الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يناير 1986 / عدد يناير1986- رؤية الصحوة نحو الموت

عدد يناير1986- رؤية الصحوة نحو الموت

  رؤية

الصحوة نحو الموت

فى وقت لاحق،لاندرى متى، بل وربما هو نفسه لا يدرى متى، اذ نفسه تعرف توقيتا… وجسمه يعرف توقيتا ثانيا، والآخرون من حوله يحددون أو لايكادون يحددون توقيتا ثالثا، ورابعا…… ففى لحظة ما وحيدة فى وحادة فى تتابعاتها اشاح بنفسه وجسمه وروحه عن الحياة بما فيها وسار نحو قدره المحتوم كما يسير المتهم المحكوم عليه بالاعدام نحو غرفة الاعدام…….. وبدأ العد التنازلى .

الأطباء يقولون أنه ينزف ويرددون: هذه علامة خطيرة وهو يعلم أكثر مما يعلمون ولكنه لايريد أن يصرح لا لنفسه ولا لغيره، ثم هو لايريد ان يقاوم، لقد خارت قواه غير المرئية، لقد آن الأوان ….. “أريد أن أعيش”، ينطق بها لسانه، تتلاشى فى الهواء كما يتبدد الدخان، لقد فات الأوان فلا فائدة، من المقاومة… لقد قاوم من قبل كثيرا، لافائدة،.. لافائدة، انها لا ترن فى أذنه، ولا ينطق بها لسانه، ولكن يتكلم بها نبض الحياة فى جسمه، كل شئ توقف عن الدفاع حين اتخذ القائد قرار الاستسلام مع عدم الانسحاب، جمدت الحياة فى خارجه وفى داخله، ترى من يراه؟ فهو نفسه لايقوى ان يكشف الغطاء عما يحدث فى داخله، فهو يختبئ بنفسه فى نفسه، فى نفس الكلمات التى لم تتغير لا فى معناها ولا فى شكلها ولكن التغير عميق ودفين وجارف فى قواه، فالقرار هو قرار الموت، قرار الموت دون ضجة، دون ثورة، دون صرخة الم فالتصرفات المكتومة اغتيلت منذ زمن ولا أحد يمد يد المساعدة لا الآن ولا من قبل، فالسواعد تتلاطم فى الهواء وكأن أصحابها يلعبون لعبة القطة العمياء فلا تصادف أذرعهم جسمه ولا يقابل جهدهم حركة نفسه، فالمسافة بينه وبينهم اختلفت مقاييسها فهى لا تخضع لا للعيان ولا للعرف، لا فى زمانها ولا فى مكانها، وهى ليست وليدة اللحظة، لحظة الانقلاب وانما هذه المسافات امتدت وطالت وتعقدت عبر سنوات العمر منذ الميلاد الى يوم الميعاد .

لابد مندهش من يراه يسير فى طريقه نحو قدره المحتوم، كيف يكون الهدوء بعد كل ضجيج الحياة وواقع الحركة؟ لايمكن أن تكون هذه هى النهاية، أن تتعطل الحركة ويسكن الجسد وتذهب الروح، فيذهب معها كل شئ وهنا يتوقف العقل….يصدم….

يعجز، يصبح مقيدا بسلاسل من جديد تكاد تفتك به، لقد أمسى الموت حقيقة واقعة تخترق مكان وحياة العقل كما تخترق أشعة الشمس الكون ويكاد العقل أن يشل ويحاول أن يتملص يمينا أو يسارا ولكن لا مفر فالحقيقة تلاحقه فى كل مكان وفى كل زمان. فهى حقيقة وأى حقيقة، حقيقة لا تضاهيها حقيقة اخرى ، ولكن لا يحل هذا القيد سوى انطلاقة قوية وشديدة نحو الحياة فلا تأجيل، ولا انسحاب، ولا افراط، انطلاقة حياة على الطريق المحتوم، على النهاية تكون أقل موتا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *