الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يناير 1986 / عدد يناير 1986-موجز “ الفرض” موضوع الحوار :

عدد يناير 1986-موجز “ الفرض” موضوع الحوار :

موجز “ الفرض” موضوع الحوار :

يفترض فاينبرج أن “ برمجة” المخ البشرى تحكمها وراثة جاهزة للظهور، كما تؤثر فيها عوامل البيئة فى أوقات النمو الحرجة بالذات    (المراهقة خاصة)ـ

وأن عزل المشتبكات العصبية (مناطق التوصيل بين الخلايا العصبية أو مفترقات الطرق) تزيد قدرة المخ البشرى على التعامل بمس بمنطق حسابى، وكفاءة فاعلة ، فاذا فشلت عملية عزل هذه المشتبكات(الاقلال من مفترقات الطرق) فى فترة المراهقة بالذات، فان كثافة غابة المشتبكات وكثرة التقاطعات جديرة بأن تخل بكفاءة التوصيل، وبالتالى بكفاءة عمل القدرات العقلية وانتظام السلوك الهادف والمسلسل .

ولا بأس من ايجاز كل مرة ….. مع الاعتذار .

والآن الى حوار التعليقات الجديدة .

أولا : “ تعليق موجز “

د. فيصل يونس(1)

لعل أكثر ما أسعدنى فى هذا المقال هو الترجمة التى جعلتنى أشعر بالخجل العقلى من ذلك اليقين الذى زرعته فى عقلى بأن هذا النوع من العلم يستحيل ترجمته الى لغة عربية سلسة . العديد من المصطلحات التى ارتكنت فى تدريسها الى استخدام الانجليزية تبدو الآن قابلة لأن يعبر عنها بالعربية والكثير من الاختصارات صارت سهلة …. خفيفة على القلب مثل رمك ونحعس وندحعس وغيرها كثير .

القضية الثانية التى أود اثارتها هى أن هذا المقال وغيره كثير لا يقدم؛ ولا يستطيع أن يقدم؛ نظرية مفسرة للفصام لأن النظرية المفسرة للفصام فى رايى لابد  وان تتضمن أساسا لحل مشكلة تصنيف ما يندرج تحت كلمة فصام (وهو كثير) ، وعلى هذا فهى تظل تقدم ادلة من قبيل أن 40% من مرضى الفصام يبدون كذا، وان 30% منهم يبدون ذلك. وتظل النظريات المفسرة للفصام سواء كانت بيولوجية أو اجتماعية تعانى من التفكك والتسيب المفاهيمى وانعدام امكانية الخضوع لتجارب حاسمة ترفضها ( وهو شرط أساسى ينبغى أن يتوفر فى أى نظرية تدعى العلمية) .

القضية الثالثة  وهى ايضا مشكلة شائعة فى هذا المجال التخصصى، وأعنى بها استخدام مقاييس معملية وكأنها محققة الثبات والصدق بمعنى أنها الاعتماد الكبير على موجات دلتا فى “رمك” وهى قائمة على تصنيف للترددات فى رسم المخ لم يعد يلاقى قبولا واسعا وهناك من الدراسات العاملية فى هذا المجال كدراسات ليكن D. Lykken فى جامعة كاليفورينا مايلقى ظلالا من الشك على هذه التصنيفات الى حد كبير . كذلك الاعتماد على مقاييس” فاصلة : الحدث/ الجهد” أو الجهد المرتبط بالحدث دون تذكير للقارئ بأن النتائج التى نحصل عليها باستخدام هذه المقاييس غير متفق على معناها وان هناك فروقا فردية واسعة النطاق فى نتائج الأفراد عليها وأن ثبات هذه المقاييس لم يمحص بعد .

يبقى بعد ذلك أن المقال نفسه يكشف عن قدرة فائقة على التنظير والجمع بين أشتات الحقائق والمعلومات .

هذا تعليق عاجل أرسله من بين ركام المشاغل التى تطحننا جميعا راجيا أن أتمكن من تعليق أكثر تفصيلا فى عدد قادم ان شاء الله .

تعليق على التعليق :

1  – ونحن نشكر الزميل على صدقه وتقديره، ونذكر انفسنا واياه بأن اللغة العربية ليست قادرة فقط على نقل المصطحات الأجنبية، بل ان استلهامها فى مجال علومنا النفسية قد يدلنا على حقيقة ما هو “ نفس” وطبيعته، كما يظهر فى عمق ما هو”لغة” ، بحيث قد تصبح المشكلة المطروحة بعد استعادة ثقتنا هى فى النقل من العربية الى اللغات الأخرى، حين نتأكد فيتأكدون أننا نفتح أبوابا غير مطروقة، من منطلق مختلف بيئة وتاريخا .

2  – ثم لعل الزميل وهو يلمح الى مشكلة تصنيف ما يندرج تحت كلمة فصام يشاركنا ماذهبنا اليه فى تقديم الحوار هذا العدد، فيجد أننا  – مثلما ظن ونبه  – لم ننته الى معالم واضحة، وهو اذ يأمل مسبقا فى توحيد معنى  للكلمة، يجعلنا نعلن فى أسف حافز، أن عدة احتمالات،(أ) فاما أن نتراجع عن استعمال هذا اللفظ تماما مادام ليس” جامعا ولامانعا “، فيحل محله ما يصف “ العملية المرضية” أو جزئية محددة أو غير ذلك ، (ب) وأما  أن يختص لفظ الفصام بناتج العملية دون بدايتها ومراحلها وهذا أصعب، (جـ) واما أن يصنف لفظ الفصام الى فئات مختلفة ومتنوعة حسب مرحلة ونشاط حركة عملية التدهور ولايصح حينذاك الحديث  – الا اجمالاـ – عن الفئة الأم، اذ ينبغى الاكتفاء بالفئات الأصغر فالأصغر .

ونحن أميل الى اعتبار هذا الفرض الحالى( موضوع الحوار) متعلق بالعملية الفصامية (حتى لو كان نتاجها ليس فصاما مما سياتى ذكره فى سياق الحوار حتما)

دون الفصام ذاته ، ولعل فى هذا ما يقابل الفرق بين دراسة” العملية الابداعية”

فى مقابل “ ناتج الابداع “ مما نرجح انه من بين اهتمامات المدرسة التى ينتمى اليها الزميل .

3  – ان مسألة عدم “صدق” أو” ثبات” المقاييس المعملية هى مسألة هامة وخطيرة، فهى اذ تنبهنا الى عدم الاعتماد عليها تنبهنا أيضا وقبلا الى ضرورة تجاوزها دون اغفالها، ونحن نذكر أنفسنا، واياكم، والقارئ معنا الى أننا ينبغى أن نقتحم الظاهرة بالقياس وغيره، ثم نستعمل القياس الصادق والثابت فى حدوده، شريطة ألا نكتفى بحدوده، فقد تمادت المبالغة فى ضرورة ثبات وصدق المقاييس، حتى تصور العلماء والناس انه ممنوع منعا باتا أن نقيس بلا مقياس، أو أن ننظر بلا منظار كمى مقنن، باعتبار أنه ليس منظارا ماهو خبرة مكثفة، أو نتائج متلاحقة، أو رؤية منتظمة، ومع احترامنا لأمانة اعتراضه ولزوم تنبيهه ألا اننا نتساءل ماذا لو لم يكن عندنا هذا المقياس الكمى فى مجالات السلوك والفسيولوجيا والكيمياء على حد سواء، هل نكف عن النظر فى الظاهرة أم ننظر فيما ليس هى بما تتيحه مقاييس محكمة لاتصلح لها أصلا؟ ان أمانة الاعتراف بمحدودية الأداة المستعملة، والمنهج المتاح، لابد وأن تكون حفزا الى مزيد من الابداع المرن، والحوار الخلاق، اذ الخوف كل الخوف أن تختزل ظاهرة ما ( وخاصة الفصام) الى ما يمكن قياسه منها، بدلا من أن تظل مواجهة لوعينا بكل تحدياتها، ونحن نلف حولها بالمقاييس فى نفس الوقت الذى نحاول فيه الغوص اليها واحتوائها بالفروض النابعة من واقع الممارسة وتنظيم المعطيات الجزئية .

4  – على أن الزميل، فى تواضع وصدق العلماء، قد اعترف بالفضل لصاحب الفرض بقدرته على التنظير والجمع بين الحقائق والمعلومات، وبذلك نكون قد أوجزنا المأزق العلمى الراهن فى : اعلان حاجتنا القصوى الى فحص الجزئيات بكل ما يمكن من أدوات وما ينبغى من دقة، وفى نفس الوقت اعلان حاجة اشد الى فروض شاملة جديدة، و تنظير شجاع ملاحق ، يستطيع أن ينظم بعض هذه الجزئيات فى مكانها المتواضع من التصور الأشمل. لا يهمنا فى ذلك أن تظل فراغات كثيرة شاغرة فى الفرض الكلى المناسب، فاذا زاد حجم الجزئيات العاجزة عن الانضواء تحت الفرض القائم ، تولد فرض جديد ، وهكذا .

***

والآن الى تعليق جديد :

[1] – د. فيصل يونس هو مدرس لعلم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة، وقد سعدنا أن قبل الدعوة، بأى قدر فهى بداية واعدة بتفصيل لاحق، وهى حفز جديد، وأمل لاسهام الزملاء فى هذا المجال فيما نحاوله، وتعجز عنه حتما وحدنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *