الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الاضطرابات الجامعة (31) (ستيفن وبرايس) (ب)

ملف الاضطرابات الجامعة (31) (ستيفن وبرايس) (ب)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 8-2-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3083  

 الأساس فى الطب النفسى  

 الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة (31)

8-2-2016_1

 الطب النفسى الطوبائى

الطب النفسى التطورى (ستيفن وبرايس) (ب)

مقدمة:

ما زلنا مع ستيفن، وبرايس وهما يقدمان لنا الطب النفسى التطورى بهذا العنوان الفرعى الجيد: “بداية جديدة” وقد قدمنا أمس بعض طموحاتها لما يمكن أن يحقق به هذا الطب الجديد (القديم) تطورا فى الطب النفسى التقليدى، وأنا لا أزعم أننى انتهيت من هذا الكتاب العظيم “من الجلدة للجلدة” لأننى رحت أبحث عن التطبيق العملي الممكن لهذه الأحلام السعيدة!! حتى وصلت إلى صفحة (242)، وإذا بى أفرح فرحا شديدا بمقطع شديد الجمال والدلالة، برر لى موقفى (كما سيأتى بعد) وهذا نصه:

“حين يدخل مريض إلى حجرة الكشف فإنه يدخل ومعه – إن صح التعبير – جمهرة من الناس الممثلين تاريحه الشخصى،

 8-2-2016_2

 

هذا ما يعرفه الطب النفسى من قديم. الذى يضيفه الطب النفسى التطورى هو أنه تبين أن هذا المريض نفسه يحضر معه أيضا أجداده من الصيادين وآكلى النمل والزواحف من تاريخ أسلافه،

8-2-2016_3

وحين تقترب الاستشارة من نهايتها  تصبح حجرة الكشف مليئة بمعارض المخلوقات البدائية التى لكل منها الحق أن يستمع له، وأن يُستجاب لاحتياجاته(1).

8-2-2016_4

أما الذى أفرحتى فى هذا المقتطف فهو أننى حين رحت أتمثله والمريض أمامى ومعه (بداخله/وامتدادا له) عشرات الأشخاص الذين استوعبهم وعيه بإذنه أو رغما عنه فى حجرة الكشف، أقول عشرات بل هم أكثر (إذن ليسوا فقط حالات الذات الطفل والناضج والوالد التى وصفها إريك بيرن فى التحليل التفاعلاتى)، حين تمثلت هذا الوضع ثم تلفت حول المريض وحولى وإذا بحسب المقتطف بكل هذه الأحياء تملأ حجرة الكشف (أو حجرة الدرس بل حجرات وعيى ووعيه !!) وجدت أن الدنيا قد ازدحمت أكثر مما أحتمل، لكننى لم أتنازل عن فرحتى بهذا التصور الخيالى الواقعى معا، واعتبرته أول خطوة نحو ترجمة التنظير إلى التطبيق، إن أمكن.

 فهل يمكن ؟!!؟ وكيف ؟

وجدت أننى فى ممارستى وفى حدود خبرتى وتنظيرى :  أتصرف فعلا كذلك، ولكن فى حدود ثلاث أو أربع أجيال من هذه الأحياء جميعا أو (أكثر إذا ما اضطررت إلى ذلك: وهذا ما سوف أعود إليه حين أقدم الطب النفسى التطورى الإيقاعحيوى) وتعجبت كيف يتصرف ستيفن أو زميله فى هذا الموقف! يا تُرى ماذا تفعل فعلا يا عمنا ستيفن حتى بمساعدة زميلك رايس؟  وكيف ستستمع  لكل هؤلاء ليس فقط من البشر، ولكن من سائر الأحياء الذين حضروا مع المريض فعلا ؟ وإذا به يسمعنى ويسارع بالإجابة  “أجابة رائعة” قال ما يلى بالنص:

“….ويصبح دور الطبيب النفسى مثل مدرب كرة القدم الذى يدرب كل لاعب على أداء دوره ويشحذ مهاراته حتى يتكامل مع سائر اللاعبين فتكون نتيجة تفاهمهم وتكاملهم هو اللعب بكفاءة كفريق فعلا وليس كأفراد يتنافسون فيما بينهم”

الله!!   الله!! وزادت فرحتى، وزادت حيرتى

رجعت إلى الصفحة السابقة (241) مرة أخرى لأتعرف على  مهنة تدريب الفريق هكذا، فوجدت الكتاب يتكلم عن التفاؤل العلاجى Therapeutic Optimism يقول فى ذلك:

“إن تفهم الأعراض على أنها إبداع وآلية هادفة، يكشف قيمة هذا التفاؤل العلاجى لدى الطبيب والمريض على حد سواء.

وهو يشرح هذا التفاؤل العلاجى بأن يواصل:

“فبدلا من إدراك الأعراض على أنها معاناة مخِلّة، فإنه يمكن استقبالها باعتبارها آلام النمو لشخص يجاهد ليتكيف لمتطلبات الحياة التى فرضت عليه”.

……………

“وعلى ذلك فإن مساعدة المرضى هو الأخذ بأيديهم ليواصلوا نموهم بعد عبور هذا المأزق المؤلم الفاشل (المرضى) الذى اختاروه مضطرين لأنه كان الممكن قبل العلاج”.

(مازال الكلام من الكتاب):

“وبدلا من أن تكون مهمة المرضى هى تلقى الدعم والأدوية يجرى تشجيعهم بالمشاركة فى معاناتهم حتى نواجه معا “معنى” المرض.

وهكذا تكون موضوعية (وجدوى) العلاج فى القدرة (المريض والطبيب) على تنمية علاقة إبداعية مع الأعراض، بما تعنيه من محاولات تكيف، وإن كانت قد أخطأت السبيل، فوظيفة العلاج هى تصحيحه إبداعاً.

أتوقف هنا عن الاقتطاف والإضافة الشارحة بين الأقواس (فقد كدت أقوم بترجمة الكتاب كله) ثم أقدم التعليق التالى:

مع اتفاقى (اتفاقنا) مع هذا التوجه العام البحث عن معنى الأعراض بدلا من الاكتفاء برصد الوصف بهدف تسميتها الأعراض، ومن حيث اسهام المريض فى اختيار المرض، أنظر قبلا اختيار الجنون  (نشرة 13-7-2008 زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون “1”) و(نشرة 20-7-2008 زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون “2”) وبالتالى إمكان (بل ضرورة) اسهامه فى إعادة اختياره بإبداع حل أفضل معاً، فإنى أرى أن ما قدمه المؤلف (2)يحتاج إلى ترجمة عملية أبسط وأكثر واقعية وتحديدا، كما يحتاج إلى إعداد معالجين مبدعين مشاركين وليس فقط رحماء أو منقذين(3)، وهكذا أجدنى مضطرا أن أعود للاقتطاف أمانة إذْ يبدو أن المؤلف قد سمعنا، فبادر يقول:

“حتى نتقدم بوضوح لشرح متطلبات مثل هذا العمل (العلاج هكذا) فإن على المعالجين أن يتعهدوا ذواتهم بدفع عجلة نموهم – شخصا -، وحفز قدراتهم الابداعية إذا كانوا يأملون فى رأب صدع مرضاهم ليعودا لمواصلة وجودهم الصحيح لكن هذا قد يضع الطبيب النفسى الذى يلتزم بذلك فى موقع التحدى (الإبداعى) لتحقيق ما يعد به هذا المسار إذ يتوقف النجاح فى هذه المهمة على مهارة المعالج فى إطلاق سراح القدرات الابداعية غير المستعملة عند المريض مثلما هو معروف فى “علاج كارل ج يونج” الذى يقوم بتعتعة النماذج البدائية: (الفيلوجينية) للتكامل الخلاق مع سائر قدرات المريض…الخ.

وبعد

ألستم معى بالله عليكم أن كل هذا الجمال وهذه المواصفات سواء فى المريض أو فى المعالج هى صفات طوبائية ما لم يكن هناك تغير جذرى فى طرق التدريب (بل فى طرق الحياة المعاصرة كلها غالبا)؟

بالله عليكم كيف يمكن أن يقوم مدرب كرة القدم هذا (المعالج) بتدريب هذه الألوف (بل الملايين) من الأحياء الذين حضروا مع المريض فى نفس الوقت بالإضافة إلى ما تحرك بداخله من شخوص وأحياء أيضا، حتى يمكن أن يتخلق وعى جماعى داخلى متكامل متعاون، يعمل معا حتى يصيب الفريق الهدف (وليس اللاعب وحده)….الخ.

مادام الوصف بهذا الصدق، والمعلومات بهذه الموضوعية، والنية بهذا العمق، فقد كنت أتوقع أن أجد بعض التفاصيل العملية بطريقة العلاج وتدريب حتى أستطيع أن أدافع عن هذا الطب النفسى التطورى بقدر ما فرحت به وأنست له وطمأننى، وقد وجدت بعض ذلك لكنه لم يكن كافيا.

هامش واعتذار:

وأنا اكتشف جهلى وتقصيرى فى الإلمام ببعض مراجع هذه النقلة التطورية فى الطب عامة والطب النفسى خاصة، انتهزت الفرصة لتعويض ما فات، وفعلا عثرت على بعض المراجع بنفس العنوان وبعناويين أخرى مثل: الطب النفسى الدارونى Darwinian Psychiatry ، وهو نوع من الطب الدارونى عامة Darwinian Medicine ، ولم أطلع بالقدر الكافى على ما يختلف أو يضيف، وإن كان القدر اليسير الذى اطلعت عليه – وأنا اكتشف جهلى المتراكم- لم يتفوق على هذا الكتاب الذى اقتطفت منه ما اقتطفت، بل كان أكثر تنظيرا وإجمالا وهو يركز أساسا على التفرقة بين المرض والدفاع Disease and Defense باعتبار أن العرض والمرض قد يكون دفاعا مشروعا (من منطلق تطورى) أما المرض فهو حين يتمادى هذا الدفاع فيسقط دوره الدفاعى وتحل الخسارة محل المكسب.

فى نفس الوقت حمدت الله على جهلى طوال أكثر من أربعين عاما، لأنه أعطانى الفرصة أن استمد مادتى وتنظيرى فيما اسميّه “النظرية التطورية الإيقاعحيوية” من واقع الممارسة التى افتقدتها فى معظم ما قرأت مؤخرا، وقد تصورت أننى لو بدأت بالنظريات المتاحة أولا لما استطعت مواصلة كشوفى من واقع الممارسة مع القراءة والمراجعة كما حدث حتى الآن.

 وهذا ما أمل أن أبدأ فى تقديمه اعتبارا من الغد.

– [1] لأهمية هذا المقتطف واستمرار مناقشته رأيت أن أورد نصه بالإنجليزية من الكتاب الأصلى وها هو ذا :  Page: 242

When a patient enters the consulting room, he brings with him, in a manner of speaking, a crowd of people from his past. That psychiatry has always known. What evolutionary psychiatry has recognized is that he also brings the hunter-gatherers, anteaters, and reptiles from his ancestral past. By the end of a consultation, the room is crammed with this menagerie, each member of which has a right to be listened to, and, if possible, to have his needs fulfilled. It is, says Gilbert (1989), like training a football team, encouraging each individual player to develop his skills and to integrate them with the skills of the other players, so that they come to the point where they play m effectively as a team rather than a set of competing individuals.

[2] – ابتداء من هنا سوف اتحدث عن المؤلف (مفردا) نيابة عن المؤلفين حتى لا اضطر إلى الإشارة طول الوقت ما لم يعد يعتبره القارىء العادى.

[3] – كما يدعو الطب النفسى الترجمى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *