الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد شبكة العلوم النفسية العربية، ومعركة أم درمان

تعتعة الوفد شبكة العلوم النفسية العربية، ومعركة أم درمان

نشرة “الإنسان والتطور”

20-12-2009

السنة الثالثة

العدد: 842

تعتعة الوفد

شبكة العلوم النفسية العربية، ومعركة أم درمان

لن يصحح الوضع العربى (المصرى/الجزائرى، كمثال) الذى كشفت عنه هذه الهيجة الإعلامية، والانتهازية السلطوية، بمناسبة مبارتى كرة قدم، لن يصححه، أو يداوى جروحه، تصالح دبلوماسى، أو وساطة حسنة النية، أو اعتذار رسمى أو شعبى، أو مباراة ودية، أو ترحيل سفير، أو تصريح رئيس.

ثمَّ نور أحمر قد أضىء، وهو إنذار بالغ الدلالة يعلن مدى ما آل إليه حال كذب سلطاتنا واهتزازها حتى لتنتهز أية شرارة فتنفخ فيها حتى تصبح حريقا، وهى تتصور أنها بذلك تلهينا عن ما تفعل فينا، وعن ما نحن فيه، كما أنها أظهرت فى نفس الوقت مدى ما آل إليه حال وعى أغلبنا من تسطيح، وعن مدى استهداف عامة ناسنا لسهولة التهييج، وسذاجة الإلهاء.

لكن، والحق يقال، ما زال بيننا من يحافظ على يقظته، ويتحمل مسئوليته، ناقدا فاعلا، وهو يرفض أن يكون غاية موقفه هو أمل غامض أو حلم مستحيل. المثال الذى يشير إليه العنوان هو ما قام ويقوم به فريق عربى أصيل انطلاقا من عرب المغرب، من تونس الشقيقة، بقيادة إبن وصديق هو د. جمال التركى، الذى أرسى بجهود ذاتية مؤسسة مستقلة الإدارة، تلقائية الإبداع: هى الشبكة العربية للعلوم النفسية، ذلك العربى الذكى الكريم الأمين، حذق الأدوات الجديدة (أدوات ثورة التواصل والمعلوماتية)، وسخرها لما لا يمكن تحقيقة بجمعية، أو جامعة، أو وزارة، أو مؤسسة رسمية، وقد راح يواصل جهوده فردا، ثم مجوعة، ثم جماعة إلى ما يشاء الله، وهو يعلم تمام العلم أية صعوبات تنتظره، وأية مقاومة تترصده، وأية مغامرة تهدده، لكنهم واصلوا بمثابرة وإصرار، مع رفض كل التمويل المشبوه، والوصاية الخارجية، وإذا به يحقق فى الشهر الواحد، من تواصل وتعاون وحوار فيما بيننا نحن النفسيين العرب، ما لا يحققه مائة مؤتمر علمى، تـُشد إليه الرحال، وتنفق عليه الأموال، ثم لا نخرج منه بحوار حقيقى مثمر، أو اختلاف إبداعى مثير، لكن – والشهادة لله – نخرج  منه بقدر وافر من اللقاءات الإنسانية الاجتماعية الطيبة، التى نحتاجها فعلا، بالإضافة إلى زخم من القبلات الحميمة، أغلبها حار وعربى خالص، ثم ننصرف ونحن غير مدركين تماما، والحمد لله والستر منه، حقيقة ما حدث من تحور فى طريقة تفكيرنا لصالح ممولى المؤتمر، ولا ما سوف يدفعه مرضانا مقابل ما انحشر فى أدمغتنا من معلومات (علمية) مشبوهة، مدفوعة الأجر.

نفس هذه الشركات الممولة لهذه المؤتمرات، ومثلها من شركات السلاح والبترول والاتصالات، هى التى تمثل مجموع ما هو “لوبى” يقرر سياسات الدول الكبرى، ويشعل الحروب الاستباقية، ويبرر الإبادة العرقية، ويؤسس للاحتكارات البترولية.

تعرفت على هذا الزميل الصديق صاحب الفضل الدكتور جمال التركى منذ ما يقرب من ثمان سنوات حين دعانى ممثلا لجمعية تونسية فى صفاقص، لأتكلم بالعربية عن فكرى المصرى العربى فى الطب النفسى، ودهشت فأنا لا أعرف كيف وصله أن هناك ما يتميز به هذا الفكر، وأغلبه غير منشور، خصوصا عند مؤسسات النشر إياها، وحين لقيت هناك من يتابع حركتنا أكثر منا، أخبرته والزملاء أننى بصدد أن أصدر بعض هذا الفكر فى كتاب ثنائى اللغة (عربى/إنجليزى) لنقول لهم “إننا هنا”، وإن عندنا ما نضيفه لنا ولهم، وللإنسان، فأبدى استعداده هو والدكتور سليم عنابى وآخرين أن يضيفوا اللغة الفرنسية إلى هذا العمل الذى لم يتم بعد ليصبح ثلاثى اللغة، كان ذلك قبل أن تزدهر الشبكة العربية النفسية التى أسسها، لتقوم بكل ما تقوم به حتى الآن.

أنا لا أقدم هذه الشبكة لأنها نفسية، أو لأنها بدأت فى المغرب العظيم الذى لا نعرف عنه ما يكفى هنا فى المشرق، وإنما أنا أراها نموذجا لما يمكن أن يقوم به الناس متجاوزين السلطات والحكومات ليتكافلوا، ويتعارفوا، ويتعاونوا، ويضيفوا، ليس فقط لأوطانهم، وإنما للبشر كافة ما أمكن ذلك،  النموذج المتمثل فى هذه الشبكة وازدهاره يحتاج لموسوعة لتسجيل تاريخه، مما قد أعود إليه لاحقا، الرد الحقيقى على معركة أم درمان، هو التواصل الحقيقى بيننا وبين بعضنا دون إذن منهم، (نشرت اليوم فى مكان آخر دعوة أن يدعوا أهل بلدى معى لفريق الجزائر بالنصر فى كأس العالم، حتى المربع الذهبى على الأقل، أليس هو الفريق الذى يمثلنى عربيا، أدعو له، حتى لو شمت فىّ لاعبوه، – كمصرى- (الأقدر أجمل، والأنفع أمكث فى الأرض!! ما رأيكم؟).

 إن كنا نريد أن نتعلم مما حدث فى ملعب الكرة فى أم درمان، فعلينا أن نعرف أن الكرة الآن، أكثر من أى وقت مضى، فى ملعب الناس، لا الحكومات، فلننتهز الفرصة مثلما فعل د.جمال التركى وصحبه، ونفعل ما نستطيع – نحن الناس- بأقل انتظار من عون رسمى، أو معونة خارجية، فهذا مشروط وذاك مشبوه، الإفادة الحقيقية مما جرى لا تكون بالعقاب والاستقالة وطلب الاعتذار والمقاطعة، بل تكون بالاقتحام إلى مزيد من تجاوز وصاية من يسخرونا لحسابهم، بممارسة مزيد من اللامركزية، واحترام كل جهد إيجابى فى اتجاه تأكيد هويتنا العربية عمليا، وعلى رأس ذلك هذا الكفاح الجزائرى الرائع لاستعادة لغته بمعونة المشرق الفرح بعودة لسان أخيه إليه، ومن ثم وعينا جميعا إلى بعضنا البعض، ننطلق من لغتنا نجددها لا نجمدها خوفا عليها، ليتشكل بها وعينا متميزا لخير سائر الناس.

وأخيرا أود أن أنبه أنه لا أحد غير العرب يهتم بتقدم العرب، بل لعل العكس هو الصحيح، وهو أن هناك الكثيرين جدا من غير العرب، يهتمون جدا بتخلف العرب، ليس لأنهم يكرهوننا فليس عندهم وقت لمثل هذه الانفعالات البدائية، ولكن لأن كثيرا منهم يتعاملون معنا باعتبار أننا  

(أ) مصدر طاقة (البترول)

(ب) سوق رائجة (الاستهلاك)

(ج) ممول أبله (إيداع واستثمار أموالنا عندهم)،

وبالتالى فهم أحرص ما يكون أن نظل متخلفين، متنازعين، متعاركين، همجيين، بلهاء. الأرجح – والفضل لتفكيرى التآمرى – أنهم زرعوا إسرائيل فى بؤرة جغرافيتنا ليحققوا ذلك، ثم هاهم ينتقلون إلى زرع ما تمثله إسرائيل (الوجود الاستهلاكى، الرفاهياتى، المغترب) فى بؤرة وعينا.

وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *