الرئيسية / الأعمال العلمية / كتب علمية / كتاب: بعض ما يجرى داخل المدمن

كتاب: بعض ما يجرى داخل المدمن

بعض ما يجرى داخل المدمن

ولمحات من ثقافتنا الشعبية

أ.د. يحيى الرخاوى

 

الطبعة الأولى

2017

 

الإهــداء

إلى كل من تورط، وكل من لم يستسلم،

وكل من ثابر وصبر.،

(المجتمع العلاجى) مستشفى الرخاوى

 

*****

 

استهلال:

هذا العمل هو عن “الإدمان” من واقع خبرتنا لأكثر من نصف قرن فى هذا المجال، ونأمل أن نلتزم فى تقديمه باستلهام عمق ثقافتنا الخاصة، وهى تتناول طبيعة الظاهرة بشكل غير مباشر غالبا.

كما نأمل أن يكون هذا العمل فاتحة لسلسلة ضرورية تقدم إنارة لبعض زوايا المسألة، وذلك لمن يخشون التورط فى هذه الظاهرة الكارثة، وأيضا لمن تورطوا، أملا فى أن يعرفوا أنفسهم أعمق، ومشاعر معالجيهم نحوهم، ومن ثـَـمَّ طبيعة ما يجرى من أول التورط وحتى التعافى.

وأخيرا:

فهذا العمل غير موجـَّه للمعالجين أو الأطباء تحديدا، نحن نأمل فقط أن يحمل رسالة متواضعة تكشف جانبا من أعماق الظاهرة للمتورطين، وذويهم، ولكل من “يهمه الأمر”، من واقع خبرة محلية ممتدة، نابعة من ثقافتنا الخاصة، مُمَثَّلة فى هذا المجتمع العلاجى: مستشفى الرخاوى.

*****

 تقديم:

يبدأ هذا العمل بالفصل الأول الذى يعرض تقسيما للمدمنين نابعا من خبرتنا ومرتبطا بثقافتنا كما التزمنا، وقد وجدنا فى ذلك من فوائد عملية موضوعية فى مجال الرصد والعلاج، ما يستأهل التسجيل ليكون فى متناول من يشاء.

ثم يأتى الفصل الثانى دعوة للتعرف على المدمن ورحلته بداية من خواطر مرحلة الخطر حتى التورط والتمادى، ثم العلاج والتردد، ثم التعافى، لكن هذا التعرف يتم بأسلوب جديد غير الوصف والرصد، وهو الأسلوب الذى أدعو إليه زملائى الأصغر وطلبتى لفهمٍ أعمقٍ لكل من يطلب منا ومنهم العون، حيث أطالبهم – ونفسى – ألا يتوقفوا عند وصف المعاناة أو الإعاقة وترجمتها إلى أعراض، ثم اختزال ذلك فى اسم مرض لشخص معين، بل أن يحاول كل منـَّـا أن يتقمص مريضه فعلا وهو يستشعر ما يدور بداخله على مسار رحلة المرض والتعافى، وقد وجدت ذلك مفيدا ويوصل ما بيننا وبين المريض أو المدمن عبر الوعى البينشخصى بما يسهل نمو العلاقة، ومن ثـَمَّ العلاج فالتعافى .

هذا، وقد حاولتُ أن أقدم نموذجا لذلك من خلال هذه المحاولة (التقمص)، فجرى التسلسل إلى قلمى بالعامية المصرية وهى “لغة أمّى” وليست “اللغة الأم”، وقدّرت أن ذلك يدعم ما هدفت إليه، وهو أننا نحس بلغتنا التى نعيش بها، ونمرض بها، ونعالج بها، ونتعافى بها.

ثم عدت فكتبت نفس الحوار “باللغة الأم” (العربية الفصحى) كما اعتدت أن أكتب غالبا حتى فى إبداعى القصصى، فعذرا للتكرار، لكننى أثناء المراجعة الأخيرة والتحرير فضلت أن أقدم “اللغة الأم” (الفصحى) عن “لغة أمّى” العامية، ربما لتعم الفائدة أوسع، ثم نعود إلى  ثقافتنا راضين.

أما الفصل الثالث فقد انطلقتُ فيه من استلهام بعض الأمثال العامية المصرية التى يمكن أن تواكب التورط والتعافى على حد سواء، واكتشفتُ من خلال روعة ومسئولية وجماعية وعى ناسنا البسطاء، كيف أنهم يشاركون بتلقائية ويحذرون ويوجهون بشكل غير مباشر، كما اكتشفت أسلوبا أعمق وأبسط فى نفس الوقت للتوجيه أو التوعية أو قَرْص الأذن…بل كل ذلك.

هيا معاً.

*****

 الفصل الأول

 

الفروق الفردية والإدمان

‏ ‏(التنويعات‏ ‏الإنسانية‏ ‏للمدمنين)

الفصل الأول 1

مقدمة:

على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أن المدمنيين يمثلون‏ ‏مجموعة‏ ‏متجانسة‏ بشكل ما، ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏له‏ ‏روح‏ ‏مشتركة متوجهة معا اتجاها واحدا، ‏فإن‏ ‏الخطأ‏ ‏الأكبر‏ ‏ألا‏ ‏نتذكر‏ ‏أن‏ ‏التجانس‏ ‏فى ‏المشكلة، ‏والاشتراك‏ ‏فى ‏هدف‏ ‏موحد، ‏لا‏ ‏يعنى‏ ‏أننا‏ ‏نتعامل‏ ‏مع “‏نسخ‏ ‏مكررة“، ‏فمهما‏ ‏اشترك المدمنون‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏النشاط، ‏سلبا (التعاطى) وإيجابا (التعافى)، ومهما‏ ‏بدا‏ ‏الدافع‏ ‏واحدا، ‏وأن نفس‏ ‏الأزمة‏ (‏أو‏ ‏المصيبة‏) ‏تجمعهم، ‏فإن‏ ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏ليس‏ ‏إلا‏ ‏نفسه‏ ‏المتميزة‏ ‏تماما‏.

هذا‏ هو ‏ما‏ ‏يمدّنا به‏ ‏المجتمع‏ ‏العلاجى، ‏الذى ‏هو محور ومصدر ‏هذا‏ ‏العمل،‏ ‏بوصفه‏ ‏المصدر‏ ‏الحقيقى ‏لخبرتنا‏ ‏وممارستنا.

‏ ابتداء نتذكر أن‏ ‏كل‏ ‏التقسيمات‏ ‏الأحدث‏ ‏تقسم‏ ‏المدمنين‏ تقسيما ظاهريا ‏تبعا‏ ‏لـ‏:

(1) ‏نوع‏ ‏المادة‏ ‏التى ‏يتعاطونها‏.

‏(2) ‏مدة‏ ‏التعاطى‏.

(‏3) ‏المرحلة‏ ‏فى ‏وقت‏ ‏التشخيص‏ (‏تسمم‏- ‏انسحاب‏ – ‏إزمان‏).‏ ‏

(4) ‏وأحيانا، ‏إلى ‏درجة‏ ‏أقل‏: ‏مصاحبات‏ ‏التعاطى (‏من‏ ‏أعراض‏ ‏أو‏ ‏أمراض‏ ‏أخرى‏).‏

احترام التقسيمات التقليدية، والإفادة من الجديد المقترح:

علينا أن‏ ‏نحترم‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏ونسجـِّـله‏ ‏طبعا‏ ‏فى ‏الأوراق‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏ (‏حرصا‏ ‏منا‏ ‏على ‏الحديث‏ ‏بلغة‏ ‏عالمية‏ ‏مشتركة‏ ‏مع‏ ‏كل‏ ‏المشتغلين‏ ‏بالمسألة‏ ‏فى ‏العالم‏)،  ‏إلا أنه لابد من التنبيه على أن‏ ‏هذه‏ ‏اللغة‏ ‏الموحدة‏ – ‏مهما‏ ‏كانت‏ ‏عالمية‏ – ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تتم‏ ‏على ‏حساب‏ ‏أى ‏هدف‏ ‏علاجى ‏حقيقي، ‏وخاصة‏ ‏فى ‏”المجتمع‏ ‏العلاجى”.

إن‏ ‏ثمَّ‏ ‏تقسيماً‏ ‏وتصنيفاً‏ نبع من خبرتنا ‏يمكن أن يضاف‏ ‏للتصنيف‏ ‏العادي، ‏وليس‏ ‏بديلا‏ ‏عنه، ‏وهذا‏ ‏لا‏ ‏يتم‏ ‏بوضع‏ ‏لافتة‏ ‏مميزة‏ ‏على ‏كل‏ ‏حالة، ‏لكنها‏ ‏محاولة‏ ‏للاقتراب‏ ‏من‏ ‏فهم المدمن ككيان مستقل، ‏وذلك‏ ‏من‏ ‏منطلق‏ ‏إكلينيكى ‏يهدف‏ ‏للتعامل‏ ‏النوعى ‏المميز‏ ‏مع‏ ‏فئات‏ ‏مختلفة‏ ‏تعانى ‏من‏ ‏نفس‏ ‏الظاهرة، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏هذا التمييز الإكلينيكى العملى‏ ‏يتيح‏ ‏لكل فرد مدمن متعالج خصوصية هامة‏ ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏توحد‏ ‏الهدف‏ ‏العام‏.‏

إن‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏سوف‏ ‏تقدمه‏ ‏هذه‏ ‏التنوعيات ليس سوى‏ ‏وصفاً‏ ‏لصفة‏ ‏غالبة‏ ‏فى ‏مدمن‏ ‏بذاته، ‏لكن‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الصفة‏ ‏الغالبة‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هى ‏الصفة‏ ‏الوحيدة، أما فائدة هذه المحاولة، فهى التنبيه إلى الاستفادة العملية من تحديد الفئة التى ينتمى إليها هذا المدمن، حتى نقدم له العلاج والتأهيل المناسبين، فى الوقت المناسب،  بالجرعة المناسبة ما أمكن ذلك، لهذا سوف نلحق بكل نوع بعض التوصيات العملية للتعامل معه علاجيا.

‏1- ‏المدمن‏ ‏المبتدئ

يعتبر‏ ‏المدمن‏ ‏مبتدئا‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏تقييم‏ ‏نوع‏ ‏علاقته‏ ‏بالتعاطي، ‏وليس‏ ‏فقط‏ ‏حسب المدة‏ ‏التى ‏قضاها‏ ‏فى ‏التعاطي، ‏وهذا‏ ‏المدمن‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يقال‏ ‏له‏ ‏بالمصرية‏ ‏العامية‏ “‏طالع‏ ‏فى ‏المقدّر‏ ‏جديد‏   أو‏ “‏مُحدَث، ‏ويتصف‏ ‏بأنه‏ ‏مازال‏ ‏يستكشف‏ ‏هذه‏  التجربة‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كررها، ‏وأنه‏ ‏لا‏ ‏يطلب‏ ‏نوعا‏ ‏معينا‏ ‏من‏ ‏اللذة‏ ‏أو‏ ‏نوعا‏ ‏معينا‏ ‏من‏ ‏الوجود، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏يجرب‏ ‏ما‏ ‏سمع‏ ‏عنه، ‏أو‏ ‏ما‏ ‏خطر‏ ‏بباله، ‏ويظل‏ ‏مبتدئا‏ ‏طالما‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يَعْتَدِ‏ ‏الإدمان، ‏ولم‏ ‏يستقر‏ ‏على ‏ما‏ ‏يعطيه‏ ‏له‏ ‏هذا‏ ‏التعاطى ‏من‏ ‏لذة، ‏بمعنى أنه لم يركن إلى وجود‏ إدمانى ‏ثابت‏ ‏بشكل‏ ‏مستمر وممتد‏.‏

الفائدة والتطبيق:

علينا أن نسارع إلى‏ ‏التقاط‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏بشكل‏ ‏يقظ ومسئول، ‏لأن‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏المتورط‏ ‏يستحسن‏ ‏ألا‏ ‏يسمى ‏مدمنا‏ ‏بعد، ‏حيث‏ ‏يمكن‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏العلاج‏ ‏النشط‏ ‏المبكر‏ ‏اللحاق‏ ‏به‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يتمادى، ‏وأيضا لأننا‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏نحترم‏ ‏دافع‏ ‏الاستكشاف‏ ‏فيه، ‏وأن‏ ‏نوفر‏ ‏له‏ ‏سبلا‏ ‏أخرى ‏صحية‏ ‏تحقق‏ ‏له‏ ‏هذه‏ ‏الرغبة‏ ‏فى ‏الاستكشاف‏ ‏والتغيير‏.

إن‏ ‏من‏ ‏تعاطى ‏عدة‏ ‏مرات، ‏ولم‏ ‏ينضم‏ ‏إلى ‏مجتمع‏ ‏ ‏المدمنين‏ ‏أو‏ ‏ثلة‏ ‏المدمنين ولم يكتسب بعد ما يسمى “ثقافة الإدمان”(1)، ‏من‏ ‏المهم‏ ‏اعتباره‏ -‏ بكل‏ ‏حذر‏- ‏مدمنا‏ ‏مبتدئا، ‏فهذا‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏مفيدا‏ ‏له‏ ‏ولنا‏، ويمكن أن يسمى أحيانا “المدمن المتقطع“، إذا كانت بداياته تتناوب مع فترات قصيرة من التوقف.

‏2- ‏المدمن‏ ‏أحيانا: المتورِّط (بالصدفة)

وهذا‏ ‏ليس‏ ‏صنفا‏ ‏مستقلا‏ ‏تماما، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏يصف‏ ‏إحدى بدايات‏ ‏الإدمان‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏وصفه‏ ‏المدمن‏ ‏ذاته‏، ‏ولا‏ ‏تتحدد‏ ‏الصدفة‏ ‏بمجرد‏ ‏اختفاء‏ “‏سبق‏ ‏الإصرار”، ‏ولكن‏ ‏الصدفة‏ ‏هنا‏ ‏إنما‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏كلا‏ ‏من‏ ‏الدافع‏ (‏مثل‏ ‏الاستكشاف‏) ‏والهدف الظاهر أو الخفىّ (‏مثل‏ ‏الاحتجاج، ‏أو‏ ‏الهرب‏) ‏لا يظهران‏ ‏بشكل‏ دائم ‏واضح‏ ‏فى ‏الصورة‏ ‏الإكلينيكية، ‏ومَثل‏ ‏هذا‏ ‏المتورط‏ ‏بالصدفة‏ ‏كمَثل‏ ‏الذى ‏تعثــَّرَ‏ ‏وهو‏ ‏يمشى ‏فأصيب، ‏أو‏ “‏ضرب‏ ‏لخمة” ‏وهو‏ ‏يقود‏ ‏سيارة، ‏فتصادم‏ ‏خفيفا، ‏ليس‏ ‏لأنه‏ ‏لا‏ ‏يحسن‏ ‏القيادة‏ ‏أو‏ ‏تجاوز‏ ‏السرعة، ‏وإنما‏ “‏هو‏ ‏تعثر” ‏أو‏ ‏تصادم‏ ‏خطأ، ‏هكذا، ‏وفقط‏.‏

الفائدة والتطبيق:

يفضل دائما المبادرة بعلاج‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ (‏المدمن‏ ‏بالصدفة‏) ‏بسرعة‏ ‏وحماس‏ ‏وتفاؤل، ‏وذلك‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تبدأ‏ ‏الكيمياء‏ ‏فى ‏ترسيخ‏ ‏أقدامها‏ ‏بإنشاء‏ ‏الحلقة‏ ‏المفرغة‏ ‏فى ‏جسده، ‏نعم‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ “‏نلحق‏ ‏به” ‏لنجبـُر‏ ‏الإصابة‏ ‏وننبهه‏ (‏أو‏ ‏بمعنى ‏أصح‏ ‏نذكّره‏): ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يقصد، ‏وأنه‏ قد يصير “‏مدمنا ‏رغم‏ ‏أنفه‏” ‏إن‏ ‏صح‏ ‏التعبير، ‏ليس‏ ‏بمعنى ‏أن نوافِقُهُ‏ ‏على ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏غصبا‏ ‏عنه،‏ ‏وإنما‏ ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏تورط‏ ‏وأن‏ ‏المسألة‏ – إن أراد- “ملحوقة‏ – مبكرا –  ‏بإذن‏ ‏الله‏ ‏والعلم‏ والعلاج”.‏

إن‏‏ ‏هذا‏ ‏المدمن‏ ‏المتورط، ‏أو‏ ‏بالصدفة، ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يتلقى‏ ‏نفس‏ ‏المعاملة‏ ‏التى ‏نعامل‏ ‏بها‏ ‏المدمن‏ ‏المستغرق‏ “المتوغـِّل‏ ‏فى ‏الكارْ‏” ‏أو‏ ‏بالتعبير‏ ‏المصرى ‏العامى المدمن “القارح‏”، ‏لأننا‏ ‏لو‏ ‏عاملناه‏ ‏كذلك، ‏لَكُنَّا‏ ‏ندفعه‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏كذلك، ‏وهذا‏ ‏النوع‏ (‏المدمن‏ ‏بالصدفة‏) ‏قد‏ ‏لا‏ ‏يُـنصح‏ ‏بدخول‏ ‏المستشفى ‏مبكرا، ‏وقد‏ ‏لا‏ ‏يحتاج‏ ‏إليها‏ ‏أصلا، ‏فإذا‏ ‏دخل فإنه‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تتحدد مدة إقامته بأقصر مدة مقارنة بالمدمن ‏المتوغل‏ ‏والمستقر‏ ‏على ‏موقف‏ ‏الإدمان‏.‏

‏3- ‏المدمن‏ ‏المعاوِد‏ (‏الدورى‏- ‏والمتكرر‏)

تكرار‏ ‏التعاطى، ‏فالتوقف، ‏فالتعاطى، ‏فالتوقف، ‏بالعلاج‏ ‏أو‏ ‏بدونه، ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏معتاد‏ ‏فى ‏التعامل‏ ‏مع‏ ‏ظاهرة‏ ‏الإدمان، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏معنى ذلك ‏أن‏ ‏المدمن‏ ‏يتوقف‏ ‏ثم‏ ‏يعود ‏ ‏بسبب‏ ‏إلحاح‏ ‏الإدمان‏ ‏وحده، ‏فدورية‏ ‏الحياة، ‏ودورية‏ ‏الطبيعة‏ ‏البشرية‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏الإيقاع‏ ‏الحيوى  ‏تفترض‏ ‏أن‏ ‏الاحتياجات‏ -والدوافع- ‏تهيج‏ ‏وتفتر‏ ‏تلقائيا‏ ‏ودوريا، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏التعاطى ‏قد‏ ‏يلح‏ ‏ويتباعد‏ ‏دوريا‏.

‏وعلى ‏ذلك‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نفرق‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الفئة‏ ‏بين‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏تعاطيا‏ “‏دوريا” (‏فى ‏وقت‏ ‏معين‏ ‏من‏ ‏السنة مثلا، ‏بعد‏ ‏مدة‏ ‏معينة‏ ‏من‏ ‏الانقطاع‏) ‏وبين‏ ‏التعاطى ‏المنتكس‏ ‏لظروف‏ ‏الاختلاط‏ ‏الخطر، ‏أو‏ ‏لمجرد‏ ‏الرجعة‏ ‏إلى ‏الوسيلة‏ ‏الأسهل‏ ‏فى ‏تغيير‏ ‏الوعى ‏والحصول‏ ‏على ‏اللذة‏.‏

و‏‏يساعد‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏التفرقة‏ (‏بين‏ ‏التعاطى ‏الدورى ‏والتعاطى ‏المتكرر‏ ‏انتكاسا‏) ‏أن‏ ‏ننظر‏ ‏فى ‏التاريخ‏ ‏السابق، ‏وأن نبحث فيما إذا‏ ‏كانت هناك‏‏ ‏مظاهر‏ ‏سلوكية‏ ‏دورية‏ (‏مرضية‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏مرضية‏) ‏تصبغ‏ ‏سلوكه، ‏أو‏ ‏سلوك‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏أفراد‏ ‏أسرته‏ (‏بما يقابل‏ ‏دورات‏ ‏الهوس‏ ‏والاكتئاب‏)، ‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏هام‏ ‏ ‏وله‏ ‏دلالته‏ ‏الخاصة، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏حتى ‏نعامل‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الإدمان‏ ‏باعتباره‏ ‏مكافئا‏ ‏للمرض‏ ‏الدوري، ‏وإنما‏ أيضا ‏حتى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نواكب‏ ‏دورات‏ ‏الإدمان‏ ‏وقائيا‏ ‏وعلاجيا، ‏أى‏: ‏حتى ‏نعرف‏ ‏متى ‏يحتد‏ ‏الاحتياج‏ ‏ويلح‏ ‏عليه، ‏فنقدم‏ ‏له‏ ‏البديل‏ ‏الوقائى/العلاجى فى الوقت المناسب‏.‏

الفائدة والتطبيق:

يفيد‏ ‏هذا‏ ‏الرصد‏ ‏والتأويل‏ ‏فى ‏التخطيط‏ ‏العلاجى ‏لهذا‏ ‏النوع‏ المعاود (‏والدورى‏) ‏من‏ ‏المدمنيين، ‏لأن‏ ‏مثل هذا المدمن قد‏ ‏ينصح بدخول‏ ‏المستشفى ‏للوقاية ‏بمجرد ظهور إرهاصات الدورة المفترضة، ‏إن بعض المجتمعات العلاجية‏ ‏تعمل‏ ‏على ‏مواكبة‏ ‏دورات‏ ‏الحياة، بالاهتمام‏ ‏بكل‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏إيقاع‏ ‏حيوى: ‏فى ‏النشاط، ‏ومع‏ ‏الطبيعة، ‏وفى ‏التخطيط‏ ‏العلاجى ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏، ‏وبالتالى ‏يستطيع‏ ‏إيقاع‏ ‏هذا‏ ‏المجتمع‏ -‏ بطريق‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏- ‏أن‏ ‏يستوعب‏ ‏إيقاع‏ ‏الدورية‏ ‏التى ‏يتميز‏ ‏بها‏ ‏هذا‏ ‏المدمن، ‏وخاصة‏ ‏لو‏ ‏أتاه‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏الدورة‏ ‏الجديدة‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تفعل‏ ‏به‏ ‏المادة‏ ‏المخدرة‏ ‏فعلها‏، وأحيانا قبل أن يتعاطاها أصلاً.‏

أما‏ ‏المدمن‏ ‏المتكرِّر‏ ‏المنتكـِس‏ ‏دون‏ ‏دورات، ‏ولا‏ ‏طبيعة‏ ‏دورية‏ ‏ظاهرة، ‏فهو‏ ‏يعامـَل‏ ‏قياسا‏ ‏بـ‏ “‏أصحاب‏ ‏السوابق”، ‏لا‏ ‏بمعنى ‏العقاب، ‏ولكن‏ ‏بضرورة‏ ‏الاستفادة‏ ‏من‏ ‏المحاولات‏ ‏السابقة‏.‏

إن أى ‏تكرار‏ ‏للتعاطى ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏دوريا‏ ‏أو‏ ‏مكررا، ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏نعامله‏ ‏على ‏أنه‏ “‏فصل‏ ‏جديد” ‏فى ‏رواية‏ ‏طويلة، ‏فلا‏ ‏نغفل‏ ‏أبدا‏ ‏الفصول‏ ‏السابقة‏ ‏سواء‏ ‏نجحنا‏ ‏أو‏ ‏فشلنا، ‏فإذا‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏دخل‏ ‏أحد‏ “‏المجتمعات‏ ‏العلاجية”، ‏فإن‏ ‏دخوله‏ ‏الجديد‏ ‏يكون‏ ‏تكملة‏ ‏مناسبة‏ ‏للخبرة‏ ‏السابقة‏ ‏والنظر‏ ‏فيما‏ ‏كان‏ ‏ينقصها، ‏وما‏ ‏بقى ‏من‏ ‏إيجابياتها (سواء تم ذلك فى نفس المؤسسة العلاجية أم غيرها حتى تتواصل الجهود تكاملا)

هذا‏ ‏وتختلف‏ ‏استجابة‏ ‏هذا النوع (المعاود – الدورى)‏ ‏نتيجة‏ ‏عوامل‏ ‏كثيرة، ‏وهاكم‏ ‏بعضها‏:‏

‏1) ‏قد‏ ‏يستجيب‏ ‏استجابة‏ ‏سريعة‏ ‏وفائقة، ‏فتختفى ‏حاجته‏ ‏بسرعة‏ ‏فور‏ ‏دخوله، ‏ولا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نبالغ‏ ‏فى ‏تصور‏ ‏أن‏ ‏تحسنه‏ ‏هذا‏ ‏يرجع‏ ‏إلى ‏سحر‏ ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏وقوته‏ ‏الشافية‏ ‏التى ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏مثيلا، ‏بل‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أن‏ ‏الطبيعة‏ ‏الدورية‏ ‏لهذا‏ ‏المدمن، ‏إنما‏ ‏تسمح‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏ينقلب‏ ‏إيجابيا‏ ‏متى ‏وصلته‏ ‏رموز‏ ‏تساعده‏ ‏على ‏ذلك‏ (‏الرمز‏ ‏هنا‏: غالبا ‏هو‏ ‏الروح‏ ‏العامة‏ ‏للمجتمع‏ ‏العلاجى ‏السليم‏).‏

‏2) ‏إنه من‏ ‏واقع‏ ‏هذا‏ ‏التواضع‏ ‏الموضوعى، ‏فإن‏ ‏وظيفة‏ ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ذى الطبيعة الإيقاعية ‏هى ‏أن‏ ‏تأخذ‏ ‏بيد‏ ‏هذا‏ ‏المدمن‏ ‏الدورى، ‏لتصل‏ ‏معه‏ ‏إلى ‏فهم‏ ‏دوراته، ‏فنعلّمه‏ ‏كيف‏ ‏ينمى ‏علاقته‏ ‏بدورات‏ ‏الطبيعة‏ بصوره مفيدة (‏بمعايشة ومصادقة‏ ‏دورات‏ ‏شروق الشمس صباحا، ‏أو‏ ‏دورات‏ ‏الصلاة، ‏أو‏ ‏دورات‏ ‏الرحلات، ‏أو‏ ‏دورات‏ ‏القمر، ‏أو‏ ‏بها‏ ‏جميعا‏).

‏3) ‏ثم‏ ‏إننا‏ ‏قد‏ ‏ننظم‏ ‏له‏ ‏دخولا‏ ‏وقائيا‏ ‏محدودا‏ ‏دون‏ ‏نكسة صريحة، ‏فى ‏وقت‏ ‏مناسب‏ ‏لتوقع‏ ‏دورته‏ ‏القادمة، ‏وبالتالى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يزور المجتمع  العلاجى‏ ‏بهدف‏ ‏جرعة‏ ‏تنشيطية‏ ‏وقائية‏ ‏فحسب‏.‏

‏4) ‏أما‏ ‏المدمن‏ ‏المتكرر‏ ‏دون‏ ‏دورات، ‏فهو‏ ‏يعامَلُ‏ ‏أحيانا‏ ‏معاملة‏ ‏المزمن‏ (‏أنظر‏ ‏بعد‏) ‏وأحيانا‏ ‏معاملة‏ ‏المنتكس‏ ‏الصعب

5) كما علينا ألا نطمئن كثيرا إلى تلقائية انتهاء الدورة بطبيعة الإيقاعحيوى، لأن تواتر الدورات وتقاربها، تقلب هذا النوع إلى أحد أنواع الإزمان بعد أن يترسخ المخدر فى خلاياه بشكل دائم.

 

‏4- ‏المدمن‏ ‏المزمن‏ (‏المستـَتـِب‏)‏

ومثلما‏ ‏الحال‏ ‏فى ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏عامة‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏المرض‏ ‏حين‏ ‏يزمن‏ ‏يستقر‏ ‏ويستتب، حتى ‏يصبح‏ ‏جزءا‏ ‏لا‏ ‏يتجزأ‏ ‏من‏ ‏الشخصية، ‏فإذا‏ ‏أضفنا‏ ‏تأثير‏ ‏كيمياء‏ ‏التعاطى ‏على بيولوجية التركيب ومن ثـمَّ ‏حركية‏ ‏المرض، ‏أمكن‏ ‏أن‏ ‏نعرف‏ ‏كيف‏ ‏تصبح‏ ‏مادة‏ ‏الإدمان‏ ‏جزءا‏ ‏أساسيا‏ ‏فى ‏أيْض‏ ‏الأنسجة (2)(‏تمثيلها‏ ‏الغذائى)،‏ ‏يصبح‏ ‏الإدمان‏ ‏تركيبا‏ ‏بيولوجيا‏ ‏غائرا‏ ‏ومتجمدا، ‏ويصبح‏ ‏الانقطاع‏ ‏عنه‏ ‏صعبا‏، ‏كما‏ ‏يصبح‏ ‏التمادى ‏فيه‏ ‏تدميرا‏ ‏مؤكدا‏.‏

على ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏نوعين‏ ‏أساسيين‏ ‏من‏ ‏الإزمان‏:‏

‏(أ) ‏فقد‏ ‏تتراجع‏ ‏الجرعات‏ ‏حتى ‏تصبح‏ ‏أقل‏ ‏ضررا، ‏ولكن‏ ‏أكثر‏ ‏اعتيادا، ‏كما‏ ‏قد‏ ‏يصل‏ ‏الأمر‏ ‏إلى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏ضبط‏ ‏كميتها‏ ‏على ‏قدر‏ ‏ظروف‏ ‏الشخص‏ ‏المالية‏ ‏والاجتماعية‏ (‏وغيرها‏) ‏وهكذا‏ ‏يصبح‏ ‏مدمنا‏ ‏مزمنا‏ ‏معتدلا،  لقد كان‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏شائعا‏ قديما ‏عند‏ ‏كبارالسن‏ ‏من‏ ‏الحرفيين‏ ‏المهرة، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏أصبح‏ ‏أكثر‏ ‏ندرة‏ ‏عن‏ ‏ذى ‏قبل، ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏نطلق‏ ‏على ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏اسم‏ “المدمن ‏المزمن‏ ‏المعتدل“. وكثير من المدمنين الحاليين يأملون فى الوصول لهذا الوضع، حيث يأملون فى الحصول على لذة التعاطى بشكل معتدل دون الخسائر الهائلة والمدمرة التى تصاحب الإدمان(3) إلا أن هؤلاء يفشلون دائماً فى الوصول للمستوى الذى يتصورونه متحكماً/مسيطراً.

 ويمكن أن يكون علاج “الميثادون المنظـم”، كبديل، ويشمل السماح بتعاطى جرعات محدودة تحت إشراف لمدة طويلة، هو نوع من الاعتراف بأحقية هذا المدمن فى هذه المعاملة، على أن يعطى وبأسلوب طبِّى مسئول منظم، وفى رأيى أن هذا النظام لا يناسب ثقافتنا بشكل كاف، وربما لذلك  لم يتم التصريح به للتطبيق العام.

(‏ب‏) ‏أما‏ ‏النوع‏ ‏الثانى، ‏ولنسمه “المدمن‏ ‏المزمن‏ ‏المُدَمَّر”، ‏فهو‏ ‏الذى ‏تزيد‏ ‏فيه‏ ‏جرعة‏ ‏الإدمان‏ ‏باستمرار، ‏وذلك‏ ‏مع‏ ‏تمادى ‏التعود‏ ‏وازدياد‏ ‏الحاجة‏ ‏حتى ‏تدمير الذات أو الممتلكات أو المحيطين أو كل ذلك‏.‏

وليس‏ ‏معنى ‏هذا‏ ‏التقسيم‏ ‏أن‏ ‏نتراخى ‏فى ‏علاج‏ هذا ‏النوع‏ ‏المزمن‏ ‏المعتدل، ‏بل‏ ‏إننا‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏نخشى ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏أن‏ ‏يتحول‏ ‏إلى ‏المزمن‏ ‏المدمَّر‏. ‏

الفائدة والتطبيق:

وعلاج‏ ‏المدمن‏ ‏المزمن‏ -عامة- ‏فى ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏له‏ ‏مواصفات‏ ‏خاصة، ‏فهو‏:‏

‏1) ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏وقت‏ ‏أطول‏، وتأهيل ممتد.‏

‏2) ‏أيضا‏ ‏يحتاج‏ ‏الأمر‏ ‏إلى ‏التدرج‏ ‏فى ‏الانقطاع، ‏والتدرج‏ ‏فى ‏التحريك، ‏وكذلك‏ ‏لابد‏ ‏من‏ ‏الصبر‏ ‏والمثابرة‏.‏

‏3) ‏كما‏ نحتاج‏ ‏إلى ‏تعاون‏ ‏شديد‏ ‏مع‏ ‏الأهل‏ ‏وخاصة‏ ‏بعد‏ ‏الخروج‏ من المستشفى إذا كان قد أودع فيها.‏

‏4) ‏وأيضا‏ ‏إلى ‏الاعتماد‏ ‏بشكل‏ ‏مناسب‏ ‏على ‏العقاقير‏ ‏البديلة، ‏والمساعدة‏ لمدة مناسبة حسب الحالة.‏

‏5) ‏ثم إنه‏ ‏ينبغى ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏أسباب‏ ‏هذا‏ ‏الإزمان‏ ‏والاستتباب‏ ‏الخطر، ‏ذلك‏ ‏لأنه فى هذه الحالات‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏سبب‏ ‏الإزمان فى أمراضه الكامنة أو ظروفه المحيطة مقبولا ولو مرحليا، وهنا لابد من التوجه إلى العمل على أن تخف أو تزول بعض هذه الأسباب التى لابد من وضعها فى الاعتبار، ونورد بعضها فيما يلى:

‏(أ) ‏أن‏ ‏ثـَمَّ ‏مرضا‏ (‏نفسيا‏) ‏خطيرا‏ ‏يهدد‏ ‏باستمرار‏ ‏بالظهور، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏هذا‏ ‏المدمن ربما‏ ‏يواصل‏ ‏تجنب‏ ‏ذلك‏ ‏المرض‏ ‏بهذا‏ ‏التمادى فى التعاطى، ويظهر‏ ‏هذا‏ ‏من‏ ‏التاريخ‏ ‏الأسرى ‏بوجه‏ ‏خاص، ومن‏ ‏أن‏ ‏مواصفات‏ ‏المدمن‏ ‏المتداوى -‏أنظر‏ بعد‏- ‏تنطبق‏ ‏عليه‏ ‏جزئيا، ومن‏ ‏أنه‏ ‏مع‏ ‏الانقطاع‏ ‏لاتظهر‏ ‏أعراض‏ ‏الانقطاع‏ ‏فحسب، ‏وإنما‏ ربما ‏تظهر‏ أعراض‏ ‏المرض‏ ‏الكامن‏ ‏أيضا‏، ‏وقد‏ ‏تتمادى.

‏(ب) ‏أو‏ ‏أن‏ ‏الظروف‏ ‏المحيطة‏ ‏هى ‏من‏ ‏القسوة‏ ‏والاستمرار‏ ‏بحيث‏ ‏لا‏ ‏تسمح‏ ‏بالتوقف، ‏مثل‏ ‏بعض‏ ‏الزيجات‏ ‏الشديدة‏ ‏الإتعاس، ‏أو‏ ‏مثل‏ ‏القهر‏ ‏المستمر‏ ‏فى ‏أى ‏مجال، ‏أو‏ ‏مثل‏ ‏رعاية‏ ‏مزمنة‏ ‏لعزيز‏ ‏فى ‏العائلة‏ ‏مريض‏ ‏بمرض‏ ‏مستعص‏…‏إلخ‏.‏

‏(ج) ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏طبيعة‏ ‏العمل‏ ‏نفسه‏ ‏تُسَهَّل‏ ‏الفرص‏ ‏للتعاطى ‏أو‏ ‏تقلل‏ ‏من‏ ‏تكلفته‏ (‏مثل‏ ‏العاملين‏ ‏فى ‏السياحة‏ ‏الساحلية‏ ‏أو‏ ‏فى ‏الموانيء، أو من المتعاملين مع بعض هذه المواد بحكم عملهم، كالصيادلة وبعض الأطباء والممرضين.. ‏إلخ‏).‏

‏5-‏ المدمن‏ ‏مزدوج التشخيص

‏ (‏سواء‏ ‏ظهر‏ ‏المرض‏ ‏مع‏/‏أم‏ ‏اختفى ‏بـ‏ “‏الإدمان‏”)‏

هناك‏ من ‏الاتجاهات العلمية ما‏ ‏لا‏ ‏يعتبر‏ ‏الإدمان‏ ‏مرضا‏ ‏فى ‏ذاته، ‏وهذا‏ ‏ليس‏ ‏صحيحا‏ ‏تماما‏، ‏لأنه‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏العامل‏ ‏الأكثر‏ ‏حسما‏ ‏فى ‏تحديد‏ ‏المرض‏ ‏من‏ ‏عدمه‏ ‏هو‏ ‏الإعاقة، ‏فالإدمان‏ ‏من‏ ‏أكبر‏ ‏أسباب‏ ‏الإعاقة، ‏وحلاَّ‏ ‏لهذا‏ ‏الإشكال‏ ‏فلا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏توضيح‏ ‏أن‏ ‏ما نعنيه‏ ‏بكلمة‏ ‏مريض‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏وراء‏ ‏الإدمان‏ ‏مرض‏ ‏آخر، ‏غير‏ ‏اضطراب‏ ‏الشخصية‏ ‏الذى ‏يصاحب‏ ‏الإدمان‏ ‏عادة‏.‏

ووجود‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏والعقلى ‏وراء‏ ‏الإدمان‏ ‏أو‏ ‏مع‏ ‏الإدمان‏ ‏قد‏ ‏يظهر‏ ‏بشكل‏ ‏مباشر، ‏وقد‏ ‏يـُستنتج‏ ‏بشكل‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏ ‏من‏ ‏التاريخ‏ ‏العائلي، ‏ومن‏ ‏التاريخ‏ ‏السابق‏ ‏لنفس‏ ‏المدمن، ‏ومن‏ ‏التبادل‏ ‏بين‏ ‏نوبات‏ ‏المرض‏ ‏ونوبات‏ ‏الإدمان‏ (‏أى ‏أن‏ ‏المرض قد‏ ‏يظهر‏ ‏مرة‏ ‏صريحا‏ ‏بأعراضه‏ ‏الخاصة، ‏ومرة‏ ‏أخرى ‏لا‏ ‏يظهر‏ ‏صريحا‏ ‏بل‏ ‏يحل‏ ‏محله‏ ‏التعاطى‏).

وأهم‏ ‏الأمراض‏ ‏الجسيمة‏ ‏الكامنة‏ ‏وراء الإدمان، ‏أو‏ ‏المصاحبة‏ ‏له‏ ‏هى ‏أمراض‏ ‏اضطرابات‏ ‏الوجدان‏ (‏الاكتئاب‏ ‏والهوس‏ ‏خاصة‏)، ‏وأمراض‏ ‏التفسخ والتناثر‏ (‏الفصام‏) ‏وهيجة‏ ‏الشكوك‏ (‏البارانويا‏). ‏

أما‏ ‏الأمراض‏ ‏الأقل‏ ‏شدة‏ ‏مثل‏ ‏القلق‏ ‏والوسواس‏ ‏والمخاوف‏..‏إلخ‏ ‏فهى ‏قد‏ ‏تكون‏ ‏الأصل‏ ‏فى ‏التورط‏ ‏فى ‏الإدمان‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏سهــَّلـَهُ، ومهــَّـد له: الإفراط في‏ ‏التداوى ‏بالمهدئات‏ ‏الخفيفة، ‏كما‏ ‏أنها‏ ‏قد‏ ‏تكون‏ ‏سببا‏ ‏فى ‏تعاطى ‏بعض‏ ‏الحبوب‏ ‏للتخلص‏ ‏من‏ ‏المعاناة‏، ‏وأخيرا‏ ‏قد‏ ‏تنتج هى  ذاتها‏ ‏عن‏ ‏ورطة‏ ‏التعاطي، ‏ومضاعفات‏ ‏التعطل‏ ‏بسببه.

الفائدة والتطبيق:

ألمحنا سابقا إلى أن‏ ‏بعض‏ ‏أنواع‏ ‏التعاطى ‏والإدمان‏ ‏هى‏ ‏بمثابة‏ “‏العلاج‏ ‏الذاتي“، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏الذى ‏بدأ‏ ‏يعانى ‏من‏ ‏أعراض‏ ‏مرضه الأصلى، ‏قد ‏يتعاطى ‏هذه‏ ‏المادة‏ ‏المخدرة‏ ‏أو‏ ‏المنشطة‏ ‏لتخفف‏ ‏من‏ ‏معاناته‏‏ (‏عادة‏ ‏لا‏ ‏يسميه هو‏ ‏مرضا‏)، ‏ثم‏ ‏يجد‏ ‏أن الأعراض قد خفــَّـت‏ ‏فعلا، ‏فيتمادى ‏فى ‏ذلك‏ ‏ذاتيا‏،  ‏وكأنه‏ ‏نجح‏ ‏فى ‏علاج‏ ‏نفسه‏ ‏بنفسه.

‏إلا‏ ‏أن‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏الأبحاث‏ ‏الحديثة‏ (‏المنشورة‏) ‏قد‏ ‏أوصت برفض‏ ‏هذه‏ ‏الطريقة، ‏وأثبتت‏ ‏خطأها، ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏فإن الممارسة الإكلينيكية ‏لم‏ ‏تستبعد ذلك ‏نهائيا، ‏بل‏ ‏إنه يمكن ‏تفسير‏ ‏التحفظ على‏ ‏هذه‏ ‏النظرية‏ نفسها (نظرية التداوى الذاتى) بالخوف‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏الزعم‏ ‏مبررا‏ ‏لأن‏ ‏يستمر‏ ‏المدمن‏ ‏فى ‏إدمانه‏ ‏متصورا‏ ‏بذلك‏ ‏أنه‏ ‏يعالج‏ ‏نفسه.

‏6- ‏المدمن‏ ‏المتداوى

(‏سواء‏ ‏كان‏ ‏علاجا‏ ‏وقائيا‏- ‏أم‏ ‏فعليا‏)‏

أفردنا هذا النوع مستقلا برغم تداخله مع النوع السابق لأنه ليس كل مدمن مريض مدمناً   بالضرورة.

ذكرنا‏ ‏حالا‏ ‏أن‏ ‏التعاطى ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏التداوى ‏الذاتي، ‏ونضيف‏ ‏هنا‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التداوى (‏الذاتى‏) ‏يبدأ‏ ‏عادة‏ ‏فى ‏مرحلة‏ ‏بدايات‏ ‏أو‏ ‏إرهاصات‏ ‏المرض، ‏وأنه‏ ‏متى ‏نجح‏ ‏نسبيا‏ ‏فى ‏تخفيف‏ ‏الألم‏ ‏أو‏ ‏تجنب‏ ‏رؤية‏ ‏الداخل‏ ‏المفزعة، ‏أو‏ ‏تعرية‏ ‏الواقع‏ ‏المر، ‏أو‏ ‏لو‏ أنه ‏نجح‏ ‏فى ‏تأجيل‏ ‏التناثر‏ ‏المَرَضىِ المهدِّدْ، ‏فإن‏ ‏من ‏تعاطاه‏ ‏لمداواة هذه‏ ‏الأغراض‏ ‏يجد‏ ‏مبررا‏ ‏تلقائيا‏ – ‏ليس‏ ‏واعيا‏ ‏بالضرورة‏- ‏للاستمرار‏ ‏فى ‏عملية‏ التعاطى فالإدمان، ‏فيجد نفسه فى مسار إلى مآلٍ ‏أخطر‏ ‏من‏ ‏المرض‏ ‏الذى ‏حاول‏ ‏أن‏ ‏يتجنبه‏ ‏فعلا‏.‏

إن هذا‏ ‏الفرض‏ ‏يحتاج‏ ‏لأكبر‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏الخبرة‏ ‏لاكتشافه‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏افتراضه، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏يحتاج‏ ‏لأكبر‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏المهارة‏ ‏والحذق‏ ‏ونحن‏ ‏نحاول‏ ‏أن‏ ‏نساعد‏ ‏فى ‏علاج‏ ‏الإدمان‏ ‏المصاحب‏ ‏أو‏ ‏المغطى ‏له‏، ‏وأهم‏ ‏ما‏ ‏يرجح وجود‏ ‏هذين‏ ‏النوعين‏ ‏السابقين ‏ما‏ ‏يلى‏:‏

‏1) ‏وجود‏ ‏مرض‏ ‏فى ‏الأسرة‏ ‏من‏ ‏النوع‏ ‏الذهانى ‏بالذات‏.‏

‏2) ‏علاقة‏ ‏بعض‏ ‏المواد‏ ‏المتعاطاة‏ ‏بأمراض‏ ‏بذاتها، ‏مثل‏ ‏غلبة‏ ‏تعاطى ‏الهيروين‏ ‏لعلاج‏ ‏الاكتئاب، ‏أو‏ ‏تعاطى ‏المثيرات‏ ‏والمذيبات‏ ‏للذات (الحشيش من أبسطها وأشهرها) ‏ ‏لفك‏ ‏جمود‏ ‏الشخصية فى الاضطراب النمطى للشخصية‏ ‏والتخلص‏ ‏من‏ ‏التوتر‏ ‏المتكرر‏ ‏أو‏ ‏المزمن‏.. ‏وهكذا‏.‏

‏3) ‏توقيت‏ ‏بدء‏ ‏التعاطى ‏فى ‏نفس‏ ‏السن‏ ‏الذى ‏أصيب‏ ‏فيه‏ ‏شقيق‏ ‏أو‏ ‏أخت‏ -‏مثلا‏- ‏بمرض‏ ‏نفسى ‏صريح‏.‏

‏4) ‏رصد‏ ‏بداية‏ ‏التعاطى ‏بعد‏ ‏ظهور‏ ‏أعراض‏ ‏منذرة‏ ‏أو‏ ‏عابرة‏ ‏لمرض‏ ‏يكون‏ ‏معروفا‏ ‏فى ‏الأسرة‏ ‏أو‏ ‏فى ‏التاريخ‏ ‏السابق‏ ‏للمدمن‏.‏

‏5) ‏استجابة‏ ‏المريض‏ – ‏الإيجابية‏ ‏نسبيا‏- ‏لـلمادة‏ ‏المخدرة، ‏باختفاء‏ ‏الأعراض‏ ‏أو‏ ‏التخفيف‏ ‏من‏ ‏الألم‏ ‏النفسى ‏أو‏ ‏التغافل‏ ‏عن‏ ‏احتمال‏ ‏التناثر، ‏مما‏ ‏قد‏ ‏يعتبر‏ ‏بمثابة‏ “‏الاختبار‏ ‏العلاجى”(4)، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏المادة‏ ‏المخدرة‏ ‏قد‏ ‏قامت‏ ‏فعلا‏ ‏بدور‏ ‏علاجي (برغم  خطورتها فى ذاتها)‏.‏

‏6) ‏ظهور‏ ‏أعراض‏ ‏مرضية‏ ‏بذاتها‏ ‏بعد‏ ‏الانقطاع‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏أعراض‏ ‏السحب، ‏واستمرارها‏ ‏ما دام‏ ‏لم‏ ‏يأخذ‏ ‏علاجا‏ ‏آخر‏ ‏ولم‏ ‏يرجع‏ ‏إلى ‏التعاطى‏.‏

‏7) ‏استجابة‏ ‏هذه‏ ‏الأعراض‏ -‏التى ‏ظهرت‏ ‏أثناء‏ ‏العلاج‏ ‏بعد‏ ‏الانقطاع‏- ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏ظهورها‏ ‏صريحا‏ ‏أو‏ ‏ضمنيا‏ ‏لعقاقير‏ ‏أخرى ‏ذات‏ ‏أثر‏ ‏نفسى ‏مناسب لها: ‏ ‏مثل‏ ‏مضادات‏ ‏الاكتئاب‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏الاكتئاب‏ ‏أو‏ ‏مضادات‏ ‏الذهان‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏الفصام‏ (‏مثلا‏).‏

الفائدة والتطبيق:

إن الوضع‏ ‏فى ‏المجتمع‏ ‏العلاجى‏: ‏بالنسبة‏ ‏للمدمن‏ ‏المريض، ‏أو‏ ‏المدمن‏ ‏المتداوى ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يوجه‏ ‏بجدية‏ ‏كافية‏ ‏إلى ‏علاج‏ ‏المرض‏ ‏الكامن‏ ‏أو‏ ‏المرض‏ ‏المصاحِب، ‏أو‏ ‏المرض‏ ‏المؤجـَّل، ‏ولا‏ ‏يكفى ‏فى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏التطبيب‏ ‏بالعقاقير، ‏لأن‏ ‏لسان‏ ‏حال‏ ‏المدمن‏ ‏يقول‏: ‏كيمياء‏ ‏بكيمياء‏: “‏الذى ‏تعرفه‏ ‏أحسن‏ ‏من‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏تعرفه‏!!!، (إللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش)، ‏فأريحوا‏ ‏أنفسكم‏ حضرات السادة الأطباء لقد عملتُ اللازم.،

ولا‏ ‏يقبل‏ ‏المدمن‏ ‏أن‏ ‏ينقلب‏ ‏مريضا‏ نفسياً ‏صريحا‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏لاحت‏ ‏له‏ ‏فرصة‏ ‏علاج‏ ‏حقيقى ‏لا‏ ‏يقتصر‏ ‏على ‏العقاقير، ‏ذلك‏ ‏لأن‏ ‏لسان‏ ‏حاله‏ ‏يقول‏ ‏لمثل‏ ‏هذه‏ ‏العلاجات‏ ‏الدوائية‏ ‏الصِّرف‏: ‏”مِنْ‏ ‏كيميا‏ ‏لْكيميا‏ ‏يا‏ ‏قلبى ‏لا‏ ‏تحزن”، ‏وهذا‏ ‏العلاج‏ ‏الحقيقى ‏غير‏ ‏المقتصر‏ ‏على ‏الكيمياء، قد ‏يرجح‏ ‏إعادة النظر‏ ‏فى ‏انتهاز‏ ‏الفرصة‏ لعلاج متكامل للمرض والإدمان معا.

‏7- ‏المدمن‏ ‏الثائر،‏ ‏مُجهضا‏

(‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏ثورة‏ ‏على‏….. ‏أم‏ ‏ثورة‏ ‏إلى‏…..)‏

الإدمان‏ (‏رغم‏ ‏سلبيته‏)، ‏مثله مثل ‏ ‏بعض‏ ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏،  ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏تعبيرا‏ ‏عن‏ ‏رفضٍٍ‏ ‏مشروع، ‏أو‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏احتجاجا‏ ‏على ‏اغتراب‏ ‏هامد، ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏نبحث‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏الاحتمال‏ ‏فى ‏كل‏ ‏حالة‏ ‏إدمان، فإذا‏ ‏غلبت‏ ‏هذه‏ ‏الصفة‏ (‏محاولة‏ ‏الثورة‏) ‏ظاهرا، ‏أو‏ ‏أمكن‏ ‏استنتاجها‏ ‏تفسيرا، ‏فإن‏ ‏وضع‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏الاعتبار‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏هام‏ ‏يفيد‏ ‏فى ‏العلاج،‏ ‏ذلك‏ ‏لأن‏ ‏المطلوب‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نوافق‏ ‏على ‏مبدأ‏ ‏الثورة، ‏ثم‏ ‏نحاول‏ ‏أن‏ ‏نقدم‏ ‏بديلا‏ ‏إيجابيا‏ ‏للتعبير‏ ‏عنها‏ ‏أو‏ ‏تحقيقها، ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏البديل‏ ‏السلبى (‏الإدمان‏) ‏الذى ‏ينتهى بإجهاضها، فضلا عن ما يسبب من مضاعفات وخسائر.

الفائدة والتطبيق:

وفى ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏نلتقط‏ ‏هذ‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏المدمنين، ‏لا‏ ‏لنصدقه‏ دون شروط (‏فيخدعنا‏ ‏ونبرر‏ ‏معه‏ ‏ما‏ ‏دفعه‏ ‏إلى ‏ذلك‏)، ‏وإنما‏ ‏لنعيده‏ ‏إلى ‏بداياته‏ (‏الثورية‏ ‏افتراضا‏)، ‏وكأننا‏ ‏نتفق‏ ‏معه‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏ ‏على ‏حقه‏ ‏فى ‏الثورة‏ ‏وأيضا‏ ‏نسايره‏ ‏بصدق، ‏لكننا‏ ‏نحاول‏ ‏ومن‏ ‏أول‏ ‏لحظة‏ ‏أن‏ ‏نبحث‏ ‏معا‏ ‏عن‏ ‏البديل‏ ‏الصحيح‏ ‏لتحقيق‏ ‏ثورته‏ ‏وليس‏ ‏لإجهاضها‏ ‏كما‏ ‏فعل‏ ‏المخدر‏. ‏وقد‏ ‏وُجِد‏ ‏أن‏ ‏التقاط‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏المدمنين‏ ‏وهم‏ ‏بعد‏ ‏فى البداية‏ ‏أو‏ ‏وهم‏ ‏متقطعون، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يتوغلوا‏ ‏أو‏ ‏يتجمدوا‏ ‏أو‏ ‏يبالغوا‏ ‏فى ‏السلبية، ‏هو‏ ‏الذى ‏يسمح‏ ‏بأن‏ ‏نفهم‏ ‏نزوعهم‏ ‏الثورى ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يختفى ‏وراء‏ ‏تبريرات‏ ‏الإدمان‏ ‏وغيامة‏ ‏الذهول ، وقبل أن تتفاقم المضاعفات وتتضاعف الخسائر‏

‏8- ‏المدمن‏ ‏المبدع‏ (‏زيفا‏)

نسمع‏ ‏كثيرا‏ ‏عن‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏الملحنين، ‏والمؤلفين، ‏والممثلين‏ ‏يربطون‏ ‏بين‏ ‏إبداعاتهم‏ ‏الفنية، ‏وبين‏ ‏تعاطيهم‏ ‏لهذه‏ ‏المادة‏ ‏أو‏ ‏تلك‏ ‏من‏ ‏مواد‏ ‏الإدمان، ‏وهذا‏ ‏الزعم‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏دافعا‏ ‏لذوى ‏المواهب‏ ‏المتواضعة، ‏أن‏ ‏يتشبهوا‏ ‏بهؤلاء‏ ‏المبدعين. ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏الحقائق‏ ‏العلمية‏ ‏تؤكد‏ ‏أن‏ ‏الإبداع‏ ‏لا‏ ‏يأتى ‏بفعل‏ ‏كيميائى ‏غبى، ‏وأن‏ ‏هذا‏ “‏التسهيل” ‏الذى ‏يلجأ‏ ‏إليه‏ ‏بعض‏ ‏المبدعين‏ ‏إنما‏ ‏يحدث‏ ‏لأنهم‏ ‏مبدعين‏ ‏أولا (أنظر النوع 16).

‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏هذه‏ ‏ليست‏ هى ‏المسألة، ‏وليس‏ ‏هذا‏ ‏ما‏ ‏نقصده‏ ‏بـ‏ “‏المدمن‏ ‏المبدع” (‏زيفا‏) ‏ذى‏ ‏الطموحات‏ ‏الزائفة‏ غالبا، فالفكرة‏ ‏وراء‏ ‏هذه‏ ‏التسمية‏ (‏المدمن‏ ‏المبدع‏: ‏زيفا‏) ‏هى ‏أن‏ ‏تحريك‏ ‏الوعى ‏السائد، ‏وتغيير‏ ‏نوعيته، ‏هو‏ ‏أساس‏ ‏فى ‏العملية‏ ‏الإبداعية بصفة عامة، ‏وحالة‏ ‏المبدع‏ ‏الأصيل‏ ‏وهو‏ ‏يعايش‏ ‏الخبرة‏ ‏الإبداعية‏ ‏هى ‏حالة‏ ‏رائعة‏ ‏ومغامِرَة‏ ‏ورحّالة‏ ‏ومستكشفة، والمدمن فى البداية يكون راغبا فى هذه الحالة، أو حتى هو يعايش بعض بداياتها، لكن الناتج هو تزييف أو إجهاض أو نكوص ما لم تتواصل العملية الإبداعية دون الاعتماد الأساسى أو الكامل على الاستثارة المصطنعة بالموادّ.

الفائدة والتطبيق:

‏حين‏ ‏يعجز‏ ‏الشخص‏ ‏العادى ‏عن‏ ‏الإبداع، ‏لقصور‏ ‏فى الفـُرَصِ أو التدريب، ‏أو‏ ‏لهمود‏ ‏وكسل‏ ‏أديا‏ ‏للاستسلام‏ ‏للساكن‏ ‏الثابت‏ ‏فيه، ‏فإن‏ ‏بعض‏ ‏مواد‏ ‏الإدمان‏ ‏إنما‏ ‏تهيئ‏ ‏له‏ ‏ما‏ ‏يشبه‏ ‏الإبداع‏ ‏بأن‏ ‏تنقله‏ ‏إلى ‏حالة‏ ‏من‏ ‏الدهشة، ‏والجـِدَّة، ‏والأصالة، ‏بأسهل‏ ‏الطرق، ‏تحت‏ ‏تأثير‏ ‏كيمياء‏ ‏مـُقـْـحـَمـَة، ‏فكأنه‏ ‏يبدع‏ ‏وهو‏ ‏كسول، ‏يبدع‏ ‏من‏ ‏الوضع‏ ‏جالسا‏ ‏أو‏ ‏مضطجعا، يحسب أنه ‏يبدع‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يبدع‏ ‏فى ‏النهاية‏، ‏فإذا‏ ‏استطعنا‏ ‏أن‏ ‏نلتقط‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الحاجة‏ ‏إلى ‏الإبداع‏ ‏وراء‏ ‏عملية‏ ‏الإدمان، ‏فإنه‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نأمل فى محاولة‏ ‏تهيئة‏ ‏الفرصة‏ ‏للتدريب‏ ‏على، أو مواصلة، ‏الإبداع‏ ‏الحقيقى ‏بجهاد‏ ‏منظم، ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏الوهم‏ ‏بالإبداع‏ ‏الكيميائى ‏الزائف‏.‏

 

‏9- ‏المدمن‏ ‏بالنيابة!‏ (‏التواطؤ‏ ‏اللاشعورى)

هذا‏ ‏التعبير‏ ‏غير‏ ‏قاصر‏ ‏على ‏الإدمان، ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏تعبير‏ ‏مستعمل‏ ‏فى ‏النظر‏ ‏فى ‏سيكوباثولوجية‏ ‏العائلة، ‏وكذا‏ بعض ‏المجتمع، ‏وهو‏ ‏يُستعمل‏ ‏عادة‏ ‏فى ‏تفسير‏ ‏مرض‏ ‏طفل بأعراض نفسية – مثلا– ‏نتيجة‏ ‏لإسقاط‏ ‏مشاكل‏ ‏الأسرة‏ ‏عليه‏، ‏والمقصود‏ ‏هنا‏ ‏أن‏ ‏المدمن‏ ‏بإدمانه‏ (‏مثل‏ ‏الطفل‏ ‏المريض‏ ‏”بالنيابة‏” عن أسرته أو عن والدته)، ‏إنما‏ ‏يعلن‏ ‏عن‏ ‏مرض‏ فى دائرة ‏أشمل‏ ‏وأخفى، ‏وكما‏ ‏نعتبر‏ فى هذه الحالات أن ‏الأسرة‏ ‏هى ‏المريضة، ‏فإن  “‏المدمن” نفسه‏ فى هذه الحالة لا‏ ‏يكون‏ ‏إلا‏ ‏عَرَضاً‏ ‏يعبر‏ ‏عن‏ ‏باثولوجية‏ (‏إمراضية‏) ‏أحد‏ ‏أفراد‏ ‏الأسرة‏ ‏الآخرين‏.‏

وأحيانا‏ ‏ما نستطيع أن نستنتج أن المدمن ‏يدمن‏ ‏‏بالأصالة‏ ‏عن‏ ‏نفسه، ‏وبالنيابة‏ ‏عن‏ ‏والده‏ ‏مثلا، ‏والده‏ ‏الذى ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏ظاهر‏ ‏الالتزام‏ ‏الأخلاقى أو الدينى ‏بشكل‏ ‏مبالغ‏ ‏فيه‏، لكنه ‏التزام غير‏ ‏نابع‏ ‏من‏ ‏اختيار‏ ‏حر، ‏حينئذ‏ ‏يحدث‏ ‏أن‏ ‏يُسقط‏ “‏الأب‏” ‏حاجته الداخلية‏ ‏إلى ‏التحرر‏ (‏بتفكيك‏ ‏الوعى ‏الأخلاقى ‏المتجمد‏) ‏يسقطه‏ ‏على ‏ابنه، ‏الذى ‏يصبح‏ ‏بدوره‏ ‏مدمنا‏ “‏بالنيابة”(5) ‏

وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏تستعمـِل‏ ‏الأم‏ (‏حالة‏ ‏كونها‏ ‏الزوجة‏ ‏المقهورة‏) ‏إدمان‏ ‏ابنها‏ ‏لتؤكد‏ ‏به‏   – لا شعوريا (أو شعوريا) – ‏فشل‏ ‏أبيه‏ (‏القاهر‏) ‏وعجزه‏ ‏عن‏ ‏تربيته، ‏وخيبته‏ ‏رغم‏ ‏ظاهر‏ ‏جبروته‏.

الفائدة والتطبيق:

إنه يكاد‏ ‏يستحيل‏ ‏علاج‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الحالات‏ ‏دون‏ ‏فهم‏ كيف يكون المدمن مجرد عَرَض لإمراضية ‏ ‏مَنْ‏ ‏حوله، ‏ونحن ما‏ ‏لم‏ ‏ننتبه‏ ‏للعمل‏ ‏على ‏أن‏ ‏يكف‏ ‏الوالد‏ ‏عن‏ ‏استعمال‏ ‏ابنه‏ (‏لا‏شعوريا‏ ‏غالبا‏) ‏أو‏ ‏تكف‏ ‏الأم‏ ‏عن‏ ‏لـىّ ‏ذراع‏ ‏زوجها‏ ‏أو‏ ‏طليقها‏ ‏بهذا‏ ‏الابن‏ ‏الضائع، ‏فلن‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نصل‏ ‏إلى ‏المدمن،‏ ‏وبالتالى ‏يصعب‏ ‏علاجه‏.‏

وفى ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تتعرى ‏هذه‏ ‏العلاقات، ‏حين‏ ‏نلاحظ كيف أن‏ ‏المدمن‏ يتحسن تحسنا ‏أكيدا‏ ‏بمجرد‏ ‏الانفصال‏ ‏عن‏ ‏المحيط‏ ‏المتواطئ، ‏أو‏ ‏عن‏ ‏الوالد‏ ‏الذى ‏يستعمله (لاشعوريا غالبا) ‏إذ‏ ‏يجد‏ ‏أن‏ ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏هو‏ ‏أسرة‏ ‏بديلة‏ ‏لا‏ ‏تستعمله، ‏فتتاح‏ ‏الفرصة‏ ‏لوضع‏ ‏جديد‏ ‏يسهم‏ ‏فى ‏العلاج‏.‏

بل لقد لاحظنا احيانا أن المدمن الذى يحتمل أن يكون من هذه الفئة إذا تحسن داخل المجتمع العلاجى بشكل لا شك فيه وسمحنا له بالزيارة لمثل هذا الوالد الذى يستعمله، فإنه قد يسوء بعد الزيارة مباشرة، فى نفس الوقت الذى ينكر فيه والده بشكل قاطع هذا التحسن الذى يشهد به الجميع، وكأنه –  مرة أخرى: لاشعوريا –  لا يريد له التحسن!!

‏10- ‏المدمن‏ ‏المجرم‏

ليس‏ ‏كل‏ ‏المدمنين، ‏ولا‏ ‏أغلبهم، ‏ضحايا‏ ‏كما‏ ‏يحبون‏ ‏أن‏ ‏يشاع‏ ‏عنهم، ‏وكما‏ ‏تحب‏ ‏أغلب‏ ‏الاتجاهات‏ ‏الاجتماعية‏ ‏الرقيقة‏ ‏أن‏ ‏تطلق‏ ‏عليهم‏. فثّـمَّ‏ ‏مدمنون‏ ‏متبلدو ‏الشعور‏ ‏قساة‏ ‏القلب، ‏يستعملون‏ ‏هذه‏ ‏المواد، ‏لتزيد‏ ‏تثليم‏ ‏عواطفهم، ‏فَتُسَهِّل‏ ‏عليهم‏ ‏القسوة‏ ‏والظلم‏ ‏والاعتداء‏ ‏على ‏الغير، ‏ثم‏ ‏تخرج‏ ‏المسألة‏ ‏من‏ ‏أيديهم‏ ‏حتى ‏يصبحوا‏ ‏فريسة‏ ‏للأداة‏ ‏التى ‏كانت‏ ‏تسهل‏ ‏عليهم‏ ‏تبلدهم‏ ‏فقسوتهم، وهى هذه السموم فى جسده، ومثل‏ ‏هذا‏ ‏المدمن‏ ‏هو‏ ‏فى ‏النهاية‏ ‏مسئول ومتورط فى نفس الوقت‏ – رغم‏ ‏إجرامه‏ ‏وتبلده– ‏مثله‏ ‏مثل‏ ‏غيره‏ ‏من‏ ‏المتورطين، ‏نتيجة‏ ‏لسوء‏ ‏الحسابات‏.‏

الفائدة والتطبيق:

إن‏ ‏استقبال‏ ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏لمثل‏ ‏هذا‏ ‏المدمن المجرم‏ ‏ليس‏ ‏مثل‏ ‏استقباله‏ ‏للمدمن‏ ‏المتورط‏ ‏الذى ‏سبق‏ ‏وصفه، ‏وينبغى مراعاة ‏التعامل‏ ‏معه‏ ‏بقدر‏ ‏هائل‏ ‏من‏ ‏محاولات‏ ‏إحياء‏ ‏الجزء‏ ‏الإنسانى ‏الذى ‏تأكد‏ ‏موته‏ ‏بالإدمان‏، ‏وليس‏ ‏بعيدا‏ ‏أن‏ ‏نكتشف‏ ‏وراء‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏القسوة‏ ‏والإجرام‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏المرض‏ ‏أو‏ ‏المعاناة‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يوجـَّه‏ ‏العلاج‏ ‏إلى ‏وضعها فى الاعتبار، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏إحياء‏ ‏الجانب‏ ‏الإنسانى ‏الذى ‏يحول‏ ‏دون‏ ‏التمادى ‏فى ‏الإجرام‏ ‏والإدمان‏ ‏معا‏.‏

‏ 11- ‏التاجر‏ ‏المدمن‏ (‏التاجر‏ ‏فعلا‏)

‏        والمدمن‏ ‏التاجر‏ (‏التاجر‏ ‏مجازا‏)

الشائع‏ ‏أن‏ ‏الذى ‏يتاجر‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المواد‏ ‏لايتعاطاها‏ ‏بالقدر المتاح له،‏ ‏ولا‏ ‏بالانتظام‏ ‏الذى ‏يصبح‏ ‏به‏ ‏مدمنا، ‏إلا‏ ‏أننا‏ ‏لاحظنا‏ ‏فى ‏مجتمعنا ‏ ‏العلاجى ‏أنه‏ ‏بين‏ ‏الحين‏ ‏والحين‏ ‏يجيئنا‏ ‏مدمن‏ ‏يتعاطى ‏قدرا‏ ‏هائلا‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏المواد، ‏ولا‏ ‏يعطى ‏تفسيرا‏ ‏لمصدر‏ ‏تمويله، ‏ولا‏ ‏يحمل‏ ‏همــَّـا‏ ‏لمدى ‏إنفاقه، ‏فنتساءل – ونسأله– ‏ ‏من‏ ‏أين‏ ‏له‏ ‏هذا؟‏ ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏يمثل‏ ‏بداية‏ ‏شكـّنا لاحتمال أنه‏ ‏يتاجر‏ ‏فيها‏، هذا و‏قد‏ ‏يُستعمل‏ ‏تعبير‏ “‏المدمن‏ ‏التاجر”(‏بالمعنى ‏المجازى‏)، ‏حين‏ ‏نعنى ‏به‏ ‏المدمن‏ ‏الذى ‏يحصل‏ ‏على ‏مكاسب‏ ‏مباشرة‏ ‏ظاهرة‏ ‏من‏ ‏عملية‏ ‏الإدمان‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏يدفع‏ ‏فيها‏، ‏وقد‏ ‏تكون‏ ‏هذه‏ ‏المكاسب‏ ‏غير مباشرة، مثل ‏أنه‏ ‏صديق‏ (‏خدوم‏) ‏لثرى ‏يتعاطي، ‏فيحصل‏ ‏على ‏لذته‏ ‏دون‏ ‏مقابل، ‏أو‏ ‏أنه يمارس‏ ‏دور‏ ‏المهرج‏ ‏المأجور(6)، ‏أو‏ ‏مثل‏ ‏المدمن‏ ‏الذى ‏تساعده‏ ‏جرعة‏ ‏مناسبة‏ ‏من‏ ‏الإدمان‏ ‏فى ‏عمل‏ ‏يـُكسبه‏ ‏مالا‏ ‏أكثر،(‏كما‏ ‏ذكرنا‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏عن‏ ‏بعض‏ ‏الحرفيين‏ ‏المعتدلين‏) ‏أو‏ ‏مثل‏ ‏بعض‏ ‏الفنانين‏ ‏الذين‏ ‏يرتبط‏ ‏تألقهم‏ ‏بجرعة‏ ‏ما‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المخدر‏ ‏أو‏ ‏ذاك،‏ ثم‏ ‏تفلت‏ ‏منهم‏ ‏الحسابات‏ ‏وتزيد‏ ‏الجرعة، ونحن نميز حتى فى التطبيق بين هذه التجارة (المكسب) المتضمن فى عملية الإدمان، وبين التجارة الواقعية التى يمارسها تجار المواد المخدرة، وهم الأخطر على غيرهم أكثر مما هم فى خطر أنفسهم.

الفائدة والتطبيق

فى حالة: المدمن المهرج المطيـِّباتى ‏يتجه العلاج إلى ‏توعية‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏المدمن‏ ‏الذى يتصور أنه يكسب من لعبة الإدمان ‏ ‏بلغة‏ ‏التجارة النفعية، ‏حتى ‏يتبين‏ ‏فى ‏المدى ‏القريب‏ ‏أوالبعيد‏ ‏أن‏ ‏الحسبة‏ ‏قد‏ ‏خرجت‏ ‏من‏ ‏المكسب‏ ‏إلى ‏الخسارة، ‏وأنه‏ ‏بدراسة‏ ‏الجدوى (‏بمنطق‏ ‏تجارى ‏بحت‏) ‏سوف‏ ‏يخسر‏ ‏إن‏ْ ‏آجلا‏ ‏أو‏ ‏عاجلا‏.‏

لكن‏ الوضع  يختلف ‏مع‏ ‏‏التاجر‏ ‏الذى يتخذ التجارة فى هذه المواد ‏ ‏حرفة لأكل العيش والإثراء، ‏يختلف فى ‏التعامل‏ ‏المباشر‏ ‏معه‏ (‏لعلاجه‏) ‏وكذا‏ ‏فى ‏الحذر من ‏تأثيره‏ ‏على ‏الباقين، ‏أو‏ ‏فى ‏المتابعة‏ ‏بعد‏ ‏الخروج‏. ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏متغيرا‏ ‏شديدا‏ ‏يدخل‏ ‏فى ‏الحساب، ‏فيصبح‏ ‏التساؤل‏ ‏عن‏ ‏معنى ‏الإدمان، ‏وعن‏ ‏دلالات‏ ‏الظاهرة‏..‏إلخ‏ ‏يصبح‏ ‏تجاوزا‏ ‏للواقع الحاصل، ذلك أن‏ ‏المسألة‏ ‏عند مثل هذا التاجر قد تكون قد بدأت ‏بمثابة “‏أكل‏ ‏عيش”، ‏ثم‏ ‏تمادت‏ ‏إلى ‏الإثراء‏ ‏غير‏ ‏المشروع، ‏بما‏ ‏يصاحبه‏ ‏من‏ ‏توتر‏ ‏وتوجس‏ ‏واحتياطات‏ ‏إلخ، ‏ثم‏ ‏لعله‏ ‏قد‏ ‏تورط‏ ‏فى ‏تخفيف‏ ‏توتره، فتعاطى أكثر، فتمادى أكثر، فأدمن أخطر، حتى يمكن الافتراض أحيـانـا أن قبوله العلاج – إن فعل – قد يكون ضمن حسابات تكتيكات تجارته!!!…إلخ

وغالبا لا‏ ‏يصلح‏ ‏مع‏ ‏هذا‏ ‏المدمن‏ ‏ترجمة‏ ‏أعراضه‏ ‏إلى ‏لغة‏ ‏الثورة‏ ‏أو‏ ‏الاحتجاج‏ ‏أو‏ ‏ما‏ ‏أشبه، ‏كما‏ ‏لا تصلح‏ – عادة – ‏محاولة‏ ‏الارتفاع‏ ‏به‏ ‏إلى ‏مستوى ‏آخر‏ ‏من‏ ‏اللذة‏ ‏أو‏ ‏الإشباع، ‏ولا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يراعى ‏أن‏ ‏وجوده‏ ‏فى ‏أى ‏مجتمع‏ ‏به‏ ‏مدمنين‏ ‏يمثل‏ ‏خطرا‏ ‏حقيقيا‏ ‏عليهم‏ ‏وعلى ‏مسيرة‏ ‏علاجهم، ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏نحاول‏ ‏معه‏ ‏اتخاذ‏ ‏ما‏ ‏يكفى ‏من‏ ‏الإجراءات‏ ‏لمنع‏ ‏الأضرار‏ ‏المحتملة‏.‏

‏12- ‏المدمن‏ ‏الإمـَّعـَة‏

الإمعة‏ ‏هو‏ ‏تابع‏ ، ‏ذو‏ ‏شخصية‏ ‏من‏ ‏نوع‏ ‏الشخصية‏ ‏”السلبية”‏ ‏أو‏ “‏غير‏ ‏الكفء”، ‏وهو‏ ‏يدمن‏ ‏لأنه‏ ‏لا‏ ‏يمتلك‏ ‏درجة‏ ‏كافية‏ ‏من‏ ‏التفرد‏ ‏تحدد‏ ‏ذاته، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏يفتقر‏ ‏إلى ‏اتخاذ‏ ‏الموقف‏ ‏الإرادى ‏الذى ‏يجعله‏ ‏يقول‏ “‏لا”، ‏وهو‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يقولها‏ (‏لا‏) ‏فى ‏البداية‏ ‏ولا‏ ‏مع‏ ‏الاستمرار‏، ‏هذا‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ، ‏ولكن‏ ‏بمجرد‏ ‏أن‏ ‏تبدأ‏ ‏الكيمياء‏ الإدمانية  ‏فى ‏عملها‏; ‏فإن‏ ‏عامل‏ ‏الاعتماد‏ ‏الفسيولوجى الإمراضى ‏يجعله‏ ‏يتمادى ‏فى ‏تثبيت‏ ‏الحلقة‏ ‏المفرغة‏ ‏للاحتياج، ‏فيضاف‏ ‏إلحاح‏ ‏خلايا الجسد، ‏إلى ‏ضعف‏ ‏الشخصية‏ ‏الاعتمادية، ‏وتتصاعد‏ ‏المضاعفات‏ ‏ويصبح‏ ‏مدمنا‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏يتبع‏ ‏مدمنا‏ ‏آخر، ‏فهو‏ ‏قد‏ ‏صار‏ ‏يتبع‏ ‏فى ‏النهاية‏: ‏نداء‏ ‏المخدر‏.‏

الفائدة والتطبيق:

إن المدمن‏ ‏الإمعة‏ ‏فى ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏يتبع‏ ‏التعليمات‏، ‏فهو‏ “‏يسمع‏ ‏الكلام‏ ‏كما‏ ‏يقال”، ‏وينفذه‏ ‏وهو‏ ‏بذلك‏ ‏يفعل‏ ‏مثل‏ ‏التلميذ‏ ‏المطيع‏ ‏فى ‏الفصل، ‏فتكون‏ ‏استجابته‏ ‏الحقيقية‏ ‏أقل‏ ‏من‏ ‏ظاهر‏ ‏تكيفه‏ ‏وطواعية‏ ‏سلوكه، ‏وبالتالى ‏فإننا‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نفرح‏ ‏بـ‏ “‏سماعِهِ‏ ‏الكلام”، ‏بل‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نقلل‏ ‏من‏ ‏إعطائه‏ ‏التعليمات‏ ‏المباشـرة، ‏ثم‏ ‏إننا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نعطيه‏ ‏فرصة‏ ‏القيادة‏ ‏بين‏ ‏الحين‏ ‏والحين، ‏وكذلك‏ ‏فرصا‏ ‏للعمل‏ ‏التلقائى، ‏وفرصا‏ ‏للتفكير‏ ‏الذاتى، ‏وهو‏ ‏أمر‏ ‏صعب‏ ‏لكنه‏ ‏ممكن‏.

‏13- ‏المدمن‏ ‏المتقمـِّص‏

‏ المدمن ‏المتقمص‏ ‏ليس‏ ‏إمعة، ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يقلد‏ ‏ولا‏ ‏يتبع الآخرين‏ ‏شعوريا‏ ‏على ‏الأقل، ‏(وهو‏ ‏يسمى ‏أحيانا‏: “شخصية‏ ‏كأن”)(7)  ‏وهو‏ ‏اسم‏ ‏غير‏ ‏مألوف‏ ‏فى ‏العربية‏ ‏ـ‏ ‏رغم‏ ‏شيوع‏ ‏صفاته‏.

‏ ‏هذا النوع من الشخصيات‏ ‏يصف‏ ‏نوعا‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏التماهى مع الآخرين، ‏إن المدمن الــ “كأن” أو “المتقمص” لا‏ ‏يتصف‏ ‏بأنه‏ ‏مطيع‏ ‏أو‏ ‏سلبى مثل إلامّعة، ‏بل‏ ‏يتصف‏ ‏بقدرته‏ ‏الفائقة‏ ‏على ‏أن‏ ‏يتقمص‏ ‏المجتمع‏ ‏الذى ‏يوجد‏ ‏فيه، ‏حتى ‏يلغى ‏نفسه‏ ‏تماما، ‏يتم‏ ‏هذا‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يقصد، ‏ودون‏ ‏أن‏ ‏يتظاهر، ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏أحيانا‏ ‏ـ‏ ‏من‏ ‏فرط‏ ‏التقمص‏ ‏ـ‏ ‏يسبق‏ ‏من‏ ‏يتقمصه، ‏فهو‏ ‏يصبح‏ ‏أكثر‏ ‏تهريجا‏ ‏فى ‏مجتمع‏ ‏المهرجين، ‏وأكثر‏ ‏تقوى ‏فى ‏مجتمع‏ ‏المتدينين‏ ‏وهكذا، ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏يتصرف‏ ‏مثلما‏ ‏يفعل‏ ‏من‏ ‏حوله‏ ‏بشكل‏ ‏كفء‏ ‏تماما، ‏حتى ‏ربما‏ ‏يقود‏ ‏الثلة‏ ‏التى ‏ينتمى ‏إليها‏ ‏لبعض‏ ‏الوقت، ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أنه‏ ‏يفتقر‏ ‏إلى ‏التلقائية‏ ‏حين‏ ‏ينفرد بنفسه، ‏فهو‏ ‏بالتعبير‏ ‏الشائع‏ “‏ملكىّ ‏أكثرمن‏ ‏الملك”، “‏ومع‏ ‏المدمنين” ‏هو‏ ‏مدمن‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ أكبر مدمن‏ فيهم”، ‏وهو قد‏ ‏يعتبر‏ ‏هذا‏ ‏شطارة‏ ‏يفخر‏ ‏بها‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏.‏

الفائدة والتطبيق:

إن هذا‏ ‏النوع‏ ‏خَفِىّ عادة ‏إلا‏ ‏على ‏ذى ‏خبرة من المعالجين، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يُكتشف‏ ‏إلا‏ ‏بعد‏ ‏فترة‏ ‏من‏ ‏التتبع‏ ‏والعلاج والمعاشرة‏. إن هذا‏ ‏المدمن‏ ‏المتقمص قد‏ ‏يمارس‏ ‏فى ‏المجتمع‏ ‏العلاجى – دون قصد – دور “معالج‏ ‏جاهز” ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏المعالج‏ ‏نفسه‏، ‏إذا تقمَّـصَ المعِالج وهو‏ ‏لا‏ ‏يسمع‏ ‏الكلام‏ ‏مثل‏ ‏الإمـّـعة، ‏وإنما‏ ‏هو سرعان‏ ‏ما‏ ‏يلتقط‏ ‏روح‏ ‏المجتمع العلاجى‏ ‏وتوجُّهِهِ‏ ‏بشكل‏ ‏سريع‏ ‏وواضح، ‏ثم‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏يتكلم‏ ‏لغته، (‏لغة‏ ‏المجتمع‏ ‏العلاجى‏) ‏ويحذق‏ ‏طقوسه، ‏فيؤديها‏ ‏بكفاءة ظاهرية‏ ‏تجعله‏ ‏يبدو‏ ‏معالجا‏ ‏محترفا، ‏لكن‏ ‏المعالج‏ ‏الخبير‏ (‏القائد‏) ‏لا‏ ‏يلبث‏ ‏أن‏ ‏يرصد‏ ‏تقمصه، ‏فيدرك‏ ‏أنه‏ ‏مثل‏ ‏الكوب‏ ‏الذى ‏يتلون‏ ‏بلون‏ ‏ما‏ ‏يوضع‏ ‏فيه، ‏وبالتالى ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏نتوقع‏ ‏ ‏ ‏أن‏ ‏الأرجح أن هذا‏ ‏المدمن‏ ‏المتقمص‏ ‏ ‏سوف‏ ‏يتلون‏ ‏باللون‏ ‏الذى ‏يصادفه‏ ‏فور‏ ‏خروجه، ‏ما‏ ‏لم‏ تعالجَ‏َ ‏هذه‏ ‏الخاصية‏ ‏جذريا‏. ‏وعلاج‏ ‏هذا‏ ‏المدمن‏ ‏المتقمص‏ ‏صعب فعْلاً، ‏ونقطة‏ ‏البداية‏ ‏هى ‏ألا‏ ‏نصفق‏ ‏لقيامه‏ ‏بدور‏ ‏المعالج‏ ‏كثيرا‏ ‏مهما‏ ‏لَمَعَ‏ ‏أو‏ ‏ساعد‏، ‏صحيح‏ ‏أنه‏ ‏يستحيل‏ ‏رفضه‏ ‏على ‏طول‏ ‏الخط، ‏لكن‏ ‏الصحيح‏ ‏أيضا‏ ‏هو‏ ‏ضرورة‏ ‏منعه‏ ‏من‏ ‏التمادى ‏فى ‏لعبة‏ ‏تقمص المعالج‏ ‏هذه‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏فى ذلك بعض ملامح إيجابية.

‏14- ‏المدمن (سابقا 1) “المتعافى‏‏”

هذه تسمية خاطئة من حيث المبدأ، لأنه لا يصح بداهة أن تظل صفة المدمن لاصقة بأحدهم حتى لو تعافى نهائيا، إلا أنه ثبت أن بعض الذين يتعافون تماما تصل بصيرتهم بنجاحهم فى المرور بهذه التجربة إلى أن يفخروا بها حتى يسرهم – لا يعيبهم– أن يحتفظوا بلفط مدمن سابق أو متعاف، ويؤكد هذه النتيجة الإيجابية أنه قد ثبت أن بعض هؤلاء قد يصبحون أكثر إيجابية وفاعلية وصحة مما كانوا عليه حتى قبل أن يتورطوا  فى الإدمان، إن هذه الملاحظة – برغم واقعيتها – إلا أنها بداهة ليست مبررا لخوض التجربة فهذه الفئة قليلة عادة.

الفائدة والتطبيق

إن المتعافين من الإدمان يتزايدون ويتكاتفون لمنع النكسة والحفاظ على إيجابيات العلاج، وقد تبين فائدة هذه التجمعات فى تنظيمهم المسمى “المدمنون المجهولون” N.A).

وقد ثبت أن بعض هؤلاء المتعافين يتمتعون بكفاءات خاصة فى سائر مجالات العمل التى لا تقتصر على احتمال إسهامهم فى برامج علاجية (أنظر النوع التالى) ذلك أن بعض المؤسسات قد تنتبه إلى تميزهم بعد التعافى عن أقرانهم العاديين الذين لم يمروا بخبرة الإدمان. وهذه حقائق واقعية، لكنها لا ينبغى أن تصبح مجالا للتشجيع على خوض التجربة طبعا.

15- المدمن (سابقا 2) “المعالِج”

يتفرع من هذه الفئة السابقة بعض أفرادها الذين يجدون فى خبرتهم ما يمكن أن يفيد غيرهم “إسأل مجرب”، ويتم تدريبهم بشكل منتظم حتى يكتسبوا مهارة العلاج بما يسمح لهم بالمشاركة فى العلاج كأفراد معالجين فى فريق العلاج الفعلى، وعادة ما تساهم خبرتهم فى نتائج جيدة ضمن الفريق وحسب البرنامج الموضوع.

الفائدة والتطبيق

كثير من هؤلاء المدمنين أصبح معالجا كفئا ضمن فريقه، ربما أكثر من المعالجين التقليديين خاصة المهتمين بالتنظير أكثر من التدريب تحت إشراف، وهذا يفتح أبواب الأمل للجميع أكثر فأكثر.

16- المدمن المبدع المتعافى

إن خبرة الإدمان بكل سلبياتها – كما أشرنا – ، تحرك فى الفرد طبقات أخرى من الوعى بحيث يكون أحد مظاهر إيجابيات التعافى هى اكتساب موقف ناقد مبدع بدءاً بنقد حياته السابقة شخصياً، وقد يضيف هذا المدمن إنتاجا إبداعيا متميزا فى أى صورة من تشكيلات الإبداع، من أول انتاج عمل مبدع، إلى المشاركة فى تغيير اجتماعى نوعى جيد، مرورا بتسهيل إبداع نفسِه نموًّا !!.

 إن هذا لا يعنى – كما أشرنا سابقا – أن هناك علاقة إيجابية مباشرة بين الإدمان والإبداع، وإنما هى مجرد فرصة عند قلة من الناقهين والمتعافين تشير إلى بعض إيجابيات العلاج الجيد والجوهرى.

الفائدة والتطبيق

يمكن أن نعتبر المدمن الذى يأخذ فرصة العلاج الحقيقى الأنسب مشروع مبدعٍ بشكل أو بآخر، شريطة أن نوسع مفهوم الإبداع كما ذكرنا.

*****

الفصل الثانى

تقمص المدمن (للتعرف عليه)

أولاً: بالعربية الفصحى!

 الفصل الثانى 2

تمهيد:

الدعوة إلى التقمص هى ما سوف نسميه فى هذه المقدمة “المُوَاجَدَة”، وهو مصطلح أعمق وأشمل صكّـه ابنى وزميلى د.إيهاب الخراط، وفرحتُ به جدًّا لعلاقتى بكل ما هو “وجدان” بما فى ذلك العقل الوجدانى وكل ما أشرت إليه فى تقديمى للإدراك والوجدان فى كتابى الإلكترونى على حلقات(8)

مقدمة:

إن المُواجَدة (9) غير الشفقة (10) ، والمواجدة العلاجية هى من أهم – إن لم تكن أهم – العوامل الضرورية لتحقيق نتائج ناجحة، وهى نوع من التقمص شبه الواعى الذى يكسر الحواجز، فيتواصل كل من يشارك فى المجتمع العلاجى من خلال هذه الظاهرة الجارية تلقائيا بمجرد أننا نمثل جماعة من الأحياء معا.  إن تنشيط هذه العملية – الطبيعية-  لتقوم بدور علاجى أنفع يحتاج تدريباً، وصبراً، ونضجاً من جانب المشارك، وكل هذا لا يتحقق إلا بالممارسة الطويلة تحت إشراف وفى إطار حوار متجدد وتعلم من الصواب ومن الخطأ على حد سواء.

الناظر إلى السماء، وهو يتابع سربا من العصافير معا وهو يتماوج مع الطبيعة قبيل طلوع الشمس، أو وهو يتأمل قطيعا من الأغنام عائدا إلى حظيرته قرب المغرب، لا بد أن يصله هذا النوع من التواصل الذى يقوم به كل أفراد هذه الأنواع دون حاجة إلى تدريب، وصبر وتقمص شعورى مثل الذى ننصح بهما الآن.

 يبدو أن المأزق المعاصر للإنسان الحالى يعلن أنه تنازل عن مزايا كثيرة كان يتمتع بها أجداده، ومازالوا!! وذلك فى مقابل تنمية عقله المنطقى وتنشيط نصف مخه الكروى الأيسر (الطاغى عموما) على حساب كل ما عدا ذلك من أمخاخ. لكن يظل تاريخ الحياة ثروة لمن يحتويه ويستوعبه، فتظل أسراب الحمام تحوم داخلنا، وقطيع الفيلة يتدافع فينا، وكل ما علينا أن نفعله لكى نمارس “المواجدة” هو أن نـُنـَشـِّط هذا الجانب جنبا إلى جنب مع ما حققناه من لغة وذكاء وحسابات وكلام، فهذا حقنا، وذاك أيضا. إن المشارك فى المجتمع العلاجي  الذى يمارس “المُوَاجَدة العلاجية” بموضوعية وإخلاص سوف تتاح له فرصة شخصية لحفز نموِّه هو نفسه باستمرار، وبالتالى لتعميق خبرته، وشحذ مهارته وهو يحقق نتائج أفضل وأفضل.

هذا الفصل يقدم تصورا لخطوات الإدمان المحتملة من أول التوسط حتى بداية رحلة التعافى بشكل  متدرج، وهو تصور استلهمتـُه من الواقع الكلينيكى، أقدمه على لسان (وعى) المدمن وليس المعالج ولا الكاتب (أنا) طول الوقت.

تنبيه لازم: من البداية نحذِّر من أن نتصور أن ما سيـُذكر هنا هو حقيقة ما يجرى عند كل مدمن مثله مثل غيره.

 إنها مجرد عينة متخـَيـَّـلـَة من واقع محتمل، لا أكثر.

سوف نعرض هذا المسار باللغة العربية الفصحى – أولا –  للالتزام العلمى والقومى، لكن التقمص الحقيقى لا يتم باللغة الفصحى، لذلك سوف نعيد نفس مراحل التقمص فى الفصل التالى باللهجة العامية المصرية(11).

نؤكد مرة أخرى‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏مراحل‏ ‏واحدة‏ ‏يسير فيها ‏ ‏كل‏ ‏مدمن‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏،

كما‏ ‏أنها‏ ‏ليست‏، ‏ولاينبغى أن‏ ‏تكون‏ ‏نفس‏ ‏المراحل‏ “‏كل‏ ‏مرة‏”.‏

ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فنحن‏ ‏نورد‏ ‏هنا‏ ‏ما‏ ‏أمكن‏ ‏استشعاره‏ فتخيله تقمُّصا:  ‏أثناء‏ ‏الممارسة‏ ‏مما‏ ‏قد‏ ‏يغلب‏ ‏على المدمن، لعلنا نتعرف عليه من همس داخله أكثر، نتعرف عليه‏ ‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يتورط‏،  ‏ثم‏ ‏فور‏ ‏انتباهه‏ ‏إلى حجم‏ ‏الورطة‏،  ثم‏ ‏وهو‏ ‏يسلك‏ ‏الطريق‏ ‏محاورا‏ ‏نفسه‏، ‏معظم‏ ‏الوقت‏، مستغرقا‏ ‏فى المراحل‏ ‏الواحدة‏ ‏تلو‏ ‏الأخرى:  ‏من‏ ‏الرؤية‏ ‏إلى الحيرة‏ ‏إلى اليأس‏ ‏إلى التردد‏ ‏إلى المحاولة‏ ‏إلى الفعل، إلى الصبر إلى التعافى.

ونحن نأمل‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏ أن‏ ‏يقترب‏ ‏الأطباء‏ ‏والمعالجون‏ ‏من‏ وعى ‏الذين‏ ‏يساعدونهم على مختلف المستويات‏، ‏فلا‏ ‏يكتفون‏ ‏بلافتات‏ ‏التشخيص‏، ‏وعـدّ ‏أعراض‏ ‏التسمم‏، ‏وأعراض‏ ‏السحب‏، ‏ومؤشرات‏ ‏الخطر، ثم إن هذه المحاولة يمكن أن‏ ‏تضيف‏ ‏بعدا‏ ‏ثقافيا‏ ‏محليا قد يسهم فى تحديد ‏ ‏بعض‏ ‏الملامح‏ ‏الخاصة‏ ‏التى ينبغى أن‏ ‏توضع‏ ‏فى الاعتبار‏ ‏أثناء‏ ‏الوقاية‏، ‏والعلاج‏، ‏ومنع‏ ‏النكسة‏. ‏

ثم نبدأ المواجدة إبداعا ونحن نقرأ داخل المدمن مرحلة مرحلة:

1- بدايات الورطة ثم التمادى(12)

خواطر  ما قبل البداية

‏- ‏أنا‏ ‏لست‏ ‏مثل‏ ‏غيرى، ‏أنا‏ ‏قادر‏ ‏أن‏ ‏أذوق‏، ‏ثم‏ ‏أفكر‏، ‏ثم‏ ‏أقرر‏ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏أعرف‏ ‏قوة‏ ‏إرادتى، ‏وهى ‏ستحمينى ‏مما‏ ‏آلــوا‏ ‏إليه‏، ‏هم‏ ‏ضعاف‏، ‏أما‏ ‏أنا‏ …‏

‏- ‏أنا‏ ‏لست‏ ‏أقل‏ ‏ممَّن‏ ‏جربوها‏ ‏وتوقــفـوا‏ …..‏

‏- ‏أنا‏ ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أعرف‏ ‏بنفسى، ‏وما‏ ‏المانع‏ ‏أن‏ ‏أذوق‏، ‏ألا‏ ‏يقولون‏ ‏إنَ‏ “‏من‏ ‏ذاق‏ ‏عرف‏”‏

‏- ‏أنا‏ ‏قدْرها‏ ‏ونصف

‏- يقولون “‏لا‏ ‏يقع‏ ‏إلا‏ ‏الشاطر‏”، ‏تحذيرٌ‏ ‏فى ‏محله‏، ‏سوف‏ ‏أثبت‏ ‏عكسه‏، ‏أنا‏ ‏شاطر‏ ‏ولـن‏ ‏أقع

‏…..

‏- ‏فعلا،‏ ‏الحكاية‏ ‏تستأهل التجربة‏، ‏طيب‏،…. ‏مرة‏ ‏أخرى، ‏لأتأكد

‏- ‏لست‏ُُ ‏راغبا‏ ‏جدا‏، ‏لكن‏ ‏لا‏ ‏مانع‏ ‏من‏ ‏تكرارها‏، ‏لعل‏ ‏فى ‏الإعادة‏ ‏مفاجأة‏ ‏أخرى

‏- ‏ليست‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏مثل‏ ‏المرة‏ ‏السابقة‏، ‏الاختلاف‏ ‏يثيرنى، ‏والنتيجة‏ ‏آمـِنة‏ ‏حتى ‏الآن.

‏- ‏فى ‏المسألة‏ ‏سرٌ‏ ‏آخر‏، ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أستكشفه‏، ‏إننى ‏أحصل‏ ‏على ‏شعور‏ ‏غريب‏، ‏أريده

‏- ‏أصبحتُ‏ ‏أتعاطى ‏دون‏ ‏تفكير‏، ‏مع انى أستطيع أن أتراجع فى اى وقت .. “يعنى”!!

‏- ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏آخذ‏ ‏ما‏ ‏آخذ‏ ‏بأى طريقة.

‏- ‏ليست‏ ‏الظروف‏ ‏دائما‏ ‏مواتية‏، ‏ولا‏ ‏الإمكانيات‏، ‏سوف‏ ‏أجد‏ ‏حلا

‏- ‏ليست‏ ‏هذه‏ ‏سرقة‏، ‏هذا‏ ‏حقى، ‏سوف‏ ‏أُرْجِع‏ ‏ما‏ ‏آخذه‏ ‏لأصحابه‏ ‏حين‏ ‏أستطيع

‏- ‏لا‏ ‏أحد‏ ‏يفهمنى، ‏سوف‏ ‏أستغنى ‏عنهم‏ ‏بما‏ ‏أتعاطى‏، ‏لكن‏ …‏

‏- ‏نعم‏ ‏لكن‏..،‏”‏لكن”‏ ‏ ‏ونصف‏، ‏….

‏- ‏لا‏ ‏أعرف‏ “‏لكن”‏ ‏ماذا!!

محاولات ‏الإفاقة‏ ‏بعد‏ ‏الإحاطة‏ ‏بالوحل‏ ‏اللزج‏ ‏

‏- ‏يا‏ ‏خبر‏، ‏أين‏ ‏أنا‏ ‏الآن‏؟

‏- ‏كيف‏ ‏وصلتُ‏ ‏إلى ‏هذا‏‏؟

‏- ‏سوف‏ ‏أتوقـَّـف‏ “‏الآن”‏، ‏لا‏..‏”غدا‏”، ‏لا‏…. “‏الآن”‏، ‏لا‏ ‏”بعد‏ ‏غد”…

‏- ‏الأمر‏ ‏يحتاج‏ ‏لإرادة‏ ‏من‏ ‏حديد‏ ‏وأنا‏ ‏أملكها‏,…، (‏يعنى‏!)‏

‏- ‏أتوقــف‏ ‏عن‏ ‏ماذا‏‏؟‏ ‏أنا‏ ‏لستُ‏ ‏مدمنا‏، ‏أنا‏ ‏لست‏ ‏مثلهم‏ ‏

‏- ‏لا‏ ..‏نعم‏…‏لا‏ ..‏نعم‏، لا ..لا.. لا.. نعم!

– ‏أنا‏ ‏مثلهم‏، ‏أنا‏ ‏فى ‏القاع‏، ‏أنا‏ ‏تعبان‏، ‏الثمن‏ ‏باهظ (‏إخص‏)، لم أكن أعرف‏.

‏2-‏ فعلا‏: ‏أنا‏ ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أكف‏، ‏لكن‏ ‏كيف؟ ‏ ‏كان‏ ‏غيرى ‏أشطر

(لكنى ‏سأحاول‏، ‏وحدى، ‏سرًّا‏، ‏جدا)

‏- ‏توقفتُ‏ ‏يوما ‏(‏أو‏ ‏بعض‏ ‏يوم‏ ‏أو‏ ‏يومين‏)، ‏ولم‏ ‏أحتمل‏، ‏سآخذ‏ ‏جرعة‏ ‏أقل‏، ‏نعم‏، ‏لا‏، ‏نعم، ….نعم، ……لا ، …نعم .، لا….لا….نعـــــــــم !

‏- ‏ياه‏ ‏التوقف‏ ‏سهل‏، ‏توقفتُ‏ ‏يوما‏ ‏كاملا‏، ‏هكذا‏، ‏نعم‏، ‏هكذا‏، ‏ما‏ ‏أبسط‏ ‏العملية‏، ‏وما‏ ‏أقوى ‏إرادتى

‏-‏ مادام‏ ‏الأمر‏ ‏كذلك‏، ‏سآخذ‏، ‏ثم‏ ‏أتوقف‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏ ‏

-لا‏ ‏لن‏ ‏آخذ‏ ‏ولا‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏، ‏أنا‏ ‏أعرف‏ ‏أن‏ ‏المرَّة‏ ‏تجرّ‏ ‏المرَّة‏ ‏التى ‏بعدها‏، ‏ولذلك‏..ولكن‏…

‏-‏ سوف‏ ‏آخذ‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏لأثبت‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏يزعمونه‏ ‏خطأ‏ ‏فى ‏خطأ‏، ‏وأننى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏آخذ‏ ‏مرة‏ ‏واحدة‏ ‏إذا‏ ‏قررت‏ ‏ذلك‏ ‏

‏ – ‏‏ ‏المرة‏ ‏الواحدة‏ قد تكفى، لا هى ‏لا‏ ‏تكفى،…. ‏لا‏ ‏تكفى ‏ماذا‏‏؟‏ ‏إلى ‏أين‏ ‏أنا‏ ‏ذاهب؟

‏- ‏إنها‏ ‏تكفى ‏لاختبار‏ ‏إرادتى، ‏لتكن‏ ‏مرتين‏، ‏لا‏..لا : ‏مرتين‏ ‏كثير‏، ‏لتكن‏ ‏مرة‏ ‏واحدة مرة‏، ‏يالله‏!!‏

‏- ‏أنا‏ ‏أضحك‏ ‏على ‏نفسى

‏- ‏كدت‏ ‏أصدق‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏فائدة‏‏؟‏ ‏كما‏ ‏يقولون

‏- ‏وحتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏هناك‏ ‏فائدة‏، ‏فالمسألة‏ ‏لا‏ ‏تسير‏ ‏كما‏ ‏ينبغى، ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏عندى ‏إمكانيات‏ ‏الاستمرار

‏- ‏لكنها‏ ‏ستـُـفرج‏، (‏لست‏ ‏أدرى ‏كيف‏؟‏)‏

‏- ‏الله‏ ‏سبحانه‏ ‏سيفرجها

‏- ‏‏ ‏لماذا‏ ‏يفرجها‏ ‏وأنا‏ ‏علاقتى ‏به‏ ‏ضعيفة‏ ‏جدا‏ ‏جدا‏، ‏أنا‏ ‏لم‏ ‏أوفه‏ ‏حقه‏ ‏أبدا

‏- ‏ولكنى ‏أشعر‏ ‏أنه‏ ‏قريب‏ ‏منى، ‏حتى ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أخطائى‏.‏

‏- ‏كيف‏ ‏أتوقف‏ ‏عن‏ ‏تصور‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏مرة‏ ‏هى ‏آخر‏ ‏مرة

‏- ‏أنا‏ ‏لا‏ ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أعترف‏ ‏أننى ‏مستمر‏ ‏مع‏ ‏سبق‏ ‏الإصرار‏ ‏والترصد‏ ‏

‏- ‏ربما ‏يكون ‏أحسن‏، ‏لو أننى‏ ‏اعترفت‏ ‏بورطتى ‏وعجزى

‏- ‏يانهارا‏ ‏أسودا‏، ‏ ‏هذا‏ يعنى ‏الاستسلام‏ ‏

‏- ‏غصبا‏ ‏عنى، ‏هل‏ ‏أنا‏ ‏الذى ‏كنت‏ ‏أدّعى ‏الإرادة‏ ‏التى‏..، التى ..، التى: ماذا؟!  ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏التأجيل‏ ‏يفيد

‏- ‏أصدِّق‏ ‏الآن‏ ‏أننى ‏لا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أفعلها‏ ‏وحدى

‏- ‏هل‏ ‏من‏ ‏مساعد‏‏؟

‏- ‏ربنا‏!!، ‏

‏- ‏يارب‏ ‏هيئ‏ ‏لى ‏أسباب‏ ‏المساعدة‏، ‏يارب

‏3-‏ يوجد‏ ‏من‏ ‏هم‏ ‏مثلى، ‏ومن‏ ‏هم‏ ‏ألعن‏ ‏منى،

(كما‏ ‏يوجد‏ ‏من‏ ‏يعرفون‏ ‏الحكاية‏ ‏من‏ ‏أولها‏ ‏لآخرها)

‏- ‏طيب‏، ‏ماذا‏ ‏أفعل‏ ‏الآن‏‏؟

‏- ‏أفعل‏ ‏مثلما‏ ‏يفعلون‏، ‏أذهب‏، ‏وأغسل‏ ‏دمى، ‏وأنظـِّف‏ ‏جسمى ‏وعقلى، ‏وأبدأ‏ ‏من‏ ‏جديد‏ ‏

‏- ‏والله‏ ‏أنا‏ ‏لا‏ ‏أفهم‏ ‏حكاية‏ ‏غسيل‏ ‏الدم‏ ‏هذه،‏ ‏هل‏ ‏دمى أصبح قذراً يحتاج إلى منظـِّفات؟

‏- ‏النصب‏ ‏فى ‏كل‏ ‏مكان‏، ‏سمعتُ‏ ‏كثيرا‏ ‏عن‏ ‏مَنْ‏ ‏غسل‏ ‏دمه‏، ‏ثم‏ ‏خاب‏ ‏خيبة‏ ‏بليغة

‏- ‏أعرف‏ ‏أن‏ ‏الطب‏ ‏طب‏، ‏والعلاج‏ ‏اتفاق‏، ‏والطريق‏ ‏طويل‏ ‏

‏- ‏ليكن ..!، ‏آخذ‏ ‏فرصة

‏- ‏يارب‏ ‏لا‏ ‏توقعـْنى ‏فى ‏يد‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏يرحم‏، ‏يارب‏ ‏يكون‏ ‏عنده‏ ‏ضمير

‏- ‏لكن ‏ ‏المسألة‏ ‏تعتمد‏ ‏علىّ  ‏أنا‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏والنهاية‏

‏- ‏‏ ‏لا‏‏بد‏ ‏من سَتْرِهِ أيضا‏ ‏ ‏ (‏سوف‏ ‏يستر‏، ‏أنا‏ ‏محتاج‏ ‏رحمته‏)‏

‏- ‏هل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يقف‏ ‏ربنا‏ ‏معى ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يعرفه‏ ‏عنى‏؟

‏- ‏لماذا‏ ‏لا؟ قادر على كل شىء، رحمن رحيم

‏- ‏أنا‏ ‏لم‏ ‏أضر‏ّّ ‏أحدا‏ ‏فى ‏حياتى ‏

‏- ‏بل‏ ‏أضررت‏ ‏بنفسى، ‏وبالذين‏ ‏خلـّفونى، وبكثير ممن وثقوا فىّ، ‏الله‏ ‏يخرب‏ ‏بيتى

‏- ‏يخربه‏ ‏زيادة‏ ‏عمّا أنا فيه‏‏؟‏ ‏لا‏ ‏يا‏ ‏عم‏، ‏ربنا‏ ‏يلطف‏ ‏بعبيده

‏- ‏أنا‏ ‏مستعد‏ ‏لأى ‏شئ‏، ‏سوف‏ ‏أذهب‏ ‏للناس‏ ‏الذين‏ ‏هم‏ ‏مثلى، ‏والذين‏ ‏هم‏ ‏ليسوا‏ ‏مثلي

‏- ‏سوف‏ ‏أستشير‏ ‏الذين‏ ‏يعرفرن‏ ‏الطريق‏ ‏

‏- ‏لا‏‏بد‏ ‏أنهم‏ ‏نجحوا‏، ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏إشاعة‏ ‏أنه‏ “‏لا‏ ‏فائدة‏” ‏يشيعها‏ ‏الفاشلون‏ ‏لتبرير‏ ‏فشلهم

‏- ‏غير‏ ‏معقول‏ ‏أن‏ ‏واحدا‏ ‏محترما‏ ‏ثم‏ ‏تاب‏ ‏الله‏ ‏عليه‏، ‏يجلس‏ ‏فى ‏المحافل‏ ‏العامة‏ ‏يقول‏ “‏أنا‏ ‏كنت‏ ‏مدمنا‏ ‏وتبت”‏

‏- ‏ولِمَ لا؟‏ ‏

 – ‏أنا ‏أتصور‏ ‏أننى ‏لو‏ ‏نجحت‏، ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أفعلها‏، يمكن ‏أن‏ ‏أعلن‏ ‏على ‏الملأ‏ ‏أننى ‏كنت‏ ‏مدمنا‏ ‏وسيطرتُ‏ ‏على ‏كل‏ ‏ضعف‏، ‏وكل‏ ‏خيبة‏، ‏وكل‏ ‏غرور‏، ‏وكل‏ ‏وهم‏، ‏وكل‏ ‏زيف‏ ‏

‏- ‏واحدة‏ ‏واحدة‏، ‏مسألة‏ “‏كل‏، ‏كل‏، ‏كل‏، ‏كل‏” ‏هذه‏ ‏زيادة‏ ‏حبتين‏ .‏

 

‏4-‏ بدأت‏ ‏أفيق‏، ‏أين‏ ‏كنت‏ ‏أنا‏؟

(‏لماذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏كله‏ ‏هكذا‏، ‏ياه‏!!‏)

‏- ‏الحسبة‏ ‏صعبة‏ ‏

‏- ‏ألا‏ ‏توجد‏ ‏إفاقة‏ ‏أخف‏ ‏من‏ ‏ذلك‏!؟

‏- ‏ظهرى ‏يؤلمنى، ‏وعندى ‏سعال، وإسهال.

‏- ‏أريد‏ ‏مسكـّـنا‏ ‏لـلظهر‏، ‏ودواء‏ ‏للسعال

‏- ‏لا‏ ‏يا‏ ‏شيخ‏!‏؟؟‏ ‏ابتدأنا‏؟

‏- ‏لا‏ ‏والله‏ ‏العظيم‏، ‏ ‏الألم‏ ‏سوف‏ ‏يقتلنى

‏- ‏يعنى، ‏ليس‏ ‏تماما‏ ‏هكذا،

‏- ‏مرحلة‏ ‏صعبة‏ ‏تماما‏، ‏لكنها‏ ‏مرَّت‏ ‏أسهل‏ ‏مما‏ ‏كنت‏ ‏أتصور

‏- ‏الآلام‏ ‏كانت‏ ‏شديدة‏، ‏لكن‏ ‏المسألة‏ ‏لم‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏الدرجة‏ ‏التى ‏كانت‏ ‏فى ‏خيالى

‏- ‏يبدو‏ ‏أننى ‏كنت‏ ‏أبالغ‏ ‏فى ‏تصوُّر‏ ‏الآلام‏ ‏حتى ‏أبرر‏ ‏استمرارى ‏

‏- ‏أتصور‏ ‏أننى ‏لن‏ ‏أعود‏ ‏ثانية‏ ‏أبدا‏ ‏

‏- ‏بودى ‏أن‏ ‏أعرف‏ ‏لماذا ‏ ‏تورَّطتُ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏التورط

‏- ‏غصبا‏ ‏عنى!!؟ ‏”يعنى!” ‏

‏- ‏ليس‏ ‏غصبا‏ ‏تماما‏، ‏أنا‏ ‏مسئول‏ ‏طبعا‏ ‏

‏- ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أتراجع

‏- ‏ليس‏ ‏كذلك‏ ‏بالضبط‏، ‏المسألة‏ ‏أخذت‏ ‏مسارا‏ ‏متصاعدا‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏أدرى، ‏سُرِقْتُ‏ ‏

‏- ‏‏ ‏كانت‏ ‏خبرة‏ ‏صعبة، فعلا صعبة جدا، لكن الذى سهـَّلها أنه لم يكن هناك طريق آخر.

‏- ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏أواصل‏ ‏لأجد‏ ‏بديلا‏ ‏مناسبا‏ ‏

‏- ‏وإن‏ ‏لم‏ ‏أجد‏، ‏ماذا‏ ‏أفعل‏‏؟

‏ – ‏لا،‏ ‏سوف‏ ‏أجد بديلا أو حتى إن لم أجد‏، معظم ‏الناس‏ ‏كل الناس تقريبا‏ ‏تعيش‏ ‏دون أن تضرب، ودون‏ ‏بدائل‏

‏- ‏ظروفى ‏غير‏ ‏ظروفهم‏ ‏

‏- ‏لا‏ ‏يا‏ ‏شيخ!!

‏- “‏الدماغ‏” ‏كان‏ ‏لذيذا‏، ‏لكن‏ ‏الفوقان‏ ‏أجمل‏، ‏لكنه‏ ‏مؤلم‏ (‏هل‏ ‏يوجد‏ ‏ألم‏ ‏جميل‏؟‏)‏

‏- ‏أريد أن أقول نعم، لماذا نسميه ألماً إذن.

‏- ‏ألم‏ ‏ما‏‏ذا‏ ‏يا‏ ‏عمى؟ ‏هل سيستمر حتى ‏أنتصر؟؟ لا أجد ألفاظ كافية لوصف ما أنا فيه‏ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏مسئول‏!!‏؟‏ ‏طيب‏، ‏لكن‏ ‏مـَنْ‏ ‏حولى ‏مسئولون‏ ‏أيضا‏ ‏

‏- ‏لكننى ‏أنا‏ ‏الذى ‏أدفع‏ ‏الثمن‏ ‏

‏- ‏وهم‏ ‏أيضا‏ ‏دفــَّعـْتـُهم‏ ‏الثمن‏ ‏

‏- ‏ثم‏ ‏ماذا‏ ‏بعد‏؟ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏فرحان‏، ‏لكننى ‏لست‏ ‏مطمئنا‏ ‏تماما

‏- ‏يبدوأن‏ ‏الطريق‏ ‏طويل‏، ‏والبدائل‏ ‏غير‏ ‏واضحة

‏- ‏لكن‏ ‏ربنا‏ ‏موجود‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏، هؤلاء ‏الناس‏ ‏خيرون‏ ‏وطيبون‏ ‏وأقوياء‏ ‏

‏- ‏وأنا‏ ‏كذلك‏ ‏قوى ‏وطيب‏، ‏لِمَ لاَ؟

‏ 5-‏ ‏الإفاقة‏ ‏ثقيلة‏ ‏الظل‏، ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أنها‏ ‏رائعة‏، ‏

(أين‏ ‏أيام‏”‏الدماغ‏” ‏والذى ‏منه؟‏)

‏- ‏أتذكر‏ ‏بحنين‏ ‏بالغ‏ ‏رحلات‏ ‏الغياب‏ ‏والدهشة‏، ‏لمَّا‏ ‏كنت‏ ‏أضرب وأتناسى ‏ ‏

‏-‏ أشعر‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏توقفت، ‏بعد‏ ‏الإفاقة‏، ‏أننى ‏مثل‏ ‏القطار‏ ‏الذى ‏توقف‏ ‏فى ‏محطة‏، ‏ولا‏ ‏يستطيع‏ ‏السير من جديد.

‏- ‏أبحث‏ ‏عن‏ ‏فرحة‏ ‏الإفاقة‏ ‏الأولى، ‏ولا‏ ‏أجدها‏ ‏بنفس‏ ‏النوع، لكنها تأتى بطرق مختلفة، هى هى، أو كأنها هى.

‏- ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏أشارك‏ ‏فى ‏كل‏ ‏النشاطات‏، ‏وأحفظها‏ ‏حتى ‏أعملها‏ ‏وحدى ‏فيما‏ ‏بعد

‏- ‏أحيانا‏ ‏أقول‏ ‏لم‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏المعاناة‏، ‏كان‏‏ ‏زمان‏ الطريق ‏أسهل‏ ‏وأسرع،‏ ‏برشامتين‏ ‏أو‏ ‏إبرة

‏- ‏ما‏ ‏أنا‏ ‏فيه‏ ‏بعد‏ ‏الإفاقة‏ ‏هو‏ ‏جميل‏ ‏أيضا‏، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏جميل‏ ‏جدا‏ ‏

‏- ‏الآن‏: ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أميـِّز‏ ‏ما‏ ‏أريد‏ ‏مما‏ ‏لا‏ ‏أريد‏ ‏

‏- ‏ليس‏ ‏الأمر‏ ‏هكذا‏ ‏تماما

‏- ‏بل‏ ‏هو‏ ‏كذلك‏: ‏أنا‏ ‏لا‏ ‏أريد‏ ‏أن‏ “‏أضرب‏”، ‏أو‏ ‏أتعاطى، ‏أو‏ “‏أشرب‏” – ‏أنا‏ ‏لست‏ ‏خائفا‏ ‏- ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أحافظ‏ ‏على ‏مكاسبى، ‏وأن‏ ‏أحتفظ‏ ‏بشرفى، ‏وبهؤلاء الناس‏ ‏الطيبين‏ ‏من‏ ‏حولى

‏- ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏أياما‏ ‏للصهللة‏ ‏بل‏ ‏للغياب‏ ‏والعتامة

‏- ‏حتى ‏حين‏ ‏كانت‏ ‏تحدث‏ ‏الصهللة‏ ‏كانت‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏تختفى

‏- ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏كنت‏ ‏أندفع‏ ‏مرة‏ ‏أخرى ‏ومرات‏ ‏إليها‏، ‏هكذا‏ ‏والسلام‏ ‏

‏- ‏كانت‏ ‏تـُنسينى ‏وحدتى

‏- ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏تحل‏ ‏شيئا‏، ‏كانت‏ ‏إنكارا‏ ‏وليست‏ ‏حلا

‏- ‏الآن‏، ‏أنا‏ ‏لم‏ ‏أكسر‏ ‏وحدتى، لكننى أحاول، ‏كلنا ‏ ‏نحاول‏ ‏”معا‏” ‏طول‏ ‏الوقت‏.‏

‏- ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏الحكاية‏: “‏المحاولة”‏، ‏و”طول‏ ‏النـفس”‏، ‏”طول‏ ‏الوقت”‏ ‏

‏- ‏الله‏،!! ‏يبدو‏ ‏أننى ‏صرت‏ُُ ‏أفهم‏، ‏ربنا‏ ‏يستر‏.‏

‏6- ‏لكننى ‏أتعلم‏ ‏أشياء‏ ‏كثيرة‏،

(‏ويبدو‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏أحلى: يارب سهّل ! كيف‏‏؟!)

‏- ‏المسألة‏ ‏تتسحب‏ ‏إلىّ  ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏الثانية‏، ‏كما‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏تسحب‏ ‏المخدر‏ ‏إلى ‏جسمى، ‏هاهى ‏معارف‏ ‏جديدة‏، ‏ورؤى ‏جديدة‏ ‏تتسحب‏ ‏إلى ‏وعيى

‏- ‏أنا‏ ‏خائف‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الجديد‏، ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أنه‏ ‏رائع

‏- ‏كنت‏ ‏أحسب‏ ‏أننى ‏غير‏ ‏قابل‏ ‏للتعلم‏، ‏ولكننى ‏أتعلم‏ ‏أشياءَ‏ ‏جديدة‏ ‏فعلا

‏- ‏تعلمت‏ ‏أن‏ ‏التأجيل‏ ‏ليس‏ ‏ضعفا‏، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏شجاعة‏ ‏وشرف‏ ‏الوثوق‏ ‏بتحقيق‏ ‏ما‏ ‏أريد‏ ‏مهما‏ ‏تأخر

‏- ‏وأن‏ ‏الناس‏ ‏للناس‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏بدوا‏ ‏غير‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏بعيد‏.‏

‏- ‏وأن‏ ‏الناس‏ ‏الأخيار‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏أتصور

‏- ‏وأن‏ ‏النصاحة‏ ‏ليست‏ ‏فى ‏أن‏ ‏أضحك‏ ‏على ‏الناس‏، ‏ولكن‏ ‏فى ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏فاهما فاعلاً لنفسى وللناس، وسط الناس.

‏- ‏أنا ‏حين‏ ‏أضحك‏ ‏على ‏الناس‏، ‏أنا‏ ‏أضحك‏ ‏على ‏نفسى أكثر ‏فى ‏أغلب‏ ‏الأحوال

‏- ‏يبدو أنه‏  ‏يوجد دائما‏ ‏طريق‏ ‏آخر‏، ‏وآخر‏، ‏وآخر

‏- ‏ ‏المحاولة‏ ‏‏ممكنة‏ ‏فى ‏كل‏ ‏المجالات‏ ‏

‏- ‏إن‏ ‏فشل‏ ‏أى ‏محاولة‏ ‏ليس‏ ‏نهاية‏ ‏المطاف

‏- ‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أساعد‏ ‏غيرى ‏حتى ‏وأنا‏ ‏فى ‏منتهى ‏الضعف

‏- ‏اكتشفت أن‏ ‏قدراتى ‏أكبر‏ ‏مما‏ ‏كنت‏ ‏أتصور‏ ‏عشرات‏ ‏المرات

‏- ‏كما أن‏ ‏الوقت‏ ‏ضرورى ‏كى ‏ترسى ‏الخبرات‏ ‏الجديدة‏ ‏وتنصقل‏ ‏

ولكن

‏- ‏إلى ‏متى ‏يستمر‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏أتصور‏ ‏أننى ‏تعلمتـُهُ

‏- ‏إننى ‏أقول‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏من‏ ‏فرط‏ ‏ما‏ ‏أنا‏ ‏مشتاق‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏حقيقة‏ ‏

‏- ‏فهل‏ ‏هو‏ ‏حقيقة‏ ‏فعلا‏؟

‏- ‏طبعا‏ ‏حقيقة‏، ‏وإلا‏ ‏فمن‏ ‏أين‏ ‏أتيت‏ ‏بكل‏ ‏هذه‏ ‏الرؤى ‏الواضحة‏!! ‏

‏- ‏هل‏ ‏يا‏ ‏ترى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يصبح‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏تعلمته‏ ‏طبيعة‏ ‏جديدة‏؟!

‏- ‏ولم‏ ‏لا؟‏ ‏يمكن‏ ‏ونصف

‏- ‏لا‏‏بد‏ ‏من‏ ‏الوقت‏، الصبر، الوقت، الناس، الصبر‏ ‏جميل،.. ومُـرّ.

‏- ‏ليست‏ ‏المسألة‏ ‏صبرا‏، ‏بل‏ ‏عنادا‏ ‏عاملا‏ ‏يملأ‏ ‏الوقت‏ ‏بالجديد‏ ‏

‏- ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏

‏7- ‏ربنا‏ ‏موجود‏، ‏وهؤلاء الناس‏ ‏طيبون‏، ‏

(على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أننى ‏مشتاق‏ “‏للذى ‏منه‏”!!‏)

‏- ‏طبعا‏ ‏ربنا‏ ‏موجود‏، ‏هو‏ ‏الذى ‏ستر‏، ‏وهو‏ ‏الذى ‏أتاح‏ ‏لى ‏هذه‏ ‏الفرصة

– ‏الناس‏ ‏طيبون‏، ‏ولكن‏ ‏طيبة‏ ‏مختلفة‏، ‏هم‏ ‏طيبون‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏ظاهرهم‏ ‏شرٌّ‏ ‏كله‏ ‏

-‏ عرفت‏ ‏أن‏ ‏الناس‏ ‏طيبون‏ ‏حين‏ ‏بحثت‏ ‏عن‏ ‏طيبتى ‏شخصيا‏، ‏يبدو‏ ‏أننى ‏طيب‏ ‏ولا‏ ‏أعرف

– ‏الطيبة‏ ‏أنواع‏، ‏وأنا‏ ‏أقصد‏ ‏طيبة‏ ‏جديدة‏، ‏وليست‏ ‏أى ‏طيبة‏ ‏والسلام‏ ‏

‏- ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏طيبا‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏أخطأت‏، ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏أنت‏ ‏طيباً‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏تساعدنى ‏كما‏ ‏أحب

‏- ‏الطيبة‏ ‏لا‏ ‏تكون‏ ‏طيبة‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏صدرت‏ ‏من‏ ‏واحد‏ ‏قوى

‏- ‏هل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏طيبا‏، ‏وقويا‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏‏؟

‏- ‏لم‏ ‏لا‏؟‏ ‏من‏ ‏الذى ‏قال‏ ‏إن‏ ‏الضعف‏ ‏هو من شروط الطيبة‏‏؟

‏- ‏لكن‏ ‏المسألة‏ ‏صعبة‏، ‏صعبة‏ ‏جدا‏،.. ‏فعلا

‏- ‏الطيبة‏ ‏الضعيفة‏ ‏هى ‏التى ‏جعلتهم‏ ‏يضحكون‏ ‏علىّ، ‏ويجرُّون‏ ‏رجلي

‏- ‏الطيبة‏ ‏التى ‏أتعلمها‏ ‏الآن‏ ‏هى ‏من‏ ‏نوع‏ ‏آخر‏ ‏لا‏ ‏أستطيع‏ ‏وصفه

‏- ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أبلغ‏ ‏الناس‏ ‏ما‏ ‏يطرأ‏ ‏على ‏تفكيرى ‏من‏ ‏تغيير‏ ‏ولا‏ ‏أستطيع‏ ‏التعبير‏ ‏الدقيق

‏- ‏أما‏ ‏ربنا‏، ‏فإنى ‏أكتشف‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏أنه‏ ‏أقرب‏ ‏مما‏ ‏كنت‏ ‏أتصور

‏- ‏حين‏ ‏أشعر‏ ‏بالضعف‏، ‏فإنه‏ ‏يصبح‏ ‏أقرب‏ ‏إلىّ

‏- ‏حين‏ ‏أشعر‏ ‏بالقوة‏ ‏فإنى ‏أصبح‏ ‏أقرب‏ ‏إليه

‏- ‏أحيانا‏ ‏أهم‏ ‏أن‏ ‏أحدد‏ ‏طلباتى ‏منه‏، ‏حتى ‏نوع‏ ‏الطعام‏ ‏الذى ‏أريده‏، ‏ثم‏ ‏أبتسم‏ ‏دون‏ ‏خجل‏، ‏إذ‏ ‏يبدو‏ ‏أننى ‏ساعتها‏ ‏أكون‏ ‏واثقا‏ ‏منه‏، ‏ومن‏ ‏رضاه‏ ‏عنى ‏بشكل‏ ‏يسمح‏ ‏بذلك‏ ‏

‏- ‏ربنا‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يغلــِّف‏ ‏الطيبة‏ ‏بالقوة‏ (‏الرحمن‏ ‏الرحيم‏ ‏القوى ‏الجبار)‏

‏- ‏لا‏، ‏لن‏ ‏يعمل‏ ‏ذلك‏ ‏نيابة عنى‏، ربنا لا يساعد إلا الذى يساعد نفسه، ‏هو – سبحانه -‏ ‏سوف‏ ‏يهدينى ‏أن‏ ‏أجد‏ ‏الطريق‏ ‏إليه‏ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏واثق‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏

‏- ‏فعلا‏ ‏واثق‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏

ولكن‏: ‏

‏- ‏إن‏ ‏كان‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏كذلك‏، ‏فلماذا‏ ‏يراودنى ‏الحنين‏ ‏للذى ‏منه!؟

‏-‏ لأننى ‏بنى ‏آدم‏، ‏ولأن‏ ‏المسألة‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏وقت‏ ‏

‏- ‏ياه‏، وقت!! ‏من‏ ‏جديد‏: ‏وقت‏‏؟‏ ‏وقت‏؟‏ ‏

– ماشى.‏

‏8- ‏فهمت‏ ‏أن‏ ‏الضعف‏ ‏ليس‏ ‏عيبا‏،

(العيب‏ ‏هو‏ ‏الاستسهال)‏ ‏

‏- ‏طبعا‏ ‏كل‏ ‏إنسان‏ ‏ضعيف‏، ‏ويظهر‏ ‏أن‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الضعف‏ ‏ومن‏ ‏الاعتراف‏ ‏بالضعف‏ ‏دفعنى ‏إلى ‏أن‏ ‏أنكر‏ ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏بأن‏ ‏أغيـِّـب‏ ‏نفسى ‏عن‏ ‏وعيى ‏بهما‏، ‏وبنفسى، ‏وهذه‏ ‏هى ‏النتيجة

‏- ‏كيف‏ ‏أشعر‏ ‏بقوة‏ ‏ما‏ ‏بمجرد‏ ‏أن‏ ‏أعترف‏ ‏بضعفى؟‏ ‏النفس‏ ‏الإنسانية‏ ‏أمرها‏ ‏عجيب

‏-‏ أخشى ‏أن‏ ‏أتمادى، ‏وأتغـنى ‏بضعفى، ‏وهكذا‏ ‏أجد‏ ‏المبرر‏ ‏الذى ‏يبرر‏ ‏ما‏ ‏فعلت

– ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏العيب‏ ‏ليس‏ ‏فى ‏الضعف‏ ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏السبب‏، ‏فما‏ ‏هو‏ ‏العيب‏ ‏إذن‏؟

‏- ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏العيب‏ ‏فىّ ‏أنا‏، ‏أظنه‏ ‏الكسل‏، ‏ليس‏ ‏بمعنى ‏عدم‏ ‏الحركة‏، ‏ولكنه‏ ‏الاستعجال‏، ‏أريد‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏فورا‏ ‏بأقل‏ ‏جهد‏، ‏نعم‏ ‏لعله‏ ‏كذلك‏ ‏

‏- ‏لكننى ‏لم‏ ‏أستطع‏،‏ ‏إنّ‏ ‏ما‏ كنت ‏أتعاطاه‏ كان ‏يريحنى بسرعة، ‏لكن‏ ‏أية‏ ‏راحة‏‏؟‏ ‏وإلى ‏متى‏؟

‏- ‏لست‏ ‏أعرف‏ ‏ما‏ ‏المراد‏ ‏بالكسل‏ ‏بالضبط‏، ‏أنا‏ كثيرا ما ‏أعمل‏ ‏حتى ‏وأنا‏ ‏أتعاطى ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏زادت‏ ‏المسألة‏ ‏أو‏ ‏لاحظنى ‏أحد‏، ‏أين‏ ‏الكسل‏ ‏إذن؟‏ ‏لعلى ‏أكسل‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏أفكر‏، ‏من‏ ‏أن‏ ‏أبحث.

‏- ‏حتى ‏الراحة‏ ‏التى كنت ‏أحصل‏ ‏عليها‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المخدر‏، ‏يخيل‏ ‏إلى ‏أنها‏ ‏ليست‏ ‏راحة‏، كنت ‏أشعر‏ ‏معها‏ ‏أننى ‏منهك‏ ‏من‏ ‏الداخل‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏شعرت‏ ‏بنشاط‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏

‏-‏ إذن: ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏ضعيفا‏ ‏إلى ‏هذا‏ ‏الحد‏ ‏ولكنى ‏كسول‏، ‏فماذا‏ ‏أعمل؟‏ ‏أليس‏ ‏من‏ ‏حقى ‏أن‏ ‏أرتاح؟

‏- ‏الراحة‏ ‏الحقيقية‏ ‏هى ‏الشعور‏ ‏بالرضا‏ ‏بعد‏ ‏العرق‏، ‏بعد‏ ‏أداء‏ ‏الواجب‏، ‏بعد‏ ‏الأخذ‏ ‏والعطاء‏ ‏مع‏ ‏الناس

‏- ‏يا تـُرى ‏هل‏ ‏يقبلنى ‏أحد‏ٌٌ ‏هكذا‏؟

‏- ‏المسألة‏ ‏ليست‏ ‏فى ‏أن‏ ‏يقبلنى ‏أحد‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏يقبلنى، ‏المسألة‏ ‏تبدأ‏ ‏بأن‏ ‏أقبل‏ أنا ‏نفسى ‏أولا

‏- ‏ولكن‏ ‏كيف‏ ‏أقبل‏ ‏نفسى ‏وأنا‏ ‏مرفوض‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏ومن‏ ‏أهلى ‏ومن‏ ‏الكل‏ ‏إلا‏ ‏من‏ ‏الشلة

‏- ‏من‏ ‏قال‏ ‏ذلك‏، ‏أشعر‏ ‏أن‏ ‏المعالجين ‏وكذا ‏ ‏الناس‏ ‏المتورطين‏ ‏أمثالى ‏من الذين‏ ‏يحاولون‏ ‏التخلص‏ مثلى أشعر ‏أنهم‏ ‏معى، ‏إنهم‏ ‏لبعضهم‏، ‏لى، ‏لا‏ ‏أحد‏ ‏يشترط‏ ‏الكثير‏ ‏على ‏الآخر‏ ‏إلا‏ ‏استمرار‏ ‏المحاولة‏ ‏

‏- ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏فى ‏النشاط‏ ‏لذة‏ ‏أخرى، كما‏ ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏ضد‏ ‏الكسل‏,‏

‏- ‏لعله‏ ‏ضد‏ ‏الموت‏!!

– فعلاً، هو ضد الموت.

‏9- ‏من‏ ‏حقنا أن نعتمد على بعضنا

(الهم‏ ‏واحد‏، ‏والناس‏ ‏للناس‏، ‏وبالناس)

‏- ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏بدأت‏ ‏حين‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏لى ‏أحد‏ ‏بالمعنى ‏الحقيقى، ‏لم يكن أحد يرانى، لم يكن أحد يسمعنى، و ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أرفض‏، ‏كنت‏ ‏وحيدا‏، ‏ثم‏ ‏كان‏ ‏ما‏ ‏كان.

‏- ‏لا‏ ‏أقصد‏ ‏أننى ‏كنت‏ ‏مسلوب‏ ‏الإرادة‏ ‏وأنهم‏ ‏كانوا‏ ‏السبب‏، ‏لقد‏ ‏كنت‏ ‏واعيا‏ ‏تماما‏ ‏لِمَا‏ ‏أفعل‏، ‏مسئولا‏ ‏عنه‏، ‏القضية‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏لى ‏أحد‏ ‏غيرهم‏، ‏فكان‏ ‏ما‏ ‏كان.

‏- ‏أخذوا‏ ‏يكررون‏ ‏لى ‏أنى ‏حر‏، ‏‏وأنى ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏أكسر‏ ‏الحواجز‏، وأن هذا حقى، ‏حتى ‏صدّقت‏، ‏فهل‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏الحرية‏‏؟

‏- ‏والآن‏ ‏يحذرونى ‏من‏ ‏أن‏ ‏أسلـِّم‏ ‏تماما‏ ‏للمعالجين ‏خشية‏ ‏أن‏ ‏يغسلوا ‏ ‏مخى، ‏يا‏ ‏ليتهم ‏يستطيعون  ‏مثلما‏ ‏غسلوا ‏ ‏دمى.

‏- ‏هذا‏ ‏الإلحاح‏ ‏الذى ‏خدعنى ‏فى ‏صورة‏ ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏ذاتى ‏حتى ‏بحثت‏ ‏عنها‏ ‏بأقذر‏ ‏الوسائل‏، ‏أحيانا‏ ‏كنت‏ ‏أتصور‏ ‏أننى ‏سأعثر‏ ‏على ‏نفسى ‏على رصيف‏ ‏هذه‏ ‏الموادّ‏ ‏اللعينة‏، ‏وهل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏أجد‏ ‏نفسى ‏إلا‏ ‏من‏ ‏خلالكم‏، ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الناس‏.‏

‏- ‏ ‏تعلمت‏ُُ ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏واحدا‏ ‏من‏ ‏الناس‏، ‏واحدا‏ ‏وسط‏ ‏الناس‏، ‏لا‏ ‏ناس‏ ‏إلا‏ ‏بالناس‏، ‏نحن‏ ‏لبعضنا‏، ‏هكذا‏ ‏خلقنا‏ ‏الله‏.‏

‏- ‏ماذا‏ ‏يضيرنا‏ ‏إذا‏ ‏اجتمعنا‏ ‏إلى ‏بعضنا‏ ‏البعض‏ ‏بهدف‏ ‏التعاون‏ ‏على ‏تحمل‏ ‏مسئوليتنا‏ ‏حتى ‏تزول‏ ‏هذه‏ ‏الغـُمـَّة‏، ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏تلمنا‏ ‏الشرور‏ ‏وغياب‏ ‏الوعى

‏- ‏حقيقة‏ ‏أن‏ ‏ظروف‏ ‏اجتماعنا‏ ‏صعبة‏، ‏وهى ‏ليست‏ دائما “‏فرصة‏ ‏سعيدة”‏ ‏كما‏ ‏يقولون‏، لكننا ‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نجعلها‏ ‏سعيدة‏ ‏بما‏ ‏نعمله‏ ‏سويا‏ ‏بإذن‏ ‏الله‏.‏

‏- ‏ولكن‏ ‏ماذا‏ ‏نعمل‏ ‏سويا‏ ‏بالضبط‏، ‏لا‏ ‏ليس‏ ‏لعبا‏ ‏ولا‏ ‏هى ‏رياضة‏ ‏أو‏ ‏ناد‏، ‏هناك‏ ‏شىء‏ ‏أعمق‏ ‏وأطيب‏، ‏اجتماعنا‏ ‏هو‏ ‏المهم‏ ‏ثم‏ ‏يأتى ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏ما‏ ‏نعمله‏، ‏آه‏، ‏نحن‏ ‏مجتمع‏ ‏يحاول‏، ‏وسوف‏ ‏ننجح‏ ‏حتما‏ ‏

‏- ‏يمكن‏ ‏لى ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏نفسى، ‏وسط‏ ‏الناس‏ ‏وليس‏ ‏بعيدا‏ ‏عنهم‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏السبيل‏ ‏الوحيد‏ ‏على ‏ما‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏أجد‏ ‏نفسى ‏هو‏ ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏واحدا‏ ‏من‏ ‏الناس

‏- ‏يخيل‏ ‏إلى ‏أنه‏ ‏بهذه‏ ‏الطريقة‏ ‏لن‏ ‏أحتاج‏ ‏سموما ‏أو‏ ‏كيمياء‏ ‏أكتشف‏ ‏بها‏ ‏ذاتى ‏أو‏ ‏أبرر‏ ‏بها‏ ‏احتياجى ‏

‏- ‏الناس‏ ‏تحل‏ ‏محل‏ ‏هذه‏ ‏السموم‏، ‏الناس‏ ‏دواء الناس،…… ياه لم أكن أعرف.‏ ‏

‏ – ‏الله سبحانه ‏سيبارك‏ ‏كل‏ ‏هذا‏، ‏ ‏الله‏ ‏معنا‏، ‏وهو‏ ‏لا‏ ‏يتخلى ‏إلا‏ ‏عن مَنْ‏ ‏تخلى ‏عن‏ ‏نفسه‏.‏

10- مجرد ‏التوقف‏ ‏لا‏ ‏يُعتمد‏ ‏عليه‏،

‏”المهم‏ ‏هو‏ ‏التغير”‏ ‏

‏- ‏نتوقف‏؟‏ ‏أتوقف‏، ‏ما‏ ‏أسهل‏ ‏ذلك‏، ‏توقفتُ‏ ‏من‏ ‏قبل‏، ‏وتوقف‏ ‏غيرى ‏مئات‏ ‏المرات‏، ‏ثم‏ ‏ماذا‏؟

 ‏العقدة‏ ‏فى حكاية :”‏ثم‏ ‏ماذا‏” ‏هذه‏

‏- ‏طبعا‏ ‏لا‏‏بد‏ ‏أنه‏ ‏يوجد‏ ‏فى العلاج سبـُلٌ‏ ‏أفضل‏ ‏

‏-‏ لا‏ ‏أقصد‏ ‏أدوية‏ ‏بالضرورة‏، ‏أقصد‏ ‏أى ‏شئ‏ ‏أفضل

‏- ‏الدواء‏ ‏البديل‏ ‏لا‏ ‏بأس‏ ‏به‏، ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يعطينى ‏نفس‏ ‏المفعول‏ ‏الذى ‏كنت‏ ‏أطلبه‏ ‏من‏ ‏الأشياء‏ ‏الأخرى، الأشياء ‏الأخرى: ‏أخرى جدا

‏-‏ أريد‏ ‏أن‏ ‏أصيح‏ ‏بملء‏ ‏صوتى ‏ليسمعنى ‏كل‏ ‏الناس‏، ‏وبالذات‏ ‏أهلى ‏وأنا‏ ‏أصرخ‏: ‏إن‏ ‏مسألة‏ ‏العلاج‏ ‏جَدٌّ‏ ‏جدا‏، ‏ليست‏ ‏مجرد‏ ‏نصائح‏.‏

‏- ‏ولكن‏ ‏هل‏ ‏هناك‏ ‏بديل‏ ‏حقا‏‏؟

‏- ‏أليس‏ ‏الله‏ ‏مع من يحاول‏!؟ ‏إذن‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هناك‏ ‏بديل‏، ‏المسألة ليست فى أن آخذ‏ ‏مادة‏ كذا ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏مادة‏ كيت، ‏وإنما‏ ‏أقصد‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏كل‏ ‏هذا‏، ‏أعنى ‏موقفا‏ ‏بديلا‏، ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏الحياة‏ ‏غير‏ ‏ما‏ ‏كنت‏ ‏فيه‏، ‏بصراحة‏: ‏لا‏ ‏يسعفنى ‏التعبير‏.‏

‏- ‏أسأل‏ ‏نفسى: ‏لماذا‏ ‏كنت‏ ‏أتعاطى ‏ما‏ ‏آخده‏!؟ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أنه‏ كان ‏يعمل‏ ‏لى ‏شيئا‏ ‏ما‏، ‏شيئا‏ ‏مهما‏ ‏كان‏ ‏سيئا‏ ‏فأنا‏ كنت ‏أريده‏ ‏

‏- ‏هل‏ ‏يوجد‏ ‏بديل‏ ‏يعطينى “‏هذا‏ ‏الشئ‏”، “‏هذا‏ ‏التأثير‏”، ‏ولا‏ ‏يضرنى ‏

‏- ‏ لا‏ ‏أقصد‏ ‏دواء‏ ‏طبياً أو حبوباً معينة ‏

‏- ‏هناك‏ ‏خطأ‏ ‏فى ‏المسألة‏، ‏أليس‏ ‏الأصح‏ ‏أن‏ ‏أقول‏ ‏إن‏ ‏الخطأ‏ ‏يقع‏ ‏أساسا‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الذى ‏أطلبه:‏ ‏حبوب بدل الحبوب؟

‏- ‏يعنى ‏الطلب‏ ‏من‏ ‏أساسه‏ ‏مبنى ‏على ‏خطأ‏‏، ‏فكيف‏ ‏أريد‏ ‏بديلا‏ ‏يحقق‏ ‏هذا الخطأ‏‏؟؟

‏- ‏إذن‏ ‏نرجع‏ ‏نتساءل‏، ‏ما‏ ‏الذى ‏جعلنى ‏أحتاجه فعلا يغننيى من هذا أو ذاك

‏- ‏يبدو أنه لابد‏ ‏أن‏ ‏أتغير‏ ‏حتى ‏لا‏ ‏أحتاج‏ ‏هذا‏ ‏أو ذاك‏ ‏

‏- ‏وهل‏ ‏يتغير أحد‏‏؟؟!!

‏- ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أرجع‏ ‏كما‏ ‏كنت‏ ‏قبل‏ ‏التعاطى

‏- ‏لكن‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏أيضا‏ ‏ليست‏ ‏هكذا‏، ‏فما‏ ‏قبل‏ ‏التعاطى ‏هو‏ ‏الذى ‏جعلنى ‏أتعاطى

‏-‏ إذن‏ ‏أرجع‏ ‏كما‏ ‏خلقنى ‏الله‏ ‏

‏- ‏وهل‏ ‏هذا‏ ‏ممكن‏؟

‏-  ‏طبعا‏ ‏ممكن،

‏- ‏ألم‏ ‏يخلقنا‏ ‏الله‏ ‏أصحاء‏ ‏متناسقين‏‏؟‏ ‏ثم‏ ‏إننا‏ ‏نحن‏ ‏الذين‏ ‏عبثنا‏ ‏بخلقته‏ ‏فكان‏ ‏ما‏ ‏كان‏، ‏و‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نزيل‏ ‏آثار‏ ‏عدواننا‏ ‏على ‏حلاوتنا‏ ‏التى ‏خلقنا‏ ‏بها‏. ‏يا‏ ‏رب‏ ‏عونك‏ ‏لكل‏ ‏مجتهد

– هل معنى ذلك أن أرجع أحسن مما كنت قبل التعاطى؟

– يجوز

– يارب

– سوف يحدث، – أنا وشطارتى – معهم.

‏11- ‏لا  ‏لن‏ ‏أعود‏ ‏أبدا‏، ‏ وحتى ‏لو‏ ‏عدت‏‏:

(لقد‏ ‏عرفت‏ ‏طريقى، ‏أنا‏ ‏لست‏ ‏وحدى)

‏- ‏أنا‏ ‏خائف‏ ‏تماما‏، ‏خائف‏ ‏حقيقةً‏، ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏أطمئن‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الخوف‏ ‏سوف‏ ‏يحمينى، ‏بل‏ ‏إننى ‏أتصور‏ ‏أنه‏ ‏سوف‏ ‏يزداد‏ ‏حتى ‏يدفعنى ‏نحو‏ ‏ما‏ ‏أخاف‏ ‏منه،‏ ‏متى ‏أكف‏ ‏عن‏ ‏الخوف؟ ‏ياه‏،  أ‏لهذه‏ ‏الدرجة‏ ‏يحدث‏ ‏التحايل‏؟

‏-‏ أطرد‏ ‏الخوف‏ ‏وأتوقف‏ ‏عند‏ ‏حقيقة‏ ‏بسيطة‏ ‏هى ‏أهم‏ ‏شئ‏ ‏الآن‏، ‏لقد‏ ‏توقفت‏ ‏عن‏ ‏التعاطى، ‏ولم‏ ‏أعد‏ ‏أشعر‏ ‏بحاجة‏ ‏إليه‏ ‏كما‏ ‏كنت‏، ‏ولكن‏ ‏هل‏ ‏سأرجع‏ ‏ثانية؟

‏- ‏مستحيل‏، ‏أنا‏ ‏أعيش‏ ‏خبرة‏ ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏أتصور‏ ‏أننى ‏سوف‏ ‏أحصل‏ ‏عليها‏، ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏أتصور‏ ‏أن‏ ‏يمر‏ ‏يوم‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏أضرب‏ ‏فيه‏ ‏أو‏ “‏أبرشم‏”، ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏أتصور‏ ‏أننى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏أستغنى ‏عن‏ ‏كل‏ ‏هذا؛ ‏هكذا

‏- ‏إذن‏ ‏فيم‏ ‏الخوف؟ لست‏ ‏خائفا‏، ‏لن‏ ‏أخاف‏، ‏لم‏ ‏أعد‏ ‏أخاف‏، ‏وأعدُ‏ ‏نفسى ‏أننى ‏لن‏ ‏أرجع‏ ‏أبدا‏ ‏

‏- ‏ولكن‏ ‏لماذا‏ ‏رفض‏ ‏المعالج ‏وعودى!؟ ‏وقال‏ ‏لى: ‏أريد‏ ‏”فعلا‏” ‏لا‏ ‏”وعــْدا”

‏- ‏ولماذا‏ ‏لم‏ ‏يركز‏ ‏مثل‏ ‏الآخرين‏ ‏على ‏مسألة‏ الإصرار على ‏استعمال‏ “‏الإرادة‏”؟! ‏لقد نبهنى ‏أننى ‏استعملتها‏ ‏فيما‏ ‏سبق‏ ‏بشكل متعسف، سطحى وأننى فشلت‏، ‏أذكر أنه قال‏ ‏مازحا‏، ‏أخشى ‏أن‏ ‏تقطع‏ منك ‏إرادتك‏ ‏من‏ ‏فرط‏ ‏الشَّـدّ

‏- ‏إذن‏ ‏لا‏ ‏وعود‏، ‏ولا‏ ‏إرادة‏، ‏فما‏ ‏العمل‏؟

‏- ‏أفضل‏ ‏شئ‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏أتبع‏ ‏خطوات البرنامج، وأن البرنامج يشتغل إذا أنا اشتغلتـُه

‏-‏ إذن‏ ‏لن‏ ‏أرجع‏ ‏إلى ‏التعاطى ‏مادمت أشتغل خطوات البرنامج‏

‏- ‏لا‏ ‏لا‏ ‏لا‏، دع‏ ‏ذلك‏ ‏جانبا‏، ‏هذه‏ ‏هى ‏النتيجة‏ ‏ليس‏ ‏هذا‏ ‏وقته‏، ‏المهم‏ ‏أن‏ ‏أنفذ‏ ‏ما‏ ‏اتفقنا‏ ‏عليه‏: ‏أعرق‏، أعمل، ‏أكسب‏، ‏أنتبه‏ ‏للناس‏ ‏الذين‏ ‏يحبونى، ‏والذين‏ ‏أحبهم‏، ‏وأركز‏ ‏فيما‏ ‏تعلمت‏‏، ‏

‏-‏ كل‏ ‏هذا‏ ‏ثروة‏ ‏حقيقية‏ ‏اكتشفتها‏ ‏بالعلاج‏ ‏

‏- ‏أحيانا‏ ‏أحمد‏ ‏الله‏ ‏أنى ‏تورطت هكذا: ‏ ‏لأن‏ ‏ذلك‏ ‏كان‏ ‏السبب‏ ‏فى ‏حصولى ‏على ‏كل‏ ‏هذه الخبرة

‏- ‏وحتى ‏إذا‏ ‏عدت، فقد‏ ‏عرفت‏ ‏الطريق، العلاج‏ ‏موجود‏، ‏والناس‏ الطيبون الأقوياء ‏موجودون‏، ‏وربنا‏ ‏يجمعنا لخيرنا

‏- ‏لا ..لا .. لا..! أعود ماذا وهباب ماذا!!! كله إلا هذا، الحمد‏ ‏لله‏‏.‏

‏12-‏ ‏فاض‏ ‏بى، .. ‏ولست‏ ‏أدرى ‏إلى ‏متى؟

‏- ‏من‏ ‏حقى ‏أن‏ ‏أتساءل‏ ‏إلى ‏متى؟

‏- ‏طالت‏ ‏المسألة‏ ‏حتى ‏كدت‏ ‏أتذكر أيام كنت أردد أنه‏ “‏لا‏ ‏فائدة‏”‏ وكأنى أتمنى ذلك.

‏- ‏وهل‏ ‏لى ‏بديل‏ ‏آخر‏‏؟

‏- ‏صحيح‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏أكسب‏ ‏شيئا‏ ‏ما‏، ‏لكن‏ ‏ما‏ ‏أسمعه‏ ‏عن‏ ‏الذين‏ ‏يرجعون إلى التعاطى‏ ‏يرعبني

‏- ‏التعليمات‏ ‏التعليمات‏ ‏التعليمات‏، ‏هل‏ ‏سأظل‏ ‏طول‏ ‏عمرى ‏سجين‏ ‏التعليمات‏؟

‏- ‏لكنى ‏تعودتُ‏ ‏على ‏التعليمات‏ ‏حتى ‏أصبحتْْ‏ ‏عادات‏ ‏وليست‏ ‏تعليمات‏ ‏

‏- ‏يبدو‏ ‏أننى ‏أحن‏ ‏إلى ‏القديم‏ ‏السهل‏ ‏الذى ‏يجرى ‏فى ‏الظلام

‏- ‏ولم‏ ‏لا‏؟‏ ‏ليكن‏ ‏

‏- “‏ليكن‏” ‏ماذا؟

‏- “‏ليكن‏” ماذا؟!! “ليكن  ‏الحنين”‏، ‏وليس‏ “‏ليكن‏ ‏اللعب الخبيث‏” ‏الذى ‏يجرى ‏فى ‏الظلام

‏- ‏يخيل‏ ‏إلىّ ‏أحيانا‏ ‏أننى ‏لن‏ ‏أعود‏ ‏أبدا‏، ‏لا‏ ‏ليس‏ ‏كذلك‏ ‏بالضبط‏، ‏الواقع‏ ‏أننى ‏كرهت‏ ‏هذا‏ ‏الشىء‏، ‏لا‏ ‏ليس‏ ‏تماما‏، ‏لقد‏ ‏كرهتُ ‏الشخص‏ ‏الذى ‏كان‏ ‏يتناول‏ ‏هذا‏ ‏الشئ‏ ‏لم‏ ‏يكن‏”‏أنا‏”، لم أكن أنا، ‏غَيَّرَتْنى ‏هذه‏ ‏السموم‏ ‏حتى ‏كرهت‏ ‏نفسى‏

‏- ‏أحسن‏ ‏شئ ‏تعلمته‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏التجربة‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏أحب‏ ‏نفسى

‏- ‏ليست‏ ‏أنانية‏، ‏لاتستطيع‏ ‏أن‏ ‏تحب‏ ‏نفسك‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏احترمتـَها‏، ‏أنا‏ ‏أحترم‏ ‏نفسى

‏- ‏معنى ‏أن‏ ‏تحب‏ ‏نفسك‏ ‏وتحترم‏ ‏نفسك‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏تحب‏ ‏الحياة‏، ‏وتحب‏ ‏الله

‏- ‏وإذا‏ ‏نجحت‏ ‏أن‏ ‏تحب‏ ‏الله‏، ‏مثلى، ‏فكن‏ ‏على ‏ثقة‏ ‏أن‏ ‏الله‏ ‏يحبك‏ ‏، بل إنه يحبك قبل أن تحبه.

‏- ‏ياخبر‏!! ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الخير‏ ‏وأدّعى ‏أنه‏ ‏فاض‏ ‏بى، ‏فاض‏ ‏بى ‏من‏ ‏ماذا !!

‏- ‏يبدو أنى‏ ‏كنت‏ ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أبرر‏ ‏توقفي

‏- ‏وهل‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أتوقف‏ ‏أصلا‏‏؟

‏- ‏أتوقف‏ ‏عن‏ ‏ماذا؟‏ ‏عن‏ ‏الحياة‏‏؟

‏- ‏كنت‏ ‏أشعر‏ ‏قديما‏ ‏أن‏ ‏الحياة‏ ‏لا‏ ‏تساوى

– ‏ثم‏ ‏شعرت‏ ‏أنها‏ ‏تساوى ‏لكننى ‏لست‏ ‏كفئا‏ ‏لها‏

– ‏ثم‏ ‏شعرت‏ ‏أننى ‏أنا‏ ‏الذى ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أكيفها‏ ‏وأجعلها‏ ‏تساوى ‏أو‏ ‏لا‏ ‏تساوى

‏- ‏وبصراحة‏، ‏ثبت لى‏ ‏أنها‏ ‏تساوى ‏

‏- ‏فيا‏ ‏ترى ‏لماذا‏ ‏فاض‏ ‏بى ‏هكذا؟!

‏- ‏أحسن‏ ‏شئ‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏أنسى ‏أننى ‏أمارس‏ ‏شيئا‏ ‏غير‏ ‏الحياة‏، ‏وما‏ ‏التعليمات‏، ‏والوعى ‏وكل‏ ‏شئ‏ ‏طيب‏ ‏مما‏ ‏اكتسبتـه‏ ‏إلا‏ ‏جزءا‏ ‏من‏ ‏الحياة‏، ‏لا‏ ‏أكثر‏ ‏ولا‏ ‏أقل‏.‏

 

‏13- ‏لا‏، ‏”مع‏ ‏بعضنا”‏، ‏هذا‏ ‏أفضل‏ (‏طبعا‏) … ‏

‏- ‏أفكر‏ ‏أن‏ ‏أكمـِلَ‏ ‏وحدى

‏- ‏لستُ‏ ‏أعرف‏ ‏إلى ‏متى ‏سأظل‏ ‏هكذا‏ ‏مرتبطا‏ ‏بهؤلا‏ ‏ء‏ ‏الناس‏‏؟

‏- ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أشعر‏ ‏بحريتى ‏من‏ ‏جديد‏، ‏أنا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أتحمل‏ ‏مسئولية‏ ‏حريتى

‏- ‏لست‏ ‏متأكدا‏ ‏إلى ‏أى ‏مدى، ‏ولكنى ‏أشعر‏ ‏أن‏ ‏أمورا‏ ‏ما‏ ‏تدبر‏ ‏فى ‏داخلى ‏من‏ ‏ورائى ‏

‏- ‏خائف‏ ‏أنا‏ ‏من‏ ‏نفسى، ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏يتسحب‏ ‏داخلى

– هل أنا أنا؟؟ .. أم أني  شخص جديد؟

– أشعر فعلاَ أننى أرى الأشياء من جديد، وكأنى أراها لأول مرة

   – ‏أحيانا أشعر أننى لا‏ ‏أطيق‏ ‏هذا‏ ‏الاختناق‏ ‏الذى ‏يحيط‏ ‏بى ‏نتيجة‏ ‏لارتباطى ‏بهؤلاء‏ ‏الناس‏ ‏الذين‏ ‏كانوا‏ ‏مدمنين‏ ‏

‏-‏ أريد‏ ‏أن‏ ‏أنسى ‏أننى ‏كنت‏ ‏مدمنا‏ ‏فى ‏يوم‏ ‏من‏ ‏الأيام

– لكنهم اصبحوا أهلى حتى لو لم أرهم

‏- ‏يا‏ ‏تـرى ‏إلى ‏أين‏ ‏أذهب‏ ‏حتى ‏ينسى ‏الناس‏ ‏أننى ‏كنت‏ ‏مدمنا‏ ‏يوما‏ ‏ما‏؟؟

   – ‏لقد‏ ‏تعلمت‏ ‏كيف‏ ‏أتجنب‏ ‏الثلة‏ ‏القديمة‏ ‏وأنكـر‏ ‏نفسى ‏منهم‏، ‏وأريد‏ ‏أن‏ ‏أفعل‏ ‏نفس‏ ‏ذلك‏ ‏مع‏ ‏هذه‏ ‏الجماعة‏ ‏الجديدة‏، ‏قال‏ ‏ماذا‏ “‏مدمن‏ ‏سابق‏”، ‏مدمن‏ ‏متقاعد‏؟‏ ‏مدمن‏ ‏على ‏المعاش‏؟‏ ‏كفى ‏كفى ‏كفانى، ‏أخذتُ كفايتى شكرا‏!!‏

‏- ‏تساورنى رغبة أن‏ ‏أستمر‏ ‏وحدى ‏لست‏ ‏محتاجا‏ ‏إلى ‏هؤلاء‏ ‏ولا‏ ‏إلى ‏هؤلاء

‏- ‏ولكننى ‏حين‏ ‏كنت‏ ‏أشعر‏ قبل كل ذلك ‏بكل‏ ‏هذه‏ ‏الوحدة‏، ‏كنت‏ “أضرب”، ‏أتناول‏ ‏أى ‏شئ‏ ‏من‏ ‏تلك‏ ‏الأشياء

‏- ‏يا ترى ‏هل‏ ‏هذه‏ ‏الرغبة‏ ‏فى ‏الوحدة‏ ‏ومسألة‏ ‏الحرية‏ ‏هى ‏تمهيد‏ ‏لأن‏ ‏أبرر‏ ‏العودة؟

‏- ‏يا‏ ‏خبر‏!  كم هو شاطر !! الشيطان، …..، ‏ ‏الشيطان‏ ‏شاطر‏ !!!‏

‏- ‏لا‏.. ‏لا‏ ‏يمكن‏، ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏شئ‏ ‏إسمه‏ “‏وحدى‏”‏، ليست شطارة

‏- ‏كذلك‏ ‏مسألة‏ ‏الحرية‏ ‏هذه‏ ‏لن‏ ‏تخدعنى، ‏فالحرية‏ ‏تبدأ‏ ‏من‏ ‏اكتساب‏ ‏الصحة‏ ‏والقدرة‏ ‏

‏- ‏حتى ‏الأنبياء‏ ‏عليهم‏ ‏الصلاة‏ ‏والسلام‏ ‏لم‏ ‏يكونوا‏ ‏وحدهم‏ ‏كان‏ ‏لهم‏ ‏حواريون‏ ‏وصحابة‏ ‏

‏- ‏أشعر‏ ‏أننى ‏كنت‏ ‏على ‏وشك‏ ‏أن‏ ‏أفرّط‏ ‏فى ‏الكنز‏ ‏الذى ‏عثرت‏ ‏عليه‏،…. ‏وهو‏: “‏الناس‏” ‏

‏- ‏طبعا‏ ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏شيء‏ ‏إسمه‏” ‏أفعلها‏ ‏وحدى”، على الأقل ‏فى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏الذى ‏سوف‏ ‏يعمل‏ ‏كل‏ ‏شيء‏، ‏لكن‏ ‏ليس‏ ‏وحدى

‏- ‏حتى إذا‏ ‏اضطررت‏ ‏أن‏ ‏أفعلها‏ ‏وحدى ‏فسأفعلها بعد أن اتضح لى الطريق هكذا

– ‏لكن لماذا، و‏ ‏أنا‏ ‏عندى ‏زملاء‏ ‏المحنة‏، ‏وسوف‏ ‏نتكاتف‏ ‏معا‏، ‏وسوف‏ ‏نشد‏ ‏من‏ ‏يتعثر‏ ‏أو‏ ‏يقع‏ ‏

   – ‏ ‏كل‏ ‏شئ ‏وله‏ ‏شئ‏، ‏ومن‏ ‏يقع‏ ‏سوف‏ ‏يقوم‏، ‏ومن‏ ‏يمد‏ ‏يده‏ ‏ليشد‏ ‏زميله‏ ‏اليوم‏، ‏سوف‏ ‏يجد‏ ‏من‏ ‏يشده‏ ‏غدا‏، ‏إذا احتاج.

‏14- ‏ ‏لم‏ ‏أعد‏ ‏أشعر‏ ‏بالذنب‏،

 (‏لست‏ ‏مجرما‏!)‏

‏- ‏فى ‏البداية‏ ‏كنت‏ ‏أشعر‏ ‏أننى ‏غير‏ ‏مسئول‏، ‏أنى ‏غير‏ ‏مهتم‏ ‏بالأذى ‏الذى ‏يلحق‏ ‏بهم‏ ‏بسببى، ‏ولا‏ ‏بالخراب‏ ‏الذى ‏أسببه‏، ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏أهتم‏ ‏بلوم‏ ‏هذا‏، ‏أو‏ ‏عتاب‏ ‏ذاك‏.

‏- ‏حين‏ ‏ساءت‏ ‏الأحوال‏ ‏وأصبحت‏ ‏الكارثة‏ ‏فضيحة‏، ‏شعرت‏ ‏أننى ‏مجرم‏، ‏لكننى ‏كنت‏ – فى ‏قرارة‏ ‏نفسى‏- ‏أعلم‏ ‏تماما‏ ‏أننى ‏لست‏ ‏مجرما‏، ‏فعلا‏، ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏يقين‏ ‏بداخلى‏‏.

‏- ‏وخذ‏ ‏عندك‏: ‏سيلٌ‏ ‏من‏ ‏النصائح‏ ‏واللوم‏ ‏والشفقة‏، ‏وبين‏ ‏كل‏ ‏نصيحة‏ ‏ونصيحة:‏ ‏فاصل‏ ‏من‏ ‏التهديد‏ ‏والوعيد.‏

‏- ‏وحين‏ ‏صدَّقـُوا‏ ‏أننى ‏لست‏ ‏مجرما‏، ‏ترقيتُ‏ ‏فجعلونى ‏مريضا‏، ‏هكذا‏ ‏قرروا.

‏- ‏شعرت‏ حينذاك ‏أن‏ ‏مسألة‏ ‏المرض‏ ‏هذه‏ ‏سوف‏ ‏تعفينى ‏من‏ ‏صفة‏ ‏الإجرام‏، ‏وبدأت‏ ‏أجد‏ ‏مبررا‏ ‏لما‏ ‏أفعل‏، ‏ما‏ ‏دمت‏ ‏مريضا‏ ‏فما‏ ‏ذنبى ‏أنا‏، ‏كله‏ ‏غصبا‏ ‏عنى، ‏غصبا‏ ‏عنى.

‏- ‏ولكن‏ ‏وصمة‏ ‏المرض‏ ‏ليست‏ ‏أحسن‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏الاتهام‏ ‏بالإجرام‏.

‏- ‏الآن‏ ‏أستطيع‏ ‏القول‏ ‏إننى ‏لست‏ ‏مجرما‏، ‏وأننى ‏مسئول‏، ‏مسئول‏ ‏عن‏ ‏نفسى ‏وعن‏ ‏من‏ ‏آذيتهم‏، ‏فعلا‏ ، وإن كنت مريضا فأنا السبب، وكل مرض علاج.

‏- ‏تعلمتُ‏ ‏أن‏ ‏الاعتراف‏ بهذه المسئولية، ‏والاعتذار‏، ‏هما‏ ‏تسكينٌ‏ ‏مؤقت‏، ‏ولكنهما‏ ‏لا‏ ‏يمحوان‏ ‏شيئا‏ ‏ولا‏ ‏يقدِّمان‏ ‏ولا‏ ‏يؤخـِّران‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يصاحبْهما‏ ‏تغيير‏ ‏وفعل‏ ‏الآن.‏

‏- ‏من‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يعترف‏، ‏يعترف‏ ‏بالمسئولية‏ ‏لا‏ ‏بالذنب‏، ‏والمسئولية‏ ‏ ‏تتعلق‏ ‏بما‏ ‏تقوم‏ ‏به‏ ‏الآن‏ ‏لإصلاح‏ ‏نفسك‏، ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏مسئولية‏ ‏بأثر‏ ‏رجعى، ‏المسئولية‏ -‏كما‏ ‏تعلمتـُـها‏- ‏هى ‏اختيار جديد أنا (نحن) لست مسؤولاً عن مرضى، ولكننى مسؤول عن تعافىَّ : مسئول عن ما أقوم به ‏الآن‏، ‏فماذا‏ ‏أنا‏ ‏فاعل‏؟

‏- ‏على ‏من‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يعتذر‏: أن ‏يعتذر‏ ‏بأن‏ ‏يتغير‏، ‏ليس‏ ‏بأن‏ ‏يتكلم‏ ‏ويعيد‏ ‏ويزيد‏، ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏ضمان‏ ‏لعدم‏ ‏تكرار‏ ‏الإيذاء‏ ‏إلا‏ ‏التغيـّر‏ ‏الحقيقى، ‏ولكن‏ ‏كيف‏..؟‏، ‏كيف‏ ‏أتغير‏؟

‏- ‏بصراحة‏ ‏المسألة‏ ‏كانت‏ ‏منتهى ‏الإيذاء‏ ‏لنفسى ‏ولمن‏ ‏حولى، ‏ياه‏ ..‏كم‏ ‏أضرَرْتُهم‏!!‏

‏- ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏مازالو‏ ‏يحبوننى – ‏أغلبهم‏ ‏على ‏الأقل‏- ‏ياه‏!! ‏كم‏ ‏تحمـَّلونى ‏بجد‏!!، ‏

‏- ‏إذن‏ ‏لم‏ ‏يبق‏ ‏لدىّ، ‏أو‏ ‏علىّ ‏إلا‏ ‏ردّ‏ ‏الجميل‏، ‏بأن‏ ‏أصير‏ ‏حلوا‏، ‏وهكذا‏ ‏أرى ‏حلاوتهم أكثر.

‏- ‏يخيل‏ إلىّ  ‏أن‏ ‏الشعور‏ ‏بالذنب‏ ‏ثبت‏ ‏أنه‏ ‏خدعة‏ ‏كبيرة‏، ‏ضحكٌ‏ ‏على ‏الذقون.

‏- ‏من‏ ‏اقترف‏ ‏ذنبا‏، ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يعوِّضه‏ ‏بعمل‏ ‏الخير‏ ‏الحقيقى ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏لمن‏ ‏آذاه‏، ‏ولكن‏ ‏لأى ‏شخص‏ ‏يحتاجني‏، ‏ولم‏ ‏يجد‏ ‏الفرصة‏ ‏لاكتساب‏ ‏ما‏ ‏اكتسبتُ‏ ‏من‏ ‏خبرات‏.‏

‏- ‏من‏ ‏أساء‏ ‏لآخر‏ ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يصبح‏ ‏هو‏ ‏خيِّرا‏ ‏أكثر فأكثر‏، ‏لا‏ ‏شيء‏ ‏يمحو‏ ‏الإساءة‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏، ‏أنا لست مجرماً‏‏. ‏

‏-‏ حكاية‏ ‏”مدمن”‏ ‏هذه‏ ‏هى ما أتاح لى ‏فرصة‏ ‏أن‏ ‏أتعلم‏ ‏كل‏ ‏هذا‏. ‏

‏- ‏الله‏ ‏سبحانه‏ – ‏وحده‏- ‏هو‏ ‏الذى ‏يعلم‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏. ‏

‏- ‏……. ‏وكذلك معظم من يشارك فى العلاج فى هذا المجتمع‏، ‏يعرفون ‏‏الكثير‏. ‏

‏- ‏ومنهم‏ ‏زملائى طبعا.

‏- ‏لسنا‏ ‏عصابة‏ ‏مجرمين‏، ‏نحن‏‏ ‏تورطنا‏، ‏ثم‏ ‏رجعنا‏ للحياة، ‏بكل‏ ‏قوة‏ ‏وعناد.

‏15- ‏إتصالحت‏ ‏مع‏ ‏جسمى، ‏تصور‏!‏!‏

‏- ‏كنت‏ ‏أرفض‏ ‏النشاط‏ ‏الجسمى ‏الذى كنا نمارسه فى المجتمع العلاجى فى المستشفى، وخاصة النشاط الخارجى.

‏- ‏ما‏  هى العلاقة بين العرق وبين السـُّم  ‏الذى كنت  ‏أتعاطاه

‏- ‏ما هذه الفرحة ونحن نعرق معا، ‏‏ ‏أعرق أثناء النشاط‏، ‏هل‏ ‏أنا‏ ‏عامل‏ ‏بناء‏ ‏أو‏ ‏متسابق‏ ‏ماراثون‏؟

‏- ‏استجبتُ ‏ ‏للتعليمات‏ ‏غصبا‏ ‏عنى، ‏قلت‏ سوف أكمل وما يحدث يحدث،  ‏معهم‏ ‏حتى ‏النهاية‏، ‏لن‏ ‏أخسر‏ ‏شيئا.

‏- ‏بدأت‏ ‏أتعرف‏ ‏على ‏جسمى ‏بشكل‏ ‏جديد

‏- ‏أجمل‏ ‏شئ‏ ‏أحسست‏ به هو ‏أن‏ ‏لى ‏جسما‏ ‏فعلا‏، ‏كأنى ‏كنت‏ ‏قد‏ ‏نسيت‏ ‏ذلك‏ ‏

‏- ‏حين‏ ‏عرفت ذلك ‏لأول‏ ‏مرة‏ ‏تعجبتُ‏، ‏كأنى ‏أغسل‏ ‏نفسى ‏من‏ ‏الداخل‏ ‏للخارج‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏أصب‏ ‏ماء‏ ‏من‏ ‏الخارج‏ ‏فألمّعنى ‏من‏ ‏الظاهر‏ ‏فحسب

‏- ‏ولكن‏ ‏ما‏ ‏علاقة‏ ‏ذلك‏ ‏بالذى كنت ‏أتعاطاه‏‏؟

‏- ‏لم‏ ‏أجد‏ ‏علاقة‏ ‏فى ‏البداية‏، ‏لكن‏ ‏رويدا‏ ‏رويدا‏ ‏بدأت‏ ‏أشعر‏ ‏بتغيـّر‏ حقيقى، شعور لم آلفه من قبل، ‏ليس‏ ‏شبيها‏ ‏بالذى ‏كنت‏ ‏أشعر‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏التعاطى، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏شيء‏ ‏قريب‏ ‏أو‏ ‏بديل‏ ‏أو‏ ‏غريب‏، ‏لست‏ ‏أدرى

‏- ‏طبعا‏ ‏هناك‏ ‏علاقة‏، ‏أليست‏ ‏المواد‏ ‏التى ‏كنت‏ ‏آخذها‏ ‏تعمل‏ ‏على ‏خلايا‏ ‏الجسم‏؟

‏- ‏طيب‏ ‏وهل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يفرز‏ ‏الجسم‏ ‏مواد‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المواد‏‏؟

‏- ‏ربما‏، ‏لكن‏ ‏المسألة‏ ‏أعمق‏ ‏من‏ ‏ذلك‏، ‏ليست‏ ‏الحكاية مجرد‏ ‏إطلاق‏ ‏أفيونات‏ ‏الداخل‏، ‏وإنما‏ ‏يبدو‏ ‏أنها‏ ‏نوع من استعادة خلقة ربنا كما خلقنا بكل حيويتنا وكيميائنا الطبيعية.

‏- ‏العرق‏ ‏والنشاط‏ ‏يذكــِّـرانى ‏بأن‏ ‏الله‏ ‏خلقنى ‏قادرا‏ ‏وجميلا‏، ‏الله جميل خلقنا كذلك

‏- ‏والأهم إن المعالجين يقومون بنفس النشاط والحركة

‏- ‏بصراحة : أنا  أحسدهم‏ ‏وكأن الواحد منهم ‏ ‏يتعاطى ‏جسده‏ ‏باستمرار‏، ‏مجانا‏، ‏لعله‏ ‏يجد‏ ‏بذلك‏ ‏ما‏ ‏نبحث‏ ‏نحن‏ ‏عنه‏ ‏بالسموم‏ ‏إياها‏

‏- ‏لا‏ ‏أعرف‏ ‏كيف‏ ‏أوصـِّل‏ ‏هذه‏ ‏الرسالة‏ ‏لمن‏ ‏لم‏ ‏يعش‏ ‏هذه‏ ‏التجربة

‏- ‏ليست‏ ‏المسألة‏ ‏رياضة‏ ‏بدنية‏ ‏وتنافس

‏- ‏المسألة‏ ‏هى ‏تصالح‏ ‏مع‏ ‏كل‏ ‏جزء‏ ‏خَلَقَهُ‏ ‏الله‏ ‏فينا‏ ‏

‏- ‏هل‏ ‏كان‏ ‏التعاطى ‏يعمل‏ ‏هذا‏؟‏ ‏

‏- ‏طبعا‏ ‏لا‏، ‏ولكن‏ ‏هناك‏ ‏وجه‏ ‏شبه‏ ‏لا‏ ‏أعرفه‏ ‏

‏- ‏ المخدر يمكن‏ ‏أن‏ ‏يزيل‏‏ ‏الحواجز‏ ‏بينى ‏وبين‏ ‏جسمى ‏بأن‏ ‏يلغينا‏ ‏نحن‏ ‏الاثنين‏ ‏

‏- ‏لكننى ‏تعلمت الآن‏ ‏أن‏ ‏أزيل‏ ‏الحواجز‏، ‏بأن‏ ‏أحيا‏ ‏كما‏ ‏خلقنى ‏الله‏ ‏مكتملا‏ ‏بى، ‏وبجسمى ‏معا

‏- ‏كلام‏ ‏صعب‏، ‏لكنه‏ ‏صح‏، ‏وحلو‏ ‏أيضا‏، ‏حتى لو لم أتمكن من شرحه جيدا

‏16- ‏أبعد‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏أنتكس‏‏؟!!،‏ …… ‏ممكن‏ (!) ‏أنا‏ ‏خائف‏!!!‏

‏- ‏وماذا‏ ‏لو‏ ‏انتكست‏‏؟

‏- ‏إذن‏ ‏فما‏ ‏فائدة‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏فعلناه‏ ‏إذن‏‏؟

‏- ‏لقد‏ ‏اتفقنا‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏تحتاج‏ ‏نفسا‏ ‏طويلا‏ ‏وصبرا‏ ‏وعنادا‏ ‏مستمرا‏

‏- ‏لكنى ‏كنت‏ ‏وصلت‏ ‏لدرجة‏ ‏شعرت‏ ‏فيها‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏المستحيل‏ ‏أن‏ ‏آخذ‏ ‏أى ‏شئ ‏مهما‏ ‏كان‏، ولا‏ ‏قرص‏ ‏أسبرين‏ ‏

‏- ‏كنت‏ ‏قد‏ ‏صرت‏ ‏إنسانا‏ ‏جميلا‏ ‏جدا‏ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏مازلت‏ ‏جميلا‏ ‏أيضا‏ ‏لكننى ‏خائف

‏- ‏إذن‏ ‏ماذا‏ ‏أفعل‏‏؟

‏- ‏أتصل‏ ‏بهم‏‏؟‏ ‏أتصل‏ ‏بالطبيب‏؟‏ بالمعالج؟ بالمشرف؟ ‏سوف‏ ‏أفعل‏ ‏

‏- ‏ما‏ ‏هذا‏‏؟‏ ‏هل‏ ‏أنا‏ ‏طفل؟‏ ‏ما‏ ‏كل‏ ‏‏هذا‏ ‏الاعتماد؟‏ ‏أنا‏ ‏لم‏ ‏أنتكس‏ ‏بعد‏، ‏ماذا‏ ‏أقول‏ ‏له؟

‏- ‏أقول‏ ‏له‏ ‏إنى ‏خائف‏؟

‏- ‏قد‏ ‏يقول‏ ‏لى: ‏لستَ‏ ‏خائفا‏، ‏أنت‏ ‏تافه‏

‏- ‏لكنه لم يقل أبداً‏ ‏كلاما‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏، ‏أذكر‏ ‏أنه‏ ‏فى ‏عز‏ ‏تدهورى ‏كنت‏ ‏أشعر‏ ‏أنه‏ ‏يحترمنى ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏شئ

‏- ‏نعم‏ ‏كان‏ ‏يحترمنى ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏لا‏ ‏يتساهل‏ ‏معى، ‏لست‏ ‏أدرى ‏كيف‏ ‏كان‏ ‏يجمع‏ ‏هذ‏ ‏إلى ‏ذاك‏.‏؟

‏- ‏أفَضَلُ‏ ‏لى ‏ألا‏ ‏أخاف‏ ‏هكذا‏، ‏وما‏ ‏يحدث‏ ‏يحدث‏، ‏ماذا‏ ‏سيحدث

‏- ‏أشعر‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏التفكير‏ ‏هو‏ ‏الخطر‏ ‏ذاته‏، ‏تفكير‏ ‏ليس‏ ‏له‏ ‏داع‏ ‏أصلا

‏- ‏كما‏ ‏قالوا‏: ‏كل‏ ‏ما‏ ‏علىّ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏أملأ‏ ‏الوقت‏، وأتصل بالمعالج أو المشرف أو أى من زملائى فوراً، ‏وأحترم‏ ‏نفسى، ‏وأتذكر‏ ‏ربى، ‏وأنه‏ ‏قوى، ‏و‏ ‏رحمان‏، ‏ورحيم‏، ‏وأن‏ ‏أتوكل‏ ‏عليه‏، ‏وأن‏ ‏أحِب‏، ‏وأن‏ ‏أحـَبّ‏ ‏

‏- ‏هل‏ ‏صحيح‏ ‏أنى ‏أستأهل‏ ‏الحب‏‏؟

‏- ‏طبعا‏، ليس‏ ‏فقط‏ ‏الحب‏، ‏بل‏ ‏والاحترام‏ ‏أيضا‏ ، ومادام ربنا يحبنى، فلا بد أنى أستأهل‏، وما دام هو الذى خلقنِى، فأنا أستأهل الاحترام.

‏- ‏يا‏ ‏ترى ‏هل‏ ‏احترمونى ‏لأنى ‏توقفت‏ ‏عن‏ ‏التعاطى ‏أم‏ ‏”لأنى” ‏…‏ ‏أنا: فقط؟

‏- ‏لقد‏ ‏احترمونى ‏وأنا‏ ‏فى ‏عز‏ ‏التعاطى، ‏إذن‏ ‏فأنا‏ ‏محترم‏ ‏لأنى ‏إنسان‏ ‏أستأهل‏ ذلك.

‏- ‏إذن‏ ‏لماذا‏ ‏أنا‏ ‏خائف‏؟

‏- ‏ثم‏ ‏إنى ‏عرفت‏ ‏الطريق‏ ‏

‏- ‏ثم‏ ‏إنى ‏قوى ‏ومحترم‏ ‏

‏- ‏يا‏ ‏رب‏ ‏سترك

‏17- ‏يا‏‏ه‏ !!! ‏كم‏ ‏أنا‏ ‏قوى ‏دون‏ ‏أن‏ ‏أدرى!!!‏

(يبدو‏ ‏أن‏ ‏الإنسان‏ ‏له‏ ‏قدرات‏ ‏فوق‏ ‏كل‏ ‏تصور‏، ‏هكذا‏ ‏خلقه‏ ‏الله‏)

‏- ‏المسألة‏ ‏ليست‏ ‏مسألة‏ ‏قوة‏ ‏بدنية‏ ‏أو‏ ‏سلطة‏، ‏إنها‏ ‏مجرد‏ ‏اكتشاف‏ ‏كيف‏ ‏خلقنا‏ ‏الله

‏- ‏ماذا‏ ‏فعلتُ ‏ ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏بما‏ ‏خلقنى ‏الله‏ ‏عليه‏، ‏كيف‏ ‏لوَّثْتُهُ‏ ‏بكل‏ ‏هذه‏ ‏السموم‏ ‏هكذا‏؟

‏- ‏يبدو‏ ‏أننى ‏شوهت‏ ‏الفطرة‏ ‏الجميلة‏ ‏التى ‏خلقنا‏ ‏الله‏ ‏بها‏ ‏

‏- ‏الله‏ ‏خلقنى ‏سَلـِسًا‏ ‏نظيفا‏، ‏فكيف‏ ‏حدث‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏

‏- ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏أن‏ ‏الله‏ ‏قد‏ ‏سترها‏ ‏هكذا

‏- ‏اكتشفتــُـنى ‏فعلا‏، ‏اكتشفت‏ ‏أننى قوى ‏ ‏فعلا‏ ‏لكننى ‏لم‏ ‏أكن‏ ‏أعرف

‏ ‏- ‏أنا‏ ‏قوى ‏بمعنى ‏أن‏ ‏ما‏ ‏أراه‏ ‏أنه‏ ‏صحيح‏، ‏فإنى ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أفعله‏ ‏لأنه‏ ‏صحيح‏.‏

‏- ‏وهل‏ ‏هذا‏ ‏يكفى ‏أن‏ ‏يحمينى؟

‏- ‏نعم‏، ‏يكفى ‏و‏ ‏زيادة،… ربما!!

‏- ‏ما‏ ‏هذا‏؟‏ ‏هل‏ ‏يملك‏ ‏الإنسان‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏القدرات‏ ‏وهو‏ ‏لا‏ ‏يدرى‏؟‏ ‏

‏- ‏نعم‏ ‏

‏- ‏وحتى ‏لو‏ ‏درى ‏بقدراته‏ هذه ‏فهو‏ ‏يمارس‏ ‏إفشالها‏ ‏بهذه‏ ‏السموم‏ ‏والعياذ‏ ‏بالله‏، ‏هذا‏ ‏ما‏ ‏حدث‏ ‏منى ‏-‏ لى- ‏هكذا

‏- ‏الآن‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أنظِّم‏ ‏نفسى ‏دون‏ ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏ذليلا‏ ‏لأحد‏ ‏أو‏ ‏لحاجة‏ ‏أو‏ ‏لمادة

‏- ‏و‏الناس‏ ‏معى، ‏نتبادل‏ ‏المصلحة‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏ذل‏، ‏ولا‏ ‏مَنّ‏، ‏ولا نذالة‏ ‏

‏- ‏الناس‏ ‏الذين‏ ‏هم‏ ‏ناس‏ ‏بحق حقيقىّ.

‏- ‏أليس‏ ‏كل‏ ‏الناس‏ ‏ناسا‏ ‏بحق‏؟ ‏نعم‏ ‏هم‏ ‏كذلك‏ .‏لكن‏ ‏منهم‏ ‏من‏ ‏هو‏ ‏غبى ‏دخل‏ ‏إلى ‏المتاهة‏ ‏وتاه‏، و‏لم‏ ‏يعد‏، ‏ومنهم‏ ‏من‏ ‏سترها‏ ‏الله‏ ‏معه‏ ‏فلم‏ ‏يدخل‏ ‏المتاهة‏ ‏أصلا‏، ‏ومنهم‏ ‏من‏ ‏دخلها‏ ‏وخرج‏ ‏منها‏ ‏سالما‏ ‏غانما‏، ‏مثلى، ‏مثلنا‏!! ‏الله‏!! ‏ما‏ ‏أجمل‏ ‏كل‏ ‏هذا‏، ‏الحمدلله، لكن يبدو أن الطريق مازال طويلاً، بل الحمدلله أن الطريق مازال طويلاً.

لقد‏ ‏انتصرت‏ ‏على ‏الديناصور‏ ‏بداخلى، ‏بداخلنا‏، ‏كدنا‏ ‏ننقرض‏ ‏من‏ ‏فرط‏ ‏الغباء‏ ‏وتشويه‏ ‏الفطرة‏، رجعتُ ‏”‏‏بنى ‏آدم”‏ ‏مثلما‏ ‏أكرمنى ‏الله‏ ‏

‏- ‏أحسن‏ ‏شئ‏ ‏فى ‏الدنيا‏ ‏أن‏ ‏يصبح‏ ‏الإنسان‏ ‏قويا‏ ‏طيبا‏ ‏ومتواضعا‏ ‏وفاهما‏ ‏فى ‏نفس الوقت

‏- ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏حمدا‏ ‏كثيرا‏ ‏طيبا‏ ‏مباركا‏ ‏فيه‏ ‏

‏- ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏والشكر‏ ‏لى ‏ولمن‏ ‏هو‏ ‏مثلى، ‏ولكل‏ ‏واحد‏ ‏مد‏ ‏يده‏ ‏يعاوننى، ‏يعاوننا‏!!‏

‏18- ‏هذا‏ ‏ما كان‏، ‏بفضل‏ ‏الله‏، ‏وبفضل العلم‏، ‏

(وبفضلى ‏أنا‏ ‏أيضا‏!!!‏)

‏-‏ عرفت‏ “‏السر‏”، ‏الحكاية‏ ‏صعبة‏ ‏فعلا‏، ‏لكنها‏ ‏بدت‏ ‏لى ‏بالممارسة‏ ‏من‏ ‏أسهل‏ ‏ما‏ ‏يكون

‏- ‏لا‏، ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏تناقض‏، ‏كل‏ ‏ما‏ ‏فى ‏الأمر‏ ‏أن‏ ‏الناظر‏ ‏من‏ ‏بعيد‏ ‏غير‏ ‏من‏ ‏يعيش‏ ‏التجربة‏ ‏وينجح‏ ‏فى ‏اجتياز‏ ‏العقبات‏، ‏فيحل‏ ‏المعادلة‏ ‏الصعبة‏، ‏فتبدو‏ ‏السهولة‏ ‏كالنهر‏ ‏الجارى

‏- لماذا كانوا يقولون ‏ ‏إنه‏: “‏لا‏ ‏علاج‏ ‏للإدمان‏”‏

‏- ‏هل‏ ‏هذا‏ ‏كلام‏؟‏ ‏هلاَّ‏ ‏رأونى ‏أنا‏ ‏وزملائى ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يطلقوا‏ ‏هذه‏ ‏الفتاوى الخائبة ‏المعجزة‏ ‏

‏- ‏قد‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏له‏ ‏علاجاً ‏سحرياً‏، ‏إذن‏ ‏ماذا‏؟

‏- ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏ورطة‏، ‏حين‏ ‏يغتر‏ ‏الواحد‏ ‏منا‏ ‏ويستسهل‏ ‏فيتصور‏ ‏أنه‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يهرب‏ ‏بأسرع‏ ‏الطرق‏ ‏ويعود‏، ‏فإذا‏ ‏به‏ ‏يذهب‏ ‏ولا‏ ‏يعود‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏غامر‏ ‏وكسر‏ ‏كل‏ ‏أوهام‏ ‏اليأس

‏- ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أصرخ‏ ‏وأقول‏ ‏لكل‏ ‏الناس‏ ” ‏أنا‏ ‏أستطيع‏”، ‏لقد‏ ‏استعدت‏ ‏قدرتى ‏أن‏ ‏أحيا‏ ‏   ‏- ‏أنا‏ ‏عندى ‏الشجاعة‏ ‏الآن‏ ‏أن‏ “‏أرى‏” ‏أن‏ “‏أختار‏” ‏أن “أفرح أنا.. ‏ومَنْ‏ ‏حولى”،

‏- “‏أنا‏ ‏أستطيع‏” ‏أن‏ ‏أشد‏ ‏غيرى ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يغمره‏ ‏الفيضان‏، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يغرق‏ ‏

‏- “‏أنا‏ ‏أستطيع‏” ‏أن‏ ‏أساعد غيرى وهكذا أساعد‏ ‏نفسى ‏أيضا

‏- ‏من‏ ‏فرط‏ ‏شعورى ‏بالقدرة‏ ‏يخيل‏ ‏إلىّ ‏أنى ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أكتب‏ ‏شعرا‏ ‏أو‏ ‏أن‏ ‏أرسم‏ ‏دون‏ ‏ريشة‏ ‏أو‏ ‏كلمات‏، وأن أتألم

‏- ‏أصبح‏ ‏للصلاة‏ ‏طعم‏ ‏آخر‏، ‏سهلة‏ ‏وجميلة‏، ‏ويتغير‏ ‏وعيى ‏بها‏ ‏أحيانا‏ ‏دون‏ ‏كيمياء‏ ‏أو‏ ‏سموم

‏- ‏الصلاة‏ ‏الحقيقية تقربنا‏ ‏من‏ ‏بعضنا‏ ‏البعض‏، ‏وليس‏ ‏فقط‏ ‏من‏ ‏ربنا‏!!‏

‏- ‏أنا‏ ‏متأكد‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏ليست‏ ‏بالخطورة‏ ‏التى ‏كنت‏ ‏أظنها‏ ‏أو‏ ‏يظنها‏ ‏الناس

‏- ‏أنا‏ ‏لست‏ ‏وحدى، ‏ولا‏ ‏هم‏ ‏وحدهم‏،

‏- ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏

‏وبعــد

نحن‏ ‏نعرف‏ ‏الإحباط‏ ‏الذى ‏يصيبنا‏ ‏حين‏ ‏نتابع‏ ‏هذه‏ ‏المراحل‏ ‏ثم‏ ‏لا‏ ‏نجدها‏ ‏تتحقق‏ ‏هكذا‏ ‏بالسهولة‏ ‏التى ‏نكتبها‏ ‏أو‏ ‏نقرؤها‏ بها، ‏أو‏ ‏حين‏ ‏نخطو‏ ‏بعض‏ ‏خطواتها‏ ‏ثم‏ ‏نتعثر‏ ‏نحن‏ ‏وهم‏، ‏ولا‏ ‏نقوم‏ ‏من‏ ‏عثرتنا‏.

 ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فبدون‏ ‏التصميم‏ ‏على‏ ‏إكمال‏ ‏‏المراحل‏ ‏أو ما يوازيها‏، ‏فسوف‏ ‏لا‏ ‏نبدأ‏ ‏أى ‏خطوة‏ ‏أصلا‏، ‏لذلك‏ ‏نأمل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏فى ‏قراءة تلك‏ ‏هذه‏ ‏التجربة‏ ما يسهـِّل عليك أن تحدد موقعك منها، ثم أن تواصل مع  من تريد مساعدته بدرجة تهديك – تهدينا – إلى ترجمتها إلى مراحل محددة تتفق أكثر فأكثر.

أما إذا قرأها المدمن فأرجو أن تطمئنه إلى أننا نعرفه أو نحاول أن نعرفه، وأن يساعدنا بأن يوضح لنا ما غاب عنا، وأن يصر أن يكمل الطريق ما دمنا قد عرفنا مدى أبعاد الحكاية، وعثرات الطريق وحوار الداخل، ورحمة ربنا أولا وأخيرا.

فإذا تفضل وتحمل قراءتها بعض أهل المدمن، ومن يهمه أمرُه، فقد يستعيدون رؤيتهم فى محنته، فيتمكنون من احترام محاولته، ويسهموا فى دعم مسيرته، ويتراجعون عن الإفراط فى الحكم، والترهيب، والترغيب، والنصائح، واللوم، والتأجيل.

الحمد لله

…………..

…………..

(وعلى من يتحمل التكرار، ويأمل فى مواجدة أقرب أن يواصل قراءة الجزء الثانى هو هو – تقريبا – بالعاميّة المصرية، وربما يجد “فى الإعادة إفادة”، وربما يكون التقمص فيه أسهل وأجهز.

 أما من أكتفى بما ورد فى الجزء الأول فحلال عليه ما وصله، ولينتقل إلى الفصل الثالث والأخير).

ثانياً: نفس المواجدة “بالعامية المصرية”

   ثانيا 3

استهلال:

حين يصل إلى المدمن أو إلى من يهمه أمره (الأهل/الزميل/المعالج/..الخ) أن من يسهم فى مساعدته يستطيع أن يواكب مراحله، وأن يحترم صراعاته، وأن يفهم حاجته أن تزول الحواجز ولو قليلا، وتتواصل دوائر الوعى، وينشط الوعى البينشخصى فالعملى فالجماعى..، حين يصل كل ذلك كل المشاركين فى المجتمع العلاجى وايضا كل من يهمه الأمر!! تتضح المهمة، ويتواصل العلاج.

 هذا الذى يجرى داخل المدمن هو حوار صامت، ليس بالضرورة بالألفاظ. وقد اضطررنا إلى ترجمته إلى ألفاظ حيث لا توجد وسيلة أخرى لتصوِّر تسجيله، وهو حوار المدمن بينه وبين نفسه وليس مع آخر، ولذلك وجدتُ أنه – بالنسبة لثقافتنا – لابد أنه يدور باللغة التى يكلم بها نفسه ومن حوله أى بالعامية المصرية “لغة الأم”، ولهذا قمت بهذا التكرار مترددا، هو ليس تكرارا حرفيا، ولا ترجمة لكنه “مُوَاجَدة” موازية.

ثم نواكب المراحل الواحدة تلو الآخرى من داخل المدمن أيضا بلغة الأم  كما فعلنا بالفصحى، ولكن لا نتوقع تكرارا حرفيا، أو ترجمة مــُلـزِمة!!

   (1)  شوفوا الورطة… ازاى حصلت، طب وبعدين؟؟

(عالباب‏ ‏انا‏ ‏عالباب)

– ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏زى ‏غيرى‏، ‏أنا‏ ‏أقدر‏ ‏اجرب‏ ‏أى ‏حاجة‏، ‏عايز‏ ‏أشوف‏ ‏البتاع‏ ‏ده‏ ‏بيعمل‏ ‏إيه، حتى لو ســُـمّ هارى، أنا عايز  أشوف.‏ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏عارف‏ ‏قوة‏ ‏إرادتي‏، ‏همـّا ‏َ ‏عيال‏ ‏خِـرعة‏، ‏إيه‏ ‏يعنى ‏شمـَّة‏ ‏ولا‏ ‏حقنة‏، ‏أنا‏ ‏غيرهم

‏- ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏أقل‏ ‏من‏ ‏اللى ‏عملوها‏ ‏وبطــّلوا‏، ‏هيه‏ ‏مرة‏ ‏واحدة‏ ‏وفَلْسَعُوا‏، ‏أجدع‏ ‏ناس‏، ‏أنا جدع زيهم وأكثر‏!!‏

‏- ‏لأ‏، ‏عايز‏ ‏اعرف‏ ‏بنفسي‏، ‏أدوقها‏، ‏وحاقولكم‏، ‏طبعا‏ ‏الدوقان‏ ‏غير‏ ‏الحكي

‏- ‏أنا‏ ‏قدها‏ ‏وقدود‏، ‏أنا‏ ‏قدها‏ ‏ونص‏ ‏

‏- ‏قال‏ ‏إيه‏، ‏ما‏ ‏يقع‏ ‏إلا‏ ‏الشاطر‏، ‏طيب‏ ‏أنا‏ ‏حاوريكم‏ ‏إنى ‏شاطر‏ ‏ومش‏ ‏حاقع‏!!‏

– المسألة‏ ‏بتتسحب‏ ‏كده‏ ‏ليه؟ ‏ ‏رجلى ‏جت‏ ‏يا‏ ‏رجاله‏!!‏

‏-‏ ياه‏، ‏دى ‏حكاية‏، ‏باينـَّها‏ ‏تستاهل‏، ‏طيب‏ ‏مرة‏ ‏تانية‏ ‏كده‏، ‏أشوف‏، ‏بس‏ ‏عشان‏ ‏أتأكد

‏- ‏أنا‏ ‏بصراحة‏ ‏مش‏ ‏عايز‏ ‏قوي‏، ‏مش‏ ‏إلاَّ‏، ‏بس‏ ‏يعنى ‏ما‏ ‏يضرش‏ ‏لو‏ ‏كرَّرتها‏، ‏

‏- ‏المرة‏ ‏دى ‏مش‏ ‏زى ‏المرة‏ ‏إللى ‏فاتت‏، ‏فيه‏ ‏حاجة‏ ‏مختلفة‏، ‏بصراحة‏ ‏اتشدِّيت‏، ‏بس‏ ‏لسه‏ ‏فى ‏السليم

‏- ‏فيه‏ ‏حاجة‏ ‏تانية‏ ‏فى ‏الحكاية‏، ‏نفسى ‏أعرف‏، ‏وبعدين؟ وبعدين!!؟ ‏باشعر‏ ‏بشعور‏ ‏غريب‏، ‏

‏- ‏عايز‏ ‏ده‏..‏كده‏،.بالظبط ، …. ‏أيْـيْـيـْيـْْـوَه‏!!‏

‏- ‏بقيت‏ ‏أضرب‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏ما‏ ‏افكـّر‏، ‏طول‏ ‏مانا‏ ‏قادر‏ ‏ألاقى ‏الظروف‏ ‏اللى ‏تسمح‏، ‏أدينى ‏باخد

‏- ‏لازم‏ ‏آخد‏ ‏البتاع‏ ‏ده‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏ما‏ ‏عنديش‏ ‏إمكانيات‏، ‏أعمل‏ ‏إيه؟

‏- ‏الظروف‏ ‏مش‏ ‏دايما‏ ‏هيه‏، ‏ولا‏ ‏الإمكانيات‏، ‏بس‏ ‏حالاقى ‏حلّ

‏- ‏بصراحة‏ ‏أنا‏ ‏ما‏ ‏باعتبرهاش‏ ‏سرقة‏، ‏دا‏ ‏حقى، ‏وانا‏ ‏ناوى ‏أرجَّع‏ ‏الحق‏ ‏لاصحابه‏ ‏لما‏ ‏اقدر‏ ‏إن‏ ‏شاء‏ ‏الله‏!!‏

‏- ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏حد‏ ‏فاهمني‏، ‏يالله‏، ‏أنا‏ ‏أقدرأستغنى ‏عنهم‏، وقت ما احب …

‏- ‏أيوه‏ ‏لكن‏، ‏لكن إيه؟ لكن‏… ‏ونص‏…..!!!‏

‏- ‏لكن‏ ‏إيه يا جدع انت؟؟ ‏  ‏ما‏ ‏اعرفشى

– اتغرزنا‏ ‏واللى ‏كان‏ ‏كان‏، ‏وسبحان‏ ‏المنجىِّ

‏- ‏يا‏ ‏خبر‏، ‏أنا‏ ‏فين‏ ‏دلوقت؟

‏- ‏إيه‏ ‏اللى ‏وصـّلنى ‏هنا‏، ‏وازاى ‏؟

‏-‏لا‏، ‏لا‏، ‏لا‏، ‏أنا‏ ‏حاوقَّفْ‏ ‏دلوقتى، ‏لأ‏ ‏بكره‏، ‏لأ‏ ‏دلوقتي‏، ‏المسألة‏ ‏عايزة‏ ‏إرادة‏، ‏وانا‏ ‏عندى ‏إرادة‏، ‏يعني

‏- ‏أوَقَّف‏ ‏إيه؟‏ ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏مدمن‏، ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏زيهم

‏- ‏لأه‏..‏أيوه‏…‏لأه‏..‏أيوه‏، ‏أنا‏ ‏زيهم‏ ‏ونص‏، ‏أنا‏ ‏تحت‏ ‏قوي‏، ‏أنا‏ ‏تعبان‏، ‏الثمن‏ ‏غالى (‏إخص ماكنتش أعرف‏)‏

(2) فعلا أنا عايز أبطـَّـل، بس ازاى؟ لكن حاحاول 

(حاعملها بنفسى فى السر، بلاش فضايح)

– أدينى أهه بطلت، يوم (يومين) بس ما اقدرتش، طيب آخذ حاجة بسيطة، ماشى.

– ياه دى المسألة سهلة، صحيح فيه آلام، بس يعنى، بسيطة، شفت إرادتى قوية ازاى!

– مادام الحكاية كده، أنا حاخد وانا متطمن إنى أقدر أوقــَّفْ فى أى وقت.

– لا يا عمّ، مش حاخد، ولا مرةّ واحدة ـ أنا عارف إن المرة بتجرجر، وعشان كده…

– طيب أرجع آخد المرة دى بس عشان أثبت لهم إن كلامهم فارغ، وإنى ممكن آخد مرة واحدة وابطــَّل لو انا مقرر كده ما الأول.

– لكن مرة واحدة مش حاتكفى، ….. تكفى إيه؟ أنا رايح فين؟

– آه، مرة كفاية، أختبر بها إرادتى، طب مرتين، لأ مرتين كتير، طب مرة ومرة، يالله.

– إيه الحكاية؟ باينــّي بالخْبَط، هوه انا باضحك على نفسى ولا إيه؟

– بايـِنـِّـى حاصدَّق إن ما فـيش فايدة، واللى بيقع لا يمكن يقوم؟

– حتى لو ما كانشى فيه فائدة، فالحكاية مش ماشية، ما عنتش قادر استمر

– لكنها حاتــُفـْرج، (مش عارف ازاى؟)

– ربنا سبــحانه حايفرجها

– بس حايفرجها ازاى وانا ما عملتش أى حاجة ترضيه؟

– بس انا حاسس إنه قريـــِّـب منى، حتى وانا مقصَّـر فى حقه وفى حق نفسى

– نفسى أبطل، أضحك على نفسى وأقول على كل مرَّة إنها آخر مرَّة

– بس معنى كده إنى باعترف إنى مستمر مع سبق الإصرار

– بس مش يمكن يبقى أحسن، لو اعترفت

– يا نهار إسود!!! معنى كده إنى باستسلم!

– إيه حكاية غصبن عنى دى؟ وأنا عمال أقول إرادتى ياما هنا ياما هناك..؟ الظاهر موضوع الإرادة ده فيه كلام !

– يتهيألى إنى لازم أصدَّق إن ما ينفعشى حكاية لوحدى دى، لازم حد يساعدنى

– يا رب ساعدنى، إن حد يساعدنى؟

(3) ‏فيه‏ ‏ناس‏ ‏زيـِّـى ‏وناس‏ ‏أسخـَمْ‏ ‏منى ‏

(وناس‏ ‏عارفين‏ ‏الحكاية‏ ‏من‏ “‏طقطق‏ ‏لسلامو‏ ‏عليكم‏”‏)

‏- ‏طيب‏، ‏حاعمل‏ ‏إيه‏ ‏دلوقتى؟

‏- ‏أعمـِل‏ ‏زى ‏ما‏ ‏بيعملوا‏، ‏أغسل‏ ‏دمي‏، ‏وانضف‏ ‏جسمى ‏وعقلي‏، ‏واقول‏ ‏ياهادى ‏

‏- ‏بس‏ ‏حكاية‏ ‏غسيل‏ ‏الدم‏ ‏دى باين عليها مش هيّه!!؟‏ ‏هو‏ ‏دمىّ‏ ‏هدوم‏ ‏وسخة‏ ‏حاياخدوها‏ فُمّ غسيل‏؟

‏- ‏سمعت‏ ‏عن‏ ‏مراكز‏ ‏قوام قوام‏، ‏قال‏ ‏إيه‏ ‏بيخدَّروا‏ ‏الواحد‏، ‏وهات‏ ‏يا‏ ‏غسيل‏، ‏وبعدين‏ ‏أبوك‏ ‏عند‏ ‏اخوك‏، ‏واهو‏ ‏كله‏ ‏أكل‏ ‏عيش‏، ‏وبيوتنا‏ ‏تخرب‏، ‏ونرجع‏ ‏ناخد‏ ‏بعد‏ ‏ساعتين‏ ‏ ولا يومين، قال إيه!! بيعالجوا الإدمان بالجراحة!!

‏- ‏يا‏ ‏عم‏ ‏باين المسألة محتاجة وقت‏ ‏برضه‏، ‏والعلاج‏ ‏اتفاق‏، ‏والسكة‏ ‏طويلة‏ ‏

‏- ‏ماشى، ‏آخذ‏ ‏فرصة

‏- ‏يارب‏ ‏سترك‏ ‏من‏ ‏النصابين‏، ‏يارب‏ ‏ألاقى ‏حد‏ ‏كويس‏، ‏يكون‏ ‏عنده‏ ‏ضمير

‏- ‏بس‏ ‏المسألة‏ ‏تعتمد‏ ‏عَلَيَّا ‏أنا‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏والنهاية‏، ‏

‏- ‏لكن‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏ربنا‏ ‏بيستر‏ ‏برضه‏ (‏حايستر‏، ‏أنا‏ ‏غلبااااااان‏)‏

‏-‏ هو‏ ‏ممكن‏ ‏ربنا‏ ‏يقف‏ ‏معايا‏ ‏وانا‏ ‏كده؟ ‏ ‏ماهو‏ ‏عارف‏ ‏يعنى ‏إيه‏ “‏أنا‏ ‏كده‏”.‏

‏- ‏طب‏ ‏ليه‏ ‏لأه؟

‏- ‏أنا‏ ‏عمرى ‏ما‏ ‏ضرِّيت‏ ‏حد‏.‏

‏- ‏لا‏…‏لا‏.. ‏أنا‏ ‏ضرِّيت‏ ‏نفسي‏، ‏واللى ‏خلفونى‏، ‏ وكثير من اللى حوالىّ،الله‏ ‏يخرب‏ ‏بيتى ‏

‏- ‏يخربه‏ ‏زيادة‏ ‏عن‏ ‏كده؟! ‏ ‏لا‏ ‏يا‏ ‏عم‏، ‏… ربنا‏ ‏يلطف‏ ‏بعبــيدُه

‏- ‏أنا‏ ‏مستعد‏ ‏لأى ‏حاجة‏، ‏حاتـلم‏ ‏على ‏ناس‏ ‏متأزمين‏ ‏زيي‏، ‏نتعالج‏ ‏سوا سوا، ‏وربنا‏ ‏معانا

‏- ‏لازم‏ ‏آخد‏ ‏رأى ‏اللى ‏سبقوني‏، ‏وربنا‏ ‏أكرمهم‏، ‏يمكن‏ ..

‏- ‏لازم‏ ‏فيه‏ ‏ناس‏ ‏عملوها‏ ‏وصَحِّتْ‏، ‏وحكاية‏ “‏مافيش‏ ‏فايدة‏” ‏دى ‏تبرير‏، ‏الناس‏ ‏بتقولها‏ ‏عشان‏ ‏ما‏ ‏تتعبشى‏، ‏واللى ‏زيى ‏يمكن يقولها‏ ‏عشان‏ ‏يبرر‏ ‏إنه‏ ‏يستمر فى اللى هوّا فيه‏.‏

‏- ‏ما‏ ‏هو‏ ‏طبعا‏ ‏إللى ‏بيقول‏ ‏كده‏ ‏هوه‏ ‏اللى ‏خاب‏، ‏ولا‏ ‏كمـِّلشي‏، ‏هوه‏ ‏فيه‏ ‏واحد‏ ‏محترم‏ ‏وربنا‏ ‏تاب‏ ‏عليه‏ ‏حايمسك‏ ‏ربابة‏ ‏يقول‏ ‏فيها‏ ‏يا‏ ‏خلق‏ ‏هوه‏، ‏أنا‏ ‏كنت‏ ‏مدمن‏ ‏وبطلت‏.‏

‏- ‏آه .. فيه .. الجدعان يعملوها‏ ‏

‏- دا  ‏أنا‏ ‏بيتهيألى ‏إنى ‏لونجحت‏ ‏ممكن‏ ‏أعملها‏، ‏وأزعق‏ ‏بعلو‏ ‏حسى ‏فى ‏أى ‏مكان‏ ‏إنى ‏بطلت‏ ‏نهائى، ‏يمكن‏ ‏غيرى ‏يحيا‏ ‏فيه‏ ‏الأمل‏. ‏آه‏ ‏بطلت‏ ‏كل‏ ‏حاجة‏، ‏وانتصرت‏ ‏على ‏أى ‏ضعف‏ ‏وأى ‏خيبة‏، ‏وأى ‏استسهال‏، ‏وأى ‏غباء‏.

– ‏وأى ‏أى، ‏فين‏ ‏ده؟ ‏ ‏إمتى ‏؟

‏- ‏واحدة‏ ‏واحدة‏، ‏باين‏ ‏عليك‏ ‏زودتها‏ ‏حبتين‏، ‏مش‏ ‏لما‏ ‏تــبــطل‏ الأول !!!!‏

‏(4) ‏ياه‏!!، ‏بدأت‏ ‏أفوق‏، ‏أنا‏ ‏كنت‏ ‏فين؟‏ ‏

(كل‏ ‏دا‏ ‏كان‏ ‏ليه‏ ‏يا‏ ‏ربى‏؟‏)

‏ – ‏فين‏ ‏أيام‏ الدماغ‏ ‏والذى ‏منه؟ ‏ ‏

‏- ‏الظاهر‏ ‏إن‏ ‏الحسبة‏ ‏صعبة‏ ‏

‏- ‏هوه‏ ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏طريقة‏ ‏أخف‏ ‏من‏ ‏كده‏ ‏

‏- ‏ضهرى ‏بيوجعني‏، ‏وباكـحّ

‏- ‏عايز‏ ‏مسكـِّن‏، ‏عايز‏ ‏دوا‏ ‏كحة‏، ‏صدرى ‏بيتقطع‏، ‏عايز‏ ‏أسبرينه‏، ‏عايز‏ ‏أى ‏حاجة

‏- ‏لا‏ ‏يا‏ ‏شيخ‏ !‏؟؟‏ ‏ابتدينا؟

‏- ‏لا‏ ‏والله‏ ‏العظيم‏، ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏حاجة‏،.. ‏بس‏ ‏الوجع‏ ‏شديد‏.‏

‏- ‏يعنى!! ‏مش‏ ‏قوى ‏كده‏ ‏

‏- ‏بصراحة‏ ‏المرحلة‏ ‏دى ‏كانت‏ ‏صعبة‏ ‏قوى ‏لكن‏ ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏بدأت‏ ‏أفوق‏ ‏دلوقتى ‏الحمد‏ ‏لله

‏- ‏الآلام‏ ‏كانت‏ ‏جامدة‏، ‏بس‏ ‏مش‏ ‏قوى ‏زى ‏ما‏ ‏كنت‏ ‏متصور‏، ‏ولا‏ ‏زى ‏ما‏ ‏كانو‏ ‏بيحكـُوا‏ ‏

‏- ‏الظاهر‏ ‏إنى ‏كنت‏ ‏باهوِّل‏ ‏فى ‏حكاية ‏” ‏مش‏ ‏عايز‏ ‏أتألم‏” ‏مش‏ ‏عايز‏ ‏ألم‏” ‏عشان‏ ‏ما‏ ‏ابطلش

– بيتهيألى ‏إن‏ ‏مش‏ ‏حاخذ‏ ‏تانى ‏أبدا

‏- ‏نفسى ‏أعرف‏: ‏أنا‏ ‏إيه‏ ‏إللى ‏خلانى ‏اتورَّط‏ ‏كده؟

‏-‏ ياترى ‏كان‏ ‏غصبن‏ ‏عنى ‏زى ‏ما‏ ‏عمال‏ ‏أقول‏ ‏لنفسى، ‏ولا‏ ‏أنا‏ ‏برضه‏ ‏مسئول‏ ‏شويتين، لأ تلات شويات

‏- ‏بصراحة‏ ‏سواء‏ ‏كده‏ ‏أو‏ ‏كده‏ ‏أنا‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ ‏دخلت‏  سكة العلاج الجديدة ‏دى، ما‏ ‏بقتشى ‏قادر‏ ‏أرجع

‏- ‏مش‏ ‏كده‏ ‏بالضبط‏، ‏الحكاية‏ ‏اتسحـَّبت‏ ‏حبة‏ ‏حبة‏، ‏أنا‏ ‏باين‏ ‏علىَّ ‏اتسرقت‏ الناحية التانية، ناحية البنى آدمين “الكويسين” ‏

‏- ‏بصراحة‏ ‏برضه‏ ‏الحكاية‏ ‏ما‏ ‏كانتشى ‏سهلة

‏- ‏لازم‏ ‏أكمِّل‏ ‏عشان‏ ‏ألاقى ‏حل‏، ‏عايز‏ ‏ألاقى ‏حاجة‏ ‏بدال‏ ‏الهباب‏ ‏ده‏ ‏

‏- ‏طب‏ ‏وإذا‏ ‏ما‏ ‏لاقيتشى ‏حاعمل‏ ‏إيه؟

‏- ‏لأ‏، ‏حالاقي‏، ‏طبعا‏ ‏حالاقي‏، ‏ما‏ ‏الناس‏ ‏كلها‏ ‏عايشة‏ ‏وما‏ ‏بتضربشى ‏وما‏ ‏بتبلبعشي

‏- ‏بس‏ ‏أنا‏ ‏ظروفى ‏غير‏ ‏ظروفهم

‏- ‏لا‏ ‏يا‏ ‏شيخ؟!!!

‏- ‏الدماغ‏ ‏كان‏ ‏تمام‏ ‏التمام‏، ‏لكن‏ ‏الفوقان‏ ‏أجمل‏، ‏بس‏ ‏مؤلم‏ (‏يا‏ ‏ترى ‏فيه‏ ‏ألم‏ ‏جميل؟‏)‏

‏- ‏مش‏  قوى‏، ‏لكن‏ ‏ألم‏ ‏ساعة‏ ‏ولا‏ ‏كل‏ ‏ساعة، لكن الألم ده حاجة تانية، تيجى ما نسمــِّيهـُوش ألم، إمال نسميه إيه ؟ مش عارف، بس الحياة حلوة.

‏- ‏‏ ‏يا‏ ‏عمى ‏أنا‏ ‏عايز‏ ‏ارتاح‏، ‏بس‏ ‏إمتى! ‏الصبر‏ ‏دا‏ ‏كلام‏، ‏أدينى ‏صابر‏ ‏أما‏  ‏اشوف، بس برضه فيه حاجة مختلفة بتحصل، حاجة حلوة مع إنها صعب

‏- “‏أنا‏ ‏مسئول‏” ‏؟‏ ‏أنا‏ ‏اللى ‏مسئول،‏ ‏كلهم‏ ‏بيقولوا‏ ‏كده‏، ، ‏طيب‏، ‏لكن‏ ‏إللى ‏حواليّا:  ما هم ‏مسئولين‏ ‏برضه

‏- ‏لكن‏ ‏أنا‏ ‏إللى ‏بادفع‏ ‏الثمن‏ ‏

‏- ‏وهم‏ ‏برضه‏ ‏دفـَّعـْتـُهم‏ ‏الثمن‏ ‏

‏- ‏طيب‏ ‏وبعدين؟

‏- ‏أنا‏ ‏فرحان‏، ‏بس‏ ‏مش‏ ‏متطمن

‏- ‏الظاهر‏ ‏إن‏ ‏الطريق‏ ‏طويل‏، ‏ومش‏ ‏عارف‏ ‏لما‏ ‏حابطـَّل‏ ‏حاعمل‏ ‏إيه‏ ‏بدال‏ ‏كده‏ ‏

‏- ‏لكن‏ ‏ربنا‏ ‏موجود‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏، ‏والناس دول‏ ‏طيبين‏ ‏وجدعان‏ ( ‏أغلبهم‏)‏

‏- ‏وأنا‏ ‏كمان‏ ‏طيب‏، ‏وجدع‏ ‏أهه‏ ‏

‏(5) ‏ ‏الفوقان‏ ‏ده‏ ‏دمه‏ ‏تقيل‏، ‏مع‏ ‏إنه‏ ‏أحسن‏ ‏حاجة‏ ‏

‏- ‏بصراحة‏ ‏وحشِتـْنـى ‏حكاية‏ ‏الواحد‏ ‏يغيب‏ ‏ويرجع‏ ‏زى ‏الموج‏ ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏سائل

‏- ‏حاسس‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ ‏بطلت‏، ‏إنى ‏زى ‏القطر‏ ‏إللى ‏وقف‏ ‏فى ‏محطة‏ ‏ومش‏ ‏قادر‏ ‏يقوم‏ ‏تانى

‏- ‏بادَوّر‏ ‏على ‏الفرحة‏ ‏الأولانية‏ ‏إللى ‏حسيت‏ ‏بيها‏ ‏لما‏ ‏فقت‏ ‏ومش‏ ‏لاقيها‏ ‏زى ‏الأول، بس هىّ بتطـُلّ من بعيد لوحدها ساعاتّ

‏- ‏لازم‏ ‏أشارك‏ ‏فى ‏البرنامج‏ ‏والنشاط‏ ‏وأحفظه‏ ‏عشان‏ ‏أبقى ‏أعمله‏ ‏لوحدى ‏بعدين

‏- ‏ساعات‏ ‏باسأل نفسى: هوه‏ ‏‏إيه‏ ‏لزوم‏ ‏دا‏ ‏كله‏، ‏ما‏ “‏البتاع‏ ‏الهباب‏ ‏ده‏” ‏كان‏ ‏بيحلـَّها‏ ‏قوام‏ ‏قوام‏ ‏

‏- ‏بس الشعور‏ ‏إللى ‏انا‏ ‏حاسس‏ ‏بيه‏ ‏بعد‏ ‏الفوقان‏ ‏حلو‏، ‏بصراحة‏ ‏حلو‏ ‏قوي

‏- ‏يعنى ‏مثلا‏: ‏باقدر‏ ‏أعرف‏ ‏أنا‏ ‏عايز‏ ‏إيه‏ ‏ومش‏ ‏عايز‏ ‏إيه‏ ‏

‏- ‏مش‏ ‏قوى ‏كده‏ ‏

‏- ‏لأ‏ ‏قوى ‏ونص‏، ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏عايز‏ ‏أضرب‏ ‏ولا‏ ‏أبلبع‏، ‏ولا‏ ‏أشرب‏، ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏خايف‏، ‏أنا‏ ‏كل‏ ‏اللى ‏عايزه‏ ‏إنى ‏أحافظ‏ ‏على ‏المكاسب‏ ‏دي‏، ‏وعلى ‏شرفى ‏كمان‏، ‏وعلى ‏الناس‏ ‏الحلوين

‏- ‏بصراحة‏: ‏كانت‏ ‏المسألة‏ ‏صهللة‏ ‏وخلاص‏، ‏دا‏ ‏كان‏ ‏الواحد‏ ‏زى ‏الاهبل‏، ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏هنا

‏- ‏حتى ‏لما‏ ‏كان‏ ‏الواحد‏ ‏يصهلل‏ ‏كانت‏ ‏بتروح‏ ‏زى ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏الواحد‏ ‏بيولع‏ ‏وينطفي

‏- ‏ومع‏ ‏كده‏ ‏كنت‏ ‏أرجع‏ ‏تانى ‏زى ‏الحمار‏، ‏إديها‏ ‏وخلاص‏. ‏

‏- ‏بس‏ ‏برضه‏ – ‏لما‏ ‏كنت‏ ‏باخد‏ – ‏كنت‏ ‏بانسى ‏وحدتي

‏- ‏لكن‏ ‏ما‏ ‏كانتشى ‏المسألة‏ ‏بتتحل‏ ، ‏تطنيش‏ ‏وخلاص

‏- ‏دلوقتى ‏أنا‏ ‏برضه‏ ‏شاعر‏ ‏بوحدة‏ ‏مع‏ ‏إن‏ ‏الناس‏ ‏الطيبين‏ ‏حوالىّ‏، ‏بس‏ ‏ما‏ ‏باضحكشى ‏على ‏نفسى، ‏أنا‏ ‏لسه‏ ‏وحيد‏ ‏صحيح‏ ‏بس‏ ‏كلنا‏ ‏بنحاول‏ ‏مع‏ ‏بعض‏ ‏

‏- ‏الظاهر‏ ‏إن‏ ‏المسألة‏ ‏هيه‏ ‏كده‏، ‏المحاولة‏ ‏والنَّفَسْ‏ ‏الطويل‏، ‏مش‏ ‏بنج‏ ‏ضد‏ ‏البنج

‏- ‏ياحلاوة‏ !! ‏دا انا‏ ‏بقيت‏ ‏بافهم‏، ‏ربنا‏ ‏يستر‏ !!‏

‏(6) ‏بس‏ ‏أنا‏ ‏باتعلم‏ ‏حاجات‏ ‏كتير‏،

‏(والظاهر‏ ‏فيه‏ ‏حاجات‏ ‏تانية‏ ‏أحلى)

– الحكاية‏ ‏عمآلة‏ ‏تكبر‏ ‏حبه‏ ‏حبه‏، ‏وانا‏ ‏عمال‏ ‏اتعلم‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏ما‏ اخـُد‏ ‏بالي‏، ‏زى ‏ما‏ ‏اتسرقت‏ ‏للهباب‏ ‏دكهه‏، ‏الظاهر‏ ‏إنى ‏باتسرق‏ ‏الناحية‏ ‏التانية‏، ‏الناحية‏ ‏الحلوة مع إنها صعب زى ما قلت

‏- أنا‏ ‏خايف‏ ‏من‏ ‏الحاجات‏ ‏الجديدة‏ ‏إللى ‏باتعلمها‏ دى، ‏مع‏ ‏إنها‏ ‏حاجات‏ ‏كويسة‏ ‏ ‏ ‏

‏-‏ كنت‏ ‏باحسب‏ ‏إنى ‏ما‏ ‏باتـعـلمشى، ‏لكن‏ ‏لقيت‏ ‏نفسى ‏باعمل‏ ‏حاجات‏ ‏وبافهم‏ ‏حاجات‏ ‏عمرى ‏ما‏ ‏عملتها‏ ‏ولا‏ ‏فهمتها‏ ‏قبل‏ ‏كده‏ ‏

‏- عرفت‏ ‏إن‏ ‏الواحد‏ ‏لما‏ ‏يأجـِّل‏ ‏مش‏ ‏معنى ‏كده‏ ‏إنه‏ ‏بيتعذب‏ ‏أو‏ ‏بيتذنـٍّب‏، ‏دا‏ ‏يمكن‏ ‏يتعلم‏ ‏الشجاعة‏ ‏من‏ ‏التأجيل‏، ‏و‏إن‏ ‏إللى ‏ما‏ ‏يجيش‏ ‏النهارده‏ ‏حاييجى ‏بكره‏ ، ‏وإن‏ ‏إللى ‏بيصبـُر‏ ‏هو‏ ‏الشجاع‏ ‏اللى ‏بيستحمل‏، ‏وهو‏ ‏واثق‏ ‏من‏ ‏إنه‏ ‏حايكسب‏ ‏حايكسب‏ ‏مهما‏ ‏طال‏ ‏الزمن

‏- ‏واتعلمت‏ ‏كمان‏: ‏إن‏ ‏الناس‏ ‏للناس‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏باين‏ ‏إنهم‏ ‏مش‏ ‏كده‏ ‏

‏- ‏وإن‏ ‏الناس‏ ‏الطيبين‏ ‏الحلويين‏ ‏أكتر‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏الْاىّ ‏كلام

‏- ‏وإن‏ ‏النصاحة‏ ‏مش‏ ‏هيـّه‏ ‏إنى ‏أضحك‏ ‏على ‏الناس‏، ‏ولكن‏ ‏إنى ‏أبقى ‏شاطر‏ ليّا ‏أنا، وليهم برضه

‏- ‏أنا ‏لما‏ ‏أضحك‏ ‏على ‏الناس‏، ‏بابقى ‏باضحك‏ ‏على ‏نفسى ‏قبلهم‏ ‏فى ‏الغالب

‏- ‏ياه !! دا باين ‏ ‏فيه‏ ‏سكة‏ ‏وسكة‏ ‏وميت‏ ‏سكة‏، ‏لو‏ ‏واحدة‏ ‏إتسدت‏ ‏التانية‏ ‏تتفتح‏.‏

‏- ‏ ‏ ‏الواحد‏ ‏لازم‏ ‏يحاول‏ ‏ويحاول‏، ‏وما‏ ‏يبطلشى ‏محاولة‏ ‏أبدا‏ ‏فى ‏كل‏ ‏ناحية‏.‏

‏- ‏وإن‏ ‏الفشل‏ فى ‏أى ‏محاولة‏ ‏ما‏ ‏هوش‏ ‏نهاية‏ ‏الدنيا

‏-‏ أنا ‏أقدر‏ ‏أساعد‏ ‏غيرى دلوقتى ‏حتى ‏وأنا‏ ‏فى ‏منتهى ‏الضعف

‏- ‏أنا‏ ‏باقدر‏ ‏على ‏حاجات‏ ‏كتيرة‏ ‏ما‏ ‏كنتش‏ ‏أتصور‏ ‏إنى ‏باقدر‏ ‏عليها

‏- ‏ما هو‏ ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏علام‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏وقت‏، ‏لازم‏ ‏الواحد‏ ‏يركـز‏ ‏على ‏الحاجة‏ ‏لحد‏ ‏ما‏ ‏يتعلمها‏ ‏مرة‏ ‏وعشر‏ ‏مرات‏، ‏الحكاية‏ ‏مش‏ ‏بالساهل

– بس بقى،..الله!! إنت بتسمّع ولا إيه!!

‏- ‏مش‏ ‏عارف‏ ‏إيه‏ ‏اللى ‏حايفضل‏ ‏معايا‏ ‏من‏ ‏الحاجات‏ ‏إللى ‏اتعلـِّمتها‏ ‏وباتعلمها‏ ‏دي

‏- خايف‏ ‏أكون‏ ‏ببالغ‏ ‏فى ‏اللى ‏اتعلمته‏‏، ‏وأكون‏ ‏مصدق‏ ‏نفسى ‏من‏ ‏كتر‏ ‏ما‏ ‏انا‏ ‏عايزه

‏- ‏يا‏ ‏ترى ‏أنا‏ ‏اتعلمت‏ ‏كل‏ ‏ده‏، ‏ولا‏ ‏باتعلمه‏، ‏ولا‏ ‏حافضل‏ ‏اتعلم‏ ‏طول‏ ‏عمري‏.‏

‏- ‏طبعا‏ ‏اتعلمت‏، أمال‏ ‏يعنى ‏جـِـبـْـت‏ ‏الكلام‏ ‏ده‏ ‏منين‏، وبرضه حافضل أتعلم ‏

‏- ‏طيب‏ ‏لو‏ ‏بصحيح؟‏ ‏يا‏ ‏ترى ‏ده‏ ‏حايفضَل‏ ‏معايا‏ ‏على ‏طول‏ ‏بعد‏ ‏كده‏، ‏حتة‏ ‏من‏ ‏طبعي؟

‏- ‏ليه‏ ‏لأه؟ ‏ ‏المسألة‏ ‏مسألة‏ ‏وقت‏ ‏وصبر‏ ‏وتكرار‏، ‏

‏-‏ والمسألة برضه‏ ‏عايزة‏ ‏شويتين‏ ‏عناد‏ ‏وتصميم‏، وربنا ‏

‏ – ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏

‏(7)  ‏ربنا‏ ‏موجود‏، ‏والناس‏ ‏طيبين‏، ‏مع‏ ‏إنى:

يعنى‏، ‏نـــِفسى‏، ‏بينى ‏وبينـَك‏.. ‏

‏- ‏طبعا‏ ‏ربنا‏ ‏موجود‏، ‏مش‏ ‏هوه‏ ‏اللى ‏ستر‏، ‏ومش‏ ‏هو‏ ‏إللى ‏جابنى ‏أتعالج؟

‏- ‏والناس‏ ‏دول طيبين‏. ‏طيبين‏ ‏بصحيح‏ ‏مش‏ ‏طُرَاىْ  ‏وعلى ‏نياتهم‏، ‏طيبة‏ من ‏اللى هيَّا‏، ‏هم‏ ‏طيبين‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏باين‏ ‏عليهم‏ ‏غير‏ ‏كده‏ ‏

‏-‏عرفت‏ ‏إن‏ ‏الناس‏ ‏طيبة ‏وانا‏ ‏باسأل‏ ‏نفسى ‏إن‏ ‏كنت‏ ‏أنا‏ ‏طيب‏ ‏ولا‏ ‏لأه‏،  ‏والظاهر‏ ‏إنى  ‏طيب‏ ‏بس‏ ‏ما‏ ‏كنتش‏ ‏عارف‏، ‏حاكم‏ ‏الطيبة‏ ‏أنواع‏، ‏وأنا‏ ‏قصدى ‏طيبة‏ ‏عفيّة‏ ‏مش‏ ‏أى كلام ‏ ‏والسلام

‏- ‏يمكن‏ ‏أكون‏ ‏طيب‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏غلطت‏، ‏وانت‏ ‏يمكن‏ ‏تكون‏ ‏طيب‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏ما‏ ‏ساعدتنيش‏ ‏زى ‏ما‏ ‏انا‏ ‏عايز

‏- ‏الطيبة‏ ‏ما‏ ‏تبقاش‏ ‏طيبة‏ ‏إلا‏ ‏لو‏ ‏طلعت‏ ‏من‏ ‏واحد‏ ‏قوى – ‏عفى (‏أو‏ ‏واحدة‏ ‏شديدة‏ وجدعة)  ‏

‏- ‏يا‏ ‏ترى ‏إزاى ‏الواحد‏ ‏يبقى ‏قوى ‏وطيب‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت؟

‏-‏ هو‏ ‏فيه‏ ‏مانع؟ ‏ ‏مين‏ ‏قال‏ ‏إن‏ ‏الضعيف‏ ‏طيب؟

‏- ‏لكن‏ ‏المسألة‏ ‏صعبة‏،.. ‏صعبة‏ ‏جدا‏ ‏فعلا

‏- ‏الطيبة‏ ‏الخايبة‏ ‏هى ‏التى ‏خلـتهم‏ ‏يضحكوا‏ ‏علىَّ ‏ويجرُّوا‏ ‏رجلي

‏- ‏الطيبة‏ ‏اللى ‏اتعلمتها‏ ‏دلوقتى ‏هى ‏من‏ ‏نوع‏ ‏تانى، ‏مش‏ ‏قادر‏ ‏أوصفها

‏- عايز‏ ‏أقول‏ ‏للناس‏ ‏إيه‏ ‏إللى ‏بيحصل‏ ‏لى، ‏وبافكر‏ ‏فى ‏إيه‏ ‏بالطريقة‏ ‏الجديدة‏ ‏دي‏، ‏بس‏ ‏زى ‏ما‏ ‏اكون‏ ‏مش‏ ‏عارف‏ ‏أعبّر‏ ‏قوى ‏عن‏ ‏كل‏ ‏ده‏.‏

‏- ‏أما‏ ‏ربنا‏، ‏فأنا‏ ‏بقى ‏با‏ ‏كتشف‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏إنه‏ ‏قريّب‏ ‏مِنِّى بشاكْل‏ ‏

‏- ‏ولما‏ ‏أشعر‏ ‏بالضعف‏ ‏بيبقى ‏قريب‏ منى ‏أكتر‏، ‏ولما‏ ‏باشعر‏ ‏بقوة‏ ‏بابقى ‏أنا‏ ‏قريب‏ ‏منه‏.‏

‏- ‏أحيانا‏ ‏يتهيأ‏ ‏لى ‏إنى ‏لو‏ ‏طلبت‏ ‏من‏ ‏ربنا‏ ‏أى ‏حاجة‏ ‏حايحققها‏ ‏لى، ‏لدرجة‏ ‏إنى ‏ساعات‏ ‏بزودها‏ ‏من‏ ‏عشمى (‏مثلا‏ ‏أطلب‏ ‏‏إن‏ ‏نـفسى ‏آكل‏: ‏فول‏ ‏بزيت‏ ‏حار‏، أستغفر الله العظيم)‏

‏-‏ ربنا‏ ‏هو‏ ‏اللى ‏يقدر‏ ‏يجمع فينا‏ ‏الطيبة‏ ‏مع‏ ‏القوة‏، ‏مش‏ ‏هوه‏ ‏سبحانه‏ ‏رحمان‏ ‏ورحيم‏ ‏وقوى ‏وجبار

‏- ‏طبعا‏ ‏ربنا‏ ‏مش‏ ‏حايعمل‏ ‏حاجة‏ ‏وانا‏ ‏ساكت‏، ‏دا‏ ‏حايهدينى ‏إنى ‏ألاقى ‏الطريق‏ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏واثق‏ ‏من‏ ‏كده‏ ‏

‏- ‏فعلا‏ ‏واثق‏ ‏من‏ ‏كده‏ ‏

ولكن‏:

‏- ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏الحكاية‏ ‏كده‏ ‏قوى، ‏أمال‏ ‏ليه‏ ‏باحِــنّ‏ ‏إنى ‏آخذ‏ ‏تانى ‏الذى ‏منه؟

‏-‏ لأنى ‏بنى ‏آدم‏، ‏ولأن‏ ‏المسألة‏ ‏محتاجة‏ ‏وقت‏ ‏

‏ – ‏ياه‏ !!!!!  ‏تانى ‏؟!!‏    ‏

‏- ‏ماشى.‏

‏(8) ‏فهمت‏ ‏أخيرا‏ ‏إن‏ ‏الضعف‏ ‏مش‏ ‏عيب‏، ‏

 – العيب‏ الحقيقى ‏هوه‏ ‏العمَى ‏الحيسي‏، ‏والاستسهال‏ ‏

‏- ‏طبعا‏ ‏أنا‏ ‏ضعيف‏ ‏زيى ‏زى ‏كل‏ ‏واحد‏، ‏ويظهر‏ ‏إنى ‏ما‏ ‏كنتش‏ ‏عايز‏ ‏أعترف‏ ‏إنى ‏ضعيف‏ ‏فبقيت‏ ‏أستخبى ‏فى ‏الهباب‏ ‏ده‏، ‏قال‏ ‏إيه‏ ‏ما‏ ‏حدش‏ ‏زيى، ‏وادى ‏النتيجة‏.‏

‏- بمجرد‏ ‏ما‏ ‏اعترفت‏ ‏إنى ‏ضعيف‏ ‏حسيت‏ ‏بقوة‏ ‏مش‏ ‏عارف‏ ‏ازاي‏، ‏ياه‏ !! ‏سبحان‏ ‏الله‏ ‏

‏- خايف‏ ‏أستحلاها‏ ‏واقعد‏ ‏أزن‏ ‏على ‏ضعفي‏، ‏واستحلَى حكاية غصبن‏ ‏عنى‏، غصبن عنى، ‏ومش‏ ‏قادر‏، ‏وكلام‏ ‏من‏ ‏ده

‏-  ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏الضعف‏ ‏مش‏ ‏عيب‏، ‏يا‏ ‏ترى ‏يبقى ‏العيب‏ ‏فين؟

‏- ‏ ‏العيب‏ ‏فيَّا طبعا، بس ‏فى ‏إيه‏ ‏بالضبط؟

–  ‏أظن‏ ‏هو‏ ‏الكسل‏ ‏والاستسهال‏، ‏عايز‏ ‏أوصل‏ ‏قوام‏ ‏ومش‏ ‏عايز‏ ‏أتألم‏ ‏خالص‏، ‏

‏-  ‏أكبر‏ ‏مكسب‏ ‏بأقل‏ ‏جهد‏، ‏يمكن‏ ‏هوه‏ ‏ده‏ ‏

  –  ‏بس‏ ‏انا‏ ‏ما‏ ‏اقدرتش‏ اكمّل، ‏صحيح‏، ‏الحاجات الهباب دى كانت‏ ‏بتريحنى، كنت أتنشط شوية، إنما أتخمد بعدها، ‏لكن‏ ‏بصراحة‏ ‏طلعتْ مش راحة ولا حاجة ‏

‏ – ‏أنا كنت مستحلى الكسل، بس مش عارف هو الكسل ولاّ إيه‏ ‏

‏ – ‏طيب‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏برضه‏ ‏أنا‏ ‏من‏ ‏حقى ‏أستريّح‏ ‏

    – ‏الراحة‏ ‏الحقيقية‏ ‏هى ‏إنى ‏أبقى ‏راضى، ‏لأنى ‏عرفــت‏، ‏لأنى ‏جدع‏، ‏لأنى ‏عملت‏ ‏اللى ‏علىّ‏، ‏لأنى ‏خدت‏ ‏واديت‏ ‏مع‏ ‏الناس

‏ – ‏يا‏ ‏ترى ‏حد‏ ‏حايقــبـلنى ‏وأنا‏ ‏ضعيف‏ ‏كده‏ ‏

‏ – ‏المسألة‏ ‏مش‏ ‏فى ‏إن‏ ‏حد‏ ‏يقبلنى ‏ولا‏ ‏حد‏ ‏يرفضني‏، ‏هوّا الأول‏ ‏أنا‏ ‏قابل‏ ‏نفسى ‏ولا‏ ‏لأ؟ ‏!!‏

‏ – ‏طب‏ ‏وازاى ‏أقبل‏ ‏نفسى ‏وما‏ ‏حدش‏ كان ‏عايزنى: ‏لا‏ ‏أهلى ‏ولا‏ ‏الناس‏، ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏إلا‏ ‏الشلة هىّ اللى اتهيألى أنها هىّ

‏ – ‏لكن‏ ‏الدكتور‏ (و‏المعالج‏) ‏والناس‏ ‏اللى ‏متورطين‏ ‏زيى ‏قابلينـّى  زى ما أنا عشان نبتدى، ما دام باحاول، ‏ضعيف‏، ‏قوى ‏همَّا‏ ‏ قابلينـّى  ‏. ‏إحنا‏ ‏عايزين‏ ‏بعض‏، ‏ما‏ ‏حدش‏ ‏بيشرَّط‏ ‏على ‏حد‏، ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏غير‏ ‏شرط‏ ‏واحد‏ ‏إننا‏ ‏نكمّل

‏ – ‏النشاط‏ ‏طلع‏ ‏مش‏ ‏وحش‏، ‏دا‏ ‏باين‏ ‏عليه‏ ‏مش‏ ‏ضد‏ ‏الكسل‏‏، ‏دا‏ ‏ضد‏ ‏الموت‏ ‏نفسه‏ ‏

‏(9) ‏طبعا‏ ‏من‏ ‏حقى ‏أعتمد‏ ‏على ‏حد‏، ‏وإنّ‏ ‏حد‏ ‏يعتمد‏ ‏عليّا: ‏

(المصيبة‏ ‏واحدة‏ ‏والناس‏ ‏لبعضها)

‏- ‏المسألة‏ ‏إنى ‏ما‏ ‏كنتش‏ ‏لاقى ‏حد‏، ‏قالوا‏ ‏لى ‏تعالى ‏معانا‏ ‏رحت‏، ‏مش‏ ‏عارف‏ ‏معاهم‏ ‏فين

‏- ‏لأ‏ ‏ما‏ ‏اقصدشى ‏إنهم‏ ‏شربونى ‏حاجة‏ ‏أصفرا‏، ‏

‏- ‏أنا‏ ‏كنت‏ ‏عارف‏ ‏أنا‏ ‏باعمل‏ ‏إيه‏ ‏لكن‏ ‏ما‏ ‏كنتش‏ ‏لاقى ‏حد‏ ‏غيرهم‏ ‏

‏- ‏قعدوا‏ ‏يقولولى “‏إنت‏ ‏حر” ‏”‏إنت‏ ‏حر”‏ ‏لحد‏ ‏ما‏ ‏صدقت‏ ‏صحيح‏ ‏إن‏ ‏دى ‏هية‏ ‏الحرية

‏- ‏دلوقتى ‏بيقولوا‏ ‏حاسب‏ ‏ ‏ ‏يغسلولك ‏ ‏مخك‏، ‏

‏- ‏يا‏ ‏ريتهم   ‏يغسلوه‏ ‏زى ‏ما‏ ‏غسلو ‏ ‏دمي‏.‏

‏- ‏ما‏ ‏هو‏ ‏مسألة‏ ‏إنى ‏أبقى “‏أنا‏ ‏أنا‏” ‏ولا‏ “‏أنا‏ ‏مش‏ ‏أنا‏” دى مسألة ‏طلعت‏ ‏فِشِنـْك باين عليها‏، ‏وترجع لى أنا.

‏- ‏دانا‏ ‏ساعات‏ ‏كنت‏ ‏آخد‏ ‏الحاجات‏ ‏دى ‏زى ‏ما‏ ‏تكون‏ ‏حاكتشف‏ ‏بيها‏ ‏أنا‏ ‏مين‏، ‏

‏- ‏هو‏ ‏أنا‏ ‏حابقى ‏أنا‏ ‏إلا‏ ‏بالناس‏، ‏بيكم‏، ‏باللى ‏باعمله‏، ‏ولا‏ ‏حابقى ‏أنا‏ ‏أنا‏ ‏لما‏ ‏انسطل؟

‏- ‏المهم‏ ‏اتعلمت‏ ‏إنى ‏أبقى ‏واحد‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏مش‏ ‏واحد‏ ‏منـِّى، ‏الناس‏ ‏لبعضها‏ ‏يا‏ ‏عم

‏- ‏فيها‏ ‏إيه‏ ‏لما‏ ‏نتلم‏ ‏عشان‏ ‏نساعد‏ ‏بعض،‏ ‏مش‏ ‏عشان‏ ‏نتنيل‏ ‏مع‏ ‏بعض

‏- ‏ملمومين‏ ‏صحيح‏ ‏فى ‏ظروف‏ ‏صعبة‏، ‏يعنى ‏مش‏ ‏فرصة‏ ‏سعيدة‏، ‏لكنها‏ ‏حاتبقى ‏سعيدة‏ ‏بإذن‏ ‏الله‏،  ‏وباللى ‏بنعمله‏ ‏سوا؟

‏- ‏آه‏ ‏صحيح‏ ‏هوه‏ ‏احنا‏ ‏بنعمل‏ ‏إيه‏ ‏سوا؟ ‏ ‏هو‏ ‏ده‏ ‏نادى ‏ولا‏ ‏ملعب؟

‏- ‏بصراحة‏ ‏هوه‏ ‏لا‏ ‏ده‏ ‏ولا‏ ‏ده‏، ‏هو‏ ‏مجتمع‏، ‏.. بس يعنى: مجتمع‏ ‏يعنى ‏إيه؟ ‏ ‏

‏- ‏مش‏ ‏عارف‏. ‏مجتمع‏ ‏يعنى ‏إحنا مع بعض‏ ‏فينا‏ ‏البركة‏ ‏

‏- ‏مافيش‏ ‏خلاف‏ ‏بين‏ ‏إن‏ ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏يبقى ‏نفسه‏، ‏وإننا‏ ‏نعتمد‏ ‏على ‏بعض‏، ‏

‏- ‏دا‏ ‏بيتهيألى ‏إن‏ ‏عشان‏ ‏الواحد‏ ‏يبقى ‏نفسه‏، ‏لازم‏ ‏يعرف‏ ‏ازاى ‏يعتمد‏ ‏وازاى ‏يسيب‏. يعتمد على الناس من غير ما يلزق، ويسبيهم من غير ما يتوحِـدْ ‏

‏-‏ يتهيألى ‏بالشكل‏ ‏ده‏ ‏ما‏ ‏نحتاجشى ‏لكيمياء‏ ‏ولا‏ ‏سموم‏ ‏عشان‏ ‏هيه‏ ‏اللى ‏تلمنا‏ ‏أو‏ ‏هيه‏ ‏إللى ‏تلهينا‏ ‏عن‏ ‏نفسنا‏ ‏وعن‏ ‏حاجتنا‏ ‏لبعضنا‏، ‏يعنى ‏بدال‏ ‏ما‏ ‏نحتاج‏ ‏الهباب‏ ‏ده‏، ‏نعترف‏ ‏ونحتاج‏ ‏بعض‏، ‏نتلم‏ ‏مع‏ ‏بعض‏ ‏‏أحسن

‏- ‏والأهم‏ ‏بصحيح‏ ‏إن‏ ‏ربنا‏ ‏معانا‏ ‏

‏-‏ هوه‏ ‏ربنا‏ ‏بيسيب‏ ‏إلا‏ ‏إللى ‏يسيب‏ ‏نفسه‏ ‏وينساها‏ ‏

‏(10)  التبطيل لوحده‏ ‏دا‏ ‏أى ‏كلام‏، ‏المهم‏ ‏التغيير‏ !! ‏

‏- ‏نبطل؟ ‏ ‏نبطل!!‏ ‏نبطل!! حاضر‏، بس الحكاية  ثبتت إنها مش حكاية تبطيل؟ ‏ ‏ما‏ ‏انا‏ ‏بطلت‏ ‏قبل‏ ‏كده‏ ‏وغيرى ‏بطل‏ ‏ييجى ‏ميت‏ ‏مرة‏، ‏ما‏ ‏أسهل‏ ‏التبطيل‏، ‏ولكن‏..‏ما انت عارف:…

‏- ‏طبعا‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏إن‏ ‏حنلاقى ‏دوَا‏ ‏كويس‏ ‏بدال‏ ‏الهباب‏ ‏ده‏، ‏

‏- ‏مش‏ ‏قصدى ‏دوا‏ حبوب، ضرورى يعنى، ‏قصدى ‏حاجة‏ ‏كويسة‏ ‏والسلام‏ ‏تغنينا‏ ‏عن‏ ‏البتاع‏ ‏ده‏.‏

‏- ‏الدوا‏ ‏ده مفعوله‏ ‏مش‏ ‏زى ‏اللى ‏كنت‏ ‏باخده‏، ‏يمكن‏ بيخلينى  ‏أحسن سنـّـه زى ما بيقولوا‏، ‏بس‏ ‏مفعول‏ ‏دكهه‏ ‏حاجة‏ ‏تانية

‏- ‏نفسى ‏أصرخ‏ ‏فى ‏الناس‏ ‏وبالذات‏ ‏أهلى ‏واقولّهم‏ ‏يا‏ ‏جماعة‏ ‏المسألة‏ ‏كبيرة‏، ‏وجدّ

‏- ‏طيب‏ ‏فيه‏ ‏بديل؟

‏- ‏هوا‏ ‏مش‏ ‏ربنا‏ ‏خلقنا حلوين‏، ‏يبقى ‏لازم‏ ‏نفضل حلوين، يبقى ‏فيه‏ ‏بديل‏، ‏بس‏ ‏مش‏ ‏بديل‏ ‏يعنى، دماغ بدال دماغ، ولا إبرة بدال إبرة وإنما‏ ‏يعني‏، … ‏والله‏ ‏ما أنا‏ ‏عارف‏، ‏قصدى ‏عارف‏ ‏بس‏ ‏مش‏ ‏عارف‏ ‏

‏- ‏هوا‏ ‏انا‏ كنت ‏باخد‏ ‏الهباب‏ ‏ده‏ ‏ليه؟ ‏ ‏مش عشان‏ ‏كان بيعملـِّى ‏حاجة؟‏ ‏

‏- ‏يا ترى‏ ‏فيه‏ ‏حاجة‏ ‏تعمل لى ‏الحاجة دى‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏ما‏ ‏ادمن‏ ‏عليها‏ ‏وتِضُرّني

‏- ‏مانا‏ ‏قلت‏ ‏مش‏ ‏قصدى ‏دوا‏ ‏

‏- ‏الحسبة‏ ‏غلط‏، ‏لأن‏ ‏خـلقة‏ ‏ربنا‏ ‏ما‏ ‏فيهاش‏ ‏ضرر‏، ‏الظاهر‏ ‏إن‏ ‏الواحد‏ ‏لازم‏ ‏يدوّر‏ ‏إنه‏ ‏هوه‏ ‏ما‏ ‏يعوزشى ‏الحاجة‏ ‏دى ‏من‏ ‏أصله‏، ‏يبقى ‏لازم‏ ‏أنا‏ ‏اللى ‏اتغير

‏- ‏طيب‏ ‏هو‏ ‏فيه‏ ‏حد‏ ‏بيتغيربصحيح؟!!

‏- ‏آه‏ ‏فيه‏، ‏مانا‏ ‏اتغيرت‏ ‏عن‏ ‏ما‏ ‏كنت‏ ‏قبل‏ ‏ما‏ ‏اتورّط‏ ‏الورطة‏ ‏المهببة‏ ‏دي

‏- ‏يبقى ‏عايزأرجع‏ ‏زى ‏قبل‏ ‏ما‏ ‏اتورط، زى ما كنت

‏- ‏بس‏ ‏الظاهر‏ ‏إن‏ ‏برضه‏ ‏زى ما كنت دى تبقى خيبة، ما هو اللى كان ‏ما‏ ‏كانش‏ ‏كويس‏ ‏قوى‏، ‏لأنه‏ ‏ما‏ ‏كانش‏ ‏حلو‏ ‏وجدع‏ ‏بحيث‏ ‏يقدر‏ ‏ما‏ ‏يقعشى ‏الوقعة المنيِّلة‏ ‏دى. ‏

‏- طب بلاش زى ما كنت، خليها ‏يبقى ‏أرجع‏ ‏زى ‏ما‏ ‏ربنا‏ ‏خلقني

‏- ‏ ‏طيب‏ ‏ودا‏ ‏ممكن؟

‏-‏ طبعا‏ ‏ممكن‏ ‏مش‏ ‏هوه‏ ‏اللى ‏خلقنا‏ ‏صح‏، ‏واحنا‏ ‏إللى ‏لعبنا‏ ‏فينا، كل‏ ‏المطلوب‏ ‏إن‏ ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏فينا‏ ‏يرجع‏ “‏زى ‏ربنا‏ ‏ما‏ ‏خلقه‏”، ‏مش‏ ‏زى ‏ما‏ “‏لـَغْــوَصْ‏ ‏فى ‏نفسه‏، ‏ولغوصت فيه السموم دى وناسْها”.

– يارب‏ ‏سترك‏ ‏ورضاك‏، ‏خليك‏ ‏يا‏ ‏رب‏ ‏مع‏ ‏اللى ‏بيحاولوا‏ ‏بجد

– يمكن صحيح الواحد يبقى أحسن بصحيح أحسن من زمان وأحسن من دلوقتى

‏(11) مستحيل‏ ‏أرجع‏، (يعنى!)، ‏

 ‏(‏وحتى ‏لو‏ ‏رجعت‏، ‏ما‏ ‏انا‏ ‏عرفت‏ ‏السكة‏‏)

‏- ‏خايف‏، ‏خايف‏ ‏بصحيح‏، ‏ولو‏ ‏إن‏ ‏الخوف‏ ‏نفسه‏ ‏مش‏ ‏جدعنة‏، ‏وحاسس‏ ‏إنه‏ ‏مش‏ ‏حايحمينى ‏من‏ ‏أى ‏شر‏، ‏طيب‏ ‏مش‏ ‏خايف‏، ‏أنا‏ ‏بطلت‏، ‏ومش‏ ‏حاخد‏ ‏تانى ‏أبدا‏ ‏

‏- ‏أخدّ يعنى إيه!!‏ ‏دانا‏ ‏ما‏ ‏صدقت‏، ‏دانا‏ ‏كنت‏ ‏متصور‏ ‏إنى ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏يفوت‏ ‏على ‏يوم‏ ‏ما‏ ‏خدشي

‏- ‏أمال‏ ‏ليه‏ ‏خايف؟ ‏… ‏قلنا‏ ‏مش‏ ‏خايف…‏، ‏لأه‏ ‏خايف…‏، ‏طب‏ ‏مش‏ ‏حاخاف‏، ‏

‏- ‏إيه‏ ‏الحكاية؟ ؟

‏- ‏جيت‏ ‏أوعد‏ ‏المعالج‏ ‏قال‏ “‏مش‏ ‏عايز‏ ‏وعود‏ ‏عايز‏ ‏شُغل‏”‏

‏- ‏جيت‏ ‏أستعمل‏ “‏الإرادة‏” ‏قاللى ‏حاسب‏ ‏لتتقطع‏ منك ‏من‏ ‏كتر‏ ‏الشَّـدّ‏، ‏فكّرنى ‏إنى ‏استعملتها‏ ‏قبل‏ ‏كده‏ لوحدى ‏وما‏ ‏نفعتشي‏، ‏إمال‏ ‏أعمل‏ ‏إيه؟ ‏ ‏

‏- ‏أعمل‏ ‏إيه‏ ‏فى ‏إيه؟ ‏ ‏مانا‏ ‏مْبَطّل‏ ‏أهه‏ ‏

‏- ‏طيب‏ ‏لو‏ ‏رجعت؟

‏- ‏قلنا‏ ‏مش‏ ‏حارجع

‏- ‏الدكتور‏ ‏قالى ‏ولا‏ ‏يهمك‏، ‏ولا‏ ‏يهمنى ‏إزاى ‏أمال‏ ‏مين‏ ‏اللى ‏يهمه؟ ‏هوّهْ ؟

‏- ‏أحسن‏ ‏حاجة‏ ‏إنى ‏أنفذ‏ ‏التعليمات‏ ‏وما‏ ‏أفكرشى، ‏وإذا‏ ‏رجعت‏ ‏يبقى ‏هو‏ ‏المسئول

‏- ‏لا‏ ‏يا‏ ‏شيخ؟ ‏!! ‏طيب‏ ‏وانا‏ ‏استفدت‏ ‏إيه‏ ‏بمسئوليته‏ ‏دي

‏- ‏طيب،‏ ‏أنا‏ ‏اللى ‏مسئول

‏- ‏يبقى ‏مش‏ ‏حارجع‏ ‏

‏- ‏بدل‏ ‏ما‏ ‏اقعد‏ ‏أزن‏ ‏واقول‏ ‏حارجع‏ ‏مش هارجع‏، حارجع‏ ‏مش هارجع‏، أنا‏ ‏أشوف‏ ‏أنا‏ ‏حاعمل‏ ‏إيه‏ ‏فى ‏حياتى، ‏فى ‏شغلى‏، ‏فى ‏الناس‏ ‏اللى ‏بيحبونى، ‏فى ‏الناس‏ ‏اللى ‏أنا‏ ‏باحبهم‏، ‏فى ‏الحاجات‏ ‏الحلوة‏ ‏اللى ‏اتعلمتها‏ ‏

‏- ‏الله‏ ‏دانا‏ ‏بقيت‏ ‏غنى ‏وانا‏ ‏مش‏ ‏عارف‏، ‏

‏- ‏اكتشفت‏ ‏إن‏ ‏الغِنَى ‏إنك‏ ‏تعرف‏ ‏ده‏ ‏من‏ ‏ده‏، ‏تعرف‏ ‏تشوف‏، تعرف ‏تعوز‏، تعرف ‏تقرر‏، ‏أى ‏والله

‏- ‏الغنى ‏مش‏ ‏فى ‏اللى ‏بتبلبعه‏ ‏أو‏ ‏تضربه‏ ‏أو‏ ‏يسطلك‏، ‏دا‏ ‏فقر‏ ‏دكر

‏- ‏ساعات‏ ‏أحمد‏ ‏ربنا‏ ‏إنى ‏أدمنت‏ ‏عشان‏ ‏خدت‏ ‏الفرصة‏ ‏دى ‏واغتنيت‏ ‏كده‏ ‏

‏- ‏شفت‏ ‏الكلام‏ ‏حلو‏ ‏ازاى، ‏الله‏ ‏ينور‏، ‏يبقى ‏كده‏ ‏تمام‏، ‏

‏- ‏ولو‏ ‏رجعت؟

‏- ‏لاّهْ‏، ‏ما‏ ‏انا‏ ‏عرفت‏ ‏السكّة‏، ‏العلاج‏ ‏موجود‏، ‏والناس‏ ‏الحلوة‏ ‏موجودة‏، ‏وربنا‏ ‏موجود‏، ‏وانا‏ ‏وانت‏. ‏ ‏

– ‏الحمد‏ ‏لله‏.‏

‏(12) ‏أنا‏ ‏زهقت‏، ‏كفاية‏ ‏كده‏……

(‏وبعدين‏ ‏بقى؟‏)

‏- ‏من‏ ‏حقى ‏أسأل‏: ‏لحد‏ ‏إمتى ‏؟

‏- ‏المسألة‏ ‏طالت‏ ‏لدرجة‏ ‏إنى ‏قَـرّبت‏ ‏افتـكــر الكلام بتاع زمان، وإنه‏ “‏ما‏ ‏فيش‏ ‏فايدة‏”‏ طب ياترى فيه بصحيح؟

‏- ‏طيب‏ ‏هُوَّا‏ ‏انا‏ ‏عندى ‏سكة‏ ‏تانية‏ ‏غير‏ ‏السكة‏ ‏الصعبة‏ ‏دى؟‏ ‏

‏- ‏صحيح‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏أكسب‏ ‏حاجة‏ ‏كده‏ ‏ولو‏ ‏بسيطة‏ ‏

‏- ‏لكن‏ ‏لما‏ ‏باسمع‏ ‏إن‏ ‏حد‏ ‏رجع‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ بطل‏ ‏باترعب

‏- ‏البرنامج البرنامج البرنامج، الخطوات، الخطوات، الخطوات‏، ‏هوه‏ ‏انا‏ ‏حاقضىِّ ‏عمرى ‏فى ‏سجن‏ ‏البرنامج والخطوات؟

‏-‏ إنما‏ ‏الظاهر‏ ‏أنا‏ ‏اتعودت‏ ‏على ‏المفروض‏ ‏لدرجة‏ ‏إنى ‏باعمله ‏من‏ ‏غير‏ ‏ماحد‏ ‏يقول لي

‏- ‏بقت‏ ‏عادة‏، ‏يمكن‏ ‏تبقى ‏طبع‏ ‏بعد‏ ‏كده‏ ‏

‏- ‏بس‏ ‏بصراحة‏ ‏حاسس‏ ‏إنى ‏باحن‏ ‏للقديم، ‏كان‏ ‏سهل‏ ‏قوى ‏قوى، ‏قوام‏ ‏قوام‏ ‏

‏-‏ وليه‏ ‏لأه؟ ‏ ‏ما‏ ‏يحصل‏ ‏

‏- ‏هوه‏ ‏إيه‏ ‏إللى ‏يحصل؟ ‏ !!!‏

‏-  ‏الحَنينْ‏ ‏يحصل‏، ‏إنما‏ ‏ما‏ ‏بعد‏ ‏الحنين:‏ ‏كل‏ ‏سنة‏ ‏وانت‏ ‏طيب‏ ‏

‏- ‏ساعات‏ ‏أحس‏ ‏إنى ‏مش‏ ‏حارجع‏ ‏تانى ‏أبدا‏، ‏بقيت‏ ‏أكره‏ ‏اللى ‏كنت‏ ‏باخده‏، ‏لأ‏، ‏دانا‏ ‏بقيت‏ ‏أكره‏ ‏الشخص‏ ‏اللى ‏كان‏ ‏بياخده‏، ‏يستحيل‏ ‏يكون‏ ‏هو‏ ‏ده‏ ‏أنا‏، ‏أنا‏ ‏دلوقتى ‏باحب‏ ‏نفسى ‏لكن‏ ‏باكره‏ ‏نفسى ‏دِكْهَه‏، ‏جابت  ‏لى ‏الذل‏ ‏والضعف‏ ‏والضياع، بس هيّا أنا برضه

‏- ‏أحسن‏ ‏شيء‏ ‏اتعلمته‏ ‏من‏ ‏التجربة‏ ‏دى ‏إنى ‏بقيت‏ ‏أحب‏ ‏نفسى كلها على بعضها

‏- ‏لا‏ ‏مش‏ ‏أنانية‏، ‏دا‏ ‏احترام‏، ‏لما‏ ‏تحب‏ ‏نفسك‏ ‏بصحيح‏ ‏تحترمها‏، ‏تصونها‏ ‏

‏- ‏معنى ‏إنك‏ ‏تحب‏ ‏نفسك‏ ‏هو‏ ‏إنك‏ ‏تحب‏ ‏الحياة‏، ‏وتحب‏ ‏ربنا

‏- ‏وإذا‏ ‏نجحت‏ ‏إنك‏ ‏تحب‏ ‏ربنا‏، ‏فاعرف‏ ‏إن‏ ‏ربنا‏ ‏بيحبك‏ ‏كمان‏ ، دا ربنا بيحبك قبل ما انت تحبه.

‏- ‏ياخبـر‏ !! ‏كل‏ ‏الخير‏ ‏ده‏ ‏واقول‏ ‏أنا‏ ‏زهقت‏، ‏طب‏ ‏زهقت‏ ‏من‏ ‏إيه؟

‏- ‏بصراحة‏ ‏أنا‏ ‏كنت‏ ‏عايز‏ ‏اتْلَكِّكْ

‏- ‏والظاهر‏ ‏بَادَوَّر‏ ‏على ‏حِجَّة‏ ‏عشان‏ ‏أبطل‏ ‏علاج؟

‏- ‏أبطل‏ ‏إيه؟‏!! ‏أبطل‏ ‏أعيش؟!! ‏ ‏دانا‏ ‏كده‏ ‏باتعلم‏ ‏الحياة‏ ‏

‏- ‏كنت‏ باشعر‏ ‏قبل‏ ‏كده‏ ‏إن‏ ‏الحياة‏ ‏ماتساويش‏، ‏بعدين‏ ‏حسيت‏ ‏إنها‏ ‏تساوى ‏بس‏ ‏مش‏ ‏ليـَّا‏، ‏وبعدين‏ ‏حسيت‏ ‏إنها‏ ‏تساوى ‏بس‏ ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏قدها‏، ‏ودلوقتى ‏حاسس‏ ‏إنها‏ ‏تساوى ‏ونص‏، ‏بس‏ ‏الركّ‏ ‏علىَّ ‏أنا‏ ‏اللى ‏أخليها‏ ‏تساوى ‏أو‏ ‏ماتساويش

‏- ‏يبقى ‏بعد‏ ‏كل ‏ده‏ ‏أقول‏ ‏زهقت‏؟؟ ‏من‏ ‏إيه‏ ‏بالذمة؟؟

‏- ‏من‏ ‏إنى ‏أعيش؟ ‏ !! ‏بقى ‏دا‏ ‏اسمه‏ ‏كلام‏ !!!‏؟

‏(13) ‏لأه‏، ‏مع‏ ‏بعض‏ ‏أحسن‏… ‏

‏- ‏فكرت‏ ‏أكمـِّـل‏ ‏لوحدي

‏- ‏هوه‏ ‏انا‏ ‏حاقعد‏ ‏مربوط‏ ‏بيهم‏ ‏لحد‏ ‏إمتى ‏؟‏ ‏

‏- ‏عايز‏ ‏أشعر‏ ‏بحريتى ‏من‏ ‏أوّل‏ ‏وجديد‏، ‏أنا‏ ‏قدّها‏ ‏وقدود

‏- ‏مش‏ ‏متأكد‏ ‏أنا‏ ‏قد‏ ‏إيه‏ ‏بالظبط‏، ‏زى ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏حاجة‏ ‏جوايا‏ ‏بتحصل‏ ‏فى ‏السر

‏- ‏أنا‏ ‏خايف‏ ‏من‏ ‏نفسى ‏

‏-‏ ساعات أحس إنى مش‏ ‏طايق‏ ‏الكبسة‏ ‏على ‏نفسى ‏من‏ ‏الجماعة المدمنين أو‏ ‏إللى ‏كانوا‏ ‏مدمنين‏ ‏دول

– ‏هية‏ ‏لزقة‏ ‏ولا‏ ‏إيه‏!! ‏نِـفسِــى ‏أنسى ‏إنى ‏كنت‏ ‏مدمن‏ ‏فى ‏يوم‏ ‏من‏ ‏الأيام

‏- ‏يا‏ ‏ترى ‏أروح‏ ‏فين‏ ‏عشان‏ ‏ما‏ ‏حدش‏ ‏يعرف‏ ‏تاريخى، ‏وإنى ‏كنت‏ ‏باتعالج؟ طب وفيها إيه؟

‏- ‏أنا‏ ‏اتعلمت‏ ‏إزاى ‏أخلع‏ ‏نفسى ‏من‏ ‏الشلة‏ ‏القديمة‏، ‏دلوقتى ‏باشاور عقلى‏ ‏أنكر‏ ‏نفسى ‏من‏ ‏الجماعة‏ ‏دول برضه‏، ‏قال‏ ‏إيه‏ ‏مدمن‏ ‏سابق‏، ‏مدمن‏ ‏عالمعاش‏، ‏لأ‏ ‏كفاية‏ ‏عليهم‏ ‏كده

‏- ‏بس‏ ‏معنى ‏كده‏ ‏إنى ‏حاعيش‏ ‏لوحدي‏، ‏لا‏ ‏دول‏ ‏ولا‏ ‏دول

‏- ‏طيب‏ ‏مانا‏ ‏لما‏ ‏كنت‏ ‏باحس‏ ‏بالشعور‏ ‏ده‏ ‏زمان‏ ‏كنت‏ ‏باضرب‏ ‏أو‏ ‏بابرشم

‏- ‏يكونشى ‏الفلفصة‏ ‏دى، ‏وحكاية‏ ‏الحرية‏ ‏واعْمِـلْها‏ ‏لوحدى، ‏يكونشى ‏دا‏ ‏كله‏ ‏تمهيد‏ ‏إنى ‏أرجع‏ ‏تانى‏‏؟

‏- ‏يا‏ ‏لهوى !!!  ‏دا‏ ‏الشيطان ‏شاطر‏ ‏بِشّاكْل‏ !!!‏

‏- ‏وحدى ‏إيه‏ ‏وهباب‏ ‏إيه؟‏ ‏

‏- ‏حرية‏ ‏إيه‏ ‏وبتاع‏ ‏إيه؟‏ ‏

‏- ‏دا‏ ‏حتى ‏الأنبيا‏ ‏عليهم‏ ‏الصلاة‏ ‏والسلام‏ ‏كان‏ ‏لهم‏ ‏حواريين‏ ‏وصحابة

‏- ‏دانا‏ ‏زى ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏لقيت‏ ‏كنز‏ من‏ ‏الناس‏، ‏وبعدين‏ ‏مستخسره‏ ‏فى ‏نفسى ‏

‏- ‏طبعا‏ ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏حاجة‏ ‏إسمها‏ ‏لوحدى

‏- ‏صحيح‏ ‏أنا‏ ‏إللى ‏حاعمل‏ ‏كل‏ ‏حاجة‏،‏ما‏ ‏حدش‏ ‏حا‏ ‏يعملِّى ‏حاجة‏، ‏بس‏ ‏مش‏ ‏لوحدي

‏-‏ لوحدى ‏لما‏ ‏أكون‏ ‏مش‏ ‏لا‏ ‏قى ‏حد‏، ‏لكن‏ ‏أنا‏ ‏لا‏ ‏قِى ‏وْلاقى ‏وحانشيل‏ ‏بعض‏، ‏

‏- ‏وحانحمى ‏نفسنا‏ ‏من‏ ‏نفسنا‏، ‏وحانمد‏ ‏إيدنا‏ ‏للى ‏يتَّعتر‏ ‏أو‏ ‏يقع‏ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏عرفت‏ ‏السكة‏، ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏وله‏ ‏شيء‏، ‏

‏- ‏اللى ‏يقع‏ ‏حايقوم‏، ‏واللى ‏ما‏ ‏يقومشى ‏حانقومه‏ ‏

‏- ‏واللى ‏شال‏ ‏حد‏ ‏النهاردة‏، ‏حايلاقى ‏إللى ‏يشيله‏ ‏بكره

‏(14) أحسن‏ ‏حاجة‏ ‏إنى ‏ما‏ ‏بقيتشى‏ ‏حاسس‏ ‏بالذنب‏،

(هوه‏ ‏أنا‏ ‏مجرم؟ طب أذنبت فى إيه؟)

‏- ‏فى ‏الأول‏ ‏صحيح‏ ‏كنت‏ ‏ضاربها‏ ‏صارمة‏، ‏ولا‏ ‏حاسس‏ انى ‏أنا‏ ‏بأذى ‏مين‏، ‏أو‏ ‏باخرّبها‏ ‏إزاى، ‏كنت‏ ‏سايب‏ ‏اللى ‏يلوم‏ ‏يتفلق‏، ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏يقول‏ ‏اللى ‏هوه‏ ‏عايزه‏، ‏على ‏قد‏ ‏عماه‏ ‏

‏- ‏لما‏ ‏الدنيا باظت، والكارثة بقت فضيحة‏ ‏بقيت‏ ‏شاعر‏ ‏إنى ‏مجرم‏، ‏بس‏ ‏أنا‏ ‏عارف‏ ‏إنى ‏مش‏ ‏مجرم

‏- ‏وهمَّا بقى خد‏ ‏عندك‏: ‏هات‏ ‏يا‏ ‏نصايح‏ ‏وهات‏ ‏يا‏ ‏لوم‏ ‏وهات‏ ‏يا‏ ‏تهديد‏ ‏وهات‏ ‏يا‏ ‏صُعْبانية

‏- ‏ماشى ‏لكن‏ ‏كل‏ ‏ده‏ ‏كان‏ ‏معناه‏ ‏إنى ‏مجرم‏، ‏واحد‏ ‏يعاقبنى ‏وواحد‏ ‏يستعمل‏ ‏الرأفة‏ ‏

‏- ‏ولما‏ ‏صدَّقوا‏ ‏إنى ‏مش‏ ‏مجرم‏ ‏…..، ‏قالوا دا‏ ‏”عيان‏”

‏- ‏لكن‏ ‏انا‏ ‏فضلت‏ ‏مصدق‏ ‏إنى ‏مجرم‏، ‏بس‏ ‏اتلككت‏ ‏على ‏حكاية‏ ‏عيان‏، ‏مادام‏ ‏عيان‏ ‏يبقى ‏ذنبى ‏إيه‏، ‏وهات‏ ‏يا‏ ‏شكوى، ‏وغصبن‏ ‏عنى، ‏ومش‏ ‏قادر‏، ‏وكلام‏ ‏من‏ ‏ده

‏- ‏ ‏مِــنْ‏ ‏مجرم‏ ‏لعيان‏ ‏يا‏ ‏قَلبى ‏لا‏ ‏تحزن

‏-‏ دلوقتى ‏أقدر‏ ‏أقول‏ ‏إنى ‏ما‏ ‏نيش‏ ‏مجرم‏، ‏لكنى ‏مسئول‏ ‏عن‏ ‏نفسى ‏وعن‏ ‏اللى ‏أذيتهم، والعيا مش عذر

‏- ‏إتعلمت‏ ‏إن‏ ‏الاعتراف‏، ‏والاعتذار‏، ‏بيريحوا‏ ‏الواحد‏ ‏لكن‏ ‏لا‏ ‏باستفيد‏ ‏ولا‏ ‏با‏ ‏بطـَّل

‏- ‏إللى ‏عايز‏ ‏يعترف‏: ‏يعترف‏ ‏بالمسئولية‏ ‏مش‏ ‏بالذنب‏، ‏والمسئولية‏ ‏عن‏ ‏دلوقتى ‏مش‏ ‏بس‏ ‏عن‏ ‏اللى ‏فات‏، ‏المسئولية‏ ‏بأثر‏ ‏رجعى ‏عَطَلَة‏ ‏مالهاش‏ ‏لازمة‏، ‏المسئولية‏ ‏فى اللى باعمله‏ ‏دلوقتى.

‏-‏ واللى ‏عايز‏ ‏يعتذر‏: ‏يعتذر‏ ‏بإنه‏ ‏يتغيــَّر‏، ‏مش‏ ‏بالكلام‏، ‏ولما‏ ‏يتغير‏ ‏هوه‏ ‏دا‏ ‏الضمان‏ ‏الوحيد‏ ‏إنه‏ ‏ما‏ ‏يعملهاش‏ ‏تاني

‏- يعنى ‏يعمل‏ ‏إيه؟

‏- ‏بصراحة‏ ‏المسألة‏ ‏مش‏ ‏بس‏ ‏إنى ‏كنت‏ ‏باضر‏ ‏نفسى، ‏دا أنا‏ ‏بهدلت‏ ‏كل‏ ‏اللى ‏حوالىَّ

‏- ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏لسه‏ ‏بيحبونى، ‏أغلبهم‏ ‏يعني‏، ‏وهمَّـا‏ ‏استحملونى ‏ليه‏ ‏إلا‏ ‏لو‏ ‏كانوا‏ ‏بيحبونى!! ‏

‏- ‏يبقى ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏عندى ‏إلا‏ ‏ردّ‏ ‏الجميل‏ ‏انى ‏أكون‏ ‏حلو‏، ‏أقوم‏ ‏أشوف‏ ‏حلاوتهم

‏- ‏تصور‏ ‏إن‏ ‏الشعور‏ ‏بالذنب‏ ‏طلع‏ ‏مقلب‏، ‏باينّه زن‏ ‏‏وضحك‏ ‏على ‏الدقون‏ ‏وخلاص

‏- ‏إللى ‏عمل‏ ‏ذنب‏ ‏يصلَّحه‏ ‏بإنه‏ ‏يعمل‏ ‏اللى ‏يقدر‏ ‏عليه‏ ‏دلوقتي‏، ‏يقدر‏ ‏يعمل‏ ‏خير‏ ‏للى ‏شايف‏ ‏إنه‏ ‏محتاج‏ ‏خبرته‏، ‏وخصوصا‏ ‏إللى ‏ما‏ ‏عندوش‏ ‏فرصة‏ ‏يتعلم‏ ‏خبرات‏ ‏زى ‏دى ‏كده

‏- ‏واللِّى ‏أساء‏ ‏لحد‏، ‏يحسن‏ ‏له ‏بإنه‏ ‏يبقى ‏كويس‏، ‏ولا‏ ‏ينساش اللى حصل، مش يقول أنا غلطان ويفضل هُـوَّا زى ما هُـوَّا

‏-‏ يبقى أنا مش مجرم

‏-‏ حكاية‏ ‏عيان‏ ‏دى ‏فايدتها‏ ‏إنى ‏قبلت‏ ‏أتعالج‏ ‏مش‏ ‏إنى ‏قعدت‏ ‏أتلكك‏ ‏واقول‏ ‏غصبن‏ ‏عني (دا حتى البرنامج بيقول إنى مش مسئول عن مرضى، لكن مسئول عن التعافى بتاعى)

‏- ‏تصور‏ ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏غير‏ ‏ربنا‏ ‏هوه‏ ‏إللى ‏يعرف‏ ‏كل‏ ‏الحاجات‏ ‏دى ‏

‏- ‏……… ‏بصراحة ، ‏ساعات‏ ‏أحس‏ ‏إن كل المشاركين عارفين برضه

‏- ‏بما فيهم ‏ ‏زملاتى طبعا، ‏إحنا‏ ‏مش‏ ‏عصابة‏ ‏مجرمين‏، ‏إحنا‏ ‏جدعان‏ ‏قوي‏، ‏وحانبقى ‏أجدع

‏(15) إتصالحت‏ ‏مع‏ ‏جسمى، ‏تصور‏؟‏!‏

‏- ‏بصراحة‏ ‏أنا‏ ‏كنت‏ ‏بارفض‏ ‏حكاية‏ ‏التنطيط‏ ‏دى ‏والجرى معاهم دى‏، كنت باستغرب: ‏بقى ‏هوه‏ ‏دا‏ ‏الحل؟

‏- ‏إيش‏ ‏جاب‏ ‏العرق‏ ‏والجرى ‏والشغل‏ ‏للسموم‏ ‏اللى ‏خرّبت‏ ‏جسمى.‏

‏- ‏مش‏ ‏عارف‏ ‏إيه‏ ‏غِيـّـتهم‏ ‏فى ‏التعب دا كله، ‏والعرق‏، ‏والكلام‏ ‏ده‏، ‏هوه‏ ‏انا‏ ‏فواعلي‏، ‏ولا‏ ‏بطـَـلْ‏ ‏جرى‏؟‏ ‏

‏- ‏ما‏ ‏باليد‏ ‏حيلة‏، ‏طاوعـتهم‏ ‏وانا‏ ‏مش‏ ‏مقتنع‏، ‏حاعمل‏ ‏إيه؟

‏- ‏بدأت‏ ‏أتعرف‏ ‏على ‏جسمى، ‏تصور‏، ‏زى ‏ما‏ ‏تكون‏ ‏مفاجأة‏ ‏

‏- ‏كأنى ‏كنت‏ ‏ناسى ‏إن‏ ‏ليَّا ‏جسم‏، ‏ياه‏، ‏بقيت‏ ‏أحس‏ ‏إن‏ ‏جسمى ‏من‏ ‏نعم‏ ‏الله‏ ‏على.‏

‏- ‏أول‏ ‏مرة‏ ‏أعرق‏ ‏حسيت‏ ‏كأنى ‏باغسل‏ ‏نفسى ‏من‏ ‏جوه‏ ‏لْبَرَّه‏، ‏بدل‏ ‏ما‏ ‏أصُبّ‏ ‏المية‏ ‏على ‏جسمى ‏من‏ ‏بره‏ ‏بره‏، ‏ وألمَّع بشرتى،

‏-‏‏ ‏بأسأل‏ ‏نفسى كتير‏، ‏إيه علاقة العرق‏ ‏بالهباب‏ ‏اللى ‏باخده؟

‏- ‏شويه‏ ‏شوية‏ ‏بدأت‏ ‏أشعر‏ ‏بتغيير‏، ‏حاجة‏ ‏كده‏ ‏قريـِّبة‏ ‏من‏ ‏الدماغ‏ ‏بس‏ ‏مش‏ ‏هيه‏، ‏ما‏ ‏اقدرشى ‏أقول‏ ‏أحسن‏ ‏ولا‏ّّ ‏أوحش‏، ‏بس‏ ‏زى ‏ما‏ ‏تكون‏ ‏بتعمل‏ ‏عملها‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏تسمم‏.‏

‏- ‏مش‏ ‏عارف‏ ‏أى ‏حاجة‏، ‏بس‏ ‏هم‏ ‏بيقولوا‏ ‏إن‏ ‏فيه‏ ‏مواد‏ ‏فى ‏جسمنا‏ ‏زى ‏الحاجات‏ ‏اللى ‏بناخدها‏، ‏يكونشى ‏العرق‏ ‏بيحرك‏ ‏ولا‏ ‏بينشط‏ ‏المواد‏ ‏دى ‏أو‏ ‏حاجة‏ ‏زى ‏كده‏؟ ‏طب‏ ‏ازاى؟

‏- ‏ما‏ ‏هو‏ ‏اللى ‏احنا‏ ‏بناخده‏ ‏بيشتغل‏ ‏على ‏الخلايا‏، ‏إمال‏ ‏إيه!! ‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏المشكلة‏ ‏فى ‏الخلايا‏، ‏والعرق‏ ‏والكلام‏ ‏ده‏ ‏بيصلـِّح‏ ‏المايل‏، ‏وبيملا‏ ‏الفاضى 

‏- ‏أنا‏ ‏مرة‏ ‏سمعت‏ ‏إن‏ ‏الجسم‏ ‏بيفرز‏ ‏أفيون‏ ‏ولا‏ّّ ‏حاجة‏ ‏زى ‏كده‏، ‏بس‏ ‏المسألة‏ ‏مش‏ ‏كده‏ ‏بالظبط‏، ‏أفيون‏ ‏إيه‏ ‏وبتاع‏ ‏إيه‏، ‏دانا‏ ‏بابقى ‏حاسس‏ ‏وانا‏ ‏باعرق‏ ‏إن‏ ‏ربنا‏ ‏بيفكـَّرنى ‏بنعمة‏ ‏إنه‏ ‏خلق ليَّا ‏جسم‏، ‏وإنه‏ ‏بيعرق‏ ‏

‏- ‏العرق‏ ‏والنشاط‏ ‏بيفكرونى ‏إن‏ ‏ربنا‏ ‏خلقنى ‏جميل‏ ‏وقوى ‏وقادر‏ ‏مثله‏ ‏سبحانه‏ ‏وتعالي

‏- ‏لأ‏ ‏والغريب‏ ‏إللى ‏خلانى ‏أتكسف‏ ‏واتشجع‏ ‏واشارك‏ ‏هو‏ ‏إن‏ اللى بيشاركوا معانا بيعرقوا عيانين معالجين ودكاترة، بيعملوا ‏زينا‏ ‏بالظبط‏، ‏وبيحمـَرّو‏، ‏وبيـــفرحو‏ ‏كما‏ن

‏- ‏يا‏ ‏ترى ‏همّ مدمنين ‏عرق‏، ‏ولا‏ ‏دى ‏صنعتهم؟

‏- ‏يا‏ ‏بختهم،‏ ‏شكلهم  ‏إنهم‏ ‏متصالحين‏ ‏مع‏ ‏جسمهم ‏ومجانا‏، ‏وبيشعروا ‏ ‏باللى ‏احنا‏ ‏بندوّرعليه‏ ‏ببلاش

‏- ‏المسألة‏ ‏مش‏ ‏مسألة‏ ‏رياضة‏ ‏وتنافس‏ ‏وكلام‏ ‏من‏ ‏ده‏ ‏

‏- ‏الظاهر إن المسألة‏ ‏هى ‏تصالح‏ ‏مع‏ ‏كل‏ ‏جزء‏ ‏ربنا‏ ‏خلقه‏ ‏فينا‏ ‏

‏- ‏هوه‏ ‏الهباب‏ ‏الـلى ‏كنا‏ ‏بناخده‏ ‏كان‏ ‏بيعمل‏ ‏كده؟ ‏ ‏

‏- ‏طبعا‏ ‏لأ‏، ‏ولكن‏ ‏فيه‏ ‏حاجة‏ ‏تشبهه‏، لأ أحسن، ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏عارفها‏ ‏

‏-‏ يمكن‏ ‏المخدر‏ ‏كان‏ ‏بيزيل‏ ‏الحواجز‏ ‏بينى ‏وبين‏ ‏جسمى ‏بأنه‏ ‏يمسحنى ‏ويلغى ‏جسمى ‏

‏- ‏بس‏ ‏أنا‏ ‏كده‏ ‏اتعلمت‏ ‏أحب التمييز اللى مش حواجز، بس زى ما تكون  الحواجز بتتجمّع مع بعضها‏، مش عارف إيه اللى بيحصل، باينى بارجع ‏ ‏زى ‏ما‏ ‏ربنا‏ ‏ ‏خلقني

‏- ‏ياحلاوة‏ !! ‏كلام‏ ‏صعب‏، ‏بس‏ ‏شَبَه‏ ‏الجد‏،  ‏يارب‏ ‏يطلع‏ ‏صحيح‏ ‏واصدقه‏.‏حتى لو كنت ما أعرفشى أقوله كويس.

‏(16) بعد‏ ‏كل‏ ‏ده‏، ويمكن ‏أرجع‏ ‏تانى؟‏…‏

(بصراحة‏ ‏وارد‏، ‏أنا‏ ‏خايف‏!!‏)

‏- ‏طيب‏ ‏وإيه‏ ‏يعنى ‏لما‏ ‏انتكس؟

‏- ‏طيب‏ ‏ويبقى ‏عمـلنا‏ ‏إيه‏ ‏بالذمة

‏- ‏ما‏ ‏احنا‏ ‏اتفقنا‏ ‏إن‏ ‏المسألة‏ ‏عايزة‏ ‏نَفَسْ‏ ‏طويل‏، ‏وعناد‏ ‏زى ‏ما انت‏ ‏عاوز

‏- ‏طيب‏ ‏بس‏ ‏انا‏ ‏كنت‏ ‏فاكر‏ ‏إنه‏ ‏يستحيل‏ ‏أفكـَّر‏ ‏تانى ‏إنى ‏آخد‏ ‏أى ‏قرص‏، ‏ولا‏ ‏أسبرين

‏- ‏أنا‏ ‏كنت‏ ‏بقيت‏ ‏حلو‏ ‏قوى

‏- ‏طب‏ ‏ما‏ ‏أنا‏ ‏لسه‏ ‏حلو‏ ‏برضه‏، ‏كل‏ ‏الحكاية‏ ‏إنى ‏خايف‏ ‏

‏- ‏طب‏ ‏أعمل‏ ‏إيه؟

‏- ‏حاكلمهم‏، ‏حاكلم‏ ‏الدكتور، حاكلم المشرف‏، ‏حاتصرف

‏- ‏هوه‏ ‏انا‏ ‏عيل؟ ‏ ‏أنا‏ ‏لسه‏ ‏ما‏ ‏خدتش‏ ‏حاجة‏، ‏أكلمه‏ ‏أقول‏ ‏له‏ ‏إيه؟

‏- ‏أقوله‏ ‏أنا‏ ‏خايف؟

‏- ‏حايقولى ‏لأ‏ ‏إنت‏ ‏مش‏ ‏خايف‏ ، ‏دا‏ ‏انت‏ ‏هايف

‏- ‏بس‏ ‏الدكتور‏ ‏عمره‏ ‏ما‏ ‏قالـِّى ‏كده‏، ‏دانا‏ ‏فى ‏عز‏ ‏ما‏ ‏كنت‏ ‏متنيل‏ ‏بستين‏ ‏نيله‏ ‏كنت‏ ‏باحس‏ ‏إنه‏ ‏بيحترمنى ‏

‏- ‏آه‏ ‏بيحترمنى ‏بس‏ ‏ما‏ ‏بيفوتــليش‏، ‏أنا‏ ‏عارف‏ ‏كان‏ ‏بيجْمَعْ‏ ‏ده‏ ‏مع‏ ‏ده‏ ‏إزاى!!‏؟

‏- ‏المهم‏، ‏أحسن‏ ‏حاجة‏ ‏إنى ‏ما‏ ‏اخافشى ‏والـلى ‏يحصل‏ ‏يحصل

‏- ‏المسألة‏ ‏إن‏ ‏التفكير‏ ‏ده‏ ‏نفسه‏ ‏ما‏ ‏لوش‏ ‏لازمة‏ ‏

‏- ‏زى ‏ما‏ ‏اتعلمت‏: ‏كل‏ ‏اللى ‏علىَّ ‏إنى ‏أملا‏ ‏الوقت واتصل بالمشرف بتاعى وزمايلى فوراً‏، ‏واحترم‏ ‏نفسي‏، ‏وافتكر‏ ‏ربنا‏ ‏الرحيم‏ ‏القوى، ‏واتوكل‏ ‏وانا‏ ‏با‏ ‏شتغل‏، ‏وباحب‏، ‏وباتـْحَبّ‏ ‏

‏- ‏هوه‏ ‏صحيح‏ ‏أنا‏ ‏أستاهل‏ ‏أتحب؟  ما دام ربنا بيحبنى يبقى لازم استاهل اتحب

‏- ‏طبعا‏، ‏مش‏ ‏بس‏ ‏اتحب‏، ‏دانا‏ ‏محترم‏ ‏

‏- ‏محترم‏ ‏عشان‏ ‏بطلت‏ ‏ولا‏ ‏عشان‏ ‏بنى ‏آدم

‏- ‏ماهما‏ ‏كانوا‏ ‏بيحترمونى ‏وانا‏ ‏لسه‏ ‏ما‏ ‏بطلتش‏، ‏يبقى ‏أنا‏ ‏بنى ‏آدم‏ ‏طول عمرى، بس اتزحلقت.

‏- ‏طيب‏ ‏خايف‏ ‏بقى ‏ليه؟‏ ‏ مادام عرفت السكة.

‏- ‏ ‏عرفت‏ ‏السكة‏ ، بس خايف لتكون السكة “رايح جاىْ”.

‏- ‏لا ياعم، أنا ‏جدع‏، قال إيه ومحترم، طبعا محترم، ومش مغرور، ومش لوحدى‏

‏- ‏يا‏ ‏رب‏ ‏سترك

‏(17) ‏يا‏ ‏ه‏!!!!!  ‏انا‏ ‏طلعت‏ ‏قوى “‏أوى” ‏وانا‏ ‏مش‏ ‏عارف

– دا‏ ‏البنى ‏آدم‏ ‏ده‏ ‏عنده‏ ‏قدرات‏ !! ‏يا‏ ‏خلق‏ ‏هوه‏ !!‏

‏- ‏المسألة‏ ‏مش‏ ‏مسألة‏ ‏عافية‏، ‏دا‏ ‏مجرد‏ ‏اكتشاف‏ ‏خـلقة‏ ‏ربنا‏ ‏

‏- ‏ياه‏ !! ‏هوا‏ ‏انا‏ ‏كنت‏ ‏عملت‏ ‏إيه‏ ‏فى ‏خـلقة‏ ‏ربنا‏ ‏لما‏ ‏خدت‏ ‏الهباب‏ ‏ده؟

‏- ‏الظاهر‏ ‏أنا‏ ‏كنت‏ ‏شّوهت‏ ‏الحلاوة‏ ‏إللى ‏ربنا‏ ‏خلقنى ‏بيها

‏- ‏ربنا‏ ‏خلقنى ‏سهل‏ ‏ونضيف‏، ‏أقوم‏ ‏أنا‏ ‏ألغـْوَصْ‏ ‏فى ‏خلقـته‏ ‏كده؟

‏- ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏إللى ‏جت‏ ‏على ‏قد‏ ‏كده

‏- ‏أنا‏ ‏فعلا‏ ‏طلعت‏ ‏قوى‏، ‏قوى ‏فعلا‏ ‏بس‏ ‏مش‏ ‏عارف‏، ‏قصدى ‏ما‏ ‏كنتش‏ ‏عارف

‏- ‏أنا‏ ‏قوى ‏بس‏ ‏قوتى ‏دى ‏مش‏ ‏إنى ‏أستعفى ‏على ‏حد‏، ‏ولا‏ ‏هيه‏ ‏بالإرادة‏ ‏والحزق‏، ‏

‏- ‏قوى ‏يعنى ‏إللى ‏باشوفه‏ ‏صح‏ ‏باقدر‏ ‏أعمله

‏- ‏مش‏ ‏كفاية؟    

‏- ‏كفاية‏ ‏ونص

‏- ‏صدقت إن‏ ‏البنى ‏آدم‏ ‏ده‏ ‏عنده‏ ‏قدرات‏ !! ‏يا‏ ‏خلق‏ ‏هوه‏ !! ‏ولا‏ ‏هُوَّا‏ ‏دارى‏، ‏وحتى ‏لو‏ ‏دِرى ‏بالقدرات‏ ‏إللى ‏عنده‏ ‏بيدلق‏ ‏عليها‏ ‏مية‏ ‏نار‏، ‏سموم‏ ‏والعياذ‏ ‏بالله‏، ‏أهو‏ ‏دا‏ ‏اللى ‏حصل

‏- ‏دلوقتى ‏أقدر‏ ‏أنظم‏ ‏نفسى ‏من‏ ‏غير‏ ‏ما‏ ‏أبقى ‏ذليل‏ ‏لحاجة‏، ‏أو‏ ‏لمادة‏، ‏أو‏ ‏لِحَدّ.

‏- ‏بس‏ ‏الناس‏ ‏معايا‏، ‏نتبادل‏ ‏المصلحة‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏ذل‏، ‏ولا‏ ‏وساخة، الناس للناس

‏- ‏الناس‏ ‏اللى ‏بصحيح‏ ‏

‏- ‏ما‏ ‏هو‏ ‏كل‏ ‏الناس‏ ‏ناس‏ ‏بصحيح‏، ‏بس‏ ‏فيه‏ ‏أغبيا‏ ‏دخلوا‏ ‏الخيّة‏ ‏وما‏ ‏عرفوش‏ ‏يطلعوا‏، ‏وفيه‏ ‏ناس‏ ‏ربنا‏ ‏سترها‏ ‏معاهم‏ ‏وما‏ ‏دخلوش‏ ‏من‏ ‏أصله‏، ‏وفيه‏ ‏إللى ‏زيى ‏دخل‏ ‏وطلع‏ ‏بالسلامة‏، ‏ياحلاوة‏، ‏أدينى ‏طلعت‏ ‏أهه‏ ‏بالسلامة‏، ‏طلعت‏ ‏أدب‏ ‏نزلت‏ ‏أدب‏ ‏لقيت‏ ‏الدب‏ ‏بيقزقز‏ ‏لب‏، ‏ضربت‏ ‏الدب‏ ‏وخدت‏ ‏اللب‏، ‏فعلا‏ ‏أنا‏ ‏ضربت‏ ‏الدببه‏ ‏اللى ‏جوايا‏، ‏كنت‏ ‏حيوان‏ ‏بقيت‏ ‏بنى ‏آدم‏ ‏زى ‏ما‏ ‏ربنا‏ ‏أكرمنى ‏

‏- ‏أحسن‏ ‏حاجة‏ ‏فى ‏الدنيا‏ ‏إن‏ ‏الواحد‏ ‏يبقى ‏قوى، ‏وطيب‏، ‏ومتواضع‏، ‏وفاهم

‏- ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏بصحيح‏ ‏

‏- ‏الحمد‏ ‏لله‏ ‏والشكر‏ ‏لىَّ ‏وللى ‏زيي‏، ‏ولكل‏ ‏واحد‏ ‏مد‏ ‏إيده‏ ‏لينا‏

‏(18) ‏كده‏ ‏تمام‏، ‏بفضل‏ ‏الله‏ ‏والناس‏، ‏وبفضلى ‏أنا‏ ‏كمان‏!!!‏

‏-‏ عرفت‏ “‏السيم‏”، ‏الحكاية‏ ‏صعبة‏ ‏فعلا‏، ‏لكنها‏ ‏أسهل‏ ‏من‏ ‏كده‏ ‏مفيش

‏- ‏لأ‏ ‏مش‏ ‏بالـَخْبـَــط‏، ‏أصل‏ ‏المسألة‏ ‏لما‏ ‏تبصّـلها‏ ‏فى ‏الأول‏ ‏مش‏ ‏زى ‏لما‏ ‏تعيشها‏ ‏وتنجح‏ ‏فى ‏إنك‏ ‏تحلها‏ ‏بصحيح‏ ‏

‏- ‏تصور‏ ‏يا‏ ‏أخى ‏الأفلام‏ ‏والكلام‏ ‏الفارغ‏ ‏إللى ‏بيقولك‏ ‏الإدمان‏ ‏ما‏ ‏لوش‏ ‏علاج‏ ‏ولاّ ‏علاجه‏ ‏فى ‏بلاد‏ ‏بره‏، ‏فى ‏الخارج‏ ‏يعنى!!، ‏بقى ‏دا‏ ‏اسمه‏ ‏كلام‏‏؟

‏- ‏يمكن‏ ‏قصدهم‏ ‏ما‏ ‏لوش‏ ‏علاج‏ ‏سحرى‏، ‏ولا‏ ‏هوَّا‏ ‏جريمة‏، ‏

‏- ‏أمال‏ ‏هوه‏ ‏طلع‏ ‏إيه؟

‏- ‏طلع‏ ‏قلة‏ ‏حيلة‏، ‏إللى ‏ما‏ ‏يعرفشى: ‏يفتكر‏ ‏إنه‏ ‏حايحل‏ ‏مشاكله‏ ‏بإنه‏ ‏يهرب‏ ‏ويستسهل

‏- ‏نفسى ‏أصرخ‏ ‏وأقول‏ ‏لكل‏ ‏الناس‏ ” ‏أنا‏ ‏بَاقَـدَرْ‏”، ‏أنا‏ ‏بقيت‏ ‏ بَاقَـدَرْ

‏- ‏باقدر‏ ‏أشوف‏، ‏باقدر‏ ‏أختار‏، ‏باقدر‏ ‏أساعد‏ ‏نفسى

‏- ‏باقدر‏ ‏أشد‏ ‏غيرى ‏قبل‏ ‏ما‏ ‏يغطس

‏- ‏باقدر‏ ‏أشده‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ ‏يغطس‏ ‏لأن‏ ‏انا‏ ‏بالشكل‏ ‏ده‏ ‏باشد‏ ‏نفسى ‏

‏- ‏دانا‏ ‏بيتهيأ‏ ‏لى ‏إنى ‏أقدر‏ ‏أكتب‏ ‏شعر‏ ‏أو‏ ‏أرسم‏، ‏من‏ ‏غير‏ ‏ولا‏ ‏كلمة‏ ‏ولا‏ ‏ريشة‏!!‏

‏- ‏الصلاة‏ ‏كمان‏ ‏بقى ‏لها‏ ‏طعم‏، ‏سهلة‏ ‏وجميلة‏، (‏وبتعمل‏ ‏دماغ‏ ‏حلو‏ ‏ساعات‏)‏

‏- ‏الصلاة‏ ‏بتقربنا‏ ‏من‏ ‏بعض‏، ‏مش‏ ‏بس‏ ‏من‏ ‏ربنا‏ !!‏

‏- ‏أنا‏ ‏متأكد‏ ‏إن‏ ‏المسألة‏ ‏مش‏ ‏بالخطورة‏ ‏إللى ‏كنت‏ ‏فاكرها‏، ‏أو‏ ‏اللى ‏الناس‏ ‏فاكراها

‏- ‏وحتى ‏لو‏ ‏رجعت‏، ‏إيه‏ ‏يعني‏، ‏طبعا‏ ‏مش‏ ‏حارجع‏، ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏لوحدى‏، ‏ولا‏ ‏همَّا‏ ‏لوحدهم‏، ‏

‏- ‏كده‏ ‏تمام‏ ‏

 * * * * *

الفصل الثالث

بعض الاسترشادات فى العلاج

 استلهاما من الثقافة الفرعية (المصرية)

                                                                     الفصل الثالث

مقدمة:

حتمية‏ ‏استلهام‏ ‏البيئة‏ ‏والعادات‏ (‏الثقافة‏) ‏المحلية‏ ‏

نعيد أن للإدمان‏ ‏لغة‏ ‏خاصة‏‏ ‏تعلن‏ ‏أن‏ ‏ثمة‏ ‏مشكلة‏ ‏تواجه‏ ‏الإنسان‏ ‏المعاصر‏ ‏تجعله‏ ‏يلجأ‏ ‏إلى ‏الاستعانة‏ ‏العشوائية‏ ‏بكيماويات‏ ‏ومواد‏ ‏تحقق‏ ‏له‏ ‏ما‏ ‏لم‏ ‏يستطع‏ ‏أن‏ ‏يحققه‏ ‏فى ‏الواقع‏ ‏وهو‏ ‏فى ‏تمام‏ ‏يقظته، ‏أو‏ ‏تساعده‏ ‏على ‏الهرب‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏لم‏ ‏يستطع‏ ‏تحمله‏.‏

ومع‏ ‏أن‏ ‏ظاهرة‏ ‏الإدمان‏ ‏قد‏ ‏تفشت‏ ‏بشكل‏ ‏ظاهر‏ ‏مؤخرا‏ ‏فى ‏كل‏ ‏بلاد‏ ‏العالم‏ إلا ‏أن ملابسات ظهورها وكيفية التعامل معها تختلف من زمان لزمان ومن ثقافة لثقافة.

وقد‏ ‏دأب‏ ‏المشتغلون‏ ‏عندنا، ‏بهذا‏ ‏الإشكال‏ – ‏إشكال‏ ‏الإدمان‏- ‏أن‏ ‏يستوردوا‏ ‏القواعد‏ ‏والبرامج‏ ‏والتفسيرات‏ ‏من‏ ‏بيئة‏ ‏غير‏ ‏بيئتنا، ‏وثقافة‏ ‏غير‏ ‏ثقافتنا‏ ‏لاجئين‏ ‏مرة‏ ‏إلى ‏الترجمة‏ ‏ومرة‏ ‏إلى ‏الاقتباس، ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الاتجاه‏ ‏فيه‏ ‏إيجابيات‏ ‏كثيرة،‏ ‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏الاستفادة‏ ‏من‏ ‏خبرات‏ ‏الغير، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏الاكتفاء‏ ‏به‏ ‏يجعلنا‏ ‏بعيدين‏ ‏عن‏ ‏مشاكلنا‏، ‏وعن‏ ‏نبض‏ ‏ما‏ ‏يميزنا‏ ‏فى ‏الصحة‏ ‏والمرض، ‏فى ‏السواء‏ ‏والانحراف‏.‏

إن‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏المصادر‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نستمد‏ ‏منها‏ ‏نبض‏ ‏وعى ‏شعبنا‏ فيما‏ ‏يتصل‏ ‏بهذه‏ ‏الظاهرة‏ وغيرها- ‏بطريق‏ ‏غيرمباشر‏ ‏غالبا‏ – ‏هى‏ ‏أمثالنا‏ ‏الشعبية، ‏وهذا ما سوف‏ ‏نحاول‏ ‏أن‏ ‏نقرأ بعضا منه‏ ‏بمنظار‏ ‏المهتم‏ ‏بمساعدة‏ ‏المتورط‏ ‏من‏ ‏أبنائنا‏ ‏وإخوتنا‏ ‏وإخواننا‏ ‏المدمنين‏ .

إن ‏الاستعمال‏ ‏الإيجابى ‏للاستشهادات‏ ‏الحكيمة‏ ‏والإرشادات‏ ‏السائرة، ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تأخذ‏ ‏شكل‏ ‏الخطابة‏ ‏العالية‏ ‏الصوت‏ ‏بلا‏ ‏فاعلية، ‏يمكن أن يقربنا من ثقافتنا ويصل أبسط وأسرع.

لكن لابد أن ‏ننبه‏ ‏أيضا‏ ‏إلى ‏الاستعمال‏ ‏السلبى ‏للأمثال.

‏الأمثال‏ ‏التى تقدم هنا ليست ‏‏حلا‏ًّ ‏لمشكلة، ‏أو‏ ‏نصيحة‏ ‏قابلة‏ ‏للتطبيق‏ ‏المباشر، لكنها تذكــِّر بوعى ثقافتنا الشعبية، بفطرتنا السليمة البسيطة،  ونحن نأمل بتقديمها ‏أن ‏تحقق‏ ‏بعضا‏ ‏مما‏ ‏يلى‏:‏

أولا‏: ‏التأكيد‏ ‏على ‏خصوصية‏ ‏ثقافتنا، ‏وأن‏ ‏الوعى ‏الشعبى ‏المصرى (‏والعربي‏)، ‏مثله‏ ‏مثل‏ ‏وعى ‏سائر‏ ‏الشعوب، ‏قد‏ ‏أدرك‏ ‏الجذور‏ ‏التى ‏تنبع‏ ‏منها‏ مثل ‏هذه‏ ‏المشاكل، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏اقترب‏ – ‏بلغته‏ ‏الخاصة‏ – ‏إلى ‏الخطوط‏ ‏العريضة‏ ‏لحلها‏.‏

ثانيا‏: ‏استلهام‏ ‏بعض‏ ‏تفاصيل‏ ‏يمكن‏ ‏الانتفاع‏ ‏بها‏ ‏فى ‏برامج‏ ‏الوقاية‏ ‏والعلاج‏.‏

ثالثا‏: ‏إدراك‏ ‏أنه‏ ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏قديمة،‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏وعينا ‏الشعبى ‏قد‏ ‏أضاء‏ ‏بعض‏ ‏جوانب‏ ‏حلها، ‏وهو‏ ‏يهدى ‏إليها‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏.‏

رابعا‏ : إظهار‏ ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏الوعى ‏الشعبى ‏وبين‏ ‏آخر‏ ‏ما‏ ‏وصل‏ ‏إليه‏ ‏العلم‏ ‏من‏ ‏تفسيرات‏ ‏للظاهرة‏ ‏وأساليب‏ ‏لتناولها‏.‏

بذلك يمكن أن نجعل المشاركين فى المجتمع العلاجى يتعرفون  على بعض الوعى الشعبى، وأن يقتربوا  أكثر من الثقافة المحلية بديلا عن التوقف عند الاستيراد والتقليد (الأعمى أحيانا).

وبعد

سوف أورد المثل كما سمعته أو قرأته، ثم نبذة عن ما وصلنى منه بما يتعلق بسياق ما نحن فيه، ثم ألحق هذا وذاك ببعض احتمالات تطبيق ما نعنيه فى مجال الوقاية أو العلاج.

‏[1] “‏إللى ‏تستهتْر‏ ‏بُه‏ ‏يغلبك‏”‏

الأمر‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏الإدمان‏ ‏عجيب‏  :

فمن‏ ‏ناحية‏ ‏لا‏ ‏ينفع‏ ‏التخويف‏ ‏المبالـَغ‏ ‏فيه‏ ‏طول‏ ‏الوقت،‏ بل‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏التخويف‏ ‏قد‏ ‏يدفع‏ ‏بعض‏ ‏الشباب أن يغامر بتجربة المخدرات على سبيل‏ ‏التحدى ‏ليثبتوا‏ ‏أنهم‏ ‏أشجع‏ ‏من‏ ‏الموقف، ‏وأنهم‏ ‏لا‏ ‏يهزهم‏ ‏هذا‏ ‏الترهيب‏ ‏المرعب.

فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏فإن‏ ‏التهوين‏ ‏من‏ ‏الأمرقد‏ ‏يشجع‏ ‏بعض‏ ‏الضعاف‏ ‏أن‏ ‏يجرِّبوا‏ ‏تحت‏ ‏زعم‏ ‏أنهم‏ ‏قادرون‏ ‏على ‏التوقف‏ ‏فى ‏أى ‏وقت.

يعنى ‏هم‏ ‏يستهترون‏ ‏بما‏ ‏يسمعون، ‏ويستهترون‏ ‏بالتحذير‏ ‏ويستهترون‏ ‏بالنصائح

بل‏ ‏إنهم‏ ‏يستهترون‏ ‏بالتحريم‏: ‏إما‏ ‏بأن‏ ‏يفتوا‏ ‏لأنفسهم‏ ‏فتوى ‏خاصة‏ ‏بأن‏ ‏هذا‏ ‏المخدر‏ ‏ليس‏ ‏حراما، ‏وإما‏ ‏بأن‏ ‏يسيئوا‏ ‏فهم‏ ‏رحمة‏ ‏الله‏ ‏متصورين‏ ‏أن‏ ‏غفرانه‏ ‏سوف‏ ‏يشملهم‏ ‏حتما‏ ‏لأسباب‏ ‏خاصة.

وقد‏ ‏يستهتر‏ ‏المدمن‏ ‏فى ‏تنفيذ‏ ‏تعليمات‏ العلاج‏ ‏بعد‏ ‏التوقف‏ ‏وبعد‏ ‏مرحلة‏ ‏جميلة‏ ‏ناجحة‏ ‏من‏ ‏العلاج‏.‏

وكل‏ ‏أنواع‏ ‏الاستهتار‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏نتيجة‏ ‏لسوء‏ ‏الحسابات، ‏والغلو‏ ‏فى ‏تقدير‏ ‏قدرات‏ ‏الذات‏.‏

 (تنويه: آمل أن يصل الخطاب فى هذا الفصل كله إلى المدمن أو مشروع المدمن وأسرته ليس بالنصائح ولا باستعمال الأمثال وترديدها، ولكن من خلال الجدل الممارَسِ عبر الوعى البينشخصى والجمعى، وهو أساس حركية ثقافة المجتمع العلاجى، فى مقابل ثقافة الإدمان (أنظر بعد).

التطبيق فى‏ ‏الوقاية‏ ‏و‏‏العلاج‏:‏

‏(1) ‏تجنـَّب‏ ‏الاستهتار‏ ‏بالأمور‏ ‏الصغيرة

‏(2) ‏لا‏ ‏تدخل‏ ‏تجربة‏ ‏لمجرد‏ ‏التجربة، ‏خصوصا أن هذه بالذات‏ ‏ ‏ليست‏ ‏تجربة آمنة، أو مجهولة، ‏فكل‏ ‏من‏ ‏جرَّب‏ ‏قبلك‏ ‏حصل‏ ‏له‏ ‏ما‏ ‏حصل

‏(3) ليس‏ ‏معنى ‏هذا‏ ‏أن‏ ‏تخاف‏ ‏من‏ ‏أى ‏تجربة بصفة عامة، وإلا حرمت نفسك من حق الاكتشاف، ‏ولكن‏ ‏المطلوب‏ ‏أن‏ ‏تحسبها‏ ‏بحذق ومشورة

‏(4) ‏وأنت‏ ‏قادرعلى ‏هذه‏ ‏الحسابات‏ ‏فعلاـ أنت ومن يحبك ‏ .‏

‏(5) ‏فقط‏ : ‏تذكر‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏الحسابات‏ ‏التى ‏تميز‏ ‏بها‏ ‏نفسك‏ بأنك “أقوى وأنصح” ‏عن‏ ‏من‏ ‏سبقك‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الطريق‏ ‏وتدهوره، ‏هى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الاستهتار‏ ‏غير‏ ‏المفيد

‏(6) ‏كما‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏الحسابات‏ ‏التى ‏تقلل‏ ‏فيها‏ ‏من‏ ‏قدرات‏ ‏الآخرين، ‏وأيضا‏ ‏تقلل‏ ‏فيها‏ ‏من‏ ‏المضاعفات‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تحدث‏ ‏لك‏ ‏ولأسرتك‏ ‏هى ‏استهتار‏ ‏مُهْلِك

‏(7) ‏خذها‏ ‏بجدية، ‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏تَقْلِبْها‏ ‏غَما‏ًّ ‏ومبالغة‏ ‏فى ‏المعاناة

‏(8) ‏وأخيرا‏: ‏لا‏ ‏تستهتر‏ ‏بعواقب‏ ‏عدم‏ ‏تنفيذ‏ ‏التعليمات، ‏فالمسألة‏ ‏محسوبة‏ ‏علميا، ‏وهؤلاء‏ ‏الناس‏، كلهم والله، ‏يريدون‏ ‏مصلحتك‏ ‏يا‏ ‏أخى

 

‏[2] ‏”ما‏ ‏يـُـقع‏ ‏الا‏ ‏الشـاطـر”

تكملة‏ ‏للمثل‏ ‏السابق “‏إللى ‏تستهتر‏ ‏به‏ ‏يغلبك‏” هذا  مثل آخر  يؤكده‏، وهويتكلم‏ ‏أيضا‏ ‏عن‏ ‏الشطارة‏ ‏

والشطارة‏ ‏أنواع من أهم ما يمثلها ونعرضه كعينة فقط‏:

  • الشطارة‏ ‏التى ‏تسمى “‏نصاحة” عند‏ ‏أولاد‏ ‏البلد‏ ، ‏وهى ‏التى ‏تعتمد‏ ‏على ‏ما‏ ‏يسمى “‏الفهلوة‏” ‏

‏(2) “‏شطارة‏ ‏التجار‏”، ‏وهى ‏فى ‏مهنة‏ ‏التجارة‏ ‏مقبولة‏ ‏وقد‏ ‏تكون‏ ‏مفيدة‏ ‏حسب‏ ‏طول‏ ‏الحسبة، أما أن تكون هى القاعدة، فالمسألة “فيها كلام”!!

 (3) ‏شطارة‏ ‏التفوق‏ ‏(الدراسى أو الوظيفى وغيره)، ‏وهى ‏تطلق‏ ‏عادة‏ ‏على ‏نوع‏ ‏محدد‏ ‏من‏ ‏التفوق‏ ‏المدرسى ‏أو الوظيفى

والذى ‏يقع‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هؤلاء‏ ‏الشطار‏ ‏فى المجالات المختلفة:

‏1-‏ هو‏ ‏الذى ‏زودها‏ ‏فى ‏النــَّصَاحة‏ ‏

‏2- ‏هو‏ ‏قصير‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏التجارة‏ ‏

‏3- ‏وهو‏ ‏الذى ‏اكتفى ‏بشطارة‏ ‏الحفظ أو التفوق وتنفيذ التعليمات فى مجال محدود: عن شطارة‏‏ ‏التعلم‏ المستمر ‏من‏  واقع ‏الحياة

والثلاثة‏ ‏يقعون‏ ‏فى ‏الإدمان‏ ‏كلٌّ‏ ‏بطريقته

الأول‏: ‏بالاستهتار‏ ‏والغرور‏ ‏

والثانى: ‏بالحسابات‏ ‏الخاطئة‏ ‏

والثالث‏: ‏بضيق مجال‏ ‏الخبرة‏ ‏

التطبيق فى‏ ‏الوقاية‏ ‏و‏‏العلاج‏:‏

الخطاب من خلال الوعى المشارِك:

‏(أ) ‏لا‏ ‏ترفض‏ ‏الشطارة‏ ‏ولكن‏ ‏احسبها‏ ‏وتعرّف على أبعادها، جدواها، وآثارها ، حالا، ومستقبلا‏ ‏

‏(ب) ‏الشطارة‏ “‏الصح‏” ‏هى ‏التى ‏تحميك‏ ‏من‏ ‏الوقوع‏ ‏فى ‏خطأ‏ ‏لا‏ ‏صلاح‏ ‏له، ‏وهى ‏التى ‏تجعل‏ ‏الحسابات‏ ‏دائما‏ ‏فى ‏يدك‏ ‏أنت، ‏لا‏ ‏فى ‏يد‏ ‏الظروف، ‏ولا‏ ‏فى ‏يد‏ ‏الصدفة، ‏ولا‏ ‏فى ‏يد‏ ‏أصحاب‏ ‏السوء، ‏ولا‏ ‏فى ‏يد‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏تعرف (ماأمكن ذلك)

‏(جـ) ‏مارس‏ ‏شطارة‏ ‏التجار‏ ‏بعيدة‏ ‏النظر، ‏فالسوق‏ ‏ملئ‏ ‏بأنواع‏ ‏مختلفة‏ ‏من‏ ‏اللذة، واللذة الأعمق والأطول عمرا، والأبقى هى المكسب الحقيقى، ومن ذلك ما تنبهك إليه ثقافتنا وهو متضمن بشكل أو بآخر فى برنامج العلاج، وذلك مثل:

ـ‏ ‏ ‏ ‏لذة‏ ‏الصحبة‏ ‏الحلوة؟

ـ‏ ‏ ‏ ‏لذة‏ ‏استكشاف‏ ‏الصحراء‏ (‏ولو‏ ‏سيرا‏ ‏على ‏الأقدام‏ ‏بعض‏ ‏الوقت‏ ‏فى ‏صحبة‏ ‏طيبة، ‏أو‏ ‏فى ‏ضوء‏ ‏القمر‏)‏

ـ  لذة الصلاة، والدعاء

ـ لذة المعرفة، لا مجرد جمع المعلومات

جرِّب معنا ثم‏ ‏اختر‏ ‏اللذة‏ ‏الأجمل‏ ‏والأنظف

[3] “‏إللى ‏ما‏ ‏يـِسْتِحى ‏يــفعل‏ ‏ما‏ ‏يشتهى‏”

الحياء‏ ‏من‏ ‏أرقى ‏الأخلاق‏ ‏الإنسانية‏ ‏وأقدرها‏ ‏على  الفاعلية‏ ‏والتأثير‏ ‏فى ‏السلوك‏ ‏البشري، ‏والحياء‏ ‏غير‏ ‏الخجل،‏ ‏فالحياء‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الإباء، ‏أما‏ ‏الخجل‏ ‏ففيه‏ – عادة – ‏خزى ‏وشعور‏ ‏بالذنب‏ ‏وانسحاب‏ ‏.

والحياء‏ ‏فيه علاقة ما بالموضوع، فيه‏ “‏آخر‏” (‏أنت‏ ‏تعمل‏ ‏حساب‏ ‏واحد، ‏أو‏ ‏يغلبك‏ ‏الحياء‏ ‏من‏ ‏واحدة‏..‏إلخ‏)، ‏فعادة‏ ‏يقال‏ ‏أنا‏ ‏أستحى ‏منك، ‏أو‏ ‏أنا‏ ‏أستحى ‏أن‏ ‏أفعل‏ ‏كذا‏ ‏أمامك،‏

وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏نجد‏ ‏الشخص‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏وهو‏ ‏متردد‏ ‏أن‏ ‏يخوض‏ ‏تجربة‏ ‏التعاطى “‏يستحى ‏أن‏ ‏يفعلها‏ ” ‏

ثم‏ ‏إنه‏ ‏يبدأ‏ ‏فى ‏التعاطى ‏فيتضاءل‏ ‏حياؤه‏ ‏رويدا‏ ‏رويدا، ‏وذلك‏ ‏بالتعود‏ ‏على ‏نسيان‏ ‏حساسية‏ ‏الموقف، ‏وأيضا‏ ‏بالتعود‏ ‏على ‏الاستهانة‏ ‏بشعور‏ ‏الآخرين، ‏وقد يسهم‏ ‏المخدر‏ ‏وتغييبه‏ ‏للوعي،‏أو‏ ‏زيادته‏ ‏فى ‏البلادة، ومن ثم فى التخلى عن هذه الفضيلة.

ويتدرج‏ ‏الأمر‏ ‏حتى ‏لا‏ ‏يستحى ‏المدمن‏ ‏أن‏ ‏يمد‏ ‏يده‏ ‏للناس، ‏ثم‏ ‏لا‏ ‏يستحى ‏أن‏ ‏يمد‏ ‏يده‏ ‏لما‏ ‏يملكه‏ ‏الغير‏ (‏فيسرق‏‏) ‏ثم‏ ‏لا‏ ‏يستحى ‏أن‏ ‏يعيش‏ ‏عالة‏ ‏على ‏غيره‏ ‏بلا‏ ‏نفع‏ ‏ولا‏ ‏غاية

وحين‏ ‏يصل‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏الدرجة‏ ‏فإنه‏ ‏فعلا‏ ‏يعمل‏ ‏ما‏ ‏بدا‏ ‏له‏ -‏ دون‏ ‏استحياء

فلا‏ ‏يهمه‏ ‏رأى ‏الأهل، ‏ولا‏ ‏مستقبل‏ ‏أولاده، ‏ولا‏ ‏جرح‏ ‏كرامته‏ ‏ولا‏ ‏تبقى ‏إلا‏ ‏الإهانة‏ ‏وإرضاء‏ ‏الشهوة‏ ‏التى ‏لا‏ ‏تشبع

التطبيق فى‏ ‏الوقاية‏ ‏و‏ ‏العلاج‏:‏

نأمل أن يوقظ هذا الوعى الشعبى للمدمن (أو مشروع المدمن) بعض ما يلى:

(أ) حاول‏ ‏أن‏ ‏تتذكر‏ ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏الله‏ ‏أكرمك

(ب) إنك‏ بمجرد‏ ‏كونك‏ ‏إنسانا‏ ‏خلقه‏ ‏الله‏ ‏تستأهل‏ ‏الحب‏ ‏والاحترام

(جـ) وحتى ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أخطأت‏ -‏ ‏يا‏ ‏شيخ -‏ ‏وتورطتَ، ‏فلا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏تحافظ‏ ‏على ‏يقينك‏ ‏أنك‏ ‏تستأهل‏ ‏الاحترام‏.‏

قل‏ ‏لنفسك‏:‏

‏ ” ‏أنا‏ ‏محترم‏ ‏رغم‏ ‏كل‏ ‏شيء، ‏

  • وإن‏ ‏ما‏ ‏أفعله‏ ‏بهذا‏ ‏الذى ‏أتعاطاه‏ ‏ليس‏ ‏فيه‏ ‏حياء‏ ‏أو‏ ‏كرامة، ‏
  • وسوف‏ ‏أستعيد‏ ‏حقى ‏فى ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏إنسانا‏ ‏حرا‏ ‏كما‏ ‏خلقنى ‏الله‏ ‏وأكرمني،‏
  • ‏ ‏وأنا‏ ‏أستأهل‏ ‏ذلك‏ ، ‏وأقدر‏ ‏عليه، ‏بالتعاون‏ ‏مع‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏هو‏ ‏مثلى ‏ومن‏ ‏هو‏ ‏معي‏”‏

إننى ‏أستحى ‏من‏ ‏الله‏ ‏وأستحى ‏من‏ ‏الناس، ‏وأستحى ‏من‏ ‏ذكرياتى ‏الجميلة‏ ‏مع‏ ‏نفسى ‏وعن‏ ‏نفسي، ‏وأستحى ‏أن‏ ‏أشوه‏ ‏أسرتي، ‏أو‏ ‏أهين‏ ‏أولادى ‏أو‏ ‏أخواتى ‏وإخوانى ‏

لذلك‏ ‏أعُالج‏ ‏وسوف‏ ‏أتوقف‏ ‏حتما ‏

‏[4] “‏مِنْ‏ ‏شاف‏ ‏الشر‏ ‏ودخل‏ ‏عليه، ‏يستاهل‏ ‏ما‏ ‏يجرى ‏عليهْ”‏

يكاد‏ ‏لا‏ ‏يوجد مدمن‏ ‏واحد‏ ‏ ‏لم‏ ‏يعرف‏ ‏مسبقا‏ ‏أخطار‏ ‏الإدمان، ‏حتى ‏أن‏ ‏البرامج‏ ‏الإعلامية‏ ‏أو‏ ‏التعليمية‏ ‏التى ‏تركز‏ ‏كل‏ ‏جهدها‏ ‏على ‏تناول‏ ‏هذه‏ ‏المسألة‏ ‏بالإفراط‏ ‏فى ‏بيان‏ ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏الإدمان‏ ‏شر‏ ‏وكذا‏ ‏وكيت‏، ‏هى ‏برامج‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تعد‏ ‏من‏ ‏قبيل‏ “‏تحصيل‏ ‏الحاصل‏”.‏

هذه الرؤية تثير تساؤلات موضوعية منها:

كيف‏ ‏يُقـْدِم‏ ‏الواحد‏ ‏على ‏تعاطى ‏شيء‏ (‏حتى ‏السجائر‏) ‏وهو‏ ‏يعلم‏ ‏أن‏ ‏فيها‏ ‏شراً‏ ‏كبيراً؟

‏ ‏مثال‏ ‏السجائر‏ ‏خير‏ ‏دليل‏ ‏على ‏ذلك، ‏فإن‏ ‏كتابة‏ ‏عبارة‏ “‏إن‏ ‏التدخين‏ ‏ضار‏ ‏بالصحة‏”” ‏لم‏ ‏تقلل‏ ‏من‏ ‏التدخين‏ ‏خصوصا‏ ‏فى ‏الدول‏ ‏النامية‏ ‏والفقيرة‏ ‏التى ‏لا‏ ‏تهتم‏ ‏أصلا‏ ‏بالصحة‏ ‏ولا‏ ‏تعمل‏ ‏حسابا‏ ‏للضرر‏ ‏والضرار‏.‏

إن‏ ‏الموقف‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الحال‏ ‏يتطلب‏ ‏مسئولية‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏تعداد‏ ‏أنواع‏ ‏الشرور‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تصيب‏ ‏المدمن

حتى ‏التهديد‏ ‏بالوفاة‏ ‏لا‏ ‏ينفع‏ ‏كثيرا، ‏لأن‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏المدمنين‏ ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏يبلغون‏ ‏ ‏ ‏أن‏ ‏صديقهم‏ ‏فلانا‏ ‏الذى ‏كان‏ ‏يعالج‏ ‏مثلا‏ ‏معهم‏ ‏مات‏ ‏بجرعة‏ ‏مفرطة‏ ‏أو‏ ‏بمادة‏ ‏مخلوطة‏ ‏سهلت‏ ‏التسمم‏ ‏فالوفاة، ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏لا‏ ‏يمتنعون‏ ‏

فكيف‏ ‏نعمق‏ ‏أثر‏ ‏المعرفة‏ ‏الرؤية‏ ‏دون تهديد مرعب حتى ‏تصبح‏ ‏ذات‏ ‏فاعلية‏؟ ‏

التطبيق فى‏ ‏الوقاية‏ ‏و‏ ‏العلاج‏:‏

‏(1) علينا أن نستوحى  من هذا المثل النابع من ثقافتنا أن نتجنب أن نبالغ‏ ‏فى ‏ذكر‏ ‏الأضرار‏ ‏والشرور‏ ‏المترتبة‏ ‏على ‏الإدمان‏ ‏بشكل‏ ‏مباشر، ‏وعلينا  أن نتذكر‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏من‏ ‏يُقبل‏ ‏على ‏الإدمان‏ ‏يكون‏ ‏عنده‏ ‏رغبة‏ ‏خفية‏ (‏لا‏ ‏شعورية‏) ‏فى ‏إيذاء‏ ‏ذاته‏ (‏‏الاكتئاب‏ ‏أو‏ ‏الانتحار‏)، ‏وكأنه‏ ‏بهذه‏ ‏المبالغة‏ ‏يبرر‏ ‏له‏ ‏تحقيق‏ ‏غرضه‏ (‏اللاشعورى‏) ‏بالتأكيد على أن الإدمان مُهلك حتى النهاية‏.‏

(2) علينا  أيضا أن نغتنم‏ ‏الفرصة‏ ‏للتأكيد‏ ‏على ‏مسئولية المدمن فى البداية والنهاية، ‏وهو‏ ‏الجزء‏ ‏الثانى ‏من‏ ‏المثل‏ “‏يستاهل‏ ‏ما‏ ‏يجرى ‏عليه‏”، ‏والإشعار‏ ‏بالمسئولية‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏بالضرورة‏ ‏توجيه‏ ‏التهم، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏يستعمل‏ ‏المعرفة‏ ‏للتقليل‏ ‏من‏ ‏التماس‏ ‏العذر‏ (“‏غصبا‏ ‏عنى‏”!!!، “‏ليس‏ ‏بيدى‏”!!)، ‏وما‏ ‏يـِجْـرَى ‏عليه‏ ‏غير‏ ‏ما‏ ‏يَـجْرِى ‏له، ‏ومن‏ ‏ضمن‏ ‏ما‏ ‏يجرى ‏عليه‏ ‏ هو الخسائر الأدبية والمادية التى تشمل‏ ‏خراب‏ ‏بيته‏ ‏وتدهور‏ ‏صحته‏ ، ‏وهو‏ ‏مسئول‏ ‏عن‏ ‏ذلك‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏.‏

ولكن: إذا‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏الإشعار‏ ‏بالمسئولية‏ ‏عقابا‏ ‏وتوبيخا‏ ‏فماذا‏ ‏يكون؟

هو‏ ‏بداية‏ ‏التأكيد‏ ‏على ‏مسئولية‏ ‏المدمن‏ ‏فى ‏استمرار‏ ‏العلاج‏ ‏وإسهامه‏ ‏فيه‏.‏

والشعور بالمسئولية أهم من التركيز على “استعمال الإرادة”، تلك المقولة التى يكررها العامة، والأسرة، والإعلام طول الوقت، إن القرار الأنفع يرتبط بالوعى بالمشكلة وحساب أبعادها، وتحمل مسئولية عواقبها – الآن – بما يسمح بالاختيار الذى لا يكون حقيقة إلا بالتنفيذ الهادئ على مراحل.

[5] “‏إمشى ‏دغرى ‏يحتار‏ ‏عدوك‏ ‏فيك‏”‏

هذا‏ ‏مثل‏ ‏يفتح‏ ‏الباب‏ ‏لأساسيات‏ ‏عمومية‏ ‏يمكن‏ ‏تطبيقها‏ ‏فى ‏حالة‏ الوقاية والعلاج من ‏الإدمان‏.‏

‏ ‏ومن‏ ‏هذه‏ ‏الأساسيات‏:‏

‏ – ‏إن‏ ‏الحلال‏ ‏بيِّن‏ ‏والحرام‏ ‏بين‏ ‏

‏ – ‏إنه‏ ‏لا‏ ‏يصح‏ ‏إلا‏ ‏الصحيح‏ ‏

………… الخ

كثيرا‏ ‏ما‏ ‏تكون‏ ‏المشكلة‏ ‏فى ‏بدايات‏ ‏الانحراف‏ ‏إلى ‏الإدمان‏ ‏هى ‏فرط‏ ‏تجسس‏ ‏الأهل، ‏تلقائيا، ‏أو‏ ‏نتيجة‏ ‏لسوء‏ ‏رسائل‏ ‏الإعلام‏ ‏التى ‏تعدد‏ ‏العلامات‏ ‏التـى ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يشك‏ ‏الأهل‏ ‏فى ‏سلوك‏ ‏ابنهم‏ ‏إذا‏ ‏مارسها، ‏مثل‏ ‏تغير‏ ‏العادات، ‏أو‏ ‏التدهور‏ ‏الدراسى، ‏أو‏ ‏اختلال‏ ‏نمط‏ ‏النوم‏ ‏وهكذا، ‏ويأتى ‏الشاب‏ ‏وأهله‏ ‏إلى ‏الطبيب‏ ‏فى ‏موقف‏ ‏الهجوم‏ ‏والدفاع: ‏الشاب‏ ‏ينكر‏ ‏والأهل‏ ‏يصرون، ‏وهنا‏ ‏يقفز‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏محورا‏ ‏ليؤكد‏ ‏أن‏ ‏الأهل‏ ‏قد‏ ‏لا‏ ‏يكونون‏ ‏على ‏حق‏ ‏فى ‏شكوكهم، ‏لكن‏ ‏تصرف‏ ‏الشاب‏ (‏أو‏ ‏الفتاة‏) ‏هو‏ ‏الذى ‏أدى ‏إلى ‏هذه‏ ‏الشكوك، ‏فإن‏ ‏كان الإبن‏ ‏يريد‏ ‏إثبات‏ ‏خطئهم‏ ‏فهو‏ ‏لن‏ ‏يثبته‏ ‏بالدفاع‏ ‏والقسم‏ ‏والتأكيد، ‏ولكن‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يثبته‏ ‏بأن‏ ‏يزيل‏ ‏أسبابه، ‏مثلا‏ ‏بأن‏ ‏يعود‏ ‏للتفوق، أو ‏بأن‏ ‏ينظم‏ ‏أوقات‏ ‏نومه، ‏أو بأن‏ ‏يتصرف‏ ‏فى ‏علانية‏ (سموها الآن: شفافية!!)… بلْ بكل ذلك وغيره، ..‏إلخ‏. ‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

(1) إن‏ ‏حكاية‏ ‏”الطريق‏ ‏المستقيم”‏ ‏هذه‏ ‏حكاية تبدو‏ ‏بسيطة‏ ‏لا‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏علم‏ ‏نفس‏ ‏أو‏ ‏تربية‏ ‏أو‏ ‏إلحاح‏ أو حتى وعظ وإرشاد، وأمر بالمعروف.. ‏والمصيبة‏ ‏أن معظم‏ ‏الأهل يعتبرون الصراط المستقيم أنه وجهة نظرهم المسطحة فحسب، ‏وكثيرا ما نجد أن‏ ‏الإعلام‏ ‏وبعض‏ ‏رجال‏ ‏الدين، ‏بل‏ ‏وأغلب‏ ‏مجلات‏ ‏الأطفال المصرية غير المترجمة، ‏يقدمون‏ ‏طبق‏ “‏الطريق‏ ‏المستقيم‏” ‏ماسخا‏ ‏فاترا‏ ‏مسطحا، ‏فمن‏ ‏البديهى ‏أن‏ “‏على ‏الإنسان‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏حسن‏ ‏الخلق، ‏وأن‏ ‏يغسل‏ ‏يديه‏ ‏قبل‏ ‏الأكل‏ ‏وبعده، ‏وألا‏ ‏يؤخر‏ ‏عمل‏ ‏اليوم‏ ‏إلى ‏الغد، ‏ولكن‏ “‏كيف”؟ ‏هذه‏ ‏هى ‏مهمتنا‏، وليست الخطابة والترهيب والترغيب بشكل سطحى.‏

(2) إن علينا أن نتعلم كيف نعترف‏‏ ‏بحق‏ ‏الناس‏ (‏والشباب‏ ‏خاصة‏) فى الخطأ‏.‏‏ ‏إن‏ ‏الحق‏ ‏فى ‏الخطأ‏ ‏ليس‏ ‏معناه‏ ‏التشجيع‏ ‏على ‏الخطأ، ‏وإنما‏ ‏معناه‏ ‏احترام‏ ‏الطبيعة‏ ‏البشرية، والمشى على صراط مستقيم (13) لا يعنى الحرمان من الخطأ على طول الخط، وإنما يشير إلى العمل على تأكيد الفطرة السليمة كما خلقها الله، وعلى تجنب الشبهات والاستعانة بالمنطق السليم، وكل هذا هو وقاية من الشر المحيط (يحتار عدوك فيك!).

(3) علينا أن ‏نحاول‏ ‏أن‏ ‏نفهم‏ ‏كلمة‏ “‏دغري‏” ‏بمعنى ‏حلاوة‏ ‏الصح، ‏وليس‏ ‏فقط‏ ‏ضرورته‏ ‏وإلزامه، ‏فللفضيلة‏ ‏حلاوة، ‏وللصدق‏ ‏حلاوة، ‏وللكرامة‏ ‏حلاوة‏ ، ‏وللحياء‏ ‏حلاوة

‏(4) إن أهم ما يشجـِّع على السير “العدِل” هو أن يصل إلى الشخص أنه طريق فيه مكسب مباشر لنوع وجوده، وطريقة حياته، وجمال علاقته بربه، وليس فقط أنه “لزوم ما يلزم” ودمتم

[6] ‏”الصاحب‏ ‏اللى ‏يخـسَّـــر‏ ‏هو‏ ‏العدو‏ ‏المبين”

شاع‏ ‏ويشيع‏ ‏دائما‏ ‏أن‏ ‏مشكلة‏ ‏الإدمان‏ ‏هى ‏مشكلة‏ “‏الصاحب‏ ‏السييء، ‏أو‏ “‏الشلة‏ ‏الفاسدة‏”، ‏وهذا‏ ‏صحيح، ‏ولكن‏ ‏المسألة‏ ‏ليست‏ ‏بهذه‏ ‏البساطة، ‏المشكلة‏ ‏فى‏:

 ‏كيف‏ ‏أحسبها، ‏وكيف‏ ‏أتقى ‏شر‏ ‏الفاسد‏ ‏إذا‏ ‏اضطررت ‏-‏لأى ‏سبب‏- ‏إلى ‏معاشرته‏، وبماذا‏ ‏ننصح‏ ‏الشباب‏ ‏وغير‏ ‏الشباب‏ ‏بأن‏ ‏يحسبوها دون خجل‏ – ‏فى ‏مسألة‏ ‏الصداقة‏- ‏المكسب‏ ‏والخسارة‏‏؟ ليس فقط بمقياس المادة واللذة، وإنما بمقاييس تبادل حركية الوعى والإسهام فى دفع النمو الثقافى والتمتع بالطبيعة، والفرحة بعمل الخير، والحفاظ على حق الدهشة مثلا!

بصراحة‏: ‏إن‏ ‏التركيز‏ ‏على ‏أن‏ ‏أصدقاء السوء‏ ‏هم‏ ‏السبب‏ -‏ رغم‏ ‏صدق‏ ‏ذلك‏ ‏ووجاهته‏ غالبا- ‏خليق‏ ‏بأن‏ ‏ينسينا‏ ‏المسئولية‏ ‏التى ‏تقع‏ ‏على ‏من‏ ‏نسميهم‏ “‏الضحية‏”. إن ‏الذى ‏ضل‏ ‏الطريق‏ ‏مهما‏ ‏كان‏ ‏دليله‏ ‏خبيثا‏ ‏أو‏ ‏سيئا‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏عجز‏ ‏عن‏ ‏رؤية‏ ‏مصلحته، ‏أو‏ ‏التنبؤ‏ ‏بخسارته، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏من‏ ‏يعرف‏ ‏مكسبه‏ ‏الحقيقي، ‏ويعلم‏ ‏حجم‏ ‏خسارته‏ ‏الجارية‏ ‏أو‏ ‏المحتملة، ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يحسن‏ ‏حساباته‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏عاشر‏ ‏الجن‏ ‏الأزرق‏ ‏شخصيا‏.‏

‏ ‏الصداقة من حيث المبدأ‏ ‏مكسب‏ ‏لطرفيها، ‏وليس‏ ‏عيبا‏ ‏أن‏ ‏يستفيد‏ ‏كل‏ ‏صديق‏ ‏من‏ ‏صديقه‏ ‏حبا، ‏وتعاونا، و‏إيمانا خلاّقا‏ (‏تحابـَّا‏ ‏فى ‏الله‏: ‏اجتمعا‏ ‏عليه‏ ‏وافترقا‏ ‏عليه‏) .‏

أما‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏المسألة‏ ‏هربا‏ ‏جماعيا، ‏ولذة‏ ‏قصيرة‏ ‏العمر، ‏وتنمية‏ ‏خيالات‏ ‏مريضة، ‏فهى ‏الخسارة‏ ‏بعينها، ‏وبالتالى ‏فلا‏ ‏صداقة‏ ‏ولا‏ ‏يحزنون، ‏بل‏ ‏إنها‏ ‏عداوة‏ ‏ما‏ ‏بعدها‏ ‏عداوة‏ “هو العدو المبين”!

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏1- إنه ‏لا‏ ‏يكفى ‏أن‏ ‏ننصح ‏المدمن، ‏أو‏ ‏الذى ‏هو‏ ‏على ‏وشك‏ ‏الإدمان‏ ‏أن‏ ‏يترك‏ ‏أصدقاء‏ ‏السوء، ‏ولكن‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ نتيح‏ – ‏للمستَهْدَفِ خاصة-‏  ‏الفرصة‏ ‏أن‏ ‏يكوّن‏ ‏صداقات حقيقية، وللمتعالج أن يكِّون صداقات‏ ‏جديدة، بدءًا من المجتمع العلاجى صداقات تستطيع أن تحل محل ‏الصداقات القديمة‏ المشبوهة، فتنكسر الوحدة دون خسارة، بل بمكاسب متبادلة وباقية.

‏2- ‏إن‏ ‏كثيرين‏ ‏ممن‏ ‏هم‏ ‏أصدقاء‏ ‏السوء، ‏ليسو‏ ‏بهذا‏ ‏السوء، ‏والواقع‏ ‏أن‏ ‏كثيرين‏ ‏منهم‏ ‏يريدون‏ ‏أن‏ ‏يبدأوا‏ ‏من‏ ‏جديد، ‏وهنا‏ ‏تصبح‏ ‏حسابات‏ ‏المكسب‏ ‏والخسارة‏ ‏ليست‏ ‏فقط‏ ‏فى ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏شخصا‏ ‏أبيض‏ (‏ليس‏ ‏له‏ ‏خبرة‏) ‏وآخر‏ ‏مشوها‏ ‏وفاسدا وشيطانا، ‏ولكن‏ ‏تنقلب‏ ‏الحسابات‏ ‏إلى ‏احتمال‏ ‏تعاون، ‏حتى ‏مع‏ ‏من‏ ‏يسمون‏ ‏بأهل‏ ‏السوء‏ ‏فى الوقت المناسب وبشروط البرنامج ومع إشرافه، ربما ‏يزول‏ ‏السوء‏ ‏ولا‏ ‏تزول‏ ‏الصداقة‏ (‏‏بالعلاج‏ ‏والإشراف‏ ‏والمتابعة‏).‏

‏3- إن‏ ‏تعليم‏ ‏الناس‏ -‏ مدمنين‏ ‏أو‏ ‏مُعَرَّضين‏ ‏للإدمان‏ – ‏كيف‏ ‏يحسبونها‏ – ‏هو‏ ‏أهم‏ ‏بكثير‏ ‏جدا‏ ‏من‏ ‏مجرد‏ ‏نهيهم‏ ‏عن‏ ‏مصاحبة‏ ‏هذا‏ ‏أو‏ ‏لقاء‏ ‏ذاك، مع أن هذا النهى لازم وحاسم فى البداية.

‏4 – ‏إن‏ ‏حساب‏ ‏المكسب‏ ‏والخسارة‏ ‏هو‏ ‏من‏ ‏أذكى ‏الطرق‏ ‏التى ‏تساعد‏ ‏فى ‏العلاج‏، ‏فالمدمن‏ ‏مثلا‏ ‏لن‏ ‏يوقف‏ ‏الصداقة‏ ‏الخطرة‏ ‏أو‏ ‏اللذة‏ ‏المهلكة‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏حسبها‏ ‏ووجد‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏صداقة‏ ‏متاحة بديلة: بنـَّاءة، ‏وأن ثَمَّ لذة‏ ‏نظيفة ممكنة. (كما أشرنا).

 ‏وبالتالى ‏علينا ان ندرب أنفسنا أن نقدم له ‏هذه‏ ‏الفرص‏ (‏صداقة‏ ‏إيجابية‏ ‏ولذة‏ ‏نظيفة‏) ‏بدلا من الاكتفاء بالمنع ‏ ‏والبتر.

‏[7] ‏”من‏ ‏جاوِرِ‏ ‏الحَدَّادْ‏ ‏يتحرق‏ ‏بناره”

لا‏ ‏يشير‏ ‏المثل‏ ‏هنا‏ ‏إلى ‏صاحب‏ ‏يخسِّر‏ ‏أو‏ ‏يكسب فقط، ‏ولكنه‏ ‏يحذر‏- ‏بطريقة‏ ‏أبسط‏ ‏وأكثر‏ ‏رقة‏- ‏من‏ ‏الاستهتار‏ ‏بالخطر، ‏وبالذات‏ ‏بالخطر‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏بد‏ ‏منه، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏من‏ ‏يـُضطر‏ ‏اضطرارا‏ ‏أن‏ ‏يقترب‏ ‏من‏ ‏مخاطرالإدمان‏ ‏ومصادره،- ‏ليس‏ ‏لمجرد‏ ‏صداقة‏ ‏أو‏ ‏ثلة‏- ‏مثلا‏: ‏واحد‏ ‏يعمل‏ ‏فى ‏فندق، ‏أو‏ ‏فى ‏بار‏ ‏أو‏ ‏في‏”‏كافتريا‏” ‏تُقدم‏ ‏ما‏ ‏تيسر، ‏أو‏ ‏واحد‏ ‏يعمل‏ ‏مشروعا‏ ‏سياحيا‏ ‏مع‏ ‏زملاء‏ ‏فى منطقة سياحية تنتشر بها المخدرات وتشكل جزءاً من نشاطها الاقتصادى، ‏هنا‏ ‏تصبح‏ ‏المسألة‏ ‏ليست‏ ‏ثلة‏ ‏سوء، ‏أو‏ ‏أصدقاء‏ ‏مزاج، ‏وإنما‏ ‏تصبح‏ ‏أكل‏ ‏عيش، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏مصدر‏ ‏خطر، ‏وعلى ‏من‏ ‏تضعه‏ ‏ظروفه‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الامتحانات‏ ‏غير‏ ‏السهلة‏ ‏أن‏ ‏يعى ‏تماما‏ ‏أنه‏ ‏يحتاج‏ ‏قدرا‏ ‏من‏ ‏الحذر‏ ‏والتقية‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏الخوف، ‏وأيضا‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏يحتاج‏ ‏من‏ ‏الجرأة‏ ‏والثقة‏ ‏الزائدة‏ ‏التى ‏قد‏ ‏تعرضه‏ ‏لما‏ ‏لم‏ ‏يحسن‏ ‏حسبته‏.‏

وإن‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏لا‏ ‏يقصد‏ ‏أن صُحبْة “‏الحداد‏” ‏شر فى ذاتها، ‏وإنما هو‏ ‏ينبه‏ ‏فقط‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الحداد‏ ‏هو‏ ‏المضطر‏ ‏للتعامل‏ ‏مع‏ ‏النار‏ (‏خاصة الحداد‏ ‏البلدي، ‏حداد‏ ‏زمان‏) ‏فإن‏ ‏من‏ ‏يجاوره‏ ‏ليس‏ ‏مضطرا‏ ‏للاقتراب‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏النار، ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فهو‏ ‏عرضة‏ ‏لأن‏ ‏يحترق‏ ‏بمجرد‏ ‏الجيرة‏.‏

وثمة‏ ‏مثل‏ ‏آخر‏ ‏ينصح‏ ‏بتجنب‏ ‏مظان‏ ‏الشر‏ ‏بوضع مسافة من‏ ‏البداية، ‏وهو المثل ‏الذى ‏يقول‏: ‏إبعد‏ ‏عن‏ ‏الشر‏ ‏وقنى ‏له‏ (‏أى ‏اجعل‏ ‏بينك‏ ‏وبينه‏ ‏قناة‏) ‏وفى ‏رواية‏ ‏أخري،”‏وغنى ‏له‏” ‏أى ‏افرح‏ ‏بأنك‏ ‏بعيد ‏أبعد‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يصيبك‏ ‏ما‏ ‏دمت‏ ‏قد‏ ‏أخذت‏ ‏حذرك‏ .‏ ‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏1- ‏علينا ألا نبالغ‏ ‏بالتركيز‏ ‏على ‏تجنب‏ ‏الخطر‏ ‏بشكل‏ ‏مبالغ‏ ‏فيه، ‏وخاصة‏ ‏أن‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الأعمال‏ ‏الشائكة‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يعمل‏ ‏فيها‏ ‏نفر‏ ‏من‏ ‏الناس، ‏وأنها‏- ‏فى ‏ذاتها‏- ‏ليست‏ ‏خطرا‏ ‏صرفا‏.‏

‏2- ‏أن نراعى‏ ‏التوفيق‏ ‏بين‏ ‏أكل‏ ‏العيش‏ ‏وبين‏ ‏الوقاية‏ ‏بالانسحاب‏.‏

‏3- أن تدرس ‏كل‏ ‏حالة‏ ‏على ‏حدة‏ ‏لمعرفة‏ ‏مدى ‏تأثير‏ ‏هذا‏ ‏الاقتراب‏ ‏من‏ ‏مصدر‏ ‏الخطر‏ ‏قبل‏ ‏الإسراع‏ ‏فى ‏اتهام‏ ‏المصدر‏ ‏بمسئولية‏ ‏الإدمان‏ ‏مباشرة‏.‏

‏4- ‏إذا‏ ‏ثبت‏ ‏أن‏ ‏الشخص‏ ‏هش‏ ‏فعلا، وهذا ما يغلب فى كثير من الأحوال، ‏وأن‏ ‏عمله‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏أدى ‏به‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏حدث: يُنصح جديا بتغييره ما أمكن ذلك.

‏5- أن ‏نحاول ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏الظروف‏ ‏تحتم‏ ‏الاقتراب‏ ‏من‏ ‏الخطر، ‏أن‏ ‏يركز‏ ‏على ‏أن‏ ‏يخرج‏ ‏المدمن‏ ‏المتعافى الذى قد يعود إلى مواقع الخطر التى تتنظره.

‏[8]”‏إللى ‏يلاعب‏ ‏التعبان‏ ‏لابد‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏قَـرْصُه‏”‏

‏ ‏ينبه‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏ليست دائما ‏ ‏بسيطة‏ ‏أو‏ ‏مباشرة‏ ( ‏صاحب‏ ‏يخسر، ‏أو‏ ‏حداد‏ ‏ناره‏ ‏لافحة، ‏أو‏ ‏شر‏ ‏صريح‏)، ‏. هذا المثل‏ ‏ينبهنا أن‏ ‏الوقوع‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏المهالك‏ ‏يتسلل‏ ‏إلى ‏الإنسان‏ ‏بشكل‏ ‏خفى ‏متسحب‏، ‏وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏يبدو‏ ‏الأمر‏ ‏فى ‏أوله‏ ‏بمثابة‏ “‏لعبة‏”، ‏إما‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏تسلية، ‏أو‏ ‏مشاركة، ‏أو‏ ‏استجلاب‏ ‏بهجة‏ ‏مؤقتة‏ ‏تجعل‏ ‏الوقت‏ ‏صاخبا‏ ‏وجميلا، ‏لكن‏ ‏للأسف‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏يتبين‏ ‏الغافل‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏اللعب‏ ‏ليس‏ ‏بريئا، ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏مؤقت، ‏وأنه‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يلعب‏ ‏لعب ‏براءة‏ ‏الأطفال‏ ‏أو‏ ‏صحبة‏ ‏المبتهجين، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏كان‏ ‏يلاعب‏ ‏مصدر‏ ‏السم‏ ‏نفسه‏ “‏التعبان‏”.

وهنا‏ ‏يشير‏ ‏المثل إلى‏ ‏النتيجة‏ ‏الحاسمة‏ (‏التى ‏تحدث‏ ‏من‏ ‏الإدمان‏ ‏فعلا‏) ‏وهى ‏التسمم، ‏فنلاحظ‏ ‏استعمال‏ ‏لفظ‏ “‏لابد‏” (‏لابد‏ ‏من‏ ‏قرصه‏) ‏والمثل‏ ‏العامى ‏قليلا‏ ‏ما‏ ‏يستعمل‏ ‏هذه‏ ‏اللهجة‏ ‏الحاسمة‏ “‏لابد‏” ‏فالمثل‏ ‏عادة‏ ‏ما‏ ‏يحذر‏ “‏يخاف‏ ‏من‏”، ‏وأحيانا‏ ‏يشد‏ ‏الأذن‏ “‏يستحمل‏”، ‏وأحيانا‏ ‏أخرى ‏يرفض‏ ‏التبرير‏ ‏والشكوى “‏ما‏ ‏يقولشى ‏أحّ‏”..‏إلخ، ‏لكنه‏ ‏هنا‏ ‏يعلنها‏ ‏صريحة‏:‏

يعلن‏: ‏إن‏ ‏الأمر‏ ‏جد‏ٌّّ ‏لا‏ ‏هزل

والثعبان‏ ‏سامٌّ بلا ‏جدال

واللعبُ‏ ‏آخره‏ ‏اللدغ‏ ‏لا‏ ‏مفر‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏1- ‏يصلح‏ ‏مغزى ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏فى ‏التنبيه‏ ‏إلى ‏خطورة‏ ‏اللعب‏ ‏فى ‏مناطق‏ ‏ثبت‏ ‏أنها‏ ‏مليئة‏ ‏بالسموم‏ (‏الأفاعي‏)، ‏وتعبير‏ ‏اللعب‏ ‏هنا‏ ‏يعتبر‏ ‏مسئولا‏ ‏عن‏ ‏كثير‏ ‏من‏ ‏التورطات‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏خاصة، ‏فكثير‏ ‏من‏ ‏المدمنين‏ ‏ينفون‏ ‏عن‏ ‏أنفسهم‏ ‏صفة‏ ‏الإدمان‏ ‏ويبررون‏ ‏التعاطى (‏وخاصة‏ ‏فى ‏البداية‏) ‏بأنه‏ “‏دا‏ ‏بس‏ ‏تفاريح‏ ‏كده‏” ‏أو‏ “‏أبدا، ‏المسألة‏ ‏ما‏ ‏وصلتشي، ‏دانا‏ ‏بالعب‏ ‏شوية‏ ‏كده‏ ‏وحابطل‏”، ‏وهنا‏ ‏ينبغى ‏الانتباه‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الذى ‏يبدأ‏ ‏لعبا‏ ‏قد‏ ‏ينتهى ‏غمـًّا، ‏وأن‏ ‏اللعب‏ ‏جائز، ‏لكن‏ ‏السم‏ ‏قاتل، ‏…الخ

‏2- ‏علينا ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أنه‏ ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الوضوح، ‏فإن‏ ‏مجرد‏ ‏التنبيه‏ ‏على ‏حتمية‏ ‏التسمم‏ ‏هكذا‏ ‏ليست‏ ‏كافية‏ ‏للمنع‏ ‏أو‏ ‏للتحذير‏ ‏بالنسبة‏ ‏للمدمن، ‏فلا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نغتر‏ ‏بقوة‏ ‏منطق‏ ‏بديهيات‏ ‏ما‏ ‏يبدو‏ ‏من‏ ‏المثل، ‏بل‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أن‏ ‏المدمن‏ ‏يُشَلَّ‏ ‏تفكيره‏ ‏عادة‏ ‏بفعل‏ ‏غلبة‏ ‏العواطف‏ ‏الجامحة‏ ‏المرتبطة‏ ‏بالحاجة، ‏وأيضا‏ ‏بفعل‏ ‏السموم‏ .‏

‏3- ‏وقد‏ ‏تصلح‏ ‏التذكرة‏ ‏بمعنى ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏عند‏ ‏التخطيط‏ ‏لمنع‏ ‏النكسات، ‏وهنا‏ ‏يصبح‏ ‏تلقى ‏المعنى ‏أسهل‏ ‏لأن‏ ‏المدمن‏ ‏قد‏ ‏لدغ‏ ‏فعلا‏ ‏ ‏قبل ذلك‏ ‏نتيجة‏ ‏للعب‏ ‏مع‏ ‏ثعابين‏ ‏الإدمان‏.‏ ‏

 

‏[9] “‏إللى ‏يمسك‏ ‏القطه‏ ‏تخربشه‏”‏

لا‏ ‏يدعو‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏إلى ‏الهروب‏ ‏وتجنب‏ ‏مواقع‏ ‏الخطر‏ ‏مثل‏ ‏سابقيه، ‏لكنه‏ ‏يدعو‏ ‏إلى ‏دقة‏ ‏الحسابات، ‏وتحمل‏ ‏المسئولية، ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يشير‏ فقط ‏إلى ‏صاحب‏ ‏يخسّــر أو‏ ‏يكسّب‏ (‏الصاحب‏ ‏اللى ‏يخسر‏)، ‏كما‏ ‏لا‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏جوار‏ ‏يضر‏ (‏من‏ ‏جاور‏ ‏الحداد‏) ‏أو‏ ‏شر‏ ‏يهدد ‏(‏إبعد‏ ‏عن‏ ‏الشر‏) ‏أو‏ ‏ثعبان‏ ‏يلدغ‏ (‏إللى ‏يلاعب‏ ‏التعبان‏) ‏ولكنه‏ ‏يُنَبِّه‏ ‏إلى ‏ضرورة‏ ‏معرفة‏ ‏طباع‏ ‏من‏ ‏نعاشر، ‏فالاستسهال‏ ‏الذى ‏بدأنا‏ ‏بالتحذير‏ ‏منه‏ ‏لا‏ ‏يأتى ‏فقط‏ ‏من‏ ‏التقريب‏ ‏العشوائى ‏واختصار‏ ‏الطريق، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏يأتى ‏من‏ ‏عدم‏ ‏الحرص‏ ‏على ‏دراسة‏ ‏الواقع‏ ‏وكفاية‏ ‏المعلومات‏.

وهنا‏ ‏ينبه‏ ‏المثل‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏مِنْ‏ ‏طبع‏ ‏القطة‏ أنها إذا أمسك أحد بها تملصت‏ ‏و‏”‏خربشت‏”، ويمكن‏ ‏أن‏ ‏نضرب‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏لمن‏ ‏يتحدى، ‏مثلا‏ ‏بزعم‏ ‏أنه‏ ‏قادر‏ ‏على ‏مجالسة‏ ‏المتعاطين‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يشاركهم، ‏ خلاصة‏ ‏القول‏ ‏هو‏ ‏تأكيد‏ ‏المثل‏ ‏على ‏ضرورة‏ ‏معرفة‏ ‏الواقع‏ ‏بحجمه‏ ‏وتفاصيله، ‏ثم‏ ‏تحمل‏ ‏مسئولية‏ ‏إقدامنا‏ ‏على ‏فعل‏ ‏ما‏.‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1- ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نبصر‏ ‏المدمن‏ ‏بتفاصيل‏ ‏المسألة، ‏وعواقبها، ‏ومضاعفاتها، ‏وأنه‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏يأخذ‏ ‏حذره‏ ‏فهو‏ ‏سوف‏ ‏يلقى ‏ما‏ ‏لا‏ ‏يحب‏.‏ وذلك دون اللجوء إلى النصائح الخطابية، وإنما للحسابات الواعية.

‏2- ‏على ‏المدمن‏ ‏أن‏ ‏يعرف‏ ‏أن‏ ‏لكل‏ ‏فعل‏ ‏أو‏ ‏تجربة‏ ‏مخاطرها‏ ‏وعواقبها، ‏وبالتالى ‏فالحكمة‏ ‏تقضى ‏ألا‏ ‏يعرض‏ ‏نفسه‏ ‏إلى ‏الدخول‏ ‏فى ‏تجربة‏ ‏لا‏ ‏يتحمل‏ ‏ما‏ ‏ينتج‏ ‏عنها‏. ‏

‏3- ‏ومن تطبيق‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏فى ‏ممارسة‏ ‏العلاج‏ ‏أيضا‏: ‏

‏(‏ا‏) ‏إن‏ ‏للعلاج‏ ‏أصوله‏ ‏وقواعده وبرامجه المحدودة، ‏والمسألة‏ ‏ليست‏ ‏لعبة‏ ‏الإمساك‏ ‏بقط‏ ‏شرس‏ ‏لترويضه‏ (‏كما‏ ‏يتصور‏ ‏الأهل‏ ‏عادة‏)، ‏وإنما‏ ‏هى ‏فن‏ ‏الاقتراب‏ ‏ووضوح‏ ‏الرؤية، ‏فإذا‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏فى ‏الموقف‏ ‏شراسة‏ ‏فلنتحمل‏ ‏نتائجها‏.‏

‏(‏ب‏) ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏علينا ‏ ‏ألا‏ ‏نهرب‏ ‏من‏ ‏المواجهة‏ ‏بتصور‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏ (‏أو‏ ‏الحالة‏) ‏صعبة، ‏وخاصة‏ ‏حين‏ ‏نواجه‏ ‏الفشل‏ ‏مع‏ ‏تكرار‏ ‏النكسات‏.‏

‏(‏جـ‏) ‏إن‏ ‏من‏ ‏واجباتنا ‏أن‏ ‏نتناول‏ ‏أى ‏صعوبة‏ (‏أو‏ ‏شراسة‏) ‏بما‏ ‏يليق‏ ‏بها، ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏اقتحام‏ ‏المدمن‏ ‏وتحدّيه‏ ‏مما‏ قد ‏يثير‏ ‏عدوانيته‏ ‏وعناده، ‏بل‏ ‏ينبغى ‏اكتساب‏ ‏ثقته‏ ‏وإحياء‏ ‏الأمل‏ ‏فيه، ‏ثم‏ ‏نتفاهم‏ “‏ولا‏ ‏نكتفى ‏أن‏ ‏نمسك‏ ‏به‏ ‏متلبسا‏.

 ‏فإذا‏ ‏لزم‏ ‏الأمر‏ ‏أن‏ ‏نمسك‏ ‏به، ‏فمن‏ ‏شرف‏ ‏المهنة‏ ‏أن‏ ‏نتحمل‏ “‏خربشته‏”.‏

‏[10] “‏مــِنْ‏ ‏عاشر‏ ‏المتهــُومْ‏ ‏ينـْتـهـِم”

أحيانا‏ ‏تشمل‏ ‏شلة‏ ‏المدمنين‏ ‏بعض‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏يشاركونهم‏ ‏هذه‏ ‏العادة‏ ‏المُهلكة، ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏نادر‏ ‏الحدوث، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏وارد‏.‏

ومهمة‏ ‏توضيح‏ ‏هذه‏ ‏النقطة‏ ‏للأهل‏ ‏ألا‏ ‏يأخذوا‏ ‏المسألة‏ ‏بشكل‏ ‏حاسم، ‏فيتهمون‏ ‏ابنهم‏ ‏مثلا‏ ‏بأنه‏ ‏مادام‏ “‏يمشى‏” ‏مع‏ ‏شخص‏ ‏يعرفون‏ ‏أنه‏ ” ‏يتعاطى” ‏شيئا، ‏فلا‏ ‏بد‏ ‏أنه‏ ‏يتعاطى ‏مثله، ‏هذا‏ ‏وارد‏ ‏فعلا‏ ‏كما‏ ‏ذكرنا، ‏لكنه‏ ‏ليس‏ ‏قاعدة‏ ‏أبدا

وبالتالى، ‏فإن‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏القوى ‏حسن‏ ‏النية‏ ‏يجد‏ ‏نفسه‏ ‏فى ‏مأزق‏ ‏حقيقى‏:‏

‏- ‏فهو‏ ‏إما‏ ‏أن‏ ‏يتخلى ‏عن‏ ‏صديقه‏ (‏أو‏ ‏أصدقائه‏) ‏تماما، ‏فيفقد‏ ‏ثقته‏ ‏بنفسه، ‏ويفقد‏ ‏صديقه‏ ‏الذى ‏يمكن‏ -‏أو‏ ‏يتصور‏ ‏أنه‏ ‏يمكن‏- ‏أن‏ ‏ينصلح‏ ‏على ‏يديه‏.‏

‏-‏ وإما‏ ‏أن‏ ‏يتمادى ‏فى ‏الصداقة‏ ‏ويتحمل‏ ‏مسئولية‏ ‏المغامرة، ‏وبالتالى ‏يعرض‏ ‏نفسه‏ ‏للاتهام‏ ‏من‏ ‏ناحية، ‏وأيضا‏ ‏لاحتمال‏ ‏أن‏ ‏يضعف‏ ‏فيشارك‏ ‏أو‏ ‏يقلد‏ ‏صديقه‏ ‏يوما‏ ‏ما‏. ‏

– وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏إصرار‏ ‏الأهل‏ ‏على ‏مواصلة‏ ‏الاتهام‏ ‏دون‏ ‏دليل‏ ‏ودون‏ ‏أية‏ ‏مظاهر‏ ‏دالة‏ ‏على ‏التعاطى،‏أحيانا‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏دافعاً‏ ‏فى ‏حد‏ ‏ذاته‏ ‏أن‏ ‏يتورط‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏ ‏فى ‏التعاطى ‏تحديا‏ ‏أو‏ ‏انتقاما‏ ‏منهم، ‏وهو‏ ‏فى ‏الواقع‏ ‏لا‏ ‏ينتقم‏ ‏إلا‏ ‏من‏ ‏نفسه‏. ‏

فالمثل قد‏ ‏يبرر‏ ‏تصرف‏ ‏الأهل، وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏ينفى ‏أن‏ ‏مجردالاتهام‏ ‏هو‏ ‏إثبات‏ ‏لاقتراف‏ ‏جرم‏ ‏ما‏ .‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1- علينا أن نعترف لأنفسنا أولا، ثم للمدمن أنه ‏من‏ ‏الأفضل، ‏رغم‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏تقدم‏ ‏من‏ ‏شرح‏ ‏مغزى ‏المثل‏ ‏وتوظيفه‏ ‏أن‏ يتجنب‏ ‏الشخص (الصديق أو غيره)‏ ‏مواقع‏ ‏الشبهات‏.‏

‏2- ‏أحيانا‏ ‏يكون‏ “مشى” الابن والبنت ‏مع شلة‏ ‏مدمنين‏ ‏لا يُثْبِتُ‏ ‏بالضرورة‏ ‏‏أنه‏ ‏قد‏ ‏انزلق‏ ‏فعلا‏ ‏إلى ‏المستنقع، ومع ذلك يظل عرضة للاتهام، ومن كثرة ما يتعرض لمثل هذا الاتهام من أكثر من مصدر وهو برئ منه، قد يتمادى غضبا وتحديا ليقترف ما ظنوه فيه، لهذا ينبغى على الأهل خاصة أن يضعوا هذا الافتراض فى حساباتهم برغم ندرته.

3- ‏علينا ‏أن‏ ‏ندرس‏ ‏معنى ‏تفضيل بعض الشباب صحبة هذه الشلة مع تعرضهم للاتهام برغم احتمال براءتهم،‏ ‏وتفسير‏ ذلك ‏له ‏احتمالات‏ ‏كثيرة‏:‏

‏(‏ا‏) ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏البديل‏ ‏المطروح‏ ‏عليه‏ ‏للصداقة‏ ‏بديلا ‏فاتراً‏ ‏ماسخاً‏ ‏نتيجة‏ ‏لكبت‏ ‏متصل‏ ‏وخانق (لا يسمى كبتا طبعا) ‏فى الآخرين على الجانب الآخر، إما تزمتا أو سطحية.

‏(‏ب‏) ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏اللاشعور‏ ‏قد‏ ‏لعب‏ ‏لعبته، ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏يـُسقط‏ ‏حاجته‏ ‏لهذا‏ ‏السلوك‏ ‏المدمن‏ ‏على ‏الذى ‏يتعاطى (‏دون‏ ‏أن‏ ‏يدرى‏) ‏وكأن‏ ‏صديقه‏ ‏المدمن‏ ‏يتعاطى ‏بالأصالة‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏والنيابة‏ ‏عنه‏.(14)

‏(‏ج‏) ‏أن‏ ‏مثل هذه الصداقة قد كونها شخص (شاب) انطوائى بالصدفة أو بالاضطرار، ثم أنه نظرا لانطوائيته‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏تكوين‏ ‏صداقات‏ ‏جديدة‏.‏

وفى ‏هذه‏ ‏الأحوال‏ ‏علينا أن نشارك ‏ ‏الأهل‏ ‏الحذر‏ ولكن لا نبالغ بالتسرع‏ بالاتهام، ‏وفى نفس الوقت أن نعمل على أن نهيئ  ‏لهذا‏ ‏الشاب‏ ‏صداقات‏ ‏بديلة‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏العلاج‏ ‏الجمعى –مثلا -كبداية. ‏.

 

[11] “‏طول‏ ‏ما‏ ‏انت‏ ‏زمار‏ ‏وأنا‏ ‏طبال:‏

‏               يا ما‏ ‏راح‏  نشوف‏ ‏من‏ ‏الليالى ‏الطوال

مازلنا‏ ‏فى ‏موقع‏ ‏تفسير‏ ‏نوع‏ ‏وصفات‏ “‏الشلة‏” ‏التى ‏يترعرع‏ ‏فيها‏ ‏الإدمان‏ ‏ويتفاقم‏.‏

ينبهنا‏ ‏المثل‏ ‏هنا‏ ‏إلى ‏سمات‏ ‏قد‏ ‏نقابلها‏ ‏فى ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المجموعات‏ ‏التى ‏يجمعها‏ ‏الإدمان، ‏مثـلا:

‏1- ‏إنها‏ ‏مجموعات‏ ‏هائصة‏ (‏طبل‏ ‏وزمر…الخ‏).‏

‏2- ‏إنهم‏ ‏يكملون‏ ‏بعضهم‏ ‏بعضا‏ (‏واحد‏ ‏طبال‏ ‏والثانى ‏زمار‏).‏

‏3- ‏إن‏ ‏الذى ‏يجمعهم‏ ‏هو هذا المستوى الظاهر بلا إشارة إلى ما وراءه ولا إلى ما بعده ولا إلى مشاركين آخرين معهما. ‏

‏4- ‏إنهم‏ ‏لايرون‏ ‏عيوب‏ ‏بعضهم‏ ‏البعض، ‏وهنا‏ ‏ننتبه‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الزمر‏ ‏والطبل‏ ‏فى ‏المثل‏ ‏ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏بالمعنى ‏الحرفى ‏وإنما‏ ‏بمعنى ‏أننا‏ ‏نصفق‏ ‏لبعضنا‏ ‏البعض، ‏ولا‏ ‏ننقد‏ ‏بعضنا‏ ‏البعض، ‏وبالتالى ‏معا فنحن لا نرى عيوبنا لنا.

‏5- ‏إن‏ ‏الذين‏ ‏يفعلون‏ ‏ذلك‏ ‏يتصفون‏ ‏بقصر‏ ‏النظر‏ (‏فى ‏الحصول‏ ‏على ‏اللذة‏ ‏أو‏ ‏إدراك‏ ‏العواقب‏- ‏كما‏ ‏يظهر‏ ‏ذلك‏ ‏بعد‏ ‏الإفاقة‏ – ‏الجزء‏ ‏الأخير‏ ‏من‏ ‏المثل‏). ‏

فإذا‏ ‏كان‏ ‏الأمر‏ ‏كذلك، ‏فسوف‏ ‏تكشف‏ ‏الأيام‏ ‏زيف‏ ‏هذه‏ ‏العلاقة، ‏وسوف‏ ‏نتبين‏ ‏آثارها‏ ‏مما‏ ‏سوف‏ ‏يلحقنا‏ ‏من‏ ‏ظروف‏ ‏الزمن‏ (‏ياما‏ ‏راح‏ ‏نشوف‏ ‏من‏ ‏الليال‏ ‏الطوال‏).‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1- ‏ليس‏ ‏معنى ‏أن‏ ‏نعرف‏ ‏غلبة هذه السمات المرحة على‏ ‏المجموعة‏ ‏‏ ‏أن‏ ‏نتصور‏ ‏أن‏ ‏ذلك يعنى الاستسهال بشكل مباشر، ‏أو‏ ‏أن‏ ‏هؤلاء‏ ‏الأشخاص‏ ‏قد‏ ‏أخطأوا‏ ‏على ‏طول‏ ‏الخط، ‏إن‏ ‏التأمل‏ ‏فى ‏نوع‏ ‏هذه‏ ‏العلاقات‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يعلمنا‏ ‏أن‏ ‏الإنسان‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏بعض‏ ‏السطحية‏ (‏قليل‏ ‏من‏ ‏التفاهة‏ ‏تُسَهِّل‏ ‏التواصل‏)، ‏وأنه‏ ‏لا‏ ‏يتحمل‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏العتاب‏ ‏والنصائح‏ ‏

‏2- ‏وما‏ ‏دام‏ ‏الأمر‏ ‏كذلك‏ ‏فإن‏ ‏من‏ ‏خطوات‏ ‏العلاج‏ ‏أن‏ نسمح‏ ‏فى ‏المجموعات‏ ‏العلاجية،‏ ‏وفى ‏متابعات ‏التأهيل، و‏‏فى ‏العلاج‏ ‏الجمعي، ‏ ‏بهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏العلاقات‏ ‏السهلة، ‏ولكن‏ ‏الفرق‏ ‏أنه‏ لا ينبغى أن تكون ‏السهولة‏ ‏‏وحدها‏ هى ‏التى ‏تُبقى ‏على ‏علاقة‏ ‏الجماعة، ‏ولا‏ ‏هى ‏التى ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏موجودة‏ ‏طول‏ ‏الوقت، ‏بل‏ ‏هى ‏تتبادل‏ مع:

 ‏(أ) ‏ ‏علاقات‏ ‏المواجَهَة

 (ب) ‏وعلاقة‏ ‏النقد‏ ‏الطيب‏ ‏المتبادل‏

 ‏(جـ) وعلاقات‏ ‏البناء‏ ‏معا‏ ‏والتعاون‏ ‏على ‏الضعف‏ ‏معا‏.

 

‏[12] ‏”يا‏ ‏اشُخّ‏ ‏فى ‏زيركم،‏ ‏يا‏ ‏اروح‏ ‏ما‏ ‏اجِى ‏لـْكُم”

ما‏ ‏زلنا‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏السمات‏ ‏التى ‏تجمع‏ ‏هؤلاء‏ ‏الناس‏ ‏إلى ‏بعضهم‏ ‏البعض‏ ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏اجتماعهم‏ ‏على ‏الإضرار‏ ‏بأنفسهم، وبالرغم من وضوح عدم النقاء، بل والقذارة الفعلية والرمزية فى مجتمعهم. ‏

‏ ‏إن‏ ‏من‏ ‏صفات‏ ‏هذه‏ ‏الشلل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏لها‏ ‏قائد‏ (‏معلن‏ ‏أو‏ ‏خفي‏) ‏له‏ ‏درجة‏ ‏خاصة‏ ‏من‏ ‏الجاذبية‏ (‏الكاريزما‏) ‏بحيث‏ ‏يفرض‏ (‏بطريق‏ ‏مباشر‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏) ‏نمط‏ ‏العلاقة‏ ‏وحِيَل‏ ‏التعامل، ‏وبما‏ ‏أننا‏ ‏نتكلم‏ أيضا ‏على ‏مجموعات‏ ‏الإدمان‏ ‏قبل‏ ‏العلاج، ‏فإنه‏ ‏من‏ ‏المحتمل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏شرط‏ ‏اجتماعهم‏ ‏هو‏ ‏تناول‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المواد، ‏وهذا‏ ‏أمر‏ ‏وارد‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏الحياة‏ ‏العادية‏ (‏فى ‏دنيا‏ ‏الغرب‏ ‏مثلا‏)‏ ‏بجرعات‏ ‏مختلفة.

إلا‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏شِلل‏ ‏الإدمان‏ ‏يكون‏ ‏أدهى ‏وأمر، ‏فقد‏ ‏يكون‏ ‏شرط‏ ‏أن‏ ‏يلتقى ‏أعضاء‏ ‏الشلة‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يشربوا‏ ‏أو‏ ‏”يضربوا”، ‏أو‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏شرط‏ ‏بعضهم‏ ‏على ‏الأقل، ‏وخاصة‏ ‏أولئك‏ ‏الأشخاص‏ ‏الذين‏ ‏يتولون‏ ‏دور‏ ‏القادة‏ ‏كما‏ ‏أشرنا‏.‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1- ‏يشير‏ ‏هذا‏ ‏المثل ‏- ‏وما‏ ‏استلهمناه‏ ‏منه‏- ‏إلى‏ ‏أن‏ ‏المبالغة‏ ‏فى ‏وصف‏ ‏أن‏ ‏الثلة‏ ‏فاسدة، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏الصاحب‏ ‏هو‏ ‏صاحب‏ ‏سوء، ‏هذه‏ ‏المبالغة‏ ‏أحيانا‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏لها‏ ‏أدنى ‏فائدة، ‏لأن‏ ‏المتورط‏ ‏مع‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الثلة‏ ‏أو‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏القائد‏ ‏يعلم‏ ‏هذا‏ ‏السوء، ‏ويقبله، ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏يكاد‏ ‏يعلم‏ ‏أن‏ ‏شرط‏ ‏لقائهم‏ ‏هو‏ ‏ممارسة‏ ‏هذا‏ ‏السوء‏ ‏وإلا‏ ‏حرموا‏ ‏من‏ ‏بعضهم‏ ‏البعض‏ (‏ياروح‏ ‏ما‏ ‏اجى ‏لكم‏).‏

‏2- ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فعلينا‏ ‏أن‏ ‏نتدبر‏ ‏لنعرف‏ ‏ماذا‏ ‏يجعل‏ ‏المتورط‏ (‏المدمن‏) ‏يتقبل‏ ‏هذا‏ ‏الشرط‏ ‏المتعسف، ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏فى ‏اجتماعهم‏ ‏وطريقة‏ ‏تعاملهم‏ ‏ما‏ ‏يبرر‏ ‏تحمل‏ ‏هذا‏ ‏الضرر‏ ‏هكذا‏.‏

‏3- ومن ثمَّ لابد أن ‏يتوجه‏ ‏العلاج‏ ‏إلى ‏إعطاء‏ ‏بديل‏ ‏حقيقى ‏لنوع‏ ‏من‏ ‏العلاقات‏ ‏الحرة، ‏والحوار‏ ‏الحى، ‏والتعاون‏ ‏الصادق، ‏الذى ‏يسمح‏ ‏للشخص‏ ‏أن‏ ‏يشرب‏ ‏من‏ ‏ماء‏ ‏نقى ‏نظيف، ‏وأن‏ ‏تعف‏ ‏نفسه‏ ‏أن‏ ‏تشرب‏ ‏من‏ “‏زير‏ ‏ملوث‏ ‏بالبول‏”.‏

‏4- ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏فهم‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏العلاقة‏ ‏الغريبة، ‏ودرجة‏ ‏تحمل‏ ‏الضرر‏ ‏والتلوث‏ -‏ بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏التلوث‏ ‏بالتعاطى ‏من‏ ‏حقن‏ ‏مشتركة، ‏واحتمالات‏ ‏نقل‏ ‏ميكروبات‏ ‏الإيدز‏ ‏والتهاب‏ ‏الكبد‏- ‏نقول‏ ‏إن‏ ‏فهم‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏العلاقة‏ – بكل هذه المخاطر والقذارة – ‏يعطى ‏بعدا‏ ‏هاما‏ ‏للعمل على ترسيخ‏ ‏العلاقة‏ ‏العلاجية‏ و‏التى ‏تملأ الوعى، وليس فقط تقدم النصائح المسطحة بلا طعم، بمعنى ألا نكتفى ‏بالتأكيد‏ ‏على ‏الالتزام‏ ‏الخلقى ‏السطحى ‏بما‏ ‏قد‏ ‏يحمله‏ ‏من‏ ‏كبت‏ ‏وفتور‏.‏

 

‏[13] ‏”مِنْ‏ ‏حّبك‏ ‏عند‏ ‏شىء‏ ‏كِرْهك‏ ‏عند‏ ‏انقطاعـُهْ”

على ‏الرغم‏ ‏مما‏ ‏تحمله‏ ‏سمات‏ ‏هذه‏ ‏الشلل‏ ‏الإدمانية‏ ‏من‏ ‏وسائل‏ ‏جذب‏ (‏ظاهرة‏ ‏وخفية‏)، ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏مظاهر‏ ‏المشاركة‏ ‏غير‏ ‏المشروطة، ‏والتفويت‏ ‏المطلوب‏ ‏لإخفاءالعيوب، ‏فإنها‏ ‏فى ‏النهاية‏ ‏علاقات‏ ‏تحمل‏ ‏ضعفا‏ ‏أساسيا‏ ‏يتمثل‏ ‏فى ‏بعدين‏:‏

1- ‏قصر‏ ‏العمر‏: ‏فهى ‏عادة‏ ‏ما‏ ‏تنتهى ‏بسوء، ‏نتيجة‏ ‏للمضاعفات‏ ‏التى ‏تصيب‏ ‏أفرادها،‏أو‏ ‏نتيجة‏ ‏لفساد‏ ‏ما‏ ‏انْبَنَت‏ ‏عليه‏

2 – ‏غلبة‏ ‏النفعية‏ ‏أو‏ ‏الصفقات‏ ‏الأدنى‏: ‏وقد‏ ‏بينا‏ ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏عيبا‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏الصداقة‏ ‏صفقة، ‏ولكن‏ ‏لكى ‏تكون‏ ‏صداقة‏ ‏بنّاءة‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏الصفقة‏ ‏شريفة‏ ‏ومعلنة‏ ‏ومتكافئة، ‏أما‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏صفقة‏ ‏خفية، ‏أو‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏أحد‏ ‏أطرافها‏ ‏مستَغَلا‏ ‏والآخر‏ ‏مستعْمِلاً، ‏فهذا‏ ‏ما‏ ‏يعرضها‏ ‏للخبث‏ ‏والفساد‏

والمثل‏ ‏هنا‏ ‏ينبهنا‏ ‏على ‏أن‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الصفقات‏ ‏الخفية‏ ‏أو‏ ‏الجائرة‏ ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏عمر، ‏بل‏ ‏إنها‏ ‏قد‏ ‏تنقلب‏ ‏إلى ‏ضدها‏. ‏

فإذا‏ ‏كان‏ ‏شرط‏ ‏قبول‏ ‏واحد‏ ‏للآخر‏ (‏أو‏ ‏زعم‏ ‏حبه‏) ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يستغله‏ (‏يصرف‏ ‏عليه‏ ‏ثمن‏ ‏المخدر‏ ‏مثلا، أو ‏يغطيه‏ ‏أمام‏ ‏أهله‏ …‏إلخ‏) ‏فانه‏ ‏إذا‏ ‏جد‏ ‏ما‏ ‏يحول‏ ‏دون‏ ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏الصداقة‏ ‏والمحبة‏ ‏لا‏ ‏تنتهى ‏فقط، ‏وإنما‏ ‏تنقلب‏ ‏إلى عداوة و‏كراهية، ‏ليس‏ ‏لأن‏ ‏الشخص‏ ‏المسْتَغَلّ‏ ‏كان‏ ‏غافلا‏ ‏عن‏ ‏عمق‏ ‏الانتهازية‏ ‏فحسب، ‏ولكن‏ ‏لأنه‏ ‏سوف‏ ‏يفيق‏ ‏أيضا‏ ‏على ‏ما‏ ‏لحقه‏ ‏من‏ ‏ضرر‏ ‏بسببها‏.

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1-‏ لا‏ ‏ننكر‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏أننا‏ ‏نقبل‏ ‏التعاقد‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏صفقات‏ ‏شريفة‏ ‏بيضاء‏ ‏معلنة، ‏وأن‏ ‏طبيعة‏ ‏العلاج‏ ‏تشمل‏ ‏الحب‏ ‏المشروط، ‏ليس‏ ‏بسلوكٍ‏ ‏معين، ‏ولكن‏ ‏هو‏ ‏مشروط‏ ‏بشرط‏ ‏واحد‏ ‏وهو‏ ‏الاستعداد‏ ‏والاجتهاد‏ ‏فى “‏استمراره‏ ‏حتى ‏يحقق‏ ‏أهدافه‏”.‏

‏2- ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نبالغ‏ (‏كما‏ ‏قلنا‏ ‏فى ‏المثل‏ ‏السابق‏) ‏فى ‏كشف‏ ‏زيف‏ ‏الصداقة‏ ‏السابقة‏ ‏التى ‏انهارت‏ ‏أمام‏ ‏اختبار‏ ‏انقطاع‏ ‏المنفعة، ‏ولكن‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نعمل‏ ‏على ‏أن‏ ‏يتولى ‏المدمن‏ ‏اكتشافها‏ ‏بنفسه‏ (‏من‏ ‏خلال‏ ‏توجيهات‏ ‏غير‏ ‏مباشرة‏).‏

‏3- ‏إن‏ ‏مسألة‏ ‏المبالغة فى تقديم ‏المثاليات‏ ‏باعتبارها أساس ‏العلاج ‏هى ‏مسألة‏ ‏حساسة‏ ‏وقد‏ ‏تكون‏ ‏لها‏ ‏فوائد‏ ‏محدودة، ‏بل كثيرا ما‏ ‏يكون‏ ‏لها‏ ‏أضرار‏ ‏معلنة‏ ‏أو‏ ‏خفية، ‏من‏ ‏حيث‏ ‏عدم‏ ‏واقعيتها‏ ‏وعمرها‏ ‏القصير‏.‏

‏4- ‏إن‏ ‏المطلوب‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏هو‏ ‏الترويج‏ ‏لنوع‏ ‏من‏ ‏الحب‏ ‏الإيجابى ‏الذى ‏تكون‏ ‏نتيجته‏:

(‏ا‏) ‏أن‏ ‏يتعلم‏ ‏المدمن‏ ‏كيف‏ ‏يحب‏ ‏نفسه‏ ‏دون‏ ‏أنانية‏

(‏ب‏) ‏أن‏ ‏يتعلم‏ ‏كيف‏ ‏يعقد‏ ‏صفقات‏ ‏حب‏ ‏شريف‏ ‏متبادل‏ ‏متكافئ‏

(‏جـ‏) ‏أن‏ ‏يتعلم‏ ‏كيف‏ ‏يجدد‏ ‏صداقاته‏ ‏بحيث‏ ‏لا‏ ‏يدفع‏ ‏فى ‏واحدة‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏يطيق‏ ‏لمجرد‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏بديل‏.‏

 

‏[14] “‏حداية ‏ضمنت‏ ‏غراب‏ ‏قال‏ ‏يطيروا‏ ‏الاتنين”‏ ‏

يوجد‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏الجمعى ‏مضاعفة‏ ‏تسمى ” ‏التزاوج‏”(15)‏وهى ‏تعنى ‏أن‏ ‏يتم‏ ‏اقتراب‏ ‏فردين‏ ‏فى ‏المجموعة‏ ‏من‏ ‏بعضهما‏ ‏البعض‏ ‏لدرجة‏ ‏معطِّلة‏ ‏حيث‏ ‏يتحامى ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏فى ‏الآخر‏ ‏فى ‏مواجهة‏ ‏أى ‏تغيير‏ ‏حقيقي، ‏وتنمى ‏حيل‏ (‏ميكانزمات‏) ‏الواحد‏ ‏منهما‏ ‏حيل‏ ‏الآخر، ‏فيزداد‏ ‏العمى ‏النفسى ‏والبعد‏ ‏عن‏ ‏المجموعة، ‏ولا‏ ‏يقتصرالأمر‏ ‏على ‏إعاقـَبتهما‏ ‏معا‏ ‏بل‏ ‏يمتد‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏ما‏ ‏من‏ ‏إعاقة‏ ‏المجموعة‏.‏

وهذا‏ ‏المثل‏ ‏يذكرنا‏ ‏بمثل‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏حين‏ ‏يدافع‏ ‏مدمن‏ ‏عن‏ ‏مدمن‏ ‏آخر – بالذات-‏ ‏بصفة‏ ‏منتظمة، ‏أو‏ ‏حين‏ ‏يشهد‏ ‏واحد‏ ‏للآخر‏ ‏بنفس‏ ‏التواتر، ‏وفى ‏المستشفى (‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏خاصة‏) ‏قد‏ ‏ينتج‏ ‏عن‏ ‏نفس‏ ‏التزاوج‏ ‏المعطل‏ ‏انسحابا‏ ‏من‏ ‏قيم‏ ‏المجتمع‏ ‏العلاجى ‏العامة‏.‏

وهذا‏ ‏الموقف‏ ‏يظهر‏ ‏أكثر‏ ‏فى ‏مجموعات‏ ‏الإدمان‏ ‏سواء‏ ‏على ‏مستوى ‏العلاج‏ ‏الجمعى ‏أو‏ ‏على ‏مستوى ‏التأهيل‏ ‏فى ‏المجتمع‏ ‏العلاجي، ‏وتعبير‏ “‏يطيروا‏ ‏الاثنين‏” ‏ ‏يمكن أن يعنى “‏ينفصلوا‏ ‏عن‏ ‏المجموع‏”، ‏ولكنه‏ ‏قد‏ ‏يعنى ‏معنى ‏حرفيا‏ ‏أيضا‏ ‏حين‏ ‏يشجع‏ ‏اثنان‏ ‏من‏ ‏المرضى ‏بعضهما‏ ‏البعض‏ ‏على ‏الهرب‏ ‏من‏ ‏المستشفى ‏مثلا، ‏أو‏ ‏على ‏مقاومة‏ ‏اتباع‏ ‏البرنامج‏ ‏تحديدا،‏أو‏ ‏على ‏نكسة‏ ‏فعلية‏ ‏مقصودة‏ ‏ومدبرة‏.‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1- ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏تذكرنا‏ ‏بنوع‏ ‏العلاقات‏ ‏التى ‏يعملها‏ ‏المدمن‏ ‏فى ‏الخارج‏ من حيث ‏التركيز على العلاقة بواحد‏ ‏يتبادلان‏ ‏الصمت‏ ‏على ‏العيوب‏ ‏والتصفيق‏ ‏لبعضهما البعض (ولو لاشعوريا)، ‏ثم ربما‏ ‏تكوين‏ ‏شلة‏ ‏صغيرة، ‏ثم‏ ‏لاتكفى ‏وسائل‏ ‏الهرب‏ ‏النفسية‏ ‏فى ‏تدعيم‏ ‏هذه‏ ‏العلاقة‏ ‏فيضاف‏ ‏إليها‏ ‏وسائل‏ ‏الهرب‏ ‏الكيميائية‏ ‏باستعمال‏ ‏هذه‏ ‏المواد‏ ‏المغيرة‏ ‏للوعى.‏

‏2- ‏وفى ‏الموقف‏ ‏العلاجي‏: ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نتفهم‏ ‏هذه‏ ‏الحاجة‏ ‏للتكاتف‏ ‏على ‏مقاومة‏ ‏العلاج‏ ‏والنمو، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏على ‏مستوى ‏المجتمع‏ ‏الأوسع، ‏وإنما‏ ‏أيضا‏ ‏على ‏مستوى ‏المجتمع‏ ‏العلاجي‏.‏

‏3- ‏لا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏احترام‏ ‏هذه‏ ‏الحاجة‏ ‏قبل‏ ‏التحفز‏ ‏لفض‏ ‏العلاقة‏ ‏أو‏ ‏اقتحام‏ ‏هذا‏ ‏التزاوج، ‏لأن‏ ‏هذه‏ ‏الحاجة‏ ‏تنشأ‏ ‏كنوع‏ ‏من‏ ‏الدفاع‏ (‏المشروع‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏) ‏عن‏ ‏النفس، ‏حتى ‏لو‏ ‏كانت‏ ‏نتيجتها‏ ‏سلبية‏.‏

‏4- ‏ثم إنه ‏يمكن‏ ‏الاقتراب‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏بشكل‏ ‏منظم‏ ‏ومتدرج، ‏لا‏ ‏لنحرم‏ ‏أحدهما‏ ‏من‏ ‏الآخر قهرا، ‏وإنما‏ ‏لنحذر‏ ‏من‏ ‏معنى ‏الاستمرار‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الحيلة‏ ‏الدفاعية‏ ‏على ‏حساب‏ ‏النمو‏ ‏المحتمل‏ ‏لكل‏ ‏منهما‏ معاً، وعلى حساب الاندماج فى وعى الجماعة المتنامى الإيجابى.

 

[15] ‏”إللى ‏يربط‏ ‏فى ‏رقبته‏ ‏حبل، ‏ألف‏ ‏من‏ ‏يسحبه‏”‏

طول‏ ‏الوقت‏ ‏كنا‏ ‏نركز‏ ‏على ‏دور‏ ‏الشلة‏ ‏الفاسدة، ‏وأصحاب‏ ‏السوء‏ ‏وتأثير‏ ‏ذلك‏ ‏على ‏بداية‏ ‏التعاطى ‏ثم‏ ‏الاستمرار‏ ‏فى ‏الإدمان، ‏وقد‏ ‏أشرنا‏ ‏بين‏ ‏الحين‏ ‏والحين‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏السبب‏ ‏ليس‏ ‏قاصرا‏ ‏على ‏أن‏ ‏يوجد‏ ‏شخص‏ ‏فاسد‏ ‏أو‏ ‏شلة‏ ‏مدمنة، ‏وإنما‏ ‏يتوقف‏ ‏الأمر‏ ‏أيضا، ‏وأحيانا أساسا‏، ‏على ‏موقف‏ ‏الشخص‏ ‏نفسه، ‏فبقدر‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏الشخص‏ ‏ضعيف‏ ‏الإرادة، ‏قابلا‏ ‏للاستهواء‏ ‏والاتباع‏ ‏تنتهى ‏قيادته‏ ‏إلى ‏التهلكة(16)‏.‏

والمثل‏ ‏هنا‏ ‏يؤكد‏ ‏‏ذلك، ‏وهو‏ ‏يقولها‏ ‏ببلاغة‏ ‏فائقة‏ ، ‏فهو‏ ‏لم‏ ‏يذكر‏ ‏أن‏ ‏أحدا‏ ‏ربط‏ ‏الحبل‏ ‏فى ‏عنق‏ “‏الضحية‏”، ‏بل‏ ‏إن الشخص الضحية هو‏ ‏الذى ‏ربط‏ ‏الحبل‏ ‏حول‏ ‏عنقه، ‏وكأنه‏ ‏يوجه رسالة صريحة‏ ‏‏ ‏بلا‏ ‏خفاء‏ ‏أنه‏ ‏جاهز‏ ‏للسحب‏.‏

ويتوقف‏ ‏مصير‏ ‏هذا‏ ‏التابع‏ ‏الجاهز‏ ‏المستسلم‏ ‏على ‏من‏ ‏يتصادف‏ ‏ويسحبه، ‏ففى ‏الجماعات‏ ‏الدينية‏ ‏أو‏ ‏اليسارية‏ ‏الراديكالية‏ ‏أو‏ ‏البدْعية‏ ‏الجديدة‏: ‏يتم‏ ‏السحب‏ ‏إلى ‏حظيرة‏ ‏أيديولوجيات شديدة‏ ‏الخصوصية‏ ‏مضادة‏ ‏للمجتمع‏ ‏الأوسع‏، ‏أمّا فى ‏حالة‏ ‏الإدمان‏ ‏فيتم‏ ‏السحب‏ ‏إلى ‏غيامة‏ ‏الهرب، ‏ولذة‏ ‏تغيير‏ ‏الوعى ‏بسرعة‏ ‏واستسهال‏.‏

وهذا‏ ‏التنبيه‏ ‏الرائع‏ ‏‏إلى ‏مدى‏ ‏مسئولية‏ ‏التابع‏ ‏عن ‏ما‏ ‏اتبّع يقلل‏ ‏من‏ ‏غلواء‏ ‏التبرير‏ (‏”غصبا‏ ‏عنى”، “‏هم‏ ‏الذين‏ ‏استدرجونى”، ‏أو‏ ‏بالتعبير‏ ‏الساخر‏ ‏”سقونى ‏حاجة‏ ‏أصفرا‏”) ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏يؤكد‏ ‏على ‏تحمل‏ ‏المسئولية‏ ‏ضمنا‏ ‏كما‏ ‏أسلفنا‏.

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1- ‏نكرر‏ ‏أننا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ننتبه‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏يعنيه‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏من‏ ‏ضرورة‏ ‏تحميل‏ ‏المدمن‏ ‏تبعة‏ ‏ما‏ ‏آل‏ ‏إليه، ‏لكن‏ ‏العلاج‏ ‏أمر‏ ‏آخر‏ ‏غير‏ ‏وظيفة‏ ‏النائب‏ ‏العام‏ ‏لإثبات‏ ‏التهمة، ‏فالعلاج‏ ‏يؤكد‏ ‏‏مسئولية‏ ‏ما‏ ‏حدث‏ ‏قبلا، ‏لا‏ ‏ليصدر‏ ‏حكما‏ ‏بالشجب‏ ‏أو‏ ‏باللوم‏ ‏أو‏ ‏يطلب‏ ‏التماسا‏ ‏بالعفو، ‏ولكن‏ ‏ليبدأ‏ ‏فى ‏تحريك‏ ‏المسئولية‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏إيجابى ‏مشاركة‏ ‏مع‏ ‏مسئولية‏ ‏المعالجين جميعا. ‏ ‏

‏2- ‏إن‏ ‏استغلال‏ ‏تبعية‏ ‏المدمن‏ ‏لمن‏ ‏هو‏ ‏أقدر‏ ‏وأكبر‏ ‏يمكن‏ – ‏فى ‏مجتمعنا‏ ‏خاصة‏ – ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏نقطة‏ ‏بداية‏ ‏معقولة، ‏فإذا‏ ‏كان‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏زال‏ ‏يربط‏ ‏فى ‏رقبته‏ ‏حبلا، ‏لم‏ ‏لا‏ نسارع نحن بسحبه، إلى ما يصلحه ويصلح به، وذلك حتى ينمو ويستقل، نحن نسحبه إلى ما ينفعه ، مثلا:

‏ (‏أ) ‏إلى ‏طلب‏ ‏العلاج‏ ‏أولا

‏(‏ب‏) ‏ثم‏ ‏إلى ‏الإغراء‏ ‏بالاستمرار‏ ‏فيه

‏(‏جـ‏) ‏ثم‏ ‏إلى ‏الاقتناع‏ ‏بجدواه‏ ‏

‏ثم‏ ‏يبدأ‏ ‏التغييرالأهم‏ ‏حين‏ ‏يتحول‏ ‏العلاج‏ ‏من‏ ‏إعطاء‏ ‏الأوامر‏ ‏إلى ‏المشاركة‏ ‏فى ‏التخطيط، ‏أى ‏من‏ “‏السحب‏ ‏بحبل‏ ‏إلى “‏السير‏ ‏بجوار‏”‏

‏وأخيرا‏ ‏يصل‏ ‏العلاج‏ ‏إلى ‏مرحلة‏ ‏تعليم‏ ‏المدمن‏ ‏أن‏ ‏يتخلص‏ ‏من‏ ‏التبعية‏ ‏فيلقى ‏بهذا‏ ‏الحبل‏ ‏الخانق‏ ‏الجاهز‏ ‏للسحب‏ ‏جانبا‏ ‏مرة‏ ‏وإلى ‏الأبد‏. ‏‏

‏[16] ‏”كنتي‏ ‏فين‏ ‏يا‏ ‏لأه‏.. ‏لما‏ ‏قلت‏ ‏أنا‏: ‏آه”

إن‏ ‏ما‏ ‏أشرنا‏ ‏إليه‏ ‏حالا‏ ‏من‏ ‏خطورة‏ ‏التبعية‏ ‏قد‏ ‏يتمثل‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الموافقة‏ ‏الجاهزة‏ ‏بقول‏ “‏نعم‏” ‏لكل‏ ‏شىء، ‏ولكل‏ ‏واحد، ‏ثم‏ ‏يستبين‏ ‏المدمن‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يرفض‏ ‏من‏ ‏البداية‏ ‏تلك‏ ‏العروض‏ ‏المشبوهة‏ ‏والإغراءات‏ ‏الخبيثة‏.‏

وحين‏ ‏يتبين‏ ‏الأمر‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏يكون‏ ‏قد‏ ‏فات‏ ‏الآوان‏ ‏لإعلان‏ ‏الرفض، ‏أو‏ ‏لمعاودة‏ ‏الرفض

‏ ‏والمثل‏ ‏هنا‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏عدة‏ ‏أمور‏ ‏قد‏ ‏تكون‏ ‏ذات‏ ‏فائدة‏ ‏هائلة‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الصدد‏:‏

أولا‏: ‏إن‏ ‏الرفض‏ قد ‏يكون‏ ‏ممكنا‏ ‏وسهلا‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏قبل‏ ‏التمادى ‏فى ‏التورط‏ (‏كنت‏ ‏فين‏).‏

ثانيا‏: ‏إن‏ ‏الندم‏ ‏على ‏هذه‏ ‏التبعية‏ ‏والموافقة‏ ‏الباكرة‏ ‏يأتى ‏بعد‏ ‏فوات‏ ‏الأوان‏.‏

ثالثا‏: ‏إن‏ ‏مجرد‏ ‏البصيرة‏ ‏اللاحقة‏ ‏وإعلان‏ ‏الندم‏ ‏لا‏ ‏يُصْلِحَان‏ ‏ما‏ ‏فات، ‏والمطلوب‏ ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏البكاء‏ ‏أو‏ ‏التباكى ‏على ‏لحظة‏ ‏رفض‏ ‏كانت‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تحول‏ ‏بين‏ ‏المدمن‏ ‏وما‏ ‏آل‏ ‏إليه، ‏وإنما‏ ‏المطلوب‏ ‏أن‏ ‏يتعلم‏ ‏المدمن‏ ‏ضرورة‏ ‏حسم‏ ‏الاختيار‏ ‏وتحمل‏ ‏المسئولية‏ ‏أولا‏ ‏بأول‏ ‏وفى ‏الوقت‏ ‏المناسب‏ .‏

رابعا‏: ‏إن‏ ‏محاولة الرفض‏ (‏لأَّهْ‏) ‏التى ‏تأتى ‏بعد‏ ‏التمادى ‏فى ‏التورط‏ ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏نفس‏ ‏قوة‏ ‏ولا‏ ‏فاعلية‏ ‏ولا‏ ‏فائدة‏ ‏”اللأه”‏ ‏الأولى ‏التى ‏فات‏ ‏أوانها‏.‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1- ‏إن‏ ‏تعليم‏ ‏المدمن‏ (‏أو‏ ‏المريض‏) ‏حق‏ ‏الرفض‏ ‏يعتبر‏ ‏من‏ ‏أكبر‏ ‏إشكاليات‏ ‏العلاج، ‏حتى ‏أنه‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يصبح‏ ‏مثالا‏ ‏لمغالطة‏ ‏منطقية‏ ‏حين‏ ‏تطلب‏ ‏من‏ ‏المدمن‏ ‏ألا‏ ‏يطيع‏ ‏حتى ‏يكوّن‏ ‏شخصيته‏ ‏المستقلة، ‏فإن‏ ‏هو‏ ‏‏سَمِع‏ ‏النصيحة‏ ‏ومارس‏ ‏العصيان، ‏فهو‏ ‏قد‏ ‏أطاع، ‏وإن‏ ‏هو‏ ‏لم‏ ‏يسمعها ولم ينفذها‏ ‏فإنه‏ ‏سوف يتمادى فى الطاعة دون أن‏ ‏ ‏يمارس‏ ‏حق‏ ‏الرفض‏.‏

‏2- ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏واجبنا‏ ‏هو‏ ‏تهيئة الفرصة المناسبة للوعى بالضرر فالرفض، وليس‏ ‏الحث‏ ‏عليه‏ ‏أو‏ ‏طلبه‏ ‏طلبا‏ ‏مباشرا‏.‏

‏3- ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏ما‏ ‏يعلمنا‏ ‏إياه‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏هو‏ ‏ضرورة‏ ‏الانتباه‏ ‏إلى “‏حسن‏ ‏التوقيت‏” ‏وأيضا‏ ‏إلى ‏التبكير‏ ‏باتباع‏ ‏الطريق‏ ‏السليم‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يصعب‏ ‏الرفض‏ ‏أو‏ ‏التراجع‏ ‏أو‏ ‏يستحيل‏ ‏التوقف‏.‏

‏4- ‏وهكذا علينا ألا‏ ‏نفرح‏ ‏كثيرا‏ ‏بهذه‏ ‏البصيرة‏ ‏اللاحقة، ‏ففى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الأحيان‏ ‏يكون‏ ‏تكرار‏ ‏عبارات‏ ‏اللوم‏ ‏والبكاء‏ ‏على ‏الفرص‏ ‏الضائعة‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏الدفاع‏ ‏الخادع‏ ‏الذى ‏يوحى ‏ببصيرة‏ ‏زائفة‏ ‏ما‏ ‏دام‏ ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏أثر‏ ‏حالىّ ‏ظاهر‏.‏

ورفض‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏البكاء‏ ‏أو‏ ‏التباكى على خطأ سابق ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نتلقاه‏ ‏بحرص‏ ‏شديد‏ ‏حتى ‏يمكن‏ ‏الحفاظ‏ ‏على ‏يقظة‏ ‏البصيرة‏ ‏ثم‏ ‏توجيه‏ ‏هذه‏ ‏البصيرة‏ ‏إلى ‏الفعل‏ ‏المسئول‏ ‏فى ‏الظروف‏ ‏الجديدة‏، وليس مجرد “البكاء على الأطلال”.‏

 

‏[17] ‏”كل‏ ‏مَصَّـه‏ ‏ما‏ ‏تيجى ‏إلا‏ ‏بغُـصَّـه”

مغزى ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏فى ‏إشكالة‏ ‏الإدمان‏ ‏مرتبط‏ ‏أيضا‏ -‏غالبا‏- ‏بيقظة‏ ‏البصيرة‏ ‏اللاحقة، ‏فبعض‏ ‏المدمنين‏ ‏يدركون‏ ‏لاحقا‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏كانوا‏ ‏يحسبونه‏ ‏لذة‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏كذلك‏ ‏تماما، ‏بل‏ ‏كان‏ ‏دائما‏ ‏مصاحباً‏ ‏بألم‏ ‏داخلي، ‏وإيذاء‏ ‏ذاتي، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏ساعتها‏ ‏غير‏ ‏ظاهر‏ ‏ولا‏ ‏مؤلم‏.‏

واستعمال‏ ‏لفظ‏ “‏مصة‏” ‏هنا‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏له‏ ‏دلالة‏ ‏خاصة‏ ‏حيث‏ ‏إن‏ ‏هناك‏ ‏بعض‏ ‏النظريات‏ ‏التى ‏تفسر‏ ‏الإدمان‏ ‏تقول‏ ‏إن‏ ‏هناك‏ ‏احتمالاً‏ ‏لما‏ ‏يسمى ‏التثبيت‏ ‏على ‏”المرحلة‏ ‏الفمية”‏ ‏حيث‏ ‏تتركز‏ ‏اللذة‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المنطقة‏ ‏باعتبارها‏ ‏مختصة‏ ‏بالرضاعة‏ ‏كمصدر‏ ‏للحياة‏ ‏والاقتراب‏ ‏الحامى، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏الإدمان‏ ‏هو‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏النكوص‏ ‏إلى ‏مرحلة‏ ‏التثبيت‏ ‏هذه‏ .‏

وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏النكوص‏ ‏يبدو‏ ‏مغريا‏ ‏وخاليا‏ ‏من‏ ‏المسئولية‏ ‏ومليئا‏ ‏باللذة‏ ‏الاعتمادية‏ الرضيعية، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏يحمل‏ ‏فى ‏طياته‏ ‏فقداُ‏ ‏حقيقياً ‏لمكاسب‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏حققها‏ ‏الشخص‏ ‏بالنضج‏ ‏والنمو، ‏فالاعتمادية‏ ‏هنا‏ ‏سلبية، ‏واللذة‏ ‏بدائية‏ ‏ومصدرها‏ ‏خارجى ‏تماما‏.‏

ولنتذكر‏ ‏نوعا‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏الإبداع‏ ‏الإيمانى ‏حيث‏ ‏تتكامل‏ ‏هذه‏ ‏الرغبة‏ ‏فى ‏التلقى ‏مع‏ ‏الحوار‏ ‏والتلاشى ‏الواعى ‏فى ‏الكون‏ ‏الأعظم‏ ‏وكأن‏ ‏الإيمان‏ ‏يحقق‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏النكوص‏ ‏التكاملى ‏الإبداعى (‏الرضاعة‏ ‏من‏ ‏الكون‏ ‏الأعظم‏) ‏إن‏ ‏صح‏ ‏التعبير‏.‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1-‏ من‏ ‏المفيد‏ ‏تماما‏ ‏أن‏ ‏نتعامل‏ ‏مع‏ ‏المدمن‏ ‏من‏ ‏منطلق‏ ‏أن‏ ‏بداخله‏ – ‏مهما‏ ‏بدا‏ ‏عكس‏ ‏ذلك‏- ‏رفضا‏ ‏لما‏ ‏آل‏ ‏إليه، ‏فهذه‏ ‏الغـُصّة‏ ‏المفترضة‏ ‏موجودة‏ ‏سواء‏ اعترف بها علانية ‏‏أم‏ ‏لم‏ ‏لا، ‏سواء‏ ‏ظهرت‏ ‏حالا‏ ‏أو‏ ‏بعد‏ ‏حين‏.‏

‏2- ‏ومن‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏ ‏تصبح‏ ‏مساعدتنا‏ ‏له‏ – ‏ولو‏ ‏بدت‏ ‏ضد‏ ‏ظاهر‏ ‏موقفه‏- ‏هى ‏بناء‏ ‏على‏ ‏رغبة‏ ‏ولو‏ ‏خفية‏ ‏عنده‏  أن يتخلص من هذه “الغصَّه”.‏

‏3- ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نحترم‏ ‏احتمال‏ ‏أن‏ ‏اللذة‏ ‏التى ‏يحصل‏ ‏عليها‏ ‏من‏ ‏المخدر‏ ‏هى ‏من‏ ‏العمق‏ ‏والنكوص‏ ‏بحيث‏ ‏تستأهل‏ ‏أن‏ ‏تستبدل‏ ‏بها لذة‏ ‏أعمق‏ ‏ولكن‏ ‏أكثر‏ ‏تكاملا‏ ‏ونضجا، ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏يوفره‏ ‏التأهيل‏ ‏القادر‏ ‏على ‏إحلال‏ ‏لذة‏ ‏ناضجة‏ ‏محل‏ ‏لذة‏ ‏ناكصة

‏4- ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏احتمال‏ ‏التثبيت‏ ‏عند‏ ‏المرحلة‏ ‏الفمية‏ – ‏إن‏ ‏صح‏- ‏هو‏ ‏دليل‏ ‏على ‏جوع‏ ‏عاطفى ‏حقيقى ‏وبالغ، ‏وطريقة‏ ‏ارتواء‏ ‏الجوع‏ ‏العاطفى ‏عند‏ ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏بالعلاج‏ ‏لا‏ ‏يتم‏ ‏بألفاظ‏ ‏الحب‏ ‏ولا‏ ‏بمزاعم‏ ‏مثالية‏ ‏أخلاقية‏ ‏فقط، ‏ولكنه‏ ‏يتم‏ (‏ا‏) ‏بالإحاطة‏(‏ب‏) ‏والرعاية‏ (‏جـ‏) ‏والإيمان‏ (‏بمعنى ‏الارتواء‏ ‏الغامر‏ ‏من‏ ‏مصدر‏ ‏دائم‏ ‏قادر‏) ‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يوفره‏ ‏العلاج‏.‏

 

‏[18] “‏إلعايز‏ ‏أهبل”

هناك‏ ‏خلط‏ ‏شديد‏ ‏عند‏ ‏العامة‏ ‏وعند‏ ‏بعض‏ ‏المشتغلين‏ ‏بالمهن‏ ‏النفسية‏ ‏بين‏ ‏الحب‏ ‏الناضج‏ ‏وبين‏ ‏الحاجة‏ ‏غير‏ ‏المشبعة، ‏و‏”‏العَوَزَان‏” ‏هنا‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الاحتياج‏ ‏الجامح‏ ‏الدال‏ ‏على ‏الجوع‏ ‏العاطفى ‏الذى لا يرتوى (الشرب من الماء المالح)‏.‏

وعندما‏ ‏يُقْدِم‏ ‏المدمن‏ ‏على ‏تغيير‏ ‏وعيه‏ ‏فإنه‏ ‏يطمس‏ ‏هذه‏ ‏الحاجة‏ ‏وكأنه‏ ‏يحققها‏ ، ‏فالمادة‏ ‏التى ‏يتعاطاها‏ ‏لا‏ ‏تعطى ‏له‏ ‏احتياجه‏ ‏طبعا‏ ‏فهى ‏ليست‏ “‏آخر‏” ‏يروى ‏ويقِّدر‏ ‏ويَقْبَلُ‏ ‏ويحيط، ‏ولكن‏ ‏المدمن‏ ‏يتصور‏ ‏أنه‏ ‏ارتوى ‏عاطفيا‏ ‏إذ‏ ‏يأخذها، ‏وواقع‏ ‏الأمر‏ ‏أنه‏ ‏يسدُّ‏ ‏بها‏ ‏ثقب‏ ‏الاحتياج‏ ‏فيستغنى مؤقتا، ‏وليس‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏ارتواء‏ ‏أو‏ ‏شبع، ‏والدليل‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏بمجرد‏ ‏زوال‏ ‏مفعول‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏تعاطاه‏ ‏يرجع‏ ‏الاحتياج‏ ‏مرة‏ ‏أخرى، ‏ويحمله‏ ‏الاحتياج‏ ‏إلى ‏التعاطى، ‏ ‏فيحل الاحتياج إلى‏ ‏المخدر‏ ‏محل‏ ‏الاحتياج‏ ‏العاطفى ‏إلى “‏آخر‏”، ‏فبدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يسعى ‏إلى ‏آخر‏ ‏يثرى ‏وجوده‏ ‏ويتبادل‏ ‏معه‏ ‏المشاعر، ‏يسعى ‏إلى ‏المادة‏ ‏تعتم‏ ‏وعيه‏ ‏أو‏ ‏تزيفه‏ ‏فيكتم ‏احتياجه‏ ‏وكأنه‏ ‏رواه‏.‏

ثم‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الاحتياج‏ ‏العارم‏ ‏يجعل‏ ‏حكمه‏ ‏على ‏الأمور‏ ‏مختلطا‏ ‏فكلمة‏ “‏أهبل‏” ‏لها‏ ‏دلالتها‏ ‏الخاصة‏ ‏فى ‏العامية‏ ‏المصرية، ‏فهى ‏تعنى ‏قصور‏ ‏التفكير، ‏كما‏ ‏تعنى ‏الرعونة، ‏وأيضا‏ ‏سوء‏ ‏الحسابات‏ ‏والبله‏ ‏أحيانا، ‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏ليس‏ ‏نقصا‏ ‏فى ‏القدرات‏ ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏نتيجة‏ ‏لهذا‏ ‏الجوع‏ ‏العاطفى ‏العارم‏.‏

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏ 1- ‏كثيرا‏ ‏ما نلجأ‏ ‏إلى ‏حوار‏ ‏المدمن‏ ‏حتى ‏فى ‏عـز‏ ‏احتياجه‏ ‏بالمنطق‏ ‏العقلى ‏الذى ‏يبدو‏ ‏مقنعا‏ ‏حتى ‏لطفل‏ ‏صغير، ‏وننسى ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏حاجزا‏ ‏بين‏ ‏المدمن‏ ‏وبين‏ ‏المنطق‏ ‏السليم‏ ‏وهو‏ ‏شدة‏ ‏الانفعال‏ ‏وإلحاح‏ ‏الحاجة، ‏وبالتالى ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يوضع‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏الاعتبار‏ ‏ليس‏ ‏للكف‏ ‏عن‏ ‏الحوار‏ ‏أو‏ ‏استعمال‏ ‏المنطق‏ ‏وإنما‏ ‏لفهم‏ ‏قوة‏ ‏الحواجز‏ ‏الانفعالية‏ ‏الناتجة‏ ‏عن‏ ‏إلحاح‏ ‏الحاجة‏.

‏2- ‏ولا‏ ‏يوجد‏ ‏ما‏ ‏يقنع‏ ‏صاحب‏ ‏الحاجة‏ ‏ويخفف‏ ‏من‏ ‏هَبَلَهْ‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏يطمئن‏ إلى:‏

‏(‏1) ‏ ‏أن‏ ‏مَنْ‏ ‏أمامه‏ ‏يقدّر‏ ‏احتياجه

‏(‏2‏) ‏ ‏أن‏ ‏حاجته‏ ‏مشروعة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏ (‏وإن‏ ‏اختلفت‏ ‏الوسيلة‏)‏

‏(‏3‏) ‏ ‏أنه‏ ‏توجد‏ ‏طرق‏ ‏أخرى ‏لتلبية‏ ‏هذه‏ ‏الحاجة، ‏وربما‏ ‏لتحويرها‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏يناسب، الأمر ‏الذى ‏يحتاج‏ ‏إلى إدراك كيف أن العمل على سد الجوع العاطفى بالإرواء السطحى المؤقت‏‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يوفر‏ ‏له‏ ‏احتياجه “الأهبل”، وبالتالى فعلى العلاج أن يعمل على أن‏ ‏يغير‏ ‏بناء‏ ‏داخله، ‏وأن‏ ‏يقوى ‏إيمانه، ‏فيحصل‏ ‏على ‏ما‏ ‏يحتاج‏ ‏من‏ ‏ثلاث‏ ‏مصادر‏ ‏تتبادل‏ ‏فى ‏تكامل‏

(‏أ‏) ‏من‏ “‏آخر‏” ‏فى المجتمع العلاجى: يرى ‏ويعطى ‏ويأخذ‏، ثم الأسرة، ثم الناس)

 (ب‏) ‏من‏ ‏داخل‏ ‏ذاته (بالرضا والتراكم الإيجابى لما وصلة فعلاً)‏

 (‏جـ‏) ‏من‏ ‏الله‏ ‏سبحانه‏ ‏وتعالى ‏الموجود‏ ‏دائما‏ ‏أبدا فى كل يوم‏ وكل دقيقة وكل ثانية وكل جزء من الثوانى فى كل مكان.

 

[19] (‏ا‏)”‏إللى ‏عايز‏ ‏الجميلة‏ ‏يدفع‏ ‏مهرها”

‏         (‏ب‏) [‏إللى ‏عايز‏ ‏الدَّحّ، ‏ما‏ ‏يقولشى ‏أحّ ]‏

المفروض أن التعاقد العلاجى يمثل ‏صفقة‏ ‏صريحة‏ ‏شريفة، ‏ومسئولية‏ ‏معلنة‏ ‏محددة، لكنها غالية الثمن وتستأهل، وعلى المقدم عليها أن يعمل حساب ذلك، ‏وتتجلى ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الاتفاقات‏ ‏فى ‏مسألة‏ ‏الإدمان‏ ‏على ‏الوجه‏ ‏التالى‏:‏

‏(1) ‏إن‏ ‏الحصول‏ ‏على ‏الصحة‏ (‏بالإفاقة‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏التسمم‏) ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏جميل‏ ‏ورائع‏ ‏ومطلوب، ‏ولكن‏ ‏ثمنه‏ ‏غال، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏المادية، ‏وإنما‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ تحمل أعراض الانسحاب، ثم ‏الوقت‏ ‏والمتابعة‏ ‏والالتزام، ‏لكن‏ ‏هذه‏ ‏المسألة‏ (‏الجميلة‏) ‏تستأهل‏ ‏أن‏ ‏ندفع‏ ‏فيها‏ ‏مهرها‏ ‏وهو‏ ‏متابعة‏ ‏العلاج‏ ‏والصبر‏ ‏عليه‏.‏

‏(‏ب‏) ‏إن‏ ‏ضجر‏ ‏المدمن‏ ‏من‏ ‏أعراض‏ ‏الانسحاب، ‏وكذلك‏ ‏أثناء‏ ‏ضبط‏ ‏التأهيل، ‏وشكاواه‏ ‏المتكررة‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏طباعه‏ ‏التى ‏دفعته‏ ‏للإدمان، ‏وخاصة‏ ‏تجنب‏ ‏الألم، ‏واستسهال‏ ‏الحلول، ‏وهذا‏ ‏المثل‏ ‏يقول‏ ‏له‏ ‏إن‏ ‏مطلبه‏ (‏التوقف‏ ‏والصحة‏ ‏وحلو‏ ‏الحياة‏ ‏النظيفة‏) ‏لا‏ ‏يبرر‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الشكاوى والتوجُّع، ومع ذلك يظل الألم من حقه، دون نعابة معطلة.

التطبيق فى الوقاية والعلاج

‏1- ‏يتم‏ ‏الاتفاق‏ ‏المبدئى ‏مع‏ ‏المدمن‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏عقد‏ (‏شفهى ‏عادة‏ ‏فى ‏بلدنا‏) ‏يبين‏ ‏له‏ ‏فيه‏ ‏هدف‏ ‏العلاج‏ ‏وقيمته‏ ‏وضرورته‏ (‏الجميلة‏)، ‏لكنه‏ ‏يبين‏ ‏أيضا‏ ‏متطلبات‏ ‏العلاج‏ ‏من‏ ‏صبر‏ ‏ووقت‏ ‏وتعاون‏ ‏ومثابرة، ‏وبالتالى ‏يكون‏ ‏واضحا‏ ‏من‏ ‏البداية‏ ‏أن‏ ‏الهدف‏ ‏ثمين، ‏وأن‏ ‏المسألة‏ ‏تستأهل، (‏أن‏ ‏المطلوبة‏ ‏جميلة، ‏وأن‏ ‏المهر‏ ‏غال‏)‏

‏2- ‏إننا حين نتصدى ‏لتحقيق‏ ‏هذا‏ ‏الهدف‏ ‏الرائع‏ ‏وقبول‏ ‏التحدى ‏لتخليص‏ ‏هؤلاء‏ ‏التعساء، ‏ينبه أن ننبه منذ البداية أنه سوف ‏يدفع‏ ‏المهر‏ ‏من‏ ‏الوقت‏ ‏والألم‏ ‏والتمرين‏ ‏والإصرار والصبر، ‏وكل‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏يريد‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يدفع‏ ‏هذا‏ “‏المهر‏” ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يخطب‏ ‏عروسا‏ ‏أقل‏ ‏جمالا‏ ‏وأقرب‏ ‏منالا‏، (مثلا العلاجات التسكينية أو أى علاجات بديلة إن وجدت!!).

‏3- ‏إن‏ ‏الأهل‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يتعلموا‏ ‏ويشاركوا‏ ‏فى ‏تقييم‏ ‏الموقف‏ ‏موضوعيا‏ ، ‏بقدر ‏ما‏ ‏أن‏ ‏الهدف‏ ‏رائع‏ ‏يستأهل‏ ‏ما‏ ‏يبذل‏ ‏من‏ ‏أجله‏، وتحمل مشاقه (مهر العروس).

‏4- ‏إن‏ ‏استغلال‏ ‏الحرص‏ ‏على ‏الحصول‏ ‏على ‏هذا‏ ‏الهدف‏ ‏الرائع‏ بثمن رخيص وألم قليل ودون وجع، ‏يفتح‏ ‏الباب‏ ‏لاحتمال‏ ‏الاستغلال، ‏فقد‏ ‏سمعنا‏ ‏على ‏من‏ ‏يروِّج‏ ‏للعلاج‏ ‏السريع‏ ‏الفاخر‏ ‏بالتخدير‏ ‏العام‏ (‏أحيانا‏ ‏يسميه‏  العلاج بالجراحة‏) ‏مقابل‏ ‏أموال طائلة ‏خلال‏ ‏يوم‏ ‏واحد، ‏وحذرنا منه، حين يدفع‏ ‏هذا‏ ‏المهر‏ ‏الغالى ‏مَنْ‏ ‏هو‏ ‏حريص‏ ‏على ‏هذه‏ ‏العروس‏ ‏الجميلة‏ (‏”غسيل‏ ‏الدم‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏ألم‏ ‏بالبنج”‏) ‏وإذا‏ ‏به‏ ‏بعد‏ ‏أيام‏ ‏يفاجأ‏ ‏بأن‏ ‏العروس‏ ‏ليست جميلة بل نائمة فى العسل أو أنها هربت إلى نكسة مبكرة.

 

[20] المشروطة محطوطة

(اللى أوِّلُه شرط : أخْـرُهْ نـُور)

كما قلنا حالا فى عرض المثل السابق: المفروض أن التعاقد العلاجى يمثل ‏صفقة‏ ‏صريحة‏ ‏شريفة، ‏ومسئولية‏ ‏معلنة‏ ‏محددة، ولأنها ثمينة فهى تستأهل، وأنه على المقدم عليها أن يعمل حساب ذلك، وقد قدرت أن أختم بهذا المثل لأبين أن علاج الإدمان، مثل علاج الأمراض النفسية عامة، وأكثر، يبدأ بتعاقد واضح ومكتوب أغلبه، لكنه يشمل مستويات أخرى للتعاقد شديدة الأهمية أيضا، ولن أتطرق إلى تفاصيل التعاقد وأهميته، وأنه لا يشمل التعهد بالتوقف أو بالشفاء من جانب المعالج، إنما يحدد الخطوات المطلوبة من كل الأطراف، والشروط الواجب الاتزام بها من الجميع،

وهذا ما سوف أعود إليه تفصيلا فى عمل لاحق عن “المجتمع العلاجى”

وبعد

أثناء مراجعتى لهذا الفصل خطرت لى خواطر مختلفة، وأبعدتها،

وعليكم أنتم أن تتصورا ما تشاؤون عنها

أنا آسف.

شكرا.

* * * * *

[1] – سوف نعود تفصيلا إلى شرح ما  نعنية بـ: “ثقافة الإدمان” فى عمل لاحق، لنؤكد  أن كلمة “ثقافة” إنما تشير أساسا إلى مجموعة القيم والعادات والأنماط السلوكية التى تصبغ جـُمّاع جماعة من البشر يتشاركون فى مكان واحد، أو أداء واحد، أو معتقد واحد، بدرجات متفاوتة.

[2] – Metabolism

[3] – وهم يسمون ذلك عادة : “الهندلة” من الفعل الإنجليزى to handle، بمعنى التحكم فى التعاطى.

[4] – Therapeutic test

[5] – وهذا‏ ‏أشبه‏ ‏بالظاهرة‏ ‏المسماة‏ ‏بالجنون‏ ‏المـُـقـحـَــمْ‏ Folie imposé

[6] – عبعزير‏ ‏رجل‏ ‏كمبورة‏: ‏مصطفى ‏حسين‏/أحمد‏ ‏رجب‏

[7] – As If Personality  Helen Deutsch,  In 1934, and again in 1942, 

شخصية “كأن”: هو نوع من اضطراب الشخصية وصفته المحللة النفسية هيلين دوتش

[8] – ملف الوجدان / ملف الإدراك/ العقل الوجدانى الاعتمالى (من 10/1/2012 إلى 9/2/2015)

[9] – Empathy

[10] – Sympathy

[11] – أنظر مقدمة الكتاب! (ص 11)

[12] – على من يفضل أن يبدأ بالنسخة العامية أن ينتقل إلى الجزء الثانى من هذا الفصل (ص:71) ثم يرجع أو لا يرجع إلى هذا الفصل، وفى الإعادة إفادة عموما.

[13] – هناك أغنية بالفرنسية كنا نرددها للسخرية من هذا المنطق وذلك فى الرحلات الجماعية أثناء مهمتى العلمية فى باريس 1969/1968 تقول: إذا كان الرب يريد أن نمشى على خط مستقيم طول الوقت، فسوف نحد أنفسنا فى “سان فرانسيسكو”.

Si dieu veut toujours droit devant nous irons jusqu’à san fancisco!!

    هل لاحظت اختلاف الثقافات!!!!

[14] – أنظر “المدمن بالنيابة ” (فى تصنيف  المدمنين  الفصل الأول ص 30)

[15] – Pairing

[16] – أنظر أيضا “المدمن الإمّعة” فى تصنيف  المدمنين الفصل الأول (ص34)

ظهر غلاف كتاب الادمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *