الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1997 / عدد أكتوبر59-1997-الديناصور

عدد أكتوبر59-1997-الديناصور

الديناصور

زكى سالم

كنت أظن أننى سامكث فى هذه المدينة – على الأقل – بضعة أشهر، ولكن الأمر لم يتجاوز ثلاثة أيام!

ما أن وصلت، حتى ذهبت لأستأجر شقة رخيصة للإقامة، فكان نصيبى فى شقة بالدور السابع تقع على حافة المدينة وتطل على الصحراء.

العمارة لا يسكنها أحد – كما قيل – سوى مدرسة وزوجها، ويقيمان فى الشقة الماقبلة لى.

وفى أول ليلة، ومع تقدم الليل، بدأ الأمر – الذى تكرر فى اليالى الثلاث – برائحة الشواء، ثم بعدها بدأت أسمع الأصوات، ضحكات أنوثية مثيرة، وصوت أشبه بصوت حيوان عظيم، ضحكاته لها ظلال مخيفة، ثم تطورت الأصوات إلى أناث خفيفة، وشهقات، ثم صرخات مدوية!

أول ليلة لم أكد أنام، ثم خرجت فى الصباح إلى شئونى، دون أن أفهم شيئاً، وعندما عدت فى المساء كان البيت أشبه بمقبرة من الصمت المهيب.

ومع حركة الليل، بدأ نفس السيناريو..

وفى الصباح التالى خرجت مبكراً،

وعدت بعد الظهر، وأنا أصعد درجات السلم، سمعت أصوات فى بئر السلم، ثم وقع أقدام ضخمة تصعد الدرجات، فانتابنى شعور غامض، ونظرات أحاول أن أرى من يصعد السلالم، فرأيت منظراً عجيبا، لكائن عملاق تكاد رأسه تصل إلى السقف العالى، وهو يحمل بين يديه إمرأة تلقى برأسها على صدره، وعلى وجهها شبه إبتسامة، بينما هو يحملها ويحمل أيضا حقيبة ممتلئة ويصعد السلم دون أدنى شعور بثقل ما يحمله!

أخذت أصعد بهدوء، وأنا أتأمل هذا المنظر الفريد. العملاق يبدو شاباً صغيراً حول العشرين، ولكن فى ملامح وجهه شئ غير طبيعى، بينما المرأة تبدو حول الثلاثين. إمرأة عادية، لكن رأسها النائمة باستسلام على صدره، وشعرها المسترسل، بالإضافة إلى ساقيها المتأرجحين. جعلنى هذا المنظر أراها إمرأة مثيرة.

ظللت أتأملهما حتى وصلت شقتى ففتحتها وأغلقتها على بهدوء، وأنا أتابع النظر من خلال العين السحرية.

رأيت العملاق ينزلها أمام باب شقتهما دون أن يلهث من الأدوار السبع! بينما هى لا تكاد تصل إلى سطه، أخرجت المفتاح من حقيبتها وفتحت الباب وأدخلته، وهى تلقى له بعدة أوامر، فيستجيب لها.

وفى الليل تكرر ما حدث من قبل، وخرجت فى الصباح مبكرا، وعدت قبل الظهر، لأستريح قليلاً، وأجمع أشيائى.

ثم سمعت أصوات قرب باب شقتى، فنظرت – من العين – فإذا بأربعة من الشباب الصغير يقفون قرب الباب، وسمعتهم يتحدثون:

– ستأتى بعد قليل وهو يحملها بين يديه.

– سمعت أنه ليس زوجها.

– يقال أنه أخوها!

– سمعت أنها كانت تعمل فى مصحة للمتخلفين عقليا، وأخذته معها، وجاءت به إلى مدينتنا!

– إنه لا يخلف لها أمراً.

– طوال الدروس وأنا أتخيل كيف تعيش معه.

– يقال أنه تقدم لها كثيرون ورفضتهم جميعاً.

– كل صباح تأخذه إلى مصنع البيرة، حيث يعمل حمالاً، وبعد إنتهاء المدرسة تعود به إلى هنا.

– كم تبدو مثيرة فى ملابسها المنزلية.

– ها هو يصعد بها وهى مستسلمة بين يديه، صامتون يتابعون صعودهما، وأنا أتمنى لو أخرجد لأنضم إليهم فى الفرجة على هذا المنظر الغريب.

أنزلها العملاق، فسلمت عليهم، وفتحت الباب، وقادت العملاق إلى الحجرة فدخل كما أمرته، ثم أجلست الأولاد عل المائدة، وقالت لهم أخرجوا كتبكم وكراستكم، سوف أخذ دشاً سريعاً وأغير ملابسى، وأعود إليكم.

كانت هذه أخر عبارة اسمعها وأنا أحمل أشيائى، وأنزل السلم وأرحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *