الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1987 / يوليو 1987- رياضية بدنية أم علاج “تنشيطى تكاملى”

يوليو 1987- رياضية بدنية أم علاج “تنشيطى تكاملى”

– 2 –

رياضية بدنية أم علاج “تنشيطى تكاملى”

يهدف العلاج – علاج المرض النفسى – عامة الى ازالة الاعاقة، ويشاع بين الناس والأطباء أن ذلك أساسا، وأحيانا تماما، باستعمال المهدئات، وهذا المفهوم الناقص ينبغى أن يتعدل الى :

1- أننا نهدئ نشاطا مخلا، بدائيا، أو مستقلا، أو بغير فاعلية (دائريا) (وهذا يشير الى مستوى بذاته من مستويات المخ، ولا نهدئ الوجود الانسانى المتمثل فى وحدة فردية، ككل).

2- أن علينا فى نفس الوقت أن  ننشط المستوى الأقرب الى الواقع، والأقدر على التواصل، والأوفر نفعا وانتاجا.

3- ثم أن علينا أن ننظم التناوب السمح بين المستويات المختلفة حتى تتم فاعلية الحركة فى الاتجاه الصحيح.

* فاذا كان الدواء المهدئ يقوم بالخطوة الأولى، فأن ما أسميناه “العلاج التنشيطى” يقوم بالخطوة الثانية، ثم يتكامل هذا وذاك فى خطة علاجية شاملة يهدف الى أعادة التوازن (الخطوة الثالثة).

ويجرى هذا العلاج التنشيطى بهذا الغرض، منذ سنوات[1] ويدخل فى برنامج التنشيط:

1 – تنشيط بدنى، باستعمال الجسد ويهدف الى اختراق حواجز الوعى من خلال الحركة الفيزيائية “غير المعتادة”.

2- تنشيط ذهنى، يهدف اساسا للتربيط فى وحدات أكبر، وتحريك حركة العقل عبورا بما “ليس كذلك”.

3- تنشيط “وحداتى” [2]، ويهدف الى التدريب على التعامل مع ” الآخر” بمسئولية “حضور”، و” تبادل”، واختلاف.

ويدخل فى هذا البرنامج نوعيات من التنشيط تختلف باختلاف المستويات، والمواقف ومراحل العلاج، مما لا مجال لتفصيله الآن هنا.

وسوف نكتفى بالنسبة لهذه المعلومة بجزئية تتعلق باستقبال المرضى والأهل للجانب البدنى من هذا التنشيط.

فعادة ما يتصورونه باعتباره أحد صور “الرياضية البدنية”، ويقترحون – أحيانا – بديلا لذلك أن يشترك المريض فى ناد رياضى، أو أن يمارس هذه الرياضة بالمنزل مثلا ( مادام هذا هو العلاج كما يبدو من الظاهر).

ونحن نحاول هنا أن نوضح الفرق الدقيق والهام بين النشاط الرياضى عامة، وبين هذا العلاج المتخصص ذى الطبيعة المتغيرة والجرعات المتفاوتة: فنقول:

1- أن الرياضة نشاط جيد، وتربوى، وهو يفيد الأصحاء عادة، لكن صياغته فى العصر الحديث قد تأخذ صورة الاهتمام بالبدن، وتنمية المهارات الحركية أساسا، وهذا فى ذاته، لو تضخم أكثر فأكثر، لنتج عنه ما يمكن أن نسميه “اغتراب بالجسد”، بما يعنى انفصال الجسد فى ذاته عن كلية الوجود.

2- اذن، فان من الرياضية اذا ما اسئ توظيفها، وظلت منفصلة مغتربة، ما يضر الصحة ويعيق النمو ومثال ذلك:

(أ) رياضة كمال الأجسام (أمام المرآة خاصة، واذا ما تمت والمتربص وحيدا !!) تضاعف من النرجسية، ومن احلال صورة الجسد المصنوع، محل صورة الذات، ثم محل الذات الكلية.

(ب) رياضة العدوان طفى ذاته” (الملاكمة، المصارعة … الخ) وخاصة اذا ما مورست منفصلة عن أى رياضة أخرى أو نشاط تكميلى محدد.

(جـ) هناك الجانب التنافسى التعصبى فى الرياضة، وهو قد يعلى من قيمة “النجاح” فى ذاته ايا، مما قد يضيف الى احتمال تنمية الاغتراب  فى أهداف دائرية مغلقة (النجاح فى ذاته).

3- لكن العلاج التنشيطى باستعمال الجسد يتميز عن الرياضة عامة، وعن الاغتراب “فى الرياضة” خاصة بما يلى:

1- أنه علاج تخصصى، وليس تسلية حماسية، أو تدريب مهارات، لذلك فأن الذى يقوم به هو معالج مسئول على أعلى درجة من الحذق العلاجى، وليس مدربا أو رياضيا.

2 – أنه علاج انتقائى تماما، فقد يصلح لمريض ولا يصلح لمريض آخر، وقد يصلح لحالة بذاتها فى وقت من الأوقات (مرحلة من مراحل العلاج)، ولا يصلح لنفس الحالة فى وقت آخر (وربما يقرر المعالج قرارا مناقضا فى اليوم التالى مباشرة).

3- أن هدف هذا العلاج هو تكامل الصحة (بالمعنى الشامل) وليس تقوية الجسد، فالجسد فيه، (أو قل:” العضلات” تحديدا) هو وسيلة لا غاية، أى هذا العلاج يستعمل الجسد يخترق “به” حواجز الوعى، وتلافيف التركيب العقلى، كل ذلك لتكامل مستويات الوجود “معا”.

4- وعلى ذلك فإن هذا العلاج هو “اختراق: للتكامل”، أو هو “اقتحام؛ فترابط” أو هو “أفاقة الى أعلى”.

وذلك لأن فائدة هذا العلاج لا تظهر الا باختراق المقاومة، بما يصاحب ذلك من الشعور بنوعية جديدة للوجود الواعى، ويظهر هذا بوجه خاص للمرضى (والأسوياء) الذين ليس لهم عهد بالنشاط الجسدى خاصة، وتقل أو تنعدم فائدته لمن تعود النشاط الرياضى (المغترب) – كذلك قد يكون مفيدا اذا تغير نوع النشاط ، فالفلاح الذى يعمل طول الوقت بجسده، قد يجد مقاومة شديدة فى “العدو المنتظم” “مع جماعة”، وقد كانت خبرتنا فى ذلك متميزة، واثبتت اختلاف النشاطات الجسدية نوعيا اختلافا جذريا.

لكل ذلك فان انتقاء نوع النشاط لكل مريض على حدة هو من أهم ما يمهد لفائدة هذا العلاج، وعادة (وليس دائما) يكون المطلوب هو نشاط جديد، غير مألوف من قبل، وأن كانت الأمور تستدعى أحيانا التجربة، والمضى قدما الى “ما ليس كذلك” أى ما لم يعتده المريض من قبل، أو ما يرفض فكرته ويشك فى جدواه ابتداء.

هذا ما عنيناه من “الاختراق”،و “الاقتحام” و”الإفاقة” أما ما نعنيه من “تكامل” “وترابط” والى” أعلى” فأن ذلك يتطلب استيعاب ناتج الاختراق بحيث لا تصبح المسألة “تعب” يتلوه طراحة” وأنما هو جهد يستمر فى حالة أخرى من التبادل الواعى، لذلك نحرص على رفض فكرة” الحرص على الوصول الى النهاية”، أو “الوعد بالراحة القريبة” ، او السماح بالنوم بعد نهاية النشاط بما يحمل احتمال الالغاء والمحو.، وبصفة عامة لا يمكن شرحها فى هذه العجالة، يجرى ربط ما بين جوانب متناثرة من نشاط الوجود، أو ربط بين الشعور بالقدرة، وارادة الفعل، وحق الحياة، أو بين فرحة الوصول مع استمرار يقظة الوعى بالجهد ….. وهكذا مما سنعود اليه فى دراسة مفصلة.

5- أن المعالج يشارك طول الوقت فى كل ذلك، كل ذلك، فهو لا ” يشرف على …” لكنه “شخصيا” “يخترق مع” ،و “يمارس فى صحبة..” فيجرى عليه ما يجرى على مريضه جنبا الى جنب مع مسئوليته العلاجية طول الوقت.

6- أن هذا العلاج يتبادل حتما ودائما مع التنشيط العقلانى (الذهانى: القراءة، الكتابة، التفكير…. الخ) والتنشيط المصاحبى ( [3])، والعمل الجسدى (فى مجالات أخرى)، فهذا العلاج وحده، قد لا يفيد، وهو كبديل عن النشاطات الأخرى،قد يضر ( مثل بعض أنواع الاستغراق فى الرياضة كما أسلفنا).

***

[1] – أكتب هذه المعلومة استنادا الى تجربة ” دار المقطم للصحة النفسية” اساسا والتى بدأت منذ أكثر من عشر سنوات وما زالت تجرى.

[2]  – أستعمل هذا التعبير مؤقتا حيث يوجد تحفظ شديد على استقلال الوجدان فى ذاته (انتظر مستقبلا) العودة المفصلة الى هذه القضية).

[3] – استعملت هذه الكلمة تحديدا (المصاحبى) مفضلا اياها عن التنشيط الاجتماعى، لأن هنا هو أحياء معنى “الصحبة”و” الصاحب” كآخر مشارك محاور، وليس مجرد التواجد فى مجتمع يتطلب تكيفا وتطبيعا لا أكثر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *