الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة التحرير / وانتَ مالك يا بارد؟!

وانتَ مالك يا بارد؟!

 جريدة التحرير

17-3-2012

تعتعة التحرير

وانتَ مالك يا بارد؟!

حضرنى هذا المثل المصرى يقول “إن خفت ما تقولش، وان قلت ما تخافشى”، ذلك وأنا أواكب توابع هذا الحدث السياسى الطريف، المسمى “ترحيل المتهمين الأمريكيين” (بالسلامة)، قياسا على هذا المثل ابتدعت مثلا أحدث يناسب المقام يقول: “إن خفت ما تتهمشى، وان اتهمت ما تتراجعشى”، لكن الذى حدث هو أننا ونحن فى عز الخوف على شعور الست أمريكا، وإعادة الحسابات توقيا  لغضبها أو دلالها أو تمنعها، هبطت علينا موجة مفاجئة من الشجاعة فلم نعد نخاف، وهات يا اتهامات، وهات يا قبض، وهات يا إعلان وهات يا تحدى، فطبقنا نصف المثل، لكننا لم ننجح أن نكمل المشوار، ونطبق النصف الآخر، ألم يكن أولى بنا أن نحافظ على فضيلة الخوف المحسوب، ويا دار ما دخلك شر؟

كانت هذه المؤسسات والجمعيات والحاجات والمحتاجات تعمل فى الظل، أو فى الخفاء، أو فى النور، لكنها كانت تعمل والسلام، وكأن قلبها على مصر جدا جدا، باعتبار أن هذه المصر العزيزة  كانت قد  وصلت لحالة سيئة جدا جدا، ولا يمكن لمحور الخير أن يسكت على قلة الديمراطية هذه فهى عار على جبين حقوق الإنسان، فلا بد من الديمقراطية، ولا بديل عن الديمقراطية، ولا مفر من الديمقرطية الموصى عليها بالمقاس، والديمقراطية تحتاج تمويلا، والتمويل عند الممول، والممول يريد مصالحه، والمصالح بعضها ظاهر، وأغلبها خفى، والمتموِّلون بعضهم يعرفون، وأغلبهم متحمسون، ولا يخلوا الأمر من مرتزقة يخدمون للخدمة دون الدخول فى التفاصيل، طيب، كل هذا ظل يسير هكذا منذ سنوات عديدة، ولا أستبعد أن يكون الأمر كان كذلك منذ أيام الملك فاروق أو حتى فؤاد، من يدرى، وهى ماشية، والذى فيه الخير يقدمه ربنا.

ولكن: يا ترى، ما الذى طلع فى مخها شخصيا (الوزيرة المعتقة فايزة أبو النجا) فجعلها تقرر ألا تخاف إلا رب العالمين، وأن توصى بتطبيق القانون حرفيا، ولو بأثر رجعى؟

يا تُرى – أيضا-  ما الذى حفز رجال القانون أن يدققوا فى مواده، حتى يكتشفوا فجأة، غالبا فجأة، أن به موادا قد أخذت إجازة لمدة تزيد عن المفروض حتى كادت تسقط بالتقادم؟

ثم مالذى سرّب ثم بلّغ كل هذه التفاصيل القديمة والجديدة للإعلام على كل مستوياته، فنصبوا حلقات الرقص والكرامة، وأشعروا الناس، فجأة، نعم فجأة، أن لهم وطن، له كرامة، وأن عندهم قضاة لهم مهمة مقدسة، وأن لديهم حكومة، مهما كانت مؤقتة، فهى تستطيع أن تضىء النور الأخضر، لتطبيق القانون، كما تستطيع أن “تظهر” العين الحمراء لمنع التمادى فى الخطأ، وليعاقب المذنب ويُبرّأ البرئ، ونستعيد نحن كرامتنا واستقلالنا بالصلاة على النبى العربى، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام؟

كل هذا حدث بفرحة مباغتة، ثوّرت المسئولين حتى لو كانوا مؤقتين، وكأنهم أعلنوا الاستقلال من جانب واحد، دون حاجة إلى خريطة طريق، مع احتمال الاستغناء عن مذلة المعونات، العسكرية أغلبها، والتى زعموا أنها لزوم الديمقراطية على شرط ألا توجه إلى إسرائيل العزيزة (إذن توجه لمن ؟ للسودان؟ أم للسعودية؟ أم لليبيا القديمة أو الجديدة؟)

ما علينا.

بعد كل هذا، وفجأة، أيضا فجأة، هبطت طائرة حربية أمريكية جدا، وخطفت المتهمين الأمريكيين جدا ومعهم من باب الكرم أو التغطية بعض الأجانب، وطارت مثل بساط الريح وعليه الشاطر حسن، وكأنه قد  سقى كل السلطات والحراس ورجال الحدود ولفيف من الشعب الطيب ورجال المطار “حاجة أصفرا” حتى ينهى مهمته بهذه السرعة التى وصلت إلى درجة أن يوصف الحدث بالفضيحة، ولم يسدل الستار.

علت أصوات هنا، وكتبت مقالات هناك، لكنها مجرد أصوات بلا فاعلية على أرض الواقع، وتساءلت:  هل يا ترى عاد أغلب الناس، عامة الناس إلى الطَّنْبَلَة (التطنيش بالعامية) أم أنهم فهموا بينهم وبين أنفسهم أن هذا الإجراء هو إجراء سيادى، ليس مطروحا للمناقشة بين العامة أمثالنا الذين عليهم أن يتفرغوا للموافقة على تشكيل لجنة الاستعداد للاستعداد للاتفاق على الاستعداء لاختيار أعضاء لجنة الدستور، والذين يشترط فيهم أن يحذقوا كيف يصيغون موادا ملتبسة، ترضى جميع الأطراف ظاهرا، وعلى المتضرر أن  يلجأ إلى المحكمة الدستورية العليا، أو إلى بارئه بالسلامة، أيهما أسرع، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر حتى تتم إقامة الدولة المالية العالمية الدولارية الوحيدة، مع الاتفاق على صك عملة عالمية جديدة، أخبث وأقدر، وساعتها سوف يكون التمويل بهذه العملة الجديدة غير مجرَّم، لأنه سوف يكون مكتوب عليها بصريح العبارة : “هذه العملة مسموح لها بالوصول إلى الممنوع”، تماما مثل عربات الربع نقل التى يكتب عليها السائق المصرى الظريف، دون إذن من السلطات: “هذه العربة مسموح لها بالسير فى الممنوع” ، وعلى جندى المرور أن يذهب لفصول محو الأمية أولا قبل أن يحاول أن يفك اللغز، وحتى لو استعان بصديق، سوف تكون العربة (أو العملة)  قد تجاوزت منطقة الممنوع، وحققت لمن صكها ما شاء كما شاء، قبل أن يحضر الصديق.

حين ينسحب الناس بعد إحباط كل هذه الآمال التى لاحت بفضل هؤلاء الشباب النقى الشجاع الذى عاش منهم، والذى استشهد، حين ينسحبون من جديد نتيجة لمثل هذه التصرفات اللاغية لوجودهم ، إذ يبلغهم من جديد أن كل ما عليهم هو أن ينتظروا المفاجأة تلو المفاجأة، حين يحدث ذلك لا ينبغى أن يلومهم أحد ويتهمهم بالسلبية، إذ يبدوا أن السيد حسنى مبارك كان يتمتع بذكاء منوفى خاص، هو الذى ألهمه هذا التعبير الذى دخل التاريخ “خليهم يتسلوا”، ويبدو أنه بعد رحيله لم تتغير إلا وسائل التسلية، ومفاجآت حلقات المسلسل، ولا عزاء لمدمنى تعاطى حبوب الكرامة مؤقتة المفعول، ومنزول الاستقلال المضروب.

خبر عاجل: وكالة أنباء الخريف العربى:

…. إنه قد بلغنا أنه قد تم التحقق من أن المتهمين المُرَحَّلين، وأغلبهم من الأمريكيين، وحتى غير الأمريكيين، يحملون جواز سفر أمريكى خاص، به تأشيرات واضحة لدخول إسرائيل لأى عدد من المرات، وذلك لتمهيد السبيل لجدولة خريطة طريق جديدة تعيد تنظيم ودمقرطة من عجزوا عن ذلك بأنفسهم، وأن هذا فى حد ذاته مبرر كاف لإسقاط كل التهم السابقة واللاحقة عنهم

تساءلت فى انزعاج: واللاحقة أيضاً !!!!!؟؟؟

جاءنى صوت حاد ينبهنى: وانت مالك Ya Bared  ؟!!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *