الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1985 / أكتوبر1985-قراءة عابرة فى قصيدة الغربة (1)

أكتوبر1985-قراءة عابرة فى قصيدة الغربة (1)

 

عدد أكتوبر 1985

قراءة عابرة فى قصيدة الغربة (1)

أحمد زرزور

لاشك أن أهم ما يفرض نفسه فى قصيدة “الغربة” للشاعرة كوثر مصطفى ليس هو” الحضور البراق للفظ أو الرنين الاحتفالى للبراعة الصياغية للجملة الشعرية” وانما هو ذلك الحضور الحى للعفوية الشعورية التى اكتسبت مصداقيتها ليس من خلال ادعاء”بالتماس” مع أية هموم، وانما لأن الشاعرة نجحت فى أن تضع أمامنا قناعاتها – بفتح القاف – والتى تجسدت فى :

أولا : قناعتها بعدم قدرتها على تجسيد تجربتها “الاغترابية” تعبيريا، ذلك أن”احساسها” الاغترابى هذا أكبر من احتمال القصيدة ومن امكانية اللغة/ وقد اتضح هذا فى المقدمة .. أصعب ما فى الغربة …. الغربة../ الى/ مش قادرة أعبر أو أشرح قصدى !

ثانيا : ولم تكن الشاعرة تتلاعب بألفاظها أو تمارس أمامنا – فى القصيدة – تواضعا كاذبا بأنها غير قادرة على” التعبير المحيط” شعرا ولغة أمام ضخامة وهول الشعور الدامى بالغربة، فقد أعطاها”بعض ما فى القصيدة من خلل عروضى” مصداقية عفويتها تلك، فقد اكتسحت هذه العفوية الشعورية” تربص” الشاعرة التقنى بأدوتها الفنية أى أن ” هول الشعور” لم يعط الشاعرة فرصة لكى”تزن” عروضها – وسيان هنا فى نظرى كان هذا الخلل مقصودا أو غير مقصود – فمع احترامى للقصيدة بكل بساطتها وصدقها وعفويتها وحرارة حزنها ، الا اننى لم أستطع الاقتناع كثيرا بأن ” الخلل العروضى” الذى لم يتكاثر – لحسن الحظ – فى القصيدة هو أصدق تمثيل لانهزام “القصيدة – الفن” أمام “الاغتراب – الشعور”، (فليس بالكسور العروضية وحدها تنهزم القصيدة أمام الاحساس) !!

وقد وضح هذا الخلل فى الأبيات التالية :

1 – “فيه إيد ممدودة بكرباج بتقطع جسمك

ولتصويب الخلل العروضى تصبح:( بكرباجها)

2 – ” الغربة قصيدة شعر مخنوق مدبوح

 ولتصويب الخلل العروضى تصبح:

الغربة قصيدة مخنوق مدبوح .. مع استبعاد كلمة (شعر)

ثالثا : أما القناعة الأكثر حضورا والأهم تأسيسا، أن هذه القصيدة – بأجوائها الحارة البسيطة العفوية

لم تكن لتكتب الا بالعامية القريبة من القلب، المتسللة الى أعماق الروح بهدوئها الآسر الحزين/ العامبة التى لا تبهرك جماليا وانما تحرقك جرحا وامضا …. عامية تحتفظ” ببدائية” قاموسها الذى يتعامل – رغم هذه البدائية – مع الهموم الانسانية الكبرى بصدق! فينجح فى أن يجعلنا نتحسس روحنا! ……..

………………..

أخيرا : نحن بحاجة حقيقية الى ” التكريس” لحياة ابداعية راقية، ليس” رقيا استعلائيا”، وليس بوضع الأشياء مقابل الأشياء، ولكن باستكشاف كل الامكانيات الايجابية بعيدا عن شكل هذا الشئ أو ذاك، ومن ثم كان انتصارى للقصيدة – فصحى أم عامية – فالمهم هو نجاح هذه القصيدة أو تلك فى هز روحنا وفتح آفاق جديدة أمامنا ………

ولنمض الى هذه الأفاق مشمولين بفرح الحياة والشعر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *