عدد أكتوبر1986-رؤيـا

رؤيـا

السيد زرد

القدم فى الحذاء . . الحذاء فوق الصندوق، فى مواجهة صدرى . . قلبى كان فى صدرى . . يوقد من شجرة حاقدة ملعونة، تتدلى ثمارها الفجة على لسانى، فأنطلق: “تمسح يابيه . . وها أنا أمسح . . تنتقل الفرشاة بخفة من يمناى إلى يسراى فتزيل كل ذرات التراب العالقة بالحذاء، وتلقى ببضعة قروش فى جيبى.

كقط جائع، أدور فى شوارع المدينة . . أتمسح فى أقدام السادة وأشباه السادة وكل ابن كلب يلبس حذاء . . ندور فى شوارع المدينة – الصندوق وأنا – متساندين . . جئتك أيتها المدينة مهاجرا أسعى ولا نصير . . بدلت بقلبى الدامى قلبا من خشب أحمله على جنبى، ألقيه مبتذلا على الطرقات .

ها أنا أهيم حاملا حزنى الربانى، مفتشا عن أشلاء الاله، ومرددا نبوءتى : “تمسح يا بيه”

الشمس اله مصرور يرسل غضبه على عباده المارقين كى يثبت لهم قدرته . . ولا ملاذ من الهجير والامتهان وجفاف الحلق سوى صحبتك يا “شيخ محمد” . . أجدك دائما فى مكانك على باب “السيدة” تبيع ثواب الصدقة لقاء الصدقة . . ترانى، فتأتينى بعرجك، لنذهب فنشرب الشاى والحديث . . أشكو أليك فتضحك، وتحكى كيف هربت من “القصر العينى” كيلا يجروا لك جراحة تشفيك من عرجك . . أشكو أليك فتضحك، وتطلب منى أن أكتب شكوى فى المتسول الآخر الذى يزاحمك الرزق . . أشكو إليك فتضحك، وتحكى لى عن الولد الذى فعلت به بجوار سور “الست” . . أشكو، فتقص على بصوتك الخشن حلمك بالزواج، وتمنحنى “برشامة” . ها أنا أدور فى الطرقات حاملا صندوق دنياى . . فى العصر تكون أحلام المساء التى أحملها قد تحللت، فأصبها فى الزجاجات أصباغا وأريقها على أقدام السادة، لأحلم من جديد.

تتبدل الأقدام على الصندوق، تعتلى عرش ذلى بالتناوب الكوب فوق طاولة المقهى، والسيد فوق المقعد، والقدم فوق الصندوق . . وأنا تحت، أشم الحذاء . . أستبدل بالفرشاة لسانى، وألعق ذرات التراب.

تبهرنى الأضواء . . الضوضاء . . النسوة . . أتوتر . . أتشهى قرب الأنثى . . أذوب  تحنانا لمناجاة الأنثى، لريح الأنثى . . يلتهب جبينى وتصلبنى الرغبة، فأصرخ : “تمسح يا بيه”.

ألملم ثوبى المهترئ حول رغبتى، وأعدو من نفسى مستجيرا بحمام “الشيخ على” فأغتسل وأغسل ثوبى وأفرغ مائى، فيداهمنى الحلم وأرى:

سبع بقرات عجاف، يأكلن سبع بقرات عجاف . . فينبثق الدم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *