الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الاضطرابات الجامعة (32) الطب النفسى التطورى الإيقاعحيوى

ملف الاضطرابات الجامعة (32) الطب النفسى التطورى الإيقاعحيوى

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 9-2-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3084  

 الأساس فى الطب النفسى  

 الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة (32)

الطب النفسى التطورى الإيقاعحيوى

Evolutionary Biorhythmic Psychiatry

استهلال:

وأنا مقبل أخيراً على تقديم نظريتى التطورية الإيقاعحيوية شعرت أننى لابد أن أوضح نقطتين جوهرتين لعلهما معا، وخاصة الأولى منهما، قد أسهمتا فى تأجيل عرضى النظرية متكاملة طوال هذه المدة.

النقطة الأولى:

إنه ما كان لى أن أومن بالفكر التطورى بهذا العمق، وأنا أقوم بتطبيقاته إكلينيكيا ونقدا، إلا من منطلق إيمانى بخالق كل هذا الكون بما فى ذلك برامج التطور وقوانينه، ثم انتقالى إلى فروضى فى الإدراك)1(، وإلمامى بدور العقل الوجدانى الاعتمالى،(2) ثم سياحتى فى محيط الوعى المتعدد المستويات(3) والممتد الدوائر، إلى الغيب، ساعدنى فى كثير من ذلك بالإضافة إلى الممارسة والنقد- تداعياتى على حدس مواقف مولانا النفرى المتواصل فى الغيب والتيه والمحاج وغيرها.

إن أى هجوم تقليدى لدحض نظرية (نظريات التطور) باعتبار أنها ضد المسلمات المقدسة، أرجو أن يراجعه أصحابه وخاصة إذا كان كل اعتمادهم على تفسيرات معجمية قدسوها فـَصـَنَّـمُـوا اللغة، وقد أشرت من قبل كيف وصلنى حدس وإيمان تشارلز داروين حتى رغما عنه، وأن جوهر نبض إيمانه هو الذى هداه إلى نظريته أكثر من ملاحظاته ورحلاته! أنظر نشرة: 3-8-2014 بعنوان:  تشارلز داروين “جاب الديب: من بؤرة وعى إيمانه المعرفى

النقطة الثانية:

هى القهر الجاهز من جانب التراثيين المحدثين سدنة المؤسسة العلمية الأيديولوجية التكاثرية الباهظة التكاليف، الذين قرروا أن يحتكروا المعرفة وأن يزعموا بمنهجهم المختزل أن من حقهم أن يقيّموا ما حدث خلال ملايين السنين كما عاشته آلاف الأحياء، وتطور من تطور منهم بفضل الله، وانقرض من انقرض ثمنا لوأد إبداعه وانفصاله عن “المحيط” فالكون إليه، ويقيّمون كل ذلك بمنهج قاصر خانق، إن هؤلاء مهما قدسوا مناهجهم الكميِّة المقارَنَة: غير قادرين على أن يوقفوا نمو الإنسان إليه، بل إنهم قد يمثلون العامل الأول، بالتعاون سرا مع من جاؤوا فى النقطة الأولى، فى احتمال انقراض نوعنا، (ذلك دون إنكار فضل عطاء بعضهم فى جزئيات صالحة لأن تتوافق مع، وأحيانا تدعم مسيرة، التطور إليه).

“وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا”.       

“وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ”.

(ملحوظة: لن أكرر هاتين الملحوظتين بعد ذلك وإن كنت قد أشير إليهما  كلما لزم الأمر)

شكراً.

مقدمة النشرة:

لعل كل ما تحفظت عليه بالنسبة للطب النفسى التطورى عامة يسرى تلقائيا على تحفظاتى على الطب النفسى التطورى الإيقاعْحَيوى وقد قمت – كما ذكرت أمس– بمراجعة متأنية لمراحل تطور النظرية عندى عبر أربعة عقود.

 وأفضل الآن أن أبدأ بمعلومات ضد النظرية، معلومات تهدمها من جذورها ثم نرى كيف سوف نتعامل معها، وأنا متمسك أكثر بحقى فى إبلاغ ما بلغنى من مرضاى ومن حقول الإبداع التى أتيحت لى معايشتها.

المأزق: ما بنى على باطل فهو باطل!!

 صدّق أو لا تصدق أن النظرية التطورية الإيقاعحيوية ومن ثم الطب النفسى المسمى باسمها مبنية على نظريتين بلغت درجة شجبهما ودحضهما درجة غير مسبوقة، أما النظرية الأولى وهى أحسن حظا من الثانية، فهى نظرية أصل الأنواع لتشارلز داروين (وقد أشرت إلى بعض ذلك فى نشرة: 28-7-2014) أما النظرية الثانية وهى نظرية الاستعادة (أو القانون الحيوى) لإرنست هيكل فقد نالت شهرة أقل لكنها نالت هجوما أقسى وأشمل لدرجة اعتبارها شطحا وتزييفا حتى أصدروا قرار موتها وبرغم كل ذلك تظل هذه النظرية الأخيرة (لإرنست هيكل) هى أساس جوهرى لكل ما سوف أذكره تقريبا. من كل ذلك فإنه إذا ما ثبتت صحة مبررات شجبها ورفضها (وقد زعموا أنه ثبت) حتى إعلان موتها فى أكثر من محفل علمى فى التاريخ الحديث، فإن كل ما سوف أبنيه عليها مآله إلى نفس النهاية، وبما أننى مازلت أرى صحتها بعد إطلاعى على أغلب ما قيل فيها شجبا دحضاً ورفضا وتكذيبا، إلا أننى أراها رأى العين فى ممارستى، وليس من حقى أن أنكر ما أرى ويصلنى، حتى أصبحت على يقين أن مـَنْ يبقى منِّـا (نحن البشر) إن بقى أحد، سوف يرى فساد كل هذا الهجوم، الأمر الذى يعرفه مرضاى، ويعرفه أبسط من أعرف من البشر فى العلاج الجمعى وغيره.(4)

وبعد: زيادة الطين بلة:

انطلاقا من هذا الباطل (كما زعموا)، وبالذات نظرية الاستعادة وأن الانتوجينيا تلخص (وتكرر) الفيلوجينيا، سوف أزيد الطين بلة بالتمادى فى التطوير والقياس لهذه النظرية، الأمر الذى يمكن أن يدعم الرافضين لها أكثر فأكثر، وإليكم بعض هذا التمادى.

أولا: العملية ليست مجرد تلخيص بمعنى الإيجاز وإنما هى دورة حيوية مكررة مفتوحة النهاية حتى لا تنغلق الدائرة، والفارق هو الوحدة الزمنية، بمعنى أن ما تم فى ملايين (أو بلايين السنين) هو يعاد خلال عمر الكائن البشرى الأن (الأنتوجينيا تلخص وهى تسعيد الفيلوجينيا)، ثم قس.

ثانيا: إن نفس الدورات هى هى بنفس التلخيص والاستعادة تتكرر مع كل دورة نمو (أوضح ما يمثلها أعمار الإنسان الثمانية لإريك إريكسون وقد أسمتيها “ماكروجينى“) دون أن يسميها إريكسون ذلك، ثم خذ عندك دورات ونبضات أقصر فأقصر.

ثالثا: إن أى دورة إيقاع حيوى، خاصة دورات إيقاع المخ البشرى، وهو يعيد بناء نفسه باستمرار، هى استعادة أصغر فى زمن أقصر فأقصر، طبعا اقصر من دورات النوم ودورات حلم الريم REM التى هى أقصر ما يمكن تسجيله برسام المخ الكهربائى، أقول إن أى دورة إيقاعية هى استعادة إبداعية تخدم التطور إليه، ما لم نحُلْ دون ذلك بالاغتراب والانكار…الخ.

رابعا: إن الإبداع عامة لا يقتصر على الناتج الإبداعى المعروف، وإنما هو أساس التطور وطريق النمو وسبيل الإيمان ونبض الحياة المستمر ليلا ونهارا (وإلا توقف كل شىء عن كل شىء).

خامسا: إن مفهوم الوعى مازال غامضا تماما، وأى اختزال له بادعاء فهمه أو الإحاطة بأبعاده يحمل احتمال الخطأ والتشويه معا، لكن الاجتهاد واجب فى اتجاه مزيد من إضاءة جوانبه، وذلك أن حركية الوعى على كل المستويات بدءًا من الوعى الشخصى إلى الوعى البينشخصى إلى الوعى الجماعى إلى الوعى الكونى إليه هى سر الوجود.

سادسا: إنه لكى ندرك – لا نفهم فقط – أبعاد الإحاطة ببعض برامج ومسار التطور علينا أن نشحذ – ولو بإرادة خفية – وسائل وقنوات معرفية خلقها الله لتحافظ بها على الحياة، يمكنها أن تتحرك بأقل قدر من القصدية – ما بين أجزاء الثوانى إلى بلايين السنين – وفى نفس الوقت هى لا نتجاوز ما هو “هنا والآن” إلا اضطرارا مؤقتا لاستعادة اللحظة.

الملحق:

أعرف تماما ما يمكن أن يقال على هذا الكلام لدرجة توصيف قائله، لذلك أرى من المناسب الإشارة إلى بعض المراحل التى عايشها قبل الاقدام على اثباته هكذا.

بدأت المسألة تنظيرا متواضعا لما وصلنى من واقع الممارسة مدعما بالخبرات الذاتية واجتهاداتى فى النقد والإبداع، وقد سبق أن أشرت بإيجاز شديد لمثل ذلك وأفضل أن أبدأ ببعض ما ورد فى النشرة رقم 2739، بتاريخ: 1/3/2015، وهى متاحة لمن أراد أن يبدأ ومنها، ثم أضيف موجز بعض ما أريد التأكيد عليه الآن فيما يلى:

أولاً: برغم أنها نظرية نابعة من الممارسة الإكلينيكية أساسا إلى أنها تدعمت، ومنذ البداية، بأصول من الطب عامة (وخاصة الجهاز الدورى بدءًا بإيقاع نبض القلب ثم الجهاز الهضمى الأيضى (أى شاملا التثميل الغذائى)، وحتى استعارة محدودة من علم جراحة العظام، كل ذلك تحت قيادة المخ (والجسد الشامل باعتباره وعيا متـَعَـيِّـناً، (5)وقد نشرت ذلك فى المجلة المصرية للطب النفسى(6).

ثانيا: من حيث المصادر النفسية التى دعمتنى فقد كانت جماعا من مدارس متعددة من مدارس علم النفس المعاصر، وأكتفى بذكر أسماء بعضها لأننى غالبا سأعود إليها كلما لزم ذلك أولا بأول وأخص بالذكر:

أ- علم النفس التحليلي (كارل جوستاف يونج، وليس التحليل النفسى)، ثم المدرسة الإنجليزية فى التحليل النفسى، و(مدرسة العلاقة بالموضوع: ميلانى كلاين – فيريرى جانترب).

ب- التحليل النفسى عبر التفاعلات Transactional Analysis  (إريك بيرن).

جـ_ علم نفس الوعى (انتقاءات محدودة من هنرى إى الذى ابتدع هذا الاسم ليميز مدرسته العضوية الديناميةOrgano-dynamisme  عن التحليل النفسى الذى كان يلقبه بعلم نفس اللاوعى، بما فى ذلك بعض استلهاماته من هوجلج جاكسون Huglig Jackson (دون الرجوع إلى الأخير مباشرة).

د- أفكار ساندور رادو الهيراركية البيولوجية.

هـ- قراءاتى مؤخرا فى النيوربيولوجيا والعلم المعرفى العصبى ونبذات من العلوم الكوانتية (7)

و- كتاب” أنواع العقول لدانيال دينيت وقد نشرت مزجزا له فى نشرة: 2-1-2008

ن- كتاب:”النفس ودماغها” لكارل بوبر، وجون إكلس(8)

وبعد

أتوقف رغما عنى

 وأعتذر لمن يحبنى

وأواصل بفضلهم بعد فضل الله.

[1] – نشرات:(25-1-2012، 28-2-2012 )

[2] – Emotionally Processing Mind نشرات: (19-10-2014، 25-8-2014 )

[3] – نشرات: ( 25-12-2007 ، 1-8-2012، 1-2-2012)

[4] –  وأيضا كما يعرفه من بقى من الأحياء غير الإنسان، ولكن للأسف ليس عندهم فرصة الكتابة أو النشر!!، والله على ما أقول وكيل.

[5] – Concretized consciousness

[6]- Egypt. J. Psychiatry. (1980a) 3 : 159-161‏ “Expansion of the Concept of “Medical Model” in Psychiatry”

[7] – Quantum

[8] -The self and Its Brain, By Karl R. Popper and John C. Eccles, Springer International , 1977.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *