الرئيسية / حوارات وأحاديث / مصر تنطلق نحو التقـدم قريبا

مصر تنطلق نحو التقـدم قريبا

جريدة الأهرام

الخميس:  4 يوليو 2013

حشود الميادين في عين الجراح النفسي يحيي الرخاوي:

مصر تنطلق نحو التقـدم قريبا

حوار‏:‏ زينب عبد الرزاق ــ كريمة عبد الغني

جموع الشعب المصري ثائرة لما وصلت اليه الأوضاع في البلاد‏،‏ حشود لا مثيل لها‏،‏ فكيف يقرؤها يحيي الرخاوي أستاذ الطب النفسي‏..

هل مصر علي أعتاب اقتتال؟ وهل30 يونيو هو نقطة تحول كبري؟ بجانب هذا تري هل حقا طرأ تغيير جذري في الشخصية المصرية؟ وأيهما أصعب علي النفس البشرية، القهر أم الفقر؟ وما تفسيره إصرار الجماعة علي التمسك بالسلطة؟

واليكم نص الحوار:

بعين الباحث والجراح النفسي.. اللحظة الآنية هل تصفها لنا؟

المشهد رائع، والروعة تعني أكثر من معني: فالروع: هو الفزع، راع الأمر فلانا أفزعه، وراع الأمر فلانا: أعجبه، وراعني كلامه فهو رائع، وقد راعني بيان الجيش الرصين المحكم المحترم( بفتح الراء) المحترم( بكسرها) وفي نفس الوقت راعني إطلاق الرصاص عشوائيا، وما بين هذا وذاك عرفت وتعرفت أكثر فأكثر علي معني الألم من أجل الوطن، كما عرفت قيمة وقدر القوة التي تنبعث ممن يحب أرض بلده وهو فزع مروع من احتمالات ما يمكن أن تصيبها. هذه هي مصر، ونحن أبناؤها، يا للفرحة الغامرة التي نستحقها، ويا للخوف الشريف الذي يحميها.

*****

هل فكرة الرئيس أصبحت مختلفة في العقلية المصرية؟ بمعني آخر فكرة الاحترام بين الصغير والكبير التي كانت راسخة لدي المصريين هل بدأت تتلاشي؟

نعم، وياليتها تلاشت لتترك فراغا نعمل معا علي ملئه بما يستحق من قيم جديدة، مثل التقدير المتبادل بدلا من الخشية الخاضعة، ومثل الاحترام المتبادل بين الصغير والكبير بدلا من تقبيل اليد مع احتمال إضمار الرغبة في قطعها، اختفت هيبة الكبير مع اختفاء هيبة الدولة بعد أن أصبحت الدولة كيانا هلاميا مذبذبا مهزوزا بلا معالم ولا قوام.

*****

وماذا عن المخاوف من العنف ؟

هذا وارد للأسف، برغم أنني أرجح أنه احتمال بعيد، فالاقتتال يكون بين فريقين علانية بغية ترجيح كفة الأقوي ليقود الجميع، وهو في صورته الفروسية يتوقف مع إعلان شارات الاذعان من المهزوم حين يذعن أحد فرسان الفريقين بذلك فيعلن انتصار خصمه ويتوقف القتال، أما الاقتتال النذل الذي أخاف منه علي مصر فهو ليس اقتتال الفرسان وإنما نذالة الجبناء، فأنا أتوقع أن يكون انتقام الفريق المهزوم الذي لا ينتمي إلي مصر، وإنما إلي ما يتصور أنه شعب الاسلام( الله) المختار.

وبرغم كل مخاوفي هذه فإنني أثق في الشعب المصري وغلبة طيبته القوية، وعمق حضارته النقية، وشموخ نفسه الأبية، وأتصور أنه قادر علي شل هذه الشراذم الناشزة عنه بما يلزم من تضحيات وعمل وإنتاج وإبداع حضاري مثابر.

*****

هل30 يونيو مجرد يوم ام نقطة تحول وانفجار بركان؟

أنا لا أحب تقديس الأيام لذاتها، لأن أي لحظة معينة ليست إلا نتاج ما وراءها من أزمنة، التغيير النوعي هو إعلان وصول التغيير الكمي إلي نقطة تحول فارقة، الماء يتحول إلي بخار لحظة انتقاله من درجة99 إلي مائة، ولا يصح أن أحتفل بدرجة المائة واغفل التسع وتسعين درجة التي أوصلتني إليها، إن هذا اليوم قد يكون نقطة إعلان طبيعي لطبيعة صبر وإبداع هذا الشعب، وقدرته علي التحمل، وعلي التعلم وعلي المراجعة، حين كانت جماعة الإخوان مجهولة له، حلم أن تحقق له حلمه بفضل الله وعظمة رسالاته.

*****

كيف تري فرحة المواطنين في كل ميادين مصر؟

في11 فبراير2011 كنت علي الهواء لحظة إعلان تنحي الرئيس السابق، وحضر من الميدان شابان وفتاتان ليشاركوا في تسجيل هذه اللحظة الفارقة، كانت الساعة السادسة مساء، واشتركت معهم بالصدفة، وكان السؤال الذي سألته لهم الواحد والواحدة تلو الآخر هو: ماذا تشعر بجوار الفرحة الآن وفي نفس اللحظة وجاءت إجاباتهم رائعة ودالة، ما بين الخوف، والمسئولية، والأمل، والإصرار أنا لا أرحب بالافراط في الفرحة لمجرد أن الجيش أصدر هذا البيان المسئول ليعلن وقفته بجوار الشعب أغلب الشعب، وكأن المسألة انتهت مع أنها تبدأ من جديد، هذه ثورة جديدة وليست إصلاحا لاجهاض ثورة سابقة، ولا هي استمرار لانتفاضة مسروقة، وبالتالي فأنا استقبل فرحة المواطنين بترحيب حذر استعدادا لتحمل آلام ومسئولية ما ينتظرنا من أعباء وأعمال حتي لا يجهض الحمل الجديد.

*****

في رأيك كيف سيتحرك الاخوان والجماعة والرئاسة لمواجهة بيان الفريق السيسي؟

أنا أكتب هذه الكلام لكل من يهمه الأمر أن يفيق ويسهم في إنقاذ الوطن كله بالوعي أو التراجع أو التنازل أو المراجعة أو كل ذلك معا، وأعتقد أن الاخوان سيختلفون فيما بينهم علي طريقة التفاعل مع الموقف، فهناك الفريق العنيد الذي اعتبر أن توليه السلطة هو أمر إلهي انتظره ثمانين عاما، وأن التفريط فيه معناه معارضة لإرادة الله وهات يا إعلان الحرب، وهناك الفريق الأقل الذي سيعتبره درسا رائعا يتعلم منه بعض السياسة وشيئا من المسئولية، كما يتعلم الفرق بين العمل السري والاختبار العلني، بعد أن أتيحت له الفرصة للانتقال من أوهام الاستعلاء والتميز إلي شرف المشاركة والبناء، وهناك الفريق الذي سيستغفر الله ويتوب إليه وقد يندم علي ما فعل، فيزداد انفتاحا علي الناس واقترابا من ربنا الرحمن الرحيم، وأخيرا هناك الندرة التي سوف تحمد الله أن أعفاها من مسئولية لم تستعد لها بالقدر الكافي.

لكن خوفي الشخصي ليس من الاخوان، وإنما من بعض من ينتصرون لهم ممن هم أشد بغضا وأعمي بصيرة حين يعتبرون أن هزيمتهم هي هزيمة للاسلام.

*****

الشخصية المصرية أصبحت شخصية شديدة العنف.. ماذا حدث للمصريين ؟

ما هذا بالله عليك؟ من ذا الذي يصدر هذه الأحكام العمومية هكذا؟ صحيح أنه ظهرت مظاهر بشعة لم نكن نتخيلها مجرد خيال، لكن أن تكون هذه المظاهر هي صفات الشخصية المصرية كما وردت في السؤال أعني العنف التوحش تدني المروءة التحرش والبلطجة، فلا، وألف لا، فالمصريون مازالوا يزرعون الأرض، ويرسلون الغذاء إلي منزل الجار الذي انتقل حديثا، ويهدون الطعمية المصنوعة بالمنزل للجار الذي تصله رائحتها وهم يدرسون لأولاد الجيران الذين لا يمتلكون أجر المدرس الخاص، ويجمعون النقطة التي هي قرض حسن ليعين بعضهم بعضا دون إحراج، ويعلمون الجمعيات الشهرية التي يقبضها أولا الأحوج منهم، وهم يدعون لبعضهم البعض بالسلامة في كل سفر، ويضحكون من قلوبهم حتي في عز معاناتهم الألم الإنساني المفروض عليهم، أرجو عدم التعميم بالله عليك.

وهل الثورة هذا الفعل العظيم السبب في تدهور الأخلاق عموما أم ما السبب الجوهري كما يقول العلم ؟

الثورة هي إبداع جماعي، والثورة لا تسمي ثورة إلا بعد اكتمالها، الثورة المجهضة هي فوضي عامة أو جنون جماعي أيضا، هذه المظاهر التي ظهرت دون أن تصف كل المصريين هي مضاعفات ثورة لم تكتمل، وإذا اكتملت أو أدت لعمل ثورة أكمل وأكثر إبداعا مثل أملي في ثورة30 يونيو، فإنها تصبح الجمال بعينه، والفضيلة في أرقي تجلياتها حتي تجب المضاعفات التي تعتبر حينذاك أعراضا جانبية لدواء ناجع.

*****

ماذا فعلت الثورة والمرحلة الانتقالية في نفس الشعب المصري والتي في الغالب ستطول؟

أية مرحلة انتقالية لها حساباتها الخاصة، لأن النقلة هي عادة مأزق علي مسار نمو الفرد أو الجماعة أو الوطن، نقلة كلية نوعية، من شكل للحياة إلي تشكيلة أخري، فإذا كان الفرق كبيرا بين ما قبل وما بعد أصبحت المرحلة الانتقالية أكثر صعوبة وأدق إحراجا، أما أنها تطول أم تقصر فهذا يتوقف علي درجة الاستعداد في المرحلة السابقة وأيضا علي درجة القدرة علي استيعاب تبعاتها والثمن الواجب دفعه للانتقال إلي المرحلة التالية، وبالتالي نقيس مدي نضج المرحلة الانتقالية باعتبارها مأزق نمو له مخاطره مثل المشي علي الصراط، إن لم ننجح في اجتيازه فنحن معرضون لردة خطرة.

*****

ايهما اصعب علي النفس البشرية القهر ام الفقر؟ ولماذا؟

الفقر نفسه قهر بشع، وهذا ما جعل الامام علي يستعد لنزاله لو كان الفقر رجلا لقتلته، والقهر نفسه فقر من نوع آخر وهو فقر القاهر أكثر منه فقر المقهور، فالقاهر ضعيف في داخله، مهزوز في وجوده، وهو يلجأ للقهر لأنه أضعف أن يرسي علاقته مع الآخر بالحب أو بالرؤية أو بالبصيرة أو بالحوار، هو فقير فعلا إلي ما هو إنساني حقيقي، أما لماذا؟ فالفقر هو نتاج غياب العدل، والقهر هو نتاج غياب الحب والرؤية المتكاملة لمن هو آخر.

*****

بدأ اندلاع احداث العنف في المحلة والسويس واسيوط… مشاهد القتل والضرب والاشتباكات اليومية وانعدام الأمن.. ما اثر ذلك علي الشعب المصري وكيف نتجاوز الامر؟

يختلف أثر هذه الأحداث حسب نوع الإثارة الإعلامية التي تنقلها إلينا، وأيضا حسب نوع التلقي، فهناك من يفزع من هذه الأخبار والمناظر حتي يرفضها ويحتاط ويفهم دوافعها ويحاول تجنبها، وهناك من يتقمصها فتنشط فيه نوازع العدوان، وتنكسر عنده روادع القانون والدين وحقوق الآخرين.

أما كيف نتجاوز ذلك: فالبداية تكون بحضور هيبة الدولة داخلنا وخارجنا، أما المظلة المحيطة الواقية، فهي أن نعبد الله كأننا نراه، فإن لم نكن نراه فإنه يرانا، وأن نتذكر أن الإنسان علي نفسه بصيرة ولو ألقي معاذيره، وأنه سوف يلقي كل ما يفعل في كتابه يوم يقول يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

*****

ما تفسيرك لإصرار الجماعة علي السلطة رغم الخروج الجماهيري المعارض لسياساتها ؟

إصرار الجماعة علي السلطة، فهو مثل إصرار أي رئيس أو صاحب سلطة في بلد لم يمارس في واقع الحال ما يسمي تداول السلطة وأيضا قد يرجع في حالتنا الراهنة إلي طول القهر الذي عانت منه الجماعة وأنها لا تصدق أنها انتقلت من تحت الأرض إلي كرسي العرش هكذا مباشرة، فكيف بالله عليك يمكن أن تتصور أنها تتنازل عن هذا الكرسي إلا بطلوع الروح، وأخيرا لا تنس الخوف من الحساب اللاحق والمحاكمات علي الأخطاء بأثر رجعي، كما حدث طوال السنين السابقة.

*****

كيف تري تصريحات احد مساعدي الرئيس عن الدور الأمريكي في مصر؟

أنا لم أقرأ هذا التصريح، فإن كان صدر فعلا عن أحد مساعدي الرئيس فلابد من الرجوع إليه أولا، ثم الرجوع إلي الرئيس، حتي لا نظلم أحدا.

في رأيي الشخصي أن أمريكا لها دور خبيث جدا أكثر من أي تصور من قبل25 يناير، وأن دورها يمكن فهمه من مدخلين الأول: هي حرصها المطلق علي سلامة اسرائيل وتفوقها اقتصاديا وعسكريا علي كل العرب طول الوقت، وبأقل ثمن وهو ثقافة السلام وليس فقط معاهدات السلام، أما المدخل الثاني لموقف أمريكا فهو وقوع حكامها مثل حكام كثيرين عبر العالم بعلمهم أو بالرغم عنهم- تحت سيطرة الامبراطورية الزاحفة الجديدة المالية العولمية المفترسة التي تريد أن تعيد صياغة العالم كله لحساب امتلاكها مقاديره عن طريق احتكار الأموال وتحريكها لصالحها.

وعلي ذلك يتوقف دور أمريكا في مساندة الرئيس مرسي أو الإخوان أو من سيحل محلهم علي مدي اطمئنانها إلي من الذي سيحقق لها هذين الفرضين.

*****

وكيف تري مستقبل مصر في ضوء المعطيات الحالية ؟

بعد فترة ليست قصيرة من المعاناة والألم والفقر والأخطاء، سوف نتعلم أسلوبا جديدا بالحياة لا أتصور، ولا أرجو أن يكون نسخة مما يسمي الديمقراطية الغربية، وإذا انتبهنا إلي رفض التبعية، وسرنا في طريق الاقتصاد القومي، وحرصنا علي حقيقة دور التعليم فالإبداع، فإن الإنسان المصري قادر علي أن يواصل مساره الحضاري والإنساني، ليس بالضرورة ليقود العالم، ولكن ليساهم في انقاذ العالم من الشر الذي يحاك له لصالح المال والتكاثر والاغتراب والتمييز العنصري.

*****

ما تفسيرك لمحاولات الاخوان المستميتة لتجميع حشود كمؤيدين مناظرين للحشود المعارضة من الشعب المصري؟

لا شك أن هذا من حقهم، وهو حق أي فريق مهما أخطأ، خصوصا أنهم لا يعترفون بأخطائهم، بل ولا يتعلمون منها، لكن يظل من حقهم، بل من واجبهم نحو أنفسهم أن يجمعوا المؤيدين ويحشدوا الحشود، وهم إن لم يفعلوا ذلك فهم يعلنون هزيمتهم قبل الأوان، وبلا مبرر من وجهة نظرهم.

*****

ما انطباعك عن الخطاب الاخير لدكتور مرسي؟

المسألة هي مسئولية وطنية، أو خيانة بلهاء، علي الرئيس ـ فقهه الله- بدلا من أن يردد كلمة الشرعية كل هذه المرات(32 مرة) في خطاب قصير كهذا وكأنها كلمة السر لبقائه واستمرار أخطائه التي اعترف بها دون أن يتعلم منها، أن يراجع معني الشرعية وتصنيفاتها: بين شرعية دستورية وشرعية ثورية وشرعية انتقالية بل وشرعيه إلهية يحاسبنا الله عليها ولو ألقي كل منا معاذيره!!، إن هذا الاستعمال المفرط لكلمة واحدة هكذا، إما يدل علي أن من يستعملها لا يعرف معناها، أو أنه يريد أن يخدع بها من يخاطبه بها، مثل هذا الاسلوب لا يكفي لتبرير الحفاظ علي كرسي لم يعد يستأهل كل هذا الحرص خاصة أن سيادته يعرف بوعيه الأعمق أنه لم يعد قادرا علي ملئه، إلا أن تكون الأرض قد أخذت زخرفها وازينت له فظن أنه قادر عليها، لم يعد الحفاظ علي مثل هذا الكرسي ضد إرادة الشعب، وإرادة التاريخ، وأكاد أقول إرادة الله العدل العزيز الحكيم، لم يعد هذا الحفاظ يليق برجل مصري مسلم يعرف أن الله سوف يحاسبه علي ما يترتب علي هذا من خراب وعلي هذا التهييج، وهذه الاثارة التي تصل إلي الدعوة إلي إعلان الحرب، ومع ذلك فقد راح يواصل ممارسة التناقض وهو يوصي في خطابه بالمحافظة علي الجيش، وفي نفس الوقت يدعو للمقاومة المسلحة لأية أيد تزحزحه من مقعده!!

كذلك يبدو من خطابه أنه يعتبر أن تاريخ مصر بدأ بولايته، فهو يذكر أن انتخابه هو أول انتخاب حر في تاريخ مصر، وأن ولايته هي أول ولاية ديمقراطية في التاريخ أيضا، أي والله! 

*****

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *