الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1987 مارس 1988 / عدد أكتوبر1987-مارس1988 المؤتمرات العلمية بين العلم والسياحة والإعلام

عدد أكتوبر1987-مارس1988 المؤتمرات العلمية بين العلم والسياحة والإعلام

حول مؤتمر القاهرة الدولى للصحة النفسية

(18 – 22 اكتوبر 1987)

مقدمة:

بترتيب جيد،وحماس فائق، عقد مؤتمر القاهرة العالمى للصحة النفسية برئاسة د. جمال ماضى أبو العزايم، الرئيس المنتخب للجميعة الدولية للصحة النفسية، وذلك فى المدة بين 18،22 أكتوبر 1987، وقد كان المؤتمر شديد الثراء والازدحام بما أحاط به من موضوعات شغلت سبع قاعات معظم أيام المؤتمر ، كما استطاع منظموه أن يجذبوا إليه مختلف المهتمين بالشئون الصحية من مختلف الفئات، وسائر أنحاء العالم، وبالتالى فقد مثل المؤتمر دائرة أوسع وأكثر تنوعا. ممن يمثلون حضور مؤتمرات الطب النفسى والأمراض النفسية، فقد كان من بين الحاضرين علماء نفس، ومشتغلون بالتمريض، وأخصائيون اجتماعيون وتربويون، بل والأهم مرضى نفسيون وعقليون(سابقون)، وكان هذا التنوع بوجه خاص هو ما ميز هذا المؤتمر الجيد.

وكنا نود فى هذا الباب، فى هذا العدد أن نحيط القارئ علما بأغلب ما جاء فى المؤتمر من أبحاث ونشاطات، إلا أننا اكتشفنا أن هذا أكبر من طاقة باب واحد فى عدد واحد، فراينا الاكتفاء فى هذا العدد بإعلان موقفنا من موقع النقد المسئول، ثم الاقتصار على تقديم الأبحاث التى تقدم بها وألقاها الزملاء المنتمون إلى هذه الجمعية( هذه المجلة) فى هذا المؤتمر باعتبارها تمثل نسقا متكاملا بشكل أو بآخر.

أولا: المؤتمرات العلمية بين العلم والسياحة والاعلام

لايمكن لمراقب موضوعى أن ينكر فضل هذه الاجتماعات العلمية العالمية فى التعريف بمصر الحديثة بشكل أو بآخر، سواء من حيث خدماتها المدينة، أو من حيث اجتهاداتها العلمية، وقد كان هذا المؤتمر بمثابة إعلان شديد الأهمية والدلالة فى هذا الاتجاه، ومع التجاوز عن كثير من الأخطاء التنفيذية أمام هذا العدد الهائل من المشاركين فإننا نرى رأيا نستحسن إعلانه  هنا هكذا:

1 – فنحن نصر على المشاركة فى مثل ذلك إلى أقصى مدى، ونشكر من ساهم ويسهم فى مثل ذلك، لكنا نصر على ادراك حدود هذا النشاط والمخاطر التى تحوطه بكل ما نملك من وعى مسئول، ويقظة حذرة.

2 – ذلك أن بعضنا، أو قل أغلبنا( يارب لا أقول كلنا) قد يتصور ان العلم الرصين والقادر على مواكبة العصر، ومواجهة التحديات الحضارية التى يعيشها الناس وتنتظرهم، ويعيشها بصورة أدق وأخطر شعبنا فى المفترق، يتصورونه فى ما يدور فى مثل هذه المؤتمرات.

3 –  وعلماؤنا – فى الأغلب – قد أصبحوا يضبطون أنفسهم – فكرهم ونشاطهم وآمالهم وقيمهم – على مقاييس القبول والرفض (علما بأنه لم  يعد فى واقع الأمر

مجال للرفض، ما دمت تدفع الاشتراك وغير ذلك) بحيث يقومون بالأبحاث التى تتكلم اللغة السائدة، لتقاس بالمقياس المؤتمراتى السائد.

4 – والرجل العادى أصبح يتلقى هذه المؤتمرات – هنا وفى الخارج – بانبهار ملاحق، واثقا بما يأتى منها، وما يلقى فيها، آملا فيما تعد به وتلوح منتظرا منها حلا لا تملكه فى واقع الأمر.

5 – والشباب عندنا أصبح يواجه صورة محددة للتقيم فى المجتمع العلمى، بحيث تصبح هذه الصورة ماثلة امامه فى بؤرة وعيه، يوجه إليها كل نشاط معرفى أو تحصيلى أو نشرى ( من النشر) ، طارحا وراءه – إن أدرك اصلا. أى نشاط معرفى حقيقى، مما يتطلب قدرا من التقشف النفسى، والحيرة الثاقبة، والوحدة المستكشفة، وكل ذلك هو رأس المال الحقيقى لمن هو عالم أو طالب علم ، مما لم يعد مطروحا فى مكانه فى مثل هذه المؤتمرات.

6 – ثم يترتب على ذلك التمادى فى توسيع الهوة بين من هو عالم بالمقاييس الموضوعية والتاريخية، وبين من هو عالم بالمقاييس المنصبية والاجتماعية، مما يهز – فى النهاية – مضمون وقدسية كلمة علم بشكل أو بآخر.

7 – على أن تصور أن معرفة هذه المحاذير والمخاطر هو كاف للوقاية من مضاعفاتها، هو تصور أبعد ما يكون عن الحقيقة، فكثير من علمائنا قد يوافقون على ما ذهبنا إليه، لكنهم يمضون فى نفس الطريق غير حاسبين مدى التشويه المنظم الذى يتغلغل فى وجودنا دون أن ندرى ، مثل ذلك مثل الذى يستعمل لغة أجنبية دون إدراك التحولات المصاحبة لذلك داخل خلايا وجوده، يستعلمها بديلا عن لغة قومه وأمه.

8 – ثم تأتى مخاطر استعمال الأبواب الخلفية لمثل هذة المؤتمرات والمناصب بغرض الاستيلاء على تلقائيتنا، أو غسل أمخاخنا، ليس فى مجال علمى بذاته وإنما بالنسبة للموقف الوجودى والحضارى برمته.

9 – وقد يترتب على استعمال مثل هذه المؤتمرات لأغراض أخرى غير علمية – جنبا إلى جنب مع الغرض العلمى المعلن – قد يترتب على ذلك أن تتوراى القيمة العلمية فى الظل بالتدريج دون أن ندرى.

10- وأخيرا تأتى قضية التمويل والتجارة، فنحن لا نأخذ الحيطة الكافية تجاه مصدر تمويل هذه المؤتمرات، وخاصة من جانب شركات الأدوية، مما قد ينتهى ببعض علمائنا، فكرا وفعلا، إلى ممارسة ما يخدم هذه الجهات الممولة بأقل درجة من الاختيار والموضوعية.

ثم أعود فأقول إن كل هذا، وبمنتهى الصدق( بقدر ما أدرى)، لا ينقص من ضرورة عقد مثل هذه المؤتمرات بمنتهى الإقدام والحماس، وبغاية الحذر واليقظة، شريطة أن نعود دائما بعد كل مؤتمر، وحول كل مؤتمر إلى مواجهة التحديات الحقيقية، فنقيس مسيرتنا بمقاييس الإضافة الحقيقية، ولا نكتفى بتحصيل الحاصل، أو تدشين الواصل….  الخ، وإلا فسينتهى كل مؤتمر بأن” يركب الخليفة وينفض المولد”، ليغيب الوعى وتبهت الموضوعية، ولا اعتقد أننا نحتمل مثل ذلك جهدا مهدرا ووعيا مغيبا.

والشكر واجب من قبل ومن بعد لكل من يخوض المخاطر ليخرج منها أقوى وأقدر.

ثانيا: فى المسألة الإسرائيلية والأبحاث والمؤتمرات العلمية

حدث فى المؤتمر – كما يحدث عادة فى مثله – أن فوجئنا بوجود ممثلين لأسرائيل بكثرة لا تخفى على أحد، ورغم أن كتيبات المؤتمر الموزعة قبله، ونشراته المعلنة لم تشر إلى مثل ذلك، إلا أنه يبدو أن القائمين على الأمر اعتبروا أن المسألة بديهية، فما دام المؤتمر دوليا، وإسرائيل دولة، وما دام المؤتمر علميا وفى إسرائيل علم، ناهيك عن التبادل الدبلوسى ومشارطات التحكيم… الخ، فإن من البديهى أن تكون إسرائيل من بين المشاركين، لكن ليس كل بديهى بديهيا( أليس كذلك؟؟) فعلم بعض شباب الأطباء والمشاركين هذا الذى أخفى، فأحسوا بما أهانهم مرتين، لأنهم خدعوا بالإخفاء العفوى أو المقصود، ولأنهم سيشاركون لئاما، أو من يمثلون لئاما – فى مائدة مشبوهة، فقرر البعض ألا يشارك( مثل د. عصام اللباد، د. هناء سليمان)، وقرر آخرون أن يعلن احتجاجه قبل إلقاء كلمته، أما الفريق الثالث ـ وأنا منهم – فقد قرر أن يحتج بالمشاركة لو أنه استطاع أن يبلغهم، هم ومم يتعرض لهم أننا هنا، ” نعرف” و”نقول”، بلغة متفوقة، ومن منطلق مستقل متحد……. الخ.

ثم اتخذت نقابة الأطباء موقفا تشجب فيه، أو تحذر به، أو تهدد من خلاله(لست متأكد) من يشترك فى هذا المؤتمر من الأطباء.

فانبرى أستاذ التاريخ والكاتب السياسى المتميز أ. د. عبد العظيم رمضان يرد ردا لائما موجزه كما وصلنى بلغة أهل قريتى” الله‍‍‍‍‍‍‍ هوّه انتوا حاتعرفوا أحسن من الحكومة؟؟ ” فما دامت الحكومة قد سمحت فليس لكم إلا أن تسمحوا، وما دامت الحكومة قد حاورت فلابد أن تحاوروا وإلا فهذه طفولة و…. مما أعد أذكر.

فأصبح الأمر يحتاج ‘إلى إيضاح ووقفة وبما أن المسألة فيها أراء واختلافات، فلابد أن أنسب الرأى المطروح هنا لكاتب هذه السطور(1)حتى لا يتحمل وزره غيرى، وفى ذلك أقول:

1 – إن السلام أمر واقع، ليس لأننا وقعنا معاهدة معسكر داود، ولكن لأننا هزمنا به، وافضل مما كذبنا فيه، فهو أمر واقع لحين اشتعال الحرب فعلا ولا توقف. وما هو واقع هو واقع.

2 – إن قبولى بواقع ما هو هذا السلام، هو تركيز لمرارة ما عاد من الممكن تجاهلها، لمن مازال يعانى من شرف الاحساس، فهو ليس أبدا، ولن يكون، فتح صفحة صداقة مع من لا صداقة ولا صدق له.

3- إن أخطر ما قيل فى هذا السلام هو حكاية” آخر الحروب”، فإما أنها كانت حذقا( حداقة) فلاحية أنا أعرفها، وإما أنها كانت نكتة مسلية، ذلك لأن أى مخلوق يمكن أن يحدد ما هو “أول” لكن من ذا الذى يستطيع ان يحدد” ما هو آخر” فكان منظره – يرحمه الله – منظر العارف الساحر، أو الغافل الذاهل( وهو ما أستبعده) أما هم حين أصروا على هذا الشرط ليتوهموا تصديقه، فكانوا اشبه بطفل يصر على أن يأخذ وعدا من والده ألا يضربه، فيصدق دون وعد، وإلا فما معنى مطلبا لا يمكن تحقيقه بطبيعة الحياة وقانون التاريخ. أليست الحروب جزءا لا يتجزأ من تاريخ الناس والحياة، فمن الذى يستطيع أن يقول لحرب ضد التهديد بالانقراض

“لا تقومى” إلا إن كان قد رضى بالانقراض، لذلك فقد اطمأننت وهو يعلنها هكذا نكتة مسلية، واطمأننت اكثر وهم يصدقونها أو يوهموننا أنهم صدقوها ، لكنى لم أطمئن لأشياء أخرى كثيرة وخطيرة.

4 – فحكاية صديقى بيجن كانت ” واسعة حبتين”، وحكاية أن المسألة( مسالة الشرق الأوسط مع أنها مسألة سرقة فلسطين وسحق كرامة العرب) هى مسألة نفسية، وبالمرة فليساهم فى حلها أطباء نفسيون، كانت خيبة بليغة والعياذ بالله، ناهيك عن أوراق اللعبة( الـ 99%) أو لعبة الأوراق فكل ذلك زيطا فى زفة لم افهمها، ولم أعتن بالوقوف عندها إلا حين تغالبنى الظنون أنه ” تيجى تصيده يصيدك”، ونادرا ما كانت تفعل لثقتى بناسى وبلدى.

5 – ثم تانى حكاية التطبيع هذه كقضية لا حقة واختبار مهم. لتصوراتى ومدى يقظتنا:

( أ) فما يسمونه تطبيعا فى هذا الموقف هو أمر مستحيل أصلا، ليس لأن دمهم ثقيل، أو لأننا لم ننس شهداءنا، وآخذين على خاطرنا، ولكن لأن التطبيع مشتق من عودة الأمور إلى طبيعتها، وليس فى طبيعة الأمور وجود هذا الجنس الهجين المسمى إسرائيل بين ظهرانينا، لا فى حالة الحرب ولا فى حالة السلام.

( ب) ثم إن علينا أن نتساءل لماذا هم حريصون – هكذا – على هذا التطبيع، وهو الصهاينة اليهود التجار الشطار الكذبوان القتلة ((2)) لابد أن فى الأمر “إنه” كما يقولون فى بلدنا.

( جـ)  لكن ما ينبغى النظر فيه اكثر تمحصا: هو موقفنا الشعبى من هذا التطبيع، فحقيقة الأمر أن أحدا لم يهتم بمقاومته لأنه من جانبنا لم يكن مطروحا أصلا مهما فعلوا، ولا نسارع فنفرح بذلك رغم أنه أمر مفرح، لأنه قد يكون تجنبا لمواجهة واقع مؤلم لم يحق لنا أن نستفيد من آلامه، فكم هو مؤلم أن ترى فلسطينيين يتكلمون فلسطينى فى احد الفنادق، ثم تكشفت أنهم يهود، فتدرك أنهم صهاينة، فتدرك للتو أن الخواجات اليهود ضحكوا عليهم مثلما ضحكوا على الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين سواء بسواء، وكم هو مؤلم أن يحضر لعيادتى فلسطينى فأسأله من اين؟ فيقول مطأطئأ: من فلسطين فأسأله من غزة ام من الضفة؟ فيقول: لا من فلسطين فأفهم وانا أكاد أبكى وهو يشكو أن لا أحد يفهمه هناك، وليس ثمة فرصة حقيقية لعلاجه، وهو فلسطينى مسلم…. الخ وكم أمريكية أم عالمية، وقد تكررت شكوكى وتحققى مما ذهبت إليه حتى انتهيت هو مؤلم ان ترى خواجة ابن خواجاية استعمر اليهود الفلسطينيين قبل أن يستعمر غيرهم، ثم يدعى لنفسه، وعلينا، أنه ولا مؤخذاة ” شرق أوسطى”، كل هذا من افضال التطبيع التى لا ينبغى أن نغفل عنها ، لكن المسائل تبدو أخطر وأخبث.

 6- وحكاية اشتراكهم فى مثل هذه المؤتمرات العلمية هو مما هو أخطر وأخبث:

فأذكر قارئ المجلة بخبرتى معهم فى مثل ذلك سواء جاءوا تحت لافتة أمريكية أم عالمية، وقد تكررت شكوكى وتحققى مما ذهبت إليه حتى انتهيت إلى نتيجة واضحة وهو أن علينا أن نشك فى كل منحة أو دعوة أو تمويل لبحث آت من ناحيتهم وخاصة تلك التى يشترطون فيها ثلاثية المشاركة( أمريكا ـ- إسرائيل – مصر):

( أ) فالأبحاث الممولة من امريكا تكون جاهزة وسهلة إذا كانت تخدم الحفاظ على طول عمر ضعاف العقول وتستحيل وترفض إذا ما كانت تخدم كيفية تنمية الابداع والحفاظ على دفع تطور الفرد فالمجتمع.

( ب) وثمة باحثون أجانب ينزلون القرى بادعاء بحث مشاكل أطفالنا و”جفافهم ”    (ياحسرة) فيجففون وعينا بما لا ندرى وهم اعلم( أمريكيون عادة).

(جـ) وثمة باحثون يعرضون برامج تربوية منتهية الصلاحية على قدر ما يرونا أهلا له، وليس بما يعد به جوهرنا وتاريخنا مما لا يعلمه إلا نحن، إن أردنا.

(د) ثم تأتى هذه المؤتمرات، مثل هذا المؤتمر، والجمعية العالمية التى نبع منها، فتنتخب ممثلين لها، وتنتقى أماكن لقاءها بما يوحى أنها تقدرنا بعض التقدير، لكن الفاحص المتمرس قد يلمح قواعد لعبة أخطر فى أيد أقدر، ليست بعيدة عن اللوبى اليهودى فى أمريكا والشركات التابعة له والتخطيط المراد لنا واخطر الخطر فى كل ذلك أن تكون المحاذير التى سبق الإشارة إليها لاتتوقف عند مهمة تشوية علمية، بل تمتد إلى الاغارة على هويتنا الحضارية أصلا، واعترف أنى أحاول فى كل مؤتمر مشابه أن أطرح الأبحاث التقليدية جانبا لأعرض منطلقا خاصا بناسى وواقعى وخاصة فيما يتعلق بمنهج التناول ويا حبذا المحتوى، أفعل ذلك بكل مسئولية قبول التحدى ومحاولة إبلاغ الصيحة إلى حيث لم يحتسبوا، ,افعله وصور الأشلاء ماثلة أمامى طول الوقت والمخطط الأكبر لاغارة الحضارة المادية ” الغربية الشرقية” المغتربة، يحيط بوعيى من كل جانب، وبكل لغة، وقد تركزت هذه الحضارة جغرافيا فيما سمى إسرائيل مؤخرا، ولأنى أعايش شخصيا كم الألم المصاحب لكل هذا ، ولأنى أعانى من قدر الجهد الذى احتاجه لاختراق كل ذلك، عذرت زملائى الأصغر، إذ من أين الضمان ألا ينسوا فيسرقوننا ونحن نتصور أننا حذرون، ورحت أحاور د. عبد العظيم رمضان – رغم شجاعته فى أمور أخرى، ورغم ما علمنى ويعلمنى – فما هذا الذى يقول منطقا ، رغم اختلافى مع زملائى.

(هـ) ثم – وأنا كذلك – رحت أقول كلمتى فى المؤتمر، وكنت قد اخترت – من المنطلق السالف الذكر – فكرتين أقول بهما:( نحن مختلفون)، وكذلك ( نحن هنا) قلت كلمتى على ثلاثة مستويات:

1 – فعلى مستوى التذكرة بأن الوعى هو الأصل، قدمت كيف ان اسهامات التصوف الإسلامى فيما هو وسيلة من أعمق وأصدق وسائل المعرفة البشرية ، وأن الوعى ،  من خلال المعرفة الصوفية به له مستويات، وموجز ذلك:

إن الوعى ليس مجرد اليقظة، أو الشعور، أو الفهم، أو التنبه الأخلاقى، وإنما هو(عملية تشكيل معطيات تنظيم ما ، تشكيلها فى كليتها المتميزة فى لحظة بذاتها، أو فى مستوى معين لفترة زمنية ما) وتعمدت أن أبين من هذا المدخل أن الوعى المفروض علينا من حضارتهم (تحت قيادة الصهاينة فى كل موقع وبأى اسم) هو قشور القشور، وأن الممارسة الصوفية الإسلامية كوسيلة للمعرفة هى فهم آخر، ومنهج آخر، ومسار آخر، لمصير آخر، ورفضت ضمنا أن نخدع أنفسنا بتزييف الوعى بنشاط تخديرى يلبس اسم الصوفية دون مجاهدة معرفية، ثم اشرت فى النهاية إلى تجارب علاجية موازية فى الطب النفسى. وتصورت أنى بذلك قد أبلغتهم – بشكل ما – أننا ننظر أعمق إذا أردنا 0 فهل نريد).

2 – ثم قدمت أطروحتى لمفهوم تطور الرجل والمرأة نوعيا، وضرورة اختلاف المسار رغم توحد المصير، وبالتالى فعلينا الا ندخل معارك لم نقدرها ولم نستعد لها لمجرد أنهم سبقونا بدخول مثلها مثل معارك المساواة بين الرجل والمرأة، ومعارك الفخر والهجاء بينهما، ذلك لأن تأكيد ما هو(كينونة) فى المرأة كبداية، وما هو(فاعلية) فى الرجل كبداية، سيطلق حتما ماهو فاعلية فى المراة ويحقق ما هو كينونة فى الرجل، بشكل يؤكده استقراء التاريخ وتوقعات التطور، ليلتقيا فى نقطة فرضية مستقبلية هى التكامل الإنسانى الحاوى لايجابيات الاثنين معا، وتصورت انى بذلك قلت لهم أيضا أننا نبحث فيما يناسبنا من بدايات ومعارك دون تقليد أعمى، ورغم ما بدا لى من وصول رسالتى هنا وهناك أثناء المؤتمر، إلا أنى طمعت فيما هو أكثر، واكثر، فلم تأتنى إلا رسالة واحدة منهم للاسف (من جوديث شتيرن تقول فيها:”…. وإنى اعترف أننى لم أسمع إلا نادرا من يتناول هذه المشاكل بهذه الدرجة من احترام حاجات البشر”.

ثم ذكرت انها فخورة بماقلت فى بحثى هذا، فخورة به كامرأة وكباحثة نفسية

…. الخ، ولم أرد خشية ان تكون طعما.

3 – ثم حضرت بحسن نية محاضرة سميت محاظرة ” مارجريت ميد” وكان المحاضر هو أ.د الجوهرى نائب رئيس جامعة القاهرة، وكانت المناقشة هى رئيسة الجلسة فيليس بالجى Phillis Palgi من مدرسة ساكلر للطب( هكذا كتب)

فلم أعلم انها منهم، وبعد أن قدم المحاضر محاضرته بعنوان ” مفهوم الذهان فى الفلكلور المصرى “Concept of Psychosis in Egyptian Folklore ركز فيها على ما تحت الأرض، وعلى الانشقاق الهستيرى دون ذكر الذهان خاصة، ثم اشار  إلى بعض عاداتنا ومنها ما يتعلق بيوم السبت( على قدر ما سمعت)، فقامت الرئيسة المناقشة لتعلن أنها من إسرائيل( جدا جدا)، وبدلا من أن تعقب فعلا على محاضرة الأستاذ الجوهرى انبرت تلقى محاضرة باكملها عن المرض النفسى والمعتقدات الشعبية الإسرائيلية، ففرضت الموضوع على الحاضرين فرضا دون سماح بالمناقشة اصلا، لا مناقشة المحاضر الأصلى ولا مناقشة الاقتحام الثقيل، وكان مما قالته انه فى بعض ممارسات الطب النفسى الشرعى، ذكر مواطن إسرائيلى قادم من اليمن أن والده إنما قتل لأنه حين عبر حدود اليمن تخلت عنه قوى ما فوق الطبيعة، القوى الفوق طبيعية التى كانت تحرسه هناك، لأن هذه القوى غير مسموح لها أن تعبر الحدود.

فطلبت التعقيب بالحاح شديد، وأعلنت احتجاجى على جل ما جرى، وأن والد هذا المواطن اليمنى المخدوع قد فقد القوى الطبيعية Natural وهو يعبر الحدود  ( وليس القوى الفوق طبيعية Supernatural) لأنهم خدعوه ليترك وطنه الحقيقى لينتمى إلى ما لا يصلح له، ولا يصلح به.

ولست ادرى إن كانت الرسالة قد وصلت أم لا.

وكنت قد ملكنى غيظ أكبر وأنا أشاهد إبهام كثير من الحاضرين يرتفع فيما يشبه السرية أثناء القاء الإسرائيلية حديثها المقحم.

وبعد ، فهى الحرب الأخرى لا التطبيع.

ثالثا: موجز الأبحاث المختارة:

بالأضافة إلى ما أشرنا إليه حالا من أبحاث قدمها كاتب هذه السطور إلى المؤتمر فقد قام الزملاء من هذه الجمعية بتقديم العديد من الأبحاث بما يمثل فى مجموعة رؤية مكتملة وهو الأمر الذى دعانا أن تكون هى الأبحاث المختارة لهذا العدد:

1- د. رفعت  محفوظ

الاضطرابات النفسية فى المصريين المهاجرين ( جلسة 30 – ج ):

Psychiatric disorder in Egyptian immigrants

المشاركون: د. مجدى عرفة ، د. يسرية أمين ، د. عماد حمدى. د.سناء سيد.

أجريت هذه الدراسة بغرض تحديد بعض المعالم الديمجرافية والمميزات الأكلينيكية للمصريين المهاجرين، وقد تمت هذه الدراسة على102 مهاجرا مريضا ممن ادخلوا مستشفى خاص(3) خلال فترة ست سنوات ونصف، وقد أظهرت الدراسة أن الذكور كانوا أكثر من الإناث، وأن العمر كان يترواح بين 26،35 سنة، ولم يوجد فرق بين المتزوجين وغير المتزوجين، أما مستوى التعليم فكانت الغالبية حول المتوسط يليها التعليم الأعلى فالأدنى، وكانت الغالبية ايضا ينتمون إلى ما يسمى الهجرة المؤقتة، إلى البلاد العربية البترولية، كما ظهرت الاضطرابات النفسية عند اغلبهم فى المحاولة الأولى للهجرة.

أما من ناحية التشخيص فقد تبين أن39.8% كانوا مرضى فصاميين،24.7% كانوا حالات اضطراب وجدانى، ثم22.4% حالات بارانويا، وقد ظهر أن حوالى نصف العينة(47.5) كان عندهم أعراض بارانوية، بغض النظر عن التشخيص الأساسى، كما ظهرت أعراض الاكئتاب عند ربع العينة تقرييا(26.3%) وتبين أنه يوجد تاريخ أسرى إيجابى فى عدد وافر من العينة.

وقد فسرت النتائج فى إطار فرض الانتقاء الاجتماعى والعلية الاجتماعية، وقد جرى النقاش فى اتجاه صعوبة تحديد سبب بذاته لهذا النوع من الاضطرابات حيث تتضافر الأسباب فى تداخل لإحداثها.

2 – د. رفيق حاتم ( أ ـ جلسة34)

علاج اضطرابات الشخصية فى إطار علاج الوسط:

Management of Personality Disorders in the Context of Milieu Therapy

تعتبر اضطرابات الشخصية تحديا حقيقيا لممارس الطب النفسى ، ذلك لأنها لا تستجيب للعلاجات الدوائية العادية، ولا للعلاج النفسى التقليدى، والمفهوم التركيبى لاضطرابات الشخصية هو أنها تمثل تسوية دفاعية دائمة وجاثمة، بحيث تمنع حركية البسط العادية فى مسار النمو. وبالتالى فإن العلاج إنما يهدف إلى اختراق هذا السلوك الدفاعى بواسطة مختلف النشاطات التى تمارس فى ” وسط علاجى” ضمن خطة علاجية نشطة، ويتم ذلك بهدف أن يتعرى هذا التجميد المعوق، ثم يتحرك، فتعاود الشخصية نبضها، أى نموها.

( تعقيب: وهذا يحتاج عادة إلى وقت طويل، وتبديل فى الخطة العلاجية متلاحق، وتعاون مع الأهل والمجتمع، وتدخلات كيميائية وفيزيائية تنظيمية مناسبة، وحسن توقيت).

د. رفيق حاتم….. ( ب جلسة 49 )

تكامل علاج” العدو” ( الجرى) فى اطار خطة علاجية متكاملة فى الوسط العلاجى:

Integration of running activation in the holistic therapeutic Planning in milieu therapy

قدم هذا البحث نبذة عن مفهوم استعمال النشاط البدنى الطويل والمثابر، من خلال العدو فى أشكاله المختلفة، العدو الطويل، والعدو القصير، والعدو المنتظم المتواصل والعدو المتقطع المتخلل بنشاط علاج جمعى، وقد ألمح البحث إلى أن النشاط البدنى التفوقى، أو التنافسى لا يساهم كثيرا فى هذا المفهوم المتكامل، أما إذا تواكب هذا النشاط البدنى مع سائر النشاطات الأخرى فاكتملوا فى خطة علاجية شاملة، فإنه يمكن أن يكون وسيلة لاختراق الدفاعات وتعتعة التجمدات الملتحمة بالجسد والمفاهيم فى آن، وذلك كخطوة ضرورية لابد من استيعابها فى التأهيل اللاحق.

3 – د. هناء سليمان: ( جلسة: 41 )

علاج أزمة المراهقة من خلال العلاج الجمعى وعلاج الوسط:

Management of adolescent crisis in group and milieu therapy

 ( ألقى أحد الزملاء هذا البحث نيابة عن الزميلة صاحبته حيث كانت ممن اعتذروا عن المشاركة بالالقاء للأسباب السالفة الذكر).

ناقش هذا البحث مفهوم أزمة المراهقة من منظور بيولوجى باعتبارها أزمة مفترق طرق، وقد أشار البحث إلى ما تعد به هذه المرحلة من فرص النمو، وما تواجهه من تناقضات فى مواجهة ما يرسى المجتمع من معايير مفترضة لهذا الدور. وقد بينت أن المراهق الذى يمر بهذه الأزمة قد يستشير طبيبا نفسيا، لكنه فى الأغلب لا يفعل، وقد حدد البحث بعض المعالم لمن يلجأ لمثل هذه الاستشارة، كما أشارت إلى صعوبة تناول هذه الأزمة من خلال علاقة ثنائية فى العلاج النفسى الفردى، وهذا ما دعى إلى محاولة توسيع دائرة العلاج ليتم من خلاله وفى وسط جماعة، فى العلاج النفسى الجمعى/ أو علاج الوسط، على أن مثل هذا العلاج لا يصبح فعالا ومفيدا إلا إذا وضع فى الاعتبار التأهيل للانتقال التدريجى إلى أداء الدور الاجتماعى العادى فى ظروف الواقع المحيط.

4 – د. ماجدة صالح:( جلسة:41)

التغيرات النوعية فى صورة الجسم وصورة الذات فى أزمة المراهقة وأزمة النمو العلاجى:

Qualitative changes in self-image and body- image in adolescent and therapeutic growth crisis

 أظهر هذا البحث وجه الشبه بين ازمة المراهقة وأزمة المأزق العلاجى فى العلاج الجمعى وعلاج الوسط خاصة من حيث التغير النوعى فى التركيب الكلى، والذى يصاحبه عادة تغيرات جذرية ،يختلف الوعى بها من فرد لآخر، وقد اشار البحث     إلى الفرق بين مايسمى صورة الجسم Body image والذات وبين ما هو تمثيل الجسم فى خلايا المخ Body Schema، ومع التغيير الجذرى، فإن الافتراض الأرجح أن تمثيل الجسم ( والذات) يتغير حقيقة وفعلا، فيتبعه تغير فى الوعى به، كما أن طبيعة الادراك أيضا تتغير نوعيا مما يتبعها أيضا اختلاف فى استقبال الداخل والخارج، فما يقال عنه خبرة تغير  الذات   Depersonalization أو تغير الواقع Dieselization ينبغى أن يؤخذ من جانبه الإيجابى إذا ما حدث بقدر مناسب، وفى ظروف مواتية، بعد إعداد طيب، وفى هذه الحالة يجدر بنا أن نعتبره علامة طيبة لتواصل مسيرة النمو.

5 – د. عصام اللباد:( جلسة)

إيقاع التنشيط / التهدئة فى مجتمع علاجى:

( اعتذر الزميل عن إلقاء هذا البحث فالقاه زميل آخر لنفس الأسباب السالفة الذكر)

قدم هذا البحث تجاوزا للمفهوم الشائع فى علاج الأمراض النفسية وهو أن المفهوم السائد هو أن المطلوب هو تهدئة المريض عادة باستعمال المهدئات الكيميائية، وقد اكد هذا البحث أن الطبيعة البشرية، وخاصة باستعمال قياس إيقاع ” النوم – اليقظة “، وكذلك ايقاع” النوم الحالم – النوم غير الحالم” تلزمنا بأن يجرى العلاج فى إيقاع مواز ،فيسعى إلى تناوب التنشيط والتهدئة، بل إنه متى أمكن ذلك، على الخطة العلاجية أن تتجه إلى تنشيط مستوى(تنظيم) بذاته وتهدئة آخر فى نفس الوقت، ثم تحفز تبادل التتشيط والتهدئة بحسب ماتتطلبه الخطة الممتدة، لتحقيق هدف تحريك مسيرة النمو الطبيعية، وفى سبيل اختبار ذلك وتحقيقه فإن كل أنواع العلاجات المتاحة مطروحة للانتقاء، ومنها العلاج بالعدو، والعمل العلاجى، والعلاج النفسى المثير للقلق، والعلاج النفسى الجماعى المواجهى، والعلاج الكيميائى الانتقائى.

وأخيرا فقد اشار البحث إلى أن النتائج المبدئية تظهر ان نوعية التحسن باستعمال هذا المفهوم الجديد هى مختلفة، حيث يمكن أن تحافظ الشخصية، أو تستعيد رنينها الوجدانى وحيويتها، كما يمكن ان تتحور النكسات إلى ما هو أخف وأكثر استجابة بما يناسب التناول التالى بما يتناسب من ايقاع جديد، وهكذا.

د. محمد حسيب:( جلسة 40)

الأنشطة السلوكية العلاجية: خبرة مصرية:

Therapeutic behavioral activities: An Egyptian experience

حاول هذا البحث أن يوضح ماهية العلاج السلوكى التقليدى، والفرق بينه وبين تبنى نظريات التعلم والتربية فى اطار منهجى علاجى محدد، يتعاون فيه أفراد الأسرة تحت اشراف الطبيب المعالج ، والمتابع، بشكل يحقق أهدافا متوسطة فى العلاج تصب فى النهاية فى هدف العلاج العام وهذه الأهداف المتوسطة تترواح بين تغيير سلوك معين، أو تحرير وتطوير جزء من سلوك، أو إبدال وإحلال سلوك بعينه، ويناقش البحث كيف يبدأ العلاج من هذا النوع بخطوة أساسية وهى التقييم السلوكى، وهى خطة تتجاوز مجرد التشخيص الوصفى، أو التفسير الدينامى، ثم بعد ذلك يتم تحديد الهدف العام، ثم الأهداف الجزئية الممكنة التى تختلف من مريض لمريض، كما تختلف باختلاف مكان العلاج، ومدى إمكانية المتابعة القصيرة أو الطويلة، باللقاء المباشر، أو الاتصال الهاتفى، أو المراسلة، أو بها جميعا، ثم يقام برنامج علاجى متدرج بحيث يدعم ويعدل بحسب النتائج الأولية أولا بأول، وقد يصلح مثل ذلك بوجه خاص – كما أثبتت الخبرة الأكلينيكية وراء هذا البحث للأطفال، ولمتابعة التأهيل بعد الخروج من المستشفى.

(إلى هنا: انتهت الأبحاث التى ألقيت فى المؤتمر)

العلاج النفسى بالفن ( بممارسة التشكيل الفنى) (4)

( صورة الغلاف):

نحن نتعامل مع الإنسان – فى مجال العلاج خاصة – حالة كونه يتوق إلى خلق معنى للحياة، خلق المعنى وليس مجرد اكتشافه، والإنسان يقوم – واعيا أو غير واع – بذلك معظم الوقت، وهو يستخدم من أجله كل المؤثرات الحياتية، ويقوم أيضا باختيارات وتشكيلات سلوكية شديدة التنوع، وفى أزمة المرض، هو يختار أيضا تشكيلاَ ذا معنى، وإن كان  تشكيلاَ سلبيا ومعوقاَ.

والعلاج بالفن يبدأ من هذا المنطلق، لكنه يحاول أن يحوّل المسار إلى ماهو إيجابى مستكشف( هادف ودافع، ضمنا).

ومن زاوية الفن، يجب علينا أن ندرك أن الفنان يقوم بخلق واقع جديد، ويكّون رؤية داخلية جديدة تنتقل معانيها إلى ما بعده ومن بعده، ويقوم الفن – هنا – بدوره هذا عن طريق الصورة، بالمعنى الشامل لما هو صورة فللصورة دور اساسى فى تفكيرنا وفى تكويننا النفسى، فنحن نفكر فى شكل صور، ويمكننا أن نميز الصور قبل أن ننطق الكلمات، فمثلا يمكننا تمييزه صورة الأم قبل أن نناديها(5) بل إن التفكير عند الإنسان يتخذ شكلا واحد ” شكل الصورة” فى المرحلة قبل اللفظية.

وقد أوضحت الخبرات العملية فى مجال العلاج بالفن أن أهمية هذا العلاج وفاعليته لا تكمن فقط فى أنه يعكس الصور من الداخل إلى الخارج واكتشاف الذات من خلالها، إنما هو يقوم باستثارة عملية إنتاج لصور جديدة.

وقد وجد أن هذا النوع من العلاج يقلل من استخدامات المعالج (بفتح اللام الثانية) للدفاعات النفسية، فهو فى عكسه للصور الداخلية إلى الخارج يستخدم قدرا أقل من الدفاعات عما إذا هو قام بعكس هذه الصور بالألفاظ.

وتجدر الإشارة هنا إلى هذا النوع من العلاج لا يعتمد على مهارة فنية، فلا اهمية ولا ضرورة لذلك، بل على العكس ، فالفنان ذو القدرة الفنية أقل عرضة للتعبير العفوى و” ذلة الفرشاة “Brush Slip، إلا أن هذا لا يمنع أن هناك الكثيرمن الفنانين قادرين على اكتشاف ذواتهم، والإقلال من دفاعاتهم، وجعل لوحاتهم تتحدث عنهم.يضاف إلى ذلك أن التواصل عن طريق الصور هو تواصل مكانى، غير خطى ولا هو منطقى متتال، أى أنه عكس التواصل اللفظى المعتاد.

ومن وسائل هذا العلاج: رسم الأحلام، حيث يقوم الفرد باستدعاء حلمه؛ وإعادة خلقه، وه(6)، فللحلم خصائص بصرية واضحة، على أن الصعوبة التى تواجهنا حين نقدم وصفا للحلم المصور هى أن علينا أن نترجم تلك الصور إلى كلمات…. ومن المعروف أن الحالم يعبر عن ذلك كثيرا حين يقول:

” استطيع أن أرسم الحلم، ولكننى لا أستطيع قوله “.

وقد جعل يونج مرضاه يقومون برسم أحلامهم، ثم أصبح رسم الأحلام جزءا أساسيا من مكونات التحليل النفسى.

كما تناول بيرلز Perls مادة الحلم أيضا بصورة خاصة وجذابة ، فهو يعتقد أن موضوعات الأحلام المختلفة هى أجزاء متناثرة من الشخصية، تم إبعاد بعضها أو تم إنكاره، ثم يرى بيرلز أن هدف العلاج بالرسم هو جمع هذه الأجزاء المتناثرة معا لتوحيد الفرد ككل مشتمل.

وتقوم” هارييت واديسون ” مؤلفة الكتاب بالمزج بين العلاج بالفن والعلاج الجشتالتى، حيث تطلب ممن تقوم بعلاجهم بأن ” يصيروا” هم ما رسموه من شخصيات أثناء استعادتهم الحلم، وهى ترى أنه ليس من المهم أن يكون الرسم مطابقا أو مخالفا للحلم، فكلاهما من انتاج الشخص نفسه تعبيرا عن ذاته.

كما تقوم ” واديسونم” بجلسة علاج جماعية حيث يتفاعل أفراد المجموعة العلاجية مع رسومهم ، وتتفاعل رسومهم معا، ويتفاعلون مع بعضهم البعض.

****

1 ــ رئيس التحرير

[2]  ــكتبت هذا الكلام قبل اندلاع ثورة الطوب الحجارة المغيظة، وقررت عند التبييض ألا أضيف حرفا .

[3]  ــ دار المقطم للصحة انفسية

[4] – الفكرة الأساسية من كتاب Art Psychotherapy تاليف Harriet Wadeson الناشر Wiley & Sons Inc N.Y. 1990. وقد ركز على أنواع الفنون البصرية، وتحديد الرسم والنحت والتلوين. وإيجاز وصياغة : د. عصام اللباد.

[5] – يلاحظ قوة وسرعة نمو تمييز الصور قبل استعمال الألفاظ عند بعض الأفراد، ويقال أنهم يتمتعون بذاكرة فوتوغرافية خاصة، (انظر أيضا موضوع المتخلف الموهوف فى العدد السابق).

[6] – انظر لوحة الغلاف الأمامى: الحلم المطارد، رسم مؤلفة الكتاب فى أحد أحلامها..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *