الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1985 / عدد أكتوبر 1985 : الافتتاحية

عدد أكتوبر 1985 : الافتتاحية

عدد أكتوبر 1985

الافتتاحية

– 1 –

الموجة تشتد، الموجة تنحسر، الموجة تعود، الموجة تهدأ، ولكن المسألة أن المياه غير صالحة للشرب أصلا: مالحة، أو آسنة، أو ملوثة، أو مسمومة، فنحن نعيش هذه الأيام فى ما يشبه “النهضة للمواجهة”، وما يعد”باليقظة للتحدى” فقد كدنا ندرك بوعى حذر أننا سرقنا فى ما لم ندركه، وأنهم استعملونا لما لا نعرف كنهه، وأن ما يسمى – خطأ – بالحضارة الغربية فيها ما يستدعى: الوقفة والتأنى والتأمل والانتقاد والمراجعة والرفض والحساب والتجاوز…ولكن كيف؟ فتحركت المياه، وتتابعت الموجات، ولكن…… بدأت مهارب الاستسهال، ومحاربة الابداع، ومحاولات التوفيق أو التلفيق، فجرى ويجرى حوار طالما حلمنا بمثله،من حيث المبدأ، حول ما أسموه تطبيق الشريعة الاسلامية” فورا”، قيل: بل فورا جدا، وزيد عليه: حتما….، وبحسن نية أو فرط غفلة اختزل الموقف الاسلامى – وهو الممثل التطورى الأعلى لنضج الحضارة الايمانية – اختزل الى مسألتين، محددتين: لباس المرأة، وتطبيق الحدود، وكأن الله سبحانه حين أوحى الى من سعى اليه فانتقاه ببعض معالم فطرة البشر، وبالسبيل الأوثق لتنميتها وصلا بما قبلها الى ما بعدها( وهذا هو الايمان:ممثلا فى صورته السلوكية: الدين) قد فعل ذلك – سبحانه – من خلال هاتين القضيتين: حجاب المرأة، وتطبيق الحدود!!

* وكأن مسألة”لا اله الا الله” قد حسمت فأصبحت سلوكا يوميا يظهر فى البحث العلمى كما يظهر فى علاقتنا بالولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى واسرائيل والمملكة العربية السعودية.

* وكأن مسألة امتداد الانسان فى الله، ومد الله للانسان بما هو، قد تهيأ لها الفرصة تلو الفرصة فى شكل التربية والعلاقة الأسرية والتعامل الاجتماعى والمعرفة الفكرية بما يؤكدها ويساعدها.

* وكأن قضية التوازن الخلقى بالانتماء الى الوجود المشترك الأعظم، بالايمان بالغيب المبدع، قبل العلم المغرور، قد اتضحت من خلال ابداعاتنا المتحدية للقشور المادية المغتربة والمستوردة.

* وكأن الناس قد علموا أن “ما أنزل الله” مما أمرنا بأن نحكم به ليس هو فقط نص الكلمات أولا وأخيرا، وأنما هو قبل ذلك وبعد ذلك حقيقة الفطرة التى تشوهت بغرور العلماء المجتث الجذور، واستسهال المتدينين الشكليين باللجوء الى الضمانات السريعة، والتجارة – الدينية – المحسوبة، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم

محنة لن ينقذنا منها الا هو. بما هو نحن.

ولن يصلنا به الا الكدح المخترق لكل الطبقات، بما فى ذلك اختزال كلماته، وتسفيه وعينا بقوالب جاهزة مفروضة.

فليكن الابداع بلا حدود، ولا قيود، ولتتفجر فطرة الناس الى بارئها، تحت هذه الموجات الهادرة الهائمة، وحول تلك الصخور المعيقة المرتعدة، والحق – تعالى – أبدا أحق أن يتبع.

– 2 –

وبعد، فمن يقرأ ومن يسمع، من يقرأ معنا – عبادة وكدحا – فى هذا العدد، تلك الآراء التى دعونا الى الاستماع اليها بعد نشر المقال الرئيسى مترجما فى العدد الماضى حول فرض ” تشذيب المخ” من خلال الصراع الوظيفى الانتقائى، وخاصة فى فترة المراهقة(وعقب الولادة)

وأن كنا فى هذه المرحلة قد بدأنا بآراء” الأصغر”و”غير المختص” فاننا ما زلنا حريصين كل الحرص على الاستماع الى آراء” الأكبر” و”المختص” ونأمل أن يظل الباب مفتوحا والحوار مضطردا حول نفس الموضوع فى أعداد قادمة، وأن يكون فى هذه المحاولة نفسها اجتهاد طيب للتعرف على ماهية” الفطرة” (انظر بداية الافتتاحية)

وفى مجال النقد يعود الينا الزميل محمد فتحى عبد الفتاح بعد غيبة افتقدناه فيها بألم صابر، يعود ناقدا الفيلم السورى”الحدود” فيتعدى – كما عودنا – ظاهر حدود العمل الفنى اذ يتجاوز الحدود الجغرافية الى حدود الهوية الى اغتراب الكيان والتهديد بانعدامه اذا استمرت الفجوة بين صياح الادعاء وحقيقة التشرذم.

ويستمر باب( النقد يواكب النشر) ولكنه يتناول فى هذا العدد قصيدة ( الغربة) للشاعرة كوثر مصطفى، ونغامر بالنشر” بالعامية” مع التحفظ اللازم بضرورة التعليق، فيتصدى أحمد زرزور بقراءة أمينة متحيزة معا حتى يقول ان هذه القصيدة”… لم تكن لتكتب الا بالعامية…..”

فيلتقط القفاز “محمد يحيى” بوصفه قارئا” عاديا جدا” (وليس بشاعر) فى اعادة كتابة نفس القصيدة بالعربية بعد قراءتها الموازية والمحاورة – ضمنا – لقراءة زرزور، فنحصل – ومعنا القارئ… ربما – على محاولة جادة للقراءة الجادة نأمل بها ومعها أن تتفتح آفاق وعينا لمزيد من الحوار والمحاولة.

كما يحل ضيفا – قديما – على باب مثل وموال الزميل د. أحمد حربى بعد طول غياب ــ نحن سببه – ليقول رأيه فى مثل ” ان سرقت اسرق جمل….الخ” فيثر حوارا، ويذكرنا بأخلاق وأخلاق… ونفرح بالمشاركة.

وما زال الابداع القصصى يكرمنا بتوارده أحسن فأحسن فنضعه بين يدى القارئ فخورين فى صمت متأدب.

أما الشعر:وهو التحدى الدائم، فقد نال – بعد قراءة شعر كوثر مصطفى قبل – نصيبه فى تنويعة تحاول تغطية أكبر مساحة من طيف ما هو شعر،ومازلنا نتلقى كلمات متململة من تكرار أحمد زرزور لنفسه، ونحن لا نحسبه كذلك، فليقل، وليململ، ولنحترم قوله – ومن مثله – وململتنا،لتتواصل الحركة أبدا.

وعلى ذكر الشعر يختص جزء من حوار هذا العدد بمناقشة قضية” المسموحات والممنوعات فى مسألة عروض الشعر” ردا على رأى كان قد وصلنا من الصديق سئ الحظ – معنا – د. رضا عطيه.

أما الجزء الثانى من الحوار فهو يجرى على الحدود المشتبهة للعبة الابداع الخطر، وهو جزء مؤجل من العدد السابق(لأٍسباب قاهرة) تناولنا فيه نظرية”جديدة”(هكذا) لما هو “العقل فوق الواعى”

مصطفى حامد، وعقيدة جديدة( العقيدة السرمدية) لعبد الوهاب ا0س0(وربك يستر) ثم سوسيولوجيا شرقية لصلاح الدين محسن محمد، مع الشكر.

وأخيرا فما زالت فصول”الناس والطريق” تتوالى بالقصور الذاتى، أو التوليد الذاتى (القارئ أعلم) فتأكل مساحة من المجلة لا ندرى مدى أحقيتها بها، وان كانت استجابات القراءة هى المسئولة أساسا عن الاستمرار.

– 3 –

فأحوج ما نحتاجه هذه الأيام بوجه خاص، يا شبابنا العنيد المجيد، هو جرعات أكبر من المواجهة المبدعة، لأن المسألة كادت تختزل والعياذ بالله الى صراع بين مؤسسة فوقية تسير بالقصور الذاتى رغم الأردية المدنية، ومؤسسة دينية تعد بالانقضاض المثالى المجهض، خوفا من الابداع المجهول الهوية.

صرخة مكررة، لا جدوى من كتمانها مهما بدت معادة، فأسبابها متجددة.

وفجأة……. !!!

يحدث “التقليب(1) الوزارى، فنتذكر أيام المفاجات، طيبها ورديئها، ونصيح: يا نجى الألطاف نجنا مما نخاف، وندعو بالستر والتوفيق.

وفى مشاركة آملة نحذر من أن الحلول الفوقية ليس لها عمر، وما لم يشارك الناس حتى يتقبلوا التضحية، ويرفضذوا الرشوة، ويختاروا الألم البناء طواعية واستجابة، فسيتكرر”النص” الى ما لا نهاية، ولا قوة الا بالله.

[1] –  تجنبنا استعمال كلمتى “التعديل”، و “الانقلاب” الوزارى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *