الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يناير 1987 / يناير1987- حالات وأحوال الأخوة الأربعة… عود على بدء

يناير1987- حالات وأحوال الأخوة الأربعة… عود على بدء

حالات‏ ‏وأحوال

‏7- ‏الأخوة‏ ‏الأربعة

عود‏ ‏على ‏بدء

أولا‏: ‏تقديم‏  ‏اعتذار‏:‏

يبدو‏ ‏أنه‏ ‏مع‏ ‏تحول‏ ‏خطة‏ ‏المجلة‏ ‏الى ‏ماهو‏ “‏علمي‏(!)” ‏كان‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نقلب‏ ‏فى “‏دفاترنا‏” ‏القديمة‏، ‏فنكشف‏ ‏البدايات‏ ‏التى ‏لم‏ ‏تكتمل‏، ‏فنراجع‏، ‏ونعدل‏، ‏ونحاول‏ ‏أن‏ ‏نواصل‏ ‏ما‏ ‏يتناسب‏ ‏مع‏ ‏خط‏ ‏المجلة‏ ‏الجديد‏، ‏فوجدنا‏ ‏بين‏ ‏ذلك‏ ‏هذا‏ ‏الباب‏ ‏الذى ‏صدر‏ ‏منتظما‏ ‏من‏ ‏أكتوبر‏ 1980 ‏حتى ‏يناير‏ 1982، ‏ثم‏ ‏توقف‏ ‏فجأة‏، ‏منذ‏ ‏عدد‏ ‏أبريل‏ 1982 ‏حين‏ ‏طالبنا‏ ‏باعادة‏ ‏النظر‏، ‏ورأى ‏القراء‏، ‏وكان‏ ‏التساؤل‏ ‏الذى ‏طرحناه‏ ‏على ‏القراء‏ ‏أملا‏ ‏فى ‏مشاركة‏، ‏يتضمن‏:‏

‏1 – ‏هل‏ ‏تفضل‏ ‏أن‏ ‏نقدم‏ ‏حالة‏ ‏واحدة‏ ‏قصيرة‏ ‏كاملة‏ ‏فى ‏كل‏ ‏عدد؟

‏2 – ‏أم‏ ‏لا‏ ‏نقدم‏ ‏حالة‏ ‏أصلا؟

‏3 – ‏أم‏ ‏نستمر‏ ‏هكذا‏ – ‏كما‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏نشرنا‏ – ‏بتفصيل‏ ‏وتسلسل‏ (‏واستطراد‏)، ‏مهما‏ ‏طالت‏ ‏الحالة‏ ‏لأكثر‏ ‏من‏ ‏عدد؟‏ ‏ولم‏ ‏يصلنا‏ ‏رد‏ – ‏كالعادة‏ -(!)‏

فتوقفنا‏، ‏كالعادة‏ (!!!!!)‏

ولا‏ ‏أزعم‏ ‏هنا‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏مرتبط‏ ‏بذاك‏، ‏وبالتالي‏، ‏فلا‏ ‏نلوم‏ ‏القراء‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏نعتذر‏ ‏لهم‏ ‏ونحن‏ ‏نعود‏ ‏لنفتح‏ ‏بابا‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏ليغلق‏ ‏لولا‏ ‏تذبذب‏ ‏المسار‏ ‏وقصور‏ ‏الالتزام‏، ‏فنطلب‏ ‏السماح‏، ‏ونصر‏ ‏على ‏الحوار‏، ‏لعل‏.‏

ثانيا‏: ‏ملخص‏ ‏ما‏ ‏نشر‏:‏

وحتى ‏يقبلنا‏ ‏القارئ‏ ‏بأى ‏درجة‏، ‏ولأن‏ ‏الحالة‏(‏الحالات‏) ‏التى ‏بدأناها‏ ‏لم‏ ‏تكتمل‏، ‏فسوف‏ ‏نقدم‏ ‏موجزا‏ ‏لما‏ ‏نشر‏ ‏بشئ‏ ‏من‏ ‏التفصيل‏ ‏حتى ‏نواصل‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏بالترابط‏ ‏الممكن‏.‏

الحلقة‏ ‏الأولى:(‏عدد‏ ‏أكتوبر‏ 1980)‏

وفيها‏ ‏قدمنا‏ ‏فكرة‏ ‏هذا‏ ‏الباب‏: ‏آملين‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏( ‏فقط‏) ‏وصف‏ ‏حالة‏، ‏أو‏ ‏تقرير‏ ‏حالة‏، ‏ولكنه‏(‏أساس‏) ‏معايشة‏ ‏أحوال‏.‏

والحالة‏ ‏التى ‏نقدمها‏ ‏كبداية‏ ‏هى ‏حالة‏ ‏أسرة‏ ‏متوسطة‏ ‏أصيب‏ ‏آربعة‏ ‏أخوة‏ ‏منها‏ ‏بأمراض‏ ‏عقلية‏ ‏شديدة‏، ‏والأخوان‏ ‏الأوسطان‏ ‏هما‏ ‏توأمان‏ ‏متماثلان‏.‏

وقد‏ ‏أمكن‏ ‏بحث‏ ‏هذه‏ ‏الحالات‏ ،‏تتبعها‏ – ‏بدرجة‏ ‏ما‏ – ‏لأكثر‏ ‏من‏ ‏عشرين‏ ‏عاما‏، ‏كما‏ ‏أمكن‏ ‏اجراء‏ ‏بعض‏ ‏الفحوص‏ ‏المعلمية‏ ‏النفسية‏ ‏على ‏أغلب‏ ‏أفراد‏ ‏الأسرة‏ ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏غير‏ ‏المرضي‏.‏

الحلقة‏ ‏الثانية‏: (‏عدد‏ ‏يناير‏ 1981)‏

قدمنا‏ ‏الجو‏ ‏الأسرى ‏العام‏، ‏وأسميناه‏ ‏الأرضية‏، ‏كما‏ ‏قدمنا‏ ‏التاريخ‏ ‏العائلى ‏حيث‏ ‏تبين‏ ‏لنا‏ ‏أنه‏ ‏آيجابى ‏رغم‏ ‏انكار‏ ‏مرض‏ ‏الأقارب‏ ‏فى ‏البداية‏، ‏ودرسنا‏ ‏شخصية‏ ‏الوالد‏ ‏أساسا‏ ‏رغم‏ ‏اختلاف‏ ‏وصفها‏ ‏من‏ ‏سائر‏ ‏الأخوة‏، ‏وكذا‏ ‏حسب‏ ‏تاريخ‏ ‏الوصف‏ (‏قبل‏ ‏أو‏ ‏بعد‏ ‏وفاة‏ ‏الوالد‏)، ‏وقد‏ ‏بدا‏ ‏لنا‏ ‏الوالد‏ ‏ضابط‏ ‏بوليس‏ ‏متوسط‏ ‏الرتبة‏، ‏طيب‏ ‏النية‏، ‏متناقض‏ ‏التصرفات‏، ‏ضحل‏ ‏التفاعل‏ ‏الوجدانى (‏ظاهريا‏ ‏على ‏الأقل‏) ‏تزوج‏ ‏مرتين‏ (‏غير‏ ‏الأم‏) ‏ولم‏ ‏يستمر‏، و ‏آخر‏ ‏زيجة‏ ‏كانت‏ ‏من‏ ‏فتاة‏ ‏صغيرة‏ – ‏وقد‏ ‏تناولنا‏ ‏شخصية‏ ‏الأم‏ ‏بدرجة‏ ‏أكثر‏ ‏ايجازا‏ ‏فهى: (‏ست‏ ‏بيت‏) ‏أقرب‏ ‏الى ‏السلبية‏، ‏فى  ‏صراع‏ ‏مع‏ ‏العمة‏ ‏المطلقة‏ ‏التى ‏تقيم‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏المنزل‏، ‏سقطت‏ ‏من‏ ‏النافذة‏ ‏سنة‏ 52، ‏وأصيبت‏ ‏اصابات‏ ‏طفيفة‏ ‏لم‏ ‏نتبين‏ ‏علاقتها‏ ‏بتغير‏ ‏طارئ‏ ‏ظهر‏ ‏فى ‏ما‏ ‏قرره‏ ‏المحيطون‏ ‏من‏ ‏أنها‏ ‏أن‏ ‏تعد‏ ‏هادئة‏، ‏وقدرنا‏ ‏أنها‏ ” ‏لم‏ ‏تختبر‏”، ‏فلم‏ ‏تمرض‏ ‏مرضا‏ ‏صريحا‏، ‏أما‏ ‏الأخت‏ “‏زهرة‏” ‏فجاء‏ ‏ترتيبها‏ ‏بعد‏ ‏الأخ‏ ‏الأكبر‏ ‏وقبل‏ ‏التوأمين‏ ‏وظلت‏ ‏بدون‏ ‏زواج‏ ‏حتى ‏آخر‏ ‏مشاهدة‏(1980) (‏أى ‏حتى ‏سن‏ ‏السادسة‏ ‏والثلاثين‏) ‏وقامت‏ ‏بدور‏ ‏الراعية‏ ‏لأخواتها‏ ‏المرضي‏، ‏حتى ‏الأخ‏ ‏الأصغر‏، ‏وشككنا‏ ‏فى ‏سبب‏ ‏عدم‏ ‏زواجها‏.. ‏وعملها‏ ‏المتقطع‏ ‏جدا‏ ‏لدرجة‏ ‏البطالة‏ ‏الحقيقية‏.‏

الحلقة‏ ‏الثالثة‏ ‏الى ‏الخامسة‏: (‏زهران‏) ‏التوأم‏ (1) ‏أعداد‏ ‏أبريل‏ – ‏يوليو‏ – ‏أكتوبر‏ 1981)‏

فى ‏هذه‏ ‏الحلقات‏ ‏الثلاث‏ ‏عرضنا‏ ‏ما‏ ‏تيسر‏ ‏من‏ ‏حالة‏( ‏وبعض‏ ‏أحوال‏) ‏زهران‏، ‏التوأم‏، ‏فأشرنا‏ ‏الى ‏دخوله‏ ‏المستشفي‏( ‏قصر‏ ‏العيني‏) ‏سنة‏ 1960 ‏حيث‏ كان أخوه زاهر قد سبقه الى القسم الداخلى بالقصر العينى، وكانت حجة ‏أبيه‏ ‏فى ‏ادخاله‏ ‏الى ‏القسم‏ ‏الداخلى ‏أن‏:” ‏أخوه‏ ‏وحشه‏). ‏ثم‏ ‏ظهرت‏ ‏درجة‏ ‏التفكك‏ ‏والتبلد‏ ‏الأخطر‏ ‏من‏ ‏أخيه‏، ‏وناقشنا‏ ‏دور‏ (‏الصنو‏) ‏فى ‏التربية‏، ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏الصنو‏ ‏توأما‏ ‏أم‏ ‏أخا‏ ‏أم‏ ‏صديقا‏، ‏وكيف‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يتحدا‏ ‏فى ‏ذات‏ ‏واحدة‏ ‏ثم‏ ‏تنشأ‏ ‏المشاكل‏ ‏المرضية‏ ‏عند‏ ‏الانفصال‏ ‏الواجب‏ ‏والحتمي‏، ‏وكذلك‏ ‏بينا‏  ‏كيف‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تغنى ‏الأسرة‏ ‏عما‏ ‏عداها‏، ،‏كم‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏من‏ ‏خطر‏ ‏اذا‏ ‏كانت‏ ‏العلاقات‏ ‏الأسرية‏ ‏مبنية‏ ‏على ” ‏عدم‏ ‏الأمان‏” ‏بدرجة‏ ‏خطرة‏، ‏وفى ‏استعراضنا‏ ‏للتاريخ‏ ‏الجنسى ‏منذ‏ ‏الطفولة‏ ‏ووفرة‏ ‏الخبرات‏ ‏وتنوعها‏ ‏جنبا‏ ‏الى ‏جنب‏ ‏مع‏ ‏الالتزام‏ ‏الدينى ‏حاولنا‏ ‏أن‏ ‏نكشف‏ ‏بعض‏ ‏سوء‏ ‏الفهم‏ ‏حول‏ ‏هاتين‏ ‏المنطقتين‏، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏نبهنا‏ ‏الى ‏أننا‏ ‏لا‏ ‏نعرف‏ ‏التاريخ‏ ‏الجنسى ‏للمرضى ‏هو‏ ‏الغريب‏ ‏أو‏ ‏الشاذ‏، ‏وأخيرا‏ ‏فقد‏ ‏ظهر‏ ‏فى ‏أعراض‏ ‏زهران‏ ‏ما‏ ‏يؤكد‏ ‏فقدان‏ ‏الحاجز‏ ‏بين‏ ‏الذات‏ ‏والخارج‏، ‏وشفافية‏ ‏وتهتك‏ ‏حدود‏ ‏الذات‏ ‏بما‏ ‏سمح‏ ‏بقراءة‏ ‏أفكاره‏، ‏وأختلال‏ ‏تمثيل‏ (‏لا‏ ‏صورة‏) ‏جسده‏، ‏بما‏ ‏يمثله‏ ‏فى ‏تركيب‏ ‏المخ‏ ‏المقابل‏.‏

الحلقة‏ ‏السادسة‏: (‏زاهر‏:(‏التوأم‏(2) (‏عدد‏ ‏يناير‏ 1982)‏

فى ‏هذه‏ ‏الحلقة‏، ‏بدأنا‏ ‏فى ‏تقديم‏ ‏حالة‏ ‏زاهر‏، ‏التوأم‏(2)، ‏وقد‏ ‏ظهر‏ ‏من‏ ‏حالته‏ – ‏بالمقارنة‏ ‏بحالة‏ ‏زهران‏ – ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏أكثر‏ ‏تماسكا‏، ‏وأكثر‏ ‏حضورا‏، ‏وأكثر‏ ‏دفئا‏، ‏وأقل‏ ‏تفككا‏، ‏وأخف‏ ‏دما‏( ‏أقل‏ ‏تبلداً‏) – ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏تشابه‏ ‏التشخيص‏ ‏فى ‏الحالتين‏، ‏وقد‏ ‏كان‏ ‏التركيز‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الاختلافات‏ ‏هو‏ ‏هدفنا‏ ‏لاثبات‏ ‏أن‏ ‏اللافتة‏ ‏التشخيصية‏ ‏تحت‏ ‏فئة‏ ‏بذاتها‏، ‏ليست‏ ‏هى ‏القول‏ ‏الفصل‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏ما‏.‏

ثالثا‏: – ‏الحلقة‏ ‏السابعة‏: (‏هذه‏ ‏الحلقة‏)‏

ومع‏ ‏عودتنا‏ – ‏بعد‏ ‏الاعتذار‏ ‏الواجب‏ – ‏سوف‏ ‏ننهى ‏فى ‏هذه‏ ‏الحلقة‏ ‏عرض‏ ‏حالة‏ ‏وأحوال‏ ‏هذه‏ ‏الأسرة‏ ‏مهما‏ ‏كلفنا‏ ‏الأمر‏، ‏حتى ‏نعاود‏ ‏من‏ ‏جديد‏ ‏الانتظام‏ ‏فى ‏تقديم‏ ‏الحالات‏ ‏مكتملة‏ (‏حالة‏ ‏فى ‏كل‏ ‏عدد‏) ‏رغبة‏ ‏منا‏ ‏فى ‏استعادة‏ ‏ثقة‏ ‏القارئ‏، ‏واحياء‏ ‏هذا‏ ‏الباب‏ (‏وأبواب‏ ‏أخري‏).‏

وحتى ‏نلم‏ ‏أطراف‏ ‏الموضوع‏ ‏جميعه‏، ‏سوف‏ ‏نقدم‏ ‏جدولا‏ ‏موجزا‏ ‏لحالة‏ ‏أفراد‏ ‏هذه‏ ‏الأسرة‏ ‏مجتمعة‏، ‏حتى ‏يتسنى ‏للقارئ‏ ‏أن‏ ‏يربط‏ ‏بين‏ ‏ما‏ ‏سبق‏ ‏نشره‏ ‏وما‏ ‏سوف‏ ‏نعرضه‏ ‏الآن‏.‏

والمغزى ‏العام‏ ‏الذى ‏نعرض‏ ‏هذا‏ ‏الجدول‏ ‏لاظهاره‏:‏

‏1 – ‏تنوع‏ ‏أشكال‏ ‏ظهور‏ ‏المرض‏ ‏بتنوع‏ ‏ظروف‏ ‏وترتيب‏ ‏أفراد‏ ‏الأسرة‏: ‏يشير‏ ‏الى ‏تنوع‏ ‏العوامل‏ ‏المسئولة‏ ‏وعدم‏ ‏التطابق‏ ‏حتى ‏فى ‏القوائم‏ ‏المتماثلة‏.‏

‏2 – ‏تحوير‏ ‏مسار‏ ‏المرض‏، ‏تكرار‏ ‏ظهوره‏ ‏أما‏ ‏دوريا‏ periodic ‏أو‏ ‏متفترا‏intermittent ‏يؤكد‏ ‏نوابية‏ ‏المرض‏ ‏النفسي‏.‏

‏3 – ‏تغير‏ ‏صورة‏ ‏المرض‏ ‏اكلينيكيا‏ ‏عبر‏ ‏المسار‏ ‏الطولى ‏يشير‏ ‏الى ‏تداخل‏ ‏فئات‏ ‏المرض‏ ‏التشخيصية‏، ‏وقد‏ ‏يرجح‏ ‏وحدة‏ ‏المنبع‏.‏

‏4 – ‏رغم‏ ‏خطورة‏ ‏هذه‏ ‏الأمراض‏ ‏جميعا‏، ‏وتكرر‏ ‏الدخول‏ ‏الى ‏المستشفيات‏ ‏العقلية‏، ‏فالجميع‏ ‏يمارس‏ ‏عملا‏ ‏ما‏، ‏ويتكيف‏ – ‏حتى ‏مع‏ ‏الأسرة‏ – ‏بدرجة‏ ‏ما‏.‏

‏5 – ‏رغم‏ أن‏ ‏مسئولية‏ ‏الوراثة‏ ‏ظاهرة‏ ‏الا‏ ‏أن‏ ‏ظروف‏ ‏الأسرة‏ ‏المصرية‏ ‏المتوسطة‏ (‏وكذا‏ ‏العلاقات‏ ‏البرجوازية‏) ‏تحتاج‏ ‏الى ‏نظرة‏ ‏فاحصة‏ ‏فى ‏تضافرها‏ ‏مع‏ ‏التهيؤ‏ ‏للمرض‏.‏

جدول (1) موجز لمعالم عامة يعين فى تتبع السرد

الاسم زهير(الأخ الأكبر) زهران(تؤام 1) زاهر (تؤام 2) زهر (الأخ الأصغر)
السن عند بداية الدارسة 18.5 14.5 14.5 8
وقت كتابة الدراسة 40 36 36 29.5
شكل بداية المرض تهيج فى أرضية اكتئابية (مع تماسك ظاهر شديد) تفكك وتغير نوعى فى الادراك وبلادة وخمول وفرط نوم تفكك أقل واضطراب وجدانى أكثر ودرجة من حرارة التواصل اعتقادات (ضلالات) اضطهادية، وهلوسات وتفكك متوسط
العامل المسبب فى النوبة الأولى قصة حب / احباط (+_) غير واضح غير واضح صوت الأب
العلاج الأولى صدمة الانسولين عدد 50 سنة 59 / 60 صدمة الانسولين عدد 50 سنة 59 / 60 صدمة الانسولين 59 / 60 عقاقير من نوع المهدئات العظيمة (منظمات فيزيائية)
مسار الحالة نوبات متكررة / هوسية فى الأغلب/ رصدت حدتها الخطرة مرتين حينما دخل الخانكة مرة والعباسية مرة. نوبات متفترة/ تفككية فى الأغلب/ مستشفى القصر العينى سنوات 65،64،63،62،61،60،59، ثم العباسية 66، ثم قصر العينى 67، 69، 77 نوبات متكررة/ مختلطة/ دخل خلالها مستشفيات عقلية عامة وخاصة بالأضافة لدخوله قصر العينى فى بداية المرض(لم يمكن تحديد الأماكن والنوبات ولكنه حجز فى العباسية خمس مرات وكانت النوبات تخصيصا)59/60/61/63/64/65 /66/73/80 نوبات متفترة/ تترواح مابين التفكك والتنشيط الوجدانىوالتهيج الحركى، لم نجد تواريخ دخوله المستشفيات تحديدا لكن الثابت أنه دخل مستشفى القصر العينى ثلاث مرات والعباسية ثلاث مرات ،فضلا عن النوبة الأخيرة(80) قصر العينى
مآل الحالة حتى تاريخه (سنة 1980) (تحسن وتخرج وتزوج مع بقايا مصادمات فى العمل اساساً) (هدأ لم يتم تعليمه الجامعى، تزوج وله بنت، وزواجه مهدد) (أكمل تعليمه الجامعى تزوج وطلق –يعمل، ويعالج حتى تاريخ الدراسة) (يعمل بانتظام نسبى – لم يتزوج)
التشخيص الأول هوس فصام تفسخى (هيبفرينى) فصام وجدانى (هوس) فصام مزمن غير متميز
التشخيصات اللاحقة وتبدل الأطوار هوس مختلط – اكتئاب مختلط هوس بارنوى المحتوى. فصام بارنوى – فصام غير متميز – فصام تفسخى محدود ذهان دورى – فصام وجدانى، فصام بارنوى، هوس غير نموذجى هوس مختلط، فصام وجدانى، هوس.
الريح العام: السيطرة / الحضور / التعويض (المرضى) البرود، البلادة، قحة النكوص، ثقل الدم الطيبة، الدفء، التجاوب التقلب، الضحالة، الاعتمادية
المغزى الخاص: 1- فرط التعويض لا يفيد

2- العوان يقاوم التفكك

3- الاكتئاب ظاهر جاهز

1- الانسحاب خطير

2- اللامبالاه تحمى من الاقتراب من الآخر

3- التفترا خفى من الدورية

1- الفصام قد يكون دوريا

2- العلاقة وثيقة بين أنواع الذهان وقد تتبادل الأنواع

3- الحرارة الوجدانية تؤجل التدهور

1- حيوية الطفولة الباكرة لا تحمى صاحبها

2-الأخت الأم (لم تتزوج) تفرط فى الحماية حى الأعاقة

3- التفكك يتم بلا معركة مواجهة

زاهر‏ (2) (‏تكملة‏)‏

كان‏ ‏زاهر‏ ‏يشكو‏ ‏من‏ ‏أعراض‏ ‏تبدو‏ ” ‏عابرة‏ ” (‏انصرفت‏ ‏عن‏ ‏المذاكرة‏ – ‏متضايق‏/‏الحلقة السابقة‏)- ‏لكنه‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏كان‏ ‏ينسحب‏ ‏من‏ ‏العالم‏ ‏الواقعى (‏كنت‏ ‏عاوز‏ ‏أقعد‏ ‏لوحدى ‏وما‏ ‏كلمش‏ ‏حد‏) ‏ثم‏ ‏يضحك‏ ‏لنفسه‏، ‏أو‏ ‏فى ‏نفسه‏ (‏مما‏ ‏يسمى ‏ابتسامة‏ ‏خاصة‏ ‏فاترة‏ facile smile)، ‏ويتوقف‏ ‏تفكيره‏ ‏فى ‏عرقلة‏ ‏غير‏ ‏مفسرة‏، ‏وأخيرا‏ ‏فهو‏ ‏يسمع‏ ‏أصواتا‏ ‏يعلم‏ ‏أحيانا‏ ‏أنها‏ ‏غير‏ ‏واقعية‏، ‏لكنه‏ ‏يسمعها‏، ‏وقد‏ ‏أشارت‏ ‏هذه‏ ‏الأغراض‏ ‏الى ‏التفكك‏ ‏الفصامى ‏المرجح‏ ‏مثل‏ ‏توأمه‏، ‏الا‏ ‏أنه‏ ‏تميز‏ ‏عن‏ ‏توأمه‏ ‏تحديدا‏ ‏فى:‏

أولا‏: ‏كان‏ ” ‏أخف‏ ‏دما‏ ” ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏سبق‏ ‏ذكره‏، ‏وهو‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏قاله‏ ‏الطبيب‏ ‏المعالج‏ ‏وهيئة‏ ‏التمريض‏ ‏ثم‏ ‏المرضى ‏دون‏ ‏استثناء‏، ‏ويبدو‏ ‏أن‏ ‏الذى ‏كان‏ ‏يؤكد‏ ‏هذه‏ ‏الصفة‏ ‏هو‏ ‏وجوده‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏مع‏ ‏توأمه‏ ‏ذى ‏الحضور‏ ‏الثقيل‏ ‏تماما‏، ‏وكان‏ ‏هذا‏ ‏الفرق‏ ‏يصبغ‏ ‏نفس‏ ‏الأعراض‏، ‏أو‏ ‏نفس‏ ‏الظاهرة‏، ‏فقد‏ ‏كان‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏الكف‏inhibition  ([1]) ‏والكبتrepession ‏ ([2])  ‏فى ‏أضعف‏ ‏حالاتهما‏ ‏عند‏ ‏الاثنين‏.

لكن زهران كان اذا تكلم مثلا عن دفعاته الجنسية، كان كأنما يعرى حيوانية قحة ذات معالم فجة بلا أدنى أحساس أو حتى لذة، حتى أنه كان يمارس العادة السرية فى قحة علنية مقززة، أما زاهر فكان يتحدث عن تهيجه واندفاعه جنسيا وحتى تعريه بصورة فيها رغبة وانطلاقه – كذلك كانت ضحكة  زهران الفاترة تبدو غائرة ساخرة شديدة الخصوصية وكأنها فلتت منه بلا غاية، أما ضحكة زاهر، رغم فتورها وعدم ارتباطها بظاهر الواقع أو السلوك الآخر ايضا، فكانت تبدو وكأنها تصاحب فرحة صاحبها بشئ ما لا نعمله ورغم أنه ثبت فى أوراق الاثنين هذا العرض الذى يسمى “البسمة الفاترة”Facile smile الا أن الفرق نوعيا كان له هذه الدلالة التى نحاول تأكيدها هنا([3]).

ونحن بهذا نحاول أن نشير الى انه لا يكفى “رصد” “أسماء” الأعراض (ودمتم) بل ينبغى الانتقال الى وصف الاختلافات النوعية والمصاحبة رغم الأسماء أو اللافتات المتشابهة، وعلينا أن نتذكر مثل ذلك (ما أمكن) فى الدراسات المقارنة التى تعتمد عادة: أساسا، بل تماما، على رصد الأعراض بأسمائها فحسب.

وكذلك فقد لاحظنا أن زاهر (مريضنا هنا) كان أكثر نشاطا، وبالتالى أكثر عدوانية وخاصة حين يصطدم بآخر يعيقه، وكل هذا يشير الى ان جرعة الاضطراب الانفعالى كانت أكبر من مثيلتها عند توأمه، وبالتالى فأنها – رغم كونها اضطرابا أيضا – تعتبر ذات فضل فى التماسك النسبى، ودفء الحضور(وخفة الدم) كما ذكرنا.

***

ولم يكن لدينا بعد المقابلة الأولى (ديسمبر 1959) كلاما مباشرا من هذا المريض، إلا أننا راجعنا أوراق توأمه سنة 1978 وأخيه الأصغر سنة 1980 فوجدنا ما يلى:

1- فى أوراق التوأم زهران (1978):

(أ) من كلام الشقيقة زهرة

“…. زاهر لما يعيا: يبقى صعب أكثر من زهران… يقرأ فى القرآن، ويدروش قوى، لدرجة يقول أنا نبى، ربنا بعتنى من السما، ويتهيج، وكان حصل اعتداء على والدته، كان عايز يضربها بالسكينة”.

ويبدو من هذا المقتطف حدة المرض ونشاطه من ناحية، وكذلك ضلالات – مع مشاعر- العظمة (أنا نبى) أكثر مما يظهر التفكك، كذلك فأن العدوان هنا يساير الاضطراب الانفعالى أكثر، وينبغى أن نتريث قليلا أمام حكاية العدوان على الأم بوجه خاص، والذى تكرر فى هذه الأسرة بالرغم من (أ) طيبة الأم وسلبيتها بصفة عامة (وخاصة بالمقارنة بالأب) –(ب) كذلك بالرغم من تنوع الأمراض، وأشكال الأطوار ونحن لا نحب بهذا الصدد أن نختزل الأمر الى تفسير واحد (تحليلى أو خلافه) فنضع تصورنا فى احتمالات قد يرجح احداها، أو يتضفر أكثر من واحد منها فى تفسير هذه الظاهرة ( خاصة هنا فى هذه الأسرة)

1- قفد يكون هذا العدوان احتجاجا على سلبيتها (سواء لاعلان ما يعانونه من حاجة الى ام قوية ذات موقف وليس مجرد وجود ساكن، أو كان اعلانا عن أن سلبيتها هى المثير لتمادى قهر وطغيان الأب).

2- وقد يكون هذا العدوان بديلا عن نزعات جنسية (أوديبية المنشأ).

3- وقد يكون هذا العدوان بمثابة صرخة استغاثة، واحتجاج على عدم الاستجابة لهذه الصرخة، بما هى.

وعلينا أن ننتبه فى هذا الصدد الى أن شخص المعتدى عليه، ودوره فى سيكوباثولوجية المرضى، له دلالة خاصة تماما، ولا يصح أن نرضى بتسجيل العدوان هكذا عشوائيا (اللهم الا اذا ثبت أنه عشوائى فعلا وتماما)- وأنما ينبغى أن نتحرى هدفه،ودلالة هذا الهدف، فاذا تكرر من أكثر من مريض فى نفس الأسرة نحو نفس الهدف، فان هذا المعتدى عليه يعنى للأفراد المرضى استهدافا خاصا ينبغى فحصه.

(ب) من كلام الشقيقة زهرة أيضا (1978)

“أعراض مرضه أنطواء على النفس وميول عدوانية، عنده فصام ذهنى”

ونلاحظ هنا ما قد يتبادر الى ذهن الشخص العام من عدم التناسب بين ما هو انطواء، وما عدوان، فنشير الى أن هذه الحركة البندولية هى متواترة، وذات، لدرجة أن مجرد الانطواء قد يجدر بنا اعتباره عدوانا معكوسا، أو على الأقل كف العدوان بنقيضه (المساوى له فى النهاية).

ثم يأتى بعد ذلك موقفنا من حرص الأهلى على معرفة اسم المرض، وهذا فى حد ذاته قد يكون (أ) بلا فائدة. أو، (ب) قد يكون ضارا فى مسار التعاون للعلاج، أو حتى (جـ) ميئسا من الشفاء، أو (د) مشيرا الى ما ليس هو (مثل أن يتصور الأهل أن انفصام الشخصية هو ازدواج أو ان مجرد تقلب المزاج من النقيض الى النقيض هو ما يفيده الفصام … الخ) – واخيرا (هـ) قد يؤثر على التشخيص اللاحق، اذا تلقاه الطبيب (الفاحص) التالى بديلا عن الشكوى الجدية، حين يكتفى الأهل بذكره دون الشكوى الجديدة.

وقد لاحظنا فى هذه الأسرة كيف أن مجرد تسمية المرض بنفس الأسم. (حتى فى التوائم المتشابهة) لا يعنى بالضرورة مفس الريح العام، أم المسار، أو المضاعفات، كما لاحظنا كيف يتغير المرض من مرحلة الى مرحلة بحيث لا يصح أن يلزم تشخيص لاحق بتشخيص سابق، الا بعد فحص تأكدى متأن.

2- ورد فى اوراق “زهر” (1980) عن هذا التوأم زاهر من الشقيقة زهيرة (ايضا):

(أ) انحجز فى العباسية 5 مرات وفى بهمان مرتين.

(ب) يقول أن اللاسكلى مراقبنى – ولو كنت باعمل حاجة بالمقص يقول بتعاكسينى بالمقص.

فنرى هنا أن المرض تكرر بتواتر ملحوظ، وبحدة شديدة لدرجة الاضطرار الى حجزه بالعباسية أو مستشفى خاص، كما نلاحظ ترابط الضلالات المراقبية مع التأويل الضلالى حتى لحركة عابرة عادية (مجرد استعمال المقص، مع احتمال أن يكون المقص بالذات لد دلالة باعتباره آلة حادة خطرة، أو قد يحلو للتحليليين أن يعتبروا هذه الحركة بمثابةالتهديد بالخصاء أو ما شابه، ورغم أن فى عقدة الخصاءيكون الأب هو مصدر هذا التهديد، الا أننا ما أدرانا ما هو دور هذه الشقيقة فى نفسية أخوتها وخاصة بعد وفاة الوالد(قبل أثنى عشر عاما)، ثم الأم (قبل خمسة أعوام) – وهى مازالت متفرغة لرعاية هذه الفرقة من المرضى – فدرو الأب ليس يأتى بالضرورة من الأب الغعلى تحديدا، وليس بالضرورة أن يقوم به ذكر، فثمة امرأة طاغية تصيب زوجها بالعنة، يقال لها “خاصية”Castrating “

(مازال الكلام على لسان زهيرة) 1980

” يقول عنده سرطان فى الرئة، سارح على المخ، وانسداد فى شرابين القلب، وضلع مكسور”

وعادة ما يأخذ الناس – والأخصائيون – هذه الضلالات الجسدية والحشوية باعتبار أنها أوهاوم دالة على اضطراب تفكير بصفة عامة لكن ثمة احتمالات عديدة، فى مثل هذه الحالات النشطة، مما يجدر معه الاهتمام بما قد تعنيه هذه الاختيارات الخاصة لهذه الاأعضاء الخاصة، وهذه الأأمراض الخاصة، بمعنى أنها قد تكون لها دلالات رمزية، مما يحتاج الى استقصاء من مداخل أخرى مع المريض وأهله، بطريق غير مباشر بداهة.

فمثلا: اذا حاولنا ترجمة هذه العبارات لوجدنا – افتراضا- مايلى:

1- أن السرطان أنما يشير خاصة الى النمو الخبيث غير المحدود بقوانين الجسد اللامة فى تشكيل مناسب، وأنه أيضا اعلان عن الدمار الآكل الزاحف حتى الموت.

وهذا بعض معالم المرض العقلى بما يعنيه استقلال بعض تنظيمات المخ وانطلاقها على حساب الأخرى، وعلى حساب الواحدية فى اتجاه خدمة ارادة التدهور (= غريزة الموت).

2- أن الرئة – بوجه خاص – هى العضو الذى يؤكد الحياة، وبالذات: الحياة بما هى أخذ وعطاء (شهيق وزفير) وبما هى علاقة بالعالم الخارجى (حيث الهواء) فالداخلى (حيث التبادل)……. الخ.

فالنمو المستقل / الجسم الغريب / الخبيث: أنما يتركز على (أو هو ينطلق من) عضو الحياة هذا.

3- ان سرحان (انتشار) هذا النمو من الرئة (عضو الحياة) الى المخ عضو العقل / النفس، هو من قبيل علاقة الحياة (بما هى حياة)، بالوظائف العليا، بحيث اذا ضرب الموقف الحياتى ابتداء، فان المخ (عضو العقل) لابد سائر فى اتجاه تفسخى تدهورى تال أو مواز.

4- أما انسداد شرابين القلب، فلم لا يكون الرمز لما هو انغلاق مسام المشاعر، أو ما يسمى بانعدام الرنين الوجدانى، بما يترتب عليه من تلبد وفقد العواطف؟

5- وأخيرا فكسر الضلع له عدة احتمالات منها (أ) هذه العلاقة المباشرة بين ما هو قلب وما هو صدر واضلاع (أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور)،(ب) كسر حاجز الذات (جـ) كسر ضلع يخرج منه ذاته الأنثوية (حواء) ففى الذهان عامة، وفى الفصام خاصة، ثد يبلغ تعرى اللاشعور الى اقتراب القرين من الجنس الآخر (أنيما يونج)([4]) من سطح الشعور أو قد يظهر صريحا فى شكل أعراض تغير الجنس.

ولا أزعم أن كل ذلك هو ذاك، وأنما أقول أن هذه بدايات فروض، يمكن أن نتحقق منها: بعضها أو كلها من خلال احترام كلام المريض قبل الاسراع بوصف كل ذلك بما يسمى “أعراض هيبوكندريا شاذة”، أو “ضلالات جسدية حشوية كيفما اتفق”، أو ما شابه.

(د) عن زهيرة وصفا لزاهر ايضا (1980)

* “يشرب العسل الأبيض فى الأول معلقتين وبعدين هب ست برطمانات – نعرف أن التعب حيبتدى”.

* “لما يكون تعبان يأكل طرشى كثير وفاكهة، خمسة كيلو”.

* “ساعات يستحمى خمس ست مرات فى اليوم الواحد”.

فتلاحظ هنا ظاهرة دالة، قد تحدث للشخص العادى بطريقة دورية أو متقطعة، ولكن بدرجة أخف، وأن كنا نحسب أنها قد تحمل نفس الدلالة، ودون الدخول ابتداء – هذه المرة – فى دلالات المحتوى نبدأ بأن نؤكد على أن هذه الاندفاعات المفرطة والفجائية هى فى واقع الأمر اعلان عن انقلاب ضبط الايقاع من تحت سيطرة التنظيم المعتاد، وقد تكون هذه  الاندفاعة (الى ما هو أكل أو اغتسال أو غير ذلك مثل ركوب سيارة والانطلاق بها مئات الكيلو مترات دون هدف محدد.. أو ما شابه) قد تكون هذه الاندفاعة الأمامية أو الحياتية هى الأعلان الضمنى على يقظة القوى المضادة جاذبة الى اندفاعية خلفية تدهورية مواتية (بفتح الميم)، أما محتوى الاندفاعة هنا فقد يكون له دلالة خاصة، وقد لا يكون، فقد يكون العسل الأبيض بالذات هو رمز صيحة الاستغاثة نحو الصحة (أو الشفاء) – (فيه شفاء للناس) – وقد يكون  فى التبادل بين ما هو طرشى وما هو فاكهة (وكلاهما يؤكل هنا التهاما مندفعا) هو اعلان التبادل بين ما هو  ملح حامض فى مقابل ماهو حلو سكرى، أو الأكثر دلالة بين  ما هو مخلل مختزن وما هو حى طازج، وأخيرا فأن الاستحمام هنا  لا يبدو – لى – مثلما هو الحال عند الوسواسى بمعنى أنه  رمز للتطهير فى مواجهة دنس داخلى، بقدر ما يبدو لى باعتباره  اندفاعة الى مصدر حياة يوقظ الحواس(وجعلنا من الماء كل شئ حى)…. وهكذا.

(هـ) وأخيرا: تقول الأخت أيضا (1980)

” ساعات يتعمق فى القرآن وساعات يقطع خالص،

– يرش ملح على السراير.

– ياخد الصابون ويأكله.

– يقف قدام تابلوهات الكانافا يرقص فى الضلمة، ويقول دى رياضة”.

وقد يبدو هذا المقتطف – وقد ورد بهذا التسلسل تقريبا – دالا على شدة الشذوذBizarreness ، ولسنا نعلم بأى مقياس نقيس ماهو شاذ وما هو طبيعى، وخليق بالفاحص أن يتأنى قبل مثل هذا الحكم بوجه خاص.

 ونقرأ فى هذا المقتطف ابتداء النقلات القصوى من طرف الى طرف ويظهر ذلك فيما هو متعلق هذه المرة بالدين،وكنت أحب أن استعمل تعبير “الغريزة الدينية” حتى أستطيع موازارة هذه الظاهرة بظاهرات سابقة مثل الاندفاع فى الأكل، مما يشير الى يقظة غرائز الحياة، ونقائصها، وذلك باعتبار الغريزة الريفية من غرائز الحياة التى تربط – مباشرة – بين الوجود البشرى وما بعده، (ثم يأتى التنظير الفكرى (الدينى) بعد ذلك يصيغ الأمر كما يشاء)، ولكنى أؤجل استعمال هذا التعبير حاليا حتى أوفيه حقه من تقديم، وأكتفى بأن أقول: أن هذه الاندفاعات الدينية وعسكها هى من أظهر دلالات بدايات الأمراض النفسية وأن قيمتها الدلالية هى فى معنى الاندفاع الى التمسك بما يسمك الحياة (وضد ذلك مما يساويه)، وفى نفس الوقت الاندفاع الى الأمل فى التواصل الى ما بعد الفرد، وهذا يناسب افتراض أن يقظة الداخل فى الذهان أنما تنشط “المستوى العام” للوجود قبل أن يتميز الى ” افراد” (ذوات مستقلة).

وقد تكون الاندفاعية الدينية الفجائية افراطا فى دفاعات هروبية ضد تحريك داخلى مهدد.

* أما رش الملح على السراير، فلم أجد له تفسيرا أو افتراضا قريبا منى حالا.

ثم يأتى أكل الصابون، مما قد يؤخذ رمزا لمحاولة تنظيف الداخل، أو لاحياء الوظيفة الفمية لالتهام غير الصالح للأكل([5]).

ثم نختم قرائتنا لأعراض هذه الحالة بهذه الصورة الدالة من وقوف زاهر أمام تابلوه الكانافا، راقصا، وفى الظلام، ثم مبادرته بتفسير ذلك بأنها “رياضة”، فأتذكر فأذكر مواكبة هذا التنشيط الفنى مع بدايات التنشيط الذهانى، وأتذكر فأذكر مواكبة هذا التنشيط الفنى مع بدايات التنشيط الذهانى، وأتذكر نسياننا لأجسادنا، على المكاتب، وأمام الكتب، وفوق المقاعد وتحت الأغطية، فنغترب عن أبداننا حتى ننساها، وأشير هنا – دون أى تفصيل – الى أن هذا الافتراض هو الذى يشرع لما يسمى العلاج بالرقص، ثم أنتبه لهذا الرقص (من زاهر)، أمام فن جميل (الكانافاه) فى السر (فى الظلام) – ثم الى مبادرته بشرحه على اعتبار أنه: رياضة،وكثيرا ما يأخذنا الذهانى “على قدر عقولنا” كما نتصور أننا نأخذه “على قدر عقله”، وشرح الذهانى لأعراضه ليست بالضرورة دليلا على انه “يخرف” أو انه معتقد بصحتها وأنما قد تكون استهتارا بنا، وبسطحية موقفنا المنطقى السطحى الخطى المحدود.

وبعــــــــــد

فبالرغم من حدة حالة زاهر بهذه الصورة، وبالرغم من مضاعفاتها المحتملة، فقد ظل” حضوره” يقظا، ودمه أخف/ وريحه هين، كما ظلت علاقاته حارة، وأن كانت شطحاته عنيفة ونافرة، وقد ترتب على حدة تقاباته أنه تزوج وطلق قبل مرور سنة، ثم عقد قرانه وطلق قبل الزواج، ثم خطب ثلاث مرات وفسخ، ذلك بالرغم من أن أخاه الأكثر تلبدا وأثقل ريحا قد تزوج وكان أكثر استقرار وأنجب بنتا، وقد يجعلنا هذا نراجع أنفسنا فى خطأ قد تقع فيه حين نستسهل “الجمع الاحصائى” العشوائى للتدليل على ان استمرار الزواج نجاح صحى، والعكس صحيح، باعتبار الأول دليل تكيف والعكس صحيح.

هكذا دون تمحيص، اذ يبدو أن قليلا من البلادة يصلح الزواج.

ثم ننتقل الى حالة الأخ الأكبر : زهير.

***

3 – زهير

الأخ الأكبر

دخل هذا الأخ الأكبر القسم الداخلى بقصر العينى([6]) وكان طالبا فى السنة الثانية بكلية الآداب، حيث بلغ عمره حينذاك 18 سنة، وكان نشطا لدرجة الهياج الحركى، لكنه كان متماسكا بلا شرور، حاضرا بلا برود، ولم نلمح فى مجمل سلوكه أو أعراضه أى درجة ملحوظة من تفكك أو تناثر، وحين سئل عن الشكوى – كالعادة “بتشتكى من ايه؟”.

1- باشتكى – فى الحقيقة – ” انى عايش”

………………

– ……………..

2- كل المشاكل اللى الواحد بيصادفها (لمجرد) أنه انسان يحتك بناس يخالفوه، منتهى الاختلاف فى العقيدة والمذهب والتفكير( لم نتبين بعد ذلك بطريق مباشر موقفه من العقيدة بشكلها التقليدى أو بما وصلته، كما لم نتبين اتجاها ايديولوجيا بذاته يفسر هذا الحسم فيما هو “اختلاف” وأن كنا لا نستعبد تفرده العميق فى فكره الخاص وحركته الصادقة فى اتجاه اعادة النظر فى كل المعطيات).

3- الخطورة عندى أنى باحاول طول الوقت أسيطر على أعصابى، خطر على نفسى وخطر على الناس (أنظر هنا الى درجة الوعى الفائق بالخطورة واتجاهاتها، ثم أنظر ما يتضمنه تعبيره من الانهاك الضمنى نتيجة فرط السيطرة الواعية مما يمكن أن نستنتج معه العلاقة بين “فرط السيطرة حتى الانهاك، وبين التهديد بخطر الانفجار”)

4-  شاعر طول الوقت أنى بره مكانى زى السمكة اللى بتطلع من البحر.

( وهنا يبدو التفرد مع الوحدة وقد بلغا أقصى مداهما، كما يبدو أن مريضنا يلتقط عمق قضيته وجوهر معاناته المرضية)

5- الأوضاع العامة (تاعبانى)، كون واحد يفرض نفسه على ناس بحكم مركزه، ده وضع لا اقبله

( ولم يفصح أكثر من  ذلك، وقد يعنى بهذا القول البعد الأسرى مشيرا الى الأب، أو قد يعنى بعدا موازيا على المستوى السياسى (لاحظ أن هذا الكلام كان سنة 1960) علما بأن أحد البعدين لا يلغى الآخر)

6- باضرب أخواتى جامد، لأن ده تعويض عن نقص وأنا صغير، لما ماما كانت بتضربنى بنفس القسوة ( هنا نلاحظ ونتذكر ونذكر:

(1) أن كلا من التوأمين كان قد اشتكى من ضرب هذا الأخ الأكبر له، ووصفه بنفس الصفة ” القسوة”.

(2) أن هذا الأخ الأكبر “زهير” كان يمارس رياضة كمال الأجسام ورفع الأثقال وغيرهما، كما كان من الوزن الثقيل، بحيث تصبح ثورته وضربه – من الناحية الجسيمة اليحته – خطرا وتصبح مقاومته – بدنيا – شبه مستحيلة.

(3) أن اعترافه بما يفعل، وشعوره بقسوته، وتفسيره لذلك (صح أم خطأ) لم تردعه عن مواصلة نفس السلوك.

 (4) ‏أن‏ ‏السبب‏ ‏الذى ‏قدمه‏ – ‏رغم‏ ‏وجاهته‏ – ‏ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏هو‏ ‏السبب‏ ‏الحقيقى، ‏وأن‏ ‏البحث‏ ‏واجب‏ ‏فى ‏أسباب‏ ‏مساعدة، ‏أو‏ ‏أسباب‏ ‏قبلية‏ ‏أو‏ ‏تضافر‏ ‏أسباب‏ ‏معا‏ ‏وتداخلها، ‏مع‏ ‏افتراض‏ ‏احتمال‏ ‏عكس‏ ‏ما‏ ‏يقول‏ ‏ضمن‏ ‏فروض‏ ‏البحث‏ – ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏التسليم‏ ‏لهذه‏ ‏التفسيرات‏ ‏المباشرة‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏بعيد‏ ‏عن‏ ‏العمق‏ ‏العلمى ‏الواجب‏.‏

‏(5) ‏أن‏ ‏القسوة‏ ‏التى ‏أعلنها‏ ‏من‏ ‏جانبه، ‏والتى ‏شكى ‏منها‏ ‏التوأمان‏ ‏من‏ ‏جانبهما، ‏قد‏ ‏تكون‏ ‏هى ‏المشكلة‏ ‏الحقيقية‏ ‏المسئولة‏ ‏عن‏ ‏أحداث‏ ‏الأذى ‏لدرجة‏ ‏مرضية، ‏وليس‏ ‏مجرد‏ ‏الضرب‏.‏

‏(6) ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏ينم‏ ‏الى ‏علمنا‏ ‏أنه‏ ‏ضرب‏ ‏أخاه‏ ‏الأصغر‏ (‏كان‏ ‏عمره‏ 8 ‏سنوات‏ ‏حينذاك‏) ‏أو‏ ‏شقيقته‏ (‏بينه‏ ‏وبين‏ ‏التوأمين‏) ‏مما‏ ‏يجعلنا‏ ‏نتصور‏ ‏أنه‏ ‏ما‏ ‏زال‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يكف‏ ‏نفسه‏ ‏عن‏ ‏الأضعف‏ ‏فالآضعف‏ – (‏الطفل، ‏والفتاة‏)، ‏أو‏ ‏أن‏ ‏شقيقيه‏ ‏التوأمين، ‏وقد‏ ‏ظهر‏ ‏المرض‏ ‏صريحا‏ ‏فى ‏سلوكهما‏ ‏قد‏ ‏أثارا‏ ‏داخله، ‏فأسقطه‏ ‏عليهما‏ ( ‏مرضا‏) ‏فأخذ‏ ‏يهاجم‏ ‏نفسه‏ (‏الأخرى) ‏فيهما‏…)‏

أما‏ ‏شكوى ‏الوالد، ‏فقد‏ ‏كانت‏ ‏حينذاك‏ (1960)‏

‏(- ‏حالة‏ ‏الولد‏ ‏النفسية‏ ‏زى ‏أخواته‏ ‏وألعن‏ – ‏آبتدأ‏ ‏يضطرب، ‏ويختل‏ ‏وعنده‏ ‏رغبة‏ ‏أنه‏ ‏ينتقم‏ ‏من‏ ‏أمه‏)‏

فهل‏ ‏حقيقة‏ ‏كانت‏ ‏حالة‏ ‏زهير‏ ‏ألعن‏ ‏من‏ ‏زاهر‏ ‏وزهران؟

وفى ‏ذلك‏ ‏نقول‏:‏

أولا‏: ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏شديد‏ ‏التماسك‏ ‏ظاهريا، ‏شديد‏ (‏الحضور‏) ‏شديد‏ ‏الفاعلية‏ ‏والفعل، ‏حاد‏ ‏الذكاء‏ ‏حاضر‏ ‏البديهة، ‏وبذلك‏ ‏كان‏ ‏أبعد‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏عن‏ ‏زهران‏ (‏الفاتر‏ ‏المفكك‏) ‏وأقرب‏ ‏نسبيا‏ ‏الى ‏زاهر‏ (‏الحار‏ ‏نسبيا، ‏والأخف‏ ‏ظلا‏) ‏فلماذا‏ ‏اعتبر‏ ‏الوالد‏ ‏حالته‏ (‏ألعن‏ ‏من‏ ‏أخواته‏)‏؟

أحسب‏ ‏أن‏ ‏الأهل‏ ‏يقيسون‏ ‏ما‏ ‏هو‏ (‏ألعن‏)، ‏وما‏ ‏هو‏ ‏أهون‏ ‏بالقدر‏ ‏الذى ‏يتلقون‏ ‏فيه‏ ‏عدوانية‏ ‏المريض، ‏وليس‏ ‏بالقدر‏ ‏الذى ‏تتدهور‏ ‏به‏ ‏حالة‏ ‏المريض‏.‏

وفى ‏الفترة‏ ‏الثانية‏ ‏من‏ (‏شكوى) ‏الوالد‏ ‏نجد‏ ‏التعميم‏ ‏أدل‏ ‏من‏ ‏التخصيص‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الحالة، ‏فحين‏ ‏يقول‏ (‏أبتدا‏ ‏يضطرب، ‏ويختل‏) ‏أنما‏ ‏يشير‏ ‏الى ‏حركة‏ ‏تخلخل‏ ‏عام، ‏لم‏ ‏يظهر‏ ‏منه‏ ‏الا‏ ‏تلك‏ ‏الحدة‏ ‏العدوانية، ‏التى ‏بدت‏ ‏فى ‏ضرب‏ ‏مباشر‏ ‏لأخويه‏ ‏التوأم، ‏ثم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الرغبة‏ ‏التى (‏شعر‏ ‏بها‏) ‏الوالد‏ ‏دون‏ ‏دليل‏ ‏محدد‏ (‏عنده‏ ‏رغبة‏ ‏أنه‏ ‏ينتقم‏)، ‏واستعمال‏ ‏كلمتى (‏رغبة‏) ‏و‏ (‏انتقام‏) ‏هكذا‏ ‏فيه‏ ‏عمق‏ ‏كاف‏ ‏ودال، ‏وليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏المريض‏ (‏الأخ‏ ‏الأكبر‏: ‏زهير‏) ‏قد‏ ‏صرح‏ ‏بهذه‏ ‏الرغبة‏ ‏أو‏ ‏هدد‏ ‏بهذا‏ ‏الانتقام، ‏لكن‏ ‏حدس‏ ‏الوالد‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مجرد‏ ‏تخوف‏ ‏من‏ ‏ناحيته‏ ‏أو‏ ‏اسقاط، ‏ولم‏ ‏نتبين‏ – ‏وأن‏ ‏كان‏ ‏ذاك‏ ‏غير‏ ‏ممكن‏ ‏الا‏ ‏بالتخمين‏ ‏والترجيح‏ – ‏لم‏ ‏نتبين‏ ‏لماذا‏ ‏الانتقام‏ ‏بلاذات‏ ‏هو‏ ‏أشبه‏ ‏بالثأر‏ ‏أو‏ ‏الرد‏ ‏العنيف‏ ‏أو‏ ‏العقاب، (‏راجع‏ ‏رأينا‏ ‏فى ‏ضرب‏ ‏الو‏الدة‏ ‏من‏ ‏التوأمين‏ ‏ص‏ : 60 ‏ثم‏ ‏من‏ ‏زهير‏).‏

باختصار‏ (‏[7])، ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏فى ‏زهير‏ ‏أية‏ ‏بارقة‏ ‏تدل‏ ‏على ‏تفكك‏ ‏أو‏ ‏تناثر‏ ‏مما‏ ‏يتميز‏ ‏به‏ ‏الفصامى، ‏وقد‏ ‏تعذر‏ ‏فعلا‏ ‏الوصول‏ ‏الى ‏هذا‏ ‏التشخيص‏ ‏مباشرة، ‏رغم‏ ‏أننا‏ ‏عاملناه‏ ‏اعتباره‏ ‏التشخيص‏ (‏الكامن‏) ‏وعالجناه‏ – ‏تقريبا‏ – ‏بنفس‏ ‏علاج‏ ‏شقيقه‏ ‏التوأم، ‏وأساسا‏ ‏بغيبوبة‏ ‏الانسولين‏ (50 ‏مرة، ‏خلال‏ ‏شهرين‏ ‏تقريبا‏).‏

عودة‏ ‏الى ‏التاريخ‏ ‏الجنسى، ‏فى ‏أسرة‏ ‏مصرية‏ ‏متوسطة‏ ([8])‏

‏1- ‏كان‏ ‏التاريخ‏ ‏الجنسى ‏لهذا‏ ‏الشاب‏ ‏شديد‏ ‏الوضوح‏ (‏أيضا‏: ‏مثل‏ ‏أخويه‏ ‏التوأم‏) – ‏بدأ‏ ‏مبكر‏ ‏ا‏- ‏وحكاه‏ ‏بنفس‏ ‏البساطة‏ ‏التى ‏حكى ‏بها‏ ‏شقيقاه‏ ‏تاريخهما، ‏وهو‏ ‏لم‏ ‏يترك‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏الممارسة‏ ‏الجنسية‏: ‏الذاتية، ‏أو‏ ‏المثلية، ‏أو‏ ‏الغيرية، ‏أو‏ ‏السطحية‏ ‏أو‏ ‏العميقة، ‏مع‏ ‏الخادمات‏ ‏أو‏ ‏الأخوة‏ ‏أو‏ ‏الأخوات‏ ‏إلا‏ ‏جربها، ‏ومنذ‏ ‏سن‏ ‏الثالثة‏ ‏عشر، ‏وقد‏ ‏عزى – ‏بدون‏ ‏تحديد‏ – ‏بعض‏ ‏هذه‏ ‏الآثار‏ ‏المبكرة‏ ‏الى ” ‏بابا‏ ‏وماما‏ ‏ماكانوش‏ ‏بيحرصوا‏ ‏فى ‏علاقاتهم‏ ‏ببعض، ‏كنت‏ ‏مراهق‏ ‏صغير‏ ‏السن”:‏

‏” أول‏ ‏ما‏ ‏عرفت‏ ‏حاجة‏ ‏عن‏ ‏الأمور‏ ‏الجنسية‏ ‏كان‏ ‏عندى 7 ‏سنين‏ ‏أو‏ ‏ثمان‏ ‏سنين، ‏خبرات‏ ‏عادية، ‏اتصالى ‏الجنسى ‏مع‏ ‏البنات‏ ‏الصغرين‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏السن، ‏واللعب‏ ‏فى ‏أعضاء‏ ‏التناسل‏. ‏العادة‏ ‏السرية‏ ‏عملتها‏ ‏فى ‏سن‏ 12 ‏سنة‏ (‏كنت‏ ‏بلغت‏), ‏الاتصالات‏ ‏الجنسية‏: ‏شذوذ‏ ‏مع‏ ‏الأولاد‏ ‏وبعضها‏ – ‏بابا‏ ‏وماما‏ ‏ماكانوش‏ ‏بيحرصوا‏ ‏فى ‏علاقاتهم‏ – ‏كنت‏ ‏أمارس‏ ‏نشاطى ‏فى ‏كل‏ ‏أخواتى ‏أولاد‏ ‏وبنات‏ ‏عالناشف، ‏كان‏ ‏عندى ‏حوالى 13 ‏سنة، ‏بعد‏ ‏كده‏ ‏الخدامين‏ ‏وما‏ ‏الى ‏ذلك، ‏قعدت‏ ‏متصل‏ ‏بالخدامات‏ ‏أحد‏ ‏الصيف‏ ‏اللى ‏فات، ‏كان‏ ‏الاتصال‏ ‏لدرجة‏ ‏الادخال‏ ‏أذا‏ ‏كانت‏ ‏الخدامة‏ ‏مش‏ ‏بكر‏”.‏

‏2-  ‏لكن‏ ‏رد‏ ‏الفعل‏ – ‏هكذا‏ ‏فجأة‏ 0 ‏كان‏ ‏عنيفا‏ ‏وفى ‏الاتجاه‏ ‏المعاكس‏:‏

‏”‏رد‏ ‏الفعل‏ ‏كان‏ ‏عنيف، ‏أبتدأت‏ ‏أخش‏ ‏فى ‏دروشة‏ ‏جامدة‏ ‏وآتصوف‏ ‏وأبعد‏ ‏عن‏ ‏الحاجات‏ ‏دى”.‏

ولا‏ ‏بأس‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏النقلات‏ ‏من‏ ‏النقيض‏ ‏الى ‏النقيض‏ ‏على ‏مسار‏ ‏النمو، ‏ولكن‏ ‏تقييم‏ ‏فائدة‏ ‏فرط‏ ‏الاندفاعة‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الاتجاه‏ ‏أو‏ ‏عكسة‏ ‏يجعلنا‏ ‏نقف‏ ‏هنا‏ – ‏ثم‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ – ‏لنتساءل‏ ([9]) ‏عما‏ ‏اذا‏ ‏كانت‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الممارسة‏ ‏الجنسية‏ ‏الباكرة‏ ‏قد‏ ‏أعطت‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏فرصة‏ ‏للنمو‏ ‏الجنسى ‏الحر‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏قد‏ ‏خاضها؟‏ ‏وهل‏ ‏كانت‏ ‏أكثر‏ ‏نضجا‏ ‏واكتمالا؟‏ ‏وهل‏ ‏كانت‏ ‏مانعة‏ ‏للكبت‏ ‏المفرط‏ ‏الذى ‏يقال‏ ‏أنه‏ ‏يعوق‏ ‏النمو‏ ‏اذا‏ ‏لم‏ ‏تنطلق‏ ‏هكذا؟‏ ‏فنجد‏ ‏من‏ ‏متابعة‏ ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الممارسة‏ ‏المتعددة‏ ‏الموضوعات‏ ‏والأشكال، ‏والمنطلقة‏ ‏فى ‏كل‏  ‏اتجاه‏ ‏بلا‏ ‏تمييز، ‏والتى ‏لم‏ ‏يصاحبها‏ ‏شعور‏ ‏بالذنب‏ ‏أصلا، ‏نجد‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏لم‏ ‏يمنع‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏من‏ ‏القفز‏ ‏الى ‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏تعويضا، ‏وقمعا، ‏وتصورا‏ ‏للتسامى (‏أنظر‏ ‏بعد‏) ‏دون‏ ‏أن‏ ‏ينجح‏ ‏فى ‏الحيلولة‏ ‏دون‏ ‏المرض‏ ‏الصريح، ‏كما‏ ‏نجد‏ ‏أنه‏ ‏حين‏ ‏أحب، ‏مثل‏ ‏الشباب‏ ‏فى ‏سنة، ‏مارس‏ ‏الحياء‏ ‏والتردد‏ ‏والحاجة‏ ‏الى ‏الرؤية‏ ‏والقبول‏ ‏بنفس‏ ‏الطريقة‏ ‏التى ‏يمارسها‏ ‏الشباب‏ ‏الخجول‏ ‏المغلق‏ ‏الذى ‏لم‏ ‏تتح‏ ‏له‏ ‏أدنى ‏فرصة‏ ‏جنسية، ‏ولم‏ ‏يمسح‏ ‏لنفسه‏ ‏بأى ‏تجربة‏ ‏جنسية‏ ‏أصلا، ‏وكأن‏ ‏زهير‏ ( ‏ومن‏ ‏مثله‏) ‏قد‏ ‏سكب‏ ‏هذه‏ ‏الممارسة‏ ‏كلها، ‏وبدأ‏ ‏من‏ ‏جديد، ‏بل‏ ‏بدأ‏ ‏من‏ ‏بعيد‏ ([10]) ‏أبعد‏ ‏حتى ‏من‏ ‏بدايات‏ ‏من‏ (‏لم‏ ‏يختبر‏)، ‏نرى ‏هذا‏ ‏حين‏ ‏يحكى ‏عن‏ ‏خبرة‏ ‏الحب‏.‏

الخبرة‏ ‏العاطفية‏ ‏على ‏صفحة‏ (‏بيضاء‏) (!!)‏

‏- (‏حبيت‏ ‏زمان، ‏ولغاية‏ ‏فترة‏ ‏قريبة، ‏كنت‏ ‏أحب‏ ‏بنت‏ ‏خالتى ‏وهيه‏ ‏بيقولوا‏ ‏أنها‏ ‏أختى ‏فى ‏الرضاعة، ‏فلما‏ ‏عدفت‏ ‏ابتدت‏ ‏أحكم‏ ‏نفسى).‏

‏……..‏

‏- (‏والحب‏ ‏دلوقتى ‏هو‏ ‏اللى ‏كان‏ ‏السبب‏ ‏المباشر‏ ‏فى ‏حالتى ‏دي، ‏أول‏ ‏ما‏ ‏ابتدأ‏ ‏المرض‏ ‏من‏ ‏شهرين‏ ‏تقريبا، ‏لاحظت‏ ‏أن‏ ‏الحكاية‏ ‏زدات‏ ‏علي، ‏البنت‏ ‏فى ‏سنة‏ ‏أولى (‏آداب‏)، ‏كانت‏ ‏حلوة، ‏وتقاطيعها‏ ‏فيها‏ ‏براءة، ‏خفت‏ ‏عليها‏ ‏من‏ ‏الوسط‏ ‏الموبوء‏ (‏الجامعة‏!) ‏عرفتها‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏التمثيل، ‏وتبادلنا‏ ‏الاعجاب‏ ‏والشفقة، ‏من‏ ‏جانبى ‏كنت‏ ‏محتاج‏ ‏لحنان‏ ‏كبير، ‏كنت‏ ‏باحاول‏ ‏أكون‏ ‏معاها‏ ‏فى ‏شئ‏ ‏من‏ ‏الجفاء‏ ‏لأنى ‏تصورت‏ ‏أنها‏ ‏بتحاول‏ ‏تخلينى ‏أزل‏ ‏فى ‏شئ‏ ‏غير‏ ‏مشروع‏ ‏زى ‏بنت‏ ‏خالتي، ‏فابتدت‏ ‏تنفر‏ ‏منى ‏نفور‏ ‏فيه‏ ‏شئ‏ ‏من‏ ‏الدهشة‏).‏

فنحن‏ ‏هنا‏ ‏نراه‏ ‏شخصا‏ ‏آخر، ‏يترك‏ ‏ابنه‏ ‏خالته‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تحكم‏ ‏فى ‏نفسه‏ ‏حين‏ ‏تثار‏ ‏شبهة‏ ‏أخوة‏ ‏فى ‏الرضاعة، ‏وهو‏ ‏الذى ‏مارس‏ ‏المحارم‏ ‏ما‏ ‏مارس، ‏ثم‏ ‏حين‏ ‏يحب‏ ‏زميلة‏ ‏له، ‏يختار‏ ‏ذات‏ ‏التقاطيع‏ ‏التى (‏فيها‏ ‏براءة‏)، ‏ثم‏ ‏يتحدث‏ ‏عن‏ ‏محاولتها‏ (‏دونه‏) ‏أن‏ ‏تجره‏ ‏فى ‏شئ‏ (‏غير‏ ‏مشروع‏)!!(‏زى ‏بنت‏ ‏خالته‏) – ‏وكأنه‏ ‏بكل‏ ‏يمارس‏ (‏محوا‏) ‏منظما‏ ‏ومتصلا‏ ‏لخبرات‏ ‏الطفولة‏ ‏والمراهقة‏ ‏الباكرة‏.‏

ورغم‏ ‏ما‏ ‏ذكوه‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏انفصام‏ ‏عرى ‏هذه‏ ‏العلاقة‏ ‏العاطفية‏ ‏كان‏ ‏سبب‏ ‏مرضه، ‏فان‏ ‏الأمر‏ ‏لا‏ ‏شك‏ ‏أبعد‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏بكثير، ‏رغم‏ ‏أنه‏ ‏يطيب‏ ‏كثيرا‏ ‏للمسلسلاتية‏ ‏و،‏السينمائية‏ ‏أن‏ ‏يقفوا‏ ‏عند‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الحكايات‏ ‏وكأنها‏ ‏السبب‏ (‏كل‏ ‏السبب‏) ‏و‏ ‏كأنها‏ ‏البداية‏ (‏ذات‏ ‏البداية‏)، ‏ولكن‏ ‏لنتدرج‏ ‏واحدة‏ ‏واحدة‏ ‏أمام‏ ‏هذه‏ (‏المعلومات‏) ‏مجتمعة، ‏وغيرها، ‏لترى ‏الأمور‏ ‏من‏ ‏بعد‏ ‏آخر‏:‏

‏1- ‏هذا‏ ‏شاب‏ ‏كان‏ ‏انطوائيا‏ (‏أنظر‏ ‏بعد‏)‏

‏2- ‏ثم‏ ‏صار‏ ‏انبساطيا‏ (‏فى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏جانب‏)‏

‏3- ‏كان‏ ‏له‏ ‏تاريخ‏ ‏جنسى (‏طفلى ‏ومراهقى) ‏متعدد‏ ‏ومتنوع‏ ‏ونشط

‏4- ‏ثم‏ ‏هو‏ ‏يعيش‏ ‏حاضرا‏ ‏عاطفيا‏ ‏مترددا، ‏مضروبا‏ (‏من‏ ‏داخله‏ ‏أساسا‏)‏

ثم‏ ‏نفصل‏ ‏ما‏ ‏أجملناه‏ ‏علر‏ ‏الوجه‏ ‏التالى:‏

‏1- ‏أما‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏انطوائيا‏ ‏فهو‏ ‏يقول‏:‏

‏( ‏كنت‏ ‏ألعب‏ ‏رياضة‏ ‏لوحدى ‏مش‏ ‏فى ‏المدرسة، ‏كنت‏ ‏أنفر‏ ‏من‏ ‏المجتمع، ‏وأميل‏ ‏الى ‏الوحدة،‏لأن‏ ‏والدى ‏كان‏ ‏بيشجع‏ ‏عدم‏ ‏الاختلاط‏)‏

‏2- ‏ثم‏ ‏صار‏ ‏انبساطيا

‏(‏دلوقتى ‏باحب‏ ‏الاجتماعية، ‏بألعب‏ ‏فولي، ‏وبلسكت، ‏وتنس، ‏ومصارعة، ‏وغاوى ‏رسم، ‏وموسيقي، ‏وتمثيل‏ ‏وأنا‏ ‏عضو‏ ‏فى ‏الفريق‏ ‏الانجليزى ‏بتاع‏ ‏التمثيل‏ ‏بتاع‏ ‏الكلية‏)‏

‏3- ‏وحين‏ ‏كان‏ ‏انطوائيا‏ ‏مارس‏ ‏كل‏ ‏أنواع‏ ‏الجنس‏ ‏مع‏ ‏كل‏ ‏مواضعيه

‏4- ‏وحين‏ ‏صار‏ ‏انبساطيا، ‏تعفف‏ ‏فى ‏حبه، ‏جذبته‏ ‏البراءة، ‏ورفض‏ ‏التمادى!!‏

أليس‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏عكس‏ ‏المألوف‏ ‏من‏ ‏حالة‏ ‏كونه‏ ‏انطوائيا، ‏ثم‏ ‏حالة‏ ‏كونه‏ ‏انبساطيا، ‏حيث‏ ‏يتصور‏ ‏العامة‏ ‏وبعض‏ ‏النظريين‏ ‏أن‏ ‏الانطوائية‏ ‏تعنى ‏الخجل‏ ‏والانسحاب‏ ‏على ‏طول‏ ‏الخط، ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏الانبساطية‏ ‏أنما‏ ‏تعنى  ‏الجرأة‏ ‏والاقدام‏ ([11])، ‏وفى ‏الموضوع‏ ‏الجنسى ‏بالذات‏ ‏كيف‏ ‏يتفق‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏انطوائى ‏مع‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ (‏الممارسة‏) ‏وما‏ ‏هو‏ ‏انبساطى ‏مع‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ (‏التعفف‏)‏؟‏ ‏لابد‏ ‏آن‏ ‏نميز‏ – ‏أذن‏ – ‏بين‏ ‏الممارسة‏ (‏السرية‏) ‏والمحدودة‏ ‏لنشاط‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏غريزة‏ ‏تخرج‏ ‏من‏ ‏تحت‏ ‏جلد‏ ‏الانطوائى ‏مستقلة‏ ‏تماما، ‏ثم‏ ‏ترجع‏ ‏الى ‏مكانها‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تلتحم‏ ‏بالكل‏ ‏النامى ‏أصلا، ‏وذلك‏ ‏بالرغم‏ ‏من‏ ‏أنها‏ ‏كانت‏ ‏ممارسة‏ ‏أرادية‏ ‏وكاملة‏ ‏أحيانا، ‏ألا‏ ‏أنها‏ ‏كانت‏ ‏مستقلة‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏تقريبا، ‏وبعد‏ ‏ذلك، ‏فقد‏ ‏راح‏ ‏يحاول‏ ‏أن‏ ‏ينتصر‏ ‏على ‏انطوائية‏ ‏بكل‏ ‏هذه‏ ( ‏التعويضات‏) ‏الرياضية‏ ‏والفنية، ‏لكنها‏ ‏لم‏ ‏يكسرها‏ ‏بل‏ ‏أزاحها‏ ‏الى ‏مستوى ‏آخر، ‏لعله‏ ‏المستوى ‏العاطفى ‏أو‏ ‏الفكري، ‏ثم‏ ‏هو‏ ‏لم‏ ‏يتمثلها، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏حل‏ ‏الانطوائية‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏بالقفز‏ ‏الى ‏عكسها‏.(‏والعكس‏ ‏صحيح، ‏فحل‏ ‏الانبساطية‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏بالقفز‏ ‏الى ‏عسكها‏) ‏وأنما‏ ‏يتم‏ ‏الحل‏ ‏باستيعابها‏ ‏تدريجيا‏ ‏حتى ‏تمثلها، ‏مما‏ ‏لا‏ ‏مجال‏ ‏لتفصيله‏ ‏هنا، ‏فنكتفى ‏بتقرير‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏حين‏ ‏أن‏ ‏الآوان‏ ‏فأقدم‏ ‏على ‏أولى ‏تجاربه‏ ‏العاطفية‏ ‏فى ‏سنها‏ ‏المناسب‏ (2 ‏جامعة‏) ‏أقدم‏ ‏عليها‏ ‏بخبرة‏ ‏فجة‏ ‏تماما، ‏وبلا‏ ‏ترابط‏ ‏مضطرد‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏غزواته‏ ‏الجنسية‏ ‏الطفلية‏ ‏والمراهقية، ‏بل‏ ‏ربما‏ ‏كان‏ ‏الارتباط‏ ‏عكسيا، ‏باعتبار‏ ‏أن‏ ‏فرط‏ ‏تعففه‏ ‏كان‏ ‏محوا‏ ‏لفرط‏ ‏اندفاعاته‏ ‏الباكرة‏.‏

لكن‏ ‏للمسألة‏ ‏العاطفية‏ ‏هنا‏ ‏أبعادا‏ ‏أخرى ‏متضفرة، ‏فقد‏ ‏شمل‏ ‏حبه‏ (‏الجامعى) ‏هذا‏ ‏عدة‏ ‏معالم‏ ‏أخرى ‏تستأهل‏ ‏لانظر‏ ‏حيث‏ ‏نلمح‏ ‏فيه‏ (‏من‏ ‏نص‏ ‏المقتطف‏):‏

(‏أ‏) ‏حماية‏ ‏والدية‏: ‏فهو‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يحمى ‏زميلته‏ – ‏رغم‏ ‏أن‏ ‏سنها‏ ‏يكاد‏ ‏يكون‏ ‏نفس‏ ‏سنه‏ (‏طالبة‏ ‏سنة‏ ‏أولى) ‏من‏ ‏الوسط‏ ‏الموبوء، ‏وكأنه‏ ‏يشير‏ ‏الى ‏أنه‏ (‏شخصيا‏)- (‏فى ‏الداخل‏) ‏ومن‏ ‏واقع‏ ‏تاريخه‏ – ‏يمثل‏ ‏حقيقة‏ ‏هذا‏ ‏الوسط‏ (‏الموبوء‏)، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏فهو‏ (‏خارجيا‏) ‏يمثل‏ ‏الوالد‏ ‏الحامى ‏والراعى (‏ضد‏ ‏نفسه‏ (‏أياها‏) ‏وضد‏ ‏الوسط‏ (‏الموبوء‏) ‏به‏ .‏

(‏ب‏) ‏احتياج‏ ‏ناضج‏: (‏تبادلنا‏ ‏الاعجاب‏)‏

(‏جـ‏) ‏احتياج‏ ‏طفلى: (‏من‏ ‏جانب‏ ‏كنت‏ ‏محتاج‏ ‏لحنان‏ ‏كبير‏).‏

(‏د‏) ‏انضباط‏ ‏والدى: (‏كنت‏ ‏باحاول‏ ‏أكون‏ ‏معاها‏ ‏فى ‏شئ‏ ‏من‏ ‏الجفاء‏ ‏لأنى ‏تصورت‏ ‏أنها‏ ‏بتحاول‏ ‏تخلينى ‏أزل‏ ‏فى ‏شئ‏ ‏غير‏ ‏مشروع‏ ‏زى ‏بنت‏ ‏خالتى).‏

ولكن‏ ‏النتيجة‏ ‏بعد‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏التخبط‏ – ‏الذى ‏لابد‏ ‏وأنه‏ ‏تصادم‏ ‏فأجهض‏ ‏بعضه‏ ‏بعضا‏ – ‏هى ‏أنه‏ ‏كاد‏ ‏يفقد‏ ‏هذا‏ ‏المصدر‏ ‏الجديد‏ ‏لازراء‏ ‏لاحتياجاته‏. ( ‏فابتدت‏ ‏تنفر‏ ‏منى)‏

‏(‏ولا‏ ‏شك‏ ‏أن‏ ‏من‏ ‏حق‏ ‏البنت‏ ‏أن‏ ‏تندهش، ‏أليس‏ ‏كذلك؟‏ ‏أنظر‏:)‏

‏(‏أول‏ ‏ما‏ ‏أبتدأ‏ ‏المرض‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏شهرين‏ ‏تقريبا، ‏لاحظت‏ ‏أن‏ ‏الحكاية‏ ‏زادت‏ ‏على …..‏

بقيت‏ ‏أظهر‏ ‏لها‏ ‏البرود‏ ‏والتزمت، ‏وتملى ‏أنصحها، ‏وتقوللى ‏أنت‏ ‏بتتكلم‏ ‏بلهجة‏ ‏أبويا‏ (‏[12]) ‏لدرجة‏ ‏أن‏ ‏جالى ‏رغبة‏ ‏فى ‏الانتحار‏.‏

‏ ‏وبعدين‏ ‏الحالة‏ ‏زادت، ‏وأشعر‏ ‏أن‏ ‏البنت‏ ‏دى ‏وقعتنى ‏فى ‏حيرة‏ (‏[13]) ‏لأنى ‏كنت‏ ‏فى ‏أخذ‏ ‏وعطا‏ ‏لدرجة‏ ‏أنى ‏اتهزيت، ‏مابقتش‏ ‏عارف‏ ‏أذاكر‏. ‏وجالى ‏رغبة‏ ‏أنى ‏أتكلم‏ ‏معاها‏ ‏طول‏ ‏الوقت، ‏ابتعدت‏ ‏عنها‏ ‏وبقيت‏ ‏من‏ ‏بعيد‏ ‏اتتبعها‏ ‏وأعمل‏ ‏رسوم‏ ‏عنها‏ ‏فيها‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏من‏ ‏القدسية‏ …، ‏وبعدين‏ ‏تطور‏ ‏المرض‏ ‏بأنى ‏بقيت‏ ‏أسيب‏ ‏المحاضرات‏ ‏بتاعتى ‏وأحضر‏ ‏معاها‏ ‏محاضراتها، ‏وبقت‏ ‏تفكرنى ‏كثير‏ ‏قوى ‏بماما، ‏وطريقة‏ ‏معاملتها‏ ‏لى ‏بشئ‏ ‏من‏ ‏عدم‏ ‏التفاهم، ‏ورجعت‏ ‏البلد، ‏شفت‏ ‏ماما‏ ‏ففكرتنى ‏بالبنت‏ ‏دي، ‏فضربت‏ ‏ماما، ‏فعرفت‏ ‏أن‏ ‏الحالة‏ ‏خطيرة، ‏اعتديت‏ ‏عليها‏ ‏بالضرب، ‏وبعدين‏ ‏لقيت‏ ‏الأعراض‏ ‏اللى ‏قلت‏ ‏عليها‏).‏

وهكذا‏ ‏نرى ‏كيف‏ ‏يكون‏ (‏الحب‏) ‏كما‏ ‏يمر‏ ‏به‏ ‏شاب‏ ‏بالغ‏ ‏الكشف‏ ‏دقيق‏ ‏الوصف، ‏فنهرف‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏التجارب‏ ‏العاطفية‏ ‏أنما‏ ‏هى ‏مسماع‏ ‏لقضايا‏ ‏قديمة‏ ‏عميقة، ‏متعددة‏ ‏الاحتمالات، ‏فنتتبع‏ – ‏من‏ ‏خلال‏ ‏قراءة‏ ‏هذه‏ ‏الفقرة‏ – ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏جرى ‏من‏ ‏بعد‏ ‏سيكوباثولوجى ‏مجتهد‏:‏

‏1- ‏التقطت‏ ‏البنت‏ ‏بحدسها‏ ‏الأنثوى ‏دور‏ ‏صاحبنا‏ (‏الوالدى) ( ‏أنت‏ ‏تتكلم‏ ‏زى ‏أبويا‏)‏

‏2- ‏رفض‏ ‏هو‏ ‏بدوره‏ ‏وصاية‏ ‏والده‏ (= ‏الوالد‏ ‏الداخلي‏Intrapsychic father  (‏([14]) ‏على ‏محبويته، ‏وكأن‏ ‏هذا‏ ‏الوالد‏ ‏فى ‏الداخل‏ – ‏وليس‏ ‏هو‏ – ‏هو‏ ‏الذى ‏يلبس‏ ‏دورو‏ ‏الواعظ‏ ‏والناصح‏ (‏دانت‏ ‏بتتكلم‏ ‏بلهجة‏ ‏أبويا‏)، ‏وحين‏ ‏تقول‏ ‏فتاة‏ ‏هذا‏ ‏القول، ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏التفاعل‏ ‏المباشر‏ ‏هو‏ :(‏لدرجة‏ ‏أن‏ ‏جالى ‏رغبة‏ ‏فى ‏الانتحار‏) ‏اللهم‏ ‏الا‏ ‏اذا‏ ‏كان‏ ‏تنبيهها‏ ‏هذا‏ ‏قد‏ ‏نبه‏ ‏عنده‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏الذى (‏يتكلم‏ ‏بلهجة‏ ‏أبوها‏)، ‏وأنما‏ ‏أبوه‏ ‏الداخلي، ‏فالانتحار‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏محاولة‏ ‏آزاحة‏ ‏هذا‏ ‏الوالد‏ ‏الواقف‏ ‏حائلا‏ ‏دون‏ ‏فتاته، ‏لأن‏ ‏الانتحار، ‏كما‏ ‏أسلفنا‏ ‏هو‏ ‏قتل‏ ‏ذات‏ (‏أخرى)، ‏ولكن‏ ‏كل‏ ‏الذوات‏ ‏تلبس‏ ‏نفس‏ ‏الجسد، ‏فلابد‏ ‏القتل‏ ‏أن‏ ‏يعلن‏ ‏باعتباره‏ ‏انتحارا‏ (‏[15]) ‏بما‏ ‏أن‏ ‏الجسم‏ ‏سينتهى ‏فى ‏كل‏ ‏حال‏ ‏بغض‏ ‏النظر‏ ‏عن‏ ‏من‏ ‏القاتل‏ ‏ومن‏ ‏المقتول‏ – ‏ولولا‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏التفسير‏ ‏لكان‏ ‏الربط‏ ‏بين‏ ‏قول‏ ‏الفتاة‏ (‏أنت‏ ‏بتتكلم‏ ‏بلهجة‏ ‏أبويا‏) ‏وبين‏ ‏هذا‏ ‏التفاعل‏ ‏المباشر‏ ‏بظهور‏ ‏رغبة‏ ‏الانتحار، ‏لكان‏ ‏ربطا‏ ‏شديد‏ ‏التسطيح‏ ( ‏أنه‏ ‏حزن‏ ‏من‏ ‏رفضها‏ ‏للهجته‏) ‏أو‏ ‏كان‏ ‏وصما‏ ‏بأنه‏ ‏خلط‏ ‏مرضى (‏عدم‏ ‏ترابط‏ ‏الأفكار‏)!!‏

‏3- ‏فلما‏ ‏وصل‏ ‏زهير‏ ‏الى ‏مرحلة‏ ‏من‏ ‏التردد‏ ‏والتصادم‏ ‏أدت‏ ‏به‏ ‏أن‏ ‏يستجيب‏ ‏هذه‏ ‏الاستجابة‏ ‏التى ‏أعلنت‏ ‏استهدافه‏ ‏لخلخلة‏ ‏الواحدية‏ (‏[16])، ‏كان‏ ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يتماسك، ‏بل‏ ‏أن‏ ‏يفرط‏ ‏فى ‏التماسك، ‏فانطلقت‏ ‏الطاقة‏ ‏أماما‏ ‏فى ‏ما‏ ‏بدا‏ ‏أنه‏ ‏فرط‏ ‏اندفاع‏ (‏عدوان‏)، ‏بدءا‏ ‏بكثرة‏ ‏الكلام‏ (‏وجالى ‏رغبة‏ ‏اتكلم‏ ‏معاها‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏) – ‏وهو‏ ‏لم‏ ‏يقل‏ ‏أنه‏ ‏تلكم‏ ‏فعلا، ‏ولكنه‏ ‏استشعر‏ ‏الرغبة، ‏ولعله‏ ‏فعل، ‏وفرط‏ ‏الكلام‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏أعراض‏ ‏الهوس، ‏أما‏ ‏الرغبة‏ ‏فى ‏الانتحار‏ ‏فهى ‏فى ‏الاتجاه‏ ‏المضاد‏ ‏نحو‏ ‏أعراض‏ ‏الاكتئاب، ‏ولكلا‏ ‏منهما‏ (‏الهوس‏ ‏والاكتئاب‏)، (‏اندفاعه‏ ‏الكلام، ‏والتخلص‏ ‏من‏ ‏الذات‏ ‏الأخرى) ‏ولو‏ ‏على ‏حساب‏ ‏الكل‏ ‏بالانتحار، ‏هو‏ ‏محاولة‏ ‏لتجنب‏ ‏التمادى ‏فى ‏الخلخلة‏ ‏حتى ‏فقد‏ ‏الواحدية، ‏أى ‏حتى ‏التناثر‏ ‏الفصامى – ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏فان‏ ‏فرط‏ ‏الكلام‏ ‏هنا‏ ‏كان‏ ‏موجها‏ ‏نحو‏ (‏موضوع‏ ‏الحب‏) ‏بلاذات‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏عاما‏ ‏بغض‏ ‏النظر‏ ‏عن‏ ‏موضوعه، ‏وكأن‏ ‏الاندفاعة‏ ‏ضد‏ ‏احتمال‏ ‏التمادى ‏فى ‏الخلخلة، ‏كانت‏ ‏تؤدى ‏وظيفة‏ ‏فى ‏علاقته‏ ‏مع‏ ‏فتاته، ‏أى ‏أنه‏ (‏لعل‏ ‏الملاحقة‏ ‏بالكلام‏ ‏تحافظ‏ ‏على ‏الرباط‏ ‏الذى ‏تراخى (‏بفعل‏ ‏وصاية‏ ‏الوالد‏)، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الاندفاع‏ ‏يطمئنه‏ ‏أنها‏ ( ‏فتاته‏) ‏مازالت‏ ‏فى ‏متناوله، ‏مع‏ ‏أنه‏ ‏لو‏ ‏انتبه‏ ‏لمحتوى ‏كلامه‏  ‏أوجده‏ ‏مازال‏ (‏والديا‏) (‏وهو‏ ‏السبب‏!!)‏

‏4- ‏فكانت‏ ‏النتيجة‏ ‏المحصلة‏ ‏هى ‏عكس‏ ‏ما‏ ‏أراد، ‏فبدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يحتفظ‏ ‏بفتاته، ‏ابتعد، ‏وقد‏ ‏ابتعد‏ ‏شعوريا‏ ‏وبنحض‏ ‏ارادته، (‏ولعل‏ ‏والده‏ ‏باداخل‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏أبعده‏) – ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏حرص‏ ‏على ‏آن‏ ‏تظل‏ ‏ماثلة‏ ‏أمام‏ ‏نظره‏ (‏وبقيت‏ ‏من‏ ‏بعيد‏ ‏اتتبعها‏).‏

‏5-  ‏ثم‏ ‏حاول‏ ‏حل‏ ‏المسألة‏ ‏بتسوية‏ ‏فنية‏ ‏بديله، ‏فراح‏ ‏يستبدل‏ ‏حقيقتها‏ (‏لحما‏ ‏ودما‏) ‏بتشكيل‏ ‏رسوم‏ ‏لها‏ ( ‏فيها‏ ‏شئ‏ ‏من‏ ‏القدسية‏) ‏وكأنه‏ ‏بذلك‏ ‏أرضى ‏والده‏ ‏الداخلى ‏والوصي، ‏وأرضى ‏حاجته‏ ‏إليها، ‏وأعفى ‏نفسه‏ ‏من‏ ‏الحاح‏ ‏غرائزه‏ ( ‏وغرائزها‏) – ‏بالتقديس، ‏وبالابتعاد‏ ‏الجسدى ‏معا‏.‏

‏6- ‏وفى ‏هذه‏ ‏المرحلة، ‏وبعد‏ ‏أن‏ ‏أبعدها‏ ‏لحما‏ ‏ودما، ‏مع‏ ‏حضورها‏ ‏خيالا‏ ‏مسقطا‏ ‏على ‏صورتها‏ ‏من‏ ‏بعيد‏ ‏لبعيد، ‏أطلت‏ ‏فتاته‏ ‏فى ‏وعيه‏ ‏باعتبارها‏ ‏أمه‏ (‏وبقيت‏ ‏تفكرنى ‏كثير‏ ‏قوى ‏بماما‏) – ‏ولكن‏ ‏أى ‏أم، ‏الأم‏ ‏التى ‏تمنح‏ ‏الحنان، ‏أم‏ ‏الأم‏ ‏الموضوع‏ ‏الجنسى (‏أوديب‏) ‏أم‏ ‏الأم‏ ‏المقدسة‏ ‏والمحرمة، ‏ونتعجب‏ ‏اذ‏ ‏لا‏ ‏نجد‏ ‏أيا‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الاحتمالات‏ ‏هو‏ ‏الأقرب‏ ‏بل‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏الجانب‏ ‏الذى ‏أطل‏ ‏من‏ ‏أمه‏ ‏هو‏ ( … ‏طريقة‏ ‏معاملتها‏ ‏لى ‏بشئ‏ ‏من‏ ‏عدم‏ ‏التفاهم‏) ‏فاذا‏ ‏ذكرنا‏ ‏وصفه‏ ‏لقسوة‏ ‏أمه‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏الشكوى ‏وتبريره‏ ‏لضرب‏ ‏أخوته‏ ‏بقسوة‏ ‏نتيجة‏ ‏لذلك، ‏فأننا‏ ‏نقترب‏ ‏رويدا‏ ‏رويدا‏ ‏م‏ ‏أن‏ ‏الذى ‏فكره‏ ‏بأمه‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ( ‏الهجر‏)، ‏فكأن‏ ‏قسوة‏ ‏أمه‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏فى ‏ضربها‏ ‏اياه، ‏بل‏ ‏فى ‏اهمالها‏ ‏اياه، ‏فى ‏هجرها‏ ‏له، ‏فى ‏تخليها‏ ‏عنه، ‏يثبت‏ ‏ذلك‏ ‏كثيرا‏ ‏أو‏ ‏قليلا‏ ‏ما‏ ‏جاء‏ ‏بعد‏ ‏هذه‏ ‏الجملة‏ ‏مباشرة‏ ‏حين‏ ‏سافر‏ ‏الى ‏أمه‏ ‏ورآها‏ ‏رؤى ‏العين‏ ‏فماذا‏ ‏حدث؟

‏7- ‏الذى ‏حدث‏ ‏أنه‏ ‏بمجرد‏ ‏رؤيته‏ ‏لأمه‏  ‏ذكرته‏ ‏بفتاته، ‏فضربها‏ (‏ففكرتنى ‏بالنبت‏ ‏دى ‏فضربتها‏) ‏فهل‏ ‏يا‏ ‏ترى ‏كل‏ ‏يضرب‏ ‏البنت‏ ‏فيها، ‏أم‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏يضربها‏ ‏هى ‏أمه‏ ‏باعتبارها‏ ‏أنها‏ ‏المسئولة‏ – ‏بما‏ ‏كانت‏ ‏وما‏ ‏مارست‏ ‏من‏ ‏قسوة‏ ‏وهجر‏ – ‏عن‏ ‏فقده‏ ‏لفتاته؟‏ ‏فلو‏ ‏أنه‏ ‏ضرب‏ “‏البنت” ‏وقد‏ ‏لبست‏ ‏صورة‏ ‏الأم، ‏فأن‏ ‏ذلك‏ ‏قد‏ ‏يعنى ‏أنه‏ ‏أطلق‏ ‏عدوانه‏ ‏على ‏فتاته، ‏واحتجاجه‏ ‏على ‏هجرها‏ ‏له، ‏أطلقه‏ ‏على ‏مصدر‏ ‏أكثر‏ ‏احتمالا‏ ‏وأقدم‏ ‏علاقة‏ ( ‏الأم‏).‏

ولو‏ ‏أنه‏ ‏ضرب‏ (‏الأم‏) ‏نفسها‏ ‏فإن‏ ‏لذلك‏ ‏عدة‏ ‏أوجه‏:‏

‏(‏أ‏) ‏فقد‏ ‏يضربها‏ ‏لأنها‏ ‏حلت‏ – ‏فى ‏وعية‏ ‏الأعمق‏ – ‏محل‏ ‏فتاته‏ ‏فحرمته‏ ‏منها‏ ‏بما‏ ‏آلت‏ ‏إليه‏ ‏العلاقة‏ ‏من‏ ‏تقديس‏ ‏وعفة‏.‏

‏(‏ب‏) ‏وقد‏ ‏يضربها‏ ‏اعتبارها‏ ‏المسئولة‏ ‏عما‏ ‏آل‏ ‏إليه‏ ‏من‏ ‏جوع‏ ‏عاطفي، ‏وتعثر‏ ‏عالقاتي، ‏كان‏ ‏سببا‏ ‏فى ‏وحدته‏ ‏بالهجر‏.‏

‏(‏جـ‏) ‏وقد‏ ‏يضربها‏ ‏بالمعنى ‏الفرويدى ‏الأوديبي، ‏باعتبار‏ ‏أن‏ ‏العدوان‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏فعل‏ ‏جنسى ‏مبدل‏).‏

‏8- ‏وبمجرد‏ ‏أن‏ ‏وصلت‏ ‏المسألة‏ ‏الى ‏هذه‏ ‏المرحلة، ‏حتى  ‏أدرك‏ ‏بنفسه‏ “‏أن‏ ‏الحالة‏ ‏خطيرة‏”، (‏وبعدين‏ ‏لقيت‏ ‏الأعراض‏ ‏اللى ‏قلت‏ ‏عليها‏) ‏وليذكر‏ ‏القارئ‏ ‏معنا‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يذكر‏ ‏أعراض‏ ‏جسيمة‏ ‏تتناسب‏ ‏مع‏ ‏هذه‏ ‏الآشارة، ‏أو‏ ‏مع‏ ‏تلك‏ ‏الخطورة‏ ‏المعلنة‏ ،‏فكل‏ ‏ما‏ ‏قاله‏ ‏بدا‏ ‏فى ‏البداية‏ ‏أنه‏ ‏فلسفة‏ ‏حياة‏ ‏عميقة، ‏ورغبة‏ ‏فى ‏التفرد‏ ‏المتميز‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏رؤيته‏ ‏المؤلمة‏ ‏للواقع‏ ‏القاهر‏ ‏النمطي‏.‏

أذن، ‏فالاحساس‏ ‏بالخطورة، ‏وبالآعراض، ‏هو‏ ‏استقبال‏ ‏للحركة‏ ‏الداخلية‏ ‏المندفعة، ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏تتحدد‏ ‏الأعراض‏ ‏ظاهرا‏ ‏بكل‏ ‏هذه‏ ‏الخطورة‏.‏

‏***‏

ونستطيع‏ ‏أن‏ ‏نتوقف‏ ‏هنا‏ ‏قليلا، ‏لنعلن‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الأخ‏ ‏الأكبر‏ ‏الذى ‏نشأ‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الآسرة، ‏قد‏ ‏أتيحت‏ ‏له‏ ‏فرصة‏ ‏أطول‏ (‏حتى ‏سن‏ ‏الثامنة‏ ‏عشر‏ ‏والنصف‏ ‏بالمقارنة‏ ‏بالبداية‏ ‏عند‏ ‏التوأم‏ ‏فى ‏الرابعة‏ ‏عشر‏) ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يثور‏ ‏عليه‏ ‏داخله‏ ‏فيهاجمه‏ ‏هكـذا، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏قد‏ ‏أتيحت‏ ‏له‏ ‏خبرات‏ ‏أكثر‏ ‏ثراء، ‏بكل‏ ‏ما‏ ‏بعنيه‏ ‏الثراء‏ ‏من‏ ‏خطأ‏ ‏وصواب‏ ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏لجأ‏ ‏الى ‏تعويضات‏ ‏أوضح‏ (‏بنشاطه‏ ‏الرياضى ‏والاجتماعى ‏والفنى)، ‏وبالتالى ‏فهو‏ ‏حين‏ ‏اهتز‏ ‏حتى ‏كاد‏ ‏يتخلخل، ‏استطاع‏ ‏أن‏ ‏يلم‏ ‏نفسه‏ ‏الاندفاعة‏ ‏الأمامية‏ ‏التى ‏ظهرت‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏ما‏ ‏يسمى (‏هوس ‏Maaia) لكن‏ ‏الاكتئاب‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏الخلفية، ‏بل‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏ماثلا‏ ‏فى ‏ظاهر‏ ‏الأعراض‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏الشعور‏ ‏بالوحدة، ‏والغرابة، ‏والتفرد، ‏واللاجدوى (‏باشتكى ‏من‏ ‏أنى ‏عايش‏)، ‏ثم‏ ‏فى ‏فكرة‏ ‏الانتحار‏ ‏كما‏ ‏أشرنا‏ ‏واختلاط‏ ‏الهوس‏ ‏مع‏ ‏الاكتئاب‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏ ‏من‏ ‏أشهر‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نراه‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏المرض‏ ‏حيث‏ ‏الهوس‏ ‏انتصار‏ ‏طفلى ‏نشط‏ ‏هائج، (‏عدوانى ‏أحيانا‏) ‏والاكتئاب‏ ‏مواجهة‏ ‏والدية‏ ‏ضاغطة‏ ‏مانعة‏ ‏لتمادى ‏هذا‏ ‏الانتصار، ‏ثم‏ ‏لاخفائه‏ ‏ومعادلته‏ ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏شأن‏ ‏هذا‏ ‏الأخ‏ ‏الأكبر‏.‏

وحتى ‏تصير‏ ‏الصورة‏ ‏أقرب،  ‏للقارئ، ‏رأينا‏ ‏أن‏ ‏نقدم‏ ‏بعض‏ ‏جوانب‏ (‏حضوره‏) ‏بالقسم‏ ‏الداخلي، ‏وعينات‏ ‏نشاطه‏ ‏حتى ‏نرى ‏مدى ‏التماسك‏ ‏الذى ‏أشرنا‏ ‏إليه، ‏ومدى ‏الاندفاعة‏ ‏التعويضية، ‏على ‏أرضية‏ ‏اكتئابية‏:‏

‏1- ‏فقد‏ ‏نظم‏ ‏نشاطا‏ ‏رياضيا‏ ‏لكل‏ ‏المرضي، ‏واستطاع‏ ‏بمبادرة‏ ‏فردية‏ ‏أن‏ ‏يقنعهم‏ ‏بالمشاركة‏ ‏كائنا‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏مرضهم، ‏أو‏ ‏درجة‏ ‏عجزهم‏.‏

‏2- ‏كما‏ ‏رسم‏ ‏أثناء‏ ‏وجوده‏ ‏بالقسم‏ ‏رسوما‏ ‏جيدة، ‏ودالة، (‏وأن‏ ‏كانت‏ ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏بعد‏ ‏طول‏ ‏هذه‏ ‏السنين‏ ‏صالحة‏ ‏للطبع‏ ‏هنا‏)‏

وقد‏ ‏يكون‏ ‏من‏ ‏المفيد‏ ‏الاشارة‏ ‏الى ‏بعض‏ ‏محتواها‏ (‏أ‏) ‏فقد‏ ‏وضح‏ ‏فى ‏زحداها‏ ‏قفص، ‏كأنه‏ ‏فى ‏حديقة‏ ‏حيوان‏ ‏أو‏ ‏ما‏ ‏شابه، ‏وبداخله‏ ‏أسد‏ ‏ولبؤة‏ ‏وشبل‏ (‏أو‏ ‏لبؤة‏ ‏أخرى: ‏منظر‏ ‏غير‏ ‏واضح‏ ‏تحديدا‏) ‏والزوار‏ (‏المتفرجون‏) ‏يحيطون‏ ‏بهم‏ ‏وهم‏ ‏يلبسون‏ ‏قبعات‏ (‏ب‏) ‏والرسم‏ ‏الثانى ‏أسبه‏ ‏ببار‏ ‏فى ‏جانب‏ ‏منه‏ (‏بيانو‏)، ‏وسطه‏ ‏حلقة‏ (‏بيست‏) ‏لكنها‏ ‏مسورة‏ ‏بسياج‏ ‏حديدى (‏لا‏ ‏يفترق‏ ‏كثيرا‏ ‏عن‏ ‏سور‏ ‏القفص‏ ‏فى ‏الصورة‏ ‏السابقة‏) ‏ويرقص‏ ‏فيها‏ ‏فتى ‏يلبس‏ ‏ملابس‏ ‏رومانية، ‏وحولهم‏ ‏متفرجون، ‏أو‏ ‏رواد‏ ‏يتفرجون، ‏والفتاة‏ ‏ترتدى ‏ما‏ ‏يسبه‏ ‏المايوه‏ ( ‏بكلوش‏ ‏قصير‏)، ‏وقد‏ ‏جلس‏ ‏على ‏البار‏ ‏رجل‏ ‏فى ‏منتصف‏ ‏العمر، ‏ينظر‏ ‏الى ‏قدميه، ‏وامرأة‏ ‏تخطت‏ ‏منتصف‏ ‏العمر، ‏تكاد‏ ‏تنادى ‏برفع‏ ‏كأسها‏ ‏مائلا، ‏ناظرة‏ ‏الى ‏الرواد‏ ‏نظرة‏ ‏داعرة‏.‏

‏3- ‏وقد‏ ‏كان‏ ‏يواصل‏ ‏كتابة‏ ‏آرائه‏ ‏ومطالبه‏ ‏للطبيب‏ ‏المعالج‏ (‏شخصى) ‏بانجليزية‏ ‏جيدة‏ (‏وهو‏ ‏بعد‏ ‏فى ‏السنة‏ ‏الثانية‏) ‏وكانت‏ ‏أغلب‏ ‏كتاباته‏ ‏مواجهة‏ ‏لما‏ ‏استشعر‏ ‏من‏ ‏سلطة‏ ‏الطبيب‏ ‏الذى ‏بدا‏ ‏أنه‏ ‏يحتاجها‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يرفضها‏.‏

المقتطف الأول

Dear Dr.

I wander what you take me for: a big brute? a liar? A senseless thoughtless human being? Well, think what you may but one thing I”ll have to tell you: thar is; I flatly and absolutely refuse to resume the curing buisiness. I told you I learn fast, perhaps too fast, (but) ([17]) I do know now that I “am thankful for your worthy cooperation.

The days I spent here were not spent in vain. They have been fruitful, immensely so. I”ll never forget you nor the interesting collectior of “invalids” you have here. They feel very sure and secure when you are around. I feel the same myself, but for different reasons. I don”t like the idea of you dominating me among all the people you have here. You may control any one you have around me, but my dear, not me; simply because I am different. I”m leaving here; I “am ready for the worst. You will not put me down no matter what.

Yours very truly

Signiture

Zohair

الترجمة:

عزيرى الطبيب:

أنى أتساءل ” كيف ترانى: وحش كبير؟ كاذب؟ انسان بلا احساس ولا تفكير؟ حسنا لترنى كما تشاء ولكن شيئا واحدا أحب أن أؤكده لك وهو :أنى أرفض – بكل وضوح (على بلاطة)، وتماما – أن أستأنف هذه الصفقة العلاجية (المشروع العلاجى)، لقد سبق أن أخبرتك أنى أتعلم بسرعة، ربما بسرعة أكثر من اللازم (لكن) أنا أعلم الآن أنى شاكر لك تعاونك النبيل، ثم ان الأيام التى أمضيتها هنا لم تضع هباء، فقد كانت مثمرة، مثمرة جدا جدا. وسوف لا أنساك أبدا، ولا هذه المجموعة من “العجزة” التى عندك هنا. أنهم يشعرون بالثقة والأمان حين تكون متواجدا حولنا بشكل ما. وأنا أشعر – شخصيا – كذلك أيضا، ولكن لأسباب أخرى، أنى لا أتقبل فكرة أن تطغى على وسط هؤلاء الناس الذين عندك هنا، أنك تستطيع أن تتحكم فى (تسير/ بتشديد الياء وكسرها) من حولى، لكن، ياعزيزى، ليس أنا، لأنى ببساطة “مختلف” أنى سأترك هذا المكان، وأنى على استعداد لما هو اسوأ (حتى لو كان الى أسوأ) – ذلك أنك لن تقمعنى بأى وسيلة كانت (بغض النظر عما هى ….)

المقتطف الثانى:

Things I would like to consult the doctor about,

1- The feeling of loneliness that accompanies taking life too seriously.

2- Emotional support: is it advisable that I should bring some (unreadable word), some colour, some light, some emotion into my life.

3- Sexual life

Is it advisable that I would go on leading the same kind of passive sexual life I am living right now. I feel am getting very cold emotionally and sexually.

4- To what extent do you agree to the shifting (alteration)? If you advice any? Or the continuation of the same monotony of never trusting any girl, feeling. Sensitive, awkward and unable to satisfy her sincerely (I don”t” like the buisiness, that animal instincts would make one turn into a beast; it would degrade any self respect etc.

5- What do you think of subliming the instincts though art or changing the course of the driving energy behind in the shape of violent physical and mental exercise to exhaust the body and sublime the spirit and mind?

الترجمة:

الامور التى أود أن أسأل الطبيب عنها:

1- الشعور بالوحدة الذى ترتب على أخذ الحياة بجدية شديدة.

2-  الدعم العاطفى: هل ينبغى على ان أدخل بعض 0كلمة غير مقروءة) بعض (كلمة غير مقروءة) بعض اللون، بعض الضوء، بعض العواطف الى حياتى؟

3- الحياة الجنسية: هل مما تنصح به هو أن أستمر على نفس نوع سلبية الحياة الجنسية كما أعيشها الآن حالا، أنى اشعر أنى أصبح أكثر برودا، عاطفيا وجنسيا على حد سواء. فالى أى مدى توافق على النقلة (التغيير؟) اذا كنت تنصح بأى تغيير أصلا؟ أم أنك ترى استمرار نفس الرتابة: من عدم الثقة بأى فتاة، حيث يغلب الشعور بالحساسية، والحرج والعجز عن ارضائها باخلاص (أنى لا أحبذ أن أنساق وراء غرائزى لتحولنى الى وحش، أن ذلك يقلل قيمى أى احترام لنفسى….. الخ.

4- ما هو رأيك فى اعلاء الغرائز من خلال الفن أو تغيير مجرى الطاقة الدافعة وراءها فى صورة التدريبات الجسدية والعقلية الهنيفة التى تنهك البدن وتتسامى بالروح والعقل؟

انتهى النص، ولنا وقفة:

1- فقد أوردت نص كتابيته بالانجليزية، وتعمدت أن تكون فى المتن دون الهامش، لأبين عدة أمور:

(أ) فهذا الشاب(18.5 سنة) متمكن تماما من هذه اللغة الأجنبية وهو الذى لم يتعلم فى مدراس أجنبية، ولم ينشأ فى أسرة تعرف هذه اللغة بأى قدر مناسب، فمن أين له ذلك، وهل يعنى شيئا فى نوع أو مسيرة مرضه؟ خاصة وأنه صاحب التاريخ الدراسى المتوسط (سقط فى سنة أولى، وحصل على 69%  فى الثانوية).

وفى ذلك نقول:

أن علاقة المرض النفسى(المريض النفسى) باللغة علاقة شديدة التداخل والتعقيد، وهى لا تقتصر على انهيار اللغة وتفككها وعجزها فى بعض الأأمراض (مثل الفصام) بل أنها قد تمثل بالمعنى التعةيضى والابدالى، فيتملك المريض ناصية لغة فصحى، أو أجنبية تملكا يغذى ” تفرده” وفى نفس الوقت يعفيه من العلاقة الخطرة بلسان الأم([18]) فنحن نفترض هنا أن اختيار هذا الشاب لاتقان هذه اللغة الخاصة، ثم نزوعه الى التعبير بها دون اللسان الادى، هو بديل عن عرض “الجدلغة) (بتسكين الدال وفتح اللام الثانية)([19]) – وكأنه بهذا اللسان الأجنبى يتكلم لغة خاصة ممية اكتسبها هو بنفسه، متخلصا – قليلا أو كثيرا – من لسان فرض عليه، وكأنه يستطيع بهذا اللسان الخاص غير الشائع أن يعرى احتياجاته بلغته “المختارة” أكثر مما يفعل بلسان الأم (المعروف للجميع وللأم خاصة).

– وقد لاحظت أنه استعمل أسلوبا راقيا وبعض الكلمات التادرة الرصينة التى توقفت مليا أحاول ترجمتها بنفس الدقة التى توحى بها، وأعترف أنى عشت هذه الكلمات معه بأعماق أحرجتنى خوفا من أن أنقلها ناقصة الى لغتى (لهذا أيضا أرودت النص).

– كما نلاحظ أن هذه العينة المباشرة شديدة التماسك، بل أكثر تماسكا من لمعتاد، وكأنها تعلن أنها “ضد الفصام” – فتذكرنا أن أعراض هذا الأخ الأكبر (زهير) هى عكس شقيقة التوأم رغم وحدة الأصل.

ثم ننتقل بعد ذلك الى المحتوى:

أولا:  المقتطف الأول:

يعلن هذاا ملقتطف بصراحة طبيعة العلاقة العلاجية، وما يصاحبها من تراوح بين الطمأنينة،و الشك، بين الاعتماد والثورة على التبعية، بين التأكيد على التفرد والاستغاثة بالمعالج، بين مقاومة الاغارة العلاجية والحرص على الشكر المعالج وتقديره.

ثم ندخل فى التفاصيل:

(أ) فيبدو أن المرضى قد خطأ خطوات محدودة فى المشروع العلاجى، وحين تهدد بالتغيير، توقف، وحزن،و أعلن  أنه تعلم بسرعة ما فيه الكفاية، ونحب أن نشير الى تحديده أن ما تعمله هما ليس هو حتم التغيير فى ظل أمان آخر ووسط آخر غير ما كانت تمثله العائلة (مما تعتبره مفتاح العلاج الحقيقى) – ولكنه تعلم (بسرعة) ألا يستأنف (لاحظ كلمةresume  التى اخترت أن اترجمها “يعاود” أو “يستأنف” ) تعلم ألا يستأنف العلاج، وفى نفس الوقت راح يستأنف العلاج، واستعماله زمن الماضى رغم أنه ما زال تحت العلاج، لع دلالته، فهو اذا يقول: ” الأيام التى أمضيتها” أما يعلن محاولة (ظاهرة) للتخلص من آثارها (الطيبة!) أكثر مما يعلن أنها وآثارها أصبحت فى حكم الماضى (الذى يذكره بالخير مهما كان)، ولعل وضع لفظ “لكن” (السطر الرابع نم المتقطف) دون أن يستعمل للاستدراك،(فلا يوجد ثمة تناقض أو تعارض بين ماقبل “لكن” وما بعدها) أنما يستعمله ليدعم هذا التفسير الذى نقدمه وهو: أن المريض يعلن الاحتجاج والتوقف، لا ليتوقف فعلا، وانما هو يعيد اختياره من موقع جديد، فيحاول أن يستمر من منطلق تأكيده لتفرده، مع الاحتفاظ بسرية تبعيته، وهذا من أهم وأصعب المواقف العلاجية، وحين يجتازها المريض، تتغير العلاقة العلاجية جذريا لصالحه.

(ب) كذلك نلاحظ فى نفس المقتطف أن المريض وصف المرضى الآخرين بأنهم مجموعة من “العجزة”، وهذا يحمل ما يحمل من أسقاط يبرر بعض أسباب رفضه (الظاهرى) للعلاج اكثر مما يشير الى دمغه إياهم بصفة مهينة أو ييئة وكأنه يقول: “أننى اذا استسملت لك، فسوف أصير تابع عاجزا مثلهم”، فهذا الموقف العلاجى “ثنائى الوجدان” ambivalent أنما يدل على الصراع الخطير فى مجال التربية عموما وفى مجال اعادة التربية (العلاج) خصوصا، وهو موقف يعيشه الأصغر فى مواجهة حاجته للأكبر، جنبا الى جنب مع حاجته للتخلص من وصاية هذا الأكبر، ونلاحظ ان مريضنا وهو يعترف ضمنا أنه “مثل سائر المرضى” (هؤلاء العجزة) راح يستدرك فورا بهذه “اللكن” التى يبدو أنها لم تدركه، لأنه ألمح  الى أسباب أخرى لم يذكرها أصلا.

(جـ) ثم أنه حدد رفضه لطغيان المعالج خاصة “وسط هؤلاء الناس” وكأنه يقول: “ياليتك تطغى فتحتوينى، ولكن ليس أمام الناس، ويا حبذا علمى شخصيا”– وقد تصورت ذلك وهو يستعمل تعبير “أنى لا أتقبل فكرة أن تطغى على” ولو صح استنتاجى فهذا التعبير يختلف عما لو قال “أنى أرفض أن تطغى على” على أن ثمة احتمالا آخر، فقوله “وسط هؤلاء الناس” قد يعنى  حاجته وحاجة كل مريض للشعور “بالخصوصية”، والخصوصية لا تعنى لاسرية هنا وأنما تعنى أن يكون له وضع خاص فى وعى المعالج وأن يحظى باهتمامه أكثر من بقية المرضى (بل وبقية الناس)، وهذا حق كل مريض، بل كل انسان، ولو كخطوة مبدئية، ولكنه فى نهاية النهاية يتعارض مع القول الموضوعى الذى ينبغى أن تملأ وعى المعالج حيث لا يتميز مريض عن مريض (ولا انسان عن انسان) الا بقدر “الحاجة الأولى” “والفرصة الأرحب” (مما لا مجال لتفصيله هنا الآن) – وكأن مريضنا هنا يقول أنى “مختلف”، “لست رقما”، لهذا فلابد من وضع خاص يميزنى عن “هؤلاء الناس”([20]).

(د) ثم ان مريضنا قد صرح أن قطع العلاج قد يكون خطأ، لكنه جهز نفسه للأسوأ، بمعنى أنه يفعل ذلك بوعى كامل وعلى مسئوليته مقابل ألا يدع المعالج “يقمعه” مهما كانت النتائج ([21]).

ثم بعد كل ذلك: هو لم يخرج من القسم، ولم يقطع علاجه، وبعد ثلاثة أايم كتب هذا النص الثانى، لكنه لم يقدمه للطبيب المعالج مباشرة، فلم يفتتحه بـ “عزيزى الطبيب” مثل الأول، لكنه عنونه بعنوان فرعى، وكأنه يذكر نفسه بما يريد أن يتساءل حوله، ثم هو قد  كتب هذا النص الثانى بالقلم الرصاص كتابة باهتة، وكأنه لا يريد تحديد احتياجاته باعلان محدد، وهذا التفسير يسير فى نفس اتجاه عدم مخاطبة الطبيب مباشرة.

حول المقتطف الثانى:

نلاحظ أن هذا المقتطف الثانى قد كتب بعد الأول بثلاثة أيام فقط (8 / 2 / 60) مما يرجح ما ذهبنا إليه من أن أعلان الاحتجاج كان وسيلة طيبة لاستمرار العلاج وقبول “حقه” فى ادراك، وربما احتمال ارواء، احتياجاته:

وقد حوى هذا المقتطف الثانى معظم مشاكل هذه السن بغض النظر عن أن كاتبه هو مريض فى قسم داخلى للأمراض النفسية، وكذلك بغض النظر عن نوعه مرضه، وكأن المشاكل هى هى المشاكل فى السواء والمرض، وفى كافة الأمراض، مع تغير حدة الوعى بها، وطريقة مواجهتها، وتصادم تفاصيليها …. الخ، وهذا يجعلنا ننتبه الى أن الموقف فى المعالجة الطبية، ينبغى أن يختلف جذريا عن الموقف فى الندوات النصائحية، وعنه فى أبواب الصحف تحت “عزيزى المحرر …” وما شابه، فالمريض يقول نفس الكلام ويكرر نفس الشكوى ويثير نفس القضايا لكنه يحتاج لتناول آخر من بعر آخر، والذى يتصور أن الطبيب النفسى هو ماسك مفاتيح اجابات الشباب الناجعة هو خاطئ لا محالة، والطبيب الذى يستجيب لمرضاه بالنصح والارشاد يتنازل – دون أن يدرى – عن فن حرفته، ويسطح جوهر علمه، ثم هو فى النهاية لا ” يعالج” مرضاه بالمعنى الحقيقى للعلاج.

ثم نتناول المقتطف بالتفصيل فنقول:

1- أن شعور المريض أن ما يتعبه هو انه “جد اكثر من اللازم” ([22])، وأن ذلك يفرض عليه الوحدة، هو شعور جاد وحقيقى، والربط السببى فيه مقبول، لكن يبدو أن مريضنا هذا قد بالغ فى ” جديته”، اذ فرض على نفسه “جدية” والديه من داخله([23])، وربما كانت هذه الجدية هى التعويض المناسب لعكسها (انطلاقاته الجنسية العفوية بلا شعور بالذنب

ففى بداية المراهقة) – وقد أدت هذه الجدية إلى كبت متزايد حتى أنهك، ثم تعرض لتعرية احتياجه أمام تلك الزميلة (الحبيبة / سنة أولى) فمارس معها مزيدا من الجدية النصائحية لدرجة جعلتها تنفر من وصايته الوالديه ، فتضاعفت وحدته وربط بين موقفه الجاد، وبين وحدته القاسية (وجوعه العاطفى : بداهة).

2- فإذا انتقلنا إلى الفقرة الثانية فى المقتطف لاحظنا أن العنوان قد اتخذ شكلا معدلا، فبدلا من أن يعنونها بما يصف محتواها مباشرة (مثل: الحالة العاطفية أو الاحتياج العاطفى) عنونها بـ “الدعم العاطفى”. ثم راح يستأذن (ويرجو) أن ينصحه أحدهم (المعالج أساسا) إن كان عليه (ليخفف من جديته) أن “يدخل” بعض الضوء، بعض اللون… الخ، وكأن جديته المفرطة قد مسخته فجعلته بلا لون، أو ضوء، ولكن علينا أن ننتبه إلى طريقة تساؤله هذه  ومغزاها، وكأنه قد نصب فكره القح وصيا وحارسا على مخزن العواطف والتلوين !!، وكأن المسألة آلية تدور بتحكم يدوى هكذا : ” يفتح بابا، ليدخل “بعض” الضوء أو بعض اللون” (حسب التعليمات !!).

وهذا الموقف ينبه إلى خطورة التمادى فى الاعتماد على ما هو “عقل وارادة” باعتبار الفكر المجرد هو قائد المسيرة ومنظم لكافة جوانب الوجود، فالانسان يصل إلى مثل هذا الخلل فى توازن نواحى نموه حين يبالغ فى التعويض المعقلن دون الاهتمام “بالانطلاق الخبراتى”، وكأن هذا الشاب باعلانه حاجته إلى الدعم العاطفى انما يصرخ آملا فى تكامل الوجود، لكنه يفعل ذلك بوصاية فكرية خائبة، وكأنه يضيف قدرا معلوما من “الزيت” إلى “موتور” وجوده بحسبة معقلنة جافة، والعلاج (والتربية) يتطلب ألا نخدع بهذه النوايا الحسنة، والاستغاثات المشروطة، وفى نفس الوقت يتطلب أن نحقق لطالبها حقه فى كل هذا وذاك، ولكن من مدخل آخر، وبأسلوب آخر، فقد يلزم الأمر أن نعطيه – رغما عنه، ومن خلف وعيه الظاهر ما طلبه بمحض اختياره، وهذه معادلة علاجية صعبة، لكنها لازمة، حتى لا يبادر “بحرق” حقه بألاعيب وصايته: بالمسخ أو المحو أو التشكيك (وهذا يحتاج إلى تفصيل آخر فى موضع آخر).

3-ثم ننتقل لما جاء بالمقتطف فى الفقرة الجنسية: فقد وضع هذا المريض الأمر فى يدى المعالج من جديد، وكأنه سيقبل نصيحته لينفذها بقرار محدد بالضغط على “زر” التحكم المعقلن!!!

فهو يتساءل ابتداء : هل يستمر “هكذا” (باردا، جافا، محرجا، شاكا) أم عليه أن “يتغير”،  فان كان ثمة تغير، فالى أين؟ وهو يشترط – ضمنا – وفى نهاية النهاية (وبين قوسين) ألا يكون التغيير هو أن ينساق وراء غرائزه ليتحول إلى “وحش” فيذكرنا ذلك بفترة المراهقة الباكرة وما صاحبها من افراط جنسى من كل نوع ولون بلا أدنى تردد، فنعود نتساءل عن جدوى هذه الممارسة المفرطة والمبالغ فيها، وهل اطلاق الغريزة “هكذا” منذ بدء نشاطها هو “الطبيعى” ولو كان ممكنا!!؟ وهل لو كان قد تم كل هذا “بسماح ما” (فى مجتمعات أكثر حرية مثلا) هل كان يعنى أننا نقترب من الحل المناسب؟ أم كان الأمر سيتمادى بلا رادع أصلا؟، وهل اجابات هذه الأسئلة هى قضايا أوسع من التعليق عليها هنا فى هذه الفقرة، فنكتفى بأن ننبه إلى أن تناقض الانطلاقة المراهقة العفوية، مع قهر الوالد الداخلى الذى راح يصور الأمر من منطلق احترام الذات والحفاظ على الكرامة هو الذى يفسر ما آل إليه الأمر عند صاحبنا “هكذا”.

أما الفقرة الرابعة فى المقتطف (حسب ترقيمه هو) فقد عرضت لنا الحلول الشائعة لمسألة تناول الغريزة الجنسية قبل الزواج، فتناولت: التسامى، والاعلاء، والابدال . . وهى حلول تصدر عادة من رجال الدين والمدرسين (الأوائل)، وعلى الطبيب أن يحذر من الاستهسلال فى نفس الاتجاه، لأن عليه – مرة ثانية –  أن يكون طبيبا، ولكن كيف؟ فاذا كانت الغريزة وحشا، والجفاف موتا، والتسامى اختباء، والنصيحة تسطيحا، فماذا يمكن أن يقدم الطبيب؟

ثم ان هذا الشبا، قبل أن يسأل هذا السؤال قد حاول نفسه طرق باب كل الحلول التى عاد يتساءل عنها، فهو قد لعب الرياضية  العنيفة (وكأن يبدو فى المستشفى شديد المراس، عضلىالتكوين لدرجة احتمال فوزه ببطولة ما فى كمال الأجسام أو رفع الأثقال) ومع ذلك فقد ظل نفس التساؤل يلح بنفس الشدة، وقد راح المريض يشرح (فى المقتطف) كيفية عمل هذه الوسائل بأنها “تنهك الجسد وتتسامى بالروح والعقل”  ولكن واقع الحال يقول انها فشلت تماما، فانهار تحت أول ضربة “هجر” من حبيبة لم تحتمل “والديته” ثم انه عاد يمارس كل هذا النشاط الرياضى العنيف فى القسم الداخلى، ولم يساعده ذلك – مباشرة على قدر تقديرينا – فى خطوات علاجه، كما لم يوقف تساؤله حول ذات الموضوع. – فهو إذا ظل يتساءل (الفقرة الثالثة) هل يستمر هكذا؟ (بما أشار إليه من جفاف، ورتابه، وحرج) لابد أن “هكذا” هذه كانت تشمل هذه الممارسات العنيفة الفاشلة.

وأنا بذلك لا أحاول أن أضرب هذا النوع من “الاعلاء”، لكنى أنبه أنه ان جاز أن يكون نافعا فيما هو نصح دينى، أو مهرب تربوى فهو لايجوز أن يكون هو العلاج الطبى بنفس اللجهة الارشادية على طول الخط، وخاصة إذا كان المريض قد أتى بعد ما حاوله وفشل فعلا.

فقضية الطبيب ليست فى كيفية الاجابة عن هذه التساءلات، ولكن فى معرفة مغزى ظهورها “الآن”، “هكذا”، “بعد ماذا”، “والى أين”، …. الخ – وفى مثل حالة مريضنا هذا، كان علينا أن نركز على “مأزق النمو” اذ نحاول كسر وحدته “بحضورنا” فى وعيه، وبالتالى فى متناول ألمه دون أن نكسر تفرد ذاته باقتحام مباشر، ودون أن نسطح عمق خبرته باجابة مضروبة قبل ظهور السؤال أصلا.

تعقيب عام على زهير

عند هذه الوقفة الواجبة يمكن أن نحاول تحديد بعض معالم حالة زهير بالمقارنة بتوأمية فيما ذكرنا وما لم نذكر، فنرى :

1-كيف كان زهير نقيض أخويه، وخاصة زهران، من حيث  فرط تماسكه (تماسك زهير) وتنامى كرامته، وقدرته على القيادة والتحدى والمثابر.

أى كيف أنه لم يتناثر، (لم يتفسخ، لم ينفصم) رغم فداحة ضغوط داخله.

2-وكيف تناقض تاريخه الجنسى فى المراهقة الباكرة مع موقفه التعويضى والرومانسى فى تجربته العاطفية المتأخرة.

3-ثم كان تشخيصه هوسا مختلطا باكتئاب قابع فى أرضية وعيه معظم الوقت، رغم وفرة النشاط وغلبة مظاهر العظمة، والاعتداد بالقوة وتمادى السيطرة الظاهرة.

4-كما نستطيع أن نقول اننا إذا وضعنا متدرجا بين التفكك والتماسك، بين التناثر الفصامى واللم اللانفعالى، بين تشخيص الفصام وتشخيص الاضطرابات الجسيمة للوجدان، لوجدنا:

(أ) أن هذا الأخ الأكبر يقع على أقصى طرف الهوس فى أرضية اكتئابية، (اللم الانفعالى) كنوع صريح من الاضطراب الوجدانى الجسيم.

(ب) فى حين يقع التوأم الأول “زهران” على أقصى طرف الفصام(التناثر) كنوع صريح من التفسخ الفصامى الخطير.

(ج) ثم نجد زاهر يقع فى موقع ما بين هذين الطرفين حسب كل نوبة من نوبات مرضه

التناثر <================> اللم (بالانفعال المفرط)

زهران <======== زاهر  ========> زهير

الفصام <=================> الهوس (؟ + الاكتئاب)

5- كذلك لاحظنا أن زهير إذ لم نفسه ضد الفصام امتلك ناصية لغة متماسكة حتى بدا عكس اضطرابات اللغة فى الفصام تماما.

6-ثم أظهر لنا موقفه من العلاج ضرورة الاهتمام بكلية الموقف العلاجى، وضرورة الانصات لقنوات الحديث وليس الاقتصار على الاعلان اللفظى، فقد سهل احتجاج زهير بما أعلن من كلمات، أن نحسن الانصات له دون تنفيذ ظاهر مطالبه، ومن ثم أن يواصل زهير المشروع العلاجى من منطلق أعمق.

هامش حول القياس النفسى والعلاج والمتابعة:

وقد استمر زهير بالقسم الداخلى حتى أتم خمسين غيبوبة أنسولين على مدى شهرين، وتحسن تحسنا ملحوظا، وكانت للمقاييس النفسية التى أجريت بانتظام دورها الهام فى تتبع الحالة خاصة، وبالذات حين ارتفع أداؤه على مقياس تجريدى عملى بالذات من أدنى الدرجات الى أعلاها فعلا بعد الغيبوبة الثلاثين، رغم أنه كان محتفظا طول الوقت بأدائه اللغوى الفائق.

هذا ولم نحصل على أى أوراق لزهير بعد ذلك بطريقة مباشرة، فاكتفينا بالمعلومات التى استقيناها من أوراق أخيه التوأم الأول زهران، ثم أخيه الأصغر زهر، فعلمنا أنه تخرج من كلية الآداب دون تعثر دراسى، وأنه عمل فورا واستمر فىعمله، ثم سافر للعمل باحدى البلاد العربية بعد أن تزوج، وقد عاودته النوبة تلو النوبة، وبدا أن أغلبها هوسى أيضا، فكانت جميعها دون اعاقة باقية، وقد وصلت حدتها إلى درجة خطيرة مرتين (على الأقل) وقد استنتجنا درجة الحدة هذه  من دخوله مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية مرة، ومستشفى الخانكة مرة أخرى، لكنه عاود حياته مع تكيف متوسط لا يخلو من صدامات فى العمل، وسخط عام، وتوتر زوجى، ولم ينم إلى علمنا ما توقعنا له من تفوق ما فى بعض مجالات الابداع أو الرياضة رغم أنه واصل حياته بكفاءة واستقلال لايمكن التقليل من دلالتهما.

ثم ننتقل إلى الأخ الأصغر والأخير.

حالة زهر

هو الأخ الرابع والأصغر

مازلت أذكره حين رأيته فى قصر العينى، كان ذلك فى آخر سنة 1959، وكان طفلا جميلا – حول التاسعة – حضر مع أمه وأخته لزيارة اخوته، ملئ بالنشاط والحياة، يلعب فى “الطرقة” فى القسم الداخلى، ويشاكس هيئة التمريض، ويحبه الجميع دون استثناء، ولست أدرى كيف لم يخطر على بالى حينذاك، ورغم ثقل التاريخ الأسرى والاستعداد الوراثى، لم يخطر على بالى أن هذا الطفل سيمرض (مثل اخوته أو غير اخوته أو غير اخوته يوما ما) – حتى انى فوجئت حين أبلغونى – صدفه – (سنة 1980) انه بالقسم الداخلى ([24]) وكانت مفاجأة حزينة قابضة، وحين رأيته لم يكن هو، فأنى لم أتبين فيه أى ملمح مما أعرفه عنه، أو كنت أتوقعه منه، إذ كنت أحسب أنى أتوقع – إذا ما سمحت لنفسى تبالتوقع – على أسوأ الاحتمالات، أنه قد يصيبه نوع من الاضطرابات الوجدانية الجسيمة أقرب إلى أخيه الأكبر زهير، لكنه كان “شيئا” آخر.

كان “شيئا” كبيرا، ربما أطول من اخوته كما أتذكرهم، أو ربما تصورت ذلك لأنى لم أتصور أن طفل الثامنة المرح قد أصبح بهذا الهيكل الجسيم، ثم ان تركيبه البدنى لم يكن عضلى التكوين مثل أخيه الأكبر زهير أو حتى دائرى التكوين مثل أبيه، بل كان تركيبا خليطا يتقدمه كرش مترهل وتسرى فيه رخاوة عامة، فلم أطل الوقوف معه – ألما وعجزا – ورحت أراجع أوراقه وأنا فى حال.

فقرأت – لكم – بعضها على الوجه التالى:

مرض “زهر” (أو أعلن مرضه) عقب وفاة والده منذ 12 سنة (المشاهدة سنة 1980) كان عمره حوالى 18 سنة، ولم تعاوده النوبات فى دورات متكاملة متبادلة مع فترات سلامة واضحة، لكن مسار المرض أخذ شكلا متغيرا فلم يكن سليما تماما بين النوبات، وتراوحت نوباته بين التفكك المتوسط، والتفسخ الجسيم، والتنشيط الوجدانى، والتهيج الحركى، ثم انى لم أجد تواريخ دخوله المستشفيات تحديدا، لكن الثابت تعميما انه دخل مستشفى قصر العينى ثلاث مرات والعباسية ثلاث مرات، فضلا عن النوبة الأخيرة (سنة 1980 – قصر العينى) – وان كان كل ذلك لم يعقه أن يكمل دراسته حتى نهاية معهد فوق المتوسط للفنادق، كما لم يحل بينه وبين أن يعمل بانتظام نسبى مع بعض المضاعفات المؤقتة، والمصادمات المتكررة وخاصة وأن عمله كان يحتاج إلى انضباط وعلاقات معا (كابتن فى فندق).

كانت شكواه يغلب عليها أعراض الهلاوس والضلالا، فوق أرضية من التفكك المنسحب:

  • “ساعات يجيلى تهيؤات، أصوات تكلمنى، تشتمنى يا كلب، أو تتكلم مع بعضها فى حقى”
  • “مش موفق فى العمل وما باشتغلش بالمستوى بتاع زمان”.
  • “أحيانا لما أقعد فى حته فيها ناس يكونوا بيتكلموا أحس انهم بيتكلموا على، وان فيه حد عايز يأذينى”

وتقول أخته فى مرحلة الشكوى(فى أوراق المشاهدة):

  • بيضحك بصوت عالى من غير سبب
  • “يتردد فى الكلام وعمل أى حاجة”
  • “قبل ما يدخل المستشفى اتبول على روحه مرتين”

وحين نعاود قراءة هذا المقتطف – تفسيرا وتمحيصا – نلاحظ:

1-أنه يحدد كيف أن تلك الاصوات التى تسبه سبا محددا “يا كلب” ما زال ينعتها بأنها تهيؤات، فهل معنى ذلك أنه يعرف أن مصدرها هو الخيال، أم يا ترى هو يعامل خياله باعتباره “حقيقة أخرى” وأنه يستعمل تعبير “بيتهيأ لى” استعمالا فيه قوة الحقيقة؟

للاجابة : أرجح الاحتمال الأخير، وخاصة أنه حدد الكلمة التى يسمعها بمنتهى الوضوح، ثم ألحق ذلك بوصف نوع من الهلاوس السمعية التى تميز الفصام – فى أطواره النشطة – بوجه خاص، وهى تلك التى تتحدث “عن” أو تتناقش “بشأن” أو تعقب “على”  المرض وأفعاله، بحيث تتكلم بضمير الغائب لا المخاطب (مثلا : تقول الأصوات فيما بينها: – “هو” كويس

  • لأ والله ما “هو” نافع
  • أبدا دا “هو” طيب
  • يا سيخ سيبك، بقى ده راجل ده؟ ………. الخ

 وبالرغم من أن هذه الضلالات، والهلاوس تدل على تماسك نسبى الا أن الأعراض التالية تشير إلى مظاهر الانسحاب وعمق التفكك.

2-وقد اعتاد الأطباء النفسيون أن يعتبروا مثل هذا الضحك علامة تدهور، لمجرد أنه (مثلهم مثل أخته). يعتبرونه ضحكا بغير سبب، فهل هو حقا كذلك؟ أليس الأولى أن نربطه بهذا العالم الداخلى الذى بدأ يقتحم وعى المريض، سواء بما يضحك، أو بما يبكى، ألا يجدر بنا أن نغير تعبير “ابتسامه بلهاء لا معنى لها” إلى “ابتسامه ذاتيه” Egoistic smile أو ابتسامة ذاتوى Self smile أو ضحك سرى Secret laughter  وكذا انفجارات البكاء، وخاصة مع الذات، وخاصة فى الظلام يمكن أن تفسر فى نفس الاتجاه.

3-ثم يأتى عرض التردد هذا، وهو من أهم مظاهر “تعدد القيادات” فالتردد ليس عجزا عن القرار، ولكنه – عادة – نتيجة لصدور أكثر من قرار، من أكثر من ذات، فى نفس الوقت، (أو بالتبادل السريع) قبل أو بعيد (بضم الباء وفتح العين) تبداية التنفيذ، فاذا أصدرت القيادات قرارين بنفس الحدة فى نفس اللحظة حدث التصادم حتى يظهر عرض العرقلة Blocking فى الفصام، أو عرض بطء الاستجابة Retardation فى الاكتئاب (وهذا الأخير له تفسيرات أخرى) أما اذا صدرت الأوامر بالتبادل السريع فإنها تظهر فى شكل هذا التردد وخلافه.

4- أما أن يصل الأمر إلى فقد القدرة على التحكم فى التبول، فإن ذلك لا يحدث إلا فى الحالات المتدهورة فعلا من الفصام، لكن حالة زهر، لم تكن بكل هذا التدهور، ونحن نرى أم مثل هذه الأعراض الموقوته والمحددة  ببضع مرات، لا ينبغى أن تؤخذ بذاتها علامة على التدهور، اللهم الا إذا أصبحت هى القاعدة، فمقابل أنه “تبول على روحه مرتين” خلال أسبابيع ، فهو قد تحكم فى التبول عشرات المرات فى نفس هذه الأسابيع، (الا مرتين)، فالمسألة ليست فشلا فى التحكم، وإنما هى قد تكون نبضة نكوص لحظية، أو دفعة انسحاب للوعى حتى “أهمل”ت وليس “عجزا عن” التحكم فى هذه العملية فى تلك اللحظة، وكل هذا يدلعلى “خطورة” الحالة ونشاط الجذب النكوصى والانسحابى، ولكنه لايدل بالضرورة على تدهور جسيم جاثم، وعلى ذلك تجدر التفرقة ومنذ البداية بين العجز عن التحكم نتيجة لتفسخ غائر، وبين “فلتات الاهمال” نتيجة لتحولات الوعى من مستوى إلى مستوى.

ويتأكد ما ذهبنا إليه حالا (من أن الحالة ليست “بهذا” التدهور) حين نستمع اليه وهو يحكى عن النوبة الاخيرة بترابط مناسب، ووضوح، وتعليل (ليس بالضرورة هو حقيقة العلة لكن مجرد ذكره هو ما يعنينا هنا) : لنحضره (وهو يقترب من حالة زهير) وهو يقول :

“جت لى صدمة عاطفية ([25]) شوية ، اللى حصل أنى كنت فى حالى … تعرفت على بنت … ، خدت منها ميعاد، واتقابلنا واتعرفنا، اندمجنا مع بعضنا عاطفيا، وجسديا، ونفسيا، اللى حصل انى ماقدرتش اننا نكون أسرة مع بعض …. الواحد مش قادر يكون نفسه، أو يكون نفسه كما يحب أن تكون الحياة، مع العلم أن الحياة نفسها اقتصاديا الواحد عشان انه طيب، ماحدش بيسأل فيه.. الواحد زى ماتقول شاعر بالذنب، انه آذى واحد..، آذى نفسه … ، شعور بالألم ترسب فى الأعماق …” .

فنلاحظ فى النصف الأول ما يشبه السبب الوجيه (مما يطرب له العامة والمسلسلاتية)، وقد يلتقط بعضهم حكاية “اقتصاديا” فيربط بين الاحباط العاطفى والقهر الاقتصادى، أو يطمئن الى أنه – ويا للعجب – وجد السبب، وهذه أرضية لا نرفضها، الا أن الاكتفاء بها، أو التضخيم من شأنها يجعلنا نغفل النظر الأعمق لدراما الوجود البشرى فى خبرة تصدعه.

وفى هذا نقرأ ثانية:

1- فبعد ذكر الأسباب (حسب تصويره وتصوره) أعلن أن “الواحد مش قادر يكون نفسه، وهذه الجملة شائعة بين المرضى والأسوياء على حد سواء، وهى ليس لها نفس المعنى، فقد تبلغ المسألة أسطح التسطيح، وقد تدل على خبرة وجودية شديدة الغور، (أ) فقد يكرر الشاب مثل هذا القول بغير سعى، أو خبرة اصلا وكأنه يعنى الانفصال عن الأب أو التميز عن الاخوة أو ما شابه (ب) وقد يكون هذا الزعم مهربا من أن يكون الانسان نفسه الحقيقة بمعنى جهاد النمو وتقبل المراحل، أى أن الانسان قد يعلن أنه يريد أن يكون نفسه، حتى لا يكون نفسه فعلا، اذ ليس لفرد ما “نفس” بالمعنى المشاع، وانما الفرد هو جماع متكثف من نفوس الآخرين يتمحور أبدا حول ذاتيه محتملة التحقق كمشروع لا يكتمل أبدا، فاذا أثيرت هذه القضية بهذه الطريقة “الغربية” ([26]) فى غير أوانها، وعلى مستوى الفكر والعقلنة دون الممارسة – فأنها تعوق فى النهاية، بل ربما منذ البداية أن يكون الفرد غيره، وبالتالى لا يكون نفسه أبدا، وكأننا لكى نكون انفسنا لابد أن نكون غيرنا (دون أن ندرى عادة) (جـ) وقد يعنى هذا القول وعيا حقيقيا لصراع “التقمص / التفرد” بمعنى الوعى بالجهاد لضبط الجرعة وضمان تمثل الآخرين بداخلى فيما هو “أنا = يتكون” ، (الى غير ذلك من احتمالات).

وكلام زهر هنا يشمل – فى رؤيتى – أعمق المعانى (المعنى جـ) انطلاقا من أن الأزمة الفصامية تسمح بذلك، لكنه سرعان ما يتسطح الى ما هو أبسط من أسطح المعانى، لأنه يربط هذا (بأوهى روابط الفكر غير المسلسل) بالاستقلال الاقتصادى، ثم بالتبعية، فقوله “الحياة نفسها اقتصاديا” ثم النقلة مباشرة الى “الواحد عشان انه طيب” ثم مباشرة أيضا “ما حدش بيسأل فيه” يجعلنا نحاول أن نقرأ الكلام بالعكس، أى أنه: “لا أحد يسأل فى، لأنى طيب (غير ذى شخصية) – مع أنى “أحتاج” للمساعدة ماديا – حتى أتزوج من محبوبتى؟ فكل هذا يعلن اعتمادية سلبية لا تتناسب مع جهاد البحث عن ذات متفردة، فلماذا افترضنا أن البداية كانت شديدة العمق؟ نعم: لأن الفصامى حين يعيش خبرة التعرى والتفكك تتناثر شخوصه المكتسبة، والمطبوعة، والموروثة، تناثرا لا يبقى بعده ما يسمى “أنا”، ومن هنا يعى بوضوح حالة “اللا أنا” لكنه سرعان ما يلصق هذا بأوهى الروابط بأحداث ومشاكل من خارج الخارج وبطريقة شديدة التسطيح.

2- ثم نفاجأ بهذا الشعور الذنب، نعم نفاجأ لأن بداية الكلام كان لوم الناس لاهماله وعدم مساعدته (لأنه طيب …)، وكان لوما (بشكل ما) للظروف الاقتصادية التى حالت دون الارتباط بفتاته، ثم فجأة يرتد اللوم الى ذاته لدرجة الشعور بالذنب (دون ظهور أى علامات اكتئابية أخرى – حتى بكاؤه وحده لا يفسر بالاكتئاب هكذا مباشرة) – وفى ذلك نقول ملاحظتين:

(أ) ان الشعور بالذنب ليس قاصرا على الاكتئاب.

(ب) ان الشعور بالذنب قد يكون اعلانا للعجز (بمعنى أنه مقصر فى حق نفسه أن يكون نفسه أو أن يكون “غير طيب” حتى يحصل على حقه، لكن هذا التقصير لا يوجه للنفس وانما يسقط على مجهول آخر غير محدد المعالم، وهذا ما يبرره قوله المباشرة “انه أذى واحد.. أذى نفسه”.

3- وأخيرا فقد فقز مرة واحدة يفرق بين الشعور بالذنب والألم الذى ترسب فى الأعماق، وهذا غير ذاك تماما، لكن علينا أن نفترض علاقة ما، اذ يبدو أن هذا الألم الذى ترسب فى الأعماق هو الأصل، ثم هو ألم شديد الغور ولا أحد يراه أو يعترف به([27]) (انظر الى قولهم: المجانين فى نعيم، أى نعيم؟)، وبالتالى هو يتزايد بلا مبرر، فيأتى الشعور بالذنب تفسيرا لهذا الألم الذى يبدو أنه “عقاب لحقه من الآخرين، وبقصد متعمد، اذن لاد أنه مذنب … الخ ثم نربط بين هذا الألم المترسب فى الأعماق” وبين تفسخ الفصامى، فوظيفة التفكك والتفسخ فى الفصام هو فض اشتباك هذه المواجهة العميقة، والتى هى أصل مثل هذا الألم، لكن فض الاشتباك لا يكتفى بفك المواجهة وانما يتمادى الى التفسخ، ومن ثم الفصام ثم يبدو أنه (زهر) بصفته الأصغر (آخر العنقود) ظل فى حجر أمه مدة أطول، فكان الاعتماد هو أصل العلاقة بها (وبغيرها) دون تبادل مع عدوان، أو ثنائية وجدان ambivalence مثل اخوته جميعا وخاصة زهير، فلنسمع زهرا وهو يقول:

الواحد كانت والدته تحيطه بالعطف، كان حاسس أن ما علهوش مسئوليات، مش كل واحد راسم نفسه، وده وسطه بيوجعه، وده كله ما كانش يحصل، الأول ما كنتش أسمح بأى حد يكسر أى حاجة، أو أى حد يعتدى عليه”.

ويبدو من هذا المقتطف أن النقلة من الاعتمادية الطفلية الى مسئولية مواجهة الآخرين كانت فجائية وبلا اعداد، كما يلاحظ ضعف الترابط (مثلا: بين: كل واحد راسم نفسه، (ثم فورا) وده وسطه بيوجعه، كما تبدو هنا معالم الهزيمة من حيث “الوعى بالعجز” وهو شعور داخلى لا يعنى عجزا فعليا بالضرورة، وليس من نوع همود الاكتئاب ولكنه يشير الى ضآلة التناسب بين قدرته  المحدودة فى وحدته الجديدة وبين استقباله لمتطلبات الواقع وتوقعاته للسحق أمام جبروت الغير.

يقول فى موقع آخر: “الناس مش زى الأول

الناس كترت

الناس كانت عندها طيبه وموده ورحمه

النهارده ما حدش بيسأل عن حد

وهذه الأقول تبدو معادة من معظم الناس الأسوياء وغيرهم، لكنها فى هذا السياق ومن “زهر” – بكل هذه الأرضية، لابد أن توضع فى مكانها مع الأبعاد الأخرى، وأرى أن تكراره لحاجته لوالديه هو أصل مثل هذه الأحكام

“حاسس أن مفيش عطف

فاقد الوالد والوالده

“وبعدين الناس بتعامل الواحد فى الشغل باستحقار وعظمة

“الواحد يكون طيب يقولوا عليه أنه تعبان فى مخه”

فنعود مرة أخرى الى ارتباط الطيبة بالعجز بالحاق الظلم بالاتهام بالجنون([28]) وهكذا ترى أن زهر عاش مرضه خليطا من التفكك والاضطراب الوجدانى، لكنه لم يكن محاربا أصلا لا فى مرضه ولا قبل مرضه، وحتى الأعراض التى ظهرت، وبدت وكأنها آثار هزيمة لمعركة لم تبدأ، أو أنها فلول جيش انسحب قبل المواجهة أصلا، حتى وهو يتكلم عن بداية المرض يقول:

“المرض ابتدا من خمستاشر سنة، تغير اجتماعى، هوه فسيولوجى، الواحد حس انه محروم من حاجات مش قادر يوصل لها، انه محاصر من كل جهة”

فانظر كيف بدأ المرض قبل بدايته الحقيقية المعانة([29]) (18 سنة)، ولكن ماذا بدأ؟ بدأ الاقتراب من الوعى بالحرمان، والوعى بالحرمان غير الحرمان، ثم بدأ الوعى بالعجز “محاصر من كل جهة”.

وهذا الحصار ترجم فيما بعد الى أصوات (هلوسات) شديدة التحديد

“اصوات أكثر منها مخيلات”

وقد عبرت هذه الأصوات عن الحصار بطريقة فريدة، فهو ليس حصار الاضطهاد أو المراقبة فحسب، وانما هو أيضا حصار الرعاية وتحقيق الرغبة.

“أصوات .. تشتمنى، تمدح فيه، تزفنى أكثر منه مدح” فالحصار هنا يمكن ترجمته الى أن “الداخل الدافع” اصبح “خارجيا محيطا” فبدلا من أن يتلقى اللوم، والثناء بطريق غير مباشر من جوهره الداخلى الملتحم بالكل الواحد، أصبح هذا الداخل مسقطا فى العالم الخارجى، فانقلب اللوم الى “أصوات تسب” وانقلبت الرغبة فى رضا الوالدين الى “أصوات تمدح” بل “تزف”.

وحين يصل الأمر الى ذلك المدى يصبح ما يتبقى من الذات ظلا خافتا بلا معالم ولا قرار، وحكاية فقد أبعاد الذات Loss of ego boundaries والتى ترتبط عادة بأعراض السلبية Passivity انما هى اعلان لهذا القلب ليصبح الداخل خارجا منفصلا، يؤثر من خارج على ذات هى ظل ريشة خافته بلا ارادة ذاتية فقد أجاب مريضنا (رغم أنه لم يقلها ابتداء) عن أسئلة تقول:

– حد بيسحب أفكارك من دماغك؟. حد بيحشر أفكارك فى مخك؟

– حد بيعرف أفكارك من غير ما تقولها؟ حد بيذيع افكارك؟ حد بيتحكم فيك أو فى أفكارك؟ أجاب عن كل هذا بالايجاب، مما يدل بأن الذات بعد القلب ومحو المعالم أو بهتان الحدود قد أصبحت كالوعاء العارى أمام قوى الخارج الحقيقى/الساحق والخارج المسقط (بضم الميم) على حد سواء.

وبعد

فهذا هو الأخ الأصغر الذى يقع فى المتدرج ما بين التوأمين من حيث درجة التفكك فى مقابل التماسك الوجدانى ومن حيث مسار المرض الدورى فى مقابل المسار المتغير، فحالته من نوع الفصام الأقل تفككا من زاهر والأكثر تفككا من زهران، وان اقترب فى بعض النوبات العنيفة من حالة الاضطراب الوجدانى الهوسى الجسيم مثل زهير الأخ الأكبر.

تعقيب عام عن الحالات الأربع

بعد عرض حالات هذه الأسرة التى استطعنا تتبعها على مدى عشرين عاما، تشاء ظروف النشر والكتابة أن نعرضها على طرفى ست سنوات، يمكن أن نوجز بعض المغزى العام الذى حاولنا تحديده من خلال عرض هذه الحالات وأحوالها على الوجه التالى:

1- فى هذه الأسرة الواحدة تنوعت أشكال المرض من حيث تفاصيل المحتوى والتركيب، من فرد لآخر، حتى فيما بين التوأمين المتماثلين.

2- تحدد هذا التنوع – رغم وحدة الاستعداد الوراثى – بعوامل متداخلة لا يمكن فصلها أو حتى ترتيب أهميتها، الى أن دلالات خاصة يمكن أن ترتبط بعوامل مثل (أ) الشخصية قبل المرض بما يشمل أساليب التعويض الناجحة – ولو مؤقتا – لضبط أو تأجيل المرض (ب) ترتيب أفراد الأسرة (جـ) نوع التلقى للمرض – وارهاصاته من قبله – من جانب الأسرة (د) التبكير بالعلاج ونوع العلاج المبدئى واطاره (هـ) فرص التأهيل الحقيقية للاقلال من الآثار المتبقية.

(وأن لم يظهر أثر كل هذه العوامل مباشرة فى العرض المقدم، فأننا قد استنتجناها من مجمل المعلومات وتفاصيل لم تنشر).

3- اختلف التشخيص على مستوى الفئة الفرعية: فالأخوة الثلاثة ذوو التشخيص الفصام كان تشخيصهم الأول (أول نوبة) على الوجه التالى: زهران( توأم(1): فصام تفسخى (هيبفرينى)، زاهر(توأم(2): فصام وجدانى (هوسى) زهر (الأخ الأصغر): فصام مزمن غير متميز.

وهذا الاختلاف على المستويين أنما يشير الى ا،ه – حتى فى التوائم المتماثلة، فى نفس الظروف – تتحدد درجة التفكك فى مقابل التمسك الوجدانى (وهو العامل المؤثر فى نوع التشخيصات السابقة) بمؤثرات مختلفة رغم توحد الاستعداد الوراثى والى درجة أقل ظروف البيئة.

4- مع تطور المرض فى كل حالة تغير التشخيص عدة مرات )انظر جدول (1) وهذا أنما يشير الى عدة احتمالات منها (أ) أن كل نوبة تحدث فى ظروف مختلفة (ب) وأن النوبة السابقة تؤثر على النوبة اللاحقة (جـ) وأنه يمكن التدخل العلاجى والتأهيلى لتحوير النوبة التالية الى نوع أفضل وأكثر قابلية للتناول العلاجى (د) وأنه لا يمكن الجزم بنوع النوبة التالية (هـ) وأخيرا أنه من المرجح افتراض “وحدة أصل المرض النفسى / العقلى” مع تعدد صوره الخارجية.

5- فى كل حالات هذه الأسرة، ورغم اختلاف التشخيصات، تكررت نوبات المرض بصورة دورية periodical (زهير – الأخ الأكبر) والى درجة أقل : زاهر (توأم “2”)، وبصورة متفترةintermittent (زهران”توأم 1) وزهر (الأخ الأصغر) – والفرق بين هذا (الدورية) وذاك (المتفترة) هو مدى السلامة والفاعلية وتماسك الشخصية بين النوبات، حيث تبلغ درجة السلامة والكفاءة مبلغا حسنا فى حالة الدورية دون المتفترة.

6- أن حالات هذه الأسرة – مجتمعة – هى حالات شديدة الخطورة من حيث موقعها فى متدرج التشخيصات العقلية، وقد دخل كل أفرادها كل أنواع المستشفيات المتاحة (عام / خاص /جامعى / عقلى /نفسى..) وعولجوا بمعظم أنواع العلاجات، ولم يحل ذلك دون تكرار النوبات، وفى نفس الوقت، ولم تتدهور حالة أحدهم الى العجز التام، أو الانسحاب المنغلق أبدا، أو التفسخ المتدهور باضطراد، وأنما مارس الجميع عملا ما، وحققوا درجة من التكيف الأسرى لا يمن انكارها.

ومن هذا نستطيع أن نقول: أن حدة النوبات فى ذاتها وتكرار معاودتها، وعنف محتواها، وشدة العامل الوراثى فيها – ليست هى العوامل الوحيدة الدالة على خطورة وحتمية التدهور، وأن ما حافظ على أفراد هذه الأسرة من مثل ذلك التدهور المرعب – فى رأينا – هو (أ) قوة عامل التماسك الوجدانى المحدد وراثيا والظاهر فى معظم الحالات بشكل أو بآخر (ب) ثم درجة من الترابط الأسرى الحى (ليس بالضرورة بمعنى الدعم الأسرى والتماسك الأسرى الحى (ليس بالضرورة بمعنى الرعم الأسرى،و الصدام الأسرى مما حافظ على حيوية الأسرة ككل – فليست وظيفة الأسرة هى الحنو والدعم العاطفى السلبى بقدر ما هى أيضا – وربما قبلا – الحركية والحوار حتى التصادم أحيانا).

7- أن ما لاحظنا من ربط سببى سطحى بما يمكن أن يكون أسبابا ظاهرة تصلح لدراما مسطخة هو أمر يختزل المرضى النفسى الى مستوى تصورنا عنه، وهذا خطر يحول دون عمق فهمنا لتعقد التركيب البشرى وغائية وجود الانسان، ودلالة الخبرات فى معناها ولغتها الخاصة. وبالتالى فالشائع من أفكار تحليلية عابرة، أو تبريرات اجتماعية اقتصادية فى مختلف الأشكال الفنية والأدبية هو – على الأكثر – مستوى واحد من الوجود البشرى، لعله أقل المستويات أهمية.

8- أن صراع أفراد هذه الأسرة مع الحتمية الوراثية للمرض هو صراع بطولى طول الوقت من كل فرد على حدة، ومن الأسرة مجتمعة.

9- أن العلاقة الطفولة الباكرة، والمراهقة المنطلقة، وبين التفكك المرضى، والانسحاب المترى علاقة غير مباشرة تماما رغم قوة عمق الترابط.

10- أن الأفراد الذين لم يمرضوا الأخت بالذات: زهرة، (لم يعالجوا، لم يشكوا، لم يعلن مرضهم) يحملون ما يشير الى أن حالتهم ليست بالضرورة أخف من الذين مرضوا.

خاتمة:

وقبل أن نختم هذه المحاولة المبدئية، نكرر اعتذارنا للقارئ عن الاطالة من جهة (حيث صممنا أن ننهى حالة هذه الأسرة فى حلقة واحدة حتى لا يتكرر الخطأ) ونرجو منه، بالحاح، أن يكتب لنا برأيه استجابة للتساؤلات التى سبق طرحها (أنظر أول الدراسة).

****

[1] – يطلق الكف عادة على ضبط محتوى اللا شعور دون ظهور صريحا فى السلوك وذلك بارادة واعية، وقد يسمى أحيانا القمعSuppression أما الكبت فهو نفس العملية لكنها تتم على مستوى اللا شعور أى بدون أرادة واعية.

[2] – أذكر أن استجابة الممرضات لهذه النقطة كانت تقززا من الأول وأثارة من الثانى.

[3] – انظر مناقشة هذا العرض فى حالة “زهر” هذه اللحظة

[4] – الأنيماanima  عند يونج هى الكيان الغائر فى لاشعورنا الأعمق وهى تكون من عكس الجنس، فعند الرجل تكون الأنيما سيدة وعند المرأة تكون الأنيماس animus  رجلا، والوعى الشعبى عندنا يدرك ذلك، ويقول أن لكل منا (رجلا) أختا تحت الأرض وبالعكس وحين يقع أحدنا يقولون: اسم الله عليك، وقعت على اختك أحسن منك.

[5] – تظهر هذه الظاهرة أحيانا عند الأطفال خاصة وتسمىPICCA  ولها تفسيرات رمزية وكيميائية عدة.

[6] –  هذا القسم (سنة 1960 وما حولها) هو عدة أسرة محدودة (12 سريرا = 8 رجال + 4 حريم) يقع فى الدور الرابع مما كان يسمى القصر العينى الجديد، وهو أصلا “للملاحظة” وليس للعلاج، وكانت تمارس فيه علاجات عميقة مثل غيبوبة الانسولين، وقد مثل هؤلاء الأخوة الثلاثة ما يقارب نصف النزلاء حينذاك.

[7] – حتى ننهى حالات هذه الأسرة فى هذه الحلقة سنحاول أن نوجز – نسبيا – فى التعليق، لحساب نص كلام المريض

[8] – راجع ايضا “التاريخ الجنسى” (زهران) عدد يوليو 1981 ص 68 – 71.

[9] – راجع أيضا الأسئلة المطروحة عن هذه المسألة من قبل (عدد يوليو 1981 ص 68) عن تقييم المعلومات التى نحصل عليها – كتاريخ جنسى – من المرضى.

[10] – قارن بداية ونهاية “كمال” أحمد عبد الجواد فى ثلاثية نجيب محفوظ وكذلك كامل رؤبة لاظ فى السراب (نجيب محفوظ).

[11] – انظر أيضا مناقشة الانطوائية والانبساطية فى حالة زاهرن عدد يوليو 1981 ص 74 ، 75   ثم عدد أكتوبر 1981 ص 66، 67

[12] – راجع القراءات السابقة

[13] – من الذى أوقع من فى حيرة؟

[14] – المشكلة فى المرض النفسى – وفى الحياة الداخلية – تكمن فيما يسمى بصراع الذوات، وهو مفهوم متجاوز لتقيات فرويد للنفس، فالوالد الداخلى ليس مرادفا تماما لما هو الأنا الأعلى، ورغم أن التقمص بالمعتدى I dentification with the aggressor هو أساس تكوين هذا الوالد الداخلى، وهو ناشئ من الفكر التحليلى التقليدى (أنا فرويد) الا أن المفهوم بصورته الأحدث قد تحدد من خلال فكر”اريك بيرن”و النظرة الى الانسان بمفهوم التعدد الذواتى (انظر الانسان والتطور عدد 8 الوحدة والتعدد فى التركيب البشرى، يحيى الرخاوى، وعدد 26 نظرية التحليل التفاعلاتى.

[15] – سبق الكلام عن الانتحار بشأن أفكار زاهر، عدد يناير 1982 ص 35،36، من منطلق معنى االنتحار، ومأزق الانتحار، ثم نعود نتناوله هنا من منطلق تركيبى داخلى، ونتذكر نفس الاشارة السابقة أن زهران لم يفكر فى الانتحار أصلا فى حين أن زاهر والأخ الأكبر كانا قريبين من هذا المأزق معظم الوقت.

[16] – ” الواحدية”Oneness  هى أن يكون الانسان الفرد “واحدا” فى لحظة بذاتها، أى أن تتجمع ذواته فى ” واحد صحيح” تحت توجيه الذات الأكثر سيطرة على”من” سواها (من ذوات داخلية) وتتحدد الذات المسيطرة “بلاموقف” و”المثير” و”التوجه” فى لحظة بذاتها، والاستهداف لخلخة هذه الواحدية ( وقد سميناها “التعتعة” دراسة فى علم السيكوباثولوجى 1979) يحدث عادة فى بدايات الذهان، وفى الاكتئاب. ومع شرب الخمر (وماشابه) (أبو نواس: وما الغنم الا أن تتعتنى الخمر) – أما مرحلة فقد الواحدية فهى التفكك والتعدد والتناثر فى مرحلة أعمق من تطور مرض الفصام مثلما حدث مع الأخوة الثلاثة الآخرين.

[17] – الأقواس من عندى

[18] – كان عندى مريض مصاب بالتهتهه، تصل الى 90% (على حد تقديره) أما والده أو ما يماثله، وتقل الى 70% أمام أقرانه وتقل الى 20% باللغة انجليزية فذهب يتعلم الألمانية فلم يكن يتهته فيها ولا حرف واحد، وكأنه كلما ضاقت دائرة الاتصال قل خطر الاقتراب فقلت الأعراض، وهذا مثال نواز لما نريد أن نبينه هنا ولكنه بلا علاقة مباشرة.

[19] – نحت لفظ “الجدلغة” ليقابل عرضا يسمىNeologism  كنا نسميه اللغة الجديدة، ونعنى به ان المريض يصدر أصواتا رطانية خاصة، و:أنه اختراع لغة خاصة له – ليس لها أصل ولا يفهمها الا هو، وحتىت هو لا يستطيع أن يصدرها هى هى وهذا ما يسميه العامة أحيانا عند الجذب فى الذكر ” يضرب بالسريانى”- وقد رفضت التسمية القديمة (لغة جديدة) لما تحمله من مظنة ايجابية لا نلقاها الا فى الشعر الجيد.

[20] – كثيرا ما يطلب بعض المرضى فى العيادة الخارجية أن يتأخر دورهم ليكونوا آخر من يدخل للطبيب (لأن له وضع خاص، أو لأنه يريد انتباها خاصا .. الخ) – وكثيرا ما لا يفترق هذا المريض عن غيره، لا فى التشخيص ولا فى غير ذلك، فاذا نبه الى ذلك وأن كل من سبقه هم فى مثل حاجته وخصوصيته لم يتقبل الأمر اصلا.

[21] – فى النص الأصلى توقف الحديث بع دلفظ what فبدا  لى ناقصا فأكملته اعتباريا فى الترجمة مع الأسف.

[22] – راجع رباعية صلاح جاهين:

وقفت بين شطين على قنطره

الصدق فين والكذب فين يا ترى

محتار حأمون الحوت طلع لى وقال

هو الكلام يتقاس بالمسطره؟

[23] – وهى صرامة نابعة من الداخل، بعد تقمص لقيم وسلطات خارجية، ليست محددة بالضرورة من الوالد الحقيقى كمصدر أوحد، لأنها تكون بنفس الصرامة عند مثل هؤلاء المرضى، حتى لو لم يكن الوالد الحقيقى جادا كل الجد مثلما هو الحال عند مريضنا هذا.

[24] – وهذا هو ما جعلنى أعود إلى أوراقى – وذكرياتى – القديمة أكتب حالة هذه الأسرة فى هذا المقام.

[25] – تذكر بداية حالة الأخ الأكبر ” زهير”.

[26] – الغربية هنا نسبة الى الحضارة “الانسانية” المادية فى الشرق والغرب على السواء.

[27] –  “وصرخت بأعلى صمتى .. لم يسمعنى السادة

[28] –  هناك لعبة معروفة (أو أغنية) ذات دلاله تقال فى الرحلات واجتماعات اللهو يقول أحدهم عن واحد من الثلة “والنبى دا طيب” فيرد الباقى “ولا هو طيب ولا حاجة دا أهبل وعبيط” فيكرر “يا جماعة دا طيب” “فيردون نفس الرد، فيقول “والله دا طيب” (نفس الرد …) وهكذا، وتدل هذه اللعبة على عمق وقسوة التعامل مع المهزوم المعتمد بشكل أو بآخر.

[29] –  ترتبط هذه الملاحظة بشكل ما بما أسميناه سابقا “ظاهرة سبق التوقيت” autedatihg، بمعنى أن المريض يذكر تاريخا للبداية سابقا للبداية الحقيقية بمدة تصل أحيانا الى سنوات، بل قد يذكر المريض أنه “كذلك” منذ الولادة أو منذ شجار مع طفل فى الابتدائى… الخ فى حين يكون قد بدأ المرض فى منتصف العمر. ودلالة ذلك أن “الكسرة” الدالة العميقة، هى البداية الحقيقية للمرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *