يوليو1983- ذبذبات الصوت

قصة قصيرة     

ذبذبات الصوت

محمد محمود عثمان

 – أهلا …. أهلا .. تفضل

– ……….

– معذرة الصالة طويلة لكن التحف والمناظر الخلابة على جانبيها لن تشعرك بملل .. اشتريتها أخيرا بعد … تذكرت … أظن سيادتك حضرت قبل ذلك …….

– …………..

– آه …. هناك الكثير من مناظر الوجوه الحذرة المذعورة ….. الفزعة… المستنجدة بأحجام مختلفة فى جميع الحجرات …. عظيم أنت مثلى تحب التأكل دون الكلام .

– ….

– ها قد وصلنا إلى الانتريه … سيادتك تأخذ سخن أم بارد … لا شئ … سيجار.

– …..

– آسف أنا أدخن من شهر … بعد اذنك أشعل واحدة.

بدون شك تعجبك فى محله … آسف… الموضوع الذى من أجله أرسلت فى طبلك هو الذى يصيبنى بتوتر الأعصاب. لاشئ سواه يجعلنى لا استغنى عن الدخان .

– ………

– هى السبب … دائما تثير أعصابى … بعد أسبوع واحد من زواجنا وأنت تعلم أنه لم يمض على زواجنا إلا شهر…. واحكم أنت…..لا…. لست أتذكر … حقيقى… لماذا دعوتك … اعذرنى .. الظروف.. على العموم لا أريدك تنصحها … وتنصحها بأى شئ وعلى أى شئ.. تقول لها أنها انسانة …. صاحبة عقل … والنظافة … ضرورى .. النظافة … و… حتى نظافتها الشخصية … تأتى من الخارج … أنها لا تقرب المياه أبدا … لا تغسل وجهها أو قدميها ..ولا ….شئ غريب .. وتصر على الذهاب للفراش وهى على هذا الحال … أكلمها .. ببرود تبلع الكلام … أصرخ فيها بأعلى صوتى … أنت حيوان … حتى الحيوان تعلمه الطبيعة كيف ينظف نفسه …آسف على الازعاج … أنا أمثل لك … انما ولو عرفت ما تفعله مع ابنى … ابنها … تتعجب .. تصور سيادتك تضرب طفلا يريد أن يلعب معها … ويستفهم ببراءة … توبخه بكلمات سوقية … وتضربه ضربا ولا لحمار فى مطلع … آسف

على هذا التصوير… تعبيراتها كثيرة … وليس غريبا أن أكون التقطته منها وأنت أعلم بالمثل … من جاور القوم … آسف .. لكنها الحقيقة وهى دائما مرة .. أقول لها … اقتنعى بالحقيقة أنك شئ تافه وفارغه وابدئى من جديد … أطلت عليك …. شاى … سيجار ….

– …….

– بعد اذنك .. اف ف… من صباح ربنا على لحم بطنى . لكن لا أستطيع الصبر على الدخان… لأنه يخفف توتر أعصابى … تريد أن تجننى … لا وتقول إن أنا المجنون.. أنا .. سيادتك أقول لها اقرئى تثقفى … ربما تعرف بعض الأمور الصحيحة وتقلل الخطأ … دائما تخطئ وتصرفاتها غريبة … على فكرة لاحظت أثر عملية فى أعلى الصدغ الشمال .. يكون حصل لها حادث أثر على تفكيرها نصحتها تعرض نفسها على طبيب نفسى … الدكتور اسمه … اسمه … أنت تعرفه … فى الميدان… لا يوجد غيره فى بلدنا …. آه…. تذكرت … ذهبت أقصد سمعت ان عيادته قذرة جدا حجرتين واحده للمكتب والثانية … غير معقول أن تكون مكان للمرضى … مرتبه قديمة قذرة وسرير …… وأربعة حيطان .. اكيد مريض هذا الدكتور … فعلا … سمعت أنه فى يوم أمسك صدر ممرضة عيادته .. تصدق قال… رضع صدرها … قال….و …… ومرة ضرب مريضا ضربة وقال له تعقل يا مجنون

– ……….

– أنا راجعت نفسى ….. حقيقى وقلت لها أذهبى لآخر…. مشهور أكثر والمشهورون كثير… يارجل أقول لها تثقفى تقعد طول النهار قدام التليفزيون…. صحيح فيه أكلات فى المسلسلات وبعض البرامج لم نسمع عنها أنما ليس هو المطلوب بالضبط، أقول لها فكرى … ناقشى … يقولون الله واحد … وثالوث … كيف … فكرى … اسألى كيف أحصيه وهم يقولون لا تدركه الأبصار … ناقشى … الانسان قال أصله قرد وكل سنة مسابقات لملكات جمال العالـم .. والفول… والانيميا … والانسحاق … والقهر … والتوسع الكمى …  ولا الانقلاب الكيفى … والحروب والتضخم … والأرض تدور … والشمس والقمر وكل شئ … حتى الزمن ينحنى … والكون ينكمش ويتمدد ..  ربنا كبير … وليس كمثله شئ … تقول لى أفعالى شاذة وسلوكى … بعد اذنك …. سيجار ..

– العرق يتصبب منى . الدنيا حر… أفتح لك النوافذ … الحر شديد التكيبف .. النور مقطوع .. آسف … الهواء راكد … أف ف لماذا تطبق الدنيا على … بعد أذنك أخلع الجاكت و .. القميص … الحر …. والبنطلون … أنت مثلى لا تخجل أحب أكون عاريا .. وأفتح النوافذ والأبواب … لا أحب الحواجز كنت سأقول لك واستأذن من البداية … الحر يشتد .. ممكن تخلع الجاكت … أنا مثلك … لا تخف .. تحرر … شعور مبهج أن تكون بلا أردية … وبهدوء تنفس وتلذذ … تنساب فيما حولك بلا عازل … لماذا تحدق فى .. انا … وأنت لا تفهم … لاتفهم … اصرخ .. أصرخ أصرخ .. أنا حر … قلت لها كثيرا أصرخى … وقلت لها أكيد لما نزلت من بطن أمك لم تصرخى وحتى الآن لم تصرخى. تقول لى أنى أنا وغيرى نصرخ وحالنا واقف وزفت … تكره الرجال أشد الكره … وتقول لى أنا مجنون … قالت معظم الفلاسفة والمفكرين كانوا مجانين … بحكم الناس التافهين … تقول لة أنى أحاول انما بالعكس … مجنون ليقال على فيلسوف وتقول لى … ابدأ أبدا … شاذ .. أنا .. أنت غبى مثلها .. انت وأختك تافهون مرضى … اذهبوا بعيدا عنى اذ .. لا لا تقترب من هذه الحجرة …. لا تفتحها … لا .. آه ابعد الأيدى عنى … والعيون المفنجلة والحناجر التى تلوكنى وتريدنى أن أصبح مثلها … ابعدها . الأيدى المصوبة نحوى تنهشنى … العيون تنغرس فى صدرى .

آه . آ آ …

صار الضجيج عاليا والهمهمات صاخبة والطرق يتضخم فى آذنيه . تراجع الى حافة السرير الحديدى الصدئ فى بؤرة عينيه اهتزت الجدارن الأسمنتية المتساوية بشدة . اتسعت حدقتاه عن آخرها. ارتجف جسده النحيل العارى. من تقاطع ساعديه صنع حاجزا أمام وجهه المذعور.

شرع فى تحريك لسانه. تماوجت أبواب الجدارن الموصدة. دار اللسان فى الفم . تقوست الأبواب. جاهد فى لم ذبذبة الصوت. كادت الأبواب تنتزع . أطبق جفنيه. بعدد بصيلات شعر رأسه المحلوق، هامت الأيدى تحاصر جمجمته . تباعدت شفتاه الى أقصى مدى تكور. تقلص. تقلص . تفتتت محاولة الصراخ. تبعرث بسرعة مذهلة الى الأغوار السحيقة .و.. عادت ابواب الجدارن المتقابلة تستقر فى عناد …..

سوهاج – يناير 83

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *