الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / أحلام فترة النقاهة حلم 37 وحلم 38

أحلام فترة النقاهة حلم 37 وحلم 38

“نشرة” الإنسان والتطور

28-2-2008

العدد: 181

قراءة فى أحلام فترة النقاهة

 حلم‏ 37

المحمل‏ ‏يتمايل‏ ‏فوق‏ ‏الجمل‏ ‏المزين‏ ‏بالألوان‏ ‏والورود‏. ‏أمامه‏ ‏رجل‏ ‏يغرس‏ ‏فى ‏فيه‏ ‏عامودا‏ ‏ذا‏ ‏رأس‏ ‏تدلى ‏منها‏ ‏شراشيب‏ ‏ورأس‏ ‏الجمل‏ ‏فى ‏مستوى ‏أول‏ ‏طابق‏ ‏من‏ ‏بيت‏ ‏أطل‏ ‏أنا‏ ‏من‏ ‏نافذته‏ ‏وتلاقت‏ ‏عينى ‏مع‏ ‏عين‏ ‏الجمل‏ ‏فقرأت‏ ‏فيها‏ ‏ابتسامة‏ ‏وغمزة‏ ‏وحلت‏ ‏لى ‏البركة‏ ‏فطرت‏ ‏من‏ ‏موقعى ‏وراء‏ ‏النافذة‏ ‏ودرت‏ ‏حول‏ ‏رأس‏ ‏الجمل‏ ‏بجلبابى ‏وشعرى ‏المنفوش‏ ‏وكبر‏ ‏الناس‏ ‏وهللو‏ ‏وزهللو‏ ‏لوقوع‏ ‏المعجزة‏ ‏وتماديت‏ ‏أنا‏ ‏فارتفعت‏ ‏فى ‏الجو‏ ‏وتراجعت‏ ‏نحو‏ ‏سطح‏ ‏بيتى ‏وهبطت‏. ‏وبعد‏ ‏مرور‏ ‏المحمل‏ ‏تجمع‏ ‏الناس‏ ‏أمام‏ ‏البيت‏ ‏يريدون‏ ‏مشاهدة‏ ‏الإنسان‏ ‏الطائر‏. ‏وإذا‏ ‏بهم‏ ‏يتحولون‏ ‏فجأة‏ ‏من‏ ‏الاعجاب‏ ‏إلى ‏الخوف‏ ‏والحذر‏ ‏وقالوا‏ ‏إن‏ ‏روحا‏ ‏شريرة‏ ‏حلت‏ ‏بالشخص‏ ‏الطائر‏ ‏وأن‏ ‏طيرانه‏ ‏حول‏ ‏رأس‏ ‏الجمل‏ ‏نذير‏ ‏شؤم‏ ‏للناس‏ ‏جميعا‏ ‏وإنه‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يبرأ‏ ‏من‏ ‏الشيطان‏ ‏وذلك‏ ‏بجلده‏ ‏حتى ‏يتطهر‏ ‏تماما‏ ‏فإذا‏ ‏رفض‏ ‏الدواء‏ ‏عرض‏ ‏نفسه‏ ‏للعقاب‏ ‏المناسب‏ ‏وهو‏ ‏القتل‏، ‏وركب‏ ‏الرعب‏ ‏الشاب‏ ‏وأسرته‏ ‏واستنجدت‏ ‏الأسرة‏ ‏بالشرطة‏ ‏وأشترط‏ ‏المأمور‏ ‏أن‏ ‏يرى ‏المعجزة‏ ‏وهى ‏تحدث‏ ‏أمام‏ ‏عينيه‏ ‏وذهب‏ ‏إلى ‏البيت‏ ‏ورأى ‏المعجزة‏ ‏وبهر‏ ‏بها‏ ‏حقا‏ ‏ولكنه‏ ‏وجد‏ ‏نفسه‏ ‏بين‏ ‏رأيين‏. ‏الأسرة‏ ‏تقول‏ ‏إنها‏ ‏كرامة‏ ‏من‏ ‏كرامات‏ ‏الأولياء‏ ‏والناس‏ ‏تؤكد‏ ‏أنه‏ ‏عبث‏ ‏من‏ ‏الشيطان‏ ‏ونذير‏ ‏شر‏.‏

وأخيرا‏ ‏قرر‏ ‏المأمور‏ ‏أن‏ ‏يضع‏ ‏الشاب‏ ‏فى ‏السجن‏ ‏حتى ‏ينسى ‏الموضوع‏ ‏برمته‏.

القراءة:

 [ أكرر دون ملل أن هذا إبداع بنظام الأحلام وليست أحلاما يحكيها المبدع].

 أحلام الطيران (!!) هذه إحداها، كيف عرف نجيب محفوظ نظام الحلم بكل هذه الدقة؟ وكأنه يعلّم فرويد أن الحلم إبداع أصلاً، علاقة نجيب محفوظ بفرويد علاقة جميلة بها اعتراف – معتاد منه- بفضل كل من أضاف رؤية جديدة للمسيرة البشرية، كان عادة ما يدافع عنه إذا ألمحت لبعض اختلافى معه (مع فرويد) أو قمت بنقده بقسوة، مع كل احترامى لعطاء هذا العبقرى الفذ.

المهم أحلام الطيران بالذات عند فرويد هى رموز جنسية عادة، مع أن أحلامى شخصيا بالطيران لا أشعر فيها إلا بذلك الانسياب الحقيقى، والقدرة على التحكم فى تحركات جسمى بالذات فى كل الاتجاهات، منتصرا على الجاذبية الأرضية ودون أدنى حركة من أطرافى جميعا، أشعر معها أننى اتجه إليه بعد أن تخلصت من الأرض، وليس من الجسد.

وصلنى من هذا الحلم المرتبط بكسوة المحمل ما يؤكد أحلامى أكثر من تفسيرات فرويد،

البداية هنا كانت حين التقت عينى الحالم بعيون الجمل، ثَمَّ نداء (بابتسامة وغمزة) فتحل البركة فالطيران، النافذة فى الدور الأول، والقفز منها للمشاركة، أو استجابة لنداء عيون الجمل أسهل وأقرب، لكن بدلا من ذلك، حلّت المعجزة ليطير منسابا يدور حول رأس الجمل، يدور أو “يطوف”، ربما.

هذه الوصلة الحميمة بالأصل، بالإضافة إلى أنه جمل وليس قردا، ربما هى التى سمحت بالانطلاق إلى سعى الوصل ضدّ جذب الطين،

الناس الذين رضوا بأن تنتهى حياتهم عند هامة رؤوسهم – عقولهم- يخافون ما لايعرفون فيرفضونه، فهو الشيطان ولا حل إلا بجلد من تلبّسه، حتى يتطهر، وإلاّ فهو القتل،

فماذا تفعل السلطة؟ سلطة العقل، أو سلطة المؤسسة، أو سلطة القهر؟

هل تصدق الأسرة التى تدعم حق الإنسان فى التصعيد إلى الوصل، بعد استلام رسالة الأصل؟، أم تخشى العامة المتشكلين بكل العادى جدا، ضد أى تجاوز.

الحل الذى انتهى به الحلم يعلن ميوعة السلطة الجديدة وعجزها أن تحسم الأمر بين “الأصل الوصل” فى ناحية، و”الإنكار الجمود” فى ناحية أخرى.

الحل الهروبى الذى لجأتْ إليه هى أن تغلق هذه الملفات كلها دون حسم لتدع ما للأسرة للأسرة، وما للناس للناس،

 هذه تأمل، وهؤلاء أجبن من أن يسمحوا،

 وليُسْجن الإنسان حيث توقف

وليمارس ما يشاء فى سرّه

حتى ينسى الجميع “الموضوع” برمته

فهل ينسى الفتى الطائر.

وهل يمكن أن ننسى دون أن نضيع؟

وهل نضيع إلا لأننا ننسى؟

خوفاً من الناس

وخوفاً من السلطة المنشقة

وخوفاً من أنفسنا

فهو السجن

سجن الفكر الطليق،

سجن الحس الطائر

سجن الروح،

سجِن العقل الآخر.

هل هذا هو الحل؟

أم أننا سوف نقبل التحدى “إليه”، ونستجيب للنداء ونطوف حول رأس العجل!؟

* * * *

حلم‏ 38

فى ‏حجرتى ‏جالس‏ ‏أستمع‏ ‏إلى ‏أغنية‏ ‏يذيعها‏ ‏الفوغراف‏، ‏دخلت‏ ‏من‏ ‏الباب‏ ‏المفتوح‏ ‏فتاة‏ ‏فى ‏العشرين‏ ‏جميلة‏ ‏ورشيقة‏ ‏ومثيرة‏. ‏اكتسحتنى ‏دهشة‏ ‏ورغبة‏ ‏فقمت‏ ‏من‏ ‏مجلسى ‏واتجهت‏ ‏نحوها‏ ‏حتى ‏وقفت‏ ‏قبالتها‏. ‏وبهدوء‏ ‏مدت‏ ‏يدها‏ ‏بخطاب‏ ‏فتناولته‏ ‏ونظرت‏ ‏فيه‏ ‏ثم‏ ‏رددته‏ ‏إليها‏ ‏وأنا‏ ‏أقول‏ ‏لها‏ ‏إننى ‏لا‏ ‏أستطيع‏ ‏القراءة‏ ‏لضعف‏ ‏بصرى ‏وطلبت‏ ‏منها‏ ‏أن‏ ‏تقرأه‏ ‏هى ‏ولكنها‏ ‏اعتذرت‏ ‏بأنها‏ ‏لا‏ ‏تقرأ‏ ‏ولا‏ ‏تكتب‏ ‏وأن‏ ‏والدها‏ ‏كتبه‏ ‏للأمير‏ ‏المسطر‏ ‏اسمه‏ ‏على ‏الظرف‏ ‏ووصاها‏ ‏والدها‏ ‏قبل‏ ‏وفاته‏ ‏بأن‏ ‏تجيئنى ‏بالخطاب‏ ‏لأحمله‏ ‏إلى ‏الأمير‏، ‏وقلت‏ ‏لها‏ ‏ودهشتى ‏تتزايد‏ ‏إننى ‏لا‏ ‏أعرف‏ ‏الأمير‏ ‏ولا‏ ‏أى ‏أمير‏ ‏غيره‏ ‏وساورنى ‏الارتياب‏ ‏من‏ ‏ناحيتها‏ ‏وحاولت‏ ‏تغيير‏ ‏الموضوع‏ ‏ولكنها‏ ‏ذهبت‏.

وعندما‏ ‏كنت‏ ‏أعبر‏ ‏جسر‏ ‏قصر‏ ‏النيل‏ ‏فى ‏طريقى ‏إلى ‏عملى ‏ظهرت‏ ‏لى ‏عند‏ ‏نهايته‏ ‏فتجاهلتها‏ ‏ولكنها‏ ‏تبعتنى ‏مسافة‏ ‏غير‏ ‏قصيرة‏.‏

‏ ‏وعندما‏ ‏عدت‏ ‏إلى ‏مسكنى ‏وجدتها‏ ‏مستقرة‏. ‏حذرتها‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏تعود‏ ‏إلى ‏موضوع‏ ‏الخطاب‏ ‏والأمير‏. ‏ومر‏ ‏وقت‏ ‏طيب‏ ‏ولكنى ‏لم‏ ‏أخل‏ ‏من‏ ‏الوساوس‏. ‏والظاهر‏ ‏أنها‏ ‏لم‏ ‏تخل‏ ‏كذلك‏ ‏من‏ ‏مخاوف‏. ‏وكان‏ ‏واضحا‏ ‏أننا‏ ‏نريد‏ ‏الهرب‏ ‏بطريقة‏ ‏أو‏ ‏بأخرى‏.‏

 القراءة:   

هذه الفتاة!

ليست هى هى، لكنها يمكن أن تكون هى هَىَ

من أول (حلم 2) تلك الفتاة التى كانت فى المقدمة وهو يتبعها إلى السكن لينتهى الحلم وهو يبحث عنها فى السوق، ثم إلى أخته والفونوجراف فى حلم (9) التى انقلبت إلى جريتا جاربو، لينتهى الحلم وهى ترفض لأن أمها تدرى كل شئ، مرورا بفتاه الترام حلم (3) مع أنها أبعد من هذه وتلك إلا فى نداء الأعين والمتابعة، ثم بنت ريا فى المطار (حلم 13). أما حلم (25) فهو الأقرب تذكرة بما ظهر عنده من رغبة فى هذا الحلم الحالى، ثم خذ عندك فتاة صالة الميسر (حلم 28)،

 غالبا سوف يكون “لهذه الفتاة”، التى ليست بالضرورة هى هى شأن فى الدراسة الجامعة.

 الملاحظ فى معظم توجهات ظهور واختفاء هذه الفتاة هو أن تقفر “رغبة” ما، ثم يتكرر الظهور والاختفاء، ويجرى البحث أو المتابعة، وهو يمضى معها عادة وقتا طيبا غامضا بين الحين والحين تلحقه الوساوس أو المخاوف أو الأحزان، حتى فتاة القارب، يمكن أن تكون إحدى تجلياتها (حلم 20).

بمجرد ظهور فتاة حلمنا الحالى اكتسحته رغبة ودهشة، ربما كالعادة، لكن الفتاة لبست فى هذا اللقاء الأول دور الرسول حامل الرسالة إلى مجهول (أمير)، لا أكثر.

هل كانت حجته بضعف البصر هذه حجة يتحايل بها حتى يُبقى الفتاة فترة أطول، مهما قَصُرَت؟ ربما

 إلا أن حجتها جاءت أقوى من تعلله بعجزه الحقيقى أو المدَّعى: أنها لا تقرأ ولا تكتب .

من هو الأمير؟

ومن هى الفتاة، خصوصا وأنها ظهرت من جديد، عند نهاية الجسر، لماذا تجاهلها وأين ذهب حب الاستطلاع المتوقع عندما ظهرت من جديد على الجسر ولماذا كان يتجاهلها وهو يخشى موضوع الرسالة والأمير؟

حضرتنى مقاطع من أغان متفرقة … “بابا جَىّ ورايا”، “حرّج علىّ بابا ماروحشى السينما” ثم “عندك عمى قولّه عليه” ورفضْتها جميعا،

الفتاة هى التى تبعته هذه المرة على الجسر

قارن بين بحثه عن الفتاة وملاحقتها (حلم 2) وبين الفتاة هنا وهى تتبعه “مسافة غير قصيرة”.

مثل هذه المتابعة الخلفية أو الأمامية تكررت أيضا فى الأحلام حتى لو كانت من رجل (حلم 24)

أيضا كان المسكن يفاجئنا فى الأحلام حتى الآن إما بالفراغ والوحشة، وإما بظهور شخص فيه عند العودة إليه، شخص لم نتوقعه أو كنا تركناه خارجه (حلم 5)

 هنا أيضا هو وجدها مستقرة فى المسكن،

 فنربط بين ظهور “الرغبة” و”الدهشة” فى بداية لقائهما وبين الوقت الطيب الذى أمضياه معا، لكن الوساوس تقول:

فيم أمضيا الوقت الطيب؟

هذا ما تكرر فى حلم (2) مثلا وغيره؟؟

 وهو بعض ما أشرنا إليه فى البداية

هذه المرة هما لايفترقان، بل يخططان للهرب معاً.

 مِنْ مَنْ؟

من الأمير

من الوساوس؟؟

من الرسالة ؟؟

المهم أنهما سويا، يخططان سويا،

للهرب معا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *