الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوطن الإلكترونية / حوار جريدة الوطن مع أ.د. يحيى الرخاوى : أستاذ الطب النفسى: لا نملك إحصاءات دقيقة عن أمراض «نفوس المصريين»..

حوار جريدة الوطن مع أ.د. يحيى الرخاوى : أستاذ الطب النفسى: لا نملك إحصاءات دقيقة عن أمراض «نفوس المصريين»..

جريدة الوطن :

14/2/2018

أستاذ الطب النفسى: لا نملك إحصاءات دقيقة عن أمراض «نفوس المصريين»

.. وأرفض مصطلح الاكتئاب القومى

كتب: أحمد عصر

الوطن 14-2-2018

أكد الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى، أن مصر ليس لديها إحصاءات دقيقة عن أشهر الأمراض النفسية التى يعانى منها المصريون، مؤكداً رفضه الكامل للمصطلح الذى يطلقه البعض بأن هناك حالة من «الاكتئاب القومى». وطالب «الرخاوى» فى حوار لـ«الوطن»، الأطباء بضرورة احترام المريض وتفهم لغة مرضه والإنصات الكامل له ولتجاربه حتى يستجيب للعلاج بسرعة، مشيراً إلى أن هناك مراكز علاجية للطب النفسى غير مؤهلة ولا يشرف عليها أطباء متخصصون، وبعضها بعيد تماماً عن رقابة وزارة الصحة، ورفض «الرخاوى» التعليق على ما حدث لبعض المرضى فى مستشفى العباسية للصحة النفسية من جانب طاقم التمريض، احتراماً للتحقيقات الجارية حالياً وحفاظاً على خصوصية المرضى.. إلى نص الحوار:

د. يحيى الرخاوى لـ«الوطن»: هناك مراكز علاجية غير مؤهلة ولا يشرف عليها متخصصون وبعيدة عن رقابة «الصحة»

ما تعليقك على أحداث مستشفى الصحة النفسية فى العباسية الأخيرة والصور التى تم تسريبها وطرق التعامل مع المرضى؟

– من الأفضل تأجيل التعليق لحين انتهاء التحقيق القانونى والإدارى فى هذا الحادث، لأن التسرع بالرد قبل معرفة التفاصيل قد يلحق الضرر بالمتهم (الذى يظل بريئاً حتى تثبت مخالفته للقانون) كما يلحق الضرر أيضاً بالمريض الذى قيل إنه تعرض لما تعرض له، لأن الحفاظ على خصوصية المرضى ليست مهمة الأطباء والتمريض فقط، بل من مهام الإعلام الذى تصل رسالته ناقصة عادة، ومثيرة أحياناً، قبل التحقق من موضوعية أبعاد ما حدث.

وهل القانون فى مصر يحمى المريض بدرجة كافية؟

– نعم، فالعلاقة بين الطبيب والمريض فى مصر لا تقتصر على العلاقة القانونية بل تتجاوزها لمستويات أفضل، فثقافتنا السمحة، تجعل المريض النفسى (وغير النفسى) يثق فى طبيبه أكثر من ثقته فى نصوص القانون، وهذه الثقة تضع مسئولية أكبر على الطبيب الذى يمارس فى مجتمعنا دور «الوالد» و«الوالدة» وأمين السر، جنباً إلى جنب مع دوره فى تشخيص المرض وإعطاء الأدوية، وهذه العلاقة المباشرة تضيف بعداً رائعاً يعرفه الوعى الشعبى حين يلحقون بأى تعاقد أن «العهد عهد الله»، وأن «الله على ما نقول شهيد» وأغلب الأطباء يستجيبون لهذا الوعى، ويجعل الطبيب على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره (القانونية)، هذه الثقة المتبادلة تستبعد شركات لا تقدّر عمق العلاقة مع المريض حق قدرها، مثل شركات التأمين، وشركات الدواء، وبعض المحامين المتحمسين لما فى الورق أكثر مما يجرى على أرض الواقع من خير وتراحم دون تجاوز صريح للقانون.

أرفض التعليق على ما حدث فى مستشفى العباسية احتراماً للتحقيقات وحفاظاً على خصوصية المرضى.. وعدد المستشفيات الحكومية أقل بكثير من حجم المرضى

كيف ترى ثقافة العلاج النفسى فى مصر؟

– أولاً تعبير ثقافة العلاج النفسى غير تعبير ثقافة علاج الأمراض النفسية، فالعلاج النفسى إحدى وسائل العلاج التى يمكن أن تقدم للمريض النفسى عامة، وبالتالى سوف يكون ردى على الاحتمالين، فعلاج الأمراض النفسية بشكل عام فى مصر يشمل أى خبرة مهنية منظمة تقدم للمريض النفسى (والعقلى) لتساعده على أن يبرأ من مرضه ويعاود حياته متماسكاً منتجاً متواصلاً، وهو بهذا يشمل العلاج بالعقاقير المناسبة، وبالتأهيل المنظم، والعلاج بالتدخل الفيزيائى لإعادة تشكيل المخ، وهذا ما يسمى خطأ الصدمة الكهربائية ثم العلاج النفسى بأنواعه، كل ذلك يساير غالباً أحدث ما توصلت إليه أساليب العلاج عبر العالم.

أما العلاج النفسى تحديداً، فهو موجود فى مصر ويقوم به إخصائيون جنباً إلى جنب مع الأطباء، وله طيف متسع من أول التحليل النفسى حتى العلاج السلوكى المعرفى، مروراً بتنويعات من العلاج الجمعى، وقد بدأ فى الازدهار حديثاً بمصر أكثر وأكثر، بعد تأسيس قواعد الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية التى عقدت مؤتمراً عالمياً فى القاهرة فى الشهر الماضى.

وما أخلاقيات التعامل مع المريض النفسى؟

– هى أخلاقيات العلاج بشكل عام، لكن يزداد عليها بوجه خاص التأكيد على ما أحب أن أسميه «احترام المريض» واحترام خبرته وتفهم لغة مرضه، والإنصات ليس فقط لما يحكى من أعراض، ولكن لما تقوله تجربة المريض الخاصة جداً، التى أعاملها باعتبار أنها ثورة، ولكن للأسف هى ثورة مُجهضة يدفع ثمنها المريض وحده دون غيره.

هل يلقى العلاج النفسى فى مصر الدعم المناسب؟

– العلاج النفسى (كجزء من علاج الأمراض النفسية) بدأ فى الازدهار مؤخراً وتعددت أشكاله وأدواته، وهذا التعدد لا يمثل تنافساً بقدر ما يمثل تكاملاً ضرورياً، ولا بد من الاعتراف بأن التحليل النفسى التقليدى (الفرويدى خاصة) تراجع كثيراً جداً، ليس فى مصر فقط وإنما فى العالم أجمع، وهذا لا يدل بشكل مباشر على فشله بمصر أو غيرها بقدر ما يشير إلى تطور العلاج النفسى عامة إلى ما هو أكثر واقعية، وتحديداً بالتركيز على ما هو «هنا والآن» ليحل محل اهتمام العلاج النفسى المبالغ فيه بالماضى والعقد المترسبة منذ الطفولة وما إلى ذلك، وكل هذه العلاجات متوافرة فى مصر بشكل متوسط يتزايد مؤخراً بنجاح نسبى.

مطلوب من الأطباء احترام المريض وتفهم لغة مرضه والإنصات الكامل له حتى يستجيب للعلاج.. وتجربة المريض أعتبرها «ثورة مجهضة» يدفع ثمنها وحده

وما أشهر الأمراض النفسية التى يعانى منها المصريون؟

– لا توجد إحصاءات دقيقة يمكن الاستناد إليها حتى من مراكز الأبحاث المقننة، لأن تحديد أشهر الأمراض ونسبة كل منها إلى الأمراض الأخرى أو إلى التعداد العام، أمر شديد الصعوبة والدقة، ويحتاج إجراء الفحص على ما تسمى عينة ممثلة، أى تمثل مجموع المصريين، وهذا أمر شديد الصعوبة يصعب تحقيقه فى معظم الأبحاث الانتشارية المتاحة، فهى تتم غالباً بشكل تقريبى، فضلاً عن أن الحد الفاصل بين الأسوياء والمرضى حد هلامىّ لم يتفق العلماء والباحثون على تحديده بشكل يسمح بفصل السليم عن المريض بشكل حاسم وموضوعى، وعموماً هناك شائعات كثيرة، ليست علمية وإنما غالباً هى «إعلامية» أو (انطباعية) عن انتشار الاكتئاب فى مصر مؤخراً بشكل أكثر من أى مرض نفسى، وظهور ما يسمى «الاكتئاب القومى»، وأنا لا أوافق على ذلك نهائياً، وكتبت فى ذلك كثيراً أدافع عن حق المصرى فى الاكتئاب دون أن يصل إلى درجة المرض.

هل يمكن أن يعانى الإنسان من مرض نفسى وهو لا يشعر؟ وما هذه الأمراض؟

– طبعاً ممكن، وهذا يتوقف على ما نسميه «البصيرة»، فالمريض الذى يشعر أنه مريض ويحتاج إلى مساعدة طبية حتى يشفى يمثل أغلبية المرضى النفسيين، بل إن البعض يبالغ فى ذلك ربما تحت تأثير الإعلام فيذهب للطبيب النفسى وهو يعانى معاناة عادية من بعض المشاعر التى تسمى نفسية، ويحسب أن أى شعور بالتوتر أو الضيق أو عدم التركيز مرض يحتاج إلى طبيب ودواء، وكل هذا ينبغى الانتباه إليه حتى لا يصبح المرض النفسى تبريراً للكسل أو التوقف عن الإسهام فى الإنتاج أو العلاقات والتكيف.

ماذا عن عدد مستشفيات الصحة النفسية فى مصر مقارنة بأعداد المرضى؟

– صراحة لا أعرف العدد تحديداً، وإن كان الانطباع السائد هو أن عدد المستشفيات الحكومية أقل بكثير من حجم المرضى الذين يحتاجون إلى الرعاية بها، وإن كان العدد قد زاد بنسبة محدودة مؤخراً، أما المستشفيات الخاصة فقد زادت بنسبة أكبر، لكن للأسف هذا لا يسد حاجة المرضى المصريين للعلاج لأنها باهظة التكاليف، وفى نفس الوقت انتشرت مؤخراً مراكز علاجية نفسية، فيما يتعلق بمشكلة الإدمان، وللأسف بعضها غير مؤهل ولا يشرف عليها أطباء متخصصون وبعضها بعيد عن مراقبة ومتابعة وزارة الصحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *