الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1985 / أكتوبر1985-قراءة عابرة فى قصيدة الغربة (2)

أكتوبر1985-قراءة عابرة فى قصيدة الغربة (2)

 

عدد أكتوبر 1985

قراءة عابرة فى قصيدة الغربة (2)

محمد يحيى

نجحت الشاعرة كوثر مصطفى فى أن تفرض نفسها، وبالعامية، بعد الشعر، وربما استأهل هذا النجاح منا وقفة نحاول فيها الاقتراب من أبعاده، ومن ثم فقد حاولت، ولست بالشاعر، ولا بالناقد، ولا لأرى حتى نفسى قارئا كفؤا لمثل هذا – علانية ونشرا -، ولكن ربما كانت هذه المحاولة المختصرة سعيا بسيطا لأن يشارك قارئ ” عادى جدا” فى كسر غربة الشاعرة، فقط بمحاولة التعرض بصدق، وان فشلت المحاولة أو قصرت .

وقد فضلت أن أتعرض أساسا للغة القصيدة حيث دارت مناقشات عديدة عنها أدت الى قرار هيئة التحرير الموضح بافتتاحية العدد السابق بالنسبة لنشر الأعمال بالعامية .

وقد تصورت، لمستوى ما من تدرجات محاولة وضع صيغة لتقييم الشكل العامى للغة الأدبية، أنه لاينبغى أن يكتب أدب بالعامية، الا ما لايمكن أن يكتب بالفصحى، ولذلك فقد تجرأت،(وليس من حقى) على محاولة نقل القصيدة الى الفصحى كمحاولة لاختبار مدى قابليتها لهذا الأجراء السخيف، وقد اعتبرت هذه العلمية مجرد تدليل على امكانية ما، وتصورت أنها دعوة للشاعرة اذا قبلت المعيار أن تحاول اعادة الكتابة( أو تحاول اعادة الشعر بالفعل)- وما حاولت أنا الا نقلا قشريا – ربما يمكنها، باختراقها هذه الخطوة، أن تنتصر على صعوبة أسهل من الاستسهال .

وهى ليست أول صعوبة(لغوية) تخترقها الشاعرة بالتزام، فالقصيدة من بدايتها (عندى) هى اختراق لهذه الصعوبة، فأن تبدأ بقولها “…… موش عارفة ازاى/ موش قادرة أعبر …..” ثم تستمر فى التعبير المحاولة باصرار يفجر – كلما خطت (أكبر منى الاحساس) مستويات أعمق من ابداعها لتصل الى “الغربة مجئ الشعر بليد متكسر” ، أن تبدأ وتنتهى(أو لاتنتهى)هكذا، هو صعوبة حقة، استمرت مع الشاعرة، وأستمرت معها الشاعرة، فلم تقتلها الصعوبة (الغربة) شاعرة، ولاتجاوزتها الشاعرة تجاهلا وانكار. – فمجئ الشعر بليدا مكسورا، رغم الكشف عن هذا وإعلانه، ما زال يحمل صعوبة الغربة فى الانطلاق الى موجات الشعر وجودا حيا ينبض وسط العالم (القرب والصلة) بما يحملان ويعيشان (الوجود والعالم ) من شعر .

ويوحى لى هذا التصور، بأن الشاعرة لو (وما أسخف لو) كانت قد أضافت الى صعوبتها التزام الكتابة بالفصحى، وعندى أنه ليس التزاما شكليا، لساعدها الالتزام الأصالة التراثية، والالتزام الأصالة التاريخية (على سبيل التمثيل) على اختراق طبقات لوعى الغربة أكثر عمقا، وتحطيم للغربة بابداع أكثر قوة . (وربما يكون هذا أسقاطا لتمنياتى الشخصية ……..ولكن!؟) ولا يعنى هذا اغفالا لطبقات حقيقية عاشتها الشاعرة تكثفا وتداخلا رائعين، أتصورهما فى مسيرة القصيدة التى تداخل ما بين” الغربة” الابتعاد المكانى/ الزمانى عن البيئة المنزل الرحم،” والاغتراب” بما يحمل من أبعاد انسانية وعيية متعددة، وكأنى بالشاعرة تسير شعرا فى برودة الغربة، فيتكثف رذاذ وعى الاغتراب على الرائحة الباردة للشعور كلاما .

فالغربة: ” الغربة الصبح تصبح على كل الناس الا حبايبك

أو/ و” الغربة شعورك انك مسكين

أو / و ” مين اللى نسينا ومين اللى فاكرنا

ثم لاحظ الفرق فى : ” موش قادرة أعبر

أو / و” والايد الممدودة جواك على شئ …. ما انتش عارفه

أو / و” الغربة مجئ الشعر بليد متكسر

اختراق حقيقى للوصول مشيا على صراط يمتد بين ما تعيشه وما تراه ربما تصل الى أصل الحكاية

وأخيرا، أعيد التأكيد على أن قضية الشكل / اللغة، بين العامية والفصحى، هنا، فى هذا التعرض الموجز، هى خاصة بهذه القصيدة ، وأنى لم أتاكد بعد من معايير الحكم على الشكل، فما أكثر ما كتب بالعامية وكان فى اشراقه الحدسى المباشر، صاحب فضل على الوعى القارئ( بعد الكاتب) ربما كان يجهض لو كتب بغيرها، ولكن هذا ما لا أراه – شخصيا – احتمالا قريبا يهدد هذه القصيدة لو كتبت أو أعيدت كتابتها (معايشتها) شعرا بالفصحى. ثم ها هى المحاولة .

القصيدة بعد النقل :

أصعب ما بالغربة …

الغربة

لاأعرف كيف

أو كيف أقول لاأقدر أشرح

فالغربة أثقل

وأنا كالريش المقذوف يطير بعكس الهدف الآخر

أكبر منى الاحساس

  أكبر من شعرى

من لغتى

****

صدقنى

الغربة صبحا

أن تلقى بصباح الخير لكل الناس بدون تحية

وبدون صباح

لاتتصبح بالأحباب

الغربة ليلا

أن تمسى تكظم زفراتك

تكتم نفسا يخرج منك

تستغرق فى شنق الآه

أن تمضى الليل بخنق الرغبة

وبقتل الاحساس الصارخ أنك ….

أنك مقهور ، مظلوم

وبأن الكف امتدت بسياط

لتشوه جسدك

****

تتحمل ؟؟؟………. لازم

لابد وأن تتحمل

الغربة هانت………قد فات الآكثر……… يقترب الغد

وتدور الأيام وتكمل ……..

والكف الممدودة فيك لشى

لاتعرفه

تلعب فيك

تلعب بك

تكسر تحرق تطفئ كل الأنوار

الكف الجبارة ما زالت

وأنا مازلت المسكين

الغربة ……………..

الغربة أن تشعر أنك مسكين

****

الغربة ليلا تتريض

تسمع مع حراس الأبواب

“اغتصبوا البنت “

ترجع مخمودا

تغفو موؤودا

تحلم بالعار

****

الغربة أحيانا برد

الغربة أحيانا نار

الغربة أن يسود الدم

الغربة

دمع مسود

وبكاء أسود

****

الغربة: من يطرق بالباب ؟

منذا ما زال ينادينا؟

من ينسانا؟ من يتذكر؟

الغربة أن تستقبل بالأحضان لمدة لحظة

ثم تعود

قبل العودة

الغربة شعر مخنوق مذبوح ميت

يتمدد فى صدر الشعراء

كل الشعراء

****

الغربة:

برودى الأن

الغربة

جفافى الأن

ومجئ الشعر بليدا مكسورا

****

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *