الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يناير 1986 / عدد يناير1986-قصة وجه عصرى

عدد يناير1986-قصة وجه عصرى

قصة

وجه عصرى

أحمد زغلول الشيطى 

حبيبتى قالت أن وجهى يشبه فردة الحذاء ذات البوز، وان شاربى هو الرباط. أيد قولها أخاها سليمان، وخالى معاطى وخالتى نوسة وشريف ابن أختى ماجدة وسامية زميلتى فى العمل وسيادة المدير جمعة صديقى من ابتدائى، كذلك ايدت ماما قولها،

وبابا أرسل من قبره رسالة مفادها أن وجهى يشبه فردة الحذاء الفرنساوى ذات البوز،

وأضاف أنه يرسل تحياته الى حبيبتى والى ماما أمنياته الخاصة، داعيا الله  – عز وجل  – أن يتم شفاءها ،وأن يراها الى جواره فى القريب العاجل. سالت حبيبتى

عما اذا كان وجهى يسبب لها مشكلة ، قالت أنها فكرت فى الأمر بجدية، وأنها ترى أن حلاقة شاربى ستغير حال وجهى، الى شكل مختلف ، والى الأفضل طبعا،  وقالت ربما يشبه وجهى لحظتها ثمرة جزر مقلوبة، ولأننى أحب حبيبتى ، حبى لماما وبابا وأختى وخالتى وخالى وأقاربى وزملائى، ولأننى أثق فيها، لأنها ذكية استطاعت أن تصبح معيدة فى الاقتصاد المنزلى، ذهبت الى الحلاق، وطلبت منه أن يزيل شاربى من الوجود، اقترح أن بامكانه تشذيبه بطريقة شديدة الطرافة، تجعل وجهى قريب جدا من وجه المدعو همفرى بوجارت، سألته عما أذا كان وجه همفرى بوجارت يشبه فردة الحذاء الفرنساوى ذات البوز  نظر الى وجهى فى المرآة، وبصق عليه بصقة كبيرة، ظلت تسيل حتى سقطت فى الطبق، فيما كان يزيل شاربى من الوجود، بعصبية غير معهودة فى هذا النوع من البشر، فعرفت أننى أخطات فى حقه، دائما سيادة المدير يقول اننى أخطئ دون أن أدرى، لأن عقلى تائه فى أشياء غامضة لا يعلمها الا الله، رأيت وجهى يتحول تديجيا الى ثمرة جزر مقلوبة .

ضحكت فى المرآة، فتابعت وجوهى المتعددة الضحك فى المرايا، حتى أن الحلاق نفسه ضحك أخيرا وقد أخذته الدهشة، وعرض على أن اعمل عنده صبى حلاق ، قلت اننى لا أستطيع لآن لى عملا واحدا أجيده من يوم تخرجى من الجامعة . سألنى ما هو ، قلت: عضو لجنة الفحص المبكر قبل مرحلة العرض المتأخرة، حتى لا يحدث تناقض جذرى يقوض العملية المحلية ويحولها الى مشكلة قومية عالمية، فتتطربق على رأس الكل، وأن عملى ذو طبيعة سرية، قال انه لم يفهم شيئا. طمانته الى أن الأمر يتطلب مرانا طويلا، فأنا نفسى لم أفهم الى الآن ما هو المطلوب أصلا، وتذكرت أن حبيبتى قالت : وظيفتك مرموقة، اشكر خالك معاطى ، ولكن المشكلة هى وجهك، قلت لحبيبتى : لعل وجهى صار أكثر اقناعا بعد حلاقة شاربى،

قالت : ليتك لم تزل شاربك من الوجود، صار وجهك  يشبه الوجه الباكى رمز التراجيديا فى المسارح، أيد قولها اخاها سليمان، وخالى معاطى ، وخالتى نوسة ، وشريف ابن أختى ماجدة، وسامية زميلتى   فى العمل، وسيادة المدير، وجمعة صديقى من ابتدائى، وكذلك أيدت ماما قولها، وبابا أرسل من قبره رسالة مفادها أن ليته لم يزل شاربه من الوجود لأن وجهه صار يشبه الوجه الباكى رمز التراجيديا فى المسارح، وأرسل تحياته الى حبيتى وماما متمنيا لها الشفاء ورفع دعاءه الى الله  – العلى القدير – أن يراها الى جواره قريبا .

قلت لحبيبتى ان وجهى حيرتى، مثلما حبك حيرنى، فكيف لى أن أخرج من الحيرة سالما بأقل تضحية ممكنة، قالت وجه الانسان جواز مروره فى المجتمع، وأن فتى أحلامها على هذه الصورة وأخرجت صورة من حقيبة يدها وقالت: عليك بجراحة التجميل… قل للدكتور اعمل لى وجه مطابق للصورة، قلت لايمكن يا حبيبتى، هذا الوجه له قرن على الشمال وقرن على اليمين، انه خروف يا حبيبتى، زعقت حبيبتى: أنت لا تصلح لشئ ، هذا هو الوجه العصرى، من يريد أن يصعد السلم بقفزة واحدة يجب أن يحمل وجها كهذا . أننى أثق فى حبيبتى جدا، لأنها لا تخطئ أبدا، وهى دائما ناجحة فى عملها وحياتها الخاصة وبابا قال قبل أن يموت أن حبيبتى بعشرة رجال. قلت للدكتور: اريد وجها كهذا يا دكتور، لم ينظر الى، اكتفى بالقول دون ان يعيرنى اهتمام سيكلفك كثيرا، لقد أخترت أصعب الوجوه وأكثرها كلفة، ولكن ….. يادكتور … أننى …. قال: لا يمكننى أن أعمل مجانا، قلت سأدفع عشرا قال سآخذ خمسة عشر  قلت ليكن هيا . أخرج مطواة صغيرة من جيبه وراح ينزع وجهى الذى يشبه الوجه الباكى، تساقطت أساريرى وشعرت اننى حزين، اذ رأيت ذلك الأنف القديم، يسقط فى الاناء الواسع كم رأيت هذا الأنف؟ وكم من المتاعب سبب لى ، لكنى اعتدته دائما حتى أكثر من نفسى، كان اصبعى يدخله دون استئذان ويعبث به، ويوم شدنى سيادة المدير منه قائلا” أتربى منقارك “ شعرت بالامتنان اذ عادنى سالما، بعد أن أقسم سيادة المدير أن يجزه بالسكين عقابا لى .

سألت الدكتور : بعد كم يوم أفك الشاش يا دكتور ؟

قال : الآن ان أحببت. قلت : اذن أطلب حبيبتى لتكن اول من يرانى بوجهى الجديد .

جاءت حبيبتى وأخاها سليمان وخالى معاطى وخالتى نوسة وشريف ابن أختى ماجدة وسامية زميلتى فى العمل وسيادة المدير وجمعة صديقى من ابتدائى، كذلك جاءت ماما وبابا أرسل برقية من قبره مفادها” تمنياته بانصلاح الحال “ وأرسل تحياته الى حبيبتى وماما متمنيا لها دوام الصحة، ورفع دعاءه الى الله بان يراها الى جواره فى القريب العاجل وكنت أنا خلف الستارة البيضاء، والدكتور أمام الستارة، يشرح لهم انجازه العظيم وكنت شديد الاندهاش من صوت الدكتور، هل هو صوته فعلا ، ام أته يعلق ميكروفون فى حنجرته يشغله عند شرح انجازاته، قالت ماما انها فى شوق لرؤية وجه ابنى الجديد وقالت حبيبتى: حبيبى له الأن وجه عصرى. قال الدكتور: دقائق وتلمسون المعجزة بأنفسكم، ازيحت الستارة فانكشفت لهم، شهقت حبيبتى، وماما صرخت، ازدحمت خطواتهم فى الدائرة الصغيرة أمام قدمى، قالت حبيبتى: ولكنك لم تفك الشاش يادكتور، قال الدكتور : سيفك فورا .

أحسست ببرودة المقص على وجهى، وفى قصة واحدة، سقط الشاش، ووجهى الجديد، لأول مرة، عريانا امامهم ، فاجأهم بصراحة تحت النور الساطع، ها أنا يا حبيبتى، لطمت ماما خديها الناعمتين، رأس حمار يا دكتور، ابنى برأس حمار، رأيت حبيبتى تبكى وتعترف لأول مرة بالفشل، وعنفتنى قائلة: ألم تعط للدكتور الصورة، قلت: اننى ورأس بابا أعطيتها له سألتنى خالتى نوسة: هل ستصبح فى عملك بوجه حمار ، قلت : اننى لا اعرف مدى تأثير وجهى الجديد على عملى يا خالتى، قال سليمان فى شماتة: لا فائدة، عليه البحث عن عمل يلائم وضعه الجديد، استنجدت بخالى معاطى فقال انه سيحاول البحث عن عمل ملائم، وكان الدكتور حائرا، لايستطيع التفوه بكلمة، قال وكأنه يحدث نفسه كيف حدث ان نموذج الوجه العصرى الذى أعددته بنموذج وجه الحمار، لابد فى الأمر سر، سمعنا طرقا شديدا فوق الباب، واذا ببابا يدخل ملفوفا بكفنه وقد علا قامته المهيبة سعر مغبر، لم يلق التحية على الواقفين، توجه الى مباشرة وقال: قم يا ولد لتأت معى، أننى فى احتياج لمن يخدمنى ويسلينى فى وحدتى، وأفاقت حبيبتى على كلام بابا وقالت ان هذا من حسن التفكير السليم، وأيد قولها اخاها سليمان، وخالى معاطى، وخالتى نوسة، وشريف ابن أختى، وسامية زميلتى فى العمل، وجمعة صديقى من ابتدائى، كذلك ماما أيدت قولها وقالت : ليأخذه حتى لا يرفع دعائه الى الله طالبا أن يرانى جواره

شعرت فى  هذه اللحظة فقط، أن هؤلاء الناس لا يحبوننى ، وبكيت .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *