الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد ابريل 1988 / عدد ابريل-سبتمبر1988-يعود وما غاب من شبراويش

عدد ابريل-سبتمبر1988-يعود وما غاب من شبراويش

ثم ها هو، هكذا، بلا لماذا، يعود:

محمد عبد السلام

من شبراويش

نعم.

نحن نسمعه آت بعد ما ….، ما، ماذا؟ آت من بعيد، لكن بوضوح شديد، صوت عزيز، صاحبنا فترة، ودفعنا مراحل، واختفى فجأة، فنكاد لا نصدق أنه هو، ظهر فى الوقت الذى كنا نتمنى ظهوره، فهل سمعنا فعاد، أم أنه اخترقنا فأشفق فتذكر مالم ينسه مما لاينسى وإن اختفى حتى كدنا …..

هو صوت من أجا دقهلية، فإن كان قد تبقى معنا من قرائنا من كان معنا ساعتئذ، فهو يعرفه تماما، هو محمد عبد السلام (محمد بن عبد السلام) الذى قال وأعاد، وأقدم وأفاد، وحاور وظلمناه مثل غيره، ثم تركنا فكدنا نتركه (فى ظاهر وعينا) وإذا به دائما معنا، يعود – وما غاب – يعلن أنه لم يتركنا فلم نتركه.

8 – كتب ابن عبد السلام يقول

شبراويش فى 25 مايو 1988 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ما لا يتم الواجب إلا به

خيرا … اللهم اجعله خيرا .. يا أهل الله: السلام عليكم، وعواف، وهاى، ومرحى …!!

إزيك يا حبة عينى يا يحيى .. إزيك يا ضنا .. يا غالى .. واحشنى .. أنا محمد عبد السلام، كنت جذبتنى فى حينه قبل سنوات من كمى .. كنا مهطعين يومها إلى “عطفة الذى ذبح على النصب “.. كان يندفع إلى قدره الواحد الشافى كطريدة متهوسة، وكنت – ومثلى بالقطع آخرون -، وليغفر الله لنا ما كان من ذات النفس والمرض .. نقهره” بالحث عن بعد”، وبقوتى النفس والروح، إلى مصير كما انتهى إليه أو أضل، وكان هو – المعنى – قد اثقل فى حينه على ذات السنن والناموس، وحال كهذا تضيق عنه الأرض، ولا يبقى له من جدول التخيير فى المعالجة (Scheme) إلا “الركل” .. أأزعم أن أهل بيته المستفيدين أنفسهم ضاقوا به حتى المقت؟؟؟

فى ذلك الزمن تصادفنا، وانتهيت فجعلتنى “ابن عبد السلام “تكريما لمثلى وجناية على الأصل … العز …. فلا بأس ما كان، وإنما بتوبة وإنابة إلى الحق الأحق اتباعه … فمثل هذه التكرمات هى سخاء من جيب المتكرم، فما لنا وهذا يا صاحبى؟؟

أهلا .. ولا أوحش الله منك ولا من أمثالك الذين أفرد لهم طيب الذكر .. زكى الحضرة الشيخ “فؤاد حداد” (وبينهم: العتال، والحداد، والعرقسوسى، والبولاقى، والعطار، والخانخاليلى، و … (وهى حزمة من أشعار من كتابه “كلمة مصر” – دار روز اليوسف)..) أفرد لهم بيتا أوقفه عليهم، ونمده نحن اليوم ليسع أمثالنا من المتيمين بالنظر وإعادة النظر، بأمانة من جماعة “الحبل ع الغارب” .. يقول البيت:

دول ريحة الدنيا، وأهل الزمان، يا أطيب الأهل

يا صاحبى، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به – كما قدر الأصوليون – فهو واجب، وجدته واجبا على اليوم أن أعود إلى وصلك … واجبا تلزمنيه الأمانة والرحمية، والحبر والفكر، حتى يأذن الله لنا بعيش وملح فى دعوة تتكفل أنت بتوجيهها (وتدبير أمرها ..) لجماعتنا (السائبة) – وأقل الشئ سيكفى أمثالنا ودون تكليف … – ونتكفل إن شاء الله بتلبيتها نظما لانفراط وجب نظمه إعلاء لقيم واجب الذى أخذت به نفسى ينتظمه حلقات ثلاثة لعلى أكون قد فرغت من أولاها وهى إعادة، إعمالا لمفهومية اجتماعية الإنسان ووصلا للأرحام وهذا الواجب الذى أخذت به نفسى ينتظمه حلقات ثلاثة لعلى أكون قد فرغت من أولاها وهى إعادة التعارف – أقصد إعادة الاتصال، فالتعارف كما تعرف تفاعل لا ينتهى، والأمانة تتطلب إعادته بلا كلالة أو ملالة ما كفت المادة نفسها عن طرح نفسها كل يوم تعيد وتزيد – وخيرا .. اللهم اجعله خيرا، وكل ما يجرى هو خير مادامت الأصول مرعية، فلا ظلم ولا وهن وإنما تواصل بالاصلين: الحق والصبر، وما صبر إلا للحق، وأما غير ذلك فهو الهوان والذلة والمسكنة، فاللهم عونك..

أما الحلقة الثانية فلابد معها من تذكر السيد الرئيس “محمد جاد الرب” لمناسبة كما يسرنى تذكرها وتذكيركم بها، أرانى محتاجا للإفادة منها الآن وعلى الفور …..، تذكر يا سيدى أن المعلم “جاد” كان قد دعا فى حينه، ولعله قال بها فى حينه، ولا أذكرها الآن، فما كل علة بعلة حقا، لأن منها تعلات يتعللون بها قسرا على الفعل، أو صرفا عن القصد الأصل، ولا باس من الملاعيب ما دمنا “حذقين”، وحسنى النية، فعلا لا عهرا أو طفاسة، أقول أن “أبا جاد” كان قد دعا إلى تمليط الهرم (ولنذكر أن مشروعا أهون بكثير رعاه الدكتور أحمد قدرى بصفته ممثلا للأمة فى هذا المضمار وقائما على ميزانية، لا مجرد واحد من جماعة مفككة هى جماعتنا حتى لقد استقر عندى – ولحين ثبوت اعتراضات جادة – أنها جماعة “الحبل ع الغارب”، قد طار به هذا العمل عاليا ثم ألقى به من شاهق) والذى يعنينى الآن من فكرة المعلم، وبعد هذه القطيعة، هو أننى أدعو كنوع من التوجيب الواجب لشخصك يا أخ يحيى … – حفظه الله ورعاه ونفع به – أدعو جماعة الحبل ع الغارب إلى تمليطك شخصيا ..

وخير إن شاء الله، فقد استقرت أعراف الدنيا على أن للمحتفين أن يصنعوا بالمحتفى به ما يرون فيضعون على صدره أو رأسه أو ظهره أو بطنه أو على وجهه ما يتفق وأعرافهم لا عرفه ..، وكل المحتفى بهم فى “السويد”، أو “شبرابابل” (الشهيرة ب “شبرامبابل”) – أو معظمهم قل – يخضعون لطقوس صاحب الحق، ولن نكون نحن يا دكتور يحيى بدعا من هذا التقليد، وإن كان يجوز لنا – بصفتنا وخصوصيتنا – أن نضحك كثيرا، أو نبكى، بغض النظر عن ما هو متبوع عند الآخرين.

تعلم أيها “المعلم” المصابر “يحيى” أن التاريخ أعلاه هو 25 مايو، وهو تاريخ مقالكم الذى نشرته “الاهالى” بعد أن امتنع عن نشره أخرون، وقد استثارت العملية بمجملها مكنونا لدى لا أبوح به، ولا لك يا معلم، وهو يصادف ريحا كتلك التى سادت يوم شددتنى من كمى، والتاريخ لا يعيد نفسه، فأنا – هذه المرة – من ينقر على كتفك .. مهطعين إلى … اللهم اجعله خيرا والطف، فالفرقعات – كما استقر لدينا – لاتنتهى إلى تغيير فعلى لأن أنفسنا ما تغيرت، وإن كان، فليس بما يكفى بعد لتغير كيفى … فالفرقعات تصنع تلبثا وحيرة تنتهى بتقعيد النهج الكرب، بعد أن نكون قد علمنا هوس الزعيم بالكورة على غير تعلق سلفه بعروض الكاوبوى .. كما ترى … كما ترى … كما ترى – إن صح ما فهمت عنك، فإن لم يكن صحيحا فلا عليك ولتقلب التاء (فى: ترى) ألفا: كما أرى .. كما أرى .. كما أرى ولا ترى يا حويطا.

“تمليطك” يا سيدى (يحيى) هو لمصابرتك أيها الاستاذ المعلم .. والمصابرة، حين يمعن مثلى النظر، فضيلة الفضائل، وللهرم منها حظ منظور معلوم وثابت، فمن بين جماعتنا التى أذكر من بين أعضائها فضلا عن المعلم (جاد) الأساتذة الداوشة – استاشى، ويسرية الأمين، ووفاء خليل، ولا أعلم من أيضا ممن زج بهم العيش إلى سف تراب الوطن هنا، أو مضغ الزلط أو الرمل أو الثلج، وسعوا إلى التخوم على مشارف العملات الصعبة هناك … أقول إنك بين هؤلاء من جالد وأصر فاتحا دكانه “الإنسان والتورط”، حتى أن تمليطه بات واجب الجماعة تجاه دكانه “الإنسان والتورط”، حتى أن تمليطه بات  واجب الجماعة تجاه فارسها العتريس … لقد كان وبينما نمر على طروحات أرصفة الثقافة هنا أو هناك أن نراك ثابتا على باب الإنسان والتطور” بينما نراها نحن – أو قل أنا – كالزوجة لم تطلق الطلقة البائنة, ويروعه منها هذه “الجدعنة” والثبات بينما أل فرعون مأخوذين بالسنين ونقص الأموال والأنفس والثمرات …. صحيح أنك، وبحكم موقعك ومسئوليتك الفعلية وفى المواجهة كنت تعطى نفسك الحق وتعدل فى المحل كما يتراءى لك ووفق حسابات بدأت وانتهت عندك (والشورى مأمور بها يا معلم) مفسحا للإنسان ومضيقا عل “التورط” أو العكسو لكنك حافظت على ألا تنهزم حتى وأنت مهزوم .. سيدى: لابد من تمليطك ..؟ وهذا شرفنا..؟؟ سيدى الأستاذ …

لقد مسنى جدا ما انتهيت إليه يا أستاذ، وهذه هى الحلقة الأخيرة فيما تصورته واجبا .. راعنى يا صاحبى الفارس أنك صرت تحادث الصندوق البارد (الحاسوب) وأنت توجه رسائلك إلى العالمين … حسنا يا صاحبى الطيب .. قد بلغت .. وهذه رأسك فدعنى أقبلها، واستمسك بالذى عندك، ولا تحزن. ولا تعد إلى الحاسوب.

ولا إلى حصان حوذى القديس أنطون بافلوفتش تشيكوف، أو مجموعة النظارة الدارسين

ولا تشى بنفسك أو تعود فتخاطب (الرجل)

(الكتفَ) السميك كظاهر الخرتيت ولحاء التبلدى  (Baobab)

لا تمسد الخنزير فتحزن، وأقول لك:

الخوف من هنا، لا من حيث خفت

(لماذا تقتل روحك بالشركاء وما بينهم ند، وهو الواحد ولا كفؤ) فإن أصررت فلن تحتاج بعد

لا حصان الحوذى ولا صندوق الحاسوب

سيتسلون بالنظر إليك أمدا ثم يصرفون النظر … الحمقى ..!!

لك السلام أيها الطيب .. لك السلام ..

وخيرا .. اللهم اجعله …………… ، خيرا

أخوك محمد

 26مايو 1988

فنقول:

يا مولانا محمد (بن) عبد السلام

حضرت، ودمت، من قبل ومن بعد

فوالذى نفسى – ونفسك – بيده لو لم أستشعر أن ذلك عيبا فى حق من لم يحضرنا، لما رددت عليك، فليس عندى ما أضيفه لما وصلت إليه، ولو وقع سائر هذا العدد من المجلة فى بؤرة وعيك، وهو واقع لا محالة، لأغنانى عن مالا يلزم، لكن للحضرة آدابها، وللحضور من أهل الدهشة واجب لا مفر من القيام به، فاحتمل التكرار وأمرى وأمرك إلى الله.

وقد تاب الله على – كما لابد أنك لاحظت – من حكاية الحوار التى بهرتنى يوما، وظلمت كل من شاركنى فيها – مضطرا لا محالة-، وإن كان حضورك هذا، فى خطابك هذا، قد أهاج فى رغبة أن أقف عند كل سطر منه محاورا مشاغبا، لكن الحمد لله نشرته كله، ثم أقف منه كله بما أستطيع، والله المستعان.

ولا أخفى عليك يا محمد أنى خجلت من بعض ما جاء فيه مما يشبه المديح فى شخصى، حتى كدت أحذفه، لكن حقك على، واحترام القارئ حالا دون ذلك، فقد خشيت أن تنقلب المجلة – هكذا – بعضها على الأقل، إلى بعض ما كان يدور فى بريد “الجديد” (رشاد رشدى)، فاللهم أبعد عنا شر ما يخايل أنفسنا أنه نحن وما هو بنحن، إنك أنت الأدرى من “يحيى” هذا الذى يريد تمليطه “محمد” هذا، وصحبه، فهو ليس تماما (أو ليس فقط) هذا العبد لله الذى يكتب الأن المجلة على هذا الحاسوب، فيجد فى عمل كاتب الألة الكاتبة رضا وجدوى أكثر مما يجد وهو يقرأ بحثا علميا يرقى به أستاذا مساعدا إلى أستاذ، وأكثر مما يجد وهو يمنح درجة الدكتوراه بجلالة قدرها لمن لا يعرف لماذا أخذها، وكيف، ولا إلى أين يذهب بها أو تذهب به …، فهل سوف تغفر كل هذا يا عالما النوايا والحدود؟

فمادمت لست “هو” فحدث يا محمد ولا حرج، ولسوف أرد عليك – بالرغم من ذلك – وكأنى “هو” واسمح لى أن أواكب خطابك فى فقرات، هى إلى القفزات أقرب منها إلى الحوار، ولكن هذا هو الممكن بعد ما فعلت بى هكذا، وأنت أدرى.

رحمه الله رحمة واسعة، فقد طاح حتى نطح، ونطح حتى انبطح، فكان ما تمنى، دون أن يبلغه تحديدا أنه تمناه، ولا أظن أن أهل بيته فقط هم الذين ضاقوا به، وإنما أعتقد أنه هو أيضا كان قد ضاق بنفسه، فدفعها إلى حيث حسبت – وغيرك – أنك تدفعه إليه، والله أعلم وأرحم.

فى ذلك الزمن تصادفنا، وكنت أشفق عليك منك، وحين ذكرنى خطابك بهذا الذى كان، وجدت أنه مازال، فقلت أرجع إلى نص الألفاظ فى حوار سبق فى أعداد سابقة، ثم عدلت واكتفيت بحضورك الجديد، وعجبت أنه هو هو، فما الحاجة إلى الرجوع وهو ماثل، مازال؟

الدعوة – من جانبى لكم – على مشاركة فى عيش وملح هى دعوة قائمة دائما، حاضرة غائبة، على شرط ألا تتم، وهذا من أنقص نقائصى، ففى المرة الوحيدة التى قابلت فيها جاد الرب، قلت له إن كل ما أرجوه منه هو ألا يحضر ثانية، ألا يقترب أكثر، حتى لا أعشى بحقيقة الجارى والمحتمل، وليدعنى أتمتع بصورته التى رسمتها له مما ليست هو قطعا، بنفس القدر الذى تبدو فيه صورتى الواردة فى خطابك بما هو أفضل ما وصلك منى – وقد فعل، كذلك فعلت وأفعل مع كل من أريد أن أحتفظ به عزيزا قريبا، حتى لا أفقده قريبا غريبا، وهذا – مرة أخرى – من أنقص نقائصى التى لا أعرف كيف أتخلص منها، حتى محمد المخزنجى، زارنى مرة واحدة، ونصحته فيها أن يبعد عن هذا التخصص ليحافظ على إبداعه، وأن .. وأن ..، ولا أذكر إن كنت قد شرطت عليه ألا يعاود الزيارة، ولكنه استجاب فلم أره ثانية، حتى أرسل لى هذا الأسبوع كتابا من روسيا حيث يدرس يذكرنى بالمقابلة، ويلوح بالعودة إلى هذه المجلة (رمزا أو معنى أو واقعا) فاضع يدى على قلبى واقول يارب سترك، إذ كيف ستصلنى صفحتك الواحدة (رواية كاملة) يا مخزنجى، لو أنى جالستك وحادثتك ورأيت منك مالا أحتمل، وأريتك منى مالا تحسب؟ ولكن إلى متى يا محمد (يا بن عبد السلام، يا مخزنجى، يا جاد الرب – كلنا محمد) إلى متى يظل الاقتراب خطرا، والابتعاد أمنا واهما، وكأن جماعتنا – إن وجدت أصلا – قائمة بفعل الطرد لا الجذب، فالذى يجمع أمثالنا هو القوة الطاردة من حولنا، وليس القوة الجاذبة فيما بيننا، وإلا فلماذا هذا التخوف والحذر، وحتى الذين يقتربون منى، يختلفون ولا يصبرون، ولا نصبر، ثم أجار بالوحدة كاذبا مختارا.

فهذا هو مال دعوتك لى أن ادعونا ليكون عيشا وملحا لمن حبله على غاربه من كل صوب وحدب.

أما تكريمك لى – بالأصالة عن نفسك والنيابة عن من لا تعرف ولا يعرف – بهذا التمليط الذى أشار به صاحب الفضل إبن جاد الرب، وذلك مكافأة لى على صبرى فى هزيمتى، ويأسى فى استمرارى، ووحدتى فى معاودتى، وتبليغى فى صمتى، فقد حرمتنى إزاء هذا التكريم من حق الاعتراض أصلا، وقد اكتفيت شخصيا برؤيتك هذه التى هى عندى أكبر ممن رأونى وهم يمنحوننى درجة الدكتوراه أو الأستاذية أو جائزة الدولة، فرؤيتك – يا مولانا – أكبر من هذا وأخطر، فهم قد منحوا بعضى، بعض ما لا يملكون، دليلا على توافق عرضى فى مزاج مشبوه، واتفاق محدود على الزعم بصحة معلومات طيارة، أو تعبير موح بإبداع ما، أما رؤيتك يا محمد يا بن عبد السلام فهى واعدة بالصبر، ملوحة بالتحمل دافعة إلى المواصلة، سامحة بالمراجعة فمن يصدقنى، يصدقنا؟

ومن ناحية التفاصيل، فإنى لم أفهم أصلا دعوة جاد الرب لتمليط الهرم حتى أفهم دعوتك لتمليطى شخصيا، وحين كانت جارتنا خالتى “تحفة” تملط جدران القاعة التى ننام فيها، ثم تزلطها حتى تلمع، كنت أكره الرائحة المتبقية بعد ذلك لبضعة شهور حتى يأتى الشتاء فنحمى القاعة، حتى تكاد تحمر الجدران، فتقل الرائحة أو تختفى إلى أن تملط القاعة من جديد، هذه غاية علاقتى بالتمليط، فماذا عن الهرم، يا جاد، وماذا عن أحمد قدرى يا محمد (وقد حكموا له بتعويض سرى نشر فى صفحة الحوادث فى صحيفة معارضة أو كالمعارضة، بعد أن سحلوه بجرسة علنية فى مجلة قومية أو حكومية) فماذا عن تكريم صبرى ومصابرتى بمثل ذلك التمليط؟

فرجعت إلى الوسيط (دون غيره اختصارا للوقت)، فوجدت ما هو جدير بنظرك، وقلت كله جائز: فمن الجائز أن تعرونى حتى من شعر جسدى، فأصبح كالسهم الأملط لا ريش عليه (وهذا أقرب معنى إلى القول الشائع: عريان “ملط”)، ومن الجائز أن تجهض محاولتى كالأم حين تملط ولدها: إذ تلده بغير تمام، ومن الجائز أن تغطونى بالملاط (وهذا هو أقرب ما تبادر إلى ذهنى من سياقك وسياق جاد) حتى أصبح أقل عريا، فاستطيع أن أخاطر بقرب أكثر دفئا، ومن الجائر أن تكمل أنت – وبقية جماعة الحبل ع الغارب – المصراع الثانى لبيت الشعر الناقص الذى لا أزال أكرره دون أن أنهيه، كما يمالط الشاعر زميلا  له، ثم استبعدت بقية المعانى.

ولا أخفى عليك أنى رفضتها جميعا، مع أنى أعرف أنك حرمتنى حق الرفض من البداية.

أما بالنسبة للواجب الثالث والتقاطك وحدتى مع الحاسوب، ثم جذبى من كمى (واحدة بواحدة)، وقرصى من أذنى، وتقبيل أعلى جبهتى، وهدهدة ظهرى، فقد وصلنى كل ذلك بما وصفت لك فى بداية الرد من معنى الرؤية الكريمة الطيبة اليقظة المسئولة، لكننى من هذا الموقع وجدت أنه لزاما على أن أطمئنك على صداقتى الجديدة للحاسوب فأبدأ بأن أنفى عنه صفة الصندوق البارد، كما وصفت، فإنى أرى على شاشته وعيى وقد انتشر غيمه فى طبقاته المتكثفة، ثم تستحيل كتلته المثقلة بالهموم والأمال والرؤى إلى رذاذ نشط، ثم تنتظم فى هذه الكلمات التى أقذفنا بها الأن فتغوص فى كل منا بحسب طول موجتها المخترقة وصلابة تبلدنا، ولو سمعته الآن وهو يزوم، أو يتوعد، أو يصعب عليه، لأشفقت عليه المرة القادمة ولعملت حسابك بعد ذلك حتى لا يأخذ على خاطره، واعلم يا محمد – فقهك الله = أنى لا أحله محل هذه الفصيلة من الكرام الذين صاحبونا يوما على صفحات هذه المجلة، ولكننى أأتنس به حتى يحلها الذى يعرف الحل، وقد كدت أقول ما يقوله أهل بلدنا: تجمز بالجميز حتى يأتيك التين، ولكنى اكتشفت عدم الدقة، فأنا لا أصاحب الحاسوب حتى نلتقى، بل إنى أكاد أصاحب الحاسوب كى لا نلتقى، فعلى من يقع اللوم بالله عليك؟ ومن هو الأكثر برودا: الصندوق المطيعة مفاتيحه، أم الذى يكتب عليه الآن يملى شروطه حتى استحالة الاقتراب؟ (أقولها لك أنت دون سواك، لأنى أعلم أنك قادر على ألا تصدقنى – أو دعنى أمل فى ذلك).

وأخيرا فما مسك من مقالى فى الاهالى: هو ذاك، وإبلاغك لى أنى بلغت لا يقنعنى، ولا يهدئ سرى، وغير ذلك لا أعرفه، والعمر يمضى، وأنا لا أكف، ولا أتعلم، ولا أتغير، رغم أن النتائج المعلنة حتى الآن تقول أن الممتحنين لم يحصلوا أصلا على حق الامتحان، وأن البقاء للأبجح، وأن التراجع على رقاب العباد، وكل هذا لا يبرر لى اليأس كما تعلم، وقد تظل الطلقة البائنة الباقية معلقة حتى تترمل المجلة بدلا من أن تطلق ثلاثا:

وحينذاك سوف تحملونها بلا اختيار.

وعليك السلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *