الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (59) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (59) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

2-2-2012

السنة الخامسة

العدد: 1616

 M_AFOUZ

 مقدمة:

لا أستطيع أن أدعى أننى ضجرت أو سئمت أو أنهكت من مواصلة قراءة هذه التدريبات هكذا، لكننى أكاد أجزم أن احدا لن يقرأ ما أكتب كما أريد، وخصوصا إذا كتب له أن يصدر فى كتاب، هل يا ترى لأنه كثير كثير (قلت إنه حوالى الألف صفحة، ونحن لم نصل بعد نشرة اليوم إلا إلى صفحة 59)؟ أو لأن كثيرا من التداعيات ليست لها علاقة بمحفوظ مباشرة بقدر ما لها علاقة بمن يقرأه (أنا)؟، أم لأن المفروض أنه آن الأوان للانتقاء أو للتوقف؟ سبق أن طرحت  مثل هذه الأسئلة من قبل، وطلبت الاستهداء برأى الأصدقاء المتابعين، ولم يصلنى شىء محدد يهدينى إلى قرار محدد

أشعر أننى مستمر بالقصور الذاتى!!

لا ليس هذا صحيحا، فمن حق محفوظ أن يكرر ما شاء فى تدريباته بلا إضافة جديد، وربما يبدو أن ذلك قد كان أسهل عليه – تدريبيا– وقد اشرنا إلى ذلك فى البداية ونحن نلاحظ كيف بدأ فى الصفحة الثانية فى التدريب، ومازال يبدأ (مثل اليوم) بكتابة اسمه واسم كريمتيه، ثم إن القراءة بما تثيره من تداعيات تحاول أن تتجاوز التكرار بشكل أو بآخر.

لا بد أن أعترف أننى أتعلم مما تثيره فىّ كتاباته  هذه مما لم يكن يخطر على بالى أن أتعلمه يوما، طبعا يتم ذلك بفضل الاستعانة بسيدنا جوجل رضى الله عنه، الذى أقر وأعترف أنه لولا كرمه وجاهزيته ما ظهر هذا العمل بهذه الصورة أبدا(1) كما  أنى أعترف أن ما أتعلمه – فى هذه الخبرة هكذا لا يقتصر على المعارف والمعلومات، بل يمتد إلى الألحان والتاريخ والمناسبات؟

ثم ربما الاهم من كل ذلك أننى أكاد – أو ربما فعلا – أشعر بوجوده شخصيا معى عيانا بيانا كل أربعاء أو ثلاثاء وأنا أعد لنشرته هذه اليوم الخميس ، أليس هذا دافع كاف لأواصل الألف صفحة، ولو صفحة صفحة، ربنا يسهل!!

ما علينا، مرة أخرى لن ألزم نفسى بنظام معين ما دامت المسألة تبينت أن أهم دافع للاستمرار هو حضوره شخصيا الذى يمكن أن يكون جزاء كافيا بغض النظر عن المنهج أو النشر، وبالتالى :

  • قد أعود فأكتفى فجأة بتدريب ورد فى صفحة واحدة، بها أقل “الجديد”
  • وقد أجمع – مثل الأسبوع الماضى – عدة صفحات معا
  • وقد أشير إلى ما سبق نشره بروابط محددة
  • وقد أكتفى بالتعليق الموجز جدا على الجديد، أو ما أعتقد أنه جديد، تاركا الإشارة للعلاقات والتشابكات للدراسة الشاملة التى بدأت أشك أنها ستصدر فى حياتى
  • أو قد يحدث ما لا أعرف مما قد يجدّ من احتمالات

المهم ألا أتوقف؟ أو ماذا ترون؟

ص 59 من الكراسة الأولى

2-2-2012

بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏

أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

من‏ ‏جد‏ ‏وجد

سيادة‏ ‏القانون‏ ‏هي‏ ‏الحضارة

لكل‏ ‏مجتهد‏ ‏نصيب

لا يأس‏ ‏مع‏ ‏الحياة

لا‏ ‏طعم‏ ‏للحياة‏ ‏بلا‏ ‏أمل

نجيب‏ ‏محفوظ

‏ 29/3/199

القراءة

نبدأ من الجديد:

النص من التدريب: “سيادة‏ ‏القانون‏ ‏هى‏ ‏الحضارة

سبق أن كتبت فى بداية البداية تعليقا على نص من التدريب وذلك من صفحة التدريب رقم (5)  نشرة 14-1-2010 العدد: 867 يقول:

يعجبنى الصدق فى القول، والإخلاص فى العمل، وأن تقوم المودة بين الناس، مقام القانون

وقد كتبت آنذاك (لاحظ أن ذلك كان منذ عامين!!) كتبت بعض ما جاءنى مما دار بينى وبينه حول ما يتعلق بما كتب، أشرت إليها فى تلك النشرة أقتطف منها ما يلى: “فأنا أتخذ موقفا ناقدا (رافضا فى كثير من الأحيان) أن تكون الكلمات المكتوبة، والمواثيق المعلنة المدعمة بالقانون هى غاية ما نرجو، أو كل ما يمكن، لتنظيم تواجدنا معا، وكان يكرمنى الأستاذ مبدئيا بقبول تحفظاتى، لكنه يبادر بقرص أذنى حين أعجز عن طرح بديل أفضل، وينبهنى أن “أفضل الأسوأ هو الأفضل”، وأنتبه بعد ذلك أن هذا قد يصح على مستوى تنظيم المجتمع، وتشكيلات السياسة، أما فى المجال الفردى، والشخصى، والحميمى بين الناس، فها هو يأمل “أن تقوم المودة بين الناس مكان القانون”، ياه!! يا شيخى الجليل، لم لم تقل لى ذلك أثناء حدة نقاشنا، كم دافعتُ أنا عن العرف ومجالس التحكيم الأفضل من دور القضاء، وعلاقة الطبيب بمريضه الأقوى من أى تنظيم قانونى أو تأمينى أو حقوق إنسانى، لكن يبدو أن هذا مستوى، وذاك مستوى. البشر لا يكونون بشرا بالاحترام المطلق للقانون على حساب علاقاتهم الأعمق والأرقى، وإنما يكونون كذلك “حين تقوم المودة بين الناس مقام القانون”، لاحظ أنه لم يقل: حين تحل المودة بين الناس محل القانون!!!!!

انتهى المقتطف

هنا فى نشرة اليوم عن صفحة التدريب رقم (59) يأتى فيقول ببساطة ومباشرة:

 “سيادة القانون هى الحضارة”

ذات مرة (أو ربما مرات متلاحقة) رحت (رحنا) نناقش معه الفرق بين المدنية والحضارة أصررت أنا على أن المدنية هى فى الأشياء والعمران والأدوات، أكثر مما هى فى الإنسان، أما الحضارة فهى فى البشر والثقافة والإبداع، واختلفنا، ولم يتحيز الأستاذ لرأى بذاته، وأذكر أننى ذكرت له ما سمعته من استاذى محمود محمود شاكر فى صدر شبابى (18 سنة) من أن الحضارة تنبع من وعى البشر حين تسمح لهم الظروف بخبرة فردية فجماعية تخلق حالة من التقشف النفسى الباحث الكاشف ثم التغيير. ( وإن كان المرحوم الأستاذ شاكر لم يتذكر هذا القول بنصه حين ذكرته به بعد أربعين سنة)، وكان تعليق شيخى محفوظ على اختلافنا حول هذه القضية أنه “لو كان يقرأ لعاد الليلة إلى الموسوعة البريطانية يستفتيها.

جاء ذكر الحضارة هنا بأنها سيادة القانون، هكذا، كأنها تعريف محكم موجز مغلق، أنا آسف فالنص يقول إن “سيادة القانون هى الحضارة” وصلنى الفرق فقط أثناء مراجعة المسودة الآن فاختلط الأمر علىّ أكثر من ذى قبل، إذْ هل ياترى حين يسود القانون وتتحقق الحضارة ويرتقى بها البشر، يمكنهم حينذاك أن يستغنوا عن القانون حين “تقوم المودة بين الناس مكان القانون”؟ كما قال شيخى قبلا؟؟

الحل مرة أخرى هو ضرورة التمييز بين الأمل فى علاقات إنسانية بين البشر أرقى فأرقى، وأنشط فأنشط، وأبدع فأبدع، علاقات تحافظ على الدفع الحضارى باضطراد بأقل حاجة للقانون وبين تنظيم الحقوق والواجبات للجماعة بنصوص قانونية محكمة.

نلاحظ هنا أن الأستاذ كتب “سيادة القانون”، وهى غير تطبيق القانون، القانون الذى يسود داخلنا هو الذى يصنع الحضارة حتى تصبح سيادته فينا فردا فردا هى مرادفة لتحضرنا، وهو القانون الذى يمكّن أن يكون كل منا “على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره”، وهو الأقرب إلى ما وصلنى من استاذى الأول محمود شاكر، وبما عبرت عن ما وصلنى منه بالتقشف النفسى النشط، هذا القانون هو الذى إذا ساد يعطينا فرصة للمراجعة والنقد والتقشف النقى فالإبداع معا فالحضارة.

أذكر أن هذا النقاش قد جعلنى أقبل التحدى وأعد الاستاذ أن أكتب وجهة نظرى (بفضله) فشجعنى وراح يتابعنى ويطالبنى بها بين الحين والحين حتى كتبتها فى سلسلة من خمس مقالات متتالية فى جريدة الوطن السعودية، أبدأ بنشر الأولى منها وقد نشرت بتاريخ 27-11-2000.

المقال:

‏”‏نستعمل‏ ‏هذه‏ ‏الأيام‏ ‏كلمتى ‏الثقافة‏ ‏و‏‏الحضارة‏ ‏بوفرة‏ ‏وافرة‏، ‏وإلى ‏درجة‏ ‏أقل‏ ‏كلمتى:  ‏المدنية‏ ‏والعمران‏، ‏لا‏ ‏نتوقف‏ ‏كثيرا‏ ‏عند‏ ‏المعانى ‏المقصودة‏، ‏ولا‏ ‏نتعمق‏ ‏بدرجة‏ ‏كافية‏ ‏فى ‏التفرقة‏ ‏الواجبة‏. ‏

‏ ‏يرجح‏ ‏أغلب‏ ‏المؤرخين‏ ‏والمفكرين‏ ‏أن‏ ‏المدينة‏، ‏وماتمتعت‏ ‏به‏ ‏واكتسبته‏ ‏من‏ ‏أدوات‏ ‏هى ‏المسئولة‏ ‏عن‏ ‏تكوين‏ ‏المدنية‏ ‏التى ‏هى ‏مرادفة‏ – ‏فى ‏أغلب‏ ‏الأقوال‏ ‏والمراجع‏ ‏أيضا‏- ‏لما‏ ‏هو‏ ‏حضارة‏، ‏أى ‏أن‏ ‏العمران‏، ‏بمايقدم‏ ‏من‏ ‏فرص‏ ‏وخدمات‏ ‏وتنظيمات‏ ‏تقوم‏ ‏بها‏ ‏مؤسسات‏ ‏هو‏ ‏المسئول‏ ‏عن‏ ‏نشأة‏ ‏واستمرار‏ ‏الحضارات‏، ‏فإذا‏ ‏صح‏ ‏ذلك‏ ‏تاريخيا‏ ‏ولغويا‏، ‏وصحيح‏ ‏بعضه‏، ‏فإننا‏ ‏لا‏ ‏شك‏ ‏نحتاج‏ ‏إلى ‏وقفة‏ ‏مراجعة‏ ‏عصرية‏ ‏دقيقة‏، ‏نقف‏ ‏فيها‏ ‏الآن‏ ‏متسائلين: هل‏ ‏يصدق‏ ‏نفس‏ ‏الأمر‏ ‏فى ‏أيامنا‏ ‏هذه‏ “‏هكذا‏” ‏مباشرة‏‏؟‏ ‏بمعنى: ‏هل‏ ‏مجرد‏ ‏اكتساب‏ ‏أداة‏ ‏العمران‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏كاف‏ ‏لإنشاء‏ ‏حضارة‏، ‏أم‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏أصبح‏ ‏أكثر‏ ‏تعقيدا‏ ‏وأعقد‏ ‏إشكالية‏؟‏ ‏إن‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏أدوات‏ ‏العمران‏ ‏الآن‏:  ‏الحصيلة‏ ‏العلمية‏ ‏المتاحة‏ ‏للشخص‏ ‏العادى، ‏والحصيلة‏ ‏التكنولوجية‏ ‏فائقة‏ ‏المعاصرة‏ ‏الجاهزة‏ ‏لاستخداماته‏. ‏فماذا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نفعل‏ ‏بها‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏نصبح‏ ‏مجرد‏ ‏صدى ‏أو‏ ‏نسخة‏ ‏مكررة‏ ‏ماسخة‏؟

علينا‏ ‏أن‏ ‏نلاحظ‏ ‏ابتداء‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏يجرى ‏عندهم‏ ‏دون‏ ‏تعميم‏: ‏إن‏ ‏توفر‏ ‏الأداة‏ ‏العمرانية‏ ‏فى ‏أكثر‏ ‏مدنهم‏ ‏تمدنا‏ ‏وأوفرها‏ ‏تقنية‏ ‏ومعاصرة‏ (‏نيويورك‏ – ‏لوس‏ ‏انجلوس‏ ‏مثلا‏) ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏كافيا‏ ‏لحسن‏ ‏استعمالها‏ ‏لصالح‏ ‏البشر‏، ‏والخوف‏ ‏المحيط‏ ‏بنا‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نحذو‏ ‏حذوهم‏ ‏جملة‏ ‏وتفصيلا‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏ننتبه‏ ‏بالدرجة‏ ‏الكافية‏ ‏إلى ‏سلبيات‏ ‏تجربتهم‏، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏إلى ‏إيجابيات‏ ‏عطاء‏ ‏أدواتهم‏.‏

نحن‏ ‏نتكلم‏ ‏بطريقة‏ ‏متواترة‏ ‏عن‏ ‏الدول‏ ‏المتقدمة‏ ‏والدول‏ ‏المتخلفة‏، ‏ثم‏ ‏عن‏ ‏الشعوب‏ ‏المتحضرة‏ ‏والشعوب‏ ‏البدائية‏، ‏ثم‏ ‏عن‏ ‏دول‏ ‏وشعوب‏ ‏العالم‏ ‏الثانى ‏والثالث‏ ‏والرابع‏ ‏عشر‏، ‏وقد‏ ‏زاد‏ ‏هذا‏ ‏الحديث‏ ‏بشكل‏ ‏متواتر‏ ‏حين‏ ‏بدأت‏ ‏بدعة‏ ‏النظام‏ ‏العالمى ‏الجديد‏، ‏ومن‏ ‏بعدها‏ ‏بدعة‏ ‏العولمة‏، ‏ثم‏ ‏الشفافية‏ ‏وما‏ ‏إلى ‏ذلك‏. ‏نحن‏ ‏لا‏ ‏نشك‏ ‏فى ‏أن‏ ‏الدول‏ ‏التحضرة‏ ‏هى ‏كذلك‏ (‏متحضرة‏) ‏بالمقاييس‏ ‏السائدة‏، ‏كما‏ ‏أننا‏ ‏لا‏ ‏نحاول‏ ‏أن‏ ‏ندخل‏ ‏فى ‏لعبة‏ ‏الفخر‏ ‏والهجاء‏، ‏خصوصا‏ ‏إذا‏ ‏اقتصر‏ ‏فخرنا‏ ‏على ‏الماضى، ‏ثم‏ ‏توجه‏ ‏هجاؤنا‏ ‏إلى ‏منتصر‏ ‏يتفوق‏ ‏علينا‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏فى ‏كل‏ ‏المجالات‏ ‏المادية‏ ‏والظاهرة‏.‏

الوقفة‏ ‏التى ‏أدعو‏ ‏لها‏ ‏تلزمنا‏ ‏أن‏ ‏نراجع‏ ‏الأمر‏ ‏لنرفض‏ ‏الترادف‏ ‏بين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ “‏مدنية‏” ‏وما‏ ‏هو‏ “‏حضارة‏”، ‏دون‏ ‏أن‏ ‏نفصلهما‏ ‏فصلا‏ ‏تعسفيا‏. ‏

نؤكد‏ ‏مرة‏ ‏أخرى ‏أن‏ ‏العمران‏ ‏بما‏ ‏يقدم‏ ‏من‏ ‏أدوات‏ ‏ومؤسسات‏ ‏هو‏ ‏المسئول‏ ‏عن‏ ‏نشأة‏ ‏واستمرار‏ ‏الحضارات‏. ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فالمسألة‏ ‏ليست‏ ‏بهذه‏ ‏المباشرة‏ ‏ولا‏ ‏بهذه‏ ‏البساطة‏. ‏لا‏ ‏شك‏ ‏أن‏ ‏الحضارة‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏استعمال‏ ‏كل‏ ‏منجزات‏ ‏الإنسان‏ ‏فى ‏لحظة‏ ‏بذاتها‏ ‏فى ‏بقعة‏ ‏بذاتها‏، ‏لكن‏ ‏مجرد‏ ‏وجود‏ ‏هذه‏ ‏المنجزات‏ ‏ليس‏ ‏كافيا‏، ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏الضمان‏ ‏الأكيد‏ ‏لإفراز‏ ‏حضارة‏ ‏لها‏ ‏ما‏ ‏يميزها‏ ‏ويحافظ‏ ‏عليها‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏بعض‏ ‏الحسابات‏ ‏والمتابعات‏ ‏الواعية‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏وجود‏ ‏هذه‏ ‏الوسائل‏ ‏قد‏ ‏تنقلب‏ ‏على ‏صاحبها‏ ‏إذا‏ ‏هو‏ ‏لم‏ ‏يحسن‏ ‏استعمالها‏، ‏ولم‏ ‏يتهيأ‏ ‏لها‏ ‏بالقدر‏ ‏الكافى‏. ‏أو‏ ‏إذا‏ ‏استمرأ‏ ‏التباهى ‏بها‏ ‏فى ‏ذاتها‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يحرص‏ ‏على ‏توجيه‏ ‏عائدها‏ ‏واختباره‏ ‏أولا‏ ‏بأول‏.  ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الخطأ‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏أدى ‏إلى ‏سقوط‏ ‏الامبراطورية‏ ‏الرومانية‏، ‏وهو‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يهدد‏ ‏الحضارة‏ ‏الغربية‏ ‏حاليا‏.  ‏لهذا‏ ‏وجب‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نذكر‏ ‏أنفسنا‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏بالمحكات‏ ‏التى ‏تجعل‏ ‏الوسائل‏ (‏أدوات‏ ‏التمدن‏ ‏ورموزه‏) ‏أكثر‏ ‏قدرة‏ ‏على ‏إفراز‏ ‏إيجابيات‏ ‏الحضارة‏. ‏وفى ‏هذا‏ ‏نقول‏: ‏

إن‏ ‏أدوات‏ ‏التمدن‏ ‏تصبح‏ ‏وسائل‏ ‏الحضارة‏ ‏حين‏ ‏تتوفر‏ ‏فيها‏ ‏الشروط‏ ‏التالية‏:‏

‏(1) ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏من‏ ‏نتاج‏ ‏صاحبها‏ ‏الذى ‏يستعملها‏، ‏وهذا‏ ‏لا‏ ‏يستبعد‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏من‏ ‏حق‏ ‏أى ‏إنسان‏ ‏أن‏ ‏يستعمل‏ ‏وسائل‏ ‏ابتدعها‏ ‏غيره‏، ‏لكن‏ ‏الفرصة‏ ‏تزداد‏ ‏حين‏ ‏ينتمى ‏الإنسان‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏صنعت‏ ‏يداه‏، ‏فيشعر‏ ‏أنه‏ ‏أحق‏ ‏بأدائها‏، ‏وأحرص‏ ‏على ‏إيجابيات‏ ‏عطائها‏.‏

‏(2) ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏الأدوات‏ ‏متاحة‏ ‏لتكون‏ ‏فى ‏أيدى ‏الكافة‏. ‏أى ‏أنها‏ ‏لا‏ ‏تكون‏ ‏مجرد‏ ‏رمز‏ ‏طبقى ‏قاصر‏ ‏على ‏صفوة‏ ‏بذاتها‏. ‏

‏(3) ‏إذا‏ ‏عاد‏ ‏عائد‏ ‏استعمال‏ ‏هذه‏ ‏الأدوات‏ ‏على ‏دائرة‏ ‏أوسع‏ ‏فأوسع‏ ‏من‏ ‏ناس‏ ‏صاحبها‏، ‏ثم‏ ‏راح‏ ‏يمتد‏ ‏إلى ‏الأبعد‏ ‏فالأبعد‏ ‏حتى ‏يشمل‏ ‏الناس‏ ‏جميعا‏.‏

‏(4) ‏إذا‏ ‏طوع‏ ‏مستعمل‏ ‏الأداة‏ ‏أداته‏ ‏لخدمة‏ ‏غايته‏ ‏الإنسانية‏ ‏التى ‏أفرزها‏ ‏وعيه‏ ‏المتقشف‏، ‏ويقظته‏ ‏النبيلة‏.‏

‏ ‏قل‏ ‏هذا‏ ‏على ‏الكهرباء‏ ‏والنفط‏ ‏والذرة‏ ‏والكتابة‏ ‏والحاسوب‏ ‏والإنترنت‏ ‏والفضائيات‏. ‏وما‏ ‏شئت‏ ‏من‏ ‏أدوات‏ ‏هانت‏ ‏أم‏ ‏عظمت‏. ‏

أما‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏الوسيلة‏ ‏مستوردة‏، ‏أو‏ ‏مقلدة‏، ‏ولم‏ ‏يستطع‏ ‏مقتنيها‏ ‏أن‏ ‏ينتمى ‏إليها‏ ‏فتنتمى ‏إليه‏، ‏وإذا‏ ‏اقتصرت‏ ‏الوسيلة‏ ‏على ‏فئة‏ ‏ظنت‏ ‏أنها‏ ‏مزية‏ ‏لها‏ ‏دون‏ ‏سائرالبشر‏، ‏وإذا‏ ‏كان‏ ‏عائدها‏ ‏لا‏ ‏يصب‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏مزيد‏ ‏من‏ ‏تميز‏ ‏صاحبها‏ ‏دون‏ ‏العالمين‏، ‏وإذا‏ ‏انفصلت‏ ‏عن‏ ‏صاحبها‏ ‏فقادته‏ ‏إلى ‏حيث‏ ‏لا‏ ‏يدرى ‏دون‏ ‏اختيار‏ ‏واع‏، ‏إذا‏ ‏حدث‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏أو‏ ‏أغلبه‏، ‏ومهما‏ ‏بلغت‏ ‏مهارة‏ ‏الأداة‏ ‏أو‏ ‏تطاول‏ ‏البنيان‏، ‏فحدث‏ ‏عن‏ ‏سلبيات‏ ‏التبعية‏ ‏لا‏ ‏عن‏ ‏فرص‏ ‏الحضارة‏. ‏بل‏ ‏حدث‏ ‏أيضا‏ ‏عن‏ ‏احتمال‏ ‏الضرر‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏لبس‏ ‏ثوب‏ ‏المدنية‏ ‏مع‏ ‏الإبقاء‏ ‏على ‏معالم‏ ‏التخلف‏.‏

خلاصة‏ ‏القول‏: ‏إن‏ ‏الحضارة‏ ‏أساسا‏ ‏هى ‏حضور‏ ‏وعى ‏بشرى ‏مسئول‏، ‏يصنع‏ ‏العمران‏ ‏ليعمر‏ ‏به‏ ‏الأرض‏ ‏لا‏ ‏ليتطاول‏ ‏فى ‏البنيان‏، ‏إن‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الوعى ‏النبيل‏ ‏المتقشف‏ ‏إنما‏ ‏يتجلى ‏فى ‏فعل‏ ‏ظاهر‏ ‏فى ‏ذاته‏ ‏ممتد‏ ‏فيمن‏ ‏حوله‏، ‏يعلن‏ ‏تفوق‏ ‏الإنسان‏ ‏على ‏تاريخه‏ ‏الحيوى ‏والبشرى ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏. ‏

إن‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏النقدى ‏اليقظ‏ ‏يلزمنا‏ ‏أن‏ ‏نربط‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏مدنية‏ ‏لكى ‏تكون‏ ‏حضارة‏ ‏بشروط‏ ‏التأكد‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏وعى ‏الإنسان‏ ‏الذى ‏أتيحت‏ ‏له‏ ‏فرص‏ ‏امتلاك‏ ‏أدوات‏ ‏العمران‏ ‏هو‏ ‏قادر‏ ‏على ‏حمل‏ ‏مسئولية‏ ‏استعمال‏ ‏هذه‏ ‏الأدوات‏ ‏لدرجة‏ ‏تسمح‏ ‏بممارستها‏ ‏فى ‏تعمير‏ ‏الأرض‏ – ‏لا‏ ‏خرابها ‏- ‏وتطور‏ ‏البشر‏- ‏لا‏ ‏تشويههم‏ ‏أو‏ ‏تناثرهم‏ ‏وتمزقهم‏، ‏إن‏ ‏تطور‏ ‏البشر‏ ‏لا‏ ‏يقاس‏ ‏فقط‏ ‏بإنجازات‏ ‏الصفوة‏ ‏فى ‏مراكز‏ ‏البحث‏ ‏وعروض‏ ‏المتاحف‏ ‏وبراءات‏ ‏النشر‏، ‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يدخل‏ ‏فى ‏التقييم‏ ‏والقياس‏ ‏نوعية‏ ‏تعامل‏ ‏الناس‏ ‏مع‏ ‏بعضهم‏ ‏البعض‏، ‏وعمق‏ ‏مشاعر‏ ‏الأخوة‏ ‏الإنسانية‏ ‏التى ‏ترسى ‏قواعد‏ ‏العقد‏ ‏الاجتماعى ‏السليم‏، ‏وكذلك‏ ‏نوعية‏ ‏ممارسة‏ ‏القوانين‏ ‏العرفية‏ ‏التى ‏تحكم‏ ‏الفعل‏ ‏اليومى‏. ‏بل‏ ‏إن‏ ‏هذاالوعى (‏الحضارى) ‏قد‏ ‏يتم‏ ‏ويتنامى ‏مهما‏ ‏تواضعت‏ ‏أدوات‏ ‏المدنية‏ ‏المتاحة‏.‏

إن‏ ‏نظرة‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏هو‏ ‏نحن‏، ‏وإلى ‏ما‏ ‏حولنا‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏تؤكد‏ ‏فائدة‏ ‏هذا‏ ‏التمييز‏، ‏بحيث‏ ‏يمكن‏ ‏بقليل‏ ‏من‏ ‏التباديل‏ ‏والتوافيق‏ ‏إعادة‏ ‏تقسيم‏ ‏عالمنا‏ ‏المعاصرحسب‏ ‏علاقة‏ ‏المدنية‏ ‏بالحضارة‏ ‏بطريقة‏ ‏أخرى ‏نورد‏ ‏أمثلة‏ ‏لها‏ ‏فيما‏ ‏يلى:‏

1- ‏مدنية‏ ‏فائقة‏ ‏وحضارة‏ ‏مبعثرة‏ ‏أو‏ ‏مترهلة‏ ‏أو‏ ‏متراجعة: ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏نجده‏ ‏فى ‏دول‏ ‏فائقة‏ ‏التقدم‏ ‏واضحة‏ ‏القوانين‏ ‏صلبة‏ ‏المؤسسات‏، ‏تفيض‏ ‏بالجديد‏ ‏المحكم‏ ‏المنمط‏ ‏بشكل‏ ‏عام‏، ‏يتبدى ‏ذلك‏ ‏فى ‏دور‏ ‏العلم‏، ‏ومعطيات‏ ‏الصناعات‏، ‏ومعارض‏ ‏الفنون‏، ‏ومراكز‏ ‏الأبحاث‏، ‏ولكن‏ ‏ما‏ ‏أن‏ ‏ننتقل‏ ‏إلى ‏الشارع‏ ‏بعد‏ ‏السابعة‏ ‏أو‏ ‏الثامنة‏ ‏مساء‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏مدنها‏ ‏حتى ‏نجد‏ ‏الأمر‏ ‏مختلفا‏، ‏فالناس‏ ‏تتلفت‏، ‏وتخاف‏ ‏أن‏ ‏تحيى ‏بعضها‏ ‏بعضا‏، ‏وتغتصب‏ ‏وتـنتهك‏، ‏وثمة‏ ‏قوانين‏ ‏تحتية‏ ‏تتحكم‏ ‏فى ‏المشاعر‏ ‏والعلاقات‏ ‏والحياة‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تشمل‏: (‏مثلا‏) ‏قانون‏ “الرعب‏ ‏والقنص‏”، ‏و‏ “قانون‏ ‏الكر‏ ‏والفر‏” ‏و‏ “‏قانون‏ ‏البقاء‏ ‏للأسرع‏” ‏إلخ‏.‏

2- ‏مدنية‏ ‏وافرة‏ ‏حديثة‏ ‏مستوردة‏، ‏و‏ ‏حضارة‏ ‏زائفة‏ ‏ومقلدة:‏ ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏نجده‏ ‏فى ‏دول‏ ‏حديثة‏ ‏التمدن‏ ‏و‏ ‏الثراء‏ ‏حصلت‏ ‏على ‏كل‏ ‏وسائل‏ ‏الدول‏ ‏المتقدمة‏ ‏السالفة‏ ‏الذكر‏، ‏وأكثر‏، ‏فرصفت‏ ‏الشوارع‏، ‏وأرست‏ ‏وسائل‏ ‏التوصيل‏ ‏والمواصلات‏، ‏وخططت‏ ‏المدن‏ ‏ووفرت‏ ‏كل‏ ‏وسائل‏ ‏الحياة‏ ‏الأحدث‏ ‏لأغلب‏ ‏أفراد‏ ‏شعوبها‏، ‏لكنها‏ ‏لا‏ ‏تضيف‏، ‏ولا‏ ‏تبدع‏، ‏ولا‏ ‏تطور‏، ‏ثم‏ ‏أصبحت‏ ‏هذه‏ ‏الأدوات‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏هدفا‏ ‏فى ‏ذاتها‏ ‏لذاتها‏ ‏وليست‏ ‏وسيلة‏ ‏لإطلاق‏ ‏القدرات‏ ‏واختصار‏ ‏أوقات‏ ‏المعاناة‏ ‏لملئها‏ ‏بالإبداع‏ ‏والموضوعية‏.  ‏أى ‏أنها‏ ‏تمتلك‏ ‏وسائل‏ ‏التقدم‏ ‏والمدنية‏، ‏لكنها‏ ‏توظفها‏ ‏فى ‏بؤر‏ ‏متناثرة‏، ‏تستعمل‏ ‏من‏ ‏الظاهر‏ ‏فيما‏ ‏يشبه‏ ‏البحث‏ ‏العلمى ‏ومزيد‏ ‏من‏ ‏التمدن‏ ‏المتمثل‏ ‏فى ‏التراكم‏ ‏الكمى ‏لمزيد‏ ‏من‏ ‏أدوات‏ ‏البناء‏ ‏وليس‏ ‏العمران‏.‏

3- ‏حضارة‏ ‏واعدة‏ ‏متوثبة‏، ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أدوات‏ ‏المدنية‏ ‏المتواضعة: ‏هذا‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نتصور‏ ‏توفره‏ ‏فى ‏مجتمعاتنا‏ ‏إذا‏ ‏حرصنا‏ ‏على ‏الحفاظ‏ ‏على ‏التقاليد‏ ‏الإيجابية‏ ‏والأخلاق‏ ‏الغيرية‏، ‏عرفا‏ ‏و‏ ‏تدينا‏ ‏وإيمانا‏، ‏بهذا‏ ‏تصبح‏ ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏العريقة‏ ‏والمتواضعة‏ ‏قادرة‏ ‏على ‏أن‏ ‏تطرح‏ ‏بدائل‏ ‏حضارية‏ ‏حقيقية‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏تمتلك‏ ‏ما‏ ‏يكفى ‏من‏ ‏أدوات‏. ‏بل‏ ‏إنها‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تخلق‏ ‏أو‏ ‏تطور‏ ‏ما‏ ‏يصلها‏ ‏من‏ ‏أدوات‏ ‏لخدمة‏ ‏موقفها‏ ‏المتميز‏، ‏لا‏ ‏المقلد‏. ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏قد‏ ‏توصف‏ ‏بالبدائية‏ ‏والقبلية‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏ينتبه‏ ‏الناظر‏ ‏أو‏ ‏ينتبه‏ ‏أهلها‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏يعنيه‏ ‏الجانب‏ ‏الإيجابى ‏من‏ ‏هذه‏ ‏القبلية‏، ‏وخاصة‏ ‏متانة‏ ‏العقد‏ ‏الاجتماعى، ‏وإيجابيات‏ ‏العرف‏ ‏النافع‏ ‏والخلق‏ ‏السليم‏.‏

‏ ‏فإذا‏ ‏ما‏ ‏هيئ‏ ‏لبعض‏ ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏أن‏ ‏تمتلك‏ ‏مزيدا‏ ‏من‏ ‏أدوات‏ ‏التمدن‏ ‏والعمران‏، ‏فإنه‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تسرع‏ ‏خطاها‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏ما‏ ‏حافظت‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏إيجابيات‏ ‏موقعها‏ ‏المتميز‏ ‏والملتزم‏ ‏بالتغيير‏ ‏الكيفى ‏وليس‏ ‏لمجرد‏ ‏الفرحة‏ ‏بالتراكم‏ ‏الكمي‏. ‏إن‏ ‏المقياس‏ ‏الآمن‏ ‏لو‏ ‏صح‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏التوجه‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نختبر‏ ‏عائد‏ ‏ما‏ ‏نمتلكه‏ ‏من‏ ‏أدوات‏ ‏معاصرة‏، ‏لا‏ ‏بالاستزادة‏ ‏منه‏ ‏فحسب‏، ‏بل‏ ‏بقياس‏ ‏آثاره‏ ‏وتطويره‏ ‏على ‏هذا‏ ‏الأساس‏ ‏أولا‏ ‏بأول‏. ‏

إن‏ ‏تأسيس‏ ‏حضارة‏ ‏بديلة‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏وارد‏، ‏شريطة‏ ‏أن‏ ‏نخلق‏ ‏نحن‏ ‏معالمها‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ممارسة‏ ‏أخرى، ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏بنفس‏ ‏الأدوات‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏لنا‏ ‏أن‏ ‏نستعيد‏ ‏دورنا‏ ‏فى ‏ريادة‏ ‏المسار‏ ‏الحضارى، ‏فإنه‏ ‏لا‏ ‏يكفى ‏ترديد‏ ‏استعادة‏ ‏أمجاد‏ ‏أجدادنا‏، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ننجز‏ ‏شيئا‏ ‏حققيا‏ ‏دون‏ ‏امتلاك‏ ‏أحدث‏ ‏أدوات‏ ‏العمران‏ ‏وأكثرها‏ ‏فاعلية‏. ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏علينا‏ ‏كلما‏ ‏امتلكنا‏ ‏وسيلة‏ ‏جديدة‏ (‏سواء‏ ‏كان‏ ‏قمرا‏ ‏صناعيا‏ ‏أم‏ ‏محطة‏ ‏فضائية‏ ‏أم‏ ‏موقعا‏ ‏على ‏الإنترنت‏) ‏أن‏ ‏نحسن‏ ‏ملأها‏ ‏بما‏ ‏يميزنا‏، ‏ثم‏ ‏نعدل‏ ‏خطانا‏ ‏فى ‏كل‏ ‏مجال‏ ‏من‏ ‏أول‏ ‏التنمية‏ ‏الكمية‏ ‏حتى ‏تنوع‏ ‏الإبداع‏. ‏

إن‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏يتطلب‏ ‏منا‏ ‏أن‏ ‏نحدد‏ ‏معالم‏ ‏السلوك‏ ‏الحضارى ‏كما‏ ‏نتصورها‏، ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏تحديد‏ ‏الخطوط‏ ‏العريضة‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يتطلب‏ ‏الاحتكام‏ ‏إلى ‏محكات‏ ‏عملية‏ ‏كما‏ ‏تتجلى ‏فى ‏الفعل‏ ‏اليومى”.‏

وبعد:

شكرا يا شيخنا الغالى فهذا كله من وحيك، وبفضل تشجيعك

أما ما جاء من جديد آخر فى هذه الصفحة مثل: “من جد وجد”، “ولكل مجتهد نصيب” ثم “لا يأس مع الحياة”، “ولا طعم للحياة مع الأمل”، فأذكر أننى ناقشته حين ورد بألفاظ أخرى فى قراءة الصفحات الأولى وأنا أعجب فأفرح بخروج شيخنا من هذه المحنة القاصمة، بكل هذا التحدى الآمل دون يأس، نعم دون يأس، وكيف أنه ظل محتفظا بالقدرة على تفجير ينبوع الأمل للحفاظ على زخم الحياة الذى غمرنا كل أيامه وحتى الآن.

 

[1] – برجاء مراجعة هذا الاعتراف ومقارنة سهولة واعتمادية ما اقوم به بموسوعية المرحوم  “حسسن الكرمى”  صاحب برنامج “قول على قول” فى إذاعة لندن نشرة رقم 4  تدريبات بتاريخ الخميس 7-1-2010   العدد:  860 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *