الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يناير 1985 / يناير 1985-قصة قصيرة لحن الرندو الحزين

يناير 1985-قصة قصيرة لحن الرندو الحزين

قصة قصيرة

لحن الرندو[1] الحزين

السيد نجم

(ا)

يقال ان كالمنجارو أعلى جبل فى أفريقيا، قمته تسمى( بيت الله)، بجوار هذه القمة هيكل لفهد متجمد، ولا يستطيع بشرى أن يتصور ما كان يبغيه الفهد على هذا الارتفاع .

( ترى هل هناك شئ بين الانسان ونفسه؟)……

( لن أكون الا نفسى) ….. نطق بها يوما ما، بينه وبين نفسه…..

قراره لا رجعة فيه، لن يكون كما يبغى الآخرون .

 (ب)

ولعله الهام فى الأمر …….. أمر عيناه هذه !!.

كان الفهد بكامل خلقته وتكوينه، مصكوك ا لشفتين، مفتوح العينين …

كان جالسا الى شاطئ النيل ممسكا بورقة وقلم وكتب قراره وكتب تساؤله ثم كورها وألقى بها فى النهر(…. كونى خالدة خلود النهر) يتهمونه بالرومانسية، يعترف حينا وأحيانا يسب أجدادهم لاعنا ….. وفى كل الأحوال لم يغير من قراره.

اليوم فقط  قرر قرارا آخر… لن يترك الآخرين على حالهم….

(نعم لن أتركهم؛ يفعلون هذه الأوساخ) .

– ومن يقيم هذه الأفعال ؟

– أنا!

– من أنت ؟

– لست رأس الحكمة …. ولا عين العقل..

– ومع ذلك مصر!

– نعم .. لن أكون الا نفسى ولن أترك الآخرين ….. وهذا قرارى )

(أ)

يقال أن سيزيف أسطورة ….

حملت الصخرة، أمرتك الآلهة، فصعدت الجبل جبرا وهبطته قهرا، قهرتك قمته ….. قلبى كله معك

الطريق الى القمة وعر،ملئ بصخور مدببة، ضئيل أنت بجانب الكتل، ما بين صخرتين يكون الظلام دامسا…. باردا……  …. تعود ثانية تعيد الكرة، لتصعد وتعجز ثم تهبط …. حتى صارت اللعبة، تصعد تهبط، الصخرة محمولة فوق منكبيك والعرق ينساب حتى ركبتيك … ودمك أحمر يصبغ الأشياء من تحتك . الدم يرسم قدميك المفلطختين، اذا ما سرت فوقه يكون لهما رسما يشبه وجهك يا سيزيف……

مشقوقا…. يا عينى.

يشبه العالم وجهك يا سيزيف.. سطوح وندب، علو وهبوط … وعرق ينساب فى كل مكان .

عار الجسد أنت …… حتى صرت رمزا .

لو لم يكن المثالون يعرفون، يا أصدقاء هذا هو جسد عزيزنا سيزيف….عينان من غير جفون، أبدا محدقتان، دوما ترسلان نظرات حدزة…. قل عنها متحفزة أما الساعدان فلهما أوصاف الأخطبوط اذا ما قاتلتا ….

وجناحا حمامة اذا ما رقدا فوق بيض …

وصدره المفتول العضلات … نموذج، حلمتا صدره نافرتان وخط من الشعر الأسود بارز من تحت السرة، وعضوه الذكرى تعرفه اناث المدينة .

سيزيف لم يكن أبدا مغتصبا لأثنى، هن يشتهينه، فقط يعرفن ما فى رأسه، أنه يبغى فراخا صغيرة لعلها تعاونه فى حمل الصخرة .

…. لا تنسوا يا مثالين الصخرة…. فهى فى رسمه.

… ولا تنسوا يا عقلاء القمة …… فهى فى عقله .

(ج)

المكان …موقع لعمل هائل الضخامة والأهمية فى مكان ما .

الزمان … زمن البناء فى وقت ما .

من عليائه، حيث يعمل سائقا لاحدى الوناش الضخمة المستخدمة، يرى الآخرين فى ضآلة الفئران … الا أنه يراهم جيدا، بل ويعرف كل صغيرة وكبيرة هناك .

عندما حضر مبكرا كعادته كل صباح لاحظ أمرا غير عادى، محاولات تمهيد طريق وسط أكوام الأحجار والأتربة، طلاءات جديدة …. الواح كتب بالخط الكوفى …. وأنوار فى وضح النهار.

تساءل …( ماذا فى الأمر؟) .

قالوا …..( رجل هام جدا سوف يحضر) ..

………..( ترى من يكون؟)

……….( لاتعرف بالضبط ) .

فى ركن من الموقع وقف متأملاً اتربته … شرد …. هذا يومك… نعم سوف أقابله لأقص عليه كل صغيرة وكبيرة، أدعهم يكذبون أمام أذنى ولن اسمح لعينى ترى نفاقهم الباهت ….

جلس الى الأرض ظل يعبث باصبعه فوق الرمال الصفراء….. لم يعبا بمن حوله وبما يدور…. كان يرسم خطا مستقيما تمزقه خطوط مائلة بلا بداية وبلا نهاية، ضحك… قهقه بملء شدقيه …. كان ذلك عندما قالوا له

(بجلوسك هكذا مزقت البساط الرملى المرصوص بعناية)

(أ)

.. ويقال ايضا أن الفهد عندما وصل الكهف زأر زئير أسد ولم يسمع ردا…… نظر مليا الى الثلوج من حوله… لم يجد شيئا ما يسرق النظر…. أغمض جفونه، بريق ضوء الشمس المتسلل من بين الأشجار الكثيفة على الثلوج الناصعة البياض يلهب جفونه.

… الا أنه عاد وحدق النظر، ما كان ليصعد وليعانى كل هذه المشقة حتى يغمض عينيه،عيناه ازدادتا اتساعا، بياضهما نشقق بشباك من العروق المحتقنة، المسكين جفونه عينيه التهبت وتورمت حتى ضاق اتساع رؤيتهما .

… ويقال أيضا ان سيزيف ما صنع كهفا، حفر طريقا عميقا فى الجبل صعودا وهبوطا، ولم يلق ما لقاه الفهد ….. كان مشغولا بالصخرة فوق كتفه .

(د)

ما كان على صاحبنا الا الانتظار حتى وصل الركب، تجمع الجمع، رفعت الأعلام ورشت الرمال .

تقدمت الفتيات بالورد والصبايا بالمشربات والهدايا، الكل أحيط بعدسات آلات التصوير السينمائية والصحفية، وسط الدوائر الملفوفة حول المركز حيث أناس لا يبدو منهم أحد، لعلهم المسئولون، بل أكيد هم أو هما أو هو، ضالته التى يبحث عنها ليقص ويحكى ويروى بالتفصيل ثم ليهدأ .

اقتربت منهم، حاول أن يتكلم، صوت حنجرته مخنوق .

… أصواتهم زاعقة، جسده النحيل يقاوم زحامهم، يدفعونه بعيدا فيجد نفسه خارج الدوائر .

أخيرا التصق بأذن أحدهم … سأله:

( هل حقا وصل المنتظر) ؟

( نعم )

( هل هو  مسئول كبير) ؟

( نعم ) …….

(  جاء خصيصا لكى يعرف الحقيقة؟)

( نعم)

(كيف) ؟

… الآخر نظره شذرا .

( هل يريد معرفة المزيد )؟

( نعم )

(كيف لأصل اليه لأقص كل ما أعرف….. عندى أخبار تشيب لها الولدان، عندى حقائق تأخذ بالعقول ويجن منها الحكيم وأعرف بالأرقام والأسماء وأعرف بال ….)

( هل جننت) ؟

(لا)

( هل تشكك فى كل ما سمعناه)

(لاأدرى ماذا سمعتم )؟

( هل تريد افشال المشروع وقتل هذه الفرحة) ؟

( لا بالتأكيد لا … ولكن لماذا الفرحة … ألم تعرفوا الحقيقة كما فهمت ).

( نعم ) ….

( ولكن من المسئول عن هذا الذى أرى ولماذا حضر؟ أليس الهدف معرفة سر تلك الشكوى الخطية المكتوبة التى تقدمت بها ) ؟

( يا غبى ….. أنه وفد صحفى كبير جاء ليسجل بالقلم والصورة أمجاد هذا العمل العظيم ….. الهائل العظمة ).

وعاد صاحبنا الى عليانه، نظر اليهم ثانية من فوق، والركب فى الطريق نحو دفتر التوقيعات ….. ضحك ……. ظل يضحك حتى دمعت عيناه .

1- لحن الرندو: يتميز لحن الرندو بتكرار قيمة معينة من خلال اللحن الأصلى وهو يقابل فى الموسيقى الشرقية “البشرف” ويمكن تشبيهه بــ أ، ب، أ، جـ، أ، د….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *