الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الاضطرابات الجامعة (26) الطبنفسى[1] السلبى والطبنفسى الإيجابى

ملف الاضطرابات الجامعة (26) الطبنفسى[1] السلبى والطبنفسى الإيجابى

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 24-1-2016

السنة التاسعة

العدد: 3067  

الأساس فى الطبنفسى

الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة (26)

الطبنفسى(1) السلبى والطبنفسى الإيجابى

مقدمة:

لمناسبة جيدة لها ارتباط وثيق بهذا الذى نقدمه عن ما هو: “طبيعة بشرية” نتعرف عليها من ثقافتنا، وجدتنى فى مراجعة لتشكيلات وتنويعات ممارسة الطبنفسى، ويبدو أن التفرقة زادت حتى تنوع الطبنفسى إلى أنواع كثيرة (ليست فروعا) من أقصى طرف إلى أقصى الطرف الآخر، فرأيت أن انتهز الفرصة لأقدم نبدذة عن رأيى فى هذه التنويعات وما يقابلها فى خبرتى حتى لو شغلت بضع نشرات، ثم أربط بينها وبين ما هو “بشرا سويا: فى اليتخلّق”(2).

المناسبة:

 تصادف وأنا أعد هذه النشرة أن كلفت من قبل رئيس قسم الطب النفسى، قصر العينى، تلميذتى  المحبة للعلم، البالغة الرقة والمهارة والحصافة أ.د. عزة البكرى، أن أسهم بمحاضرة افتتاحية فى مؤتمر القسم السنوى المزمع إقامته فى القسم يوم 24 فبراير 2016، وعنوانه “الطبنفسى الإيجابى“.

 فرحت بالأسم وتصورت أنه أخيرا بدأ الحديث عن الطبنفسى الذى أحاول أن أدعم ممارسته فى هذا القسم العريق الذى تربيت فيه، ومازلت أشعر أننى مدين له ولما يمثله بقية حياتى. شـَمـَّرت عن ساعدى، وبريْتُ قلمى، واستعنت بالله واستعددت، وقلت لنفسى: هكذا أستطيع بالأصالة عن نفسى والنيابة عن زملائى أن أعلن كيف أن هذا القسم حاول ويحاول أن يقدم الطبنفسى من منطلق ما يميز ثقافتنا المصرية العربية الإيمانية بوجه خاص ومازالت المحاولة مستمرة.

حين غمرتنى كل هذه الأفكار فرحت بها وفرحت لها وأنا أتصور أن أ.د. عزة حين اختارت هذا العنوان تعنى كل ذلك تحديدا، لأننى أعرف مدى انتمائها لهذا القسم وما يمثله، وهى ثانى من تقدم من زملائى ليقوم بتسجيل أطروحة تقدمه لدرجة الدكتوراه فى الطبنفسى فى موضوع العلاج الجمعى(3)وكانت رسالتها عن “دور الاكتئاب والعدوان فى العلاج الجمعى”، وكيف يكون سلبيا أو إيجابيا، وكيف يعلن عن مأزق التغير (4)وكيف يمكن أن ينقلب السلبى إلى إبجابى أثناء ممارسة هذا العلاج الجمعى، وقد كنت – مع أ.د. عماد حمدى غز – مشرفا على تلك الرسالة، وحين تولت أ.د. عزة رئاسة القسم  واقترحت هذا العنوان لأول مؤتمر سنوى تتولى رئاسته: اطمأننت – من العنوان- إلى ما تبقى عندها مما يميز القسم، بل والعلاج الجمعى، وقد كنت أناقشها منذ أسابيع بعد أن أصبحت رئيسة القسم فى عدم انتظام بعض الأطباء المقيمين الذين يتدربون معى على العلاج الجمعى، فإذا بها تنزعج وتتأسف، وتقول: يا خبر!! كيف سيصبحون أطباء نفسيين وهذا هو الطبنفسى على حقيقته!!!!

اطمأننت وزادنى ذلك حماسا أن تكون مشاركتى فى مؤتمر القسم هذا العام هى الرد الأشمل إكمالا للنقد الذى أوردته فى محاضرتى الافتتاحية للمؤتمر الدولى الثانى عشر الذى عقده قسم الأمراض النفسية فى جامعة الاسكندرية قبل عامين آنذاك بعنوان “الطبنفسى التـُّرْجـَمِى” (5) كان مقالى الافتتاحى فيه هو شجب هذا المفهوم تماما، وعرض ما يناقضه بل ربما ينفيه، حيث يوصى هذا الطبنفسى التـُّرْجـَمِى أن تكون الممارسة من المعمل إلى السرير(6)، أى أن مهمة الطبيب النفسى هى أن يأخذ نتائج الأبحاث كما ظهرت فى معامل الأبحاث وغيرها ليطبقها فى ممارسته الإكلينيكية (السريرية!!)(7) وقد رفضت هذا التوجه جملة وتفصيلا منبها أن الممارسة ينبغى أن تكون من السرير إلى المعمل، بمعنى أن الممارسة الاكلينيكية والنتائج العملية بما فى ذلك النجاحات والصعوبات والفشل هى التى تحفزنا لابتداع الفروض التى قد تحتاج لاختبارها إلى مناهج البحث العلمى المناسبة، التى منها (وإن كانت أقلها) مباحث الخلل الكيميائى فى المعمل، لعلنا نجد ما يفيدنا لحل الصعوبات ودعم الإيجابيات، فكانت ورقتى بعنوان: “العلم المعرفى العصبى من الممارسة إلى البحث العلمى”(8)

ثم ها هو قسمنا يرد عمليا على مؤتمر زملائنا بالاسكندرية بالتنبيه إلى بقية القصة، شكراً عزة.

ثم إنه قد خطر لى قبل أن أذهب لاستشارة عمنا جوجل عن أصل وحدود هذا المصطلح المسمى “الطبنفسى الإيجابى”، خطر لى خاطر قلت أعلنه أولا قبل استشارة المراجع المتاحة ، وفحوى هذا الخاطر يقول:

إذا كان هناك ما يسمى الطبنفسى الإيجابى وأنا لا أعرف له بعد تعريفا محددا(9) فلابد أن هناك ما يسمى الطبنفسى السلبى، وبالتالى يصبح معنى الطبنفسى الإيجابى هو أنه “عكس” ما هو الطبنفسى السلبى أو على الأقل “ما ليس” هو الطبنفسى السلبى، هكذا تدفقت علىّ أفكار وتذكرت خبرات وحضرتنى انتقادات بلا حصر لم تحتج منى إلى استشارة عمنا جوجل ابتداءً، ولا صاحبة الفصل والكرامات موسوعة: ويكيبيديا.

قلت أتداعى من خلال خبرتى أولا فأعدد ما أتصوّر أنه الطبنفسى السلبى، وإذا بصور سلبيات الممارسة الطبنفسية تنهال علىّ كما يلى:

أولاً: الطبنفسى التصنيفى: وأعنى به ممارسة الطبنفسى بطريقة تقليدية بتسلسل محكم كالتالى: “مرض” => تشخيص => (حسب دليل محدد) ثم سبب ذلك (ما أمكن  ذلك) ثم => وصفة طبية دوائية لهذا المرض تحديدا حتى => اختفاء (أو أمل فى اختفاء) الأعراض بصفة عامة.

 هذه هى الممارسة التقليدية التى يتم الاعداد لها بالتدريب والتعليم والتسميع والتطبيق (حتى إجازة الشهادات العليا والمتوسطة) بالحث على اتقان مهمة التشخيص بجمع جزئيات ما يعانى منه المريض من أعراض، ثم تصنيفه حسب الدليل المُجَدْوَل!!، ويتوالى التدريس والتدريب لشحذ هذه المهارة بطريق مباشر وغير مباشر، ثم يجرى التقدير حتى الحصول على الدرجة (الشهادة) على مدى نجاح ما يلم به الدارس، أو يتخصص به المستشار (الطبى) وهمه الأول هو وضع اللافتة الصحيحة على صدر المريض.

وتسرى عدوى هذا الموقف إلى المريض، وبدرجة أكبر وأكثر: إلى أهله، ويصبح السؤال “هوّا عنده إيه“؟ أهم من السؤال “طب نعمل إيه” عشرات المرات.

وبالرغم من أن التنبيه يتكرر وأحيانا التحذير أن التشخيص ليس هو كل شىء، أو ليس هو غاية المراد، وبالرغم من ان من يمارس هذا النوع لا بمانع من قبول هذا التحذير من حيث المبدأ إلا أن واقع الحال يشكك فى عمق وجدوى هذه الموافقة.

وبمجرد وصول هذا الطبيب إلى التشخيص الأرجح ينتقل التساؤل المنطقى إلى البحث عن سبب هذا المرض المصنف بتلك اللافتة التشخيصية، وتتوقف الإجابة على هذا التساؤل على مرجعية الطبيب العلمية والمعلوماتية، كما تتواتر تساؤلات الأهل (أكثر من المريض عادة)، فى نفس الاتجاه وهم يطرحون السؤال المنطقى الذى يقول: “هوّا اللى جاله ده من إيه”.

وتتراجع أكثر أهمية التخطيط العلاجى الذى يبدأ (أو ينبغى أن يبدأ) من “هنا والآن”.

 وحين تتوالى الإجابات (إجابات الطبيب) المختزله أو السطحية أو حتى المطَمْئِنَةْ للأهل أحيانا على حساب الحقيقة (10)، يقفز لنا الطبنفسى الترجمى يعرض خدماته التى تحدد وبشكل حاسم أنه مادام التشخيص كذا إذن فالعلاج كيت، ومهما نفى الطبيب أن تتصف ممارسته بهذه المباشرة الاختزالية، فبقليل من التأمل سيكتشف أنه إنما يمارس ما أنجحه فى الامتحان وحصل به على شهادته ثم تميز به فى تخصصه، وهو عادة لا يستطيع إلا أن يطبق ما تعلم بحسن نية، وهو حريص على حقوق ومشاعر المريض وأهله غالبا.

ثانياً: الطبنفسى الكيميائى (العلمى!): وهو الاسم الحقيقى وراء الاسم الحركى “الطبنفسى الترجمى” الذى ورد فى المقدمة، وهو الطب الذى يختزل المرض إلى أصله الكيميائى المشتبكى عادة (11)وبالتالى تصبح مهمة هذا الطبَّ هى تصحيح هذا الخلل الكيميائى، فإذا كان السبب هو زيادة فى مادة “كذا” فالعلاج هو معادلة هذه المادة بما يبطل مفعول هذه الزيادة أو ينقصها حتى تعود إلى مستواها الطبيعى  إن أمكن ذلك.

ويتخفى هذا النوع من الطبنفسى كثيرا تحت أسماء أخرى غير “الطبنفسى الترجمى” مثل “المنظور البيولوجى”، وقد يخفون طبيعته تحت أسماء “حركية” تخفى حقيقته أكثر حين يطلق عليه اسم “النموذج الطبى”(12) فى محاولة إلحاقه بقافلة الطب العام وفروعه المحترمة(!) ولأن الاسم هو اسم حركى فهو يسمح لممارس هذا الطب الاختزالى أن يقتنع أنه إنما يمارس طبا مثل كل الطبوب، وهو بهذا لا يعرف – غالبا – أنه إنما يشارك بذلك فيما آلت إليه معظم ممارسة الطب الأحدث باعتباره علما مُـحـْكمـَاً وليس باعتباره تطبيقا حِرَفيًّا فنيا لكل العلم والمعلومات والخبرة المتاحة، ولا يكتشف الممارس (والمريض أحيانا)، ما وراء هذا الاسم الحركى، وأنه انتقى من الطب أبعد أنواعه عن فن اللأم ومهارة الدعم وإبداع النقد أنه يتمادى فى تبنى ما يمكن أن يسمى الطب السلطوى المدعم بسلطة المال وشركات التأمين والمحامين، وللأسف يقتصر القياس فى هذه الممارسة على فروع من الطب أبعد ما تكون عن طبيعة المرض النفسى والطبنفسى مثل طب الحميات(مكروب ==> مرض ==> مضاد حيوى  ===> شفاء) أو الطب الكمّى (13) مثل طب الغدد الصماء، زيادة هرمون كذا أو نقص هرمون كيت ثم معالجة ذلك بتثبيط مصدر الزيادة أو بتعويض النقص بهرمونات دوائية.

هذا واحتراما لفكرة هذا النموذج الطبى أن أضيف إليه بعض ما يوسع دائرة القياس، وقدمت فى ذلك فروضا نشر موجز لها منذ سنوات (14)على الوجه التالى:

  • استعرت نبضات القلب نموذجا للإيقاع الحيوى الذى يمثل اختلاله عندى أسسا نفسمراضية شديدة الأهمية، ودعوت للتعامل مع المخ وهو يعيد بناء نفسه من خلال هذا الإيقاعحيوى ليلا ونهارا (15) فى الصحة والمرض.
  • ثم أيضا استعرت نموذج الطبنفسى الهضمى بما فى ذلك التمثيل الغذائى (16)لأشرح من خلاله عملية تناول (إدخال) المعلومات ثم معالجتها وتفعيلها(17)
  • وأخيرا قياسا على ظاهرة محدودة من طب العظام وجراحته من أن الكسر لا يلتئم كما كان تماما أبدا, إنما يكون أقوى برغم عدم انتظام التركيب، وأحيانا أكثر عرضه للكسر أو الخلع إذا كان المرض مثل خلع مفصل الكتف المتكرر أى القابل للنكسة (تكرار الخلع)(18)
  • وخلصت من هذا الفرض بتوصية أن على من يفضل أن يمارس الطبنفسى النموذج الطبى أن يأخذ فى الاعتبار أصل مفهوم الممارسة الطبيبة تاريخا وإنسانية وألا يقتصر على استعارته نماذج من فروع الطب التى لا تصلح نموذجا لممارسة الطبنفسى بالذات مثل (19)طب الأمراض العصبية الذى يعتمد أساسا على تحديد “موقع” الخلل، أو نموذج طب الغدد الصماء الذى يتركز فى تُصصح لنقص أو الزيادة فى افراز الهرمونات كما ذكرنا.

ثم إنه يمكن للطبيب أيضا أن يستلهم تاريخ الطب من أول أبو قراط وحتى آخر منجزات العلوم الأحدث وخاصة العلوم الحاسوبية والكوانتينة إذا ظل يفضل الانتماء إلى النموذج الطبى الأشمل.

وبعد

أتوقف اليوم وأكتفى بذكر عناوين ما تبقى عندى  من “تجليات الطبنفسى السلبى“.

لأعود إليها الأسبوع القادم أو الأسابيع التالية لأقدم:

……………..

(3) الطبنفسى التحليلى التفكيكى

(4) الطبنفسى التبريرى

(5) الطبنفسى التقريرى(20)

(6) الطبنفسى السياسى: ويوجد منه نوعان:

أ- النوع الأول: الطبنفسى السياسى (شبه التحليلى الإعلامى عادة).

ب- النوع الثانى: الطبنفسى السياسى القهرى السلطوى.

(7) الطبنفسى التحفُّـظِى

(8) الطبنفسى الاسترزاقى

…………….

ثم ترى بعد ذلك ماذا عن الطبنفسى الإيجابى

الذى للأسف لم أجده إيجابيا بالمعنى الذى توقعته: (أنظر بعد)

ثم أخيرا قد أجد نفسى مضطرا إلى تقديم ما أسمح لنفسى أن أطلق عليه مؤقتا “الطبنفسى الحقيقى”.

[1] – من أول هنا سوف أستعير نهج أ.د. على زيعور فى نحت كلمات ما بالإضغام معا تسهيلا للمتابعة، ودعوة للمشاركة فى سبتقه الشجاع هذا، وسوف أكتب “الطب النفسى” كلمة واحدة هكذا “الطبنفسى”، وكلمة “الإيقاع الحيوى” إلى “الإيقاعحيوى”.

[2] – ملحوظة غيرت الاسم ليصبح أقرب إلى ما أحاول تقديمه انطلاقا مما وصلنى عن “الفطرة” وعن “ربى كما خلقتنى” وعن “أحسن تقويم” وعن “وما سواها” فغيرت المصطلح مؤقتا من “الشخصية فى الـ “يتخلق” إلى ما هو: “بشرا سويا:”فى اليتخلق”، ولم أستقر نهائيا عليه!!

[3] – الأول أ.د. عماد عز الثالثة أ.د. نهى صبرى

[4] – Impasse

[5] – Translational Psychiatry

[6] – From Bench to Bedside

[7] – لاحظ تعبير “السرير” وهو تعبير لا يناسب طبيعة معظم المرضى النفسيين أصلا.

[8] – Cognitive Neuroscience: from Practice to Science

[9] – كما كنت أيضا  لا أعرف تعريف الطبنفسى الترجمى، حين دعيت للإسهام فى مناقشته!

[10] – خاصة بإحلال اسم مرض طفيف حسن السمعة، محل أن مرض خطير مثلا: الاكتئاب محل الفصام.

[11] – الذى ما زال أغلبه فروضا كما هو مثبت كل الكتب والمراجع

[12] – Medical Model

[13] – Quantitative (not quantum) medicine

[14] – Expansion of the Concept of “‏Medical Model”‏ in Psychiatry, Egypt. J. Psychiatry. (1980a) 3 : 159-161

[15] – مع مراعاة أننى لم أكن قد وصلنى منظومة كيف يعيد المخ بناء نفسه بالوضوح الذى عرفته مؤخرا.

[16] – GIT Model & Metabolism

[17] – Information Processing.

[18] – Recurrent dislocation of the shoulder joint

[19] – Localization

[20] – لا أعنى به كتابة تقرير ولكن إقرار بعض المكاسب الأولية والثانوية بما لها من آثار سلبية: (أنظر بعد).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *