يناير 1985-الافتتاحية

الافتتاحية

لم تكن ثمة خطة خمسية، لكننا أكملنا خمس سنوات،وهذا هو العدد الأول للسنة السادسة، حقيقة وفعلا:

فالى متى………؟ وكيف؟.

وفى مناقشة ساخنة حول ذلك ومثله، ومن هو قارئنا؟ ولماذا نستمر؟،  والى أين؟

تبينا خطورة أن نحرص على” مجرد الاستمرار”، فأخذنا نتحسس كالعادة حجم دورنا المحدود، لنتبين أننا مدينون لقرائنا الألف بكل شئ،  فهم الذين أعطوا لكلمتنا معنى، وهم الذين صبروا ويصبرون علينا اذا تأخرنا أو شططنا، وهم الذين يستقبلوننا بتسامح وتفهم، وهم الذين ينتظرون صدورنا بلهفة وأمل، ويخافون علينا من التردد أو التوقف أو اليأس.

ولكن، من هم على وجه التحديد؟.

كان من الصعب أن نرد على هذا السؤال بالدقة المناسبة، ففضلنا أن نبدأ بالعكس، فنحاول تحديد من هو ” لا قارئ” هذه المجلة؟ وذلك حتى لا نستدرج بالقصور الذاتى فى الاستمرار، مجرد الاستمرار، فنجد أنفسنا نكتب لغير قارئنا.

فنحن نتصور أن قارئنا:

1- ليس هو الطبيب النفسى التقليدى الذى يجاهد ان يؤكد صفته الطبية بالتشبه بزملائه الأطباء فى الفروع الأخرى، الفروع الأكثر تحديدا والأسرع نتيجة، ذلك الطبيب الذى يكتفى بأن يشخص ويعطى الدواء، ذلك أننا نتصور أن مثل هذا الطبيب الفاضل لا يشغل حيزا من وعيه الآنى: لا ” الانسان” ولا ” التطور”، وهو يمارس عمله اليومى فى اتقان مناسب ولكنه لايربطه بالضرورة بمأزق النمو الراهن للبشرية، وتهديد الانقراض، الأمر الذى نتصور أنه همنا الأول وربما الأخير. والذى نتصور أيضا أنه ان شغل مثل هذا الزميل “العملى” فانه يشغله كنوع من الترويج العقلى المجرد فى أوقات فراغه، بما لا يرتبط بامتحانات وجوده اليومى فى مهنته وحولها.

2- وليس هو الأكاديمى الذى يحجب بكلتا يديه على عينيه كل”ما عدا ذلك” ليظل مطمئنا الى”متانة” جزئيات معلوماته ” الأكيدة”.

3- وليس هو المحلل النفسى الذى يطمئن أكثر حين يفك شفرة النفس ب” كود” التفسيرات الفرويدية الثابتة، وحتى الذى يحلل الأدب بالبحث عن عقد مشهورة فى الفكر التحليلى الراسخ.

4- وليس هو المثقف ذو القبعة المرتفعة، الذى يعامل الكلمة بعطف متعال، يرصها بجوار رصيده المتزايد من الكلمات الجميلة، والأفكار الجيدة، والمعلومات الموسوعية، ثم……….. دمتم.

5- وليس هو المتحمس السياسى، اليسارى خاصة، واليمينى أحيانا، الذى ينتظر منا أن ندعم موقفه السياسى بشهادة “علمية”،  أو أدب ملتزم يطمئنه على صلابة عقيدته، وأننا “فى خدمته “.

لا… ليس هؤلاء قراءنا، ولكن هذا لا يعنى أنهم لا يقرؤوننا، أو أننا لانشكر كلا منهم اذا تفضل بقراءتنا شكرا جزيلا وزيادة، بل أننا أحوج ما نكون الى رأيهم ونقدهم وحتى رفضهم ليكون حوارا كما نأمل دائما…. بعضهم يقرؤنا من باب حب الاستطلاع، والبعض من باب زكاة العقل علينا بصفتنا” مساكين” الثقافة، أو بعض ” أبناء سبيلها”،  والبعض من باب التعلق بما يكره، والبعض من باب الوقاية خوفا من أن تكون لنا – لاقدر الله – قوة مؤثرة مغيرة، وكل هؤلاء أصحاب فضل فى استمرارنا بشكل أو بآخر، لكننا أبدا لا ننسى أنهم ليسوا هم من نخاطب ابتداء وأساسا، بحيث لا يصح أن نتعمد أن نلون مادتنا بما يرضيهم ويجذبهم لنحصل على تأييدهم أو تصفيقهم او ترحيبهم او حتى توقيعهم  فاذا كان الأمر كذلك، فلمن نكتب؟ ومن يقرؤنا ؟.

أما عن سؤال: من يقرؤنا، فلا يمكن أن نرد عليه بغير استطلاع كاف، وبريد وافر، وقد اقتطفنا من بعض الخطابات فى أعداد سابقة بعض ما يحدد معالم قرائنا، الا أن هذا يستحيل ان يكفى، ومع ذلك فنقتطف هذه المرة من ثلاثة خطابات وصلتنا من قراء سبق أن تفضلوا بالاسهام فى الكتابة والنقد فى بعض أعدادنا السالفة:

ثلاث رسائل، وقراءة سريعة فى عمل واعد:

(أ) الرسالة الأولى من الدكتور نعيم عطية يقول فيها:

انتظرنا طويلا هذه المرة صدور العدد الأخير من مجلتكم الغراء(الانسان والتطور)

وأتمنى أن يكون المانع خيرا كما يقولون، وسوف يكون من المحزن حقا أن تتعثر أو تتوقف مجلتكم بعد أن شقت طريقها وأثبتت وجودها، وتميزت بشخصيتها على النحو الذى ألفه فيها القراء. ان مجلتكم تؤدى دورا لا يمكن أن تؤديه مجلة ثقافية أدبية أخرى”.

وسيادته يؤكد بوجه خاص على دور بعض صفحات مجلتنا فى أنها ” تعزز وتقوى تيار الأدب النفسى، وترد اليه اعتباره وبخاصة فى وجه تيار الأدب الاجتماعى والجمعى ” الا أننا نعتز بشهادة هذا العقل الدقيق الرفيع،  وهذا الحس النقدى الرائق، بأن لنا دورا ” ما” متميزا، حتى لو لم نكن نؤدى هذا الذى يؤكده لنا أو يدعونا اليه.

(ب) اما الرسالة الثانية فهى من الدكتور رضا عطية،  وكان مجملها تعقيبا على مقاله الذى سبق ان نشرناه له،  وأسعد ما أسعدنا فى هذا الخطاب هو أنه ــ بعد شكرنا على نشر مقاله ” هكذا ” ــ ذهب ينقد ما كتبه هو نفسه بشجاعة وكأنه قارئ غريب عن الكاتب، يقرأ نفسه أشد ما تكون الأمانة، وهو يتعرف على نفسه من خلال ما نشر له، فيذهب يعيد ترتيب ما كتب لاحقا “…. فلابد من التريب الذى ساعدنى النشر على اكتشافه، او اكتشاف اضطرابه بالنسبة لى، ولذا فالنشر وردود الفعل هما أكبر مؤدب لتلاميذ الثقافة بما يعنيه من مسئولية لا تتاكد ضرورتها والكلام خزين الورق والأدارج “.

وهذا هو بعض ما يشرفنا فيما ننشر، ومايؤكد وظيفتنا المتميزة فى أننا تلاميذ الثقافة على أرض الواقع، لاأكثر ولاأقل، وأنه لا يفيدنا كثيرا أن نحفظ ونردد، كما لا يفيدنا أن نفكر ونختزن وننغلق ونتصور، ولكننا نعيش ونستفيد وتزداد مسئوليتنا بأن ننشر فنمتحن( بضم النون) فنتعلم ونتراجع أو نعيد النظر، فننمو سويا، وهذه الروح تختلف جملة وتفصيلا عن الشائع من تمسك كل كاتب….. بكل ما كتب ويكتب، فكاتبنا هنا – مثلا – يقول:

“اننى أعترف بأننى أعطيت اهمية بالغة لمسألة الأفكار والوعى – ربما تفوق حجمها فى التأثير فى الواقع، ربما لأن شيئا من ذلك يتعلق بتكوينى وعلاقتى الخاصة بالأفكار”.

ثم يقول أيضا:

“…. اننى أغفلت – عن جهل منى بذلك – أنه لايمكن، ولم يمكن حتى الآن أن نصف كاتبا معينا أنه كاتب واقعى أو اشتراكى أو وجودى…….. الخ، الا فيما ندر”

ان لنا الحق أن نفخر بأن الحاحنا على الحوار قد وصل بأمانه الى أن يحاور كاتبنا نفسه، فيجد الشجاعة لأن يتأنى ويتعلم ثم ينطلق ليعود ونحن – قراءه – نواكبه باحترام  متزايد، ومع أن الكاتب تردد فى الموافقة على نشر أفكاره الخاصة هذه التى عهد بها ألينا فى خطابه حين قال

“…وآمل يا سيدى ألا ينشر ذلك الذى قلته – خجلا بالطبع – وربما لأن أيا منها لا يفيد القارئ” مع ذلك يعود ثانية بكل شجاعة ليفوضنا فى النشر قائلا” أو… ليكن لك التقدير فى مسألة النشر أو عدمه”، وقد راينا – مع اعتذارنا الودود – أن تقديرنا هو أن النشر – خاصة مع الخجل الشريف الواعى – هو الأقرب الى طبيعتنا والأنسب لرسالتنا. وإلا فكيف نكون متميزين بعيدين عن حوار”الهجاء والفخر “.

وفى آخر لحظة يصلنا مقال قصير حول نفس الموضوع يعد بحوار طيب، فنفرح بالصديق الأديب محمد محمود عثمان وهو يكشف عن مساهم واع متواضع فى تناوله موضوع أزمة الثقافة “بارهاصات غير متفائلة “.

(ج) أما الرسالة الثالثة، فهى تقديم لمجموعة قصص قصيرة، صدرت مؤخرا فى سلسلة

“كتاب المواهب” باسم “خريف الأزهار الحجرية”  تأليف د. ماهر شفيق فريد، وبتواضع مفرط من كاتب شديد الصدق مرهف الحس جاء فى الرسالة” يسعدنى ان تكتب عنها – أن وجدتها جديرة بذلك – فى ” الانسان والتطور” ولو تعليقا قصيرا فى مقدمة عدد يناير…الخ”

ونشعر أن هذا الطلب الكريم هو” ثقة أخرى” من قارئ صريح أمين، لم يتوان فى نقدنا بكل الكراهية البناءة، ونشرنا له صدقه هذا، واجتهدنا فى ألا نسترضيه ولا نرفضه، بل احترمنا كل ما قال – مع الاختلاف – اكثر من احترامنا لمصفق تابع، أو رافض صامت تعاليا واهمالا، واستجابة لمطلبه نقول: نعم:هى جهد ابداعى متميز يحتاج الى دراسة مطولة فى مقالة كاملة، وبالتالى فان أى ايجاز فى تقديمها قد يقلل من شأنها أكثر مما يعرف بها، ومع ذلك فقد أثارت هذه المجموعة عدة قضايا يجدر الاشارة اليها حتى تكون تحت سمع وبصر من يتفضل من النقاد أو القراء بدراستها او التعليق عليها فى مجلتنا أو غيرها، وأهم من ذلك. تحت سمع وبصر كاتبها وقارئها العادى(1)أولا وأخيرا.

هذا العدد:

ويأتى هذا العدد خليقا بالمناسبة، فيضم من تنويعات المواضيع ما يكاد يغطى أغلب المساحة التى فى تغطيتها فيتقدم لنا الدكتور رفعت محفوظ بعرض سريع لكتاب هام هو “الانسان والجنون” لمؤلفه الطبيب النفسى المجرى بنديكت، ولكنه لا يوجز ويقتطف بقدر ما يقارن ويستلهم، فنجد اتفاقا هاما وذا دلالة بين هذا المنطلق العلاجى الانسانى فى خبرة مصرية موازية لهذه الخبرة الأجنبية رغم اختلاف الظروف، وعلى الرغم مما انتهت اليه خبرة  د.بنديكت حيث بلغنى أنه اعتزل مجال الطب النفسى أصلا ليعمل فى مجال الثقافة والاعلام، وعلى الرغم مما يكتنف الخبرة المصرية المقابلة من صعوبات، فان المقال يفتح باب أمل لا يمكن أغلاقه تماما وأبدا، ويشير الى اتجاه خليق بالرعاية والنماء، يعيد للمريض النفسى والعقلى حقه بقدر ما يلقى عليه مسئوليته فى مسيرتى العلاج والمرض جميعا.

ويواصل وفاء خليل حديثه، وان كان بلغة شعرية طليقة، تختلف عن مقاله السابق فى حواره الأسطورة، وجدير بالذكر – رغم هذا الاختلاف الواضح – أن هذا المقال كان جزءاً لا يتجزأ من المقال السابق، ورغم أن الربط بينهما غير واضح أو مباشر، إلا أن عمقا بذاته – لابد وأن يلتقطه القارئ الأديب – هو الذى جعل الكاتب يقدم الجزئين فى مقال واحد – ولعلنا لا نكون قد حرمناه وحرمنا القارئ من تحسس هذه الوصلة الخفية بهذا التجزئ على عددين.

ويظهر باب جديد ليلحق ببابنا الثابت: مقتطف وموقف، ونسميه “مثل….وموال “،

وكما ورد فى تقديم هذا الباب من أننا “نرجو أن نحقق بهذا الباب الجديد أملنا فى نفرق بين ماهو” علم نفس” وما هو “علم بالنفس”،  حيث يمكن أن نهتدى من اعادة النظر فى “امثالنا” و”مواويلنا” الى أن نتعرف أكثر فأكثر على ماهيتنا، بل على بعض ما يجمعنا والبشر عامة، وذلك من خلال احترام الحدس الشعبى والحكمة السائرة ومحاولة تفسيرها ومعايشتهما بقدر المستطاع، ويفتح هذا الباب هذه المرة مسألة” الاعتمادية…. والحاجة الى الكبير:من؟…. وكيف؟ “.

ويدور حوار هذا العدد بين د. سيد حفظى والفنان عصمت داوستاشى متداخلا مع رئيس التحرير، فنأمل فى لغة جادة جديدة، بين متذوق و مبدع، تضيف الى أبجديتنا الفنية المحدودة ما نستطيع به التذوق الأعمق والدفع الابداعى المتواصل.

ويواصل كاتب الرحلة تأملاته فى” الناس والطريق” ويغلب على الحديث رحلة الداخل من خلال الاسترسال الحر الذى يرجح جرعة السيرة الذاتية على ” الناس” وعلى الطريق…..

وننتظر ماذا ستتفتق عنه التجربة.

****

ويتواصل عطاء المبدعين، أكرم الضيوف، من قصص واشعار، لانملك لها تقديما، وانما نأمل من خلالها ما يمكن أن تعطيه، مع الاعتذار الضرورى لمن يرسل الينا فلا ننشر له، ربما لأننا أقل من أن نقدره كما سبق أن نبهنا، أو لأننا نحتاج اليه بشكل آخر، ولكن المؤكد أننا لن نستطيع أن نستغنى عنه أبدا، ولعله يصبر علينا حتى نلتقى بالنشر أو بدونه ولا يحرمنا من الاحتجاج والتوجيه.

وقصة” الخفير” للزميل محمد فتحى عبد الفتاح قد تحتاج لوقفة خاصة من حيث تاريخ كتابتها(1973) وترجمتها الدقيقة لواقع حى تماما، ثم فتحها لملفات غاية فى الأهمية حول السد العالى والانسان المصرى الحقيقى ببساطته وعناده جميعا.

عودة الى البحث عن قارئنا:

ثم انتبهت وأنا أكاد أختتم هذه الافتتاحية” الخاصة” أننى تحدثت عن الذين لا نكتب لهم، رغم أنهم بعض قرائنا فيما أسميته” لا قارئ” ولم أتحدث عن قارئنا، كما نأمل، وهذا يعنى انى لم أحب على سؤال ” لمن نكتب ؟”.

ابتداء – وكما سبق أن نوهت – نحن لا نعرف قارئنا تحديدا، ولعله يتفضل بتعريفنا بنفسه اكثر فأكثر، لكننا نرجح أنه أحد هؤلاء:

1- واحد يحب المعرفة، ولا يشترط لها شكلا مسبقا، فيجد فينا بعض ذلك مما نحاوله.

2- وواحد يكتشف عمق محاولة الصدق فى الجرأة على التفكير دون انحياز، فتشجعه كتاباتنا – بهذه الطريقة – على أن يفكر لنفسه بنفسه، دون خوف من جنون أو مسارعة الى الانضواء تحت فكر جاهز، حتى لو بدا ثوريا.

3- وواحد يلتقط محاولتنا الموضوعية: ألا ننحاز، فيطمئن الى امكانية التفكير معنا دون تشنج أو هوى جامح.

4- وواحد يلتقط قد ضاق من الأسماء الكبيرة وألأرقام الكثيرة التى لم تزده معرفة عن نفسه بل جعلته تحت رحمتها بلا وجه حق فوجد فينا بابا لما يريد غير هذا

5- وواحد يقرؤنا بالصدفة ويصبر علينا قليلا أو كثيرا ليصحبنا أو يرفضنا بعد قليل أوكثير

6- وواحد يأمل فينا علاجا أو وقاية، فلا يجد الا تحريكا وتحريضا، فيرفضنا، ولكنه يعود ليجد أن الحركة فى اتجاه – مهما قلقلت – هى خير من سكون فى غير اتجاه مهما طمأن.

والباقى – مرة أخرى،  وهم الأغلبية،  لا نعرفهم.

وبعـد:

فها نحن نبدأ سنة جديدة قديمة، اذ لا نجد فيها من جدة الا الاستمرار وهو فى ذاته ليس شيئا، كما نجد كل القوى القديمة متربصة، بل متزايدة القوة والاحاطة والوصاية، وبهذه المناسبة،

فلابد أن نرحب بمجلة جديدة صدرت تحت اسم” النفس المطمئنة” ولكننا أمانة وصدقا نجد أنفسنا محرجين من تطور “هذا الأمر” خشية أن يصبح الدين الاسلامى خاصة وسيلة الى ماهو دونه،  ونخاف أن يصبح الدين الآسلامى خاصة وسيلة الى ما هو دونه، ونخاف أن تظل صفة” اسلامى” هى لافتة تلصق على البنوك والطب وبعض العلوم دون التزام جوهرى بتقديم ابداع فطرى ايمانى خلاق، فتمارس كل الممارسات القديمة( من فوائد فى البنوك وعقاقير فى الطب) تحت اسم اسلامى لا يقدم ولا يؤخر الا أنه يحرج الاسلام بقدر فشل أو نجاح من اتخذه عنوانا لممارسته، وينبهنا – أيضا – محمد محمود عثمان الى احتمال أن ننزلق نحن – أيضا – الى مثل ذلك بعد أن خاف من جرعة الحديث عن الدين فى العدد السابق أن تكون ” مجاراة لما هو مستحدث” ونشير اليه أن يرجع الى العدد الأول منذ خمس سنوات، وسيجدنا أكثر حذرا منه، وها نحن أولاء لا ننسى. لا أنفسنا ولا غيرنا ولسوف يعيننا بيقظته حتما، ومع ذلك فكل كلمة جديدة، وكل محاولة جديدة تتطلب منا الترحيب والأمل فى حوار،  مهما بلغت مخاوفنا،  ولكن واجبا علينا يملى أن نحدز من الفرحة بهذا الاتجاه ” الطب النفسى الاسلامى”،  حتى لا نواجه بعد قليل بالطب النفسى المسيحى، والطب النفسى اليهودى والطب النفسى البوذى، لتكن ثمة طمأنينة، وتأملا، وتجاوزا، وسكينة تتغمد كل قلب مؤمن، وتقيه شر نفسه، وشر الوسواس الخناس، وشر المرض، ولكن ما لزوم أن تلحق صفة كل دين بفرع من فروع الطب، ان هارمونية الإيمان، وأيض الكون Cosmic metabolism والتجاوز عبر الذات الفردية، كلها من مؤشرات النمو البشرى، الا أن اختزال هذه القيم الايمانية العامة الى ممارسات طبية محدودة هو الخطر الذى نبهنا اليه منذ العدد الأول لصدور هذه المجلة(2).

ومرة اخرى، مرحبا وأهلا…. و” بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره

صدق ربنا العظيم

1- فضلنا ان نفصل هذا التنويه بهذا العمل فى ملحق مستقل بهذه الافتتاحية، وكان جزءا منها فى المسودة، والملحق أقل من المقال النقدى وأكثر تفصيلا من هذه الاشارة العابرة – لكننا وجدنا فى اثباته ” هكذا” ما يعبر عن تقديرنا وشكرنا معا.

2- يناير 1980 العدد الأول المجلد الأول:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *