الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ ص 54 من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ ص 54 من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

19-1-2012

السنة الخامسة

العدد:  1602

M_AFOUZ

ص 54 من الكراسة الأولى

19-1-2012

بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

نجيب‏ ‏محفوظ

الرحمن‏ ‏علم‏ ‏القرآن‏  ‏خلق‏ ‏الانسان

علمه‏ ‏البيان

‏الشمس‏ ‏والقمر‏ ‏بحسبان

لست ‏عليهم‏ ‏بمسيطر

يا أيها‏ ‏الكافرون‏ ‏لا‏ ‏أعبد‏ ‏ما‏ ‏تعبدون

نجيب‏ ‏محفوظ‏

 24/3/1995

القراءة:

 “الرحمن علم القرآن“…..،  ورد هذا النص فى نشرة  8-2-2010، صفحة التدريب رقم 15، ونشرة 1-12-2011، صفحة التدريب رقم 47، وقد جاءت قراءتى لصفحة 47 متضمنة إشارة لسابقتها هكذا:

الآية الكريمة هى بداية سورة الرحمن، وقد أثبتَ منها فى التدريب أولها: الرحمن، علم القرآن، “ثم الآية المتكررة بشكل هندسى سيمفونى رائع طوال السورة “فبأى آلاء ربكما تكذبان”.

لم أناقشه فى هذه الآية الكريمة بوجه خاص، وإن كنت أذكر أن جاء ذكر سورة الرحمن كلها فى مقام آخر. أذكر أننا اتفقنا على إيحاءات جمالها، دون الغوص فى دلالة ألفاظها، لكننى أذكر أنه شاركنى الرأى فيما توحيه سورة “إقرأ” أول نزول القرآن الكريم، وما صاحبها من اعتذار أو إعلان عن عدم القدرة “ما أنا بقارىء”، وقد أبلغته كيف أن هذا أوصل لى أن الأمر بالقراءة هنا ليس له أية علاقة بأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمى لا يعرف القراءة والكتابة (وإن اختلف معنى “أمى” عند الباحثين والمفسرين) كما أنه لا علاقة له أيضا بالقراءة التى نعرفها أصلا، وإنما وصلنى أنها إذن بالكشف للداخل والخارج على حد سواء بالطول والعرض امتدادا بلا حدود مما لا مجال لتفصيله الآن هنا.

ما لم أنتبه إليه لا فى قراءتى الأولى لصفحة 15 ولا لصفحة 47 هو هذا الترتيب الذى بدأت به السورة الكريمة: “الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ”، الله سبحانه علّم القرآن ثم خلق الإنسان، ولن أستدرج من جديد، مثلما رفضت أن أستدرج من قبل إلى قضية خلْق القرآن، فهو أمر من اختصاص غيرى وليس فى بؤرة اهتمامى حاليا ، الذى لفت انتباهى جديدا دون جزم، هو احتمال أن يكون لهذا الترتيب دلالة خاصة، فنحن فى منطقنا العادى نتصور أن التعلم يأتى فى مرحلة لاحقة بعد الخلق، الطفل يولد أولا، ثم يتعلم، فلماذا يا ترى لم نجد هذا الترتيب هنا كما يقول المنطق، بل تقدم التعليم على الخلق؟

لاح لى أن ذلك قد يدعم الفرض الذى أشرت إليه سالفا من احتمال التعامل مع القرآن الكريم باعتباره “وعيا خالصا”، يخاطب الوعى البشرى مباشرة ، دون حاجة إلى المرور بوصاية العقل المفاهيمى المنطقى، وقد ذكرت بعض ذلك من قبل:العدد: 1427 صفحة التدريب “30” من الكراسة الأولى، وأنا أشعر حاليا أننى أحتاج أن أكرر هذا الفرض حتى لا يختزل أو يُساء فهمه:

يصلنى القرآن الكريم باعتباره “وعيا خالصا”، إذْ هو يمثل لدىّ لحن الإيقاع الحيوى الذى يقوم بالوصل بين الوعى البشرى بالوعى الكونى، ربما لذلك هو يصل للطفل والشيخ والأمى والعربى والأعجمى معا بلا حاجة لفحص المعانى المعجمية لألفاظه، والذى يقرأ كثيرا من أعمال محفوظ لابد ان يصله بعض صدى هذا الإيقاع، وقد تجلى هذا الإيقاع لى أكثر ما تجلى فى “ملحمة الحرافيش” حتى أسميت نقدى لها “دورات الحياة…” شارحا كيف استوعب هذا النص الملحمى ما هو إيقاع حيوى كأروع ما يمكن أن يوصف به،………،  حضور القرآن الكريم كوعى خالص هو الذى يسمح  “بالاستلهام” “والرؤية” (المعرفة) “الموازية”، دون ترجمة أية منظومة معرفيه إلى غيرها، (مع استمرار التأكيد على رفضى لما يسمى التفسير العلمى للقرأن)

موضوع ماهية الوعى – علميا على كل المستويات- لم يحسم حتى الآن، وهو يمثل قضية متحدية فى كل من الفلسفة، وعلم النفس، بل والعلوم العصبية ، وخاصة العلم المعرفى العصبى(1)، وقد هدانى التعامل مع القرآن الكريم باعتباره وعيا خالصا أن أعرف كيف يساعد بعض مرضاى دون ضرورة فهم ما يقرأون، وبالذات دون لجوء إلى أى تفسير وصىّ، فوصلنى أن الوعى يستطيع أن يخاطب الوعى مباشرة دون وسيط.  حين نبهنى اليوم شيخى فى تدريباته إلى ورود آية “علّم القرآن”، قبل “خلق الإنسان”، فرحت، ولم تستدرجنى فرحتى إلى أكثر من ذلك: الرحمن – سبحانه – يعلم القرآن، ثم يخلق الإنسان، ثم يعلمه البيان؟

مع أن هذا الترتيب بهذه الصورة لهذه الآيات قد يرجح كفة الرأى الذى يرجح أسبقية القرآن على خلق الإنسان دون جزم، ثم يأتى تعلم البيان لاحقا لكليهما فلابد من مراعاة أن مجرد ترتيب الآيات هكذا ليس ملزما لتحديد الأوليات، ثم إنه لو صح فرض أن القرآن الكريم وعى خالص أساسا، ثم أنه يحتوى المعانى بعد ذلك، ليهدى للتى هى أقوم، إذن لأمكن إضافة فرض يقول إن الآية الكريمة “علّم القرآن” تشير إلى تنظيم الوعى السبقى، الذى أتيح للإنسان دون سائر ما نعرف من أحياء أن يتواصل معه بشكل أكثر تحديدا لمّا تعلم البيان، وتصدى لحمل الأمانة.

ثم ها هو شيخى هنا يأتى بالآية صحيحة “الشمس والقمر بحسبان” ، فنتذكر أنه أوردها دون تحديد أنها نص قرآنى فى صفحة 47 “والشمس والقر يسجدان”، مما أتاح لنا فرصة ربط حركية وعى القرآن الكريم بالإيقاع الحيوى بشكل أو بآخر فى القراءة السابقة.

………….

………….

ثم ننتقل بعد ذلك إلى الآية التالية “لست عليهم بمسيطر“، تجرنى هذه الآية إلى الآية “ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” وأيضا “… فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ..” كل هذه الآيات هى دستور كامل لحرية حركية الإيمان وجدلية الكدح إلى الحقيقة، ولا أعرف كيف يغيب عن ناس هذه الأيام ما أثبته هذا الرجل – شيخى-  بهذه التلقائية، وأنا اعتبره خير من يمثل هذا الموقف الإيمانى المتكامل، ثم أتعجب أكثر أن يكون هذا المؤمن المبدع الكادح إليه هو الذى لقى ما لقى ممن لا يعرفونه، ولا يعرفون أنفسهم، وربما لا يعرفون ربهم الرحمن الرحيم ربهم!!

………….

………….

 أذكر أيضا أننى قد لمت شيخى فى بعض الأحيان بشكل مباشر وغير مباشر على أنه بالنسبة لبعض أعزائه لم يفرض رأيه بحسمٍ كاف، وكان يفهم موقفى واختلافى معه، لكنه فى النهاية يظل ممثلا لهذه الآية الكريمة خير تمثيل فعلا “لست عليهم بمسيطر”

………….

………….

الآية التى جاءت بعد ذلك تكاد تكون فى نفس السياق ولو بطريق غير مباشر، وبغض النظر عن ظروف تنزيلها، فقد وصلنى منها نفس السماح، لدرجة الاعتراف للكافرين بأن لهم “دين خاص” بهم برغم تسميتهم بالكافرين، وقد جاءنى التكرار هنا بليغا وجميلا، ولا أعرف لماذا راح المفسرون يبررونه بالاستشهاد بأبيات شعر أقدم ورد فيها تكرار مقبول، بالله عليكم هل هذا يصح؟ لقد وصلنى التكرار كنوع من التنبيه والتأكيد ألا أستبعد أن يكون للكافرين دين، وفرق بين الكفر والإلحاد.

هذا الرجل!!!

ياه!! يا شيخنا

هذا الرجل!!!!!!

تمنيت فى ظروفنا الحالية بالذات أن يعيد الشباب الذى عموا وصموا فهم دينهم من خلال مثل مواقف شيخى هذه التى تظهر بتلقائية لم يقصدها وإنما حضرت بكل هذا التدفق السلس وهو يدرب يده المصابة على العودة للكتابة، ولم يضع فى حسابه أبدا أن أحدا سوف يحتفظ بها، أو يقرأها صح.

[1] -Cognitive Neuroscience

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *