الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تسول الحب، والاعتمادية الرضيعية (1 من 2)

تسول الحب، والاعتمادية الرضيعية (1 من 2)

نشرة “الإنسان والتطور”

9-12-2009

السنة الثالثة

العدد: 831

 

قبل الحالة:

تعودت من القارئ وصديق النشرة وصديقالموقع أن يصبروا علىّ حتى تماديتفى الطمع فى كرمه وسماحه!!

وجدت أننا ابتعدنا عن الكتاب الأصلى ولم نعد نقدم حالات جديدة، فقررت أن أؤجل التعقيبات والاستجابة للألعاب إلى الأسبوع القادم لصالح نشر الحالة التاسعة؟؟ على جزأين اليوم وغدا

أنا أحبكم

وأنتم كذلك

فسامحونى

يحيى

الحالة: (8)

مرة أخرى:

 تسول الحب، والاعتمادية الرضيعية (1 من 2)

(وهامش عن جرعة الرؤية فى العلاج النفسى الجمعى خاصة)

تكاد تكون هذه الحالة تطبيقا مباشرا لما أسميناه “تسول الحب”، يتجلى ذلك هنا فى موقف علاجى محدد، يكاد يعرض مقارنة حادة بين العلاج النفسى الفردى التسكينى بالكلام، وبين العلاج الجمعى المواجهى النمائى، Confrontation Growth-Oriented Group Therapy

هذه الحالة بوجه خاص، كانت لها تاريخ طويل فى العلاج النفسى الفردى، أنجزت من خلاله درجة معقولة من التكيف، والتسكين حتى تخرّج صاحبها من كلية قمة، واختفت الأعراض البادئة. ثم إنه قرر بوضوح أن يواصل العلاج الجمعى، باعتبار أنه مرحلة لاحقة تفيده فى استكمال النمو، حسب ما سمع، خاصة وأنه – بتخرجه – لم يعد فى حاجة إلى جرعة زائدة من آليات الدفاع العامِية، وقد كان صادق النية فى أن يحاول وأن يكمل.

الذى حدث هو العكس تماما، فقد عرّت تجربة العلاج الجمعى المواجِهِى الجرعة المفرطة من الاعتمادية التى ربما اعتادها صاحبنا أثناء العلاج الفردى، وقبله، لكنه اصر على مواصلة المحاولة، وكلما تقدم فيها، أكد موقف “المتفرج” دون مشاركة، ازدادت ميكانزمات العقلنة والاعتمادية، حتى صار واضحا للجميع أنه لا ينوى أن يتقدم إن لم يتراجع.

كان صاحبنا شاطراتماما فى وصف ما به، بل وما بغيره، كما كان حاذقا فى الإعجاب بما يجرى حوله من محاولات وتجارب، ومفاجآت مخاطر، لكنه كان دا ئما يحمى نفسه بمزيد من الطلبات من موقف سلبى متلق، بلا محاولة جادة من جانبه لأى حركة نحو التغير الكيفى الحقيقى.

كان صاحبنا مثابرا منتظما فى حضور اللقاءات كلها تقريبا، دون أى تغيير من جانبه، وحين تكررت المواجهة، وتعرى موقفه أكثر فأكثر، بدأ العدوان الاحتجاجى يحل محل المقاومة الاعتمادية، ليختم تجربته بالاحتجاج على قائد المجموعة، معالجه القديم، وكان احتجاجه موضوعيا منبها، مؤكدا ما ذهبنا إليه فى العلاج النفسى بأنواعه، من ضرورة ضبط جرعة الرؤية الجديدة، لتتناسب مع فرص احتوائها ، وظروف واقعها، على مسار النمو

المتن أيضا تعرض لمقارنة مباشرة – ساخرة – ما بين الاقتصار على العلاج بالتسكين والضبط والربط باستعمال العقاقير أساسا، وبين العلاج التكاملى الذى يستعمل العقاقير دعما لمسيرة النمو بجرعات متغيرة حسب مسيرة الحالة كما ذكرنا دائما.

والآن إلى المتن:

(1)‏

‏ ‏والعيون‏ ‏التـَّانـْيـَه‏ ‏دى ‏بتقول‏ ‏كلامْ‏،‏

زى ‏تخاريف‏ ‏الصيام‏ْْ؛

الصيام‏ ‏عن‏ ‏نبضِة‏ ‏الأَلـَم‏ ‏اللى ‏تِـبْنى، ‏

الصياْم‏ ‏عن‏ ‏أىَّ ‏شئ‏ ‏فيه‏ ‏المُـغـامْـرَه‏ْْ،‏

الصيام‏ ‏عن‏ ‏إن لازم كل ‏ ‏بـنِـى ‏آدم‏ ‏يـِفَتّح‏، ‏

                               مش يتنَّـح

الصيام‏ ‏عن‏ ‏أى ‏حاجة‏ ‏فيها‏ ‏إنى: ‏عايز‏ ‏أكون‏ْْ:

‏ ‏زىّ ‏خلقة‏ْْ ‏ربنا‏”‏

‏مسألة أن أكون “زى خلقة ربنا” تكررت كثيرا فى هذا العمل، وأنا – بصراحة – لا أجد لها بديلا ، حتى كلمة “الفطرة” أجدها بديلا أكثر غموضا فعلا من “زى خلقة ربنا”

يتحفظ العلماء عادة على هذه اللغة، وربما عندهم حق، فما أن تنطق بهذا التعبير “زى خلقة ربنا” أو “كما خلقنا الله” ينبرى أهل السلطة الدينية ليستولوا على كل ما بعد ذلك لصالح تعميق سلطتهم، وليس لصالح إطلاق المسيرة البشرية لتكمل مشوارها “إليه”، وأيضا ينبرى العلماء المحدودون يتهمونك بالقفز وراء الحقائق العلمية المحددة إلى ما يسمونه الميتافيزيقا، الذى أقصده، وغالبا يقصده الناس، بهذا التعبير، هو أن يكون الإنسان إنسانا، كائنا متميزا، يحمل تاريخ تطوره كله، لا يلغى أوله لصالح آخره، ولا يطلق لأوله العنان على حساب مكاسب تطوره، هذا ليس حلا توفيقيا وسطا، لكنه تاريخ الحياة وتاريخ الإنسان، هو الحركة الدائبة، المتناوبة، لتحقق الجدل فى دوراتها المتعاقبة، هذا تحديدا ما أتصور أن الحق تعالى من خلال التطور قد هيأه لهذا الكائن الفائق الرقى، الظالم نفسه برقيه المنقوص.

حين يقول المتن إن صاحبنا قد أغلق وعيه فَصَام عن أى احتمال أن يكون كذلك، فإن المقصود، (وهو الذى حدث فى هذه الخبرة) أنه راح يقاوم كل محاولة تفاعل يمكن أن تهز ما استقر عليه من دفاعات مجمّدة، وبالذات تلك الدفاعات التى قويت أثناء العلاج الفردى، وكذلك حتى انتهت الخبرة (القصيدة) كان يضع اللوم على قائد المجموعة (لمعالج السابق) وهو لا يتحرك من موقعه، خوفا من: “نبضِة‏ ‏الأَلـَم‏ ‏اللى ‏تِـبْنى“، من “‏أىَّ ‏شئ‏ ‏فيه‏ ‏المُـغـامْـرَه‏ْْ”، من الرؤية الجديدة ‏إن لازم كل ‏ ‏بـنِـى ‏آدم‏ ‏يـِفَتّح‏، ‏مش يتنَّـح”

حتى لو كنت قد حددت هذا التعبير من (زى خلقه ربنا) بفكرى التطورى ضمنا فى الحلقتين السابقتين بأن ربنا خلقنا نحب بعضنا البعض، وأن ما يحدث بعد ذلك ليحول دون ذلك، هو بفعل فاعل، حين يرفض هذا الصديق أن يكون “زى خلقة ربنا”، فإن هذا يعنى أنه متمسك بميكانزماته التى اكتسبها لتحميه من التهديد بشطح غير محسوب على مسار النمو، هذا ليس عيبا ولا نقصا فى مرحلة معينة، أم أن يكون هذا هو نهاية المطاف، فهو الامر الذى نتوقف عنده، ونتعلم من مثل هذه الحالة أن المسألة ليست كذلك.

حين أتيقن من مثل هذه الحالات أن موقفها صلب وحاسم، أتراجع عن الحماس للنصح بالعلاج الجمعى خاصة، وأحيانا، ولو أنها نادرة، أنصح مثل هذا الشخص بالتوقف فعلا عن المشاركة فى علاجات تعرضه لما ليس فى حسبانه، نعم، أن يتوقف عن‏ ‏التردد‏ ‏على ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏الجمعى، لكن الذى يحدث عادة هو أن يصر مريضٌُ ماَ على أن يخوض التجربة، وله كل الحق، وفى هذه الحالة أستسلم للانتقاء الطبيعى، فكم من مريض تصورت أنه لن يتحمل أن يكمل معنا المسيرة، وإذا به يفعلها ونصف، وكم من آخر بدا متحمسا جاهزا للتغير، لكن ما إن تبدأ الخبرة حتى يتراجع بسرعة إلى دفاعاته المتينة تماما، حتى ينقطع عن العلاج المهدد بخلخلتها. 

أهم‏ ‏صفة‏ ‏تصف‏ ‏هذه‏ ‏الوقفة‏ ‏هى ‏الاستسهال‏ ‏وتجنب‏ ‏الألم‏ ‏وتصور‏ ‏العلاج‏ ‏تصورا‏ ‏سحريا‏ ‏يحل‏ ‏المشاكل‏ ‏بدون‏ ‏ألم‏ (‏بالبنج‏)،

 ‏ورغم‏ ‏انبهار‏ ‏صاحبنا‏ ‏الكلامى بما يجرى، وإعلانه البدئى أنه يريد أن يكمل المسيرة، إلا أنه، ومن البداية، يحدد طريقه الذى يؤدى به إلى عكس ما يعلن دون أن يدرى. ‏هذه‏ ‏الصورة‏ ‏الاعتمادية‏ المرفوضة من حيث المبدأ لها ‏ماوراءها‏ ‏من‏ ‏مبررات، أهمها، وفى هذه القصيدة بالذات: تجنب الألم مهما ضؤلت درجته، ناقشنا فى الحالة السابقة “ألم البصيرة”، ودافعنا عنه وأوضحناه فى حوار بريد الجمعة بشكل تفصيلى، وإن كان غير كامل، لكن الذى مر بجرعة مفرطة من الألم (يحدث ذلك عادة فى بداية أزمات التطور الحادة أو بداية الخبرة المرضية) ثم لم يجد أحدا بجواره، ولم يجد دفعا بداخله لتحمله أو تجاوزه، ثم لملم نفسه بدفاعات أيا كانت، إن من مر بمثل هذه الخبرة يأبى – عادة – أن يعود إليها تحت أى إغراء، ولو رأى أن هذا هو السبيل الوحيد لاستعادة دفع الخطى على مسار النمو. لكن العجيب فى مثل هذه الأحوال أنه لا يستسلم لدفاعاته – مثل أغلب العاديين – بل يظل يتصور أن فى الإمكان أن يحقق أمنيته النظرية، بجرعات جاهزة من الهدهدة والتفريغ والحمل (أن يحمله آخر) والاعتمادية. ويظل الموقف هكذا طول الوقت، كما تبين القصيدة: لا هو يكف عن إعلان المحاولة دون محاولة، ولا هو يحاول فعلا، ولو بأى درجة كانت، صاحبنا كان يبدو، دون بقية المجموعة، مرتاحا، حالما، مستقرا، لكنه دائم الإعلان عن نيته فى المشاركة، ولكن بشروطه.

‏(2)‏

العيون دى صرّحت إن  صاحبنا

عمره ما حايعلن يسيبنا

بس شرطه يَتّنه نايمْ  ‏فى ‏العسل، عمال ‏بيحلَم‏،‏

بَسْ‏ ‏عامل نفسه بيحاول‏، ‏ويتكلمْ‏، ‏ويحكُـمْ‏،‏

شرطِ‏ ‏إنه‏ ‏لم‏ْ ‏يخطّـى ‏أو‏ ‏يِسلّـمْ

مشْ‏ ‏على ‏بالُه‏ ‏اللى ‏جارِى،‏

‏”‏كل همّه، ‏ ‏يستخبَّى ‏أو‏ ‏يدارى‏”.‏

وان‏ ‏وَصلُّه‏، ‏غَصْب‏ ‏عَنُّهْ

‏ ‏يترمى ‏سْطيحَهْ‏ ‏ويُطْلُبْ‏ ‏حتّه‏ ‏مـِنُّـهْ‏:‏

شرط‏ ‏إنه‏ ‏يجيله‏ ‏فى ‏البزازة‏ ‏دافْيَةْ‏، ‏جَنْب‏ ‏فُمُّهْ‏.‏

أعتقد أن هذا الجزء من المتن، هو المقابل الشعرى المباشر لما سبق شرحه حالا قبل عرض النص، إن الذى كان يميز هذا الموقف بوجه خاص هو إلحاح صاحب هذه العيون لإعلان “نيَّتِه” فى المشاركة، وفى نفس الوقت طلبه المباشر أن يعطيه أحدهم ما يتصور أنه حقه  دون سعى من جانبه إليه (برجاء مراجعة المقطع الذى نشرناه من جلسة العلاج الجمعى: عايزة حُبَ  (نشرة 12-11-2009 “الحق فى الحب بين الأخذ والتسول”) دعما لشرح مثل هذا المتن)

هذه الرؤية المعقلنة هى مكافئة تماما للعمى ‏الكامل، “مش على باله اللى جارى”، لأنها رؤية مع وقف التفيذ إلا بهذه الشروط التى هى ضد كل قواعد ما يسمى “مسيرة النمو”.

 مرة أخرى: إن مما يستدعى العجب هو تساؤل يقول: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يصر صاحب كل هذه الدفاعات القوية، على استمرار المحاولة بهذا الإلحاح والانتظام فى طرق الأبواب؟ ‏بالرغم‏ ‏ما يصله من‏ ‏صعوبات‏، وما يرى ‏من‏ ‏مشقة‏ ‏وألم‏ ‏لازمين‏ ‏للخوض‏ ‏فى ‏التجربة‏؟

 إن التفسير الأقرب هو نجاح آلية (ميكانزم) العقلنة بشكل فائق بما يجعله يواصل الرصد لما يجرى من على مسافة آمنة، بحيث يصبح العقل النشط المتفرج مصدًّا قويا طول الوقت، ضد التغير، ويصبح صاحبه غير مهدد فعلا بالتغير الفعلى، فهو لذلك يواصل المطالبة بالتغيير ألفاظا منطوقة لا أكثر.

لكن هل هذه هو كل ما فى الامر؟

لكن المسألة لا تقتصر على هذه القناة للتوصيل بالكلمات والرموز المعقلنة، فالجسم يتلقى، والوجدان يتلقى، والوعى – بمستوياته – يتلقى، ومن هنا تأتى أهمية البيت فى المتن “وان وصل له غصب عنه”، نعم الذى يحدث أن الرسائل التى تصل لمثل صاحبنا من وراء ظهره، تصله فعلا غصبا عنه، وهو لا يرفضها بل يمحوها فورا بعكس ما نتصوره، يمحوها بأن يتقبلها ويطلبها من الوضع مستلقيا رضيعا، “وان وصل له غصب عنه، يرتمى سطيحة ويطلب حتة منه”!!!

 ثانيا‏:‏ فى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏يستغنى صاحبنا عن فعل التغيير ‏بمتابعة‏ ‏كل‏ ‏ما يجرى، وبالتالى يتجنب‏ ‏مواجهة‏ ‏داخله‏ ‏وكأن‏ ‏أفراد‏ ‏المجموعة‏ ‏تحقق‏ ‏بالنيابة‏ ‏عنه‏ ‏أمانيه‏ ‏وتحل‏ ‏صراعاته‏ ‏أما‏ ‏هو‏ ‏فيتصور‏ ‏أنه‏ “‏عرف‏” ‏الحكاية‏ ‏فلا‏ ‏توجد‏ ‏مشاكل‏ ‏ولا‏ ‏خطوات‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏.‏

ثالثا‏:‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ يجد صاحبنا نفسه ‏فى ‏موقف‏ ‏المقاومة‏ ‏العنيفة‏ ‏بإعلان‏ “‏عدم‏ ‏الفهم‏” ‏متى ‏ما‏ ‏اقتربت‏ ‏الرؤية‏ ‏الذاتية‏ ‏منه‏، ‏أو‏ ‏تهدد‏ ‏بضرورة‏ ‏التفاعل‏.‏

رابعا‏: ‏هذا لا ينفى أبدا أن‏ ‏يصله‏ ‏ما‏ ‏يغيرّ‏ ‏تركيبه‏ ‏الدفاعى ‏ولو‏ ‏من‏ ‏خلف‏ ‏ظهره‏.. ‏أو‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏الانتباه‏ ‏السلبى، ‏فلاشيء بهذه الجدية‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يُهْدر‏ ‏بلا‏ ‏جدوى ‏تماما‏ ‏حتى ‏ولو‏ ‏توقف‏ ‏وصوله‏ ‏عند‏ ‏مرحلة‏ ‏التنظير‏ ‏والعقلنة‏.

خامسا: ‏وبسبب‏ ‏هذه‏ ‏الزحمة‏ ‏من‏ ‏المتناقضات‏: (‏مثل‏ ‏الحضور‏ ‏مع المقاومة‏، ‏والفرجة‏ برغم الاستيعاب‏ ‏السرى‏) ‏يستمر‏ هذا ‏الموقف‏ ‏ربما‏ ‏إلى ‏أجل‏ ‏غير‏ ‏مسمى .. ‏وينبغى ‏على ‏المعالج‏ ‏أن‏ ‏ينتبه‏ ‏إلى ‏ذلك‏ ‏كله‏ ‏وأن‏ يتعامل معه على هذا الأساس‏ ‏فى ‏حينه‏.‏

‏(3)‏

كان ‏صاحبنا حلو خالص فى الكلام‏

كان بيتفرج، وهوه بعيد تمام،

كل ما نديله حتـّه،  يترسم ويقول كمان.‏

عايز أخطى، بس شرطى، فى الأمان

كان مركـِّـز عاللى  كان واخد عليه

‏ لما كان بيحكَّى للى شافُهْ “بيهْ”:

كلٌّه “مين”، و”زمان” و”ليه”!! 

‏شيخ طريقة أو حكيم ما اعرفشى إيه،

……….

……….

بس دِى ياناسْ لقاهـَا حكاية تانية ـ

يعنى شغل “هنا” و “حالا” كل ثانية

كل ما واحد يهمّ

نفسه يعنى يهم زيّه، بس لأْ، من غير ألمْ !!

يقلب الخبرة مشاهدة كإنه فيلمْ:

………..

قالُّهْ‏ ‏سمَّعْنَا‏ ‏كمان‏ ‏حبّةْ‏ ‏نغَمْ‏:

‏كِيدِ‏ ‏العدَا‏،‏

‏ ‏يا‏ ‏سلام‏ْ!! ‏هوا‏ ‏جوّاك‏ ‏كلّ‏ ‏دا‏!‏؟

أنا‏ ‏نِفْسِى ‏ابقَى ‏كده؟

بس‏ ‏حبُّونِى ‏كمانْ‏.‏

حُط‏ ‏حتَّهْ‏ ‏عالميزان‏.‏

أصلِى ‏متعَّود‏ ‏زمانْ‏:‏

إنى ‏انام‏ ‏شبعان‏ ‏كلامْ‏.‏

تأكيد جديد لنفس الموقف، لكن يضاف إليه الحذر من موقف المتفرج، الذى انفصل عن المشاركة حتى بدا مستلذا بألم الذى يحاول، “بس سمعنا كمان حبة نغم”، أما إضافة “كيد العدا” فقد تكون إشارة إلى أنه يقر أن هذه المحاولة يرفضها أغلب الناس، بل وقد يدمغونها باعتبارها اختلافا يصل إلى درجة مخاطرة الجنون، لكن صاحبنا يتصور أنه يربأ بنفسه أن يكون من هؤلاء، فهو يصفق لمن خاض هذه التجربة الجديدة، نيابة عنه غالبا، وبالتالى هو “يكيد العدا” أيضا نيابة عنه.

 ليس هذا فقط، بل إنه يبدى إعجابه بالمؤدى، “يا سلام!! هوه جواك كل ده!!”، وأمنيته (الكلامية) أن يتقمصه “أنا نفسى ابقى كده”

هذا الموقف يعتبر أكثر سلبية بكثير من موقف الشخص اذى رضى بالعادية، أو بفرط العادية كنهاية للمطاف، فصاحبنا هنا لا يرفض المحاولة كما قلنا، لكنه حتى وهو يعلن أنه يتمنى أن يمر بمثل ما يمر به هذا المتقلب على جمر الحقيقة، يلحق نفسه بما يكشف أن هذا التمنى نفسه هو الذى يخدعه ويحول بينه وبين المحاولة الحقيقية، فهو يلحق أمنيته فورا بأن يمد يده “متسولا” بس‏ ‏حبُّونِى ‏كمانْ‏.‏

“حُط‏ ‏حتُّهْ‏ ‏عالميزان‏”، وهو يعزو ذلك إلى خبرته السابقة فى العلاج الفردى الكلامى التسكينى التأويلى، “.‏أصلِى ‏متعَّود‏ ‏زمانْ‏: ‏إنى ‏انام‏ ‏شبعان‏ ‏كلامْ‏.‏ 

الذى حدث ان المجموعة وقائدها انتبهوا إلى كل هذه السلبيات التى جعلت وجود صاحبنا مثيرا للدهشة من ناحية – لماذا يستمر؟- ومانعا للمشاركة الزائفة السطحية التى كان يمثلها أصدق تمثيل حتى أن الباقين لم يكتفوا برفضه، بل خافوا ورفضا أن يسلكوا سبيله.

المقطع التالى يمكن أن نقرأه على لسان حال المجموعة، أو على لسان حال قائدها (وهى ليس لها قائد بطيبعتها) وهى تبدأ بتنبيه صاحبنا أن يكف عن التسول ويشرع فى المبادأة، إن كان صادقا فى أنه “أنا نفسى ابقى كده”.

ويتكرر الموقف وكأنه سوف يهم أن يفعلها، لكن سلوكه، وإعلانه، وإصراره على التمسك بموقع المتلقى طول الوقت، يكشف نفسه بسرعة هائلة: قام‏ ‏صاحبنا‏ ‏بانْ‏ ‏كإنه‏ ‏مشْ‏ ‏مِمَانـِعْ‏،‏ بس‏ ‏قاعد‏ ‏ينتظر‏ “‏بِنجِ‏ ‏اللذاذة‏”‏، كـلّه‏ ‏دايب‏ ‏فى ‏الإزازة‏”

هذه الفقرة بالذات، وتعبير بنج اللذاذة، كله دايب فى الإزازة ، هى من أصرح الفقرات نهيا عن المفهوم الشائع: ان العلاج النفسى هو ترييح وتسكين وتفريق.، معظم المرضى، وأهلهم أكثر منهم لا يطلبون من الاستشارة النفسية، أو العلاج النفسى وبالذات فى البداية إلا “أن يرتاحوا”، وقد ناقشنا ذلك فى هذا الكتاب مرارا، ونكرر هنا أن هذا حقهم، ولكن ليس على حساب رحلة نموهم.

 كل هذا لا يعنى أن يمتنع المعالج أن يعطى جرعة “الترييح ” الضرورى بين الحين والحين، وخاصة فى البداية، ولو على سبيل الرشوة حتى تستمر مسيرة العلاج إلى أن يعاد التعاقد لدفع عجلة النمو.

يقول لسان حال المجموعة، الذى يستحسن أن نتمثله فى قائد مفترض حالا:

‏(4)‏

‏”‏يا‏ ‏أخينا‏ ‏مِدّ‏ ‏إيدك

يا‏ ‏أخينا‏ ‏هِـمّ‏ ‏حبَّـهْ‏.‏

الحكاية‏ ‏مِش‏ ‏وِكالة‏ ‏بْتَشتِرِى ‏منها‏ ‏المَحَبّةْ‏”.

 

قام‏ ‏صاحبنا‏ ‏بانْ‏ ‏كإنه‏ ‏مشْ‏ ‏مِمَانـِعْ‏،‏

بس‏ ‏قاعد‏ ‏ينتظر‏ “‏بِنجِ‏ ‏اللذاذة‏”‏

كـلّه‏ ‏دايب‏ ‏فى ‏الإزازة‏

رضعة الحب اللى جىّ جاهز ودافى

رضعه كاملةْ إلدّسم، سكـّـرها وافى !!

*****

وبعد

نتوقف هنا حتى نستوعب هذا الموقف غير المألوف، ظاهر التناقض دون تناقض، لنكمل نفس الحالة غداً على حساب استجابة المشاركين فى اختبار فرض “الحب الجاهز: خلقة ربنا” بمنهج اللعب النفسى التى قدمنا من خلاله عشرة ألعاب الأسبوع الماضى. نشرة 3-12-2009 “عودة إلى الألعاب النفسية، لتعويض الصمت”

وإلى الغد

وأكرر الاعتذار

*****

حلقة الغد

غداً يبدأ “المعلم” قائد المجموعة (أو لسان حال المجموعة) بكشف موقف صاحبنا بأن يعرض (أو يتصنع أنه مستعد) أن يوصل له جرعة الحب والرعاية حتى بؤرة قلبه (توصيل المنازل Delivery)

وفيما يلى نص تصنع هذه الاستجابة الكاشفة كما جاءت فى المتن:

(5)‏

والمعلّم‏ ‏صْبُرهْ‏ ‏بحباله‏ ‏الطويلة‏ْْ، ‏

قال‏ “‏لا‏‏بد‏ ‏أشوفْ‏ ‏لُه‏ ‏حيلهْ‏”:‏

قال‏ ‏لـه‏ ‏يا ابنى تعالى جنبى

إنت تطلب، وانا البّى،

راح صاحبنا معرّى جوعه، نطّ كل اللى مْدَارِيهْ

عرضحال كاتب جميع ما نـِفـْسُه فيه:

“.. ‏بعد‏ ‏موفور‏ ‏السلامْ‏،‏

نِفْسِى ‏حبِّةْ‏ ‏حُبْ‏ .. ‏أو‏ ‏حتِّةْ‏ ‏حقيقهْ‏،‏

نفسى ‏أفْهَمْ‏ ‏فى ‏اللى ‏جارى ‏ولو‏ ‏دقيقهْ‏،‏

نفسى ‏أعرف‏ ‏فى ‏اللى ‏بتقولوا‏ ‏عليهْ‏،‏

نفسى ‏اشوف‏ ‏دا‏ ‏إسمه‏ ‏إيه‏”‏

****

وغدا نناقشها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *