الشعور بالذنب (1)

“نشرة” الإنسان والتطور

 27-1-2008         

العدد: 149

 الشعور بالذنب (1)

مقدمة:

الشعور بالذنب غير ارتكاب الذنب، وهذا بدوره غير تعريف حدود الذنب، الذى هو مشكل فى ذاته لأنه متعلق بإشكالة تعريف الأخلاق، مستوياتها وتشكيلاتها.

التركيز ونحن نتناول هذه القضية هنا فى هذه النشرة سوف يكون على ظاهرة الشعور بالذنب، ظاهراً أو غير ذلك، فهو قد يكون معلنا، أو كامنا، صريحا أو مضغما، وقد يظهر فى سلوك تطهيرى، أو استغفارى قهرى،

 الشعور بالذنب هو الإحساس الذاتى بأنى شخصيا مخطئ، مذنب، هو إحساسٌ آنىّ (الآن) كذلك، لكنه عادة ما يُطْلَق على حدثٍ مضى، أو يُطلق على الماضى عموما، وقد  يؤلف له الشخص (أو المريض) ما يبرره.

الذنب والوعى:

يبدو أن الشعور بالذنب قد نشأ مع ظهور الوعى البشرى بما عرف عنه أخيراً، أى بتعدد مستوياته، إذ لا يكفى أن يكتسب الإنسان ظاهرة الوعى ليقع فى إشكالة إصدار الحكم على نفسه بحكم قضائى داخلى خاص، وإنما يلزم أن يكون ثمة وعى، ووعى آخر، فثالث …. وأكثر، ومن ثم الجدل والحرية.

الإنسان منذ اكتسب الوعى، انفصل قليلا أو كثيرا عن هارمونية الزمان / المكان فى اتساعهما المطلق، فأصبح بإمكانه أن ينظر من موقف متعال إلى مسيرته الذاتية، وقد يصاحب هذا الانفصال تعدد مُجَادِل، وكذلك إمكانية اتخاذ قرار حر، مما يستتبع ظهور مسئولية ما،

 وبما أن الوعى المختار لا يمثل كل الوجود الفردى الذاتى، فإنه بالتالى لابد أن يوجد قرار مضاد كامن، جاهز مستعد للوم والمؤاخذة، ومن ثم المحاكمة، فالحكم، هذا هو منشأ “الشعور بالذنب”.

ذنب الانفصال عن هارمونية الكل هو الخطوة الأولى لتولد هذا الشعور، ويمثلها بوضوح شديد الفكر المسيحى، وإلى درجة أقل الفكر الإسلامى، ويقابل ذلك فى التنظير النفسى موقف أوتو رانك Otto Rank بصفة خاصة، حيث اعتبر الخروج من الرحم هو الصدمة الأولى (المقابلة للخروج من الجنة)، ثم راح ينظر إلى الانفصال عن الوالدين فى مرحلة لاحقة (هى المراهقة أساسا)، باعتباره باعثا لمزيد من تدعيم الشعور بالذنب (أنظر بعد)، وعلى نفس المستوى كان رانك هو الذى ربط الشعور بالذنب بالحرية (الفعل الإرادى) ربطا مباشرا ، حتى وضعها صريحة كالتالى “إن كل فعل إرادى ينتج عنه شعور بالذنبوقد يكون هذا موازيا لمعنى الأمانة التى حملها الإنسان: “إنه كان ظلوما جهولا“.

فظهور الوعى وما صاحَبَهُ من إعلان الانفصال عن الطبيعة جزئياً أو مرحليا، وكذلك ما صاحبه من اكتساب حرية الإرادة، هما أول علامات تشير إلى تولد هذا الاحتمال.

لكننى قلت للتو أن المسألة تحتاج إلى وعى آخر (على الأقل) حتى يمكن للذنب أن يحتل الوساد الشعورى الظاهر، وقد اعتاد النفسيون أن يصوروا هذا الوعى الآخر باعتباره الضمير، أو الأنا الأعلى، لكن ثَمَّ احتمالا آخر (من منطلق أوتو رانك، وكذلك الفكر الدينى) وهو أن يكون المعاقِب، واللاِئم هو وعى الرغبة فى الاعتمادية المطلقة (العودة إلى الرحم / العودة إلى الجنة / العودة إلى الطبيعة)، فيصبح الشعور بالذنب هو إعاقة والدية سلطوية كما يصبح أيضا، وربما قبلا، وظيفة تعطيلية ضد الحرية وضد الاستقلال، لصالح الاعتمادية الرضيعية (أو حتى الرحمية) من ناحية أخرى.

تجليات الشعور بالذنب:

للشعور بالذنب تجليات مختلفة، تتجاوز مجرد إعلانه بالألفاظ، وقد تظهر فى مجالات مختلفة، بأشكال متعددة نكتفى بالإشارة إلى بعضها فيما يلى:

1- المستوى الدينى:

يؤصل الفكر الدينى بداية هذا الشعور منذ بدء الخليقة، وهو ما يتمثل فى أديان مختلفة بأشكال مختلفة، لعلها ترجع جميعا إلى ذنب التجاوز بالأكل من الشجرة المحرمة، ومن ثم الخروج من الجنة.

تتجلى مظاهر التأثيم بعد ذلك، بحق وبغير وجه حق، فى المبالغة فى الترهيب والنهى عن الحرام أكثر من الترغيب والإفساح للعفو والسعى والكدح إلى الاتصال“كل من انفصل عن أصله يطلب أيام وصله (قول صوفى)

وثمة مظاهر دينيه جماعية موسمية تركز على دور هذه الظاهرة مثل الأعياد التى ترتبط بذكرى صلب المسيح عليه السلام، أو استشهاد الحسين رضى الله عنه

2- المستوى الأخلاقى الاستقطابى:  الخير والشر

مع الاستقطاب الشائع بين الخير والشر، خاصة إذا بولغ فى هذا الاستقطاب تبعا لمنظومات اجتماعية حياتية وقانونية مختلفة، أو سياسية خبيثة يرتبط الشعور بالذنب ليس بمجرد مخالفة ما يعتقد أنه خير، أو يفرض عليه أنه كذلك، ولا بارتكاب ما هو شر أو ما يعتبرونه كذلك، وإنما بحكم الشخص على نفسه وهو يخالف الخير أو يرتكب الشر، ذلك أن مجرد التصادم مع القانون والعرف اللذان يحددان الخير من الشر لا يكون مصاحبا بالضرورة بالشعور بالذنب.

3- المستوى التاريخى (أمثلة: الهولوكوست  – مقتل الحسين – ..إلخ)

عبر التاريخ ، كأن للتأثيم ومن ثم للشعور بالذنب مركزه المحورى، سواء فى الأساطير، أو فى تبريرات التمييز العرقى أو فى الحروب، ولعل أظهر مثل ذلك هو استثمار زعم الهولوكست للتأثيم والتجريم والقهر، ليبررو به طرد الناس من أرضهم، ثم القتل والإبادة .

4- مستوى التحليل النفسى: عقدة أوديب

لعل أهم الأسس التى بنى عليها فرويد تفسيره للعلاقة الثلاثية بين الابن والأب والأم هو الشعور بالذنب، وهو قد أرجعها إلى عقدة أوديب أساساً ، وقد انتشر هذا الفرض انتشاراً كاد يجعله حقيقة راسخة، مما سنرجع إلى مناقشته فى حينه، إن من أهم ما يرجع إليه هذا الشعور هو تجاوز نحو الأسرة  Grammer of the Family  الذى يحدد الممنوع من المسموح، أما الاقتصار على تفسير ذلك بما سمى عقدة أوديب فهذا هو ما سنرجع إليه فيما بعد كما ذكرنا

5- مستوى الأعراض المرضية: إيذاء الذات وطقوس التطهير

لا يقتصر عَرض الشعور بالذنب على إعلانه بالألفاظ دليلا على الاكتئاب وبالذات على النوع النعّاب منه Nagging Depression وإنما يمتد كثيراً، وربما أساساً، إلى مظاهر عديدة من مظاهر الاضطراب الوسواس القهرى، وخاصة ذات المحتوى الدينى (أنظر يومية 29-12-2007 “الوسواس القهرى فى رحاب مولانا النفرى “1”)

6- مستوى الإبداع: (أنظر بعد)

تتجلى ظاهرة الشعور بالذنب فى كثير من أشكال الإبداع، والأمثلة لا تنتهى مما سيرد ذكره فى عرض تفاصيل الاستشهادات الداعمة للفروض المقدمة (من أوديب ملكا إلى ديستويفسكى إلى سارتر)

وفى نفس الوقت، سوف نبين كيف أن عملية الإبداع ذاتها هى من أهم المسارات الايجابية لحل هذا الشعور الأساسى من خلال ما أسميناه المسار الإبداعى ذاته، كما سيرد لاحقا.

الخطوط الأساسية للفرض

يمكن عرض الخطوط العريضة للفرض الذى تقدمه هذه الأطروحة متسلسلا على الوجه التالى:

1- الشعور بالذنب هو التفسير الظاهر لشعورٍ أعمق بـ ”وعى الفصل“.

2- إن بزوغ الذات (الوعى بـ ”أنا متفّرد“) يصاحبه: روعة آلام الحرية, المرتبطة بمسئولية الإرادة والوعى بالذات (ومن ثَمَّ ==> الشعور بالذنب)

3- وهو مجرد بداية وليس ”مُسَلّمة“ نتوقف عندها، بداية تحفز للتعامل معها

* أنا موجود ==> إذن أنا مذنب

* أنا أختار- أفعل == > إذن أنا مذنب

* أنا أحمل أمانة الوعى == > إذن  أنا مذنب

ثم يتحرك التعامل مع ذلك على المسارات المختلفة

3- يتواكب هذا الظهور مع تميّز عمل النصفين الكرويين للدماغ (الخ) (Eccles 1991)

4- يصبح هذا الشعور نفسه دافعا نحو النمو (سعى حركية  الوصل الجدلى بالوعى الكونى المتغير إلى المطلق).

5-  قد ينقلب هذا الشعور ليصبح دافعا ومبررا للتوقف عن الوعى به والتفكير فيه، والانطلاق منه، ومن ثـَمَّ يعتبر آلية دفاعية تخفف من إلحاح تحمل مسئولية الوجود متفردا، فالنمو.

وإذا رسخت هذه الخطوة واستقرت، كأنها الأصل والنهاية معاً، يتجمّد النمو.

وبعد

بعد هذه المقدمة المطولة أجدنى مضطرا للتوقف قليلا لحين استيعاب بعض معالمها

 وأعتقد أن هذا الموضوع سوف تلزمه عودة وعودة، حتى نعرض المسارات المختلفة لهذا الشعور الأساسى فى الوجود، المسارات السلبية والإيجابية، وكذلك سوف نعرض ما تيسر من حالات وأحوال ما أمكن ذلك

اختيار يومية الغد

 أرجو أن أوفق غدا للاختيار ما بين تقديم: لعبة الشعور بالذنب مع أسوياء متطوعين نختبر من خلالها موقفنا – كأسوياء مما نسميه الشعور بالذنب، وبين البدء بعرض نصوص داعمة، انطلاقا من مواقف النفرى وقراءتى لها، فمن ناحية هو يمثل بعض ما نحاول تأكيده من ضرورة الأخذ فى الاعتبار البعد الثقافى الخاص، ومن ناحية أخرى نتذكر ونفرح به وهو ينكر ما ينكر تقربا إليه (انظر يومية 29-12-2007 “الوسواس القهرى فى رحاب مولانا النفرى “1”).

دعوة للعب:

مرحليا، وعلى سبيل التسخين، أتقدم بدعوة للقارئ أن يلعب اللعبة التالية بصوت عال ويكملها كيفما اتفق، ثم يكتبها أو لا يكتبها حتى نلتقى .

ونعيد التذكرة بما سبق أن أوضحناه من ضرورة الالتزام لمن يريد أن يلعبها ابتداء سواء أرسل النتيجة إلينا أم لا

المطلوب:

لا تحاول أن تجيب بالقلم والورقة (لو سمحت)

– تلعبها بصوت عال، مع نفسك أو مع صديق واحد أو اثنين يشاركانك (أو صديقة أو أفراد الأسرة)

– لا بد من تكرار العبارة المقترحة ، وليس الاكتفاء بتكميلها

– كلما كانت الاستجابة أسرع، كانت التلقائية أجهز

– حاول أن تلعبها بأكبر  قدر من التمثيل (مشتملا الوجه والعيون والجسد).

– لا  تحاول أن تسارع بفهم أو تفسير ما قلتَ

– يمكنك أن ترسل لنا استجاباتك إلى الموقع بعنوان (لعبة الشعور بالذنب)

– طبعا من الأفضل أن تسجلها لنفسك صوتيا، حتى لا تعتمد على الذاكرة فهم عشر لعبات (أو يمكن أن تكتبها لنفسك أولا بأول بعد أن تكون لعبتها بصوت عال)

طبعا من حقك أن تمزق الإجابات، وتمسح الشريط، أو ترسلها باسم مجهول، لكن يستحسن أن تذكر السن، العمل، والنوع (ذكر أنثى، ولا مؤاخذة) بالإضافة إلى ما تشاء من معلومات.

***

وفيما يلى الألعاب العشرة حتى نلتقى:

(يمكن أن نشاهدها بالصوت والصورة، شكراً)

1)      انا نفسى أروح اعتذر لكل اللى أذيتهم مع انهم  ………………….

2)      الاعتراف بالذنب مش كفاية ، انا لازم ………………………………

3)      أنا مش مذنب للدرجة دى ، الحكاية إنى …………………………….

4)      يتهيألى إن كُتْر الكلام عن الذنب من غير ما اتغير يمكن يخلينى …………..

5)      الظاهر الشعور بالذنب ده بيعطّلنى والأصول إنى …………………………….

6)      حتى لو أنا مذنب زى ما أنا فاكر، مش يمكن …………………………………

7)      أنا باستغفر ربنا كتير بس مش عارف على إيه بالظبط، أصل أنا …………….

8)      قال يعنى لما أقول أنا مذنب يبقى بقى …………………………….

9)      ماهو لو الشعور بالذنب كان نفعنى كان زمانى ………………….

10)  إللى عايز يصلّح الذنب اللى ارتكبه بصحيح لازم يعمل حاجة تانية، أنا مثلاً …………

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *