أمنا، أو نسمع صوت المفتاح يعلن قدوم والدنا من العمل).

فكرة العيون التى بداخل العيون هى أساسية من حيث أنها شهادة  مباشرة عن إمكانية الحوار مع ذوات متعددة، وبالتالى هى فكرة تتجاوز لغة الشعور واللاشعور.

قد ينجح مستوى العلاقات من نوع “الوجبات السريعة“، تلك طالما أن هذه العين الداخلية الناقدة المتربصة موافقة، أو نائمة، أو مُستبعِدة، حتى لو أقرت –ساخرة أو راضية- بأن هذا التخدير الإنكارى هو موت لذيذ.

فى العلاج النفسى بما فى ذلك العلاج الجمعى، أو بخاصة العلاج الجمعى – كما هو فى الحياة عموما– ليس المطلوب أن نرفض ومن البداية هذه المستويات التى نسميها مسطحة أو سريعة أو مؤقتة ما دامت هى  العلاقات الممكنة على الأقل فى البداية.

ليس المطلوب هو أن نعلن ومن البداية  كل هذا الشجب الذى يتبدى لنا من خلال هذه التعرية القاسية هكذا، بل دعنا نقرأ هذا الشجب  فى عكس الاتجاه حين نقرأ هذه التعرية باعتبارها ليست دعوة حقيقية للتقدم نحو علاقات أعمق واصدق، بقدر ما هى مبرر لرفض العلاقة مع الآخر من حيث المبدأ إعلانا للخوف الأزلى الأعمق من الحب، من الاقتراب، وبالتالى فإن هذا النقد الساخر- برغم صدقه- قد لا يوظف إلا لدفع الآخر بعيدا، تمهيدا للانسحاب الشيزيدى. (إلى الموقف اللاعلاقاتى).

“الخوف من الحب” الحقيقى، هو الإشكالة الأساسية، هنا ننبه أن المبالغة فى التحذير من تجنب العلاقات جميعا هكذا من حيث المبدأ، فى انتظار الأضمن والآمَن، هو تعرية قاسية تُجهض أية محاولة بدئية أن نقبل أن “نلعب حبا“، إلى حين أن  نعرف “كيف نحب“،

أرجو ألا تُستقبل  وجهة النظر هذه باعتبارها دعوة للاستسهال أو تبريرا للانكار، فلعلها نوع من نقد النقد.

الذين يمارسون العلاج النفسى المكثف أو العميق، بما فى ذلك العلاج الجمعى، يقعون فى مأزق حرج حين يتصورون أن ممارستهم لا بد أن تقتصر على تعهد إتاحة الفرصة لعلاقات موضوعية أبقى وأرقى، المفروض أن العلاج النفسى هو علاقة مثل أية علاقة بشرية، تبدأ بالموجود ، وتتدرج إلى الممكن،  فالممكن، وهكذا، بدون توقف، وكلما انتقل العلاج من مرحلة إلى مرحلة، تعاد صياغة الاتفاق، إلى ممكن آخر، أبعد وأرقى،  وهكذا. هذا ما يمكن أن نسميه:

تجديد مستويات التواصل نحو الأعمق، وهو وارد  دائما فى كل مجال ومع أى بشر يمارس العلاقات الإنسانية  من أى نوع، والعلاج النفسى بعض ذلك. 

هذه الوجبات السريعة، على فرض سماح المجتمع، وتماشيها مع منظومة قيم صاحبها، يمكن أن تعد ممارسة لذيذة أو مفيدة، باعتبارها  أيضا حق طبيعي لجوعٍ طبيعى، ومع ذلك يبدو أنها ليست هى ما تميز الفطرة البشرية فى حركتها النمائية طول الوقت، ولا هى غاية تواصل الإنسان كما أكرمه الله، وإذا كانت أغلب الحيوانات لا تجد بديلا عن مثل هذه العلاقات الشهوية المؤقتة، ولو كرشوة لمعظم إناثه حتى يواصلن مهمة التكاثر (دون شرط التواصل)، فإن الإنسان قد تجاوز هذه الرشاوى (المفروض يعنى)، وأصبح التواصل عنده متعدد المستويات معا.

حتى هذا المستوى الّلِذى الظاهر الذى رضى بلعبة الحب اضطرارا (قياسا يمكن أن نقولها هكذا:  إيش رماك على “اللعب حبا”، قال لك: قلة الحب)، هذا المستوى نفسه، يود لو أنه يكتمل ببقيته، فهو “يعرض” ضمنا على وعيه الداخلى أن يشارك فى العلاقة، بدلا من أن يبتعد استسلاما بعد أن ألقى فى وجه اللاعبين كل هذا النقد الذى كاد يفسد تلك الوجبة.

 هذا “الكيان الداخلى” الناقد الساخر، هو الذى ارتضى التخدير طواعية وهو يعلن “الخوف من الحب” الحقيقى، بانسحابه، وكأنه يعرف – متألما أو مستسلما أو كليهما- أن الحب الحقيقى له مواصفات أخرى، كماأنه يحتاج إلى تعاقدات أخرى، أهمها: ذلك الاطمئنان إلى عدم التخلى، والذى يبدو أنه افتقده فى هذه الوجبات السريعة، فكان كل هذا النقد الساخر، فالانسحاب المتمادى.

الخوف من العلاقة المهتزة، هو خوف من التخلى قبل الأوان، خوف من الخداع، من عدم تبادل مغامرة الخوض فى علاقة،  ويبدو أنه هو السبب فى إفساد كل مستويات التقارب .

هذا المستوى الداخلى، الذى بدا لنا فى أول الأمر أكثر يقظة، وأمانة فى الرؤية، أصبح – بانسحابه هكذا- مشاركا ضمنا فى لعبة نفى الآخر، أو على الأقل: هو يعلن أن العلاقة المعروضة بديلا عن العلاقة السطحية ليست كافية لإروائه، إنه بإعلانه ذلك يقول:  أنه لا يوجد ما يطمئن فى كل ما حوله ومن حوله، وبالتالى فإنه بإصراره على إبعاد الآخر الحقيقى (إن وجد أو وعد)، إنما يعطى مشروعية لما بدا أنه يرفضه ابتداء، مع أنه بذلك يعطيه مبرراته.

هذه المشاركة من الوعى الداخلى يمكن أن تكون نوعا  من المناورة لتشويه ما بدا أنه وافق عليه، فهو يتمادى فى تعريتة للصفقة الظاهرة أكثر سخرية وقسوة، وكأنه يؤكد مرة أخرى من جديد أنها لعبة “كنظام الحب”، بل إنها لعبة “الحب الزائف”  

الشائع عن هذه الوجبات السريعة، أنها رغبة صريحة متبادلة بين اثنين، وهذا صحيح،

هكذا أعلن الداخل صراحة أن “الخوف من الحب” ليس خوفا من الحب ذاته، بقدر ما هو تحسّبا للترك، ولو أتيحت لهذا الوعى الأعمق فرصة أن  يقود مستويات الوعى معا للتضفر المتبادل المتجدد، للتكامل، بيقظة كافية، إذن لوجب الخوف أكثر لو أنه تمسك بهذا الشجب والحذر والتحذير.

العلاج النفسى هو فن تقدير التناسب بين جرعات الرؤية، وصعوبة الموقف، وقدر الخوف، ثم هو فن تقسيم هذا التقدير على مراحل العلاج المختلفة ما أمكن ذلك.

الخوف المشروع والضرورى يأتى من مغامرة خوض عمق التداخل فى العلاقة بين البشر، العلاقة العلاجية وغير العلاجية،  ذلك العمق الذى يسمح بإعادة الولادة (البعث) من خلال تجديد الوعى “معا”.

هنا تصبح البصيرة رائعة ومعطلة أيضا، وهى تنشط فى العلاج كما تنشط فى أية علاقة نمو بين بشر وبشر، هى خبرة موت فبعث بشكل ما، والبعث هنا هو تخليق لوعى جديد يتولد من تجديد العلاقة من خلال اختراق هذا الخوف لاستعادة صدق العلاقة وحركيتها وأصالتها .

العلاج النفسى هو فن اختراق هذه الصعوبة من احتمال اقتراب يعطى فرصة حياة تستأهل.

ليس معنى أن “الآخر” هو نفسه “فى حال” لا تسمح له بإعطاء كل الأمان المطلوب، أن نلغى محاولة عمل علاقة بشرية. 

إن ضمان التخفيف من رعب “الترك” (الهجر)، هو ألا تكون العلاقة ثنائية استبعادية بشكل مطلق (إنت وبس اللى حبيبى)، وبالتالى فحضور الناس (الآخرين) سواء بالعلانية، أو باعتبارهم “موضوعات مشارَكة”، أو “احتمالات بديلة”، هو مصدر لطمأنينة من نوع آخر، وربما هذا هو الذى أعطى للعلاج الجمعى مشروعيته وأفضليته أحيانا.

[1]–  أستبعد من هذه العلاقات الـ “قوام قوام” علاقات الدعارة “مع أنها مثال جيد للعلاقات (اللاعلاقات) السريعة المؤقتة، مع فارق أنها بمقابل وبلا اختيار متبادل إلا فى حدود قوانين وأخلاق السوق، لهذا أستبعدها من هنا،

 لكن حتى فى علاقات الدعارة مدفوعة الثمن، أحيانا ما ترفض المرأة فيها القبلات، باعتبار أن وجهها وشفتيها – بما تقوم به  من احتمالات الحب والتواصل-  ليست  ضمن  محتويات أو شروط  هذا  اللقاء، فهما  خارج الصفقة، هذا ما أخبرنى به صديق له فى هذه الأمور عن بعض خبرته فى الخارج،  حين رفضت المرأة الفاضلة  أن يقبل صديقى شفتيها، مشيرة إلى أن عليه أن  يلتزم بمنطقة السماح: نصفها الأسفل وما يعلوه حتى الرقبة !!!).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *