الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كهلٌ “عربجى” يعلمنا: بعض ماهية: العلاقة بالموضوع، والقدرات المعرفية

كهلٌ “عربجى” يعلمنا: بعض ماهية: العلاقة بالموضوع، والقدرات المعرفية

“نشرة” الإنسان والتطور

2-12-2008

السنة الثانية

العدد: 459

 

حالات وأحوال:

 

 (سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى).

كهلٌ “عربجى” يعلمنا:

بعض ماهية: العلاقة بالموضوع، والقدرات المعرفية

مقدمة:

أكرر كثيرا كيف أنى أتعلم من مرضاى، وقد آن الآوان لعرض بعض ذلك:

هذه حالة شيخ فى الرابعة والثمانين من العمر، “عربجى”، ابن عربجى”، يعيش مع زوجته (69 سنة) فى حجرة إيجارها جنيهان وسبعون قرشا، فى حوش به ثلاث حجرات مع أسرتين أخريتين، كل فى حجرة، وللثلاثة حمام واحد بلدى مشترك فى الحوش.. الخ.

مضطر أنا أن أعرض بعض ملامح الحالة فى حلقات متتالية (لا أعرف كم!)، يومى الثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع، لعلنا نوصِّل من خلالها ما يمكن.

بعض الأسئلة التى استلهمنا منها الفروض التى يمكن أن تساعد فى فهم الحالة:

السؤال الأول: ما معنى ما نسمية “العلاقة بالموضوع” (العلاقة بالآخر)؟

السؤال الثانى: ما الذى يحافظ على القدرات المعرفية حتى سن متأخرة؟

السؤال الثالث: ما هى علاقة العالم الداخلى (الذى يفرز الأعراض وخاصة الضلالات والهلاوس) بالعالم الخارجى (الناس والأشياء)؟

السؤال الرابع: كيف نساعد (نعالج مثل هذه الحالات)؟

السؤال الخامس: كيف نستفيد من هذه المعارف فى الوقاية من التدهور الأسرع فى سن متأخرة؟

الأرجح عندى أنها قد تسغرق ستة حلقات (ثلاثة أسابيع) بصفة مبدئية، على الوجه التالى:

الحلقة الأولى (اليوم): عرض موجز للحالة، مع المناقشة المبدئية لمقتطفات من ورقة المشاهدة (Sheet) التى قدمتها الزميلة الطبيبة تحت التدريب.

الحلقة الثانية: الخلفية النظرية والخطوط العامة للفرض مع عرض المقابلة الأولى مع المريض.

الحلقة الثالثة: مقتطفات من المناقشة بعد اللقاء مع الحالة، ثم شرح وتعليق تجزيئى على الحالة (الحلقة الأولى) وعلى المقابلة مع المريض

الحلقة الرابعة: التعليق على الحالة كلها.

الحلقة الخامسة: عرض مقابلة تالية مع المريض بعد أسبوعين من اللقاء الأول (مقابلة قصيرة للمتابعة)

الحلقة السادسة: تعقيب ختامى.

***

الجزء الأول:

موجز الحالة:

جاء المريض بنفسه يشكو من أعراض جسمية يعزوها لهلاوس حسية ابتداءً:

 جسمى كله مدغدغ، رجليا واجعانى وراسى وظهرى من ساعة ما العفاريت ضربونى علقة من سنتين.

وعند سؤاله أضاف:

أنا بأسمع أصوات رجالة وستات، بيتكلموا مع بعض بس كلامهم مش مفهوم وباشوف عفاريت شكلهم زى البنى آدمين بالضبط، بييجوا فى أى وقت، ومرة واحد طلّع أيده من تحت السرير وقعد يمشى إيده على وشى وعلى دماغى، وساعات باشوف راجل دراعه طويل حوالى مترين وبعد 10 دقايق يختفى.

الناس كلها بتتكلم عليّا، وبيضحكوا عليّا، وبييصوا لى بصة غريبة ويقولوا لى من يوم ما طلعت الحج نفسك كبرت ومابقيتش تكلم حد.

وفى واحد فى الحارة عاوز يأذينى ودايما يشتمنى ورحت اشتكيت فى القسم، ولاَ سَأَلوا.

وكنت بأحط السكينة تحت دماغى وأنا نايم عشان أخوّف الشياطين بس همّا سرقوا منى 3 سكاكين.

أنا مضايق، بعد ما كان عندى صحة وباشتغل عربجى، بقيت تعبان وماباشتغلش وماعيش فلوس، وعندى قلق فى النوم، الدنيا مالهاش لازمة خلاص، أنا بأتمنى أموت كل ثانية علشان أرتاح.

أما شكوى زوجته (69 سنة):

عبد الغفار تعبان من حوالى سنتين، بدأ يشتم ويتخانق مع الناس من غير سبب.

واحد جارنا عنده معزة، دخلت الحوش عندنا، فهوه جرى وراها ومسكها وعض ودنها وقطع لها حته منها والمعزة قعدت تصرخ وطلعت جرى من عندنا.

ولما رحنا عمرة من سنتين كان بيقول إنه شايف العفاريت راكبة عجل، وماشية جنب الأتوبيس بتاعنا، وبقى يقول بأسمع أصوات كتير بتتكلم زى البرابرة، مش فاهم منهم حاجة، ومن 5 أيام قالى إنه شايف ارانب كتير فى الأوضة مع إن ماكانش فيه حاجة.

كان بيحط سكينة تحت المخدة ويقوم بالليل يشوح بيها ويقول أنا عاوز أقتلهم، ولما يخرج يأخد السكينة فى جيبه علشان لما العفاريت تطلع له يموتهم.

بقى يشك فى الناس إنهم عاوزين يأذوه ويسرقوه، دلوقتى بقى حزين وقاعد لوحده ومنعزل بس بيهتم بنفسه، بأكله وبنظافته.

بالنسبة لظروف المعيشة تقول الزوجة:

– عايشين أنا وهو فى أوضة إيجار، بقالنا فيها 60 سنة، إيجارها 2 جنيه ونصف، الأرض فيها 3 أوض وحوش وحمام بلدى مشترك للثلاث سكان.

– عندنا سرير وكنبتين ودولاب وثلاجة وبوتجاز وتليفزيون صغير.

– عندنا معاش (تأمين عبد الناصر) 79 جنيه والـ 3 صبيان بيدونا 150 جنيه، يعنى ساعات، دايما، يعنى، ومش بيكْفوا، وبنستلف.

يضيف عم عبد الغفار عن نشأته:

– أبويا مات وأنا صغير وأنا عندى 9 سنين، كان “عربجى زيّى” بس اللى أنا فاكره إنه كان طيب وله أصحاب كتير والناس كلها بيحبوه، ماكانش يعمل مشاكل مع حد.

كان بيحبنى أوى علشان أنا أصغر اخواتى وكان بيعاملنا كويس، وعمرى ما شفته ضرب أمى، كان بيصلى ويصوم بانتظام.

– أنا باحب أمى قوى وزعلت عليها جداً، لما ماتت من أربعين سنة، وهى كانت بتحبنى أكتر من اخواتى هى كانت فى حالها، تشحّت اللى عندها، بس ما تاخدش حاجة من حد، كانت بتصلى وتصوم بانتظام.

وتقول الزوجة عن ذلك:

أم عبد الغفار كانت مدلّعّاَه قوى، علشان هو الأخرانى فى اخواته، وكانت بتسلطه عليا علشان يضربنى، ساعات كان بييجى يضربنى وأنا نايمة بعد ما هى تقول له عليا حاجات ماحصلتش. أمه كانت وحشة مع قرايبها وجيرانها، ومالهاش أصحاب، هى كانت تشك فى أى حد، ومتآمنشى لحد، وهوّا كان آخر العنقود فى اخواته السبعة.

تاريخ العمل:

بدأ عبد الغفار  عمله “صبى عربجى” مع أبيه، ثم عربجى بعد سنوات قليلة، بعد موت أبيه وهو فى التاسعة (كما ذكرنا)

وتقول الزوجة: كان بيشيل حديد وخشب، وبقى يشتغل مع شركة بيرة، يأخذ 15 – 20 صندوق ولما يبيعهم، يرجع الفلوس للشركة، وياخد نسبة على كل صندوق. (الشيلة بـ 5 -10 صاغ) (صندوق البيرة بـ 1/4 جنيه)

تضيف الزوجة:

أنا وعبد الغفار كنا بنتخانق على طول، ماكنتش طايقاه، بيضربنى على طول، حتى وانا حامل ويحلف أنه حايسقطنى وحايطلقنى، وكمان ممكن يندهنى بإسمى، ولو فى وسط 100 راجل، واحنا عندنا ده ما يصحش.

ويفسر المريض ذلك وهو يقول:

أنا كنت باضربها علشان مابتسمعش الكلام، وبتعاندنى، أنا كنت بأحبها وهى صغيرة بس لما كبرت بقت وحشة من السكر اللى جالها.

وعن شخصيته قبل المرض تقول زوجته:

“عبد الغفار طول عمره بيتخانق كتير فى الشارع ويضرب الناس بأزازة، بمطوة، أو بيسن الحدوة بتاعت الحصان ويحطها فى جيبه.

ولو حد حتى فى القسم قال له إوعى، يضربه على طول، على طول كان فى الأقسام وميهموش وميندمش ابداً، وعمره ما يقول لحد معلهش.

كان بيضربنى على طول ويورمنى ويزرقنى، هو بخيل أوى ويحب نفسه أوى.

مايزْعَلش على حاجة، مازعلش غير على بنته اللى اتشلت من سنة.

(وصفت الطبيبة بناء على ذلك أن شخصيته كانت: شخصية ضد المجتمعantisocial personality.

وعن المعلومات العامة أجاب:

رئيس الجمهورية ===== >  حسنى مبارك

رئيس الوزارء ===== > أحمد بيه حاجة

مغنى ===== > عبد الوهاب

مغنية ===== > أم كلثوم

(انتهت المقتطفات من ورقة المشاهدة)

***

الجزء الثانى:

مقتطفات من المناقشة مع مقدمة الحالة:

قبل لقاء المريض.

د.يحيى: أنا متشكر على اختيارِك ده، هو غريب شوية بالنسبة للحالات اللى بتقدموها لىّ هنا كل خميس، 84 سنة!!! أنا مابعالجشى المسنين عموما، ده مش اختصاصى الدقيق، مش عشان هما ما بيتعالجوش، أنا باحبهم وباحب العيال، يمكن عشان كده مابعالجهمش، زى ما اكون باعتبر الغلط مش فيهم، والعلاج فى إيد اللى حواليهم أساساً، لكن علاج ومتابعة واحد اتنين تلاته، لأ، مش تبعى، مش اختصاصى، أنا مركّز على مرحلة منتصف العمر زى يونج، وساعات حوالين سن المراهقة، أنا باعرف أتفاهم مع العيال والعواجيز تمام التمام، وباعرف أعمل علاقة سريعة جداً معاهم هما الاتنين، العيال والعواجيز، لكن علاج ونظام وتأهيل، غيرى أحسن منى.

لكن قولى لى ياساندرا: إنتِ بتحبى الراجل ده ليه؟

د.ساندرا :  باحبه ليه؟! علشان … عشان …

د.يحيى : أولاً أنا إيش عرفنى إنك بتحبيه؟ أنا لسه ما شفتهوش

د.ساندرا : لأ هو أنا فعلاً أول ما شفته فى العيادة يعنى كنت عايزة أعالجه، يمكن عشان راجل كبير يعنى

د.يحيى : عشان راجل كبير بتحبيه بحق وحقيقى، دا كويس، بس برضه هوّا راجل وأنتِ ست يعنى، ولا ناسيه

د.ساندرا : لأ مش ناسيه

د.يحيى : بتحبيه كبنى آدم، وبتحبيه وانتى ست كواحد مصحصح، بتحبيه كواحد قريّب حاضر، مش كده ولا إيه؟ كل ده موجود مع بعضه، باين فى المشاهدة (Sheet)

د.ساندرا : آه

د.يحيى : عشان كده أنا أشكرك مرة تانية إنك بتقدمى حد، وانت عاملة علاقة كويسة معاه، لما أنتِ رسمتى صورة له زى بورتريه يعنى جمعتى معلومات عن العائلة من أول أبوه واخواته، لغاية مش عارف أيه، لغاية كل عياله، والبنت اللى اتشلت، وبعدين روّحتى بيتك، وانتِ قاعده لوحدك بقى بعد ما سبتيه، قعدتى تتصورى العائلة دى عايشة ازاى؟ فى أوضه بالشكل ده؟ بمعاش 79 جنيه، وشوية مساعدات من العيال، يايدفعوا ، يالأّه؟

د.ساندرا : تخيلتهم فقرا أوى يعنى

د.يحيى : قِدِرْتى تتقمصى هذا المستوى من الفقر والصعوبة اللى همّ عايشين فيها

د.ساندرا : أنا حسيت بصراحة إنهم من أفقر الناس اللى شفتهم، أو حتى سمعت عنهم، ازاى هّم عايشين فى الأوضة دى،

د.يحيى : طيب إنت ليه يا ترى ماحبتيش مراته؟

د.ساندرا : هى صعبت عليا برضه

د.يحيى : الله يخليكى، الصعبانية غير الحب، إنتى حبيتى الراجل، إنما مراته صعبت عليكى، هل، لاحظتى الفرق؟ هوّا صعب لكن مهم، لمّا تكبرى حاتعرفى

د. ساندرا: ربنا يسهل

د. يحيى : إنت لاحظتى معنى قيمة الفلوس اللى اتقالت “الشيلة بخمسة أو عشره صاغ، وصندوق البيرة بربع جنية؟

د.ساندرا :  أيوه لاحظت، وماقدرتش أتصور قوى

د. يحيى: لابد من التدقيق فى كل كلمة

د.ساندرا: ازاى يعنى؟

د.يحيى : ساعات مقارنة الأسعار تحدد لك نقلة الحياة اللى حصلت، وتسهل لك تقمص المريض.

د.ساندرا : آه

د.يحيى : انت لاحظتى لما مراته بتقولّك “وكمان ممكن يندهنى باسمى، ولو فى وسط 100 راجل، واحنا عندنا ده ما يصحش!؟ تفتكرى لازم ينده لها إزاى فى المجتمع ده فى السن ده فى الزمن ده؟

د.ساندرا : هى بتقول لى إنه كان حقه يقول لها يا أم محمد

د.يحيى : شفتى هيا بتعلّمك الفرق إزاى! خلّى بالك إحنا بنتعلم من مرضانا كل حاجة بما فى ذلك التاريخ والحياة اللى احنا مانعرفهمش.

د.ساندرا : آه صحيح، بس أنا مافهمْتش قوى الفرق بين إنه يناديها باسمها أو بأم محمد.

د.يحيى : كان أيامها اسم المرأة حاف كده “عَوْرة”، لازم تدّارى، العَوْرة اليومين دول بقت والعياذ بالله حاجات تانية، عشان كده الحالة بتاعتك دى تفيدك فى التعرف على ثقافتنا وعلى النقلات اللى حصلت واللى بتحصل فينا، فى مجتمعنا، ودى أمور مهمة، بتورينا يعنى طول وعمق طبيعة الجارى، العيان ده كتاب كامل، ما استغربتيش وهوّا بالفقر ده “حج” ازاى؟

د.ساندرا : هوّ راح عمرة،

د.يحيى : العمرة غير الحج، معلهش ما انت عندك حق، عشان مش عارفة تفاصيل دين غير دينك

د.ساندرا : هوّا طلع عمرة بس

د.يحيى : لكن الأصوات بتقول له: “من يوم ما طلعت الحج نفسك كبرت وما بقيتش تكلم حد”

د.ساندرا : هما بيقولوا له كده بس

د.يحيى : هما مين؟ الناس؟ ولاّ الأصوات؟

د.ساندرا : الأصوات

د.يحيى : يعنى هو عمل عمرة، والأصوات كتبتها له حج، شفتى الأصوات وفرت له قد إيه؟! إوعى تنسى إن الراجل الطيب ده عنده 84 سنة.

د. ساندرا: لأ فاكرة كويس، ويمكن عشان كده باقدّمه لحضرتك

د.يحيى : إنت بتوصفى شخصيته إنها كانت “ضد المجتمع” مش عايزة تراجعى نفسك؟ ده لو ضد المجتمع ماكنتيش حبتيه كده، ما هو صعب إنك تستعملى ألفاظ موضة موجودة فى الكتب توصفى بيها فترة تاريخية ما تعرفيش عنها حاجة، طبعاً أنا عاذرك يابنتى، إنتِ ماتعرفيش الدنيا كانت ماشية إزاى أيام لما كان صندوق البيرة بربع جنيه. لو استقبلتى ربع جنيه وبيرة ومش عارف إيه بنفس الأرقام بتاع اليومين دول حتلاقيكى بعيده عن الراجل ده، العلاج أساسه التعرف على حقيقة أبعاد ووعى اللى قدامك، وإنتِ صغنطوطة لسه، صعب عليكى تعملى علاقه مع راجل كبير زى ده، مع راجل بالفقر ده، إنت عارفه يعنى إيه حمام بلدى مشترك لتلات عائلات فى تلات غرف فى حوش، ودا بيعمل إيه فى النفسية بتاعة أفراد تلات أسر، كل أسرة فى أوده، لو تقمصت أى حد من السكان دول مش ضرورى الراجل الطيب ده،  مش ضرورى يكون عيان، حاتعرفى العلاقات شكلها إيه وبتتشكل ازاى، وبعدين مع راجل بالتاريخ ده صعب صعب إنك تلملمى كل التفاصيل بحجمها، كل كلمة تسمعيها عايزة واحد يترجمها لك عشان تعرفى دلالتها الحقيقة، واحد زى ده تختبرى ذكاؤه بإنك تسأليه تقولى له إيه وجه الشبه بين الموزة والبرتقالة؟ بقى ده اسمه كلام؟

د.ساندرا : ما هو ما فهمشى قصدى، وقعد يضحك

د.يحيى : والله كويس إنه ماضربكيش،

وأنا نايب سنة 58 كنا بنعمل اختبارات لبحث كان بيقوم بيه استاذى الدكتور عبد العزيز عسكر، كان بحث عن الثعلبة (سقوط موضعى لشعر الرأس أكثر، لأسباب نفسية غالبا)، وأنا باطبّق اختبار ذكاء اسمه “بورتس ميز” (متاهة بورتس) على واحد صعيدى عنده ثعلبه، كان مفروض العيان يمسك قلم ويمشى فى متاهة زى بتاعة العيال اللى بتتنشر فى “ميكى” أحيانا، وفيه فار فى ناحية وحتة جبنة فى ناحية تانية، وخطوط مقطعة، وكلام من ده، وكل سِنّ وله متاهة أصعب فى أصعب، والصعوبة بتزيد واحدة واحدة حسب السن، وانا باقول للراجل الصعيدى الطيب ده: يالاّ ورينا شطارتك، وارسم خطوط، إزاى الفار ده الناحية دى يوصل لحتة الجبنة دى الناحية الثانية، بص لى الرجل باستغراب زى ما أكون باهبّل وقال لى: ما ينفعشى، فأنا قعدت اتحايل عليه، وهو آخر زرجنه، وإن راسه وألف سيف مستحيل الفار يوصل، قلت له يا عم فلان. إذا كان الاختبار معمول إنه ينفع، وإن الفار يقدر يوصل، قال لى “لا يمكن”، قلت له من غيظى “طب أوريك”، نسيت بقى البحث، ومسكت القلم وبدأت، لكنه قاطعنى وهو بيقول:

 طبعاً “إنت تقدر”، قلت له: “إزاى مستحيل؟ وفى نفس الوقت أنا أقدر؟ قال لى” إمال أبوك علّمك ليه؟ ما هو أبوك صرف عليك عشان تخلى الفار ده ياكل حتة الجبنة دى ، بصراحة ضحكت وقررت ما اعملش الاختبار، وابتديت اكمل المعلومات اللازمة للبحث، وإذا به يقاطعنى ويقول: قال قل لى يا بيه، بقى هو الفار لما حياكل حتة الجبنه دى شعرى حايطلع؟ ولا كان بيهزر ولا حاجة خالص، يمكن كان بيستقل عقلى وبيوعينى، زى ما يكون كان بيقوللى كبّر عقلك يابيه وقول كلام ينفع لحالتى.

إنتِ يا ساندرا لو ماكنتيش تاخدى بالك إنت بتكلمى مين، وإيه اللى ينفع وإيه اللى ما ينفعش، مش حاتتعرفى على عيانينك كويس. لكن قولى لى: إنت عارفه اسم رئيس الوزراء بتاعنا إيه؟

د. ساندرا: اسمه نظيف.

د. يحيى: وهوّ قال اسمه إيه؟

د. ساندرا: أظنه قال اسمه احمد بيه حاجة.

د. يحيى: مين الأشطر فيكم؟ يبقى نلم اللى انت قلتيه، على اللى هوّا قاله على بعض ويبقى اسمه أحمد نظيف.

 الراجل ده لا بيقرا ولا بيكتب، ولا له علاقات من اللى أحنا بنحكى عنها اليومين دول، يا ترى إيه اللى حافظ عليه مصحصح كده، ومنتبه زى ما شفنا فى إجاباته عليكى، إنت شطورة خالص إنك تقدمى لى حالة زى دى عشان نراجع الإشاعات اللى إحنا مطلعينها على كبار السن، حالة زى دى تخلينا نعيد النظر، إحنا مجرد الواحد ما يكبر نقول ده بينسى، وتايه، وبيلخبط، كأنها قاعدة.

أنا أول ما يخش على فى العيادة حد فى السن دى، أروح قايم وبايس إيده وانا لا أعرفه ولا حاجة، حتى لو كان أول كشف، لما ألاقيها ست طيبة كده وكبيرة، أقول لها إدعى لى، قبل ما أقولها أسمك إيه. ده أحسن ما أبدأ أهين العيان الكبير واسأله النهارده إيه فى الأيام، وانت فطرت إيه الصبح، بالشكل ده أنا باحاول أكسر الحواجز من بدرى، وباقدر أحصل على معلومات تفيد للعلاج ،

يا ترى إيه اللى حافظ على صحة العيان ده كده، وعلى تماسكه بالشكل ده؟

 الراجل ده بيورينا حاجات شديدة الأهمية، يا رب نعرف من خلالها إن النشاط المعرفى، الانتباه والإدراك والذاكرة. ماهماش قراية وكتابة، مش ده اللى بيحافظ على الذاكرة، نوع العلاقة بالحياة، وبالتفاصيل وبالناس هوّا دا المهم اللى حانحاول نشوفه مع بعض.

* * *

الحلقة القادمة (2) – غداً

الفروض والخلفية النظرية والمقابلة مع المريض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *