الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1986 / عدد أكتوبر1986-علم نفس الأنا Ego psychology (دراسة)

عدد أكتوبر1986-علم نفس الأنا Ego psychology (دراسة)

علم نفس الأنا

Ego psychology (دراسة)

د. رفعت محفوظ

مقدمة:

فى عدد سابق من “الانسان والتطور”(1)تم عرض الخطوط العامة والرئيسية لنظرية “التحليل التفاعلاتى” لاريك بيرن، وفى عدد لاحق له(2)تلقت المجلة بعض التعليقات على هذه النظرية، والتى تمثل الاطار المفهومى المنظم لما يمكن أن يسمى نظرية “حالات الأنا” Theory of Ego States وفى مقابل هذه النظرية ، توجد نظرية أخرى سابقة عليها من حيث الصياغة النظرية، وهى ما تسمى الأنا Ego Theory ، والتى نشأت وتطورت فى اطار نظرية التحليل النفسى Psychoanalytic Theory .

وموضوع هذا المقال هو “نظرية الأنا” والتى اصطلح على تسميتها “علم نفس الأنا” وسوف نناقش خلاله المفاهيم الخاصة بهذه النظرية، وذلك عن طريق عرض موجز للتطور التاريخى لعلم نفس الأنا، ثم الاشارة الى الاسهامات الهامة لبعض رواده، مسبوقة بتناول الانتقادات الاساسية التى وجهت الى نظرية الأنا الفرويدية، ثم شرح مختصر لما يمسى وظائف الأنا، وسوف أشير الى النظرية الثانية (حالات الأنا) وذلك من مدخل عرض الاكتشافات الهامة لبول فيدرن . . المؤسس الحقيقى لها وأخيرا سنعرض الصعوبات والمأزق . . مع تصور عن كيفية التغلب على كل ذلك.

أولا – التطور التاريخى لعلم نفس الأنا

سوف أتناول هنا – بايجاز – نشأة وتطور مفهوم “الأنا” فى اطار التطور التاريخى لنظرية التحليل النفسى، مع العلم بأن كلمة “الأنا” سبقت كتابات فرويد، كما أن لها استعمالات كثيرة فى مجالات أخرى غير علم النفس، وبالرغم من أن علم نس الأنا، وكما وضح روبرت هولت 1975، له ماض طويل – بمعنى أن له جذورا كثيرة من الملاحظات العادية والاستبطان تمتد عبر التاريخ الانسانى – وهو الذى أثر على استعمال فرويد لكلمة “الأنا” فى البداية، الا أن تاريخه يمتد عبر فترة زمنية قصيرة، حيث يعتبر عام 1932 هو البداية الرسمية لهذا العلم بالرغم من ان كتابات فرويد قبل ذلك كانت تحتوى على الكثير مما ينطوى تحت علم نفس الأنا.

ولقد قسم ديفيد رابابورت – فى الخمسينيات – تطور علم نفس الأنا إلى أربعة مراحل : واكبت المرحلة الأولى – التى انتهت عام 1897 – الصياغات الاولى لنظرية التحليل النفسى عند فرويد، وامتدت المرحلة الثانية من عام 1897 حتى عام 1923، وهى الفترة التى عاصرت وضوح معالم التحليل النفسى، أما المرحلة الثالثة فقد وقعت فى الفترة من عام 1923 حتى عام 1937، حيث تم تطوير النظرية الفرويدية للأنا، التى احتلت – تدريجيا – مركزا هاما وبارزا فى السياق العام لنظرية التحليل النفسى، ولقد بدأت المرحلة الرابعة بعد موت فرويد عام 1939، وشهدت تنظيم وتنسيق علم نفس علم للأنا، وذلك على أيدى هارتمان، وكريس ورابابورت واتباعهم، ومع هذه المرحلة بدأ التركيز على السياق الاجتماعى والثقافى الحضارى الذى فيه ومن خلاله يتطور “الأنا” ويؤدى وظائفه، ولقد حدث ذلك بصفة خاصة عند اريك اريكسون.

1- المرحلة الأولى – المفاهيم الأولى للأنا :

لم يتسعمل فرويد مصطلح الأنا فى كتاباته أثناء هذه الفترة بوضوح دائما، فلقد كان الأنا يشير عنده إلى جملة الأفكار السائدة التى تحتل الشعور بالاضافة إلى ما يسمى القيم الأخلاقية، وذلك فى مقابل الاندفاعات impulses  والرغبات Wishes الكامنة فى اللاشعور، وكان “الدفاع” ((3)) Defense هو المهمة الرئيسية المفهومة عن الأنا فى هذه الفترة، حيث اعتبره فرويد المسئول عن اقامة هذه الدفاعات فى وجه الافكار التى لم تكن فى متناول الشعور(4) ومن هذا المنطلق اعتبرت وظيفة الأنا متناقضة لحد ما؛ حيث ان عمله الأول كان ينصب على خفض حدة التوتر الداخلى وتحاشى المشاعر المؤلمة والمرتبطة بالأفكار الجنسية، ولكن ينتج عن كبت كل ذلك حالة أخرى مؤلمة وهى القلق النفسى.

2- المرحلة الثانية – الجذور التاريخية لعلم نفس الأنا :

تركز الاهتمام الأساسى لفرويد خلال هذه المرحلة على الدوافع الغريزية Instinctual Drives مع اشارات قليلة إلى الوظائف الدفاعية المرتبطة بالأنا. وبنى فرويد فهمه للنشاط النفسى Psychic Activity على أساس مقابلة الشعور باللاشعور، وذلك من خلال نظريته الطوبوغرافية Topographical Theory والتى قسم النفس على أساسها إلأى ثلاثة أنظمة  Systems (ثلاثة أنواع من النشاط النفسى)؛ وهى: اللاشعور – ماقبل الشعور – الشعور. ولكن بناء على ملاحظاته الاكلينيكية، أدرك فرويد ما تحتويه هذه النظرية من نقائص وأخطاء جسيمة؛ إذ كان من الخطأ – مثلا – معادلة “الأنا” بالجهاز الشعورى، لأن بعض وظائفه – مثل الدفاعات – تعمل بطريقة لاشعورية، وبناء على ذلك، اقترب فرويد فى نهاية هذه المرحلة من اعادة صياغة تركيبة النفس فى صورة أخرى غير مقابلة الشعور واللاشعور.

3- المرحلة الثالثة – علم نفس الأنا الفرويدى.

فى عام 1923، ومع ظهور “الأنا والهو” The Ego and the Id قدم فرويد ما يعرف باسم النظرية التركيبية للنفس Structural Theory وذلك فى صورة ثلاث مجموعات من الوظائف النفسية: الهو – الأنا – الأنا الأعلى،  ونحب أن نؤكد هنا أن هذه التقسيمة الثلاثية للنفس لم تكن تشير إلى ظواهر معينة يمكن معايشتها وملاحظتها، وانما كانت تشير إلى تجريدات Abstractions وكل منها يعرف عن طريق وظائفه.

ومن خلال هذه النظرية قدم لنا فرويد “الأنا” على أنه تنظيم مترابط Coherent Organization من العمليات النفسية والوظائف والتى بالرغم من انتظامها الأساسى حول الجهاز الادراكى – الشعورى، فان “الأنا” يحتوى على تركيبات مسئولة عن المقاومة Resistance  والميكانيزمات الدفاعية اللاشعورية. وفى مقابل “الهو” – الذى يتبع مبدأ اللذة Pleasure Principle ويعمل عن طريق العمليات الأولية Primary Processes ويحتوى على طاقة حرة Free Energy  فان الأنا يتبع مبدأ الواقع Reality Principle ويعمل عن طريق العمليات الثانوية Secondary Processes  ويحتوى على طاقة مقيدة Bound Energy

وللعلم فانه فى بداية هذه المرحلة كان الأنا يبدو ضعيفا سلبيا، حيث كانت وظائفه محصلة لضغوط من مصادر ثلاثة: الهو – الأنا الأعلى – الواقع الخارجى، وكان الفرض الأساسى القائم حينئذ هو أن : “الأنا” اشتق وتيمزمن “الهو”، وهو يعتمد أيضا فى تأديته لوظائفه على قوى “الهوى”.

ولكن هذه  النظرة الى “الأنا” لم تظل كما هى طوال هذه المرحلة؛ فقد تعدلت مع مرور سنواتها؛ وأصبحت الصورة كالأتى:

( أ ) أصبح الأنا قوة فعالة ومنظمة فى مسئوليتها عن التكامل والتحكم فى الاستجابات السلوكية.

( ب ) أصبح للواقع الخارجى دور أساسى فى وظيفة “الأنا” وذلك نتيجة للاهتمام المتزايد بوظيفته التكيفية Adaptive Function.

( ج ) فى نهاية المرحلة افترض فرويد صراحة أن “للأنا” جذورا موروثة ومستقلة عن الجذور الموروثة “للهو”.

وهنا تجدر الاشارة على أن هذه المرحلة توجت بأنا فرويد Anna Freud وذلك من خلال كتابها : الأنا وميكانيزمات الدفاع (1936) The Ego and the Mechanisms of Defense

ويلخص هول وليندزى (1978) (C.S. Hall & G. Lindezy)

نظرية الأنا عن فرويد بقولهم : اعتبر فرويد “الأنا” الأداة المنفذة فى الشخصية؛ والذى من واجباته أن يشبع رغبات “الهو” ويتعامل مع الواقع الخارجى ويحاول أن يصل إلى المقاييس (أو القيم) العليا النابعة من “الأنا الأعلى” وهو فى كل ذلك يلجأ إلى الميكانيزمات الدفاعية. وهذا المفهوم – الأنا – الدفاعى – تطور على يد أنا فرويد، وعدل عن طريق هارتمان وآخرون ليشمل الوظائف التكيفية والتكاملية.

4- المرحلة الرابعة – تنظيم علم نفس الأنا :

شهدت هذه المرحلة ظهور نظرية جديدة للأنا (5) The New Ego Theory

وينظر إلى هذه النظرية على انها من أهم التطورات التى حدثت فى نظرية التحليل النفسى بعد موت فرويد. ويعتبر هاينز هارتمان Heinz Hartmann  رائد هذه النظرية الجديدة، ثم توالت بعده التعديلات فى النظرية الفرويدية للأنا وذلك على أيدى علماء آخرين، ولقد وصل هذا التعديل عند بعضهم لدرجة تعد تغييرا جذريا فى النظرية.

ولقد بدأت هذه المرحلة فىعام 1939 مع نشر كتاب هارتمان : علم نفس الأنا ومشكلة التكيف Ego Psychology and the Problem of Adaptation ولقد نتج عن اهتمام هارتمان وتركيزه على تطوير نظرية الأنا أن اتسعت وتعددت تدريجيا وظائف الأنا لدرجة جعلت الجوانب الأخرى لنظرية فرويد التركيبية “الهو” و “الانا الأعلى” تبعد عن دائرة الاهتمام؛ ولقد أشير إلى هذه العملية على أنها اضفاء صفة الأنا على نظرية التحليل النفسى Egotization of Psyxhoanalysis  وترتب على ذلك أن أحس الكثير من المحللين النفسيين بالخلل يصيب نظرية التحليل النفسى، اذ أن تزايد التركيز على الجوانب الميكانيكية والكمية لوظائف الأنا يترك انطباعا عن أن الشخصية فى عملها وخللها تبدو غير انسانية لحد ما ؛ فى حين أن الجوانب الأكثر انسانية للنفس البشرية وما يقابلها من صفات بدت وكأنها أزيحت الى “الأنا الأعلى” ومن ناحية أخرى نشأت فجوة واسعة بين “الهو و(هو التركيب الحى والمصدر الدينامى للطاقات النفسية) وبين أجهزة الأنا (غير الغرائزية وغير الديناميكية).

يبقى هنالك جانب آخر وهام جدا لهذه المرحلة من تطور علم نفس الأنا ؛ ألا وهو ظهور (أو اعادة ظهور) الواقع  Reality فى أشمل وأوسع معانيه كبعد هام فى نظرية التحليل النفسى. وهذا الاهتمام يعتبر – من نواحى متعددة – امتدادا مباشرا لتفكير هارتمان عن التكيف،والذى يعنى تفاعل الكائن الحى – بطريقة تكيفية – مع الواقع الخارجى بأبعاده المختلفة.

ولقد أدى هذا الاهتمام الى بروز اتجاهين شديدى الاهمية داخل النظرية؛ وصاحب الاتجاه الأول هو اريك اركسون الذى عنى فى تفكيره بمشكلة التكيف على مدار دورة حياة الفرد كلها Life Cycle ومن وجهة نظره فان تطور الشخصية وتكاملها عن طريق ما أسماه أزمات الحياة Life Crises ما هو الاعبارة عن مشكلة تكيف متدرجة ومتصاعدة، فلكل مرحلة من مراحل النمو – الممتدة من الميلاد حتى الموت – ما يميزها من صراعات وأزمات تحتاج – من أجل حلها – إلى التعامل معها بطريقة تكيفية نموية وما يناسب المرحلة . هذا بالاضافة الى أن مفهوم الوسط – الذى يولد فيه الفرد وينمو وتتكامل شخصيته – اتسع عنده ليشمل الابعاد الاجتماعية والثقافية الواسعة والعميقة لهذا الوسط.

أما الامتداد الآخر والهام لمبدأ التكيف فقد كان فى اتجاه نظرية العلاقة بالموضوع (الأخر)Object Relations Theory  وبؤرة الاهتمام الخاصة بهذه المدرسة هو ما ينشأ بين الطفل والأشخاص الهامين فى حياته والذين يمثلون وسطه المبكر، وفى الوقت نفسه يساعدون على حسم اتجاه تطور شخصيته.

والآن وبعد هذا العرض الموجز لمراحل تطور علم نفس الأنا، وقبل أن نشير إلى الاسهامات الهامة لبعض رواد نظرية الأنا الجديدة،  علينا أن نتوقف عند منعطف هام؛ الا وهو نقد نظرية الأنا الفرويدية لنرى الى أى مدى ساعدت هذه الاسهامات على سد أوجه النقص والقصور فى نظرية فرويد.

ثانياً: نقد نظرية الأنا الفرويدية

 وضع فرويد نظريته التركيبية للتغلب على الصعوبات التى واجهته فى النظرية الطوبوغرافية، وبالرغم من ذلك، فان النظرية التركيبية احتوت على مشاكل نظرية وعملية كثيرة كانت موضع نقد نحاول فيما يلى أن نوجز أهم جوانبه.

1-علاقة النظرية التركيبية بالموقف الاكلينيكى:

يرى بعض اتباع مدرسة التحليل النفسى (من أمثال أرلو Arlow  1975) أن النموذج التركيبى للنفس جزء من النظرية الاكلينيكية (وذلك فى مقابل الميتاسيكولوجى) وأنه أكثر ارتباطا بالملاحظة الاكلينيكية من النموذج اطلوبوغرافى السابق عليه. وعلى الجانب الآخر نرى ان وجهة نظر بعضهم تصر على أن النموذج التركيبى مبنى على أساس ميتاسيكولوجى، وأن مفهوم الأنا ليس أكثر قربا للملاحظة من مفهوم ما قبل الشعور، وأننا فى الحالتين كلتيهما نحتاج الى نفس القدر من سلسلة الخطوات الاستنتاجية لكى نربط بين الملاحظة الاكلينيكية والمفهوم. وكذلك يشكك هولت Holt (1975) فى المقولة التى تشير الى أن التطورات النظرية والتقنية Technical فى الخمسين سنة السابقة((6) أثبتت جدوى وقيمة النموذج التركيبى، وهو يبدو أكثر ميلا إلى أنه اعاق التنظير والعلاج معا.

تعريف الأنا عن طريق وظائفه:

يشيرمصطلح الأنا الى مفهوم افتراضى ويعرف عن طريق وظائفه التى نفترض انها تابعة له. وهذا هو عين الموقف الدائرى Cricular Position ؛ حيث أن تعبير وظائفه يتضمن أن نعلم على وجه التحديد ماذا يكون هو (وهذا ليس صحيحا)، أو على الأقل نعرف ما هى وظائفه (وهذا ليس صحيحا) وبذلك يكون الموقف كالأتى: أننا قسمنا الوظائف النفسية بطريقة معينة، ثم أتينا على مجموعة منها وأطلقنا عليها كلمة “الأنا” وبمعنى آخر؛ فان أجزاء النفس التى افترضها فرويد، وأطلق عليها النظرية التركيبية ما هى الا عبارة عن اقسام وظيفية للنفس وليست أقسام تركيبية كما يشير الى ذلك اسم النظرية، وبناء على ذلك فان البعض يحب ان يطلق عليها النظرية الوظيفية Functional Theory

الأوجه المتناقضة للأنا:

يحتوى مفهوم الأنا بما افترض عنه من وظائف على الكثير من المتناقضات نذكر منها – على سبيل المثال – ما يأتى:

( أ ) يفترض فرويد أن الأنا يعمل عن طريق العمليات الثانوية وهو فى نفس الوقت يعزى ميكانيزمات الدفاع اللاشعورية والتى تعمل عن طريق العمليات الأولية الى الأنا أى أن الأنا لا يعمل كلية عن طريق العمليات الثانوية.

( ب ) كذلك يوصف “الأنا” بالعقلانية Rational  والموضوعية Objective وعلى أنه جهاز التكامل Integration داخل الشخصية فى حين أن الصفات لا تنطبق الا على بعض وظائفه فقط.

( ج ) اذا نظرنا الى وظائف الأنا المفترضة، يمكننا أن نرى أنها تعارض بعضها البعض، ويسمى ذلك الصراع داخل النظام أو النسق الواحد Intrasystemic وذلك فى مقابل الصراع بين الأنظمة (أو الأجزاء) النفسية الثلاثة Intersystemic (الهو – الأنا – الأنا الأعلى) ومثال ذلك فإن البصيرة Insight – وكما هو مفترض – تكتسب عن طريق الأنا، وهو فى نفس الوقت مسئول عن الميكانيزمات التبريرية  Rationalizations .

( د ) يتحدى البعض (من أمثال برينر Brenner  – 1968) الرأى القائل بأن التكامل والاتساق والمنطق، هى من صفات الأنا الشخص البالغ السوى، ويلفت النظر الى أن الكثير من وظائف الأنا عند نفس الشخص من الأصح أن توصف بأنها قديمة Archaic أو طفلية Infantile ؛ أى ان الكثير من صفات عمل “الأنا” أثناء الطفولة المبكرة تستمر وتظل موجودة فى حياة الشخص البالغ، وتلعب دورها جنبا إلى جنب مع الصفات الأخرى التى اكتسبت عن طريق النمو، ويؤكد آنزيو Anzieu – 1968 فى تعليقه على رأى برينر بقوله : أنه من الحقائق الاكلينيكية المؤكدة، أن الأنا الواعى عند الشخص البالغ يسلم فى نفس الوقت بمعتقدات متناقضة .

ننتقل الآن الى بعض رواد نظرية الأنا الجديدة The New Ego Theory وموجز عن اسهاماتهم فى مجال علم نفس الأنا، لنرى إلى أى مدى استطاعت النظرية الجديدة أن تسد بعض أوجه النقص والقصور فى النظرية الفرويدية.

ثالثا – بعض رواد نظرية الأنا الجديدة

  • هاينز هارتمان :

لقد ساهم هارتمان مساهمة فعالة فى ارساء قواعد نظرية الأنا الجدية، ومن أهم مساهماته فى هذا المجال مفهوم استقلالية (اتونومية) الأنا Autonomy of the Ego فلم يكن هارتمان مستريحا لمقولة فرويد بأن الهو هو الأقدم وأن الأنا قد تميز منه وكذلك أيضا لم يقبل مقولة فرويد عن خروج “مبدأ الواقع” من “مبدأ اللذة”.

ولقد وجد هارتمان بداية الحل فى عبارة لفرويد (1937) تشير الى أن الهو والأنا هما فى الأصل واحد، وأن معالم تطور الأنا تقرر من قبل أن يوجد وانطلاقا من هذه المقولة، افترض هارتمان انه فى بداية حياة الفرج توجد مرحلة غير متميزة Undifferentiated phase ينشأ منها ويتطور كل من الأنا والهو . ويرى أن نمو وتطور الأنا يحدث نتيجة لثلاثة مجموعات من العوامل : (أ) خصائص الأنا الموروثة (ب) تأثيرات الدوافع الغريزية (ج) تأثيرات الواقع الخارجى.

ولقد أطلق هارتمان على خصائص الأنا الموروثة (أو كما يسميها اجهزة الأنا Ego Apparatuses الاتونومية (الاستقلالية) الأولية Primary Autonomy وهذه تمثل مع مجموعة أخرى من الوظائف التى تكتسب الاستقلالية الثانوية Secondary Autonomy خلال نمو الفرد ما أسماه مجال الأنا الخالى من الصراعات Conflict-Free Ego Shpere .

وبالإضافة الى ذلك، فقد سبقت الاشارة الى أن مفهوم هارتمان عن التكيف كانت له آثار هامة على تطور الأنا الجديدة وللعلم فان هذا المفهوم أصبح جزءا لا يتجزأ من علم النفس العلام General psychology(7)]) .

ويعتبر مفهوم تحييد الطاقة Neutralization of Energy من المفاهيم الهامة التى أدخلها هارتمان (وآخرون) فى سياق نظرية الأنا الجديدة، ويعنى ذلك خلع الصفة الجنسية عن طاقة الليبيدو Desexualiation of Libidinal Energy  وخلع الصفة العدوانية عن الطاقة العدوانية Deaggressiviation of Aggressive Energy

ولقد افترض هارتمان ان عملية تحييد الطاقة تبدأ فى الطفولة المبكرة وانهاعملية مستمرة مع وجود درجات مختلفة من التحييد، وأن قوة الانا ككل Ego Strength قد ترتبط مباشرة مع قدرته على انجاز هذه العملية.

2-  رونالد فيربيرن وتلميذه جانترب

وهما اصحاب نظرية العلاقة بالموضوع، والتى بدأت مع ميلانى كلاين، وتعتبر اسهاماتهما فى نظرية الأنا الجديدة اسهامات جذرية وعميقة. وهذه النظرية تفترض الآتى:

(أ) الأنا موجود منذ الولادة، وله تركيبه الدينامى المستقل، وهو مصدر طاقته، وفى الحقيقة – من وجهة نظر هذه النظرية – لا يوجد غير الأنا، أى أنه لا يوجد ما يسمى بالهو!!

(ب) الوظائف الأساسية لهذا الأنا هى البحث عن، وايجاد، وتوطئة العلاقات بالموضوعات (الآخرين) الموجودة فى الواقع الخارجى. وكما تدل ملاحظات ميلانى كلاين فأن هذه الوظائف يمكن ملاحظتها فى الطفل الرضيع وذلك بعد الولادة مباشرة.

(جـ) تنشأ الصراعات – حسب هذه النظرية – من تجارب الفرد مع الموضوعات الخارجية.

(د) نتيجة لهذه الصراعات فان الأنا سوف ينقسم الى ثلاثة “أدوات فرعية” وهى:

1- الأنا الليبديةالطفلية Infantile Libidinal Ego

2- الأنا الطفلية المضادة لليبدو Infantile Anti-Libidinal Ego

3- الأنا المركزية The Central Ego

3- اريك اريكسون

من أهم اسهامات اريكسون فى نظرية الأنا الجديدة نظرية نمو “الانا” وفقا لمبدأ التخلق المتعاقب Epigenesis . فلكل مرحلة من مراحل النمو – والتى تكون فى اجمالها دورة حياة الفرد – مهامها الحياتية، والنجاح أو الفشل فى تحقيق هذا له أثره الهام على النمو فى المراحل التالية. ومن خلال هذه المراحل، اتصف “الأنا” عند اريكسون بصفات تخطت أى مفهوم تحليلى للأنا سابق عليه. ولقد ركز اريكسون على القوة الكامنة “للأنا”، فهو قادر – فى نظره – على ايجاد حلول ابداعية للمشاكل التى تواجهه فى كل مرحلة من مراحل نموه. وهو قادر – فى العادة – أن يكون سيدا – وليس عبدا – “للهو”، و “الأنا الأعلى”، والواقع الخارجى. ومن هذا المنطلق فان هول وليندزى (1978) سميا هذا “الانا” عند اريكسون بأنه “الأنا المبدعة” Creative Ego.

ولقد اهتم اريكسون – كما سبق أن ذكرنا – بوضع “الأنا” فى اطاره الاجتماعى والثقافى والتاريخى، فبالاضافة الى العوامل الوراثية التى تساعد على تحديد طبيعة الأنا فى الفرد، فان هناك المؤثرات الحضارية والتاريخية التى تساهم فى تشكيل “الأنا”.

رابعا – وظائف الأنا

لقد سبق أن ذكرنا أنه حسب النظرية الفرويدية للأنا; لا توجد وسيلة متاحة لتعريف “الأنا” الا عن طريق ذكر وظائفه. وبالرغم مما يحتويه هذا المنطلق من صعوبات ومغالطات سبقت الاشارة اليها، فانه شاع بين المحللين النفسيين؛ ومع ذلك فلا توجد اجابة محددة حتى الآن عن عدد هذه الوظائف. وعلى العموم فان قوائم وظائف “الأنا” المتاحة حتى الآن، طالت أم قصرت، ما هى الا عبارة عن تطويرات وتفريعات لما أسماه هارتمان “الثالوث القوى”؛  والذى يتضمن ثلاثة وظائف أساسية هى التكيف – التحكم – التكامل.

ولقد قام بلاك وزملاءه Bellak et al. (1973) بوضع قائمة طويلة اشتملت على اثنتى عشر وظيفة للأنا. وعلينا أن نؤكد هنا على أن هذه الوظائف: ليست سوى تنظيمات نظرية Theoretical Constructs مبنية نعرض الآن – بايجاز – هذه الوظائف، بأن نذكر اسم وظيفة، ثم نشير الى العناصر والعوامل التى تتكون منها.

  • اختبار الواقع Reality Testing :

وهذه الوظيفية تشتمل على :

( أ ) التفرقة بين المثيرات الخارجية والمثيرات الداخلية؛ أى التفرقة بين ما يصدر من خارج الشخص وبين ما ينبع من داخله.

( ب ) دقة ادارك وتفسير المثيرات التى تأتى من العالم الخارجى.

( ج ) دقة ادراك وترجمة الواقع الداخلى؛ أو اجمالا ما يسمى بالبصيرة.

  • الحكم على الأمور Judgment

وهى تتضمن الأتى:

( أ ) القدرة على توقع النتائج المحتملة لأى سلوك ينوى الفرد القيام به؛ وذلك يشير إلى بعد النظر Foresight .

( ب ) مدى ما يعكسه السلوك الظاهرى الحادث (أى الذى وقع فعلا) من وعى الشخص بالنتائج المحتملة لتصرفه قبل أن يقوم به؛ أى مدى ما يدل عليه سلوك الفرد الفعلى من بعد النظر.

( ج ) مدى قدرة الشخص على أن يجعل سلوكه ملائما ومناسبا للموقف الذى يجد نفسه فيه.

  • الاحساس بواقعية العالم وواقعية الذات

Sense of Reality of the World and of the Self

( أ ) معايشة الشخص للأحداث الخارجية على أنها أحداث حقيقية Real  وأنها تحدث فى سياق واقعى مألوف بالنسبة له.

( ب ) احساس الشخص بجسمه – بما يشمله من أجزاء وما يؤديه من وظائف – ومعايشته لسلوكه على أنه مألوف بالنسبة له وصادر منه وينتمى إليه.

( ج ) احساس الشخص بفرديته وتفرده وتميزه، واحساسه بذاته وتقويمه لها.

  • التنظيم والتحكم فى الدوافع والمشاعر والاندفاعات

Regulation and Control of Drives, Affects and Impulses.

وهذه تشير إلى :

( أ ) قدرة الشخص على التحكم فى التعبير عن دوافعه واندفاعاته ومشاعره.

( ب ) قدرته على التأجيل وتحمل الاحباط.

  • العلاقة بالموضوع (الآخر) Object Relations

( أ ) قدرة الشخص على أن يستقبل الآخرين ويستجيب لهم على أنهم كيانات مستقلة عنه وقائمة بذاتها وأنها ليست امتدادا لذاته هو.

( ب ) القدرة على اقامة علاقات جديدة لا تكرر ولا تتأثر كثيرا بالعلاقات القديمة مع الأشخاص المهمين فى حياته.

( ج ) تحمل غياب الأفراد القريبين، وتحمل ما يتعلق بالعلاقات مع الآخرين من قلق واحباط.

  • عمليات التفكير Thought Processes

( أ ) الذاكرة، والتركيز، والانتباه

( ب) الوصول إلى مفاهيم عامة، مع تناسب درجة التفكير المجرد والتفكير العيانى مع الموقف.

(ج) تناسب لغة الاتصال بالآخرين من حيث ما تحمله من عمليات أولية وعمليات ثانوية.

  • الوظيفة الدفاعية Thought Processes

وهى تشمل ميكانيزمات الدفاع اللاشعورية ووسائل الدفاع النفسية الأخرى ومدى قدرتها على التحكم فى الداخل بطريقة غير معوقة لوظائف الأنا الأخرى.

  • حجز وتنظيم المثيرات Stimulus Barrier

( أ ) حساسية الشخص للمثيرات الصادرة من حوله ومن داخله والتى يستقبلها عن طريق حواسه المختلفة.

(ب) القدرة على تنظيم وتكامل الاستجابات السلوكية للمستويات المختلفة من الاثارة السحية.

9- الوظائف الأوتونومية( التلقائية الاستقلالية) Autonomous Functioning

 ( أ )  كفاءة الأجهزة الأتونومية الأولية (البصر – السمع – الانتباه – اللغة – الذاكرة – التعلم – الادراك – الحركة) .

( ب )  كفاءة الأوتونومية الثانوية (أنماط العادات – المهارات المعقدة المكتسبة – روتين العمل اليومى – الهويات – الاهتمامات المختلفة) .

  • السيطرة والكفاءة Mastery – Competence

( أ ) الكفاءة الفعلية فى التفاعل مع والسيطرة والتأثير على المحيط الخارجى.

( ب) احساس الفرد بمدى كفاءته .

( ج ) درجة التباين بين الكفاءة الحقيقية (أ) والاحساس بالكفاءة (ب) .

  • التكامل وعمل الولاف Synthetic – Integrative Functioning  

( أ )  التوليف بين ما يبدو متباينا أو متناقضا من مواقف، وقيم، ومشاعر، وأفكار، وتمثلات داخلية عن الذات.

( ب )  التوليف والتكامل بين داخل الفرد وسلوكه الخارجى.

12– النكوص التكيفى فى خدمة الأنا

Adaptive Regression in the service of the Ego  

وهى عملية ذات شقين :

( أ ) القدرة على ارخاء حدة ادراك الخارج وكذلك حدة المنظومة المفهومية، مع زيادة القدرة على الوعى بالداخل (ما قبل الشعور واللاشعور) .

( ب) القدرة على استعمال نتائج النكوص هذا والعمليات الأولية لخلق أشكال وحلول جديدة عن طريق التوليف الابداعى.

والسؤال الهام الآن هو : هل كل هذه الوظائف التى سبق ذكرها تخص (الأنا) وحده أم أنها وظائف للنفس ككلل؟ هذا السؤال يمثل مشكلة حقيقية وهامة داخل علم نفس الأنا وسوف نناقشه فى موضع لاحق من المقال.

خامسا- بول فيدرن . . مؤسس نظرية حالات الأنا

لقد اتسم بول فيدرن  Paul Federn بولائه المطلق لأستاذه فرويد، للدرجة التى جعلته يعتبر أن اكتشافاته ما هى الا امتداد لاكتشافاته أستاذه، ولكنه اعترف أخيرا بوجود اختلافات بين نظريته ونظرية فرويد الخاصة بالتركيب الدينامى للأنا.

وباختصار، فانه يمكن القول بأن المنهج الفينومينولوجى الذى اتبعه فيدرن (8)مكنه من أن يتصل إلى رؤية رائدا “لنظرية حالات الأنا”.

لقد فهم فيدرن “الأنا” على أنه خبرة نفسية واقعية متصلة، وأطلق تعبير “شعور الأنا“Ego Feeling  على هذه الخبرة الذاتية للأنا؛ وهذا الشعور بالأنا (أو معايشة الأنا) ينتقل من حالة إلى أخرى، ولكل “حالة أنا” Ego State حدود معينة وما بداخل هذه الحدود من محتويات فى لحظة بذاتها يحدد حالة الأنا فى هذه اللحظة .

أما بخصوص ما يسمى “بالأنا الأعلى” فإن فيدرن يقول بأن “الأنا” و ” الأنا الأعلى” منفصلين عن بعضهما بحدود واضحة ومتميزة وهذا الانفصال يحدث بين الأنا الذى ترك الوالدين خارج نطاق شعوره، والأنا الذى امتص الوالدين فى داخله (أى الأنا الأعلى) .

وبناء على ذلك، فان فيدرن يكون أول من أكد واقعية الأنا ككيان يعاش ويلاحظ (فى مقابل فرويد الذى تصور الأنا على أنه مفهوم افتراضى مجرد)، وأول من أكد أن الواقع النفسى مبنى على حالات أنا كاملة ومحددة.

ويذكر فيدرن بأن كبت الذكريات المؤلمة والصراعات لا يتأتى إلا من خلال كبت “حالات الأنا” المعلقة بهذه الذكريات والصراعات (9) ويضيف أن حالات الأنا المعاشة فى مراحل سابقة من العمر والتى أصبحت مكبوته؛ تظل مستخفية Latent فى انتظار اعادة شحنها بالطاقة.

وهكذا نرى أن فيدرن، ومن بعده تلميذه أدواردو فايس Edoardo Weiss – ويؤكد أن الواقع النفسى يقوم على أساس “حالات الأنا” الكاملة والمحددة، والتى تعاش وتلاحظ، وأن الاختلافات بين نظريته و “نظرية الأنا” اختلافات جوهرية جذرية عميقة (10) .

والى هنا سنكتفى بهذا القدر من اكتشافات بول فيدرن الهامة وهو القدر الذى نعتقد أنه يفى بغرض هذا المقال.

سادسا – علم نفس الأنا – الصعوبات والمأزق

بعد هذا العرض الموجز لنظرية الأنا فى صياغتها الفرويدية وصورتها الجديدة، وبعد أن أشرنا إلى النظرية المقابلة عند رائدها بول فيدرن لنتعرف على بعض الفروق الجوهرية بين مدخلين أساسيين لدراسة النفس البشرية فى السواء والمرض، بعد ذلك نقول أننا نعتقد أن “علم نفس الأنا” فى صورته التقليدية يعانى من صعوبات شديدة ومعوقة سواء من ناحية المنهج أو النسق المفاهيمى أو التطبيقات العملية وإذا نظرنا إلى الانتقادات التى وجهت إلى نظرية الأنا الفرويدية، والتى سبق أن أشرنا إليها، ونحن نتفق معها، فاننا نرى أنها تعكس ذلك بوضوح.

وبالرغم من أنه لايمكن انكار الأبعاد الجديدة والهامة التى أضافها أصحاب نظرية الأنا الجديدة الى علم نفس الأنا، فأننا نقول أنهم – بالرغم من ذلك – لم يستطيعوا أن يتغلبوا على الصعوبات الجوهرية فى النظرية الفرويدية من حيث كونها “نظرية تركيبية للنفس

وهنا سوف نضيف بعض الصعوبات الأخرى الحقيقية، والتى تجعلنا نرجح أن “علم نفس الأنا” فى مأزق حقيقى، وأنه يحتاج إلى حلول جوهرية وجذرية.

  • تعريف علم نفس الأنا :

من أهم الصعوبات التى تقابلنا عدم وجود تعريف محدد المعالم ومتفق عليه من جانب المهتمين بعلم نفس الأنا، وإذا استعرضنا سريعا التعريفات المتاحة فاننا سنجد الآتى:

( أ ) ينطبق التعريف الأول على نظرية الأنا الفرويدية، وهو يعنى اضافة الثالثوث التركيبى (الهو – الأنا – الأنا الأعلى) الى نظرية التحليل النفسى لكى يحل محل النظرية الطوبوغرافية، مع القليل من الاضافات الاكلينيكية التى شجع عليها هذا النموذج.

( ب )  وهناك تعريف ثان أوسع ينطبق على نظرية الأنا الجديدة بجميع أبعادها، وهو يقدم التحليل  النفسى على أنه نظام معقول ومفهوم، لا يركز فقط على الصراعات داخل النفس والرغبات والنزعات اللاشعورية بقدر ما يهتم بواقع الشخص الميحط به، وخاصة الجانب الاجتماعى والثقافى والتاريخى. ويوجز هذا التعريف على أنه “العلاقات بالواقع” .

( ج ) هناك تعريف آخر يشير إلى أن علم نفس الأنا عبارة عن الصياغة المفهومية لكل الأنشطة النفسية – على وجه التقريب – بلغة وظائف الأنا.

وهنا نتساءل:أين اكتشافات بول فيدرن فىالتعريفات المتاحة مع أنه اعتبرها فى نطاق علم نفس الأنا؟! (11)  وبصورة أخرى، هل سنقتصر الآن فى تعريفاتنا لعلم نفس الأنا على نظرية الأنا فى صورتيها ونترك نظرية حالات الأنا كتيار منفصل؟

وباختصار فاننا نرى أن يعدل التعريف ليشمل نظرية حالات الأنا، ونفترح أيضا أن يعدل اسمه إلى “علم نفس حالات الأنا” Psychology of  Ego States

  • وظائف الأنا:

والمشكل الذى يطرح نفسه دائما بخصوص هذه الوظائف هو: هل كل هذه العمليات التى تعد وظائف للأنا هى بحق تخص الأنا وحده أم أنها من عمل النفس ككل؟ وابتداء نقول أن فرويد نفسه اعترف بأنه من الناحية الواقعية لايوجد خط واضح بين أجزاء النفس (الهو – الأنا – الأنا الأعلى) وأن هذه الأجزاء تعمل معا. وهذا الاعتراف متفق عليه من جانب المهتمين بعلم نفس الأنا، وهنا يذكر أورجل (1968) Orgel بأن مصطلح الأنا فى التناول التركيبى غالبا ما يستعمل كمرادف للجهاز النفسى ككل، وبنا على ذلك يقترح بعض المفكرين نوعا من الأنا النظرى Theoretical Ego يشمل : الهو – الأنا – الأنا الأعلى، كذلك اقترح آخرون (من أمثال أريكسون – وأنا فرويد) تركيبات نفسية لها جانب يمثل الدوافع وجانب يمثل الأنا.

إلى هنا لانجد سوى ما يبرر الصعوبة، أو اقتراحات لا تقدم حلا حقيقيا لها. ونعتقد أنه قد يكون من الأسباب التى منعت تقديم بداية للحل الصحيح استمرار التفكير بنفس الطريقة الفرويدية مع الالتزام باستخدام مصطلحات فرويد التركيبية فى صياغة الحلول. ولقد فسر سليفانو أريتى ( 1976) Silvano Arieti صعوبة الاجابة عن السؤال المطروح بقوله أن هارتمان والعلماء الآخرين المهتمين بعلم نفس الأنا قاموا بتعداد وظائف الأنا ولكنهم لم يهتموا بدراسة الميكانيزمات الشكلية (الصورية) التركيبية Formal Mechanisms لهذه الوظائف، ويضيف بأن بول فيدرن هو الوحيد الذى اهتم بذلك ولكنه لم يجد أتباعا له.

حقيقة، لقد حاول فيدرن دراسة ميكانيزمات الوظائف النفسية، ولكن الذى ساعده على ذلك أنه كان يفكر من منطلق آخر غير المنطلق الفرويدى، واستخدم منهجا آخر غير منهجه. ومن هنانقول بأن بداية التغلب على هذه الصعوبة يكمن فى نظرية “حالات الأنا” وهى التى تتيح دراسة ميكانيزمات العمليات النفسية المتعددة. وهنا يقول اريك بيرن بأن كل حالة من حالات  الأنا- الثلاثة التى اهتم بدراستها – تستقبل وتتعامل مع الوسط المحيط بطريقة معينة، وهى فى ذلك تستعمل ميكانيزمات مختلفة خاصة بكل حالة، وعندما وصف بول فيدرن “كيف يتكون المفهوم عن شئ ما” فانه فعل ذلك من منطلق “حالات الأنا” مستخدما المنهج الفينومينولوجى فى التفكير.

والسؤال المطروح فى البداية عن وظائف الأنا ليس هو المشكل الوحيد، فهناك مشاكل أخرى كثيرة تتعلق بهذه الوظائف منها على سبيل المثال: هيراركية هذه الوظائف (داخل الوظيفة الواحدة، ومجموعة الوظائف مع بعضها)، وأنواع العلاقات المختلفة بين هذه الوظائف فى طريق النمو . . الخ وأيضا نعتقد أن بداية الاجابة عن كل هذه التساؤلات قد يكمن فى تبنى “نظرية حالات الأنا” ومنهجها الفينومينولوجى.

  • النظرية التركيبية (الفرويدية) ككل :

لقد سبق ذكر أن اطلاق صفة “تركيبى” على النظرية الفرويدية ليس صحيحا، وأنها نظرية لم تتأسس على أسس اكلينيكية، ومن هذا المنطلق يتصور هولت أن هذه النظرية محكوم عليها بالاعدام، وان لم تكن قد ماتت بالفعل. وهنا نحب أن نؤكد أن هذا لا يعنى الحكم بالاعدام على نظرية التحليل النفسى، فهى مليئة بالمفاهيم الاكلينيكية التى تأسست على الملاحظة فى المواقف الاكلينيكية المخلتفة، وهذه المفاهيم التى أثبتت فائدتها سوف تظل كجزء هام وأساسى من علم النفس والطب النفسى.

من هنا تظهر أهمية “نظرية حالات الأنا” كنظرية تركيبية بالمعنى الصحيح للكلمة، فهى تصف تركيبات نفسية حقيقية كلية ومحددة ، تلاحظ فى المواقف المختلفة، وكذلك تعاش ويمكن التحدث عنها، ولقد قامت هذه النظرية على أساس من الممارسة الاكلينيكية.

ونضيف أن بول فيدرن أضاف لميكانيزم “الكبت” بعدا هاما، وهو أنه ذكر أن المادة المكبوتة تكون فى صورة “حالات أنا” كاملة، كذلك أنه ذكر أن “حالات الأنا” المعاشة فى فترات سابقة تظل كامنة ومستعدة للشحن بالطاقة (ومن ثم الظهور) وهذا يسحب مفهوم “التثبيت” عند فرويد، والذى يستعمله فى الحالات المرضية، إلى الأسوياء . . هذه أمثلة قليلة – من كثير – لكيف أن نظرية “حالات الأنا” تستطيع أن تبقى على المفاهيم الاكلينيكية فى نظرية التحليل النفسى، مع رؤية جديدة واضافة أبعاد هامة.

الخلاصة والتعقيب

فى نهاية المقال، أوجز ما أريد قوله فى الاقتراح الآتى: أن يعدل اسم “علم نفس الأنا” إلى “علم نفس حالات الأنا” وأن يشمل هذا العلم اكتشافات نظرية حالات الأنا، بحيث يتضمن تعريفه للعناصر التالية (12)

( أ ) دراسة حالات الأنا ككيانات نفسية كلية يمكن ملاحظتها من الناحية السلوكية ومعايشتها فينومينولوجيا.

( ب ) تظهر هذه الحالات للدراسة منفردة أو متفاعلة مع بعضها البعض .

( ج ) تدرس هذه الحالات فى الصحة (الأسوياء) والمرض (مختلف أنواع الأمراض النفسية).

وهذا الاقتراح مبنى على اقتناعى (فى الوقت الحالى) بأن نظرية حالات الأنا هى النظرية التركيبية الحقيقية للنفس البشرية والمتاحة لنا حتى الآن، وهى النظرية الوحيدة التى قد تهيئ لنا الفرصة للتوليف والتكامل بين معطيات النظريات المتعددة للشخصية والسيكوباثولوجيا وذلك داخل اطارها التركيبى. وهذا الاقتناع نابع أساسا من الممارسة العملية للطب النفسى فى الكثير من مجالاته المتعددة.

المراجع

References

Anzieu, D. (1968)  Comment on Dr. Brenner’s Papero International Journal of Psycho – Analysis, 49: 429.

Arieti, S. (1976) The Intrapsychic Self: Feeling and Cognition In Health and Mental Illness. Abridged Edition. New York: Basic Books.

Arlow, J. A. and Brenner, C. (1964) Psychoanalytic Concepts and the Structural Theory. New York: International Universities Press.

Bellak, L., Hurvich, M. and Gediman, H. (1973) Ego Functions in Schizophrenics, Neurotics, and Normals. New York London: John Wiley & Sons.

Bsers, D. (1956) Ego deviation and the concept of schizophrenia. The Psychoanalyti Study of the Child, 11 : 164 – 233.

(1972) Ego autonomy and ego pathology. Ibidm 26 : 3 – 24 .

Berne, E. (1961) Transactional Analysis in Psychotherapy. New York: Grove Press.

Brenner, C. (1968) Archaic features of ego functioning. International Journal of Psycho – Analysis, 49: 426 – 429.

Drellich, M. G., (1974) Classical psychoanalytic school . A: The theory of the neuroses. In Arieti, S. (ed – in – chief),

American Handbook of psychiatry. New York: Basic Books.

Federn, P. (1953) Ego psychology and the psychoses. Weiss, E. (ed). London: Maresfield Reprints, 1977.

Freud, A. (1936) The Ego and the Mechanisms of Defense. New York: International Universities.

Hartmann, H. (1936) Ego psychology and the problem of adaptation. New York: International Universities, 1975.

(1950 – 1956) Essays on Ego psychology. New York: International Universities. 1976.

Holt, R.R. (1975) The past and future of ego  psychology. Psychoanalytic Quarterly, 44: 550 – 576 .

Meissner, W.W., Mack, J.E. and Senard, E.V. (1975) Classical Psychoanalsis. In Freedman, A. M., Kaplan, H. I. And Sadock, B. J. (eds). Comprehensive Textbook of psychiatry. 2nd ed. Vol. I. Baltimore: The Williams & Wilkins Compay.

Orgel, S.Z. (1968) Comment on Dr. Sinha’s Pager. International Journal  of Psycho Analysis, 49 : 417 – 419 .

Sinha, T.C. (1968) Observations on the concept of ego. International Journal of Psycho- Analysis, 49: 413 – 416 .

Weiss, E. (1953) (ed) Introduction. Ego Psychology and the Psychoses. London: Mares field Reprints, 1977 .

[1] – الانسان والتطور . العدد 26 (ابريل) لسنة 1986 . ص 13 .

[2] – الإنسان والتطور. العدد 27 (يوليو) لسنة 1986 . ص 11 .

[3] – فى هذه المرحلة كان تعبيرا “الدفاع” و “الكتب” يستعملان كمترادفين.

[4] – هذه الأفكار جنسية فى طبيعتها، وقد اعتقد فرويد – خطأ – أنها نشأت نتيجة لصدمة Trauma جنسية فى الطفولة المبكرة واغراء جنسى حقيقى.

[5] – يستعمل البعض مصطلح علم نفس الأنا ليعنى به هذه النظرية الجديدة.

[6] – يقصد الأعوام ما بين 1923 و 1975 .

[7] – لقد هدف هارتمان الى توسيع نطاق التحليل النفسى ليصبح علم نفس عام وشامل، وذلك ببناء جسور مفاهيميه الى المجالات الاكاديمية الأخرى (علم الاجتماع والانثروبولوجيا بالاضافة إلىعلم النفس).

[8] – يتضح هذا المنهج فى كل أعماله التى جمعها تلميذه فايس فى كتاب “علم نفس الأنا والذهانات” Ego psychology and the psychoses

فى عام 1953 ويذكر فايس فى مقدمة الكتاب أن نظرية فيدرن أسست على الوصف الدقيق للخبرات الذاتية للأصحاء والمرضى، وأن فيدرن نفسه كان يمتلك قدرة استبصارية عالية.

[9] – لقد أثبت بنفيلد – عالم الأعصاب – هذا عن طريق تجاربه التى كان يجريها على المخ البشرى.

[10] – سبق ذكره هذه الاختلافات بشئ من التفصيل: الانسان والتطور، عدد 27 (يوليو) لسنه 1986، ص 11 . تعليق على “نظرية التحليل التفاعلات” . د. رفعت محفوظ.

[11] – سبقت الاشارة الى أن الكتاب الذى يضم أعمال بول فيدرن يسمى “علم نفس الأنا . . . .” .

[12] – يوسع نطاق هذا العلم باضافة البعد الطولى (شاملا كيفية مسيرة الفرد على طريق النمو والتكامل). كذلك يجب ألا ننسى كيف يتكامل هذا العلم مع العلوم الأخرى إذا ذكرنا أن الوحدة السيكوبيولوجية للكائن البشرى تحتم دراسة ما يقابل الكيانات النفسية (حالات الأنا) من “تنظيمات مخية” تستدعى دراستها استخدام العطاء الحقيقى لعلوم : التشريح – الفسيولوجيا – الكيمياء، والعلوم الأخرى التى تهتم بدراسة المخ البشرى من نواحيه المختلفة.

ويجب أن نضيف هنا أن الأبعاد المختلفة “لحالات الأنا” تعتبر من المحاور الأساسية التى اهتمت بها نظرية مصرية أصيلة، هى : ” النظرية التطورية الايقاعية” Evolutionary Rhythmic Theory لصاحبها د. يحيى الرخاوى. وسوف نقوم بعرض الجوانب الهامة لهذه النظرية فى سلسلة مقالات تنشر تباعا فى أعداد قادمة من هذه المجلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *