الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة التحرير / إعدام أبرياء “بقانون استثنائى”، أشرف من إهانة القضاء

إعدام أبرياء “بقانون استثنائى”، أشرف من إهانة القضاء

جريدة التحرير

01-12-2012

تعتعة التحرير

إعدام أبرياء “بقانون استثنائى”، أشرف من إهانة القضاء

لم أوافق ابدا على إنشاء محاكم ثورية بقانون استثنائى خوفا من إعدام أبرياء، ومع ذلك ربما كان هذا أفضل مما حدث الآن.

الخطأ وارد، ولا يحاسب القاضى إلا قاض فى مستوى أعلى، وتظل قيمة المؤسسة القضائية فوق رؤوس الجميع، لكن ها هى النغمة تعود، وبإعلان دستورى، يصدره رئيس الدولة -بغير وجه حق كما يقول القانونيون ومنهم المستشار طارق البشرى- ومؤامرة تفكيك الدولة تتمادى بخبث مفترس لتقتحم المؤسسات التى أبت وطنيتها وكرامتها أن تتصدع تحت ضربات الضغط الأجنبى والفوضى الشعبية معا، وها هى تصل بمثل هذه القرارات!! إلى مؤسسة القضاء، هل تصور سيادة الرئيس ما يمكن أن يلحق البلد على مستوى الاقتصاد والأمن والاحترام الداخلى والدولى لو توقف القضاء شهرا وأكثر؟

 باختصار شديد: العدل أساس الحكم، والعدل هو اسم الله سبحانه، والعدل هو أرقى ما يؤسس الأمم.

باختصار شديد: “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”،

باختصار شديد: “وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى..”

باختصار شديد: إما شرعية ثورية فات أوان إعلان ما تسمح به أو تضطرنا إليه، مهما كانت عيوبه، وإما شرعية دستورية ، والمفروض أننا نعيش تحت مظلتها حاليا، ولا يصح الخلط بينهما وخاصة من أكبر مسئول (رئيس الدولة!)

فى مقال سابق لى هنا بتاريخ 25-2-2012: بعنوان: “… وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا”، أنهيت المقال بنصيحة للشبان والشارع إذا ظلُّوا مصرين على التركيز على الانتقام العشوائى بدلا من البناء الحضارى بالعدل الممكن، أنهيته بنصيحتى – ضد رأيى- أن يتحملوا المسئولية ويقوموا: “…. بالتوجه فورا إلى مجلس الشعب ليصدر قانونا بإنشاء “محكمة الثورة” ليُحاكم خلال اسبوعين أو شهر على الأكثر: عشرة أو خمسة آلاف، ولتحكم المحكمة المستعجلة بالإعدام على ألف، أو من تشاء، وليكن منهم ثلاثمائه أبرياء، فهم سيفوزون بالشهادة ..إلخ ” …..، فى نفس الوقت أوصيتهم أن يتذكروا أن إكرام شهدائنا الأصليين يكون بالدعاء لنا بأن نلحقهم حيث يكرمون،…..، ثم نروح نحن نواصل إتمام رسالتهم لبناء مصر دون التوقف عند حق الانتقام من قاتليهم الحقيقيين أو المزعومين، الذى لو تم إعدامهم عدلاً أو تسرعا فإن ذلك لن يبنى الدولة كما أرادها الشهداء وضحوا فى سبيلها بأرواحهم.

مؤسسة القضاء المصرى الشجاعة الشامخة مازالت تمثل إيجابيات ما تبقى من الدولة، وهى فى البداية والنهاية مؤسسة من البشر، وبالتالى فالخطأ وارد، والظلم محتمل، والتفتيش القضائى جاهز، والله موجود. فى ذلك المقال كتبت أيضا ما يلى: “حين كنت أتولى تدريس الطب الشرعى النفسى فى المركز القومى للدراسات القضائية فى السبعينات والثمانينات حكى لى سيادة المستشار سمير ناجى عن عبد العزيز باشا فهمى، وكيف أن محاميا شكر المحكمة على “حسن إنصاتها  وسعة صدرها” ، فانبرى له عبد العزيز باشا منبها أن “المحكمة تؤدى واجبها، وهى لاتقبل الشكر من أحد لأن من يملك المديح يملك الذم”، إلى هذه الدرجة كانت المؤسسات عزيزة برجالها، ونحن الآن نسمع  تهديدات للقضاة وصلت إلى التهديد بحرب أهلية إن صدر الحكم بالبراءة لفلان أو علان” أو التهديد بالهجوم على مكتب النائب العام إن هو لم يخضع لتهور ورشاوى مؤسسة الرئاسة أو هدير الشارع، ورفض أن يهز قيم القضاء وشموخ مؤسسته،

الاسلام الذى يتصور حكامنا الجدد أنهم ينتمون إليه ويدافعون عن مبادئه، وبالتالى يفهمون أحكامه، ويستهدون بهديه أكثر منا، ينبهنا فى كتاب الله الكريم أنه “بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره”، فالأعلم بما فعل هو مَنْ فعل الفعل، ولنفرض أن محكمة حكمت بالبراءة على مجرم وهو يعلم أنه مجرم، فهو ينتقل إلى محكمة نفسه، ثم محكمة التاريخ إن صدق التاريخ، ثم محكمة ربه كما جاء فى الحديث الشريف: “إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار” ثم يأتى هذا الاعلان الدستورى الأخير فيقيل –ضد القانون- هذا النائب العام مهما قيل فى تاريخه أوبلغت أخطاؤه، فمبدأ الشرعية قائم وليحاكم أولا ويدان، ولو بمحكمة الثورة، ثم يقال أو حتى يسجن، أو حتى يعدم، لكن هكذا لا..

إن القضايا الجنائية غير الأخطاء وهى غير الجرائم السياسية، لقد أصدرت الشوارع والميادين أحكامها بإعدامات كثيرة لا تقبل النقض، دون عقد محاكم ثورية، وها هو الرئيس الدكتور الاستاذ الجامعى المهندس يصدر إعلانا دستوريا، ويلوح فى خطبة عصماء إلى نفس التوجه وهو ينهج نفس النهج، ثم هو يعصم نفسه وقراراته السابقة واللاحقة  من المناقشة والمراجعة والحساب، ناهيك عن النقض أو الإلغاء.!!

وفى نفس الاعلان الدستورى جمع سيادة رئيس الدولة، أو من أشار عليه، بين ما هو “قرارات” وما هو “قوانين”، وما هو “إعلانات دستورية”، فى سلة واحدة وهو يقرر أنه لا يجوز التعرض لها بوقف التنفيذ أو الإلغاء من قبل أيه جهة قضائية، وهو يمدد هذا التحصين بأثر رجعى “منذ توليه السلطة” ناسيا أنه أصدر قرارات عكس بعضها تماما منذ توليه السلطة، فأى القرارات سوف يتحصن بهذا الحصن الحصين: القرار الأول أم عكسه الذى ألغاه؟

ماذا تبقى بعد كل هذا الإشلال لمؤسسة القضاء المستقله؟

وماذا تبقى من معالم الدولة المحترمة؟

أختم تعتعة اليوم بأن أكرر بلا ملل: ما تعلمته من الواقع والتاريخ ثم من دينى العظيم، عن مستويات العدل المتصاعدة كالتالى:

1)  شبه عدل (لا عدل) الانفعال فى محاكم الشوارع والميادين

2) عدل الاستثناء فى محاكم الشعب أو الثورة (تجاوزا)

3) عدل الشرعية فى محاكم القضاء بالقوانين الراسخة المكتوبة

4) عدل التاريخ (برغم أنه مقول بالتشكيك)

5) عدل البصيرة ومحاكمة الشخص لنفسه

6) عدل الله سبحانه الذى يطال المتهم والمجنى عليه، والقاضى جميعا

أما هذا الذى يجرى هكذا، فليبحث عن مكانٍ آخر تحت مسمى آخر.

وأختم بأغنية “يوسف القاضى” التى ذكرنى بها شيخى نجيب محفوظ فى تدريباته لاستعادة الكتابة، وهى التى كانت يغنيها المصريون أيضا!! فى مواجهة الاحتلال سنة 1911

يا ست مصر صباح الخير          يسعد صباحك يا عْنيّه

فين العدالة يا مُوِنْشِيرْ               وهِيآ فين الحريه

مع التذكرة بأن حزب السيد الرئيس اسمه حزب “الحرية والعدالة”.

وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *