الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1987 مارس 1988 / عدد أكتوبر1987-مارس1988-قصة قصيرة: قلم كوبيا

عدد أكتوبر1987-مارس1988-قصة قصيرة: قلم كوبيا

قصة قصيرة:

قلم كوبيا

مجدى حسنين

أقسمت بطهر الحزن ألا  أفعل خيرا هذا العام، لقد خشيت على نفسى، فعزمت النية أن أعيش لها هذا العام أداوى تقيحات جروحى التى سدت  رائحتها المتعفنة عن أنفى رائحة الذكرى ….. لذة الألم تثيرنى، أسحب عن جسدى بقايا ملابسى الشفافة، أتخايل بجروحى أمام المرآة أتعاجب، تناسق التواءات زوايا الجروح تدغدغ أعصابى، يزداد  إعجابى بى ، أسحب بحذر شديد الغطاء الشفاف اللاصق بظهرى، ينجذب معى رويدا رويدا، تنجذب معه بعض القشور، وتخلف بقعا دموية، دمويتها قانية، شديدة الاحمرار والتوهج كأنها ليست من دمى، أضبط نفسى مزاولا حركات غريبة ومستحيلة لأخذ أوضاع مختلفة أمام المرآة حتى استطيع رؤية ظهرى، يغلبنى الابتسام، أمسيت أهوى مزاولة ذلك المستحيل منذ ما استطاعت قدماى أن تحملانى، وتماثلت – نوعا ما – للشفاء، …. الآلام المنبعثة من فعل السياط الملتهبة تشعل ظهرى وتجعله ينز مع أبسط حركة بقعا دموية، دمويتها قانية، شديدة الاحمرار والتوهج، كأنها ليست من دمى.

أفلح فى رؤية أحد جانبى الظهر، لكن تلك الرؤية الجانيبة لم تشبعنى، بل تحفزنى  على رؤية ظهرى كله أمامى حتى أطمئن … أن ألمسه .. أن أحسه، فمنذ شهور بعيدة لم استلق عليه حتى صرت أكره النوم من طول بعده عنى ، لم أجد بدا من خلع”ضلفة” الصوان الوسطى التى تحتوى على المرآة، وضعتها  أمامى على الكرسى، وبعض” المخدات” حتى تناسب طول ظهرى، وظللت بمرآة صغيرة فى يدى أرقب جوانب الجانبين الأيمن والأيسر وما صنعته السياط فيهما، كما يفعل إسماعيل الحلاق كى يطمئنى على قفاى، لكن رؤية الجوانب بمثل هذه الامكانيات الضئيلة لا تشفى غليلى، أريد أن أنشطر، أن أضع ظهرى امامى كى أتامله على مهل، واتحسس نسيج الجرح فيه ومدى إتقانه، عبثا أحاول شد لحم  ظهرى المتهرّئ من الناحية اليمنى تارة ومن الناحية اليسرى تارة أخرى كى يظهر أكبر قدر منه، إلا أن أناملى تنزع قشور الجروح، أشد ثانية لحم ظهرى بعنف، أنسل منه قطعا قطعا، أصرخ من شدة الألم، أنسل منه قطعا أخرى وأخرى وألقى بها فى غير اكتراث من من النافذة، كأنى لست فى حاجة إليها، كأنها ليست منى، أمسى ظهرى ذا تضاريس ونتوءات غريبة عن جغرافيتى، جنون…هستيرية تصيبنى، صرخات متلاحقة من فعل الألم، ملوحة دموعى  تشققنى، أشعر  بالاغماء، بالانشطار، ألمس نبض كليتى، أحصى ما بها من حصى، اعد فقرات عمودى الفقرى، هناك فقرات قد أصابها بعض التآكل تناسب خطوط السياط على ظهرى، كتناسب خطوط القلم الكوبيا الذى كان يخطط به خالى ظهورنا عشية كل يوم خوفا من استحمامى وأولاد عمى فى الترعة تحت بطن الجسر، كم سوطا لطم ظهرى، وكم خطط خالى بهذا القلم، وكم ذابت خطوطه طافية قى زرقتها الباهتة من فعل الماء ومن دعك فاطمة ابنة عمى بيدها الحانية كقطع الزبد الطازجة، عندما كانت تدعك  جسدى  أخرى حتى نصبح أشباح  أطفال، سلبنا خالى طفولتنا بتقريع ظهورنا بالعصا،أصبت بداء الخلط.. طببت .. استعصى دائى … أدعك ظهرى من طول التآكل فى تراب الحجرة، ليست يدى بالحانية، ذابت قطع الزبد الطازجة على خارطة ظهرى، خشونة كفى تفجَّر بقعا دموية، دمويتها قانية، شديدة الاحمرار والتوهج، كأنها ليست من دمى.

****


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *