الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الشعور بالذنب (2) النفّـرى..، والشعور بالذنب

الشعور بالذنب (2) النفّـرى..، والشعور بالذنب

“نشرة”  الإنسان والتطور

28 – 1 – 2008

العدد: 150

الشعور بالذنب (2)

النفّـرى..، والشعور بالذنب

وجدتـُهُ فجأة فى حجرتى وأنا أعد نشرة اليوم لأعرض استجابات المشاركين فى لعبة “الشعور بالذنب” التى عرضت نصها أمس دون عرض أو مناقشة الاستجابات، متصورا أن فى ذلك تمهيدا طيبا لموضوع صعب، نال من الشهرة والتسطيح ما نال.

 انتبهت إلى وجوده مؤتنسا بلا مبرر ظاهر، لم أتعرف عليه، لكن غلب حبى له على خوفى من المفاجأة، ودهشتى من الغرابة.

 قلت له وأنا أحاول أن أعتبر الموضوع عاديا (لست أدرى كيف):

وعليكم السلام، من ؟

قال:

ألا تعرفنى؟

قلت وأنا على يقين أننى لا أكذب:

طبعا أعرفك

قال:

فلمَ تسأل؟

قلت:

لأعرفك

قال:

أنا محمد بن عبد الجبار بن الحسن

قلت:

يعنى ماذا؟

قال:

يعنى أنا “هو”

قلت:

“هو” من؟ عرفتك من البداية، لكننى كنت أريد أن أصدق أنك “هو”، مولانا النفرى

قال:

أنا أنتَ لو احسنتَ النظر

قلت:

وهل أنا أهلٌ أن تزورنى هكذا؟

 قال:

وهل أنا أهل لما أنا أهل له؟ دع كل ذلك وقل لى: لماذا أجـّلت تقديم ما “قاله لى“، عن الذنب؟  أليس الأوْلى أن نستمع إليه؟  أن نفتتح به ما تحاول؟

قلت:

وهل هو كلامك أم كلامه؟

قال:

أنت تعلم.

قلت:

استشهدتُ بأحمد بهجت حين قال أن تعبير “وقال لى” يعنى أنه: “عرّفك بأنْ رفَعَ حجابكَ فعرفتَ

قال:

أحمد بهجت رجل طيب

قلت:

وأنا ؟

قال:

أنت أَعرفُ بنفسك

قلت:

أنت أدرى أنها رحلة طويلة لا تنتهى، وهل أنت عرفت نفسك؟

قال:

ما هذا؟!!  لو عرفتـُها ما قلتُ ما قاله لى، حين أقول لك “أنت أعرف بنفسك“، أعنى أعرف منى، ولاأعنى أنك تعرف نفسك

قلت:

وهو؟

قال:

أقرب من حبل الوريد

قلت:

فلماذا  كفّروك

قال:

يغفر الله لنا ولهم

قلت:

ولماذا هاجرتَ إلى الفرنجة فعرفوك أكثر منا، حتى عدنا نستلهمك من خلالهم

قال:

لكل مجتهد نصيب

قلت:

علـّمتنا يا مولانا ألا نخشى الوسواس، بل إن منا بعد ما قرأك، ثم قرأ قراءتى لك، من راح يرحب بالوسواس، فلا يجده.

قال:

أليس هذا ما تريدون، أن تتخلصوا منه؟!

قلت:

ليس بعد ما قلت لنا ما “قاله لك”، وهل يكون الأمر كذلك بشأن الشعور بالذنب؟

قال:

دعنا نأمل

قلت:

أنت تعرف أن ما أحاول أن أبلغه عنك إليهم يجعل المغفرة بلا حدود، ويذيب ما يسمى المرض أو الخطيئة فى كلٍّ أجمل، فلا يعودان كذلك

قال:

عليك نور

قلت:

لكن المهمة صعبة

قال:

الأصعب أسهل، ألم يصلهم ما قلناه عن الوسواس؟

قلت:

لا أعرف إن كان قد وصلهم أم لم يصلهم.

قال:

ليس مهما، هذه ليست مهمتك، فليصل ما يصل إلى أصحابه.

قلت:

مهمة من إذن؟

قال:

مهمة جمال ترك

قلت:

هل تعرفه؟

قال:

بارك الله فيه وفيك

قلت:

فأنت راض عنى

قال:

الرضا ليس منى، الرضا هو منك

قلت:

منى !!!؟

قال:

يعنى منه، بقدر اجتهادك.

قلت:

ترانى مجتهدا ؟؟

………

………

وقال لى:

  • أكتب ما ترى ولا تنتظر

وقال لى:

  • إحكِ عنى، حتى لو أخطأت، فهو الصواب بعينه، حتى لو لم تفهم

وقال لى:

  • لا تسْتسهِل، أو تـُسهِّـل

وقال لى:

  • تذكـّر ما صدّرتَ به كتابك منذ ثلث قرن”…

مثل‏ ‏البرق‏ ‏بين‏ ‏الغيوم‏ ‏السوداء‏،‏

سوف‏ ‏تخترق‏ ‏كلماتى ‏ظلام‏ ‏فكرك‏،‏

لتصل‏ ‏إلى ‏إحساسك‏ – ‏وجدانك‏ – ‏مباشرة‏،‏

فلا‏ ‏تحاول‏ ‏أن‏ ‏تفهمها‏ ‏جدا‏ ! ….‏

ولسوف‏ ‏تشرق‏ ‏فى ‏فكرك‏ ‏بعد‏ ‏حين

‏.. .. .. .. .. ! ! ! ‏

قلت:

يا مولانا، أنت بما هو أنت تستشهد بما قاله مثلى؟ !

سامحنى يا مولانا أنى قرأتك وأقرؤك كما فعلت وأفعل؟

قال:

وهل سامحك محفوظ وأنت تقرأ أحلامه؟

قلت:

محفوظ  ؟؟!!!! كنت متأكدا أنكما معا، سلّم لى عليه، فقد أوحشنى.

قال:

حاضر

قلت:

لكن مدى علمى أنه لم يقرأك جدا

قال:

وهل هو فى حاجة إلى قراءتى .!

***

عن الشعور بالذنب: من مولانا النفرى

وقال لى:

 لا ترجع إلى ذكر الذنب فتذنب بذكر الرجوع.

وقال لى:

 ذكر الذنب يستجرّك إلى الوجْد به،

والوجْد به يستجرّك إلى العود فيه

موقف الصفح الجميل (ص 57)

* * * *

أوقفنى فى الصفح الجميل

فقلتُ لى:

يا خطّاء أنت كما خلقك فسواك فعدَلكْ،

إن كان ما مضى مما اقترفتَ قد مضى، فهو لم يعد ذنبا إلا إن كنتَ مصرا على جمودك عنده.

وتكراره لا يعنى إلا الوجْد بِهْ

والوجْد بهْ هو الذى يستجرك إلى العودة إليه

تنغلق الحلقة عليك وأنت داخلها

تدور حول نفسك تلهث بكلمات ،

 ولا تدرى أنك لا تفعل إلا إعلان ثبات موقفك فى بؤرة ذنبك وحولها

 ذكر الذنب تمسّك به، وإصرار عليه.

هو دليل على الوجْد به، ودعوةٌ للعودة إليه،

إنك لا تستغفر بذكره، أنت تحكى عنه.

الذنب الأكبر من الذنب: هو الذى ذِكرُه يحول بينك وبين غافر الذنب.

هو الذى يوقف سعيك إليه.

هو الذى يعوق كدحك للقائه.

أنا مذنب إذن أنا موجود“.

إفرح بوجودك، وامضِ إليه

ثم أوقفنى فى موقف الصفح الجميل

فقلتُ له:

ذنب المعصية وذنب الغفلة وذنب السهو وذنب فرط العشم فيك:

 ذنوب تذكــّرنى بك، فتلهب كدحى إليك

أنا لست مذنبا مهما أذنبت.

لست مذنبا ما أخلصتُ السعى فانصهرتُ فى بوتقة المحاولة والكشف والتعلم والمجازفة والرعب.

منذ عرفت الطريق إليك، واطمأننت لوقفتى فى رحابك توقفت عن النعابة.

لم أتوقف عن التألم، ولا عن التعلّم.

الذنب الذى يعلّمنى يغيّرني.

فلا أعود أنا هو الذى أخطأ.

فلِمَ ذكر الذنب، اللهم إلا إن كنتُ أتذرّع حتى لا أتغيّر؟

ذكر الذنب إصرارٌ لعودة إليه، والعياذ بك من مثل ذلك،

حتى إذا عدت إليه فلن يكون هو هو

حيث لن أكون أنا: أنا

أرجِعُ إليكَ راضيا مرضيا

أنا أذنب، وأنت تغفر، فأتغير.

فلماذا ذكر الذنب وأنت الجديد به؟!.

وأنا الجديد إلىّ بك؟

***

أوقفنى فى العهد وقال لى

 أطرح ذنبك على عفوي

وألق حسنتك على فضلي

موقف العهد (ص 83)

وجدت نفسى فى موقف العهد فقلت له:

لو لم توقفنى فى العهد لما ترددت أن أقتحمه عشما فيك، وثقة بك،

وهل أمامى سبيل آخر؟

 طلقت الذنب حين رضيتُ أن أتحمل يقين أخطائى.

 يقينى بعفوك مسح الذنب، لم يبرر لى تكراره.

حين أطرح ذنبى على عفوك، يصبح حسنة أطرحها على فضلك، فتباركها

فأين الذنب؟

هذا هو حيائى منك.

إذا طرفت عينى بعيدا عنك أذنبت فى حق نفسى لا فى حقك.

وإذا وجب قلبى لغيرك حرمت نفسى من نبضةٍ أنا أوْلى بها إليك.

هو العقاب، وأنت أعدل من أن تعاقبنى مرتين.

الحسنات هى أيضا لى، وقبولها مرهون بأن تكون خالصة لك،

إن خلُصت حسنة واحدة إليك، فقد عرفتك،

وإن عرفتك فمن أين تأتى السيئات

هى كلها حسنات،

 فما أَعـْدَلَك.

****

وقال لى إذا أذنب الواجد بى جعلتُ عقوبته أن يذنب ولا يَجِدُ بي.

وقال لى إذا أذنب وهو واجد بى استوحش من نفسه

واحتج لى عليها، وإذا أذنب ولم يجد بى أنس

بمبلغ تأويله واحتج علي

موقف القوة (ص 127)

****

وقفت فى موقف القوة وقلت له:

الذنب عقوبة لا تحتاج إلى عقوبة عليها،

فما بالك إن اقترن بالحرمان من الوجد بك.

حين أُذنب وأنت معى، يغلبنى الحياء، فأستوحش، وأكره الذنب.

 لولا عشمى فيك لما رجعت إليك مؤتنسا برغم ذنبى.

حين أذنب فأبرر وأفسـّر يبدو كأنى أعتذر فكأنى أصرّ.

أبتعد عنك، فيحرمنى الذنب من الوجد بك،

خجلا أو عمًي.

الوجد بك فرصة لأعيد تخليق نفسى من خلاله.

فتتخلق منى إليك، إليهم

وتتخلق منك إليها، إلىّ

الذنب يترصدنى وأنا أجد بك،

نغمة نشاز

جسم غريب

إلا أن يقربنى إليك، إليهم

لا أريد أن أظلم نفسى مرتين

مرة بالذنب

ومرة بالبعد

****

وقال لى اجعل سيئتك نسيا منسيا،

ولا تخطر بك حسنتك فتصرفها بالنفي.

وقال لى قد بشرتك بالعفو فاعمل به على الوجْد بي

وإلا لم تعمل.

وقال لى يا ولى قدسى واصطفاء محبّتي.

وقال لى يا ولى محامدى يوم كتبت محامدي

موقف الصفح الجميل (ص 131، 132)

قلت له بعد أوقفنى فى موقف الصفح الجميل

علمتنى أن الوقوف عند السيئة هو وجْدٌ بها،

وفرط الاستغفار عن السيئة هو تذكيرٌ بها،

إعلان الذنب تجاه السيئة هو إصرارٌ عليها،

لا أجعل السيئة نَسْـياً فتختفى منى تحت السطح

حين يصبح النسْىُ منسيا تذوب السيئة فى “الكل” فلا تعود سيئة.

 اجترارى ذكر الحسنة هو دلال عليك.

 أنا أهل له.

 وأنا خجِلٌ منه.

كرمك وأنت تمنحنى ولاية قدسك، واصطفاء محبتك، وولاية محامدك هو حارسى ومانعى من التطاول عليك بمعاودة السيئات،

 أو بتذكر ما فات.

يحيى

وبعد

هل لكل ذلك، أو بعضه علاقة بالطب النفسى؟

بالصحة النفسية؟

بثقافتنا ؟

بثقافة كل الناس؟

بأمل الكل فى وجود آخر يتواصلون معاً إليه؟

ربما،

دعنا نرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *