الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1987 / يوليو 1987- قسوة الأطفال على الحيوان

يوليو 1987- قسوة الأطفال على الحيوان

قسوة الأطفال على الحيوان

والعدوان – فيما بعد – على الناس[1]

فى عام 1806 قدم فيليب بينيل Phillipe Pinel  مفهومه التشخيصى “الهوس بلا هتر”Mania without delirium الذى كان يحتوى على ما يمكن اعتباره الوصف التقسيمى الأول لاضطراب الشخصية ضد – المجتمع antisocial  وقد وصف “بينيل” الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب بأنهم يقعون تحت سيطرة غضب غريزى ومجرد وقد عرض “بينيل” حالتين لتشخيصه هذا كانت احداهما لرجل تم وصف عدوانه المختلف الأشكال ضد الناس – وقد قام هذا الشخص بعد ذلك بقتل أحد البشر – حرفياً كالآتى “اذا قام كلب أو حصان أو أى حيوان آخر باغضابه، فانه يقتل فى الحال”.

ومنذ ملاحظة ينيل تلك، دخلت الى مرحلة الوصف والكتابة العديد من خالات العدوان الخطر والقسوة ضد الحيوان وقد وجد – قديما وحديثا – أن عددا كبيراً للغاية من القتلة والسفاحين لهم تاريخ واضح فى شدة القسوة والعدوان على الحيوان.

الا أن تلك العلاقة بين العدوان على الحيوان فى الطفولة والعدوان فيما بعد على الناس لم يتم قبولها تماما من جانب الكثير من الاطباء النفسين لأسباب عديدة وقد أوضحت عديد من الأبحاث والتجارب الامبريقية وجود تلك العلاقة بينما قامت عديد من الأبحاث الأخرى بنفيها ورفضها.

وقد وجد هيلمان وبلاكمان Hellman & Blackman  سنة 1966 أن هناك علاقة مؤكدة بين العدوان على الحيوان فى الطفولة، وفيما بعد على الناس، وقاما بنقد الدراسات التى نفت تلك العلاقة لأنها اعتمدت  على طريقة البحث باستقاء المعلومات عن تاريخ الأشخاص من عائلاتهم وذويهم، كما افتقرت الى تحديد تعريف محكم للعدوان، كما افتقرت الى تحديد المستوى المرضى لما هو عدوان.

ومن ناحية أخرى حذرت تلك الدراسة من الافراط فى اعتبار أى عدوان على الحيوان فى الطفولة هو مؤشر ومنذ لاضطراب لاحق فى الشخصية والعدوان على البشر.

التعليق:

نحن نفتقر كثيرا – أو تماما – الى التعرف على حقيقة وطبيعة تركيبنا العدوانى، صغارا وكبارا، ونخلط – لذلك – بين القسوة والعدوان، والعدوانية Cruelty, Aggression & Aggressiveness  وفى حين اهتم فرويد بغريزة الجنس تماما، وتبعناه رفضا وقبولا، فقد اهتم ادلر بغريزة العدوان بطريق غير مباشر، ولم نتبعه بنفس الحماس لا رفضا ولا قبولا، وخاصة وقد اهتم بجانب التفوق التعويضى أكثر من اهتمامه بالطبيعة الأساسية لطاقة العدوان البناءة [2] والتى قد تأخذ شكلا هداما اذا ما أعيقت أو تشوهت أو انعكس اتجاهها.

وهذا البحث يذكرنا بهذه القضية وهو يطرح عدة أمور للتذكرة والتفكير والنظر:

أولا: أن قسوة الأطفال متعلقة بدرجة ما من ذاتويتهم (أنانيتهم) وينبغى الا تخدعنا – كعلماء – حكاية “براءة الأطفال” (فى عينيه) دون قيد أو شرط، وعلينا أن نتذكر أنه من المكيد للطفل أن نراه “كما هو” وليس كما نريده ان يكون، وقسوة الطفل (حتى بمعنى ضعف مسئوليته) لا تتناقض مع براءته، فهذا جانب، وذلك آخر، وبينهما علاقات مباشرة وغير مباشرة.

ثانيا: ان ظهور العدوانية تجاه الحيوان يشير الى “علاقة ذات دلالة” من ذلك (1) أن ثمة طاقة ليس لها متنفس (2) أن العلاقة مع “البشر” لا تسمح بتفريغ ولا باستيعاب العدوان (3) أن الجو المحيط وطريقة التربية لا يسمحان باخراج وعلى الأضعف قد بدأت تعرض نفسها (أو تفرض نفسها) على سلوك الطفل.

ثالثا: ان ظهور هذه العدوانية لا يحلها، أى أنه لا يفرغها ولا يحتويها، ولا يتصاعد بها، بل انه يكاد يؤكدها، وكأن هذا التعبير القاسى يصبح مخرجا ونمطا لاثبات الذات وتأكيد الوجود وتفريغ الطاقة وعمل علاقة (سلبية بالضرورة) وكأن وجود العدوان كأصل وأساس لا يعنى السماح بالعدوانية التجزيئية والانشقاقية المنفصلة عن الوجود الكلية، لأنه – كما هو الحال هنا – اذا سمح لها بهذا فأنها تتثبت منفصلة، ثم قد تعاود الظهور فى سن أكبر (حتى لو كمنت لفترة تطول أم تقصر، وهذا ما تشير اليه تلك العلاقة بين عدوان الطفولة وعدوان السن المتأخرة وان اختلف هدف العدوان (من الحيوان الى الانسان).

رابعا: ان كبت العدوانية (مجرد الكبت) دون اطلاق طاقة العدوان بأسلوب أنضج، ليس هو السبيل الى تجنب الايذاء صغارا وكبارا، فقد يتم هذا على حساب الابداع، وقد يبرر الى ازاحة العدوان الجماعى (القتل عن بعد بآلات الحرب الحديثة) بتعبير آخر: اذا نحن أنكرنا على أنفسنا وعلى اطفالنا حق العدوان فاننا قد نعد أنفسنا للمشاركة فى العدوان الأكبر الذى يهدد الجنس البشرى كله بكل وسائل العمى والضلال.

[1] – Alan  R. Felthous, M.D., and Stephen R. Kellert, Ph. D. Childhood Cruelty to Animals and later Agression Against People. Am. J. Psychiatry 144: 6, June 1987.

[2] – يمكن الرجوع فى ذلك الى دراسة العدوان والابداع – الانسان والتطور عدد سنة 1980

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *